بِطَيبَةَ انزِل وَيَمِّم سَيِّدَ الأُمَمِ
بِطَيبَةَ انزِل وَيَمِّم سَيِّدَ الأُمَمِ / وَانشُر لَهُ المَدحَ وَاِنثُر أَطيَبَ الكَلِمِ
وَابذُل دُموعَكَ واعذُل كُلَّ مُصطَبِرٍ / وَالحَق بِمَن سارَ وَالحَظ ما عَلى العَلَمِ
سَنا نَبيٍّ أَبيٍّ أَن يُضَيِّعَنا / سَليلِ مَجدٍ سَليمِ العِرضِ مُحتَرَمِ
جَميلِ خَلقٍ عَلى حَقٍّ جَزيلِ نَدىً / هَدى وَفاضَ نَدى كَفَّيهِ كالدِّيَمِ
كَفَّ العُداةَ وَكَدَّ الحادِثاتِ كَفى / فَكَم جَرى مِن جَدا كَفَّيهِ مِن نِعَمِ
وَكَم حَبا وَعَلى المُستَضعَفينَ حَنا / وَكَم صَفا وَضَفا جوداً لِجَبرِهِمِ
ما فاهَ في فَضحِهِ مَن فاءَ لَيسَ سِوى / عَذلٍ بِعَدلٍ وَنُصحٍ غَيرِ مُتَّهَمِ
حانٍ عَلى كُلِّ جانٍ حابٍ إن قَصَدوا / حامٍ شَفى مِن شَقا جَهلٍ وَمِن عَدَمِ
لَيثُ الشَّرى إِذ سَرى مَولاهُ صارَ لَهُ / جاراً فَجازَ وَنَيلاً مِنهُ لَم يَرُمِ
كافي الأَرامِلِ وَالأَيتامِ كافِلُهُم / وافي النَدى لِمُوافي ذَلِكَ الحَرَمِ
أَجارَ مِن كُلِّ مَن قَد جارَ حِينَ أَتى / حَتّى أَتاحَ لَنا عِزّاً فَلَم نُضَمِ
وَعامَ بَدرٍ أَعامَ الخَيلَ في دَمِهِم / حَتّى أَباتَ أَبا جَهلٍ عَلى نَدَمِ
وَحاقَ إِذ جَحَدوا حَقَّ الرَّسولِ بِهِم / كَبيرُ هَمٍّ أَراهُم نَزعَ هامِهِمِ
فَهدَّ آطامَ مَن قَد هادَ إِذ طَمِعوا / في شَتِّهِ فَرَماهُم في شَتاتِهِمِ
وَجَلَّ عَن فَضحِ مَن أَخفى فَجامَلَهُم / ما رَدَّ رائِدَ رِفدٍ مِن جُناتِهِمِ
مَن زارَهُ يَقِهِ أَوزَارَهُ وَنَوى / لَهُ نَوافِلَ بَذلٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
كالغَيثِ فاضَ إِذ المَحلُ اِستَفاضَ تَلا / أَنفالَ جودٍ تَلافى تالِفَ النَّسَمِ
سَل مِنهُمُ صِلَةً لِلصَّبِّ واصِلَةً / والثَم أَنامِلَ أَقوامٍ أَنا بِهِمِ
أَقِم إِلى قَصدِهِم سوقَ السُرى وَأَقِم / بِدارِ عِزٍّ وَسوقَ الأَينُقِ التَثِمِ
وَالحَق بِمَن كاسَ واحتُث كاسَ كُلِّ سُرى / فالدَّهرُ إِن جارَ راعى جارَ بَيتِهِمِ
عُج بي عَلَيهِم فَعُجبي مِن جَفاءِ فَتىً / جازَ الدِّيارَ وَلَم يُلمِم بِرَبعِهِمِ
دَع عَنكَ سَلمى وَسَل ما بِالعَقيق جَرى / وَأُمَّ سَلعاً وَسَل عَن أَهلِهِ القُدُمِ
