القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 48
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل
أقبِلْ فتلك دِيارُ يَثربَ تقبل / يَكفيكَ من أشواقها ما تَحمِلُ
طالَ التّلَوُّمُ والقلوبُ خوافقٌ / يهفو إليكَ بها الحنينُ الأطولُ
القومُ مُذ فارقتَ مكّةَ أعينٌ / تأبى الكرَى وجَوانحٌ تَتململُ
يَتطلّعون إلى الفجاج وقولُهُمْ / أفما يُطالِعُنا النبيُّ المُرسَلُ
أقبلتَ في بِيضِ الثّيابِ مُباركاً / يُزجي البشائرَ وجهُكَ المتهلِّلُ
يا طِيبَ ما صَنَعَ الزُّبيرُ وَطَلحةٌ / ولَصَنعُكَ الأوفى أجلُّ وأفضلُ
خفَّ الرِجالُ إليكَ يَهتفُ جمعهُم / وقلوبُهم فَرَحاً أخفُّ وأعجلُ
هي في رِكَابِكَ ما بها من حاجةٍ / إلا إليكَ وما لها مُتحوَّلُ
هَجرتْ مَنازِلَها بِيثربِ وَانْتَحتْ / أُخرى بِمكةَ دُورُها ما تُؤهَلُ
وفدان هذا من ورائِكَ يرتَمي / عَجِلاً وهذا من أمامِكَ يَنسِلُ
انْظُر بني النّجَارِ حَولك عُكّفاً / يَرِدُونَ نُورَك حِينَ فَاضَ المنهلُ
لم يُنزِلوكَ على الخُؤولةِ وحدَها / كلُّ المواطنِ للنّبوّةِ مَنزلُ
نزلوا على الإسلام عندَك إنّه / نَسَبٌ يَعُمُّ المُسلِمينَ ويَشملُ
ما للديارِ تَهزُّها نَشَواتُها / أهي الأناشيدُ الحِسانُ تُرتَّلُ
رفَّتْ نَضارتُها وطابَ أريجُها / وتردّدتْ أنفاسُها تَتسلسَلُ
فكأنّما في كلِّ مَغنىً رَوضةٌ / وكأنّما في كلِّ دارٍ بُلبُلُ
هُنَّ العذارَى المؤمناتُ أقمنَهُ / عِيداً تُحيّيهِ الملائِك من عَلُ
في مُوكبٍ للهِ أشرقَ نورهُ / فيه وقام جلالهُ يَتمثَّلُ
جَمعَ النَبيِّينَ الكِرَام فآخذٌ / بيدِ الإمامِ وعائذٌ يتَوسَّلُ
يَمشِي به الرُّوحُ الأمينُ مُسلِّماً / وجبينُه بفمِ النبيِّ مُقَبَّلُ
إيهٍ بني النجَّارِ إنَّ محمَّداً / لأَشدُّ حُبّاً لِلَّتي هي أجْمَلُ
خلُّوا سبيلَ اللهِ ما لرسولِه / عمَّا أعدَّ من المنازلِ مَعْدِلُ
ذَهبتْ مَطيّتُه فقيل لها قِفي / هذا مَناخُكِ لستِ ممّن يَجهلُ
النَّاسُ في طَلَبِ الحياةِ وها هنا / سِرٌّ لها خافٍ وكنزٌ مُقفَلُ
أعطِي أبا أيّوب رَحْلَكِ وَاحْمَدِي / من أمرِ ربّكِ ما يجيءُ ويَفعلُ
ودَعِي الزّمامَ لأسعدِ بن زُرارةٍ / فإليهِ بعد اللهِ أَمْرُكِ يُوكَلُ
لمَّا حملتِ الحقَّ أجمعَ والهدى / أمسى بحبلِ اللهِ حَبلُكِ يُوصَلُ
يتنافسُ الأنصارُ فِيك وما دروا / لِمنِ المفازُ وأيُّهُمْ هو أوّلُ
هِيَ كيمياءُ الحقِّ لولا أنّها / تَهدِي العقولَ لَخِلتُها لا تُعقَلُ
دُنيا من العجبِ العجابِ ودولةٌ / يَهوِي النُّضارُ بها ويعلو الجَندلُ
أرأيت أهل الكهف لولا سرها / هل كان يكرم كلبهم ويُبجَّلُ
شكراً أبا أيوب فُزتَ بنعمةٍ / فيها لنفسِكَ ما تُريدُ وتسأَلُ
ما مِثلُ رِفْدِكَ في المواطنِ كلِّها / رِفدٌ يُضاعَفُ أو عطَاءٌ يُجزَلُ
للهِ دارُكَ من مَحلَّةِ مُؤْمِنٍ / نَزلَ الحِمَى فيها وحَلَّ المعقلُ
نَزَلَ النبيُّ بها فحلَّ فِناءَها / مَجدٌ يُقيمُ وسؤددٌ ما يرحلُ
مجدُ النُّبوَّةِ في ضيافةِ ماجِدٍ / سَمحِ القِرى يُسدِي الجزيلَ ويبذلُ
وَسِعَتْ جِفانَ المُطعمين جفانُه / كرماً فما يأبى ولا هِيَ تبخلُ
أضفى على السَّعدينِ بُرْدَ سماحةٍ / فاهتزَّ جُودُهُما وأقبلَ يرفلُ
جذلانَ مُحتفلاً يقرّب منهما / للهِ ما يرضَى وما يتقبَّلُ
جَعلَ القِرَى سَبباً إلى رضوانِه / والبِرُّ والإيمانُ فيما يَجعَلُ
يا زيدُ من صنع الثَّريدَ وما عسى / ترجو بما حَملتْ يداك وتأمُل
بعثتك أمُّك تبتغي في دينها / ما يبتغي ذو الهمَّةِ المتعمِّلُ
شكر النّبيُّ لها وأطلق دعوةً / صعدت كما شقَّ الفضاءَ مُجلجِلُ
أطيب بتلك هديّةً يسعى بها / في اللّهِ ساعٍ بالجلال مُظلَّلُ
لو أنَّها وُزِنَتْ بدنيا قيصرٍ / رَجحتْ وأين من الخِضَمِّ الجدولُ
هي إن عييت بوصفها ما يُجْتنَى / من نعمةِ الإسلامِ لا ما يُؤكلُ
ما في جهادكِ أمَّ زيدٍ ريبةٌ / نار الوغى احتدمت وأنتِ الجحفلُ
شَرَعٌ سرابيلُ الحروب وما اكتسى / من سابغاتِ الخيرِ من يتسربلُ
يا معشر الأنصارِ هل لي عندكم / نادٍ يَضُمُّ النابغين ومحفلُ
عندي لشاعركم تحيةُ شاعرٍ / يَسِمُ القوافِيَ وسمه يَتنخَّلُ
تنميهِ في دُنيا البيانِ رَوائعٌ / منها رواكدُ ما تَرِيمُ وجُفَّلُ
الثّاوياتُ على هُدىً من ربّها / والسّابحاتُ السّائحاتُ الجُوَّلُ
شُغِلَتْ بها الدُّنيا وما هي بالتّي / تُعْنَى بدنيا الجاهلين وتُشغَلُ
تأبى القرارَ بكلّ وادٍ مُمحِلٍ / وتحلُّ بالوادي الذي لا يُمحلُ
حسّانُ أبلغُ من يقول وليس لي / منه إذا ادّعَتِ المصاقعُ مِقْوَلُ
