القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الطُّغْرائي الكل
المجموع : 37
همُ الحيُّ ما بين العُذَيبِ إِلى الرمْلِ
همُ الحيُّ ما بين العُذَيبِ إِلى الرمْلِ / حُلولاً على البطحاءِ من مُلتقَى السُّبْلِ
دعاهُمْ إِلى الجَرْعاءِ من أيمنِ الحِمَى / تخلُّجُ برقٍ مُخفِرٍ ذمّةَ المَحْلِ
غَدوا يبتغونَ القطرَ حتَّى تباشَرُوا / بمرتفعٍ بالخِصْبِ مغتبق النفلِ
ألثَّ عليه كلُّ جَوْنٍ ربَابَهُ / يُسِفُّ إِلى أن يَمْسَحَ الأرضَ بالخَمْلِ
فما انجابَ حتى استأصلَ العِرْقَ في الثَّرَى / وصار رضيعُ النبتِ يحبُو إِلى الكهلِ
وحتى تناصَى العُشْبُ فيه وأُرسختْ / عُروقُ الندى واستمجدتْ عَذَب الأثلِ
كأنكَ قد شاطرتَها الخِلَعَ التي / حَباكَ بها السُلطانُ عن قِسمةٍ عدلِ
غداةَ كساكَ الروضُ وهو منمنمٌ / وليس لهُ إلا سَماحُك من وَبْلِ
حباكَ بما تحبُو به كلَّ زائرٍ / غدا يمترِي أخلافَ نائِلِكَ الجَزْلِ
وما ذاكَ كي تزدادَ عِزَّاً وإنَّما / أبانَ به عن رأيكِ المُحكَمِ الجدلِ
بمرقومةٍ تُصْبِي العقولَ كأنَّما / تخايلتَ منها بين قولِكَ والفِعْلِ
رفَلْتَ بها في مثلِ أخلاقكَ التي / بها عادَ شِعْبُ المجدِ ملتئمَ الشَّمْلِ
ومستطعمٍ فضلَ العِنَانِ كأنما / يلاعبُ عِطْفيه سَحوقٌ من النخلِ
إِذا هزَّهُ حنُّ المراح توقرتْ / بِأطرافِه أعباءُ حلمِكَ والفضلِ
محلَّى بأوفاضِ النجوم معلَّقٌ / عليه هلالُ الأُفقِ في موطئِ النعلِ
أطافَ به صِيدُ الملوكِ نواكِسَاً / عيونُهُمُ يمشونَ هَوناً على رِسْلِ
يرومونَ تقبيلَ الركابِ ودُونَهُ / إباءُ مروحٍ يطرُدُ اليدَ بالرِّجلِ
تجودُ سماءُ النقعِ فوقَ رُؤوسِهمْ / بديمةِ تِبْرٍ غيرِ مقلعةِ الهَطْلِ
وأبيضَ طاغي الحدِّ يُرعِدُ متنُه / مخافةَ عزمٍ منك أمضَى من النصلِ
عليمٌ بأسرارِ المَنونِ كأنَّما / على مضربيه أُنزلتْ آيةُ القَتْلِ
تفيضُ نفوسُ الصِيدِ دونَ غِرارهِ / وتطفَحُ عن متنيهِ في مَدْرجِ النملِ
تراهُ إِذا ما امتاحَ كفُّكَ غِمدَهُ / تخايلَ ما بين القبيعةِ والغلِ
خلعتَ عليه نورَ وجهِكَ فارتدَى / بنورٍ كفاهُ أن يُحادثَ بالصقلِ
وضرةِ شمسٍ يجتليها إِذا بدَتْ / شُعاعاً رُكاماً وهي راجِحَةُ الثقلِ
هي التِبرُ إلّا أنَّها قد تفرَّدَتْ / ببدعةِ ضَنٍّ من يديكَ بلا مِثْلِ
تُصبِّحُها كَفٌّ إِذا مسَّها افتدتْ / بأضعافِها خوفاً عليها من البَذْلِ
تذمُّ عليها من يديكَ رعايةٌ / لأحكامِ مجدٍ لا تُعَدُّ من النجلِ
لها جَمَّةٌ يستغزرُ النزحُ فيضَها / وليس لها إلّا اليراعةَ من حَبْلِ
إِذا انتابها الوُرَّادُ هِيْماً تَزاوروا / على نَفَحاتٍ تُشْرِقُ الماءَ بالسَّجْلِ
ضمانٌ من الإقبال عندك لم تَزَلْ / عواقبُهُ عما تُسَرُّ به تُجْلي
بعزمٍ إِذا ما انسابَ في مدلَهِمَّةٍ / من الخطب لم يرتدَّ إلّا على فصلِ
خفيُّ مَدَبِّ الكَيْدِ يكتُمُ سُخْطَهُ / رضَاهُ ويُسقي السمَّ في مَجَّةِ النَّحْلِ
ضمومٌ على الهَمِّ البعيد جَنَانَهُ / وقورٌ إِذا القومُ استطيروا من الجهلِ
يقاربُ خطوَ النائباتِ بعقلهِ / وأنعمُه في الناس مستورةُ العقلِ
به اعتدلَ المُلكُ الذي مالَ ركنُه / ومادتْ غصونُ العيشِ موقَرةَ الحملِ
فقلْ للأعادي بعد ما قد تبيَّنُوا / رويدَكُمُ لا تُشمتوا الجهلَ بالعقلِ
خذوا بنصيبِ العفوِ منه وحاذِرُوا / عجارفَ مدلولٍ على طلبِ الذَّحْلِ
هَجوم على الأعداءِ من صوب أمنِهْم / متى ما يَشَأْ يُعْمِ النواظرَ بالكُحْلِ
لك الخيرُ فضلي سار شرقاً ومغرباً / وجَدّي ضعيفُ الخطو يَرْسُفُ في كبلِ
ولي قِبَلَ الأيامِ منذ صِحِبْتُها / مواعيدُ قد أعلقنَها شرَكَ المطلِ
لوينَ طويلاً ثم لما اقتضيتُها / أحلْنَ على من يخدعُ الجِدَّ بالهزلِ
وقد لفظتني الأرضُ حتى تراجعتْ / برحلي إِلى أكنافِ جانبكَ السَهْلِ
فلا تتركنِّي للنوائب مُضْغَةً / وقد كشَّرتْ عن حَدِّ أنيابِها العُصْلِ
بَقِيتَ ليبقى الدينُ والمُلْكُ إنَّما / يتمُّ بقاءُ النَّصْلِ والفُوق بالنَّبْلِ
