القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَني النابُلُسي الكل
المجموع : 72
لم أزل في الحب يا أملي
لم أزل في الحب يا أملي / أخلط التوحيد بالغزلِ
وعيوني فيك ساهرة / دمعها كالصيب الهطل
ليت لي من نور طلعتكم / لمحةً كي تنطفي غللي
إن أحشائي بكم تلفت / بل وجسمي في الغرام بَلي
واصطباري يوم جفوتكم / زال والتهيام لم يزل
جد لعيني باللقاء ولو / في الكرى يا غاية الأمل
وتلطف بالمشوق ودع / ذا الجفا واعطف وجُد وصِل
وأبح مضناك بعض لقا / يا شفا قلبي من العلل
يا منى هذا الفؤاد ويا / بغيتي يا كلَّ متكلي
يا ضيا شمسي إذا طلعت / في الضحى مني وفي الطَفَل
يا مرادي حين قلت ويا / جلَّ قصدي حين لم أقل
خذ أماناً من قلاك لنا / إننا منه على وجل
ثم كن فيما يكون كما / كنت في أيامك الأُوَل
ذا التجافي كم أكابده / آهِ قلَّت في الهوى حيلي
والذي أهواه مشتمل / من ملاح الكون في حلل
وسرت من نحو كاظمة / نسمة فيها انمحى طللي
وبروق الحي لامعة / حان لما أومضت أجلي
هذه الأكوان أجمعها / شمَّةٌ من وردة الأزل
عطرتني عندما نفحت / ما أنا عنها بمشتغل
طيب أثواب المليح بدا / فائحاً من جانب الكلل
وثغور الزهر قد بسمت / من روابي أشرف الرسل
يا عذولاً لامني سفهاً / أنا لا أصغي إلى العَذَل
قلبي المضنى حليف جوىً / عن هوى الغزلان لم يَحُل
مغرم صب بذي عظم / جلَّ عن علمي وعن عملي
ما له في الخلق من شبه / ما له في الأمر من مثل
جل عن قولي أجلُّ وعن / كل خاف لي وكل جلي
ذو اتصال غير متصل / وانفصال غير منفصل
لم يمل عن أمره أحد / دائماً في سائر الملل
غير أن الأمر منقسم / للصواب المحض والزلل
وانقسام الأمر يظهر في / مقتضى أشخاصه السفل
وهو في العلياء واحده / قبل أن يبدو لذي مقل
هذه أبهى ملابسنا / حلة زرَّت على بطل
لم نفصلها لغير فتى / عزمه خالٍ من الكسل
خمرة منها النهى سكرت / شربة أحلى من العسل
فاقبلونا يا أحبتنا / وابشروا بالمنزل الجلل
الكل حق والكل باطلْ
الكل حق والكل باطلْ / والكل مستعملٌ وعاطلْ
والكل ينبوع ماء عين / والكل غيث المغيث هاطل
وعدتنا أن نراك يا من / في وعده الحق غير ماطل
وقد رأيناك بين حق / سما وجوداً وبين باطل
ذواتنا فيك حاليات / وما الحوالي مثل العواطل
وكل من لم يكنك خاطي / وكل من لم تكنه خاطل
وأنت أنت الوجود حقاً / ولا مماري ولا مماطل
ونحن لا نحن غير أنا / لماء إيجادنا قساطل
دمعي لخوفك يا مولاي صار دما
دمعي لخوفك يا مولاي صار دما /
والقلب مما به قد شارف العدما /
فاغفر ذنوب امرئ يرجوك مكتتما /
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما / تحت الثرى وظلام الليل منسدلُ
عبدٌ ذليل فقير الصبر ذاهبه /
جور الزمان وفرط البين ناهبه /
يا من على الخلق لا تحصى مواهبه /
أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه / أنت الدليل لمن حارت به الحيلُ