مَن لي بِدارِ كِرامٍ في البِدارِ لَها / عِزٌّ فَمَن قَد لَها عَن ذاكَ يُهتَضَمِ
بانوا فَهانَ دَمي وَجداً فَها نَدَمي / فَقَد أَراقَ دَمي فيما أَرى قَدَمي
يُولونَ ما لَهُمُ مَن قَد لَجا لَهُمُ / فاِشدُد يَداً بِهِمِ وانزِل بِبابِهِمِ
يا بَردَ قَلبي إِذا بُردُ الوِصالِ ضَفا / وَيا لَهيبَ فُؤادي بَعدَ بُعدِهِمِ
ما كانَ مَنعُ دَمي بُخلاً بِهِ لَهُمُ / لَكِن تَخَوَّفتُ قَبلَ القُربِ مِن عَدَمِ
أَهلاً بِها مِن دِماءٍ فيهِم بُذِلَت / وَحَبَّذا وِردُ ماءٍ مِن مياهِهِمِ
مَن نالَهُ جاهُهُم مِنّا لَهُ ثِقَةٌ / أَن لا يُصابَ بِضَيمٍ تَحتَ جاهِهِمِ
بدارِ وَالحَق بِدارِ الهاشِميِّ بِنا / قَبلَ المَماتِ وَمَهما اِسطَعتَ فاِغتَنِمِ
جَزمي لَئِن سارَ رَكبٌ لا أُرافِقُهُ / فَلا أُفارِقُ مَزجي أَدمُعي بِدَمي
فَأيُّ كَربٍ لِرَكبٍ يُبصِرونَ سَنا / بَرقٍ لِقَبرٍ مَتى تَبلُغهُ تُحتَرَم
مَتى أَحُلُّ حِمى قَومٍ يُحِبُّهُمُ / قَلبي وَكَم هائِمٍ قَبلي بِحُبِّهِمِ
جارَ الزَمانُ فَكَفّوا جَورَهُ وَكَفوا / وَهَل أُضامُ لَدى عُربٍ عَلى إِضَمِ
وَحَقِّهِم ما نَسينا عَهدَ حُبِّهِمِ / وَلا طَلَبنا سِواهُم لا وَحَقِّهِمِ
لا يَنقَضي أَلَمي حَتّى أَرى بَلَداً / فيهِ الَّذي ريقُهُ يَشفي مِنَ الأَلَمِ
وَقَد تَشَمَّرَ ثَوبُ النَقعِ عَن أُمَمٍ / شَتّى يَؤمُّونَ طُرّاً سَيِّدَ الأُمَمِ
مَتى أُرى جارَ قَومٍ عَزَّ جارُهُم / عَهدٌ عَلَيَّ السُرى حِفظاً لِعَهدِهِمِ
صَبُّ الدُموعِ كأَمثالِ العَقيقِ عَلى / وادي العَقيقِ اشتياقاً حَقُّ صَبِّهِمِ
أَبَحتُ فيهِم دَمي لِلشَوقِ يَمزُجُهُ / بِماءِ دَمعي عَلى خَدّي وَقُلتُ دُمِ
وَلَيسَ يَكثُرُ إِن آثَرتُ نَضخَ دَمِي / حَيثُ المُلوكُ تَغُضُّ الطَّرفَ كالخَدمِ
مِن سائِلِ الدَّمعِ سالٍ عَن مَعاهِدِهِ / نَعيمُهُ أَن يُرى يَسري مَعَ النّعَمِ
لِلسَّيرِ مُبتَدِرٍ كالسَّيلِ مُحتَفِرٍ / كالطَّيرِ مُشتَمِلٍ بالليلِ مُلتَئِمِ
قَصداً لِمُرتَقِبٍ لِلَّهِ مُنتَصِرٍ / في الحَقِّ مُجتَهِدٍ لِلرُّسلِ مُختَتِمِ
مَن لي بِمُستَسلِمٍ لِلبيدِ مُعتَصِمٍ / بِالعيسِ لا مُسئِمٍ يَوماً وَلا سَئِمِ