وطاوعكَ المقدارُ فيما تُريدُه / يجدِّدُ ما تُبْلِي ويكتبُ ما تُمْلِي
إِذا لم يُعِنْ قولَ النصيحِ قَبولُ
إِذا لم يُعِنْ قولَ النصيحِ قَبولُ / فإنَّ معاريضَ الكلامِ فُضُولُ
أقِلَّا خِلافِي وهو مما يسوؤُني / وليس لمن يهوَى الخلافَ خليلُ
ومن شِيَمي رَدُّ النصيحِ بغيظِهِ / وتركي وعورَ القولِ وهي سُهولُ
خُذا في حديثٍ غيرِ لومي فإنَّهُ / وربِّ الهدايا المُشعَراتِ ثقيلُ
إِذا كان رأيي غيرَ ما تريانِهِ / فأضْيَعُ شيءٍ ما يقولُ عَذولُ
أيا أثلاتِ القاعِ أمّا عروقُها / فَريَّا وأمَّا ظِلُّها فبليلُ
لكِ اللّهُ هل مرَّتْ بقُربكِ رُفقةٌ / وأنضاءُ عِيسٍ سيرُهنَّ ذميلُ
إِذا هبَّ عُلويُّ الصَّبَا فرقابُهمْ / إليه وأعناقُ النواعجِ مِيْلُ
فمن كل نضوٍ حنَّةٌ وتشوّقٌ / ومن كلِ صَبٍّ رنَّةٌ وعويلُ
ويا نُغْبةً بالأجرع الفردِ عَذْبَةً / أراكِ ولكنْ ما إليكِ سبيلُ
ويا ليلُ حتى الشُّهبُ فيكَ مريضةٌ / وحتَّى نسيمُ الفجر فيكَ عليلُ
ويا جِيرتي بالجِزْعِ جسميَ بعدكُمْ / نحيلٌ وطرفي بالسُّهاد كحيلُ
عهِدتُ به غصنَ الشبيبةِ مورِقاً / فخانَ وخنتمْ والوفاءُ قليلُ
وأودعتُكم قلبي فلما طلبتُهُ / مَطلتمْ وشرُّ الغارمينَ مَطُولُ
فإنْ عُدْتمُ يوماً تُريدونَ مُهْجَتِي / تمنَّعتُ إلا أنْ يُقامَ كفيلُ
ويا أيُّها الغادي تحمَّلْ رسالةً / على ما بِها إنَّ الحديثَ طويلُ
وقلْ لِلأُلى حلُّوا الحِمى سقى الحِمَى / عزاكمْ فإنَّ العامريَّ قتيلُ
به غُلَّةٌ لا يملِكُ الماءُ بردَها / وشجوٌ سِوى ما تعلمونَ دخيلُ
ألا حبّذا شَدُّ الركائبِ ضَحْوةً / وللظِلِّ في أخفافهِنَّ مَقِيلُ
ومُذْقَةُ ظِلٍّ بين غُصْنَي أراكةٍ / وقد كادَ مِيزانُ النهارِ يميلُ
ومن شِيحِ نجدٍ نفحةٌ سَحَريةٌ / تساهَمَ فيها شَمْأَلٌ وقَبُولُ
ومرتجزٌ بالرعدِ يرضِعُ دَرُّهُ / نباتَ رياضٍ مسَّهُنَّ ذُبولُ
وعاجمةٍ عودي ولم تدرِ أنَّهُ / صليبٌ يرُدُّ النابَ وهو كليلُ
تُخوِّفُني ريبَ الزمانِ وأنَّهُ / شروبٌ لأشلاءِ الكِرامِ أكُولُ
وتأمرني بالمال أوكي عِيابَهُ / وهيهاتَ مني أن يقالَ بخيلُ
وكيف أخافُ الدهرَ يَحْرُقُ نابَهُ / ورأيُ عماد الدين فِيَّ جميلُ
إِذا امتَحْتُ يوماً جَمَّةً من نوالِه / سقانيَ سَجْلٌ من نَداهُ سجيلُ
رواءٌ كإيماضِ الغَمامةِ مونقٌ / وبِشرٌ كصدرِ المشرفيِّ صقيلُ
وعزمةُ مطرود الرُّقادِ يدُلُّهُ / على الغيب رأيٌ ما يكادُ يَفيلُ
إلى أن ينالَ المجدَ إلّا تغلُّباً / وبعضُهمُ عند الطِلابِ ذليلُ
وشاغبَ ريبَ الدهرِ وهو يَضيمُهُ / وكلُّ كريمٍ يُستَضامُ صَؤولُ
وغارَ على مُلكٍ مُضاعٍ وكاشحٍ / مطاعٍ يردُّ الأمرَ وهو سحيلُ
ورشَّحَ مشبوحَ الذارعينِ ضَيْغَماً / له في ظِلال السَّمْهريّةِ غِيْلُ
غلائِلُه أدراعُه وكؤوسُهُ / مخوف عِداهُ والنجيعُ شَمولُ
له هَيبةٌ تسري أمامَ جُنودِه / ورأيٌ بمُستنِّ الغُيوبِ يجولُ
وجُرْدٌ على أكتافِها المُرْدُ جُثَّمٌ / فُحولٌ على أكبادِهنَّ كُهولُ
وعوجٌ لها بين الضُّلوعِ أزاملٌ / وبيضٌ لها فوقَ الرُؤوسِ صَلِيلُ
ونقعٌ صفيقُ الطُّرَّتينِ كأنَّما / على صفحاتِ الشمس منه سُدُولُ
يَرُدُّ على وَجْهِ الصَّبَاحِ لِثَامَهُ / إِذا حانَ من صبغِ الظلام نُصُولُ
فقلْ للذين استعذبوا الغَدْرَ مشرَبَاً / رويداً فَرعْيُ الغادرينَ وبيلُ
أديروا كُؤوسَ الرَّاحِ إنَّ وراءَها / كُؤوساً من السمّ الذُعافِ يغُولُ
وجُرُّوا ذيولَ الخفضِ حتى تزورَكُمْ / مُشَمِّرةٌ ليست لهنَّ ذُيولُ
جنودٌ طلاع الأرضِ يحمي لواءَها / قَؤولٌ لما قال الكِرامُ فعولُ
فلا أرضَ إلا طبَّقَتْهَا حوافرٌ / ولا جوَّ إلا جَلَّلَتْهُ نُصولُ
ستغرى بأطرافِ البنان نواجِذُ / إِذا التفَّ يوماً بالرعيلِ رعيلُ
وتطفحُ أحناءُ الشِعابِ عليكمُ / بسَيْلٍ له هامُ الكُماةِ حميلُ
وكلُّ قَرارٍ بالجَماجمِ تلعةٌ / وكلُّ مَغيضٍ بالدِّماءِ مَسِيلُ
فإنْ سئِمتْ حملَ الرؤوسِ رقابُها / فبالبيضِ شوقٌ نحوَها وغليلُ