أنتم قضيتم للنَّبيِّ ذمامه / ونصرتُمُ الحقَّ الذي لا يُخذلُ
وصنعتُمُ الصّنعَ الجميل كرامةً / لمهاجرين همُ الفريقُ الأمثلُ
فعرفتُ موضعكم وكيف سما بكم / مجدٌ لكم في المسلمين مؤثَّلُ
وأذعتُه نبأً لكم ما مثله / نبأٌ يُذاعُ ولا حديثٌ يُنقلُ
القومُ قومُ اللهِ ملء دياركم / وكأنهم بديارهم لم يرحلوا
الدينُ يعطفُ والسماحةُ تحتفِي / والحبُّ يرعَى والمروءةُ تكفلُ
والله يشكرُ والنّبيُّ بغبطةٍ / والشركُ يصعقُ والضلالةُ تذهلُ
دِينُ الهدى والحقِّ في أعراسِه / والجاهليَّةُ في المآتم تُعوِلُ
إن هالها الحَدثُ الذي نُكِبَتْ به / فلسوف تُنكَبُ بالذي هو أهولُ
زُولي مُعطِّلةَ العقولِ فمنَ قَضى / أنّ البصائرَ والعقولَ تُعطَّلُ
ألقِي السِّلاحَ فما لخصمكِ دافعٌ / ودَعِي الكِفاحَ فما لجندِكِ موئِلُ
أزرَى بكِ الفشلُ المبرّحُ وارتمى / بِحُماتكِ القَدرُ الذي لا يفشَلُ
السَّهلُ يصعبُ إن تواكلتِ القُوى / والصعبُ إن مَضتِ العزائمُ يسهلُ
أرسى المعاقلِ مؤمنٌ لا نفسُه / تهفو ولا إيمانُه يتزلزلُ
هذا النْذيرُ فإن أبيتِ سوى الأذى / فالأرضُ بالدّمِ لا محالةَ تُغسلُ
علقت بِمَقْتَلِكِ السّهامُ وما عسى / يَبقَى الرَّمِيُّ إذا أُصِيبَ المَقتَلُ
الله أكبرُ كلُّ زُورٍ يَنقضِي / مَرَّ السَّحاب وكلُّ إفكٍ يبطُلُ
المسجد الثَّاني يُقامُ بيثربٍ / ومحمدُ الباني يَجِدُّ ويَعملُ
عَمّارُ أنتَ لها وليس ببالغٍ / عُليا المراتبِ مَن يَكِلُّ وَيَكْسَلُ
إن يَثْقُلِ العِبءُ الذي حُمِّلتَهُ / فَلما يُحمَّلُ ذو التَّباعةِ أثقلُ
ماذا بَلغت من السَّناءِ على يدٍ / أدنَى أنامِلها السِّماكُ الأعزلُ
مَسَحتْه ظهراً مِنكَ طالَ مُنيفهُ / حتَّى تَمنَّى لو يكونكَ يذبُلُ
هذا رسولُ الله ِ في أصحابِه / لا يَشتكِي نَصَباً ولا يَتمهَّلُ
يَأتِي ويذهبُ بينهم فَمُلَثَّمٌ / بالتُّربِ يَغْشَى وَجْهَهُ ومُكَلَّلُ
مِن كلِّ قَوّامٍ على أثقالِه / سامٍ له ظهرٌ أشمُّ وكَلْكَلُ
ما كان أحسنَها مقَالةَ راجزٍ / لو كان يَعرفُ حُكمَها المُتَمثِّلُ
هَتفَ الإمامُ بها فَراحَ يُعيدها / ثُمَّ انْثَنى مُتَلَطِّفَاً يَتَنصَّلُ
عمّارُ يا لكَ إذ تُلامُ ويا لَهُ / مِن ذِي مُحافظةٍ يَلومُ ويَعذِلُ
هِجْتَ ابنَ مَظعونٍ فأقبلَ غاضباً / حَنِقاً يجيش كما يَجيشُ المِرْجَلُ
ولقد يَحيدُ عن التُّرابِ إناقةً / مَن لا يَحيدُ عن الضِّرابِ ويَنْكُلُ
مَهْلاً أبا اليقظانِ قِرنُكَ باسلٌ / وأخوكَ في جِدِّ الوغَى لا يَهْزِلُ
ولئن أهابَ اللُّه يَالَ مُحمّدٍ / صُونوا الحِمَى لَهْوَ الأشدُّ الأبسلُ
السَّيفُ يَعْجَزُ أن يَنالَ غِرارُه / ما ليس يَعجزُ أن ينالَ المِعْوَلُ
إيهٍ أبا بكرٍ ظَفِرتَ بصفقةٍ / شَتَّى مَغانِمُها لمن يَتأَمَّلُ
القومُ عند إبائهم وسَخَائِهم / لو يبذلونَ نفوسَهُم لم يَحفِلوا
لا يقبلون لحائِطٍ ثمناً ولا / يَبغونَها دُنيا تُذَمُّ وتُرذَلُ
اللّهُ يَطلُبُهُ لِنُصرةِ دينِهِ / والدّينُ هُم أنصارُه ما بّدلوا
قالوا أَمِنَّا يا محمدُ يُبتغَى / ما ليس يَخلقُ بالأُباةِ ويجملُ
إنّا لعمرِ اللَّهِ نَعرِفُ حَقَّهُ / ونُعِزُّ مِلَّته التي نتملَّلُ
نُعطِي اليتيمين الكِفَاءَ وإن هما / أَبيا ونَتَّبِعُ التي هي أنبلُ
خُذْ ما أردتَ فلن نبيعكَ مسجداً / يَدعوهُ فيه مُكَبّرٌ ومهلِّلُ
هو رَبُّنا إن نالنا رِضوانُه / فلنا المثوبةُ والجزاءُ الأكملُ
إيهٍ أبا بكرٍ خَليلُكَ مُطرِقٌ / يأبى وأنتَ بما يُريدُ مُوَكَّلُ
لابدَّ من ثمنٍ يَكونُ أداؤُهُ / حَكَماً يُطاعُ وشِرعة ما تُهمَلُ
لولا الرسولُ وما يُعلِّمُ قومَه / جَهل المحجّةَ ظالمٌ لا يَعدِلُ
وإذا قَضَى أمراً فما لقضائهِ / رَدٌّ ولا في غيرِهِ مُتعلَّلُ
الحقُّ ما شَرَعَ النبيُّ وباطلٌ / ما يدَّعِي المرتابُ والمتأوّلُ
لا بدّ من ثمنٍ ولستَ بواجدٍ / في القومِ من يَضِحُ الصّوابُ فَيَغفلُ
أمر الرسولُ به فدونك أدّهِ / ولأنت صاحبُهُ الكريمُ المفضلُ
يا باذِلَ الأموالِ نِلتَ ببذلِها / ما لم يَنَلْ في المسلمين مُموِّلُ
أتبعتَ نفسَكَ ما ملكتَ فمهجةٌ / تَنهالُ طيّعةً وكَفُّ تَهطلُ
أَذِّنْ بِلاَلُ لكَ الوَلاَيةُ لم تُتَحْ / لِسوَاكَ إذ تدعو الجموع فَتُقبِلُ
اللَّهُ أَلبَسَكَ الكرامَةَ وَاصْطَفَى / لك ما يُحبُّ المؤمنُ المتوكِّلُ
يا طولَ ما عُذِّبتَ فيه فلم تَمِلْ / تَبغِي الّتي اتَّبعَ الغُواةُ المُيَّلُ
أَحَدٌ إلهُكَ ما كَذبتَ وما لمن / يرجو النّجاةَ على سواهُ مُعَوَّلُ
أرِني يَدَيْكَ أفِيهما لِأُمَيَّةٍ / وِردٌ من الموتِ الذُّعافِ مُثمَّلُ