يرجوك حيث خطوب الدهر طارقةٌ /
وحيث ألسننا بالحمد ناطقةٌ /
فالطُفْ فعاداتُ خيرٍ منك سابقةٌ /
إنا قصدناك والآمال واثقةٌ / والكل يدعوك ملهوف ومبتهلُ
كن غافراً يا إلهي ذنب مجترمٍ /
يقضي الليالي بدمع فيك منسجمٍ /
وقد أتيتك والأوزار في عظمٍ /
فإن غفرت فذو منٍّ وذو كرمٍ / وإن سطوت فأنت الحاكم العدِلُ
عبد الغني له الأيام رائمةٌ /
من الصبى وعيون الحظ نائمةٌ /
فاسعفه يا من به الألباب هائمةٌ /
ثم الصلاة على المختار دائمةٌ / ما عطر الروضَ صوب لديمة الهطلُ
جسد في هوى المليح عليلُ
جسد في هوى المليح عليلُ / وفؤاد للشوق فيه غليلُ
وظهور كما ترى وبطون / يحصل النقص منه والتكميل
وستور تماط عن وجه حقٍّ / فيحق الرجاء والتأميل
وبروق بها الظلام ضياء / ورعود بها العلوم تسيل
أيها الركب هذه دار سلمى / فانزلواها ما خاب فيها النزيل
واسمعوا من فم الوجود كلاماً / لا اعوجاج به ولا تحويل
واشربوه عتيقةً جددوها / بكؤوس مزاجها زنجبيل
واقرأوه الكتاب لا ريب فيه / نازل دائماً به جبريل
وإذا شئتموه فهو مليح / أغيدٌ زان طرفَه التكحيل
ملك الحسن وجهه الحق نور / فوقه التاج لاح والإكليل
وهو في الكون عندنا قرآن / لا زبور بقي ولا إنجيل
وفهوم جميعها أسرار / وعلوم أتى بها التنزيل
ملة للموحدين نهار / وعلى المشركين ليل طويل
هجموا بالعقول فاغترفوها / فإذا في كفوفهم تخييل
وأرادوا أن يظفروا فأتاهم / من هداها الحرمان والتضليل
قصدوها تكون طبق هواهم / فأبت واختفى إليها السبيل
فغدوا ينكرون ما لم ينالوا / ولهم بادعائهم تعليل
حظهم مثل حظهم من سواها / ليس إلا الوسواس والتسويل
هذه الحضرة التي أهلها قد / منعوها عمن به تطفيل
ولتفصيلها بهم إجمالٌ / ولإجمالِها بهم تفصيل
وقف القوم حائرين لديها / وجريح منهم بها وقتيل
كلما أومأت إليهم بشيء / كان للشيء عندهم تفضيل
تارة بالجمال فيهم تجلت / وعليهم فكل شيء جميل
وإذا بالجلال كان التجلي / طال قالٌ من الجهول وقيل
يا بني هذه الطريقة أنتم / في جنان وماؤكم سلسبيل
ولكم رزقكم من الله يأتي / كم به منه بكرةٌ وأصيل
فاعبدوه به على الكشف منكم / وليراعَ التحريمُ والتحليل
ثم كونوه بالفنا وليَكُنْكُم / بالبقا فهو أصلُ فرع أصيل
هي سلمى وكلهم طالبوها / وإليها كل القلوب تميل
ظهرت بالقدود منعطفاتٍ / وبوجه كأنه قنديل
فرأينا الهدى ولا تشبيهٌ / قد بقي عندنا ولا تعطيل
صاح خفِّض عليك ليس يريك ال / حقَّ ذا الإنقطاعُ والتبتيل
لمتى الجهل فيك هاهي لاحت / أين منك التكبير والتهليل
لا ترمها إن كنت تبخل بالنف / س عليها هيهات يحظى البخيل
وادخل الدار دارها بخضوع / لتراها بها وأنت ذليل
وتقرب بما حويت إليها / فعساها لما طلبت تنيل
كم فتى عنه أسفرت وتبدت / لكن الطرف عن سناها كليل