فلوذوا بحَقو العفوِ منه فإنَّه / جوادٌ به حتى يُقالَ غَفُولُ
وإنْ غلبتكم شِقْوةُ الجَدِّ فاعلموا / بأن ديارَ الناكثينَ طُلولُ
أحقّاً هممتمْ باللِّقاءِ لعلَّكُمْ / بدا لكُمُ أنَّ الطِباعَ تحولُ
فتُمسي البُغاثُ الكُدْرُ وهي جوارحٌ / وتُضحي اللّقاحُ الخُورُ وهي فحولُ
فعزماً غياثَ الدولةِ اليومَ إنَّهم / فرائسُ منهم مُقْعَصٌ وأكِيلُ
همُ جَلبُوا الخيلَ العِتاقَ وأجلبُوا / عليك فحَشْوُ الخافِقَيْنِ صَهِيلُ
ولاذُوا بأكراد البوادي وعُرْبهم / ومن كلِّ جيلٍ أمةٌ وقبيلُ
هُمُ ذخَرُوا الأعمارَ والمالُ عندَهمْ / لكفِّك تُفنِي ذخرَهمْ وتُنيلُ
هدايا لحدِّ المرهفاتِ مسوقةٌ / فهل عندَ حدِّ المرهفاتِ قَبولُ
عدوُّكَ بين العار والسيفِ واقفٌ / يميلُ مع الإِدبارِ حيثُ يميلُ
فإنْ فرَّ لم يَعْدَمْ شِفاءً وإن ثَوى / فأمُّ الذي يبغي الثَّواءَ ثكُولُ
كأنَّهمُ لم يشهدوا أمسِ مشهداً / تشابَه فيه مُقْصِرٌ ومُطِيلُ
يقاتلُ عنك الرأيُ لا الرمحُ بلَّهُ / نجيعٌ ولا بالباتراتِ فُلولُ
ولا بُرقِعَتْ بالقَسْطلِ الجَون غُرَّةٌ / ولا غُيِّبتْ بين الدِماء حُجولُ
سرى كيدُكَ اليقظانُ والنجمُ راقِدٌ / تُجابُ سهولٌ نحوَهمْ وهجولُ
وأدركتَ ثأرَ الدينِ من متمرِّدٍ / طغَى وهو شَخْتُ المنصبينِ ضئيلُ
تُقِرُّ وتمحو المُلْكَ حيث تُريدُهُ / وأنتَ مُديلٌ مرةً ومُذيلُ
تميلُ إِلى ذِي دولةٍ فتُعِزُّها / وتعدِلُ عن ذِي دولةٍ فتُزيلُ
أعِزَّة أملاكِ البلادِ أذِلَّةٌ / لديكَ وصعبُ الحادثات ذَلولُ
فما غرّهمْ واللّهُ ناصرُ حزبِهِ / بأبيضَ طاغي الحدِّ حينَ يصولُ
فإنْ أعجبتهمْ نوبة سلفتْ لهم / فأنتَ لأُخرى ضامنٌ ووكيلُ
إليكَ عِمادَ الدين غرّاءَ طلقةً / تنافَسُ فيها أعينٌ وعقولُ
إِذا أُنشدتْ حُلّ الحُبَى طَرباً لها / وأصغَى إليها عالمٌ وجَهُولُ
وما أبتغِي إلا رِضَاكَ ثوابَها / وذاك ثوابٌ لو علمتَ جَزيلُ
فأنتَ الذي جلَّلتني منكَ أنْعُماً / لها موقعٌ بين الأنامِ جَليلُ
منيلٌ إِذا ما كان منِّيَ خدمةٌ / وإن سبقتْ لي عثرةٌ فمُقِيلُ
وخبَّرني تقليبيَ الناسَ بُرهةً / بأنك فردٌ والأنامُ شُكُولُ
وما يستوي وُدُّ المقلّدِ والذي / له حُجَّةٌ في ودِّهِ ودليلُ
فعُدْ بي إِلى اللُّطفِ الذي كنتَ واصِلاً / جَناحي به إن الكريمَ وَصُولُ
وعِشْ سالماً في باعِ ملككَ بسطةٌ / تدومُ وفي أيامِ عمرِك طُولُ
لك الخيرُ قد عوَّدتَنِي منكَ عادةً
لك الخيرُ قد عوَّدتَنِي منكَ عادةً / نشأتُ عليها منذُ أوَّلِ حالي
سكوناً إِلى قُربي وأُنساً بخدمتي / وحُسنَ اعتقادٍ في تنعُّمِ بالي
وكنتُ أرَجِّي أنّ حالكَ ترتقي / فينمو له حالي نموَّ هِلالِ
وأسمو إِلى نيلِ الأماني واقتضِي / مواعيدَ دَهْرٍ مولَعٍ بمطالِ
وقد رابني منكَ الصدود وليتَهُ / صدودُ اشتغالٍ لا صدودُ كلالِ
فإن كان هذا منكَ دأباً تُديمُهُ / فإذنَكَ لي حتَّى أزمَّ جِمالي
وإلّا فعدْ لي بالجميل فقد عفَتْ / معالمُ آمالي وضاقَ مجالي
فمثليَ لا يرضَى مُقَاماً بذلةٍ / وصبراً على جاهٍ لديكَ مُدَالِ
ومثلُكَ لا يرضَى بتضييعِ خدمتي / وتخييب آمالٍ لديهِ طِوالِ
هذا الزمانُ يَزُفُّ أبكارَ العُلَى
هذا الزمانُ يَزُفُّ أبكارَ العُلَى / ويغُضُّ طرفاً بالرجاء موكَّلا
يرنو إليكَ بطرفِ جانٍ آملٍ / نسيانَ ذنبٍ من جرائمِه خَلا
ولئِنْ أساءَ صنيعَهُ فيما مضَى / فليحسِنَنَّ صنيعَهُ مستقبلا
هذي المُنَى رحبُ الذِراعِ غليلُها / بعد التَّوَقُّد قد غَدا متبللا
فليُحْيينَّ معالِماً مطموسةً / وَلْيُسْقِينَّ جنابَ مجدٍ أمحلا
لمعتْ تباشيرُ العَلاء وأعرضتْ / سُحُبٌ من العِزِّ الجديد لتَهْطِلا
ولقد رأيتُ الدهرَ في أفعالهِ / مستعجلاً وتخالُه متمهِّلا
ليس امرؤٌ تَخِذَ الغريمَ سلاحَهُ / إذْ شاجَرتْهُ الحادثاتُ بأعْزَلا
يزَعُ الخطوبَ ببأسهِ وعُرامه / فرْداً وقد قادتْ إليه جَحْفَلا
لم تلقكَ الأعداءُ تشكو حادثاً / حتى رأوا رُكناً لِيذبُلَ زُلزلا
