القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو حَيّان الأندَلـُسي الكل
المجموع : 23
وَعَيَّنَني الوجودُ لكلِّ فَضلٍ
وَعَيَّنَني الوجودُ لكلِّ فَضلٍ / أَقَرَّ بِهِ المُعادي وَالمُوالي
فَلَستُ بِعاتِبٍ أَبناءَ دَهرِي / وَلَستُ بِماقتٍ جَورَ اللَيالي
كَفاني رُتبةً أَن صرت فَرداً / فَمالي في المَعالي مِن مِثالِ
إِذا ما لُحتُ في أُفُقٍ لِناسٍ / أَشارُوا بِالأَصابِعِ كَالهِلالِ
إِذا قالوا أَبو حَيان هَشَّت / إِلى رُؤيايَ أَفرادُ الرِجالِ
وَوَدُّوا لَو أَكونُ لَهُم نَجِياً / لِيَحظَوا بِالمَعاني وَالمَعالي
أَحُلُّ لَهُم غَوامِضَ مُشكِلاتٍ / إِذا الأَفهامُ صارَت في عِقالِ
وَأُفصِحُ عَن مَعانٍ غامِضاتٍ / إِذا خَرسَ الفَصيحُ لَدى المَقالِ
وَكانَ الدَهرُ عُطلاً مِن إِمامٍ / فَأَضحى جيدُهُ بي وَهوَ حالِ
سَلَكتُ طَريقَةً في الشَرعِ كانَت / طَريقَ الناسِ في الحِقَبِ الخَوالي
وَفارَقتُ التَعصُّب في أُمورٍ / فَأَدرَكتُ القَصِيَّ مِن المَنالِ
وَما أَبناءُ دَهري يَعرِفوني / وَهَل لِلنَقصِ علمٌ بِالكَمالِ
رَأَوا شَبحاً يُشاكِلُهُم فَقاسوا / بِأَني مِثلُهُم وَالفَرقُ عالِ
وَلَو كانَ القِياسُ يُفيدُ شَيئاً / لَكانَ الصَخرُ مِن ضَربِ اللآلي
أَقَمتُ بِمِصرِهِم عِشرين حَولاً / وَخَمساً مُملِيا غُرَرَ الأَمالي
فَما دَنَستُ آمالي بِمالٍ / لَهُم يَوماً وَلا علِموا بِحالي
سَجِيَّةُ زاهِدٍ فيما لَدَيهم / غَني بِالعِلم عَن خَوَلٍ وَمالِ
وَعاشَ بِدَعوى العِلمِ ناسٌ وَما لَهُم
وَعاشَ بِدَعوى العِلمِ ناسٌ وَما لَهُم / مِن العلمِ حَظٌّ لا بِعَقلٍ وَلا نَقلِ
فَيا عَجَباً للحَبرِ يَحرم رزقه / بعلم وَللأغمار ترزق بِالجهلِ
مُسوَدُّ فَودِكَ بِالمبيضِّ مُشتعِل
مُسوَدُّ فَودِكَ بِالمبيضِّ مُشتعِل / وَأَنتَ بِالهزل وَقتَ الجدِّ مُشتغِلُ
أَما اتَّعظتَ بِفِعلٍ كُله خَطأٌ / أَلا اِمتَعَظتَ لقَولٍ كُلّه خَطَلُ
ناهَزتَ ستِّينَ عاماً ما اِنتَهَزت إِلى / رُجعاكَ مِن فُرصَةٍ يُمحى بِها الزَلَلُ
زَلَّت بِكَ القدمُ الخَسرى وَزالَ بِها / عَنِ الهُدى قَدَم بِالضدِّ يَتَّصِلُ
فَأَنتَ تُسرِعُ قُدماً في الضَلال وَما / يَرُدُّك الوازِعانِ الخَوفُ وَالخَجَلُ
قَسَت قُلوبٌ فَلا ذِكرى تُلَيِّنُها / جَفَّت جُفونٌ فَما للحُزنِ تَنهَمِلُ
إِنَّ السَلامَةَ في تَركِ الأَنامِ هُمُ / كَالسُمِّ كُل أَديمٍ حَلَّ يِنتَغِلُ
يَصِحُّ دينُكَ إِذ ما كُنتَ منفرِداً / عَنهُم وَإِن تَرَهُم دَبَّت لَهُ العِلَلُ
وَا رَحمَتا لِفُؤادي كَم أَعنِّفُهُ / فَلَيسَ يَردعُهُ قَولٌ وَلا عَمَلُ
مَرَّت عَلَيهِ دُهورٌ لا يَصيخُ إِلى / داعي الهُدى وَلَهُ نَحوَ الصَبا مَيَلُ
وَعلِّقتُهُ ما اسودَّ مِنهُ سِوى المُقَل
وَعلِّقتُهُ ما اسودَّ مِنهُ سِوى المُقَل / وَوافِر دَيجورٍ عَلى الرِدفِ قَد أَطَل
بِقَدٍّ كَأَنَّ الخُوط عاطاهُ لينَهُ / وَوَجهٍ كَأنَّ البَدرَ فيهِ قَد اِكتَمَل
أَقَمنا زَماناً وَصلُنا لمحُ ناظِرٍ / وَجلسَةُ أُنسٍ تَهزِمُ القَلبَ بِالشُّعَل
فَلا جُرأة منّي فأهجم لاثِماً / وَلا رَحمة مِنهُ فَيَرحَم من قَتل
وَلَمّا تَصاوَنّا حَياءً وَحِشمَةً / وَتُقتُ إِلى التَقبيلِ أَوسَعتُ في الحِيل