وهي في الكل تنجلي بثياب ال / كل لولا التصوير والتمثيل
شمس ذات لها النفوس شعاع / في البرايا والجسم ظل ظليل
كل شيء بها لقد صار شيئاً / ولتحقيره بها تبجيل
فهي لا غيرها وإن راح جيل / قد تجلت به وأقبل جيل
والمعاني كثيرة من ضلالٍ / وهدىً لكن الصواب قليل
والذي نحن فيه لايعتريه النس / خ طول المدى ولا التبديل
فتمسك فقد نصحتك والزم / وعلى ما أقول ربي الوكيل
العلم والمال عدوّان لم
العلم والمال عدوّان لم / يجتمعا إلا اقتضى الحالُ
فَسادَ وَصْفٍ منهما ذلك ال / آخرَ فليستيقظِ البالُ
فالعلم إن لم يفسد المالَ في / وجه الهدى أفسده المال
من يعرف الله فليس يسألُ
من يعرف الله فليس يسألُ / والله لا يُسأَلُ عما يفعلُ
كما أتى سبعون ألفاً تدخلُ / لجنةٍ بلا حساب يحصلُ
وعارف بربه لا يجهلُ / وهو به لأمره يمتثلُ
هم يسألون عنه حيث انفصلوا / بالنفس قاموا لا به ما اتصلوا
والعارف الذي به يتصل / وجاهل عنه هو المنفصل
معنى انفصاله الحجاب يسدل / عليه وهو النفس معنى يبطل
في نفسه يقول نفسي يبخل / بها على الله لها لا يبذل
والإتصال ربه لا يعزل / عنه يوليه عليه فاعقلوا
لا ربه في النفس منه يَحْلُل / أو باتحاد فيه عنه يَجْلُل
معبوده به عليه مقبل / لا ذاك معنى في الخيال يأفل
ونفسه بالله قامت تعمل / فهو الإمام الكامل المكمل
لا يدعي أمراً فلا التحوُّل / له ولا القوة فيما يجعل
وكل ذا ذوق له مفصل / لا أن هذا عنده تخيل
والله للخير هو المؤمل / والشر لا إليه فيما ينقل
والنفس منها كل شيء يفعل / وهي وما منها إليه يُوكل
وفعله لكل فعل يشمل / لأنه الآخر وهو الأول
فالصادق الذي إليه يصل / بالصدق في التوحيد ذوقاً يكمل
عن نفسه بربه مشتغل / وربه كما يقول المرسل
سمع له وبصر وأرجل / يعني به ينشط ليس يكسل
يصعد بالقرب له لا يسفل / والرب بالذكر عليه ينزل
ثم لديه كل شيء يبطل / والحق حق فيزول المشكل
والله حيث الشر عنه يهمل / يهمل عن عارفه لا يحمل
لأنه مصور ممثل / يظهر فيه علمه والعمل
وهو لسره النزيه هيكل / يروق للوارد منه المنهل
طينته للشر ليس تقبل / وهو على الخير به منجبل
فما ترى يصدر منه الزلل / وبالتقى يضرب فيه المثل
تحرسه عين الهدى وتكفل / والله يعطيه الذي يؤمل
وربه حافظه لا يخذل / في عمره حتى يحل الأجل
بعزمه صعب الأمور يسهل / وهو الذي يقال فيه الرجل
شهم همام لوذعيٌّ بطل / يفعل ما يقصر عنه الأسل
بدعوة يندكُّ منها الجبل / ودعوةٍ غيثُ المنى ينهمل
لانَ له صمُّ الحصى والجندل / وانقادت الشم الأنوف الطوَل
فاسمع مقالاً فاح منه المندل / وفيه قد رق الصبا والشمأل
وانكشف الأمر وهان المعضل / لدى أناس ليس فيهم جدل
وخذ بما قال الإمام الأفضل / وخل عنك ما تقول العذَّل
فإنهم لكل قلب علل / ويكثر الخطا بهم والخطل
وقولهم تقطع فيه السبل / ويذهب الخير وتمضي الدول