وإِذا الكرامُ رأوكَ كنتَ أَمَدَّهُمْ / في مجدهم شأواً وأبهرَ مجتلى
وإِذا همُ حمِيَ الوطيسُ عليهِمُ / في مُشْكلٍ دَعَوُا الْأجلَّ الأفضلا
وإِذا الخطوبُ تضايقتْ أرجاؤها / أوسعتَها رأيا وقولاً فيصَلا
لم تُعْضِل الأحداثُ إلا طبَّقَتْ / منهنَّ عزمتُك المُبِرَّةُ مفصِلا
أشكو إليك الحادثاتِ فإنَّها / صَّبتْ على نحري الطِوالَ الذُّبَّلا
قد كنت تدرؤُها وتدفعُ كيدَهَا / عني إِذا اخترطت عليَّ المُنْصُلا
فالآن ترجِعُ عن دمي إن أشرَعتْ / نحوي سِنانَ الحادثاتِ مُرَمَّلا
ولقد غدوتُ وللضِجاجِ إقامةٌ / عندي كظلِّ الطير حين تَنَقَّلا
تغشى سهامُ النائباتِ مقاتلي / زُرقاً ويتَّبِعُ الأخيرُ الأوَّلا
من كل غائرة المشَقِّ تخالُها / شِدقاً تثاءبَ أو ملاحِظَ أنجلا
ولقد تمضمضُ بي الخطوبُ فلم تجدْ / لي في مَساغِ لَهاتِها مُسْتَسْهَلا
أقصَرْنَ عن متمرّنٍ متعوِّدٍ / للخطب أن ألقَى عليه كلكلا
ثَبْتُ الجَنانِ فإنْ تلسَّنَ بارِقٌ / بذراكَ مادَ بشجوهِ متململا
وتحوز نارُ الشوقِ في أحشائِه / فيرى بياضَ اليومِ ليلاً أليَلا
فالآنَ أقلعتِ النوائبُ وارعوتْ / وتركتُ حدَّ حُسامِها متفلِّلا
ولبستُ سربالَ التماثُلِ بعدما / ساء الظُّنونُ وصرتُ نِضواً مُثْقَلا
وتداركتني بعد يأسٍ نعمةٌ / اللّهُ مَنَّ بلطفه متفضِّلا
فلعلَّ شملَ الوصلِ يُجمعُ بعدَما / أصبحتُ في بُرْدِ النَّوى متفتّلا
وتبوخُ نارٌ في الأضالع أوقدتْ / ويجفُّ شجوٌ في الفؤاد توغَّلا
عِشْ ما تألَّقَ في الدُّجُنَّةِ كوكبٌ / ثرَّ الندَى سمحَ اليدينِ مؤثَّلا
تُردي عدوَّاً كاشِحاً وتُبِيدُهُ / وتُنيلُ معتفياً وتكشِفُ مُعْضِلا
في راحتيكَ الرِزقُ والأجَلُ
في راحتيكَ الرِزقُ والأجَلُ / وبعزمتيكَ الأمنُ والوَجَلُ
ولك الكتائب وهي مُشعَلَةٌ / والبيضُ في الهامات تشتعلُ
والرأيُ يمضي حيثُ لا أسَلٌ / يمضي لِطيَّتهِ ولا بَطَلُ
والمكرُماتُ يضِلُّ إنْ حُصِرتْ / في عدِّها التفصيلُ والجُمَلُ
ويدٌ تَهُدُّ المالَ راحَتُها / أبداً ويعمُرُ ظهرَها القُبَلُ
ومجالسٌ يُكْنَى الكلامُ بها / لِيناً وتُغْضِي دونَها المُقَلُ
بكَ دانتِ الدنيا لصاحبِها / وانقادَ منها السهلُ والجبلُ
مادتْ غُصونُ العيشِ مُثْقَلةً / حَمْلاً وغصنُ الدِين مُعتدلُ
وأعادتِ الأيامُ بهجَتَها / فالملك غَضُّ العود مقتبلُ
ولعَ العُداةُ بهم فذادَهُمُ / يَقظانُ في استعجاله مَهَلُ
كالسيلِ لولا أنه دُفَعٌ / والليلِ لولا أنهُ ظُلَلُ
وذَعرتَ ريبَ الدهرِ منتقِماً / من كيدِه فصِعابهُ ذُلُلُ
لو دبَّ رأيُك في كعوبِ قَناً / ما مسَّها طنبٌ ولا خَطَلُ
أو كان ضوؤُكَ للغزالةِ لمْ / يحجُبْ ضياءَ جبينها الطَفَلُ
في كلِّ مكرمةٍ وإن عظُمَتْ / بجميلِ فعلكَ يُضربُ المثلُ
سُسْتَ الأنام برأي مشتمِلٍ / بالحزمِ لا سأمٌ ولا مَلَلُ
ترعَى إِذا غفلوا وتسهرُ إنْ / ناموا وتَحلم كلَّما جَهِلُوا
أنت الذي لولا مَداهُ عفتْ / طرقُ الهُدى واستبهمَ السُّبُلُ
في كل شعبٍ من رويَّتِه / شُعَبٌ ومن آرائِه شُعَلُ
تمضي الأمورُ على إرادتِه / فتكادُ قبلَ الفِعل تنفعلُ
يرتدُّ عنه جَفنُ حاسدِهِ / وكأنهُ بالنارِ مكتحِلُ
وجهٌ كيومِ الصحوِ مبتسمٌ / ويدٌ كلَيلِ الدّجْنِ تنهملُ
متخرِّقٌ في العُرْف منبسطٌ / متأزِّرٌ بالمجدِ مشتمِلُ
لا الهولُ يملأُ ناظريهِ ولا / يجتابُ فُرضةَ سمعِه عَذَلُ
ما شئتَ من وعدٍ يساوِقُه / نُجْحٌ وقولٌ تِلوُهُ عملُ
مُسِحتْ على الأنواءِ راحَتُهُ / فانساقَ منها العارضُ الهَطِلُ
وتبرَّجَتْ للمجدِ همَّتُهُ / فانصاعَ منها الجبنُ والبُخُلُ
هو عِلّةُ المعروفِ لو صدقوا / أنّ الأمورَ لكونها عِلَلُ
إنْ ضَنَّ غيثٌ أو جنَى قمرٌ / فيمينُه وجبينُه البَدَلُ
تغدُو بنو الدنْيَا وليس لهمْ / من طولِ ما أغناهمُ أمَلُ
أغناهُ عن سعيٍ وعن طَلَبٍ / جَدٌّ حثيثٌ خطوُهُ عَجِلُ
وكفاهُ جهدَ الرأي يَشْغَلُهُ / عفوُ البديهةِ ما بها شُغُلُ
فالرأيُ مثلَ القول مبتدَهٌ / والقولُ مثلَ الطعنِ مرتَجَلُ