لِلبَرِّ مُقتَحِمٍ لِلبرِّ مُلتَزِمٍ / لِلقُربِ مُغتَنِمٍ لِلتُّربِ مُلتَثِمِ
يَسري إِلى بَلَدٍ ما ضاقَ عَن أَحَدٍ / كَم حَلَّ مِن كَرَمٍ في ذَلِكَ الحَرَمِ
دارٌ شَفيعُ الوَرى فيها لِمُعتَصِمٍ / جارٌ رَفيعُ الذّرا ناهٍ لِمُجتَرِمِ
فَهَجرُ رَبعي لِذاكَ الرَّبعِ مُغتَنَمي / وَنَثرُ جَمعي لِذاكَ الجَمعِ مُعتَصَمي
وَمَيلُ سَمعي لِنَيلِ القُربِ مِن شِيَمي / وَسَيلُ دَمعي بِذَيلِ التُّربِ كالدِّيَمِ
يَقولُ صَحبي وَسُفنُ العيسِ خائِضَةٌ / بَحرَ السَّرابِ وَعَينُ القَيظِ لَم تَنَمِ
يَمِّم بِنا البَحرَ إِنَّ الرَكبَ في ظَمأٍ / فَقُلتُ سيروا فَهَذا البَحرُ مِن أمَمِ
وافٍ كَريمٌ رَحيمٌ قَد وَفى وَوَقى / وَعَمَّ نَفعاً فَكَم ضُرٍّ شَفى وَكَمِ
فَقُم بِنا فَلَكَم فَقرٍ كَفى كَرَماً / وَجودُ تِلكَ الأَيادي قَد ضَفا فَقُمِ
ذو مِرَّةٍ فاِستَوى حَتّى دَنا فَرأى / وَقيلَ سَل تُعطَ قَد خُيِّرتَ فاِحتَكِمِ
وَكانَ آدَمُ إِذ كانَت نُبَوَّتُه / ما بَينَ ماءٍ وَطينٍ غَيرِ مُلتَئِمِ
صافح ثَراهُ وَقُل إِن جِئتَ مُستَلِماً / إِنّا مُحَيّوكَ مِن رَبعٍ لِمُستَلِمِ
قَد أَقسَمَ اللَّهُ في الذِّكرِ الحَكيمِ بِهِ / فَقالَ وَالنَجمِ هَذا أَوفَرُ القَسَمِ
ما بَينَ مِنبَرِهِ السّامي وَحُجرَتِهِ / رَوضٌ مِنَ الخُلدِ نَقلٌ غَيرُ مُتَّهَمِ
مُهَنَّدٌ مِن سُيوفِ اللَّهِ سُلَّ عَلى / عِداه نورٌ بِهِ إِرشادُ كُلِّ عَمِ
إِنَّ الَّذي قالَ يُستَسقى الغَمامُ بِهِ / لَو عاشَ أَبصَرَ ما قَد عَدَّ مِن شِيَمِ
تَلوحُ تَحتَ رِداءِ النَّقعِ غُرَّتُهُ / كَأَنَّ يُوشَعَ رَدَّ الشَّمسَ في الظُّلَمِ
وَتَقرَعُ السَّمعَ عَن حَقٍّ زَواجِرُهُ / قَرعَ الرِّماحِ بِبَدرٍ ظَهرَ مُنهَزِمِ
قالَت عِداهُ لَنا ذِكرٌ فَقُلتُ عَلى / لِسانِ داودَ ذِكرٌ غيرُ مُنصَرِمِ
إِنّي لأَرجو بِنَظمي في مَدائِحِهِ / رَجاءَ كَعبٍ وَمَن يَمدَحهُ لَم يُضَمِ
وَإِنَّ لَيلِيَ إِلّا أَن أُوافِيَهُ / لَيلُ امرئِ القَيسِ مِن طولٍ وَمِن سأَمِ
نامَ الخَليُّ وَلَم أَرقُد وَلي زَجَلٌ / بِذِكرِهِ في ذرا الوَخّادَةِ الرُّسُمِ