لأنهم على الفساد انجبلوا / فحقهم أن يتركو أو يهملوا
خلت الأكوان ممن هو في قلبي مقيم
خلت الأكوان ممن هو في قلبي مقيم / لا يغيب وبه نلت الكمال
فانقلوا يا قوم عمن لي في ليلي نديم / ذا الحبيب أنا منه كالظلال
واحد لما تثني هام فيه ذو الغرام / والظنون تجعل الفرد كثير
نال منه ما تمنى عاشق البدر التمام / والعيون كم لها فينا قتال
ما على ذا الوجه حاجب وهو ظاهر لا سواه / عندنا جل من غير شبيه
فعلينا الموت واجب إنما الموت حياه / مذ دنا بجلال وجمال
لم يزل ربي يحيي للنبي المصطفى / والصحاب كل وقت وزمان
ما روى عبد الغني عن نبا أهل الوفا / ذا الكتاب وتهنى بالعيال
وجودي جل عن جسمي
وجودي جل عن جسمي / وعن روحي وعن عقلي
وعن شرعي وتكليفي / وعن حكمي وعن نقلي
وأمري مطلق حتى / عن الإطلاق يستعلي
وعن ذات وعن وصف / وعن بعض وعن كل
وعلمي ليس يدريه / سوى من لم يزل مثلي
ولو زال الخطا عن عل / م أهل العقد الحل
لا ضحى علمهم من بح / ر علمي قطرة الطل
وعلم الخضر في علمي / وموسى رشحة البل
وإني هدهدُ الأخبا / ر للقوم الأُلَى قبلي
ومن قولي أنا أملي / وإني فوق ما أملي
علي الله قيوم / بلا شبه ولا مثل
وإني ذلك القيو / م لما قمت عن حملي
وقد جردت عن ملكي / وعن علمي وعن جهلي
وعن كيفي وعن أيني / وعن فوقي وعن سفلي
وحقي زال عنه با / طلي ذو المحق والمحل
ووجهي قد غسلت الكو / ن عنه أيما غسل
وإني لست مخلوقاً / ولا شربي ولا أكلي
ولا أني أنا الخلا / ق ذو صنع وذو فعل
ولا من أنبياء الل / ه إني أو من الرسل
وإني ما أنا عيسى / ولا المهديْ إلى السبل
أنا حارت بي الألبا / ب لا يدرون ما أصلي
أنا الشامي أنا الهندي / أنا الرومي أنا الصقلي
أنا الأكوان بي قامت / أنا الأفلاك من أجلي
أنا الأملاك تدري بي / ومني ترتجي بذلي
أنا المعروف في الدنيا / وفي الأخرى بذي الفضل
وإني لست إنساناً / ولا من ذلك النسل
ولا بالجن والأملا / ك والحيوان فاعرف لي
ولا من والد لي بل / ولا أم ولا نجل
ولا قومي أرى قومي / ولا أهلي أرى أهلي
وإني ما أنا شيخ / ولا بالشابِّ والكهل
ولا إني جنين أو / بمولود ولا طفل
وإني مطلق والكل / ل في قيد وفي غل
ولا يدري جنيد بال / لذي عندي ولا الشبلي
وما في عالمي غيري / فخفض عنك يا خلي
وما عبد الغني اسمي / وهذا مقتضى الشكل
ولكن عالم الأوها / م يمشي بي على مهل
فيا من رام في الدنيا / يراني طالباً وصلي
تجرد وانتزع واخرج / عن الأثواب والنعل
وكن صِرْفاً بلا مزج / وكن روضاً بلا بقل
وكن خمراً بلا كأس / وكن شمساً بلا ظل
وحقق واقطع الأحبا / لَ وامسك دونها حبلي
وصابر واصطبر واعلم / فليس المسك كالزبل
ولا حق اليقين الصر / ف في الإقساط والعدل
كعين أو كعلم لل / يقين الصائب النبل
وسد الباب من غيري / وعالج وافتتح قفلي
صلاة الله من قلبي / على قلبي بلا فصل