لَلسَّيفُ سَيفُ اللَّهِ أَهْوَلُ موقعاً / من صَخرةٍ تُلقَى وحبلٍ يُفتَلُ
لك في غدٍ دَمُه إذا التقتِ الظُّبى / تحتَ العَجاجةِ والرِّماحُ الذُّبَّلُ
أذِّنْ فإنَّ الدِّينَ قامَ عَمُودُه / وَرَستْ جَوانبُهُ فما يَتَقَلقَلُ
هَبَطَ الجزيرةَ فاحتوى أطرافَها / وَانْسَابَ في أحشائِها يَتَغَلْغَلُ
فكأنما طردَ السوائمَ ضيغمٌ / وكأنما ذعرَ الحمائمَ أجدلُ
خَفَّ الرجالُ إلى الصَّلَاةِ وإِنَّها / لأَجلُّ ما تَصِفُ الصّفوفُ المُثَّلُ
عَنَتِ الوجوهُ فراكِعٌ متخشعٌ / يخشى الإلهَ وساجِدٌ مُتَبَتِّلُ
صَلُّوا بني الإسلامِ خَلفَ نبيِّكم / وخُذوا بما شَرَعَ الكتابُ المنزَلُ
اللَّهُ أيَّدكم به وأمدَّكم / منه بنورٍ ساطعٍ ما يأفلُ
آثرتُمُ السَّننَ السويَّ فجدُّكم / يَعلو وجَدُّ ذوي العَمايةِ يَسفُلُ
هل يَستوِي الجمعانِ هذا صاعدٌ / يبني وهذا ساقطٌ يَتهيَّلُ
يتَألّفون على الهَوى وقلوبُهم / شَتَّى يَظلُّ شَعاعُها يتزيّلُ
نَصرٌ على نصرٍ وفتحٌ بعده / فتحٌ يَغيظُ المشركينَ مُحجَّلُ
إنَّ امرأً جمحتْ به أهواؤُه / من بعدِ ما وضَح الهُدى لَمُضلَّلُ
الحقُّ بابُ اللَّهِ هل من داخلٍ / طُوبَى لمن يَبغِي الفَلاحَ فيدخلُ
بِسيفك فيما اخترتَ من عاجلِ القتلِ
بِسيفك فيما اخترتَ من عاجلِ القتلِ / سُقِيتَ ذُعافَ الموتِ فَاشْربْ أبا جَهلِ
هُو السّيفُ لولا الجبنُ لم يَمْضِ حدُّه / ولم يَرْضَ في جِدّ الكريهةِ بالهزلِ
شَهِدْتَ الوغَى تَبغِي على الضّعفِ راحةً / لِنَفْسِكَ من حِقدٍ مُذيبٍ ومن غِلِّ
أفرعونُ إن تجهلْ فلن تَجهَل الوغَى / فَراعينَها مِن ذي شَبابٍ ومن كَهْلِ
أصابَك فيها ما أصابَك من أذىً / وفاتَك ما نالَ الرُّوَيْعِيُّ من فَضْلِ
رَماكُ مُعاذٌ قبله ومُعوّذٌ / وجاءك مَشبوباً حَمِيَّتُهُ تَغلي
سَقى السّيفَ عفواً من دمٍ لك طَيِّعٍ / فَمِن مُرتقَىً صعبٍ إلى مُسْتَقىً سَهْلِ
دَعِ الهزلَ يا ابْنَ الحنظليَّةِ إنّه / هو الجِدُّ كلُّ الجِدِّ لو كنتَ ذا عقلِ
هِيَ اللاّتُ والعُزَّى أضلّتْكَ هذِهِ / وزادتْكَ هذي من ضلالٍ ومن خَبْلِ
مَضَى جارُك المأفونُ خَزيانَ وَانْقَضَتْ / حِبالُك فَانْظُرْ هل ترى الآن من حَبْلِ
لقد كنتَ ترجو أن ترى الهُبَلَ الذي / رَضِيتَ به رَبّاً يَفوزُ ويَسْتَعْلِي
أصبتَ ابنَ مسعودٍ سَناءً ورفعةً / وباءَ عدوُّ اللّهِ بالخِزي والذُّلِّ
فَخُذْ سَيْفَهُ ثم ارفعِ الصَّوتَ شاكراً / فما بعدَ ما أعطاكَ ربُّك من سُؤْلِ
على ذكرها فليعرفِ الحقَّ جاهلُهْ
على ذكرها فليعرفِ الحقَّ جاهلُهْ / ويُؤمنْ بأنّ البغيَ شتَّى غَوائلُهْ
هِيَ الغزوةُ الكبرى هَوى الشّركُ إذ رمت / جَحافِلُها العظمى وولّت جَحافلُهْ
وأصبح دينُ اللهِ قد قام رُكنُهُ / فَأقصرَ من أعدائهِ مَن يُطاوله
بَنَتْهُ سيوفُ اللهِ بالعزمِ إنّه / لأصلبُ من صُمِّ الجلاميدِ سائله
تَكِلُّ قُوى الجبّارِ عما تُقيمه / عليه يَدُ الباني وتنبو مَعاوِله
أهاب رسولُ اللهِ بالجندِ أقدِموا / ولا ترهبوا الطاغوتَ فاللّهُ خاذله
أما تنظرون الأرض كيف أظلَّها / من الشّركِ دينٌ أهلك النّاسَ باطله
خُذوه ببأسٍ لا تطيشُ سهامُه / فأنتم مَناياهُ وهَذي مقاتله
علينا الهُدَى إمّا بآياتِ ربّنا / وإمّا بحدِّ السّيفِ لا خابَ حامله
إذا أنكر القومُ البراهينَ أخضعت / براهينُه أعناقَهم ودلائله
مضى البأسُ بَدْرِيَّ المشاهدِ تَرتمِي / أعاصيرهُ ناراً وتَغلِي مراجله
وضَجَّ رسولُ الله يدعو إلهه / فيا لكَ من جندٍ طوى الجوَّ جافله
تَنّزلَ يُزجي النصرَ تنسابُ من عَلٍ / شآبيبُه نوراً وينهلُّ وابله
أحيزومُ أقدِمْ إنه الجِدُّ لن يرى / سواه عدوٌّ كاذبُ البأسِ هازله
هو الله يحمي دينَه ويُعزُّه / فمن ذا يناويه ومن ذا يُصاوله
تمزّقَ جيشُ الكفر وانحلَّ عقدُه / فخابت أمانيه وأعيت وسائله
وما برسولِ الله إذ ناله الأذى / سوى ما ارتضت أخلاقُهُ وشمائله
نبيٌّ يُحبُّ الله حُبَّ مجاهدٍ / يرى دَمهُ من حقّه فهو باذله
يُعظّمهُ في نفسِهِ ويُطيعُهُ / وما يقضِ من أمرٍ له فهو قابله
كذلك كان المسلمونَ الأُلى مضَوْا / فيا لكَ عصراً يبعثُ الحزنَ زائله
صَدفنا عن المُثلى فأصبحَ أمرُنا / إلى غيرنا نَهذِي به وهو شاغله
يُجالِدُ من يَبغِي الحياةَ عدوَّه / فيا لعدوٍّ لم يَجد من يُجادله
بنا من عوادِي الدّهرِ كلُّ مُسلَّطٍ / مَكائدُه مبثوثةٌ وحبائله
قضينا المدى ما تستقيمُ أمورنا / وهل يستقيم الأمرُ عاليه سافله
عَجِبتُ لقومي عُطّلَ الدّينُ بينهم / وجُنُّوا به والجهلُ شتَّى منازله
يُحبّونه حُبَّ الذي ضلَّ رأيُه / فَقاطعهُ منهم سواء وواصله