وَضَعتُ عَلى عَينيهِ منّي أَنامِلاً / وَغَمَّضتُ من عَينيَّ فانساعت القُبَل
رَشَفتُ رُضاباً نَفحةُ المسكِ دُونَهُ / كَأَنَّ بِهِ الصَهباءُ شُجَّ بِها العَسَل
وَصِرتُ مَتى أَلثِمه أصنع بِهِ كَذا / فَيا لَكِ مِنها حيلة تُبلِغُ الأَمَل
وَطالَ بِنا هَذا فَزالَ حَياؤُها / وَصِرنا لأَمرٍ لا حَياءَ وَلا خَجَل
فَعانَقتُ من عطفيهِ دِعصا وَخَوطَةً / وَذَبَّلتُ من خَدَّيهِ وَرداً وَما ذَبل
فَطَوَّقتُ جيدَينا بِحَيَّةِ شعرِهِ / إِذا ما سعت للمتن دبت إِلى الكفل
تجنّبتُ ما يَختارُ مِنهُ ذَوو الخَنا / قَبيحَ فَعالٍ يُوجِبُ المَقتَ وَالزّلَل
فَلم أَرَ مِثلِي عاشِقاً ذا صَبابَةٍ / تَمكَّنَ مِما يَشتَهيهِ وَما فَعل
وَلِلنَفسِ آمالٌ فَإِن ظَفِرَت بِما
وَلِلنَفسِ آمالٌ فَإِن ظَفِرَت بِما / تؤمِّلُ يَوماً أَنشأَت بَعدُ آمالا
تُسَرُّ بِشيءٍ إِن تَنَلهُ بِمنقضٍ / وَإِن لا تَنَلهُ صارَ حُزناً وَأَوجالا
وَتجمع مالاً لِلَّذي هُوَ وارِثٌ / فَلا أَحرَزَت أَجراً وَلا نعِمت بالا
وَأَدكنَ مثل الطَودِ أمّا سراتُهُ
وَأَدكنَ مثل الطَودِ أمّا سراتُهُ / فَفَيحاءُ يَعلوها عَديدٌ مِن الرجلِ
لَهُ جُثَّةٌ عُظمى كَأنَّ إِهابَهُ / صَفيحُ حَديدٍ لا يُخَرَّقُ بِالنَبلِ
لموحٌ بِلخصاوَينِ كَالنار أُشعِلَت / يَرى بِهما ما كانَ أَخفى مِن النَملِ
وَيردى عَلى غُلبٍ غِلاظٍ كَأَنَّها / عوامِدُ صَخرٍ قَد غَنِينَ عَن النَقلِ
إِذا هَزَّ ما بِالأَرضِ مادَت بِأَهلها / كَأنَّ بِها الزِلزالَ مِن وَطأةِ الثِقلِ
سَفينةُ بَرٍّ قَلعها أذُنٌ لَهُ / تُراوِحُ جَنبيهِ فَيَمشي عَلى رَسلِ
وَخُرطومُه قَد قامَ فيما يَرومُهُ / مَقامَ يَدٍ في الأَخذِ وَالرَميِ وَالأَكلِ
عجِبتُ لَهُ مِن جِلدَةٍ لانَ مسُّها / وَيَقوى عَلى قَلعِ العَظيمِ مِن النَخلِ
وَيَملؤُه ماءً يبخُّ بِهِ الوَرى / كَأَنَّهُم قَد رَشَّهُم مِنهُ بِالعطلِ
وَيَلعَبُ بِالأَسيافِ حَتّى كَأَنَّها / مَخاريقُ بِالأَيدي تُحَفُّ فَتَستعلي
إِذا ما رَأى السُلطانَ قَد خَرَّ بارِكاً / لَهُ خدمة غَرزاً بِأَنيابِهِ العُصلِ
ذَكيٌّ أَخوفَهمٍ عَلى عظمِ جسمِهِ / يَكادُ يُباري في الذَكاءِ ذَوي العَقلِ
فَلَو صَحَّ قَولٌ بِالتَناسُخِ قُلتُ قَد / سَرَت رَوحُ أَرسطو لِجُثمانِهِ العَبلِ
غَريب بِلادٍ قَد تَأنَّسَ بَعد ما / تَوحَّشَ دَهراً في يَبابٍ وَفي أَهلِ
تَعالى الَّذي أَنشاهُ شكلَ بَعوضَةٍ / فَلا فَرقَ إِلا بِالتَكثُّرِ وَالقِلِّ
أَلا اسمع أَخي وَاحفَظهُ إِن كُنتَ ذا عَقل
أَلا اسمع أَخي وَاحفَظهُ إِن كُنتَ ذا عَقل / كَلامَ نَصيحٍ فاهَ بِالجَدِّ لا الهَزلِ
عليكَ كِتابُ اللَهِ وَالسُنَن الَّتي / تَناولَها أَهلُ العَدالةِ في النَقلِ
وَقُل إِنَّ أَصحابَ الرَسولِ هُمُ الأُلى / بِهم يُقتَدى في الدينِ بِالقَولِ وَالفعلِ
هُم خَيرُ خَلقِ اللَهِ بَعد نبيِّهم / فَلَيسَ لَهُم في السَبقِ وَالفَضلِ مِن مِثلِ
وَهُم آمَنوا بِاللَهِ بَدءاً وَجاهَدوا / فَأَفنَوا قبيل الكُفرِ بِالسَبي وَالقَتلِ
وَهُم نَقَلوا علمَ الشَريعةِ لِلَّذي / أَتى بَعدَهُم نَقلاً بَريئاً مِن الخَبلِ
فَما يَكُ مِن خَيرٍ لِمَن جاءَ بَعدَهُم / فَهُم لَهُمُ حظٌّ مِن الأَجرِ وَالفَضلِ