على طه رسول الل / ه نور الفرض والنفل
مدى الأيام ما سحَّ ال / سحاب الجون بالهطل
هذه أثوابهم والحللُ
هذه أثوابهم والحللُ / ليت شعري أين قومي نزلوا
نزلوا بالشعب من كاظمة / هي قلبي والحشى والمقل
فانمحت من ذكرهم آثارنا / وبدا ذاك الغرام الأول
بربا نجد وقد ذاب الربا / وانمحى نجد إذا ما أقبلوا
ونسيم الروض لولاهم لما / نقل الأخبار عمن ينقل
جيرة جاروا على أشواقنا / وإذا جاروا فمن ذا يعدل
كل شمس إن رأتهم كسفت / كل بدر من سناهم يأفل
هذه طلعتهم في كوننا / ما لنا كون ولكن علل
لبسونا أو لبسناهم فمن / هو منا اللابس المشتمل
حالة يعرفها العارف قد / غاب عن إداركها من يعقل
وبها عنها البرايا اشتعلت / وعجيب فارغ مشتغل
مليح كلنا مظهر
مليح كلنا مظهر / إلى وجهه الجميل
وما يخفى به يظهر / لأبناء السبيل
سقاني كاسه الساقي / على طيب اللحون
فزادت منه أشواقي / ولي صبر قليل
ألا يا أيها الحادي / رويداً بالحمول
أنخ في يمنة الوادي / إلى كم ذا الرحيل
بروق الحيِّ قد لاحت / على بعد المزار
وأزهار الربا فاحت / بها يُشفى العليل
دعاني منيتي ليلا / وقد زال الحجاب
وقلبي زاده ميلا / له لما يميل
صلاة الله مولانا / على خير الأنام
ومنَّ الله أدنانا / على نهج الخليل
له عبد الغني أهدى / نظاماً كالعقود
مدى الأيام ما أهدى / إلى الحق الدليل
يا قلب أحبابنا جسمي بهم بالي
يا قلب أحبابنا جسمي بهم بالي /
بغيرهم لا تبالي بل بهم بالي /
ويا كراماً سواهم زال من بالي /
لا تحسبوا أنني عن حبكم سالي / وحقكم لم يزل حالي بكم حالي
لحسنكم لا أرى بين الورى شبهاً /
والعاذلون لقد زاد دوابكم عمهاً /
رفقا بقلبي الذي فيكم قضى ولهاً /
أرخصتموا في هواكم مدمعي سفهاً / وهو العزيز الذي عهدي به غالي
من ذا الذي في معاني الفضل يعد لكم /
وكل شيء من الأشياء فهو لكم /
ليست سمواتكم والأرض تشملكم /
يا ساكنين فؤادي وهو منزلكم / لا عشت يوماً أراه منكمو خالي
عنكم بدا الكون يزهو في لوائحِهِ /
والروض ينفح من ذاكي روائحِهِ /
وحرمة العهد منكم في سوانحِهِ /
أنتم بقلبيَ أدنى من جوانحِهِ / حقاً على رغم حسادي وعذالي
محبكم صادق في طيب مشربِهِ /
وأفق طلعتكم يزهو بكوكبه /
وسر تثبيت قلبي في تقلبه /
ما يلتقي مثلكم مثلي يهيم به / وكم يهيم بكم في الحي أمثالي
بكاسنا كلما ذقنا رحيقَكمو /
ملنا سكارى فشاهدنا بريقَكمو /
أحبابنا ليت أنقذتم غريقَكمو /
أوضحتمو لمحبيكم طريقَكمو / حاشاكمو تهجروني بعد إيصالي
إلى اللقا بعثتني كل باعثةٍ /
لجملتي بحجاب العز وارثةٍ /
وليلة الفوز منكم في محادثةٍ /
وحدت حبكمو عن كل حادثةٍ / وصنته عن دواعي القيل والقال
روض الجمال بأزهار الجلال هني /
في كل وجه لكم بين الورى حسن /
والله مذ جئتكم بالفقر رحت غني /
وما حدا باسمكم حادٍ فأطربني / إلا وَجُدْتُ له بالروح والمال