صلاةٌ وصَومٌ يَركضُ الشرُّ فيهما / حَثيثاً تَهزُّ المشرقَيْنِ صَواهِله
وكيف يقومُ الدّينُ ما بين أمّةٍ / إذا عُطِّلتْ آدابُه وفضائله
سلامٌ علينا يوم يصدقُ بأسُنا / فيمضِي بنا في كلّ أمرٍ نُحاوله
ويومَ تكونُ الأرض تحت لوائِنا / فليس عليها من لواءٍ يُماثله
أنمشي بِطاءً والخطوبُ تَنوبُنا / سِراعاً وعادِي الشرِّ ينقضُّ عاجله
ألا همّةٌ بدريّةٌ تكشفُ الأذى / وتشفِي من الهمِّ الذي اهتاجَ داخله
ألا أمةٌ تنهَى النفوسَ عن الهوى / وتُصْغِي إلى القولِ الذي أنا قائله
ألا دولةٌ للحقِّ تسلك نهجه / وتمشِي على آثارهِ ما تُزايله
إذا نحن لم نَرشدْ ولم نتبعِ الهُدَى / فلا تنكروا يا قومُ ما الله فاعله
رُدُّوا بَني قَيْنُقاعَ الأمرَ إذ نزلا
رُدُّوا بَني قَيْنُقاعَ الأمرَ إذ نزلا / هيهاتَ هيهاتَ أمسى خَطبُكم جَللا
نقضتُمُ العهدَ معقوداً على دَخَلٍ / لعاقدٍ ما نَوى غشاً ولا دخلا
مازال شيطانُكم بالغيظِ يَقدحه / بين الجوانِح حتّى شبَّ واشتعلا
هاجت وقائعُ بدرٍ من حَفيظتِكم / ونَبّهتْ منكمُ الداءَ الذي غفلا
أتنكرون على الإسلامِ بهجتَهُ / والله أطلعه من نوره مثلا
دِينُ الهدى يا بني التوراةِ يَشرعُه / للناسِ مَن شرَع الأديانَ والمِلَلا
لا تدّعوا أنكم منها بِمُعتصَمٍ / واقٍ ولا تطمعوا أن تُتركوا هَمَلا
جاء النبيّين بالفرقانِ وراثُهم / سُبحان من نقل الميراثَ فانتقلا
رأى النفوسَ بلا هادٍ فأرسله / يَهدِي الشعوبَ ويشفي مِنهمُ العِلَلا
هلا سألتم أخاكم حين يَبعثُها / هوجاءَ يعصفُ فيها الشرُّ ما فعلا
إنّ التي رامها في عزّها سَفهاً / لَتُؤثِرُ الموتَ ممّا سامها بدلا
لا يَبلغُ العِرضَ منها حين تمنعُه / من خيفةِ العارِ حتى تبلغَ الأجلا
وقد يكونُ لها من ربّها رَصَدٌ / إذا رماهُ بِعَيْنَيْ غَاضبٍ جَفلا
ما زال بالدّمِ حتّى ظلّ سافحهُ / يجري على دمه مُسترسِلاً عَجِلا
ما غرّكم بقضاءِ اللهِ يُرسله / على يَدَيْ بطلٍ أعظم به بطلا
لقد دعاكم إلى الحسنى فمال بكم / من طائفِ الجهلِ داعٍ يُورثُ الخَبَلا
قلتم رُويداً فإنّا لا يُصابُ لنا / كُفؤٌ إذا ما التقى الجمعانِ فاقتتلا
لسنا كقومك إذ يلقون مَهلكَهم / على يديك وإذ يُعطونكَ النَّفلا
يا ويلكم حين ترتجّ الحصونُ بكم / ترجو الأمانَ وتُبدي الخوفَ والوَجلا
كم موئلٍ شامخِ العرنين يُعجبكم / يَودُّ يومئذٍ لو أنّه وَأَلا
أمسى عُبادةُ منكم نافضاً يدَهُ / فانبتَّ من عهدِهِ ما كان مُتّصلا
نِعمَ الحليفُ غدرتم فانطوى حَنقاً / يرجو الإله ويأبَى الزيغَ والزللا
ما كان كابن أُبيٍّ في جَهالته / إذ راح شيطانُهُ يُرخِي له الطولا
مَضَى على الحلف يرعَى معشراً غُدُراً / أهوِنْ بكم معشراً لو أنّه عقلا
لا تذكروا الدمَ إنّ السيفَ مُنصلِتٌ / في كفِّ أبيضَ يُدمِي البِيضَ والأسلا
وجانِبوا الحربَ إن الله خاذلُكم / ولن تروا ناصراً يُرجَى لمن خَذلا
مشى الرسولُ وجندُ اللهِ يتبعُه / من كلّ مِقدامةٍ يغشى الوغَى جَذِلا
يهفو إلى الموتِ مُشتاقاً ويطلبُه / بين الخميسَيْنِ لا نِكْساً ولا وَكَلا
لو غَيّبتْهُ المواضِي في سرائرِها / ألقى بمهجته يرتادُ مُدَّخلا
يُخال في غَمراتِ الرَوْعِ من مَرَحٍ / لولا الرحيقُ المصفَّى شارباً ثَمِلا
أهاب حمزةُ بالأبطالِ فانطلقوا / وانسابَ مُنطلقاً يَهديهمُ السُّبلا
عَجِبتُ للقومِ طاروا عن مواقعهم / ما ذاقَ هاربهُم سيفاً ولا رَجُلا
مَضَوْا سِراعاً إلى الآطامِ واجفةً / يُخالُ أمنعُها من ضعفِه طَللا
طال الحصارُ وظلّ الحتفُ يرقبُهُم / حَرّانَ يشجيه ألا ينقعَ الغُللا
أفنوْا من الزادِ والماعونِ ما ادّخروا / واحتال أشياخُهم فاستنفدوا الحيلا
مِن كل ذي سَغَبٍ لو قال واجدُه / كُلْنِي ليعلمَ ما في نفسهِ أُكلا
لا يملكون لأهليهم وأنفسهم / إلا العذاب وإلا الظنَّ والأملا
ظلّت وساوسُهم حيرى تجولُ بهم / في مجهلٍ يتردَّى فيه من جَهِلا
حتّى إذا بلغ المكروهُ غايتَه / وهال كلَّ غويِّ الرأي ما حملا
تضرّعوا يسألون العفوَ مُقتدرِاً / يجودُ بالعفو إن ذو قُدرةٍ بخلا
أعطى النفوسَ حياةً من سماحته / فكان أكرم من أعطى ومن بذلا
لو شاء طاح بهم قتلاً فما ملكوا / من بعد مَهلكهم قولاً ولا عملا
ما الظنُّ بابن أُبيٍّ حين يسأله / من الأناةِ وفضلِ الحِلمِ ما سألا
أما رأوه جريحاً لو يُصادِفُه / حِمامُه لم يجد من دونه حِوَلا
زالوا عن الدورِ والأموالِ وانكشفوا / عن السلاح وراحوا خُضّعاً ذُلُلا
هو الجلاءُ لقومٍ لا حُلومَ لهم / ساؤوا مُقاماً وساؤوا بعدُ مُرتَحلا
ساروا إلى أذرعاتٍ ينزلون بها / نُكْداً مشائيمَ لا طابت لهم نُزُلا