وَأَخبارُهُم مَنقولَةٌ بِتَواترٍ / وَآحاد النقل الَّذي صحَّ في العَقلِ
فَما مِنهُمُ مَن طارَ يَوماً وَلا مَشى / عَلى الماءِ لا يَندى لَهُ أَخمصُ الرِجلِ
وَلا مُخبرٌ بِالغَيبِ لا وَمُصيّرٌ / دَقيقَ حُوارى مِن تُرابٍ وَمِن رَملِ
وَلا مَن دَنا نَحوَ السَماءِ بِطَرفِهِ / لمُزنٍ فَجادَت بِالوَكيفِ لَدى المَحلِ
وَلا مُنفِقٌ بِالغَيبِ بيضَ دَراهمٍ / بلا ضربِ ضرّابٍ وَلا مَعدِنٍ أَصلي
ولا خاطِفٌ مِن الهَواء فَواكِهاً / فَوَردٌ بِلا شَوكٍ وَتمرٌ بِلا نَخلِ
دَعَوا مُعجِزاتِ الأَنبياءِ كَرامةً / لَهُم وَادَّعَوها حَذوكَ النَعلَ بِالنَعلِ
ينالُونَ صيتاً في الوَرى وَرِياسَةً / عَلَيهم وَأَموالاً تُجَمَّعُ بِالمِثلِ
وَزادُوا عَلى هَذا مُحالاً وَأَسنَدوا / لأَنفسِهم ما لَم يَكُن قَطُّ للرُسلِ
فَمن ذا كَأنَّ الشَخصَ في الآنِ واحِداً / يَحِلُ جِهاتٍ مِن عُلُوٍّ وَمِن سِفلِ
يحدِّثُ ذا في مِصرَ وَهوَ محدِّثٌ / لآخر في شامٍ وَآخرَ في حَقلِ
وَيغطِسُ في نَهرٍ لِغسلٍ فَيَلتَقي / مَدائنَ أَقوامٍ عَلى الحَزنِ وَالسَهلِ
وَيَنكِحُ بِكراً فيهم وَلَدت لَهُ / بَنين فَأَضحى في بَنينَ وَفي أَهلِ
مُقيماً لَدَيهم في سِنينَ مُمَتَّعاً / بِأبنائِهِ وَالعِرسُ مُجتَمعُ الشَملِ
فَيَخرُجُ مِن ذا النَهرِ يُلقي ثِيابَهُ / عَلى حافَةِ النَهرِ الَّذي جاءَ للغسلِ
وَذا كُلُّهُ قَد كانَ في بَعضِ ساعَةٍ / غِطاسٌ وَتَزويجٌ وَردّ بِلا نَسلِ
يَسمّونَهُ طَيَّ الزَمانِ كَما / يَكونُ لَهُم طَيُّ المَكانِ بِلا فَضلِ
وَيمشي إِلى الأَجداثِ يُخبرُ بِالَّذي / يَكونُ بِها بالاسم وَالوَصفِ وَالشَكلِ
وَيَأتي رَسولُ اللَهِ مِلقَبرِ يَقظَةً / إِلَيهِ فَيُثنى بِالمعارِفِ وَالفَضلِ
وَيَسري إِلَيهِ السِرُّ مِن قَبرِ شَيخِهِ / فَتَضطَربُ الأَسرارُ في قَلبهِ تَغلي
وَيقرأُ في آنٍ لَهُ أَلفَ خَتمَةٍ / تُرَتِّلُها حَرفاً فَحَرفاً عَلى مَهلِ
وَيَجعلُ في الإِبريقِ ماءً لِشُربِهِ / إِذا هُوَ زَيتٌ للسَراجِ وَللأَكلِ
تَدورُ رَحاهُ إِن يُرِد طَحنَ بُرِّهِ / بِغَيرِ مُديرٍ لا حِمارٍ وَلا بغلِ
وَأَعمى يَرى الأَفلاكَ في يَقظَةٍ لَهُ / مُعاينة أَجناسها أَبداً يُملي
فَهذي رَصاصٌ ذي نَحاس وَهَذِهِ / لُجينٌ وَهَذي عَسجدٌ نادرُ المِثلِ
وَذي جَوهرٌ هَذي زُمُرُّدَةٌ وَها / ذِ ياقوتةٌ مِن نُورها الشَمسُ تَستَجلي
وَفي الأقصر المِعراجُ مِعراجُ يوسُفٍ / فَيصعدُ للسَبعِ الطِباقِ وَيَستَخلي
وَلَيسَ بِمُحتاجٍ لِجبريلَ لا وَلا / براقَ وَلَكن رَميةُ القَوسِ بِالنبلِ
يُقيم بِها النسوانُ وَالمُردُ أَزمُناً / غِناءٌ وَرَقصٌ في شَراب وَفي أَكلِ
وَمَكشوف جُحرٍ لا يُصلّي واخر / عَلى السَطحِ بادٍ أَيرُه كادَ أَن يُدلي
يَزورُهما أَهلُ النُهى حَسبُوهما / وَلِيَّينِ فَاختَصّوهُما أَحسن الفِعلِ
وَلَما قَضى مَكشوفُ جُحرٍ سَعى إِلى / جَنازتِهِ مَشياً ذوو العَقدِ وَالحلِّ
عَلى النَعشِ يَرمونَ المَناديلَ ماسِحِي / وجوهٍ بِها شاهَت وَجوهُ ذَوي الجَهلِ
وَلَما قَضى ذو السَطحِ قامَ مَشايخٌ / بِدَعوتِهِ فَوقَ السُطوحِ فَيَستَعلِي
وَغَيداءَ مثلُ البَدرِ تُبدي دِيانَةً / وَأَنّى يُرى دينٌ لِمشقوقة القُبلِ