خذا الروح عني فاتحاً منك دنَّها
خذا الروح عني فاتحاً منك دنَّها /
وحوِّل عن الصرف السلافة كنَّها /
فإن لم تكن أهلاً ولا كنت ذانهى /
تأمل سطور الكائنات فإنها / من الملأ الأعلى إليك رسائل
بحار المعاني ليس تُدرِكُ شطَّها /
وحُمْ فوقها بالسبح إن كنت بطَّها /
وإياك رفع الكائنات وحطَّها /
لقد خُطَّ فيها لو تأملت خطَّها / ألا كل شيء ما خلا الله باطل
إن قولي مؤيد بالنقول
إن قولي مؤيد بالنقول / وبما تقتضيه كل العقول
عند من يعرف إصطلاحي ويدري / شرح حالي بقصدي المقبول
لست ممن يقول عن كل شيء / أنه الله قول كل جهول
قصده يدرأ التكاليف عنه / مستبيحاً أحكام شرع الرسول
إنني منه كل حين بريءٌ / بل أنا العبد طالب للقبول
وإذا قلت ذاك كان مرادي / صانع الشيء فاعل المفعول
حيث لا شيء جامد هو عندي / بل كبرق يلوح بين الطلول
والذي عنه ذلك الشيء يبدو / هو رب الفروع رب الأصول
مثل قول الخليل وقت التجلي / إن هذا ربي بصدق المقول
وهو نجم بدا وبدر وشمس / ثم كان امتيازه بالأفول
أخذ الجاهلون أقوال مثلي / ثم قالوا بها على المجهول
لم يذوقوا منها الذي نحن ذقنا / لا ولم يعرفوا حقيق النزول
إنما قلدوا بحفظ كلام / وادعاء له بغير حصول
وقصاراهمُ التخيُّلُ فهماً / وهو فيهم من غاية المأمول
هم عوامٌ لا يعلمون وهذا / هو سر أعيى جميع الفحول
حاولته الفحول أن يدركوه / فأبى من حجابه المسدول
فأزالوا نفوسهم وأتوه / بافتقار ونائل مبذول
وسعو نحوه به وأقاموا / حكمه تاركين قول العذول
فتجلى لهم فأفنى هواهم / ثم أفنى منهم شخوص النحول
طحنتهم منه الرحى حين دارت / ثم جاءت بهم مجيء السيول
وعليهم تكرر الأمر حتى / وقعوا في اللقا وأمر مهول
فهم الفعل منه في كل حال / وهم الغائبون غيبة غول
لهم الإسم فيه من دون رسم / عن عيان محقق ووصول
وعليهم شواهد الصدق لاحت / ليس تخفى إلا على المخذول
هذه أعين إليه صحاح / أنفت من نواظرٍ عنه حول
أين منها مقال أهل اتحاد / بدعاوي الفنا وأهل حلول
اعقل الأمر تارك الشرع أعمى / عن طريق الهدى وتحصيل سول
فهو إن كان مؤمناً فاسقٌ أو / جاحداً فهو كافر ذو فضول
كيف يرقى ما لم يتب من خطاه / محكماً فتل حبله المحلول
ذاك هيهات لا يكون وإن قد / كان وقع النصول فوق النصول
أين فهم الشمول والشرب منها / بافتكار وأين ذوق الشمول
العبد يلهو ويغفلْ
العبد يلهو ويغفلْ / والربُّ أعلى وأسفلْ
بكل شيء محيط / ويح الذي عنه أجفل
فانظر إليه تجده / بكل شيء تكفَّل
وفي الجهات البواقي / تشيطنت أم زنفل
وساعدتها طباع / على الجهول المغفل
فكلما رام يرقى / ألهته حتى تسفّل
ما فاز بالقرب إلا / لربه من تنفل
حتى له صار سمعاً / وناظراً ليس يغفل
وقابل الباب فتحاً / من بعد ما كان مقفل
له من الحق جند / يوليه نصراً وجحفل
حقيقتي حضرة التجلي
حقيقتي حضرة التجلي / ومظهر الغيب بالتخلي