من دوحةِ العلياء حيثُ نَبَا / عن صفحتيها القادِحُ العَمِلُ
صمَّاءُ ما في عودِها خَوَرٌ / عيطاءُ ما في عِطْفِها مَيَلُ
زمَّ الممالكَ أوّليّتَه / حتى أقامَ قناتَها الدوَلُ
الساكتينَ وما بهم حَصَرٌ / والقائلينَ وما لهم خَطَلُ
فَعلوا وما قالوا وأينَ هُمُ / من معشرٍ قالوا وما فعلوا
إنْ أطرقُوا هِيبُوا وإنْ نطقُوا / قالوا الجميل وإن وَلُوا عَدَلوا
وإِذا الخطوبُ رسَتْ كلاكِلُهَا / وتشابهَ الأَعجازُ والقُلَلُ
وتبادرتْها البُزْلُ وانعكستْ / فيها على أصحابِها الحِيَلُ
سبقتْ بديهتُه رويَّتَهُ / كالبرقِ لا ريثٌ ولا كَسلُ
يهوى اللَّحاقَ بشأوِه نفَرٌ / عن شأوِهِ غَفلوا وما عَقِلُوا
ألِفُوا الهُوينَا فاستطارَ بهِ / متمهِّلٌ بالبرقِ منتعِلُ
لوْ أنَّ شُرْبَ الماءِ منقصةٌ / لم يُصْبِهِ نهلٌ ولا عَلَلُ
فإليكَ مجدَ الدينِ مُعلِمَةً / بالشكرِ أقطعُها وتتَّصِلُ
فالمدحُ مختارٌ ومنتخَبٌ / والشكرُ معتامٌ ومنتخَلُ
واسلمْ على الأيام تأمُرُها / أبداً بما تهوَى وتمتثلُ
أيامكَ الأعيادُ ناصعةٌ / غُرٌّ وبالُكَ ناعِمٌ جَذِلُ
أقولُ لأحداثِ النوائب إذ عدتْ
أقولُ لأحداثِ النوائب إذ عدتْ / عليَّ وأبدتْ حدَّ أنيابِها العُصْلِ
إليك فإني لا أُبالي بضيقةٍ / يفرِّجُها رأيُ الأجلِّ أبي الفضلِ
تعودتُ منهُ أنْ أُلِمَّ ببابِه / شريداً وأغدو منه مجتمعَ الشملِ
تصدَّى وللحي الجميل رحيلُ
تصدَّى وللحي الجميل رحيلُ / غزالٌ أحمُّ المقلتينِ كحيلُ
تصدَّى وأمرُ البينِ قد جَدَّ جِدُّهُ / وزُمّتْ جِمالٌ واستقَلَّ حُمولُ
وفي الصدرِ من نار الصَّبَابةِ جاحِمٌ / وفي الخدِّ من ماءِ الجُفونِ مسيلُ
غزالٌ له مرعىً من القلب مخصبٌ / وظِلٌّ صفيقُ الجانبين ظليلُ
تناصفَ فيه الحُسْنُ أما قَوامُهُ / فشطبٌ وأما خَصْرُه ففتيلُ
قريبٌ من الرائينَ يُطْمِعُ قُربُه / وليس إليه للمحبِّ سبيلُ
إِذا سافرَ الألحاظُ في وجَناتِه / تضاءلَ عنه الطرفُ وهو كليلُ
وكالشمسِ تغشى الناظرينَ بنورِها / وليس إليها للأكُفِّ سَبيلُ
ولما استقلَّ الحيُّ وانصدعت بهم / نوىً عن وَداع الظاعنينَ عَجُولُ
تراءتْ لنا لمعَ الغمامةِ أوجهٌ / وِضَاءٌ علَتْها نَضْرةٌ وقَبُولُ
فصبراً معينَ المُلك إن عنَّ حادثٌ / فعاقبةُ الصبرِ الجميلِ جميلُ
ولا تيأسَنْ من صنْعِ ربِّكَ إنَّني / ضمينٌ بأنَّ اللّهَ سوف يُدِيلُ
فإن الليالي إذ يزولُ نعيمُها / تبشِّرُ أنَّ النائباتِ تزولُ
ألم ترَ أنَّ الليلَ بعدَ ظلامِه / عليه لإِسفارِ الصَّبَاحِ دليلُ
ألم ترَ أن الشمسَ بعد كُسوفِها / لها صفحةٌ تغشِي العُيونَ صقيلُ
وأنَّ الهلالَ النِضْوَ يقمرُ بعدَما / بَدا وهو شَخْتُ الجانبينِ ضَئِيلُ
ولا تحسبنَّ الدوح يُقلَعُ كلما / يَمُرُّ به نفحُ الصَّبَا فيميلُ
ولا تحسبنَّ السيفَ يُقْضَبُ كلَّما / تعاوَرهُ بعد المَضَاءِ كُلولُ
فقد يعطفُ الدهرُ الأبيُّ عِنانَهُ / فيُشفَى عليلٌ أو يُبَلُّ غليلُ
ويرتاشُ مقصوصُ الجَناحين بعدَما / تساقطَ رِيشٌ واستطارَ نَسِيلُ
ويستأنفُ الغصنُ الصليبُ نَضَارةً / فيورقُ ما لم يعتوِرْهُ ذُبُولُ
وللنجمِ من بعدِ الرجوعِ استقامةٌ / وللحظِّ من بعد الذِّهابِ قفُولُ
وبعضُ الرزايا يوجِبُ الشكرَ وقعُها / عليكَ وأحداثُ الزمانِ شُكولُ
ولا غروَ أن أخنتْ عليك فإنَّما / يُصادَمُ بالخطبِ الجليل جليلُ
وأيُّ قَناةٍ لم تُرنَّحْ كُعُوبُها / وأيُّ حُسامٍ لم يُصِبْهُ فُلولُ
وأيُّ هِلال لم يَشِنْهُ مَحَاقُهُ / وأيُ شهابٍ لم يَخُنْه أُفولُ
أساءتْ ليَ الأيامُ حتى وترتَها / فعندَك أضغانٌ لها وتُبولُ
وعارضتها فيما أرادتْ صروفُها / ولولاكَ كانت تنتَحِي وتصولُ
وحرّمتَ أشلاءَ الكِرامِ وإنَّها / شروبٌ لأشلاءِ الكرامِ أكولُ
وما أنتَ إلا السيفُ أُسكِنَ غِمْدَهُ / لتشقَى به يومَ النزالِ قَبيلُ
أما لكَ بالصِدِّيق يوسفَ أُسْوَةٌ / فتحملَ وطءَ الدهرِ وهو ثقيلُ
وما غضَّ منك الحبسُ والذِكرُ سائرٌ / طليقٌ له في الخافقينَ ذَمِيلُ