فَيصبغُ بِالحِناءِ جبريلُ كَفَّها / فَيُصبحُ مِنها البَيتُ مَلآنَ بِالرجلِ
يَزورُونَها فَوجاً فَفَوجا وَكَفُّها / مِن الجَسِّ وَالتقبيلِ في أَعظمِ السَفلِ
أَفاضوا عَلَيها المالَ سَكباً فَأصبَحَت / تَحِنُّ إِلى خِدنٍ وَتَرنو إِلى خِلِّ
وَفَرَّت فَلا يَدرونَ أَينَ تَوجهت / فِرار غَزالٍ خافَ مِن وَرطَة الحَبلِ
فَيا لَكَ مِن ذي خِصيةٍ قَد تَلعَّبت / بِهِ ذاتُ شَفرين اِستَفزَّت أَخا جَهلِ
وَكَم لَعِبَت بِالقَومِ في مَشرَع الهَوى / ذَواتُ الخُدود الحُمرِ وَالأَعينِ النُجلِ
طَغامٌ رُعاعٌ تابَعوا كُلَّ ناعِق / جُسُومٌ بِلا حِسٍّ قُلوبٌ بِلا عَقلِ
وَكاتبٍ شاعرٍ أَبدى بِمُهرَقهِ
وَكاتبٍ شاعرٍ أَبدى بِمُهرَقهِ / نَظماً وَشعراً بِهِ بانَت فَضائِلُهُ
أَوَدُّ لَثمَ فمٍ بِالدُرِّ مَنطقُهُ / وَلَثمِ كَفٍّ ندٍ بِالدُرِّ نائِلهُ
لَمّا أَبى ساخري مِن قُلةٍ لَهُما / قَبَّلتُ ما سَطَّرت فيهِ أَنامِلُهُ
فَصارَ بَينَ فَمي وَبَينَ مَبسِمِهِ / طرسٌ كَفاني مِن المَحبوبِ وَاصِلُهُ
أَمّا أَنا فَسَقيمُ الجسمِ ناحِلُهُ / وَمَن أكتِّم قاسي القَلب باخِلهُ
بَدرٌ عَلى غُصنٍ غُصنٌ عَلى كُثُبٍ / السحرُ كاحِلُهُ وَالحُسنُ شامِلُهُ
إِني لقبحِ مقال أَنتَ تَعرِفُهُ / هَجَرتَني وَجَرى بِالهَجرِ قائِلُهُ
أَصفَرُّ مِن فَرَق يَربَدُّ مِن حَنَق / كَأنَّما نَحنُ مَقتولٌ وَقاتِلُهُ
يَخافُ منّي اِفتِضاحاً في مَحبَّتِهِ / وَالزينُ يَأنَفُ مِن شَينٍ يُداخِلُهُ
وَما دَرَت شَفتي حُبي فَتذكره / حَتّى كَأني بِمَن أَهواهُ جاهِلُهُ
لاحَت لَنا وَلَها في ساقِها خَلخال
لاحَت لَنا وَلَها في ساقِها خَلخال / وَقَد تَزيّنَ مِنها خَدُّها بِالخال
لَما ظَفِرتُ بِها في مَنزلٍ لي خال / قُلتُ اِرحَمي مُدنَفاً قالَت نَعَم يا خال
وَأَسفَرَت عَن مُحَيّا مَن رآه خال / بَدراً بَدا وَنَضَت عَنها بُرودَ الخال
كأنها غُصُنٌ بِالرَوضِ مِن ذي خال / وَلا تَسَل ما جَرى مِن ناهدٍ مبخال
يَقول غَبي لي صَديقٌ ذَخَرتُهُ
يَقول غَبي لي صَديقٌ ذَخَرتُهُ / لِخَطبٍ مُعين لي وَلَو بِمَقالِهِ
وَلَم يَعلم المسكينُ أَنَّ صَديقَهُ / عَدوٌ مُبينٌ زائِدٌ في نِكالِهِ
أَرى كُلَّ ذي فَقرٍ حَقيرٍ إِذا اِقتَنى
أَرى كُلَّ ذي فَقرٍ حَقيرٍ إِذا اِقتَنى / تَعاظَمَ بِالمَلبوسِ مَع فارِهِ البَغلِ
يَرى أَنَّهُ قَد جَلَّ في أعيُنِ الوَرى / وَما هُوَ إلا البَغلُ قَد جَلَّ بِالجلِّ
يا ويحَ روحي لَكم عاصيتُ عُذّالا
يا ويحَ روحي لَكم عاصيتُ عُذّالا / حَتّى جَرَرتُ إِلى الآثامِ أَذيالا
أَيامَ أَصبُو إلى هَصرِ القُدودِ وَتَف / ريكِ النُهودِ وَنَضوِ الرَود مِفضالا
وَالدَهرُ في غَفلاتٍ مِن تَواصُلِنا / قَد غَضَّ طَرفاً وَلَم يَجعَل لَنا بالا
أَوقاتُنا ذَهبيّاتٌ نُسَرُّ بِها / كَأَنَّما أَنشأَت في الدَهرِ أُصّالا
وَبي مِن التُركِ مَن لَو كُنتُ أَذكُرُه / لأَصبَحَ الدَهرُ مِن ذِكراهُ مُختالا
تَظَلُّ شَمسُ الضُحى خجلى إِذا بصرت / بِهِ وَيَسجُدُ بَدرُ الأُفقِ إِجلالا
للحسنِ جِنسٌ وَنَوعٌ كانَ قَد حُصِرا / في شَخصِهِ إِذ لَهُ لَم تُلفِ أَمثالا
يديرُ لَخصاءَ فيها سكرُ من رَمَقت / كَأنَّ في اللَحظِ نَبّاذاً وَنَبالا