بادوا بها وتساقَوْا في مصارعِهم / سُوءَ العذابِ ومكروهَ الأذى نَهَلا
يَلومُ بعضٌ على ما كان من سَفَهٍ / بعضاً فمن يَقترِبْ يسمعْ لهم جَدلا
أهلُ المعاقلِ هدّتهم مُدمّرةٌ / تَمضِي فلا معقلاً تُبقي ولا جبلا
رمى بها من رسولِ الله مُتّئِدٌ / لا يأخذُ الناسَ حتى ينبذوا الرسلا
هل دولةُ الحقّ إلا قُوةٌ غَلبْت / فافتحْ بها الأرضَ أو فامسَحْ بها الدُّولا
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا
أَدأبُكَ أن تُريدَ المستحيلا / تأمّلْ أيها المولى قليلا
لبثتَ تُعالج الداءَ الدخيلا / وتُضمِرُ في جوانحك الغليلا
وما يُجديك لاعجهُ فتيلا /
أما تنفكُّ تذكر يومَ بدر / وما عانيت من قتلٍ وأسرِ
وَراءَك إنّها الأقدارُ تجري / بنصرٍ للنبيّ وراءَ نصرِ
وكان الله بالحسنى كفيلا /
أبا سُفيانَ دّعْ صفوانَ يبكي / وعكرمةً يُطيل من التشكّي
وقلْ للقومِ في بِرِّ ونُسكِ / نَهيتُ النفسَ عن كفرٍ وشركِ
وآثرتُ المحجّةَ والسبيلا /
أراك أطعتَهم وأبيتَ إلّا / سبيلَ السُّوءِ تسلكه مُدِلّا
تريدُ مُحمداً وأراه بَسْلا / رُويدك يا أبا سفيان هلّا
أردت لقومك الحَسَن الجميلا /
قُريشٌ لم تزل صَرْعَى هواها / وعِيرُ الشؤمِ لم تَحلل عُراها
أجِلْ عينيك وانظر ما عساها / تسوقُ من الجنودِ إلى وغاها
فقد حَملتْ لكم أسفاً طويلا /
دعا صفوانُ شاعِرَه فلبَّى / وكان يسومه شَططاً فيأبى
أحلَّ له الهجاءَ وكان خِبَّا / أحبَّ من الخيانةِ ما أحبّا
يُريدُ العَيشَ مُحتقَراً ذليلا /
يذمُّ محمداً ويقول نُكْرا / ولولا لؤمه لم يَألُ شكرا
تغمَّد حقَه وجزاه شَرّا / وأمسى عهدهُ كذباً وغدرا
وإنّ له لمنقلباً وبيلا /
ألم يَمنُنْ عليه إذ الأُسارى / تكاد نفوسُها تهوِي حذارا
تطوفُ به مُولَّهةً حيارى / تَودُّ لو اَنّها ملكت فرارا
وهل يُعطَى عدوُّ اللهِ سُولا /
جُبَيْرُ أكان عمُّك حين أودى / كعمّ محمدٍ شرفاً ومجدا
أحمزةُ أم طعيمةُ كان أهدى / رُويدك يا جبير أتيت إدّا
وإنّ قضاءَ ربّكِ لن يحولا /
أراد فما لِوَحْشِيٍّ مَحيدُ / ولا لك مصرفٌ عما يُريدُ
أليس لِحمزةَ البأسُ الشديدُ / فما يُغني فتاك وما يُفيدُ
تباركَ ربُّنا رباً جليلا /
تَولَّوْا بالكتائبِ والسَّرايا / وساروا بالحرائرِ والبغايا
منايا قومهم جَلبتْ منايا / فسيري في سبيلك يا مطايا
ولا تَدَعِي الرسيمَ ولا الذّميلا /
ويا خَيلُ اركضي بالقوم ركضا / وجوبي للوغى أرضاً فأرضا
لعلّ الناقمَ الموتورَ يرضى / نَشدتُكِ فانفضي البيداءَ نفضا
وَوالي في جوانبها الصّهيلا /
ويا هندُ اندبي القتلى ونوحي / وزيدي ما بقومِكِ من جُروحِ
وراءَكِ كلُّ مُنصلِتٍ طَموحِ / تُهيِّجُّ بأسَهُ رِيحُ الفتوحِ
وراءك فتيةٌ تأبى النّكولا /
وراءك نِسوةٌ للحرب تُزجَى / تَرُجُّ دفوفُها الأبطالَ رجّا
وتلك خمورُ عسكركِ المرجَّى / وكان الغيُّ بالجهلاءِ أحجى
كذلك يطمسُ الجهلُ العقولا /
رأيتِ الرأي شُؤماً أيَّ شؤمِ / وما تدري يمينُك أين ترمي
لعمركِ إنه لَرسيسُ همِّ / تغلغل منك بين دَمٍ ولحمِ
فيا ابنةَ عُتبة اجتنبي الفُضولا /
أعنْ جَسدِ الرضيّةِ بنتِ وهبِ / تُشَقُّ القبرُ يا امرأةَ ابن حرب
ويُقطَعُ بالمُدى في غير ذنب / ليُفدَى كلُّ مأسورٍ بإربِ
فيا عجباً لقولٍ منكِ قيلا /
هي الهيجاءُ ليس لها مردُّ / فمن يَكُ هازلاً فالأمرُ جِدُّ
لَبأسُ اللهِ يا هندٌ أشدُّ / له جندٌ وللكفّارِ جند
وإنّ لجندهِ البطشَ المهولا /
سيوفُ محمدٍ أمضى السيوفِ / وأجلبُ للمعاطبِ والحتوفِ
إذا هوتِ الصفوفُ على الصفوفِ / وأعرضَ كلُّ جبارٍ مخوفِ
مَضتْ مِلءَ الوغَى عَرضاً وطولا /
أرى السَّعدَيْنِ قد دلفا وهذا / عليٌّ بالحُسامِ العَضْبِ لاذا
وحمزةُ جَدَّ مُعتزِماً فماذا / وَمن للقومِ إن أمسوا جُذاذا
وطار حُماتُهم فمضوا فلولا /
وفي الأبطالِ فِتيانٌ رِقاقُ / بأنفسهم إلى الهيجا اشتياقُ
لهم في الناهضين لها انطلاقُ / دعا داعي الجهادِ فما أطاقوا
بدارِ السّلمِ مَثوىً أو مقيلا /
أعادهُم النبيُّ إلى العرينِ / شُبولاً سوف تَصْلُبُ بعد لينِ
يضنُّ بها إلى أجلٍ وحينِ / رَعاكَ اللهُ من سَمْحٍ ضنين
يَسوسُ الأمرَ يكرهُ أن يَعولا /
وَقيلَ لرافعٍ نعم الغلامُ / إذا انطلقتْ لغايتِها السّهامُ
تقدم أيّها الرامي الهمامُ / إذا الهيجاءُ شبّ لها ضرامُ
فأَمطِرْها سِهامَكَ والنُّصولا /
ونادى سمرةٌ أيرُدُّ مثلي / ويُقبلُ صاحبي وأنا المجلِّي
أُصارِعُه فإن أغلبْ فَسؤْلي / وكيف أُذادُ عن حقٍّ وعدلِ
وأُمْنَعُ أن أصولَ وأن أجولا /
وصَارعَهُ فكان أشدَّ أسرا / وأكثرَ في المجالِ الضّنكِ صبرا