أَقولُ يا لَكَ مِن لَيل وَأُنشِدُهُ / بَيتَ ابنِ حُجرٍ وَفَجري غَيرُ مُبتَسِمِ
فَقُلتُ لِلرَّكبِ لَمّا أَن عَلا بِهِمُ / تَلَفُّتُ الطَّرفِ بَينَ الضّالِ وَالسَّلَمِ
أَلَمحَةٌ مِن سَنا بَرقٍ عَلى عَلَمٍ / أَم نُورُ خَيرِ الوَرى مِن جانِبِ الخِيَمِ
أَغَرُّ أَكمَلُ مَن يَمشِي عَلَى قَدَمٍ / حُسناً وَأَملَحُ مَن حاوَرت في كَلِمِ
يا حادِيَ الرَّكبِ إِن لاحَت مَنازِلُهُ / فاِهتِف أَلا عِم صَباحاً وادنُ واِستَلِمِ
واسمَح بِنَفسِكَ وابذُل في زيارَتِهِ / كَرائِمَ المالِ مِن خَيلٍ وَمِن نَعَمِ
واسهَر إِذا نامَ سارٍ وامضِ حَيثُ وَنى / وَاسمَح إِذا شَحَّ نَفساً واسرِ إِن يَقُمِ
بِواطئٍ فَوقَ خَدِّ الصُبحِ مُشتَهِرٍ / وَطائِرٍ تَحتَ ذَيلِ اللَّيلِ مُكتَتِمِ
إِلى نَبيٍّ رأى ما لا رأى مَلِكٌ / وَقامَ حَيثُ أَمينُ الوَحي لَم يَقُمِ
جَدّوا فَأَقدَمَ ذو عِزٍّ وَرامَ سُرى / فَلَم تَجِدَّ وَلَم تُقدِم وَلَم تَرُمِ
فَسَوَّدَ العَجزُ مُبيَضَّ المُنى وَغَدا / مُخضَرُّ عَيشِكَ مُغبَرّاً لِفَقدِهِمِ
في قَصدِهِم رافِقِ الإِلفَينِ أَبيَضَ ذا / بِشرٍ وَأَسوَدَ مَهما شابَ يَبتَسِمِ
قَد أَغرَقَ الدَّمعُ أَجفانِي وَأَدخَلَني / نارَ الأَسى عَزمِيَ الوانِي فَوانَدَمِي
ما ابيَضَّ وَجهُ المُنى إِلّا لأَغبَرَ مِن / خَوضِ الغُبارِ أَمامَ الكُومِ في الأَكَمِ
فَلُذ بِبَرٍّ رَحيمٍ بالبَريَّةِ إِن / عَقَّتكَ شِدَّةُ دَهرٍ عاقَ واِعتَصِمِ
يُروى حَديثُ النَّدى وَالبِشر عَن يَدِهِ / وَوَجهُهُ بَينَ مُنهَلٍّ وَمُبتَسِمِ
تَبكي ظُباهُ دَماً وَالسَّيفُ مُبتَسِمٌ / يَخُطُّ كالنونِ بَينَ اللامِ وَاللِّمَمِ
دَمعٌ بِلا مُقَلٍ ضِحكٌ بِغَيرِ فَمٍ / كَتبٌ بِغَيرِ يَدٍ خَطٌّ بِلا قَلَمِ
جاوِرهُ يَمنَع وَلُذ يَشفَع وَسَلهُ يَهَب / وَعُد يَعُد واِستَزِد يَفعَل وَدُم يَدُمِ
لَم يَخشَ قِرناً وَيَخشى القِرنُ صَولَتَهُ / فَهوَ المَنيعُ المُبيحُ الأُسدَ لِلرَّخَمِ
وَالشَّمسُ رُدَّت وَبَدرُ الأُفقِ شُقَّ لَهُ / والنَّجمُ أَينَعَ مِنهُ كُلُّ مُنحَطِمِ
وَإِذ دَعا السُّحبَ حالَ الصَّحو فاِنسَجَمَت / وَمِن يَدَيهِ ادعُها إِن شِئتَ تَنسَجِمِ