وَيَنثَني خُوطَ بانٍ فَوقَ حِقف نَقاً / كَأنّ في الخَصر أَرماحاً وَأَرمالا
قَد كانَ هَذا وريعانُ الشَبابِ لَنا / غضٌّ وَطَرفُ الصِبا في حَلبةٍ جالا
وَالآن أَحدثَ شَيبي فيَّ ضَعفَ قِوىً / وَأَورَثَ القَلبَ أَوجاعاً وَأَوجالا
وَصارَمَتنِي وَصارَمتُ الغَوانيَ لا / يَجفلن بي كُلَها في ودِّهِ حالا
وَتُبتُ لِلّهِ أَرجُو مِنهُ مَغفِرَةً / وَرَحمَةً تُوسِعُ المِسكين أَفضالا
فَالحَمدُ لِلّهِ إِذ لَم يَأتِني أَجَلي / حَتّى اِكتَسَيتُ مِن الطاعاتِ سِربالا
وَصَبيِّ جَمّالٍ كَلِفتُ بِحُبِّهِ
وَصَبيِّ جَمّالٍ كَلِفتُ بِحُبِّهِ / مَنَح الجمالَ مَلاحَةً وَجَمالا
يَقتادُ أَبعُرَهُ لَهُ بأزِمَّةٍ / غُصُنٌ يجرر بِالجِبال جِبالا
وَيطيعُهُ مَع غِلظةٍ في طَبعِها / أَترى الجَمالَ يُلَطِّف الأَجمالا
فَإِذا اِمتَطى جَملا تَسنَّم رَبوةً / قَد حُمِّلَت مِن رِدفِهِ أَثقالا
في خَدِّهِ جَمرٌ وَفي لَفظاتِهِ / جَمرٌ يُلَدّ فُكاهَةً وَمَقالا
وَإِذا يُناغِي تربَهُ فَكَأَنَّما / نَغَمُ البَلابل هَيَّجَت بلبالا
يا حُسنَهُ شَعثاً كَأَن حلقاتُهُ / قِطَعُ الغَمامِ تكنَّفَتهُ هِلالا
إِنَّ للنَفس في الكَرى أَمجالا
إِنَّ للنَفس في الكَرى أَمجالا / نَشأةُ القادِرِ الحَكيمِ تَعالى
هِي نَفسٌ إِظلامُها مستمرُّ / وَهيَ روحٌ أَنوارُهُ تَتَلالا
فَهُما واحِدٌ هما اِثنانِ بِالوَص / فِ نساءٌ في هَيكَلٍ وَرِجالا
أَودَعَ اللَهُ قُوَّةَ العَقلِ فيها / فَهيَ في النَومِ تُبصِرُ الأَشكالا
بَينَما المَرءُ نائِماً في مقر / جابَت الأَرض سَهلَها وَالجِبالا
بَينَ رُؤيا تَجيءُ مثلَ سَنا الصُبحِ / وَرُؤيا أُخرى تَجيء خَيالا
فَهيَ تَسري ما بينَ عُلوٍ وَسفلٍ / وَهيَ في الدَنِّ لا تَرومُ اِنتِقالا
واصَلَت دَنَّها زَماناً فلَما / فارَقَتهُ كُرهاً أَبَت اِتِصالا
وَهيَ أَضحت إِلى البَقاءِ تسامَت / وَهوَ أَمسَى إِلى الترابِ اِستحالا
سيعيدُ الإِلهُ نَفساً لجسمٍ / عاجِلاً بين ذا وَتلكَ اِتِصالا
وَادّعى الفَيلَسوفُ وَهوَ كَذوبٌ / أَنَّ عَودَ الجُسومِ صارَ مُحالا
وَسَواءٌ إِعادَةٌ وَابتداء / عِندَ رَبّي وَالعَودُ أَهون حالا
كُلُّ ما شاءهُ إلَهُ البَرايا / كَونَهُ فَهوَ كائِنٌ لا مَحالا
وَاختِلافُ الأَنامِ في النَفسِ جَهلٌ / لا يَزيدُ البحّاث إِلا ضَلالا
هِيَ خَلقٌ وَلَيسَ يَعلمُ خَلقٌ / كُنهَها إِنَّها عَجيبٌ فَعالا
وَادّعى علمَه بِها فَلسفيٌّ / بِكَلامٍ قَد أَوهَمَ الجُهّالا
وَادّعى أَنَّها قَديمةُ ذاتٍ / قِدَمَ الرَبِّ جَلَّ رَبي جَلالا
أَمالِك مُهجَتي كَم ذا تُوالي
أَمالِك مُهجَتي كَم ذا تُوالي / عَوارِفَ قَد أَتينَ عَلى التَوالي
بَقِيتُ أَغُضُّ مِن طَرفي حَياءً / لَما اسدَيتَ مِن كَرَمِ الخِلالِ
لَقَد شرَّفتَ بِالتَقريظِ وَضعي / وَقَد شنَّفتَ سَمعي بِاللآلي
فَما أَبقيتَ مِن مَعنىً غَريبٍ / توشِّيهِ بِلَفظٍ مِنكَ حالي
تُرى عشقتكَ أَبكارُ المَعاني / فَجئنكَ يَبتدِرنَ بِلا سُؤالِ
جَديرٌ أَن يَزُرنَك رافِلاتٍ / عَرائِسُ قَد بَرَزنَ مِن الحِجالِ
لِتَكسوها محاسِنَ مِن عُلاكُم / وَتَمنَحنا المَفاخرَ وَالمَعالي
حَبيبَ القَلبِ وُدّي مِن قَديمٍ / صَحيحٌ لا تُغيِّرُهُ اللَيالي