وقيل له صدقتَ فأنت أحرى / بأن تردَ الوغى فتنالَ نصرا
ألا أقبل فقد نِلتَ القبولا /
أعبدَ اللهِ مالكَ من خَلاقِ / فَعُدْ بالنّاكِثينَ ذوي النّفاقِ
كفاكَ من المخافةِ ما تُلاقي / ومالّك من قضاءِ اللهِ واقِ
وإن أمسيتَ للشّعرى نزيلا /
أبيتَ على ابن عمرٍو ما أرادا / وشرُّ القومِ من يأبى الرشادا
نهاكَ فلم تَزِدْ إلا عنادا / ألم يَسمعْ فريقُكَ حين نادى
أطيعوا الله واتّبعوا الرسولا /
يقولُ نشدتُكم لا تخذلوهُ / ومَوْثِقَ قومِكم لا تَنقضوهُ
رسولُ الله إلّا تنصروهُ / فإنّ الحقَّ ينصرُهُ ذَووهُ
ألا بُعداً لمن يَبغِي الغُلولا /
تجلَّى نورُ ربّكَ ذي الجلالِ / وهزّ الشِّعبَ صوتٌ من بِلالِ
بلالُ الخيرِ أذَّنَ في الرجالِ / فهبُّوا للصلاةِ من الرِحالِ
وقاموا خلَف سيّدهم مُثولا /
عَلاَ صَوتُ الأذينِ فأيُّ مَعنى / لِمَنْ هو مُؤمنٌ أسمَى وأسنى
إلهُ النّاسِ فردٌ لا يُثنَّى / تأمّلْ خلقه إنساً وجنّا
فلن تجدَ الشريكَ ولا المثيلا /
أَجلْ اللّهُ أكبرُ لا مِراءَ / فهل سَمِعَ الألى كفروا النّداءَ
أظنُّ قلوبَهم طارت هَباءَ / فلا أرضاً تُطيقُ ولا سَماءَ
جَلالُ الحقِّ أورثهم ذهُولا /
سرى الصّوتُ المردَّدُ في الصباحِ / فضجَّ الكونُ حيَّ على الفلاحِ
تلقَّى صيحةَ الحقِّ الصّراحِ / فقام يَصيحُ من كلِّ النواحي
يُسبِّحُ ربَّهُ غِبَّ ارتياحِ / ويحمَدُه بألسنةٍ فِصاحِ
تَعطّفتِ الجبالُ على البطاحِ / وكبّرتِ المدائنُ والضواحي
وأوَّبتِ البحارُ مع الرياحِ / وصفَّقَ كلُّ طيرٍ بالجناحِ
كتابُ الحقِّ ما للحقِّ ماحِ / يُرتَّلُ في الغُدوِّ وفي الرواحِ
فَقُلْ للنّاسِ من ثَمِلٍ وصاحِ / شريعةُ ربّكم ما من براحِ
فَمنْ منكم يُريدُ بها بديلا /
ألا طابتْ صلاتُكَ إذ تُقامُ / وطابَ القومُ إذ أنتَ الإمامُ
أقمها يا محمدُ فَهْيَ لامُ / تَساقَطُ حولها الجُنَنُ العِظامُ
بها يُتخطَّفُ الجيشُ اللهّامُ / وليس كمثلِها جَيشٌ يُرامُ
قضاها اللّهُ فَهْيَ له ذِمامُ / وذاك نِظامُها نِعمَ النّظامُ
يوطِّد من بَنَى وهي الدّعامُ / ويصعدُ بالذّرى وهي السّنامُ
نَهضتَ لها وما هبَّ النيامُ / وبادرها الميامينُ الكرامُ
مَقامٌ ما يُطاوله مَقامُ / ودينٌ من شعائِره السّلامُ
يصونُ لواءَهُ جيلاً فجيلا /
هُدَى الأجيالِ يخطبُ في الهُداةِ / ويأمُر بالجهادِ وبالصّلاةِ
وبالأخلاقِ غُرّاً طيّباتِ / مُلَقَّى الوحيِ والإلهامِ هاتِ
وَصفْ للنّاسِ آدابَ الحياةِ / وكيف تكونُ دُنيا الصّالحاتِ
وَخُذهم بالنّصائحِ والعظاتِ / مُضيئاتِ المعالمِ مُشرِقاتِ
شُعوبُ الأرضِ من ماضٍ وآتِ / عيالُكَ فاهْدِهم سُبُلَ النَّجاةِ
إذا ضلَّت دَهاقينُ الثّقاتِ / وأمسى الناسُ أسرى التُّرَّهاتِ
وخفّ ذَوُو الحلومِ الراسياتِ / فأصبحتِ الممالكُ راجفاتِ
أقمتَ الأرضَ تكره أن تميلا /
ألا بَرَزَ الزُبَيْرُ فأيُّ وصفِ / حَواريُّ الرسول يفي ويكفي
برزتَ لخالدٍ حتفاً لحتفِ / تصدُّ قواه عن كرٍّ وزحفِ
وتَدفعهُ إذا ابتعثَ الرعيلا /
ألم تَرَهُ وعكرمَة استعدَّا / فأمَّا جدَّتِ الهيجاءُ جَدّا
بنى لهما رسولُ الله سَدَّا / ومثلك يُعجزُ الأبطالَ هدّا
ويتركُ كلَّ مُمتنعٍ مَهيلا /
لِمَنْ يَرِثُ الممالكَ لا سِواهُ / أعدَّ القائدُ الأعلى قُواهُ
وبَثَّ الجيشَ أحسنَ ما تراهُ / تعالى اللّهُ ليس لنا إلهُ
سِواهُ فوالِهِ ودَعِ الجهولا /
رُماةُ النَّبْلِ ما أمَرَ النبيُّ / فَذلِك لا يكنْ منكم عَصِيُّ
إذا ما زالتِ الشُّمُّ الجِثيُّ / وكان لها انطلاقٌ أو مُضِيُّ
فكونوا في أماكنكم حُلولا /
رُماةَ النَّبلِ رُدُّوا الخيلَ عنَّا / وإن نَهلتْ سيوفُ القومِ منَّا
فلا تتزحزحوا فإذا أذنَّا / فذلك إنّ للهيجاءِ فنَّا
تُلقّنه الجهابذةَ الفُحولا /
تَلقَّ أبا دُجانةَ باليمينِ / حُسامَكَ من يَدِ الهادِي الأمينِ
وَخُذْهُ بحقِّه في غيرِ لينِ / لِتنصُرَ في الكريهةِ خيرَ دينِ
يَرِفُّ على الدُّنَى ظِلاًّ ظليلا /
نَصيبك نِلتَهُ من فضلِ ربِّ / قضاهُ لصادقِ النَّجدَاتِ ضَرْبِ
تخطَّى القومَ من آلٍ وصحبِ / فكان عليك عضْباً فوق عَضْبِ
تبخترْ وامضِ مسنوناً صَقيلا /
أبا سُفيانَ لا يقتلْكَ همَّا / ولا يذهبْ بحلمكَ أن تُذَمّا
أحِينَ بَعثَتها شَرّاً وشُؤما / أردتَ هَوادةً وطلبتَ سلما
مَكانك لا تكن مَذِلاً ملولا /
مَنِ الدّاعي يَصيِحُ على البعيرِ / أمالي في الفوارسِ من نظيرِ
أروني همّةَ البطلِ المُغيرِ / إليَّ فما بِمثلي من نكيرِ
أنا الأسدُ الذي يحمي الشُّبولا /
تَحدّاهُ الزُّبَيْرُ وفي يَديْهِ / قَضاءٌ خفَّ عاجِلُه إليْهِ