والقاب والقوس في التداني / وزينة الله في التحلي
ظهرت عنه به لديه / وقلت يا صاحبي وخلي
وفيه أطلقت بعد حبسي / وفك قيدي به وغلي
إرادة للخصوص أعطت / وقدرة أعطت التدلي
وعن بواقي الصفات مدت / حقيقتي كامتداد ظلي
إذا بدا نوره فماذا / وإن خفيْ نوره فمن لي
إن لم يكن وابل فمنه / قنعت يوم اللقا بطل
يا ويح صب عليه مضنىً / يذوب في مشهد التملي
سرى بجلد إليه بال / وجلَدٍ فيه مضمحل
رآه في كل ما رآه / فلم يقل بعده لعلِّي
له غرام بمن تجلى / به وما عنده تسلي
بشعب وادي النقا غزال / نفوره كان أصل ذلي
وغصن بان سبى فؤادي / بلين عطفٍ وحسن دل
يا قمراً طالعاً علينا / بوجهه المشرق المطل
وظلمة الكون قد تولت / والسر في ذلك التولي
نحن تقاديره قديماً / من كل بعض وكل كل
وقد تجلَّى بنا فصرنا / كبائن عنه مستقل
وهو الذي لم يزل على ما / عليه من قبل ذا التجلي
ونحن أيضا كما ذكرنا / هنا على حالنا المولِّي
ولكن الزيغ في قلوب / وفي عيون من المضل
يريك غير الذي تراه / وأنت كالساعد الأشل
فنزه الرب عن زمان / وعن مكان وعن محل
وعن معاني العقول طراً / من كل معنىً به مخل
وكل ما أدركت حواس / فعنه في المنزه الأجل
وكن به طاهراً نظيفاً / إن قمت يا أيها المصلي
واركع له عن سواه واسجد / إليه في حضرة التعلي
ودم على الصدق في الترجي / واشفق على قدرك الأقل
ولا تحل عنه وانتظره / غير سؤوم ولا مُمَلِّ
فإن جود الكريم باق / بكل غيث له مُهِلِّ
وبابه ما له انغلاق / عمن إليه أتى بذل
نفسي على نفسي الوجود بها نزل
نفسي على نفسي الوجود بها نزل / فَرْضاً وتقديراً ترتب في الأزلْ
فتلبست نفس الوجود بغيرها / وتقيد الإطلاق منها وانعزلْ
وهو الذي هو لم يزل في غيبه / وأنا الذي هو في انعدامٍ لم أزل
وكذاك حكم الكائنات جميعها / فدع العَنا يا من تَرَيَّضَ واعتزل
واعلم بأنك أنت تقدير الذي / هو ناسج لك بالمشيئة ما غزل
والحضرتان له فحضرة ذاته / محض الوجود ووَصفُهُ نظمُ الغزل
وهي الصفات جميعنا آثارها / من جدَّ فهو بها يجدُّ ومن هزل
وإذا تعرض خاطر لك فاسد / فارجع إلى التقدير إن العقل زل
وإذا الوجود الحق أعرض عنك قل / نفسي على نفسي الوجود بها نزل
بنورك أيها الوجه الجميلُ
بنورك أيها الوجه الجميلُ / ظهرنا كلنا جيلٌ فجيلُ
وبان الحق واتضح السبيل / وإنك حسبنا نعم الوكيل
هي الأكوان أجمعها براقعْ / على الأوهام منها الأمر واقعْ
ولكن دون هذا السم ناقعْ / وأنت العذب فيه السلسبيلُ
سقى الله العقيق وشعب رامَهْ / وخصص بالصلاة وبالسلامَهْ
نبيُّ الحق أرسل من تهامَهْ / به عبد الغني هوالنزيلُ
إن قلت إن الوجود نفس ال
إن قلت إن الوجود نفس ال / موجود يا أشعري فقل لي
كذاك إن الموجود نفس ال / وجود عكس بلا مخل
وقلت إن الوجود جنس / والجنس تمييزه بفصل
والفصل نفس الوجود أيضا / فالكل جنس مثلاً بمثل