وَلَيلي مَع نَهاري في سُهادٍ / فَلَيسَ النَوم يَخطرُ لي بِبالي
وَصورَتُك الجَميلةُ نُصبَ عَيني / فَلَستُ بِطالِبٍ زَورَ الخَيالِ
لَقَد أَلغَزتُ في نَظمي بِسرٍّ / تحارُ بِفَكِّهِ فُصحَ الرِجالِ
وَمبتدَئي لَهُ خبرٌ غَريبٌ / وَمنفصلٌ شَبيهٌ بِاتِصالِ
إِذا اِستَتبَعَت نَفسُ امرِئ نَفسَ غَيرِهِ
إِذا اِستَتبَعَت نَفسُ امرِئ نَفسَ غَيرِهِ / فَتلكَ لَها عزٌّ وَهَذي لَها ذُلُّ
كفى بِكَ نَقصاً أَنَّ غَيرك حاكِمٌ / عَلَيكَ فَلا عَقدٌ إِلَيكَ وَلا حَلُّ
حلبتُ الدَهرَ أَشطُرَهُ زَماناً
حلبتُ الدَهرَ أَشطُرَهُ زَماناً / وَأَغناني العِيانُ عَن السُؤالِ
فَما أَبصَرتُ مِن خِلٍّ وَفيٍّ / وَلا أَلفَيتُ مَشكُورَ الخِلالِ
ذِئابٌ في ثِيابٍ قَد تَبَدَّت / لِرائِيها بِأَشكالِ الرِجالِ
وَمَن يَكُ يَدَّعي مِنهُم صَلاحاً / فَزِندِيقٌ تَغَلغلَ في الضَلالِ
تَرى الجُهّالَ تَتبَعُهُ وَتَرضى / مُشارَكَةً بِأَهلٍ أَو بِمالِ
فَيَنهَبُ مالَهُم وَيصيب مِنهُم / نساءهُم بِمَقبوحِ الفعالِ
وَيَأخذُ حالهُ زُوراً فَيَرمي / عِمامَتَه وَيَهربُ في الرِمالِ
وَيجرون التيوسَ وَراءَ رجس / تَقَرمَط في العَقيدةِ وَالمَقالِ
أَيا ناصرَ الدينِ الَّذي عَمَّ فَضلُهُ
أَيا ناصرَ الدينِ الَّذي عَمَّ فَضلُهُ / وَقَد شَمَلَتنا بِالنَوالِ شَمائِلُه
تَبسَّمَ هَذا القطرُ إِذ أَنتَ حاضِرٌ / بِهِ وَجَرى سَلسالُه وَجداولُه
ففي كُلِّ رَوضٍ مِنهُ عَينٌ قَريرةٌ / وَفي كُلِّ زَهرٍ مِنهُ زَهرٌ تُشاكِلُه
يُنافِسُني فيك الزَمانُ حسادة / إِذا رُمتُ لُقياك اِستَمَرّت شَوغِلُه
وَلي زَمَنٌ لَم أُبصِرَ السيِّدَ الَّذي / إِذا لَم نَزُرهُ زارَنا مِنهُ نائِلُه
كَريمٌ قَصَدناهُ لِدَفعِ مُلِمَّةٍ / مِن الدَهرِ فانثالَت عَلَينا فَواضِلُه
فَمِن جودِهِ في كُلِّ جِيدٍ قَلائِدٌ / بِها يَزدَهي حُسناً عَلى مَن يُطاوِلُه
وَما الفَخرُ إِلا ما يروِّضُ فكرُهُ / وَلا الهَجرُ إِلا ما تَفِيضُ أَنامِلُه
وَجاورَ هَذا النِيلَ نَيلُ بنانِهِ / وَرامَ مُضاهاةً لِمَن لا يُماثِلُه
وَأَنّى يُضاهي واحدٌ عشرَ أَنمُلٍ / تُمَدُّ مِن البَحرِ الخِضَمِّ نَوافِلُه
تهنَّ بعيدٍ أَنتَ لا شَكَّ عيدُهُ
تهنَّ بعيدٍ أَنتَ لا شَكَّ عيدُهُ / وَمِنكَ اِستَفادَ النّورُ نورَ هِلالِهِ
بَدا وَبدا الوَجهُ الَّذي لَكَ مُشرِقاً / سَناءً فَأَبدى نَقصَهُ بِكَمالِهِ
عَليٌّ هُوَ الشَمسُ الَّذي فاقَ حُسنُهُ / وَما البَدرُ إِلا مُستَمَدُّ جَمالِهِ
لَئِن أوحشَت رُوحي بِبُعدِ وِصالِهِ / لَقَد أنِسَت عَيني بِطَيفِ خَيالِهِ
لا تَعذلاه فَما ذو الحبِّ مَعذولُ
لا تَعذلاه فَما ذو الحبِّ مَعذولُ / العَقلُ مُختَبِلٌ وَالقَلبُ مَتبولُ
هَزَّت لَهُ أَسمراً مِن خُوط قامَتِها / فَما اِنثَنى الصَبُّ إِلا وَهوَ مَقتولُ
جَميلةٌ فُصِّلَ الحسنُ البَديعُ لَها / فَكَم لَها جُمَلٌ مِنهُ وَتَفصيلُ
فَالنَحرُ مَرمرةٌ وَالنَشرُ عَنبَرةٌ / وَالثَغرُ جَوهَرةٌ وَالريقُ مَعسولُ
وَالطَرفُ ذو غَنَجٍ وَالعَرفُ ذو أَرَجٍ / وَالخَصرُ مختَطفٌ وَالمتنُ مَجدولُ
هَيفاء يَنبس في الخَصر الوِشاح لَها / دَرماء تخرسُ في الساق الخَلاخيلُ
مِن اللواتي غذاهُنَّ النَعيمُ فَما / يَشقَينَ آباؤُها الصِيد البهاليلُ