سَقاهُمُ الغَيثُ ماءً إِذ سَقى ذَهَباً / فَغَيرُ كَفَّيهِ إِن أَمحَلتَ لا تَشِمِ
قَد أَفصَحَ الضَّبُّ تَصديقاً لِبعثَتِهِ / إِفصاحَ قُسٍّ وَسَمعُ القَومِ لَم يَهِمِ
الهاشِمُ الأُسدَ هَشمَ الزّادِ تَبذُلُهُ / بَنانُ هاشِمٍ الوَهّاب لِلطُّعمِ
كَأَنَّما الشَّمسُ تَحتَ الغَيمِ غُرَّتُهُ / في النَّقعِ حَيثُ وجوهُ الأُسدِ كالحُمَمِ
إِذا تَبَسَّمَ في حَربٍ وَصاحَ بِهِم / يُبكي الأُسودَ وَيَرمي اللُّسنَ بِالبَكَمِ
قَلّوا بِبَدرٍ فَفَلُّوا غَربَ شانِئهِم / بِهِ وَما قَلَّ جَمعٌ بِالرَّسولِ حمِي
فابيَضَّ بَعدَ سَوادٍ قَلبُ مُنتَصِرٍ / واسوَدَّ بَعدَ بَياضٍ وَجهُ مُنهَزِمِ
فاِتبَع رِجالَ السُّرى في البيدِ واسرِ لَهُ / سُرى الرِّجالِ ذَوي الأَلبابِ وَالهِمَمِ
خَيرُ اللَّيالي لَيالي الخَيرِ في إِضَمٍ / وَالقَومُ قَد بَلَغوا أَقصى مُرادِهِمِ
بِعَزمِهِم بَلَغوا خَيرَ الأَنامِ فَقَد / فازوا وَما بَلَغوا إِلّا بِعَزمِهِمِ
يَقومُ بالأَلفِ صاعٌ حينَ يُطعِمُهُم / وَالصّاعُ مِن غَيرِهِ بِاثنَينِ لَم يَقُمِ
مَنِ الغَزالَةُ قَد رُدَّت لِطاعَتِهِ / لَو رامَ أَن لا تَزورَ الجَديَ لَم تَرُمِ
داني القُطوفِ جَميلُ العَفوِ مُقتَدِرٌ / ما ضاقَ مِنهُ لِجانٍ واسِعُ الكَرَمِ
لا يَرفَعُ العَينَ لِلرّاجينَ يَمنَحُهُم / بَل يَخفِضُ الرّاسَ قَولاً هاكَ فاِحتَكِمِ
يا قاطِعَ البيدِ يَسريها عَلى قَدَمٍ / شَوقاً إِلَيهِ لَقَد أَصبَحتَ ذا قَدَم
قَدِ اِعتَصَمتَ بِأَقوامٍ جُفونُهُمُ / لا تَعرِفُ السَّيفَ خِلواً مِن خِضابِ دَمِ
جَوازِمُ الصَّبرِ عَن فِعلِ الجَوى مُنِعَت / وَرَفعُهُ حالَ إِلّا حالَ قُربِهِمِ
في القَلبِ وَالطَّرفِ مِن أَهلِ الحِمى قَمَرٌ / مَن يَعتَصِم بِحماهُ الرَّحبِ يُحتَرمِ
يا مُتهِمينَ عَسى أَن تُنجِدوا رَجُلاً / لَم يَسلُ عَنكُم وَلَم يُصبِح بِمُتَّهَمِ
أَغارَ دَهرٌ رَمى بِالبُعدِ نازِحَنا / فأَنجِدوا يا كِرامَ الذَّاتِ وَالشِيَمِ
إِنَّ الغَضى لَستُ أَنسى أَهلَهُ فَهُمُ / شَبُّوهُ بَينَ ضُلوعِي يَومَ بَينِهِمِ
جَرى العَقيقُ بِقَلبي بَعدَما رَحَلوا / وَلَو جَرى مِن دُموعِ العَينِ لَم أُلَمِ