فلا تُذْعِنَنْ للخطبِ آدكَ ثِقلُهُ / فمِثلُكَ للأمرِ العظيم حَمُولُ
ولا تجزعَنْ للكَبْلِ مسَّكَ وقْعُهُ / فإنَّ خلاخيلَ الرِجالِ كُبُولُ
وصنعُ الليالي ما عدتكَ سِهامُها / وإنْ أجحفتْ بالعالمين جزيلُ
وإنَّ امرأً تعدو الحوادثُ عِرضَهُ / ويأسى لما يأخُذْنَهُ لبخيلُ
لك اللّهُ راعٍ حيثُ كنتَ ولا تزلْ / أياديهِ منها زائرٌ ونزيلُ
ولا شِينتِ الدّنيا بيومكَ إنَّما / بقاؤك فيها غُرَّةٌ وحُجُولُ
ولا متُّ أو ألقاكَ حظُّكُ دولةٌ / وحظُّ الأعادي رنَّةٌ وعويلُ
نعيمُ هجيرِ العمرِ فيه أصائِلٌ / وعزُّ حُزونِ العيشِ فيه سُهولُ
أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ
أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَلِ / وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ / والشمسُ رأْدَ الضُحَى كالشمسِ في الطَفَلِ
فيمَ الإقامُة بالزوراءِ لا سَكَني / بها ولا ناقتي فيها ولا جَملي
نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ / كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ
فلا صديقَ إليه مشتكَى حزَنِي / ولا أنيسَ إليه منتَهى جذلي
طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي / ورحُلها وقرَى العَسَّالةِ الذُّبلِ
وضَجَّ من لَغَبٍ نضوي وعجَّ لما / يلقَى رِكابي ولجَّ الركبُ في عَذَلي
أُريدُ بسطةَ كَفٍ أستعينُ بها / على قضاءِ حُقوقٍ للعُلَى قِبَلي
والدهرُ يعكِسُ آمالِي ويُقْنعُني / من الغنيمةِ بعد الكَدِّ بالقَفَلِ
وذِي شِطاطٍ كصدرِ الرُّمْحِ معتقلٍ / لمثلهِ غيرَ هيَّابٍ ولا وَكِلِ
حلوُ الفُكاهِةِ مُرُّ الجِدِّ قد مُزِجتْ / بقسوةِ البأسِ فيه رِقَّةُ الغَزَلِ
طردتُ سرحَ الكرى عن وِرْدِ مُقْلتِه / والليلُ أغرَى سوامَ النومِ بالمُقَلِ
والركبُ مِيلٌ على الأكوارِ من طَرِبٍ / صاحٍ وآخرَ من خمر الهوى ثَمِلِ
فقلتُ أدعوكَ للجُلَّى لتنصُرَنِي / وأنت تخذِلُني في الحادثِ الجَلَلِ
تنام عيني وعينُ النجمِ ساهرةٌ / وتستحيلُ وصِبغُ الليلِ لم يَحُلِ
فهل تُعِيُن على غَيٍّ هممتُ بهِ / والغيُّ يزجُرُ أحياناً عن الفَشَلِ
اني أُريدُ طروقَ الحَيِّ من إضَمٍ / وقد رَماهُ رُماةٌ من بني ثُعَلِ
يحمونَ بالبِيض والسُّمْرِ اللدانِ بهمْ / سودَ الغدائرِ حُمْرَ الحَلْي والحُلَلِ
فسِرْ بنا في ذِمامِ الليلِ مُهتدياً / بنفحةِ الطِيب تَهدِينَا إِلى الحِلَلِ
فالحبُّ حيثُ العِدَى والأُسدُ رابضَةٌ / حول الكناس لها غاب من الأسل
نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت / نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ
قد زادَ طيبَ أحاديثِ الكرامِ بها / ما بالكرائمِ من جُبنٍ ومن بُخُلِ
تبيتُ نارُ الهَوى منهنَّ في كَبِدٍ / حرَّى ونار القِرى منهم على القُلَلِ
يقتُلنَ أنضاءَ حبٍّ لا حَراكَ بها / وينحرونَ كرامَ الخيلِ والإِبِلِ
يُشفَى لديغُ الغوانِي في بُيوتهِمُ / بنهلةٍ من لذيذِ الخَمْرِ والعَسَلِ
لعلَّ إِلمامةً بالجِزعِ ثانيةً / يدِبُّ فيها نسيمُ البُرْءِ في عللِ
لا أكرهُ الطعنةَ النجلاءَ قد شُفِعَتْ / برشقةٍ من نِبالِ الأعيُنِ النُّجُلِ
ولا أهابُ صِفاح البِيض تُسعِدُني / باللمحِ من صفحاتِ البِيضِ في الكِلَلِ
ولا أخِلُّ بغِزلان أغازِلُها / ولو دهتني أسودُ الغِيل بالغيَلِ
حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه / عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ
نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت / نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ
ودَعْ غمارَ العُلى للمقديمن على / ركوبِها واقتنِعْ منهن بالبَلَلِ
رضَى الذليلِ بخفضِ العيشِ يخفضُه / والعِزُّ عندَ رسيمِ الأينُقِ الذُلُلِ
فادرأْ بها في نحورِ البِيد جافلةً / معارضاتٍ مثانى اللُّجمِ بالجُدَلِ
إن العُلَى حدَّثتِني وهي صادقةٌ / في ما تُحدِّثُ أنَّ العزَّ في النُقَلِ