فأين فصل الوجود يا ذا / بمقتضى علمك الأجل
فإن تقل فصله اعتبار / في العقل مثل اعتبار ظل
قلنا لك الإعتبار أمر / له ثبوت في كل عقل
وعنه شيء يقال وهو ال / موجود فارجع لحكم كل
وإن تقل إن كل شيء / وجوده حكم مستقل
مميز عن سواه ذاتاً / فليس فيه اشتراك جعل
نقول لا جنس فالوجود ال / مراد جزئيْ وليس كلي
خلاف ما حرروا وقالوا / في حكم قانون علم شكل
أو قلت إن الوجود غير ال / موجود والغير غير أصل
طراً على الشيء وهو لا شي / ء صار نعتاً له يجلي
بمن ترى النعت قائم وال / منعوت لا شيء فاستمع لي
وهل تقوم النعوت يوماً / بغير أشيا ولا محل
هذا سؤال على عقول / أتى بعلم ونفي جهل
فإن تكن عالما فحقق / جوانباً يا أجلَّ خِلِّ
نور تلفَّف بالظلام مكملُ
نور تلفَّف بالظلام مكملُ / نودى هنا يا أيها المزملُ
قم فيه وهو الليل أي بأموره / طبق الإرادة ما علا والأسفلُ
ذرني ومن فيه خلقت من الورى / فيه وحيداً مستقلاً يفعل
واغلظ عليهم قال أي بنفوسهم / وهو الرؤوف بنا الرحيم المفضل
وهو العزيز عليه ما عَنِتَ السوى / وهو الحريص على الجيمع ليكملوا
بحر وهم أمواجه وهو الذي / بالحق قام كصورة تتخيل
وافهم إشارة قوله قد جاءكم / من عين أنفسكم إليكم مرسل
تجد الذي بالروح عنه وبالحجى / كنّى الإلهُ وما درى من يجهل
وهو الحقيقة والشريعة والهدى / لمن اهتدى وهو الحبيب المقبل
والسنة الغراء فيه طريقنا / ويد الجماعة والكتاب المنزل
طوراً يغيب ونحن نظهر عنه في / هذا الزمان لنا المقام الأفضل
ونغيب نحن به ويظهر تارة / هو قائمٌ عنا بنا يتمثل
ووراء هذا في الغيوب حقيقة / تطوي الحقائق كلها لا تعقل
قد أجملت نور النبيِّ وفصلت / وتظل تجمل للورى وتفصل
وهي الوجود وما سواها هالكٌ / ويقال موجود يلوح ويأفل
نور على نور وللثاني أتى / أو في الصلاة بها يجود الأول
طول المدى ما هب ريح الروح في / روض الجسوم وما تغنّى البلبل
كل ما يخلقه العقل أملْ
كل ما يخلقه العقل أملْ / والذي يخلقه الله عملْ
فاعرفوا الفرق الذي بينهما / تجدوه البدر في التمِّ اكتمل
وانتساب الخلق للعقل كما / قال عيسى وعلى الأذن حمل
هذه الحضرة لا يدخلها / غير من فصلها ثم انجمل
نظرات بعيون كثرت / دمعها الطوفان في الكون همل
وابتداء الأمر أن تشهده / واحداً في الكل طير أو جمل
ثم لا طير ولا شيء هنا / شمس أبراج كحوت وحمل
هو هذا فاقلب العين وما / هو هذا وعلى هذا اشتمل
جُمَلٌ كل التفاصيل له / فتحقق والتفاصيل جمل
يا نديمي لك مني قدْر ما / أنت فيه كلما العقل احتمل
فافتح الباب وخذ ميمنة / في طريق فيه من يمشي رمل
والمعاني كلها قاصرة / عنه والجرح عليه ما اندمل
غير أن العشق يلقى تارة / بك لليأس وطرواً للأمل
وله حدٌّ فمن جاوزه / عكس الأمر وقد مال ومل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025