رَمى ظهرَ البعيرِ بمنكبيهِ / وجرَّعهُ منيَّته عليْهِ
فأسلمَ نفسَهُ وهوَى قتيلا /
ألا بُعداً لِطلحةَ حين يهذي / فيأخذُه عليٌّ شَرَّ أخذِ
أُصِيبَ بِقسْوَرِيِّ البأسِ فذِّ / يُعَدُّ لكلِّ طاغِي النّفسِ مُؤذِ
يُعالِجُ دَاءَهُ حتى يزولا /
أمِنْ فَقدٍ إلى فقدٍ جَديدِ / لقد أضحى اللّواءُ بلا عميدِ
بِصارمِ حمزة البطلِ النّجيدِ / هَوى عثمانُ إثرَ أخٍ فقيدِ
وأُمُّ الكُفرِ ما برحت ثَكولا /
أبَى شرُّ الثلاثةِ أن يَريعا / فخرَّ على يَدَيْ سعدٍ صريعا
ثلاثةُ إخوةٍ هلكوا جميعا / وَراحَ مُسافِعٌ لهمُ تبيعا
رَمتْ يَدُ عاصمٍ سُمّاً نقيعا / تَورَّدَ جوْفَهُ فجَرى نجيعا
وجاء أخوهُ يلتمسُ القَريعا / فأورَدَ نفسَه وِرداً فظيعا
أعاصِمُ أنت أحسنتَ الصّنيعا / فَعِندَ اللّهِ أجرُكَ لن يَضيعا
وإنّ لربّكَ الفضلَ الجزيلا /
رَمَيْتَهُما فظلّا يزحفانِ / يَجُرَّانِ الجِراحَ ويَنْزِفانِ
وخَلفهما من الدّمِ آيتانِ / هما للكفرِ عنوانُ الهوانِ
تَرى الرأسيْنِ مما يحملانِ / على الحجرِ المذمَّمِ يُوضَعانِ
أمن ثَدْيَيْ سُلافة يرضعان / تَقولُ وقلبُها حرّانُ عانِ
عليَّ الجودُ بالمئةِ الهجانِ / لمن يأتي بهامةِ مَن رماني
فوا ظَمَئي إلى بنتِ الدّنانِ / تُدارُ بها عليَّ فودِّعاني
وَمُوتا إنّ للقتلى ذُحولا /
دُعَاةَ اللاتِ والعُزَّى أنيبوا / فليس لصائحٍ منكم مُجيبُ
وليس لكم من الحسنى نصيبُ / لِربِّ النّاسِ داعٍ لا يخيبُ
ودينُ الحقِّ يعرفهُ اللّبيبُ / وما يخفَى الصّوابُ ولا يَغيبُ
رُويداً إنّ موعدكم قريبٌ / وكيف بمن يُصابُ ولا يُصيبُ
سَليبُ النّفسِ يتبعه سليبُ / أما يفنى الطّعينُ ولا الضَّرِيبُ
لِواءٌ ليس يحملهُ عَسِيبُ / عليهِ مِن مناياكم رقيبُ
كفاكم يا له حِملاً ثقيلا /
رَمَى بالنّبلِ كلُّ فتىً عليمِ / فردَّ الخيلَ داميةَ الشَّكيمِ
بِنَضْحٍ مِثلِ شُؤْبوبِ الحميمِ / يَصبُّ على فراعنةِ الجحيمِ
وصاحتْ هندُ في الجمعِ الأثيمِ / تُحرِّضُ كلَّ شيطانٍ رجيمِ
ألا بطلٌ يَذُبُّ عنِ الحريم / ويَضرِبُ بالمهنَّدِ في الصّميم
فهاجت كلَّ ذاتِ حشىً كليمِ / تبثُّ الشجوَ في الهذَرِ الذميم
وتذكرُ طارقاً دَأْبَ المُلِيمِ / يُسيءُ ويُدَّعَى لأبٍ كريمِ
وأين مَكانهنَّ من النّعيمِ / ومن جُرثومةِ الحسبِ القديمِ
زعمنَ الشّركَ كالدّينِ القويمِ / لهنَّ الويلُ من خطبٍ عميمِ
رمى الأبناءَ وانتظمَ البُعولا /
مَنِ البطلُ المُعصَّبُ يختليها / رِقاباً ما يَملُّ الضرب فيها
بِأبيضَ تتقيهِ ويعتريها / وتكرهُ أن تراه وَيشتهيها
لها من حَدّهِ والٍ يليها / ويَنتزعُ الحكومةَ من ذويها
بَررتَ أبا دُجانة إذ تُريها / وحِيَّ الموتِ تطعمه كريها
صَددتَ عن السفيهةِ تزدريها / وتُكرِمُ سيفَكَ العفَّ النزيها
تُولوِلُ للمنيّةِ تتّقيها / فإيهاً يا ابنةَ الهيجاءِ إيها
نَجوتِ ولو رآكِ له شبيها / مَضى العَضْبُ المشطَّبُ ينتضيها
حياةَ مُناجزٍ ما يبتغيها / إذا شَهِدَ الكريهةَ يصطليها
فأرسلها دماً وهوى تليلا /
ما الكيدُ ما الغدرُ ما هذي الأباطيلُ
ما الكيدُ ما الغدرُ ما هذي الأباطيلُ / الجيشُ مُحتشِدٌ والسَّيف مَسلولُ
بَنِي النَّضيرِ وما تُغنِي مَعاقِلُكم / كُفُّوا الأذى ودعوا العُدوان أو زولوا
إنّ القتيلَ لمن غرّته صَخرتُه / فَظنَّ أنّ رسولَ اللهِ مقتول
جاء البريدُ بها حرَّانَ يحملهُ / من رحمةِ المَلِكَ القُدُّوسِ جبريل
ما أكذبَ ابنَ أُبيٍّ إذ يقولُ لكم / لا تتّقوا القومَ إنّ النصرَ مكفول
أولاكمُ النَّصحَ سلّامٌ وأرشدكم / لو أنّ نُصحَ ذوِي الألباب مقبولُ
مَهلاً حُيَيُّ أما تنهاك ناهيةٌ / عمّا أردتَ ولا يهدِيكَ مَعقولُ
لا الحلفُ حقٌّ ولا الأنصارُ إن صدقوا / يغنون عنكم وأنَّى يصدقُ القِيلُ
بنو قريظةَ هدّ الخوفُ جانبَهم / والقومُ من غَطفانٍ غالهم غُول
إنّ الأُلَى جمع الليثُ الهصورُ لكم / لَهْمُ الحُماةُ إذا ما استصرخَ الغيل
أتطلبون دمَ الإسلامِ لا حَكَمٌ / إلا السُّيوف ويقضِي الأمرَ عزريل
هل يَنفعُ القومَ إن أزرى بهم قِصَرٌ / عن مركب البأسِ آطامٌ بها طول
ملُّوا الحياةَ وملّتهم معاقلُهم / كلٌّ بغيضٌ وكلٌّ بعدُ مملول
يدعو كنانةُ محزوناً وصاحبه / زال الخفاءُ وبعضُ القولِ تضليل
يا قومنا أرأيتم كيف يُخلفكم / من كلّ ذي مِقَةٍ وعدٌ ومأمول
دَعُوا الحصونَ وزولوا عن مساكنِكم / حُمَّ القضاءُ وأمرُ اللَّهِ مفعول
قَضَى النبيُّ فما من دونِ مطلبهِ / وسُولهِ مَطلبٌ للقومِ أوسُول
وليس للأمرِ إذ يُقضَى على يدهِ / بالحقِّ من ربّهِ ردٌّ وتحويل
تلفتوا ينظرون الدورَ شاهقةً / من حولها النخلُ تحنيها العثاكيل