حَيثُ الَّذي إِن بَدا في قَومِهِ وَحَبا / عُفاتَهُ وَرَمى الأَعداءَ بِالنّقَمِ
فالبَدرُ في شُهبِهِ وَالغَيثُ جادَ لِذي / مَحلٍ وَلَيثُ الشَّرى قَد صالَ في الغَنَمِ
وَإِن عَلا النَّقعُ في يَومِ الوَغى فَدَعا / أَنصارَهُ وَأَجالَ الخَيلَ في اللُّجمِ
تَرى الثُّرَيا تَقودُ الشُّهبَ يُرسِلُها / لَيثٌ هَدى الأُسدَ خَوضَ البَحرِ في الظُّلَمِ
أَخفوا في الإنجيلِ وَالتَّوراةِ بِعثَتَهُ / فأَظهَرَ اللَّهُ ما أَخفَوا بِرَغمِهِمِ
قَد أَحرَزَ البأسَ وَالإِحسانَ في نَسَقٍ / وَالعِلمَ وَالحِلمَ قَبلَ الدَّركِ لِلحُلُمِ
لا يَستَوي الغَيثُ مَع كَفَّيهِ نائِلُ ذا / ماء وَنائِلُ ذا مال فَلا تَهِمِ
غَيثانِ أَمّا الَّذِي مِن فَيضِ أَنمُلِهِ / فَدائِمٌ وَالَّذي لِلمُزنِ لَم يَدُمِ
جَلا قُلوباً وَأَحيا أَنفُساً وَهَدى / عُمياً وَأَسمَعَ آذاناً ذَوي صَمَمِ
يُرِيكَ بِاليَومِ مِثلَ الأَمسِ مِن كَرَمٍ / وَلَيسَ في غَدِهِ هَذا بِمُنعَدِمِ
فَلُذ بِمَن كَفُّهُ وَالبَحرُ ما اِفتَرَقا / إِلّا بِكَفٍّ وَبَحرٍ في كَلامِهِمِ
وَالمالُ وَالماءُ مِن كَفَّيهِ قَد جَرَيا / هَذا لِراجٍ وَذا لِلجَيشِ حينَ ظمِي
فازَ المُجِدّانِ دانٍ أَو مُديمُ سُرىً / فَذاكَ ناجٍ وَذا راجٍ لجودِهم
مِن وَجهِ أَحمَدَ لي بَدرٌ وَمِن يَدِهِ / بَحرٌ وَمِن فَمِهِ دُرٌّ لِمُنتَظِمِ
كَم قُلتُ يا نَفس ما أَنصَفتِ أَن رَحَلوا / وَما رَحَلتِ وَقاموا ثُمَّ لَم تَقُم
يَمِّم نَبيّاً تُباري الرِّيحَ أَنمُلُهُ / وَالمُزنَ مِن كُلِّ هامِي الوَدقِ مُرتَكِمِ
لَو قابَلَ الشُّهبَ لَيلاً في مطالِعِها / خَرَّت حَياءً وَأَبدَت بِرَّ مُحتَرِمِ
تَكادُ تَشهَدُ أَنَّ اللَّهَ أَرسَلَهُ / إِلى الوَرى نُطَفُ الأَبناءِ في الرَّحِمِ
لَو عامَتِ الفُلكُ فيما فاضَ مِن يَدِهِ / لَم تَلقَ أَعظَمَ بَحراً مِنهُ إِن تَعُمِ
تُحيطُ كَفّاهُ بِالبَحرِ المُحيطِ فَلُذ / بِهِ وَدَع كُلَّ طامي المَوجِ مُلتَطِمِ
لَو لَم تُحِط كَفُّهُ بالبَحرِ ما شَمِلَت / كُلَّ الأَنامِ وَأَروَت قَلبَ كُلِّ ظَمِي
لَم تَبرُقِ السُّحبُ إِلّا أَنَّها فَرِحَت / إِذ ظَلَّلَتهُ فَأَبدَت وَجهَ مُبتَسِمِ