لو أنَّ في شرفِ المأوى بلوغَ مُنَىً / لم تبرحِ الشمسُ يوماً دارةَ الحَمَلِ
أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمِعاً / والحظُّ عنِّيَ بالجُهَّالِ في شُغُلِ
لعلَّهُ إنْ بَدا فضلي ونقصُهُمُ / لعينهِ نامَ عنهمْ أو تنبَّهَ لي
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها / ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ / فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ
غالى بنفسيَ عِرفاني بقيمتِها / فصُنْتُها عن رخيصِ القَدْرِ مبتَذَلِ
وعادةُ النصلِ أن يُزْهَى بجوهرِه / وليس يعملُ إلّا في يدَيْ بَطَلِ
ما كنتُ أُوثِرُ أن يمتدَّ بي زمني / حتى أرى دولةَ الأوغادِ والسّفَلِ
تقدَّمتني أناسٌ كان شَوطُهُمُ / وراءَ خطويَ إذ أمشي على مَهَلِ
هذا جَزاءُ امرئٍ أقرانُه درَجُوا / من قَبْلهِ فتمنَّى فُسحةَ الأجلِ
نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت / نِصالُها بمياه الغَنْجِ والكَحَلِ
فاصبرْ لها غيرَ محتالٍ ولا ضَجِرٍ / في حادثِ الدهرِ ما يُغني عن الحِيَلِ
أعدى عدوِّكَ أدنى من وَثِقْتَ به / فحاذرِ الناسَ واصحبهمْ على دَخَلِ
وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها / من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ
وحسنُ ظَنِّكَ بالأيام مَعْجَزَةٌ / فظُنَّ شَرّاً وكنْ منها على وَجَلِ
غاضَ الوفاءُ وفاضَ الغدرُ وانفرجتْ / مسافةُ الخُلْفِ بين القولِ والعَمَلِ
وشانَ صدقَك عند الناس كِذبُهمُ / وهل يُطابَقُ معوَجٌّ بمعتَدِلِ
إن كان ينجعُ شيءٌ في ثباتِهم / على العُهودِ فسبَقُ السيفِ للعَذَلِ
يا وارداً سؤْرَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ / أنفقتَ عُمرَكَ في أيامِكَ الأُوَلِ
فيمَ اعتراضُكَ لُجَّ البحرِ تركَبُهُ / وأنتَ تكفيك منه مصّةُ الوَشَلِ
مُلْكُ القناعةِ لا يُخْشَى عليه ولا / يُحتاجُ فيه إِلى الأنصار والخَوَلِ
ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها / فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ
ويا خبيراً على الأسرار مُطّلِعاً / اصْمُتْ ففي الصَّمْتِ مَنْجاةٌ من الزَّلَلِ
قد رشَّحوك لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ / فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ
حسَدَ الفتَى لما تقاعسَ دونَهُ
حسَدَ الفتَى لما تقاعسَ دونَهُ / وأبَى له قِصَرُ الزمانِ منالَهُ
قد قلتُ لمَّا سَلَّ فيه لسانَهُ / سَفَهاً وعارضَ بالمصونِ مُذالَهُ
مهلاً فقد أُوتيتَ بسطةَ جاههِ / وأجلَّ منه فما عشرتَ خِصالَهُ
هل عِبتَ إِن أنصفَت إِلّا أنه / طلبَ العَلاءَ وجدَّ فيه فنالَهُ
هلّا ذكرتَ له كرائمَ خِيمهِ / ونشرتَ عنه فعالَهُ ومقالَهُ
حذفَ الزمانُ فضولَ عيشٍ شاغلٍ / عنهُ وخلَّدَ مجدَهُ وفَعالَهُ
فأبانَ عنه بُخلَهُ ونَوالَهُ / وأشاع فيه هَدْيَهُ وضلالَهُ
ما الدهرُ إِلّا عاطلٌ من بعدِه / ضاحي المُحَيَّا مذ أزاحَ ظِلالَهُ
ولعلَّهُ يوماً يُحِسُّ بقبْحِه / من بعدِه فيُعيدُ فيه جَمالَهُ
أو حالَ ما بيني وبينَ مطالبي
أو حالَ ما بيني وبينَ مطالبي / خطبٌ فذلك حائلٌ متحوِّلُ
لا تأمُلُنَّ بني الزمان فطالما / أكدَى وخابَ الآمِلُ المتأمِّلُ
كان المروءةُ والفتوَّةُ والنَّدى / وابنُ الكمالِ الفاضلُ المتفضِّلُ
فاليوم قد نُسخَتْ وأقبلَ بعدَهُ / خَلَفٌ فمثلي عاطِلٌ متعَطِّلُ
وجفتنيَ الدنيا وسوف تَبُرُّنِي / إِن عادَ ذاك المقبِلُ المتقَبِّلُ
عتَبُوا على فضلي وذمُّوا حِكمتي
عتَبُوا على فضلي وذمُّوا حِكمتي / واستوحشوا من نقصِهم وكمالي
إِنى وكيدَهُمُ وما نَبحُوا بهِ / كالطَوْدِ يحقرُ نطحةَ الأوعالِ
وإِذا الفتَى عرفَ الرشادَ لنفسِهِ / هانتْ عليهِ ملامةُ الجُهَّالِ
ولا تشيرا بنُصحٍ فيه معجزةٌ
ولا تشيرا بنُصحٍ فيه معجزةٌ / فالنصحُ ليس بناهٍ عزمةَ البطلِ
وساعدانيَ في غيّي وفي رَشَدي / وشارِكانيَ في صابي وفي عَسَلي