نَزرُ الكَلامِ عيّياتُ الجَوابِ إِذا / يَسألنَ رقد الضُحى حَصر مَكاسيلُ
مِن حَلِّها وَسَناها مُؤنسٌ وَهدى / فَلَيسَ يَلحَقُها ذُعرٌ وَتَضليلُ
حَلَّت بِمنعقدِ الزوراءِ زائِرة / شُوساً غيارى فَعقد الصَبرِ مَحلولُ
حي لقاح إِذا ما يَلحقون وغى / حيت وَنادم مَهزوزٌ وَمَسلولُ
لبانة لك من لبناك ما قضيت / وَمَوعد لَكَ منها الدَّهرَ مَمطولُ
فَعَدِّ عَن ذِكرِ لُبنى إِنَّ ذِكرَكها / عَلى التَنائي لتعذيبٌ وَتَعليلُ
إِيّاكَ منكَ نَذير ما نَذرت بِهِ / وَبادر التوبَ إِنَّ التَوبَ مَقبولُ
وَأَمِّل العَفوَ وَاسلُك مَهمَهاً قَذفاً / إِلى رضى الرَبِّ إِنَّ العَفو مَأمولُ
إِن الجِهادَ وَحجَ البَيتِ مَختتماً / بذمة المُصطفى للعفوِ تَأميلُ
فَشُقَّ حَيزومَ هَذا اللَيل مُمتطياً / أَخا حزامٍ بِهِ قَد تُبلَغُ السُولُ
أَقَبّ أَقوَد يَعزى للوجيه لَهُ / وَجهٌ أَغَر وَفي الرجلين تَحجيلُ
جَفرٌ حَوافِرُه مُعرٌ قَوائِمُه / ضُمرٌ أَياطله وَالذَيلُ عَثكولُ
إِذا توجَّسَ أَصغى وَهوَ مُلتهبٌ / أَساعراً عُتقاً فيهن تَأليلُ
وَإِن تُعارِض بِهِ هَوجاءُ هاج لَهُ / جَريٌ يُرى البَرق فيها وَهوَ مَخذولُ
تَحمي بِهِ حَوزَةَ الإِسلامِ مُلتقباً / لبابياً غَصَّ مِنها العَرض وَالطولُ
لبايباً قَد عَموا عَن كُلِّ واضِحَةٍ / مِن الكِتابِ وَغَرَّتهم أَباطيلُ
في مَأقطٍ ضرب المَوت الزؤام بِهِ / سرادِقاً فعلتهم مِنهُ بحليلُ
هَيجاء يُشرق فيها المشرفيُّ عَلى / هامِ العدا وَلسُحبِ النَقع تظليلُ
تديرُ كَأسَ شَعُوبٍ مِن شُعوبهم / فكلهم مَنهَلٌ بِالمَوتِ مَعلولُ
فَبَينهم هَوَّمت عُرجٌ مَغَرَّثةٌ / وَفَوقَهُم دوَّمت فتخ شَماليلُ
تَخطو قشام عَلى أَشلائهم وَلَها / تَبَسُّمٌ وَلوَجهِ السيدِ تَهليلُ
وَإِذ قَضَيت غزاةً فَأتَنِف عَمَلاً / للحَج فَالحَج للإسلامِ تَكميلُ
واصِل سُراك بسيرٍ يا ابنَ أندلسٍ / وَالطَرف أَدهمُ بِالأَشطان مَغلولُ
يُلاطم الريحَ مِنهُ أَبيضٌ يَقِقٌ / لَهُ مِن السُحبِ المربَدِّ إِكليلُ
تَعلو خضارة مِنهُ شامخٌ جللٌ / سامٍ طفا وَهوَ بِالنَكباء مَحمولُ
كَأنَّما هُوَ في طخياء لجَّتِه / أَيم يفري أَديم الماء شمليلُ
مازالَت المَوج تُعليه وَتخفضه / حَتّى بَدا مِن مَنارِ الثَغرِ قنديلُ
فَكَبَّرَ الناسُ إِعظاماً لربهم / وَكُلُّهم طرفه بِالسُهدِ مَكحولُ
وَصافَحوا البيدَ بَعد اليَمِّ وَاِبتَدَأوا / سُبلاً لَها لجنابِ اللَهِ تَوصيلُ
عَلى نَجائب تَتلوها جَنائبها / جيداً بِها الخَيرُ مَعقودٌ وَمَعقولُ
في مَوكبٍ تَزحفُ الأَرضُ الفَضاءُ بِهِ / أَضحَت وَمُوحِشُها بالناسِ مَأهولُ
تُطاردُ الوَحشَ مِنهُ فَيلَقٌ لجبٌ / حَتى لَقَد ذعرت في بيدها الغولُ
يَسُوقهم طربٌ نَحوَ الحِجازِ فَهُم / ذوو اِرتياحٍ عَلى أَكوارِها مِيلُ
شُعثٌ رُؤوسُهم يُبسٌ شِفاهُهُم / حُوصٌ عُيونُهُم غُرثٌ مَهازيلُ
حَتّى إِذا لاحَ مِن بَيت الإِله لَهُم / نور إِذا هُم عَلى الغَبرا أَراحيلُ
يعفرون وَجوهاً طالَما سَهَمت / حَتّى كَأنَّ أَديم الأَرض مَبلولُ
حفوا بِكَعبةِ مَولاهم فَكعبُهم / عالٍ بِها فَلَهُم طوفٌ وَتَقبيلُ
وَبِالصَفا وَقتهم صافٍ بِسَعيهم / وَفي مُنى لِمناهم كانَ تَنويلُ