وَالماءُ لَو لَم يَفِض مِن بَينِ أَنمُلِهِ / ما كانَ رِيُّ الظَّما في وردِهِ الشَّبِمِ
يَستَحسِنُ الفَقرَ ذو الدُّنيا لِيَسأَلَهُ / فَيأمَنَ الفَقرَ مِمّا نالَ مِن نِعَمِ
وَالبَدرُ أَبقى بِمَرآهُ لِيُعلِمَنا / بالانشِقاقِ لَهُ آثار مُنثَلِمِ
أَزالَ ضُرَّ البَعيرِ المُستَجيرِ كَما / بِهِ الغَزالَةُ قَد لاذَت فَلَم تُضَمِ
مِن أَعرَبِ العُربِ إِلّا أَنَّ نِسبَتَهُ / إِلى قُرَيشٍ حُماةِ البَيتِ وَالحَرَمِ
لا عَيبَ فيهِم سِوى أَن لا تَرى لَهُمُ / ضَيفاً يَجوعُ وَلا جاراً بِمُهتَضَمِ
ما عابَ مِنهُم عَدُوٌّ غَيرَ أَنَّهُمُ / لَم يَصرِفوا السَّيفَ يَوماً عَن عَدُوِّهِمِ
مَن غَضَّ مِن مَجدِهِم فالمَجدُ عَنهُ نأى / لَكِنَّهُ غُصَّ إِذ سادوا عَلَى الأُمَمِ
لا خَيرَ في المَرءِ لَم يَعرِف حُقوقَهُمُ / لَكِنَّهُ مِن ذَوي الأَهواءِ وَالتُّهَمِ
عِيبَت عِداهُم فَزانوهُم بِأَن تَرَكوا / سُيوفَهُم وَهيَ تِيجانٌ لِهامِهِمِ
تَجرِي دِماءُ الأَعادِي مِن سُيوفِهِم / مِثلَ المَواهِبِ تَجري مِن أَكُفِّهِمِ
لَهُم أَحاديثُ مَجدٍ كالرِياضِ إِذا / أَهدَت نَواسِمَ تُحيي بالِيَ النّسَمِ
تَرى الغَنِيَّ لَدَيهِم وَالفَقيرَ وَقَد / عادا سَواءً فَلازِم بابَ قَصدِهِمِ
قُل لِلصَّباحِ إِذا ما لاحَ نُورُهُمُ / إِن كانَ عِندَكَ هَذا النورُ فَابتَسِمِ
إِذا بَدا البَدرُ تَحتَ اللَّيلِ قُلتُ لَهُ / أَأَنتَ يا بَدرُ أَم مَرأى وُجوهِهِمِ
كانوا غُيوثاً وَلَكِن لِلعُفاةِ كَما / كانوا لُيوثاً وَلَكِن في عُداتِهِمِ
كَما قائِلٍ قالَ حازَ المَجدَ وارِثُهُ / فَقُلتُ هُم وارِثوهُ عَن جُدودِهِمِ
قَد أَورَثَ المَجدَ عَبدَ اللَّهِ شَيبَةُ عَن / عَمروِ بنِ عَبدِ مَنافٍ عَن قُصَيِّهِمِ
فَجاءَ فيهِم بِمَن جالَ السَّماءَ وَمَن / سَما عَلى النَّجمِ في سامي بُيوتِهِمِ
فالعُربُ خَيرُ أُناسٍ ثُمَّ خَيرُهُمُ / فُرَيشُهُم وَهوَ فيهِم خَيرُ خَيرِهِمِ
قَومٌ إِذا قيلَ مَن قالوا نَبيُّكُمُ / مِنّا فَهَل هَذِهِ تُلفى لِغَيرِهِمِ
إِن تَقرأِ النَّحلَ تُنحِل جِسمَ حاسِدِهِم / وَفي بَراءةَ يَبدو وَجهُ جاهِهِمِ