فإِنْ بلغتُ مُرادي فهو أرفقُ لي / وإنْ لقِيتُ حِمَامي فهو أروحُ لي
يستخبرُ الريحَ عنها ثم يُنكِرُها
يستخبرُ الريحَ عنها ثم يُنكِرُها / لفقدِ ما اعتادَ من بِرٍّ وإفضالِ
وبؤسَ منفردٍ عمَّنْ يُضاجِعُهُ / مشرّدِ النومِ بين الأهلِ والمالِ
يزيدُ حَرَّ حشاهُ بَردُ مضجَعِهِ / ويملأ القلبَ شجواً ربعُه الخالي
يبكي ويندُبُ طولَ الليلِ أجمعِهِ / فما يَقَرُّ ولا يهدَا على حالِ
ثُكلٌ وفُرقةُ أحبابٍ ومَرزأةٌ
ثُكلٌ وفُرقةُ أحبابٍ ومَرزأةٌ / في المالِ والأهل والأتباع والخَوَلِ
فبينَ غفوةِ عينٍ وانتباهتِها
فبينَ غفوةِ عينٍ وانتباهتِها / يُقلَّبُ الدهرُ من حالٍ إِلى حالِ
مثلُ العُقَابِ رأى نصلا يُركَّبُ في
مثلُ العُقَابِ رأى نصلا يُركَّبُ في / قِدْحٍ لطيفٍ قويمِ الحدِّ معتدلِ
فقال لا بأسَ ما لم يأتِه مدَدٌ / منّي يكون له عَوناً على العَملِ
فأَلبسَ القِدحَ وحفَاً من قوادِمِهِ / لمَّا تطايرَ رامٍ من بني ثُعَلِ
رماه رشْقَاً فلم يُخطئْ مقاتِلَهُ / فخرَّ منتكساً من ذِروةِ الجبَلِ
فقال والسهمُ تحدوهُ قوادمُهُ / من ذا ألومُ وحتفي جاء من قِبَلي
بذلوا الوفاءَ وكان آخرُ عهدِهمْ
بذلوا الوفاءَ وكان آخرُ عهدِهمْ / غَدْراً وأخلفَ ما رآهُ الباذِلُ
ما كان أنضرَ عهدَنا لو صحَّ ما / ألوى المطولُ بهِ وضنَّ الباخِلُ
فتبِعتُهُمْ أنا والرفيقُ ومقلةٌ / تَذري النجيعَ وأريحيٌّ بازلُ
حتَّى تكشَّفت الدُّجَى عن واضحٍ / كالبَيض أسلمهُ النَعامُ الجافِلُ
ولحقتُ آثارَ الحمول ودونَها / غيرانُ سطوتُهُ القضاءُ النازلُ
ونظرْنَ من خَللِ السُّجوفِ بأعيُنٍ / أهدابُهنَّ وقد نُصبنَ حَبائِلُ
ما كنتُ أعلمُ قبل أن عرضتْ لنا / أنّ العيونَ قواتلٌ ومقاتِلُ
واستوقفتْ عجلَى الركاب فمُقلةٌ / للركبِ شاخصةٌ وقلبٌ ذاهِلُ
حيَّا ثراكِ حَياً من عبرتي حَدِبُ
حيَّا ثراكِ حَياً من عبرتي حَدِبُ / ولا عَداكِ صباً من زفرتي غزِلُ
وصبَّحتكِ من الأرآمِ جازيةٌ / ترعى رُباكِ وترعَى حسنَها المقلُ
ويا نسيماً عليلاً زارني سَحَراً / هيَّجتَ ما بيَ لا اهتاجتْ بك العِلَلُ
روَّحْتَ جمرَ حشىً لم يبقَ منهُ سِوى / شرارةٍ فهو مذ روحتها شُعَلُ
ووقفةٍ في جَنانِ الليلِ خافيةٍ / عن الوشاةِ فلا رُقْبَى ولا عَذَلُ
وافتَ وفوقَ لآلي الثغرِ من لَعَسٍ / ختامُ مسكٍ ففضّت ختمَها القُبَلُ
كأنما ثمِلتْ من خمرِ ريقتِها / جُفونُها إذ تثنَّى قدُّها الثَّمِلُ
محفوفةٌ بقصيراتِ الخُطَى خُرُدٍ / أقدامُها بالقرون السودِ تنتعِلُ
بتنا وباتَ التُّقَى يقظانَ يحرُسُنَا / ودينُنا في الهوى قولٌ ولا عملُ
ثم انثنينا وجيبي ما تعلَّقَهُ / غيرُ العَفافِ ورُدنِي من دَمِي خَضِلُ
وحدَّثتُ نفسي بالأمانِيّ ضَلَّةً
وحدَّثتُ نفسي بالأمانِيّ ضَلَّةً / وليس حديثُ النفسِ غيرَ ضَلالِ
أواعِدُهَا قربَ اللقاءِ ودونَها / مواعيدُ دهرٍ مولعٍ بمَطالِ
يقَرُّ بعيني الركبُ من نحو أرضِكم / يَزِجُّونَ عِيساً قُيِّدَتْ بكلالِ
أطارحهُمْ جِدَّ الحديثِ وهزلَهُ / لأحبِسَهمْ عن سيرِهم بمقالي
أسائلُ عمَّنْ لا أُحبُّ وإنَّما / أريدُكمُ من بينهمْ بسؤالي
فيعثُرُ ما بينَ السؤالِ ورجعهِ / لساني بكم حتَّى ينُمَّ بحالي
وأطوي على ما تعلمونَ جوانحي / وأُظهرُ للعُذَّالِ أنيَ سَالي
ولا والذي عافاكمُ وابتلى بكمْ / فؤاديَ ما اجتازَ السُّلوُّ بِبالي
أعيشُ تجلُّداً وأموتُ شوقاً
أعيشُ تجلُّداً وأموتُ شوقاً / وحظِّي منكمُ أبداً قليلُ
إِذا العذبُ الزلالُ كَرعتُ فيهِ / شَرِقْتُ بهِ ولم يُروَ الغليلُ
ألا من للغريب يَنالُ منه / جوىً ما بين أضلعِه دخيلُ
يحِنُّ إِذا الحَمامُ الوُرقُ حنَّتْ / ويطرَبُ كلّما هبّت قَبُولُ
ويطوي صبرَهُ ريحٌ شَمالٌ / وينشُرُ وجدَهْ راحٌ شَمولُ
وإنَّ بمسقطِ العلمين ماءً / نميراً دونَهُ ظِلٌّ ظليلُ
حمام ليس لي فيهنَّ وردٌ / وظلٌّ ليس لي فيه مَقِيلُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025