تَعرفوا عَرفاتٍ واقفين بِها / لَهُم إِلى اللَهِ تَكبيرٌ وَتَهليلُ
لَما قَضَينا مِن الغَرّاء منسكنا / ثرنا وَكُلّ بِنار الشَوقِ مَشمولُ
ثرنا إلى الشَدقميات الَّتي سَهِكَت / أَبدانهن وَأَعياهُنَّ تَنعيلُ
إِلى الرَسولِ نُزَجّي كُلَّ يعملة / أَجل مِن نَحوه تُزجى المَراسيلُ
مَن أُنزِلَت فيهِ آياتٌ مُطهرة / وَأوريت فيهِ تَوراةٌ وَإنجيلُ
وَسُطِّرَت في علاه كُلُّ خالِدةٍ / لَها مِن الذكر تَجويدٌ وَتَرتيلُ
وَعطرت مِن شَذاه كُل ناحيةٍ / كَأنَّما المسكُ في الأَرجاءِ مَحلولُ
سِرٌّ مِن العالم العُلويِّ ضمِّنَه / جسمٌ مِن الجَوهر الأَرضيِّ مَجبولُ
نورٌ تَمَثَّلَ في أَبصارِنا بَشَراً / عَلى المَلائكِ مِن مسماه تَمثيلُ
لَقَد تَسامى وَجبريل مَصاحبُه / إِلى مَقامٍ تَراخى عَنهُ جبريلُ
أَوحى إِلَيهِ الَّذي أَوحاه مِن كُتبٍ / فَالقَلبُ واعٍ بسرِّ اللَهِ مَشغولُ
يَتلو كِتاباً مِن الرَحمن جاءَ بِهِ / مطهراً ظاهِرٌ مِنهُ وَتَأويلُ
جارٍ عَلى مَنهجِ الأَعرابِ أَعجزهم / باقٍ مَدى الدَهر لا يَأتيه تَبديلُ
بَلاغة عِندَها كعَّ البَليغ فَلم / يَنطِق وَفي هَديهِ طاحَت أَضاليلُ
وَطُولبوا أَن يَجيئوا حينَ رابهم / بِسورةٍ مثلهِ فاستعجز القيلُ
لاذوا بذبَّل خَطّيٍ وَبُتر ظبىً / يَوم الوَغى واعتراهم مِنهُ تَنكيلُ
فموثق في جبال الوهد مُنجَدلٌ / وموثق في جبالِ القَدِّ مَكبولُ
مازالَ كَالعضب هَتّاكاً سَوابغَهم / حَتّى انثنى العضب مِنهم وَهوَ مَفلولُ
وَقَد تخطَّم في نحر العدا قَصداً / صم الوشيح وخانتها العَواميلُ
مَن لا يُعدِّلُهُ القُرآن كانَ لَهُ / مِن الصعاد وَبيض البتر تعديلُ
وَكَم لَهُ معجزاً غَير القُرآن أَتى / فيهِ تَظافَر مَنقولٌ وَمَعقولُ
فَللرَسولِ اِنشقاق البدر نَشهده / كَما لموسى اِنفلاق البحر مَنقولُ
وَنَبع ماء فراتٍ مِن أَنامله / كَالعينِ ثَرَّت فَما التهتان ما النيلُ
أَروى الخَميس وَهُم زهاءَ سَبعِماءٍ / مِن الركابِ فَمشروب وَمَحمولُ
وَرد عَيناً بِكفٍ جاءَ يَحملها / قتالة وَلَهُ شَكوى وَتَعليلُ
وَكانَت أَحسَنَ عَينيه وَلا عَجَبٌ / مَسَّت أَنامل فيها اليُمنُ مَجعولُ
وَالجدع حَنَّ إِلَيهِ حينَ فارقه / حَنين وَلَهى لَها للروم مَثكولُ
وَأَشبع الكُثرَ من قُلّ الطَعام وَلَم / يَكن لِيعروَه بِالكبر تَقليلُ
وَفي جرابِ أَبي هرٍ عَجائب كَم / يَمتار مِنهُ فَمأكولٌ وَمَبذولُ
وَفي اِرتوائي إِلى ذر بزمزم ما / يلفى لبدن مِنهُ وَهوَ مَهزولُ
وَالعَنكبوت بِباب الغارِ قَد نسجت / حَتّى كَأنَّ رِداءً مِنهُ مَسدولُ
وَفَرَّخت في رَجاه الوِرقُ ساجِعة / تَبكي وَما دَمعها في الخَد مَطلولُ
هَذا وَكَم مُعجِزاتٍ للرَسولِ أَتَت / لَها مِن اللَهِ إِمدادٌ وَتَأصيلُ
غَدَت مِن الكُثر أَعداد النُجوم فَما / يُحصي لَها عَدداً كُتبٌ وَلا قيلُ
قَد اِنقضَت مُعجزاتُ الرُسلِ مُنذُ قَضوا / نَحباً وَأفحم مِنها ذَلِكَ الجيلُ
وَمُعجزاتُ رَسولِ اللَهِ باقيةٌ / مَحفوظَةٌ ما لَها في الدَهرِ تَحويلُ
تَكفل اللَهُ هَذا الذكر يَحفظه / وَهَل يَضيع الَّذي بِاللَه مَكفولُ
هَذي المَفاخر لا تَحظى المُلوكُ بِها / الملكُ مُنقَطِعٌ وَالوَحيُ مَوصولُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025