قَومُ النَّبِيِّ فإن تَحفِل بِغَيرِهِمِ / بَينَ الوَرى فَقَدِ استَسمَنتَ ذا وَرَمِ
إِن تَجحَدِ العُجمُ فَضلَ العُربِ قُل لَهُمُ / خَيرُ الوَرى مِنكُمُ أَم مِن صَميمِهِمِ
مَن فَضَّلَ العُجمُ فَضَّ اللَّهُ فاهُ وَلَو / فاهوا لَغصّوا وَغَضّوا مِن نَبيِّهِمِ
بَدءاً وَخَتماً وَفيما بَينَ ذَلِكَ قَد / دانَت لَهُ الرُّسلُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ
لَئِن خَدَمتُ بِحُسنِ المَدحِ حَضرَتَهُ / فَذاكَ في حَقِّهِ مِن أَيسَرِ الخِدَمِ
وَإِن أَقَمتُ أَفانِينَ البَديعِ حُلىً / لِمَدحِهِ فَبِبَعضِ البَعضِ لَم أَقُمِ
وَما مَحَلُّ فَمي وَالشِّعرِ حَيثُ أَتى / مَدحٌ مِنَ اللَّهِ مَتلوٌّ بِكُلِّ فَمِ
لَكِنَّني حُمتُ ما حَولَ الحِمى طَمَعاً / مَن ذا الَّذي حَولَ ذاكَ الجودِ لَم يَحُمِ
يا أَعظَمَ الرُّسلِ حاشا أَن أَخيبَ وَإِن / صَغُرتُ قَدراً فَقَد أَمَّلتُ ذا عِظَمَ
لَعَلَّنِي مَعَ عِلّاتي سَتُغفَرُ لي / كُبرُ الكَبائِرِ وَالإِلمامُ بِاللَّمَمِ
أَنتَ الشَّفيعُ الرَّفيعُ المُستَجيبُ إِذا / ما قالَ نَفسِيَ نَفسِي كُلُّ مُحتَرَمِ
مالي سِواكَ فآمالي مُحَقَّقَةٌ / وَرأسُ مالِي سُؤالي خَيرَ مُعتَصَمِ
فَاشفَع لِعَبدِكَ وادفَع ضُرَّ ذي أَمَلٍ / يَرجو رِضاكَ عَسى يَنجُو مِنَ الأَلَمِ
حَسبي صِلاتُ صَلاةٍ سُحبُها شَمِلَت / آلاً وَصَحباً هُمُ رُكنِي وَمُلتَزَمِي
بِصِدقِ حُبّيَ في الصِّديقِ فُزتُ وَلا / أُفارِقُ الحُبَّ لِلفاروقِ لَيثِهِمِ
وَقَد أَنارَ بِذي النُورَينِ صَدرِيَ هَل / نَخافُ ناراً وَإِنّا أَهلُ حُبِّهِمِ
بِغَيثِهِم يَومَ إِحسانٍ أَبي حَسَنٍ / غَوثِي وسِبطَيهِ سِمطي جيدِ مَجدِهِمِ
أُطفِي بِحَمزَةَ وَالعَبّاسِ جَمرَةَ ذي / بأسٍ وَأَطوي زَمانِي في ضَمانِهِمِ
صَحبُ الرَّسولِ هُمُ سُولِي وَجودَهُمُ / أَرجو وَأَنجو مِنَ البَلوى بِبالِهِمِ
أُحِبُّ مَن حَبَّهُم مِن أَجلِ مَن صَحِبوا / أَجَل وَأُبغِضُ مَن يُعزَى لِبُغضِهِمِ
هُمُ مَآلي وَآمَالِي أَمِيلُ لَهُم / وَلا يَمَلُّ لِسانِي مِن حَدِيثِهِمِ
لَكِن وَإِن طَالَ مَدحِي لا أَفِي أَبَداً / فأَجعَلُ العُذرَ وَالإِقرارَ مُختَتَمِي