والماءُ ينسابُ والأظلالُ وارفةٌ / والزرعُ في شطئهِ بالزرعِ موصول
قالوا أيذهبُ هذا كلُّه سَلَباً / للقومِ من بعدنا تلك العقابيل
وأقبلوا يهدمون الدُّورَ فاختلفتْ / فيها المعاولُ شتَّى والأزاميل
لها على الكُرهِ في أرجائِها لغةٌ / كما تردَّدَ في الأسماعِ ترتيل
الرُّوحُ يهتفُ والإسلامُ مُبتهَجٌ / والكفرُ في صَعقاتِ الهولِ مخبول
يا للركائبِ إذ تمشي مُذَمَّمةً / والقومُ من فوقها سُودٌ معازيل
العزُّ في عَرَصاتِ الدّورِ مطَّرَحٌ / والمال والْحَلي في الأكوارِ محمول
قالوا الرحيل فما أصغت مُثَقَّفةٌ / ولا استجابَ طريرُ الحَدِّ مصقول
نادَى المُوكَّلُ بالأدنى يُعلِّلُهم / وفي الأباطيلِ للجُهّالِ تعليل
هذا الذي يَرفعُ الدنيا ويَخفِضُها / هيهاتَ ذلك إرجافٌ وتهويل
مَواكبُ العارِ لا وسمُ الهوانِ بها / خافٍ ولا أَثرُ الخذلانِ مجهول
ما في الهوادجِ والديباجُ يملؤها / للِخزيِ ملءَ وجوهِ القومِ تبديل
وما الأساوِرُ والأقراطُ نافعةٌ / ولا العقودُ الغوالي والخلاخيل
تشدو القِيَانُ بأيديها مَعازِفُها / وما عليها غَداةَ الجِدِّ تعويلُ
تجلَّدوا يتّقون الشامِتينَ بهم / لبئسما زَعَمَ القومُ المهازيل
فِيمَ الشماتةُ هل كانوا ذَوي خَطَرٍ / بل غالَ أحلامَهم ظَنٌّ وتخييل
لهم بِخَيْبَرَ أقدارٌ مُؤجّلةٌ / وأذرعاتٍ وللأقدارِ تأجيل
أدركَتَها يا ابنَ وهبِ نعمةً نَصرتْ / في القوم جدَّك والمغرورُ مخذول
تلك الوسيلةُ من تعلَقْ بها يَدُه / لم يَعْدُه من عطاءِ الله تنويل
وأنت يا ابنَ عُمَيرٍ زِدتَ مَرتبةً / وللمراتبِ عند اللَّهِ تفضيل
أنكرتَ فِعلَةَ عمروٍ حين همّ بها / فالنَّفسُ غاضبةٌ والمالُ مبذول
رَمَيْتَهُ من بني قيسٍ بِمُقتنِصٍ / يمشي الضِّرَاءَ فأمسى وهو مأكول
أتلك إذ صدقت يا عمرو أم حَجَرٌ / يرمِي به الصادقَ المأمونَ إجفيل
إليك أبا سُفيانَ لا الوعدُ صادقٌ
إليك أبا سُفيانَ لا الوعدُ صادقٌ / ولا أنت ذو جِدٍّ ولا القومُ أبطالُ
أتاك ابنُ مسعودٍ بأنباءِ يثربٍ / فما تنقضي منكم همومٌ وأوجال
لكم عند بدرٍ في لواء محمدٍ / خطوبٌ تَرامَى بالنّفوسِ وأهوال
هنالك قومٌ يا ابن حربٍ كأنّهم / إذا عَصفتْ ريحُ الكريهةِ أغوال
جُنودٌ عليها من عليٍّ مُظَّفرٌ / لدى الرَّوْعِ جيّاش على الهَوْلِ جَوّالُ
دَع المرءَ يذهبْ بالأباطيلِ مُرجِفاً / وَعِدْهُ جزاء الإفكِ لا حبّذا المال
تَردّدَ يخشى منك شِيمَة مُخلِفٍ / يقولُ فلا وَعدٌ وَفِيٌّ ولا قال
تمسَّك من قولِ ابن عمروٍ بمَوْثِقٍ / وطارت به في الجو هوجاء مجفال
مضى يصف الكفار وصف مهول / يقولُ جموعٌ ما تُعَدُّ وأرسال
فما وجفت تلك القلوبُ ولم تكن / كأخرى لها من هَدَّةِ الرُّعبِ زلزال
رِجالٌ رسا الإيمانُ مِلءَ نُفوسهم / فلا الجبنُ مَنجاةٌ ولا البأسُ قَتَّال
ولا الموتُ مكروهٌ على العزِّ وِردُه / ولا العيشُ مورودٌ إذا خِيفَ إذلال
تَداعَوْا فقالوا حسبُنا اللهُ إنّه / لِما شاءَ من نصرِ الهُداةِ لَفعّال
وأرسلها الصِّدِّيقُ دِيمةَ حِكمةٍ / لها من فمِ الفاروقِ سَحٌّ وتَهطال
محمدُ إنّ اللّهَ ناصرُ دينِهِ / ومُظهِرهُ والحقُّ أقطعُ فَصّال
لهم مَوعِدٌ لا بدّ منه ومَورِدٌ / من الحتفِ تغشاهُ نفوسٌ وآجال
عَزيزٌ علينا أن تكونَ مَقالةً / يُردّدُها قومٌ مَهاذيرُ جُهَّالُ
يقولون لولا الخوفُ منّا لأقبلوا / وإنَّا لإقدامٌ حثيثٌ وإقبال
وخفَّ أبو سُفيانَ يكذبُ نفسَهُ / ويُشهِدُها من خيفةٍ كيف يحتال
يقول وقد وافى الرجالُ مَجنَّةً / أيا قومنا مهلاً فإنّا لَضُلّال
أيا قومنا إنّا نرى العامَ مُجدِباً / وشرُّ عَتادِ الحربِ حَدبُ وإمحال
فعودوا إلى عامٍ من الخصبِ صالحٍ / ولا تقربوا الهيجاءَ فالقومُ أصلال
تَقّدمَ جيشُ اللّهِ وارتدَّ جيشُهم / وما فيه أكفاءٌ تُهابُ وأمثال
وأين من الصّيدِ المصاليتِ معشرٌ / لهم من مواليهم لدى البأسِ خُذّالُ
لبئس الموالي ما تَزالُ تغرّهم / ظنونٌ كأحلامِ النّيامِ وآمال
ألا إنَّها الدنيا أُعِيدَ بناؤها / وَصِيغَ لها رسمٌ جديدٌ وتمثال
فلا شأنُها الشأنُ الذي كان يرتضِي / بَنُوها الأُلى بادوا ولا حالُها الحال
عفا السّالفُ المغبَرُّ من سيِّئاتها / فتلك بقاياها قبورٌ وأطلال
أتبقى قلوبُ النّاسِ في ظُلماتها / تَظاهرُ أكنانٌ عليها وأقفال
هو النّورُ نورُ اللّهِ يملأُ أرضَه / فتلقَى الهُدى فيه عصورٌ وأجيال
أتى مطلقُ الأسرى يُحرِّرُ أنفساً / لها من سجاياها قيودٌ وأغلال
سِيرِي الهُوْيْنَى دُومَة الجندلِ
سِيرِي الهُوْيْنَى دُومَة الجندلِ / أمعنتِ في الظُّلمِ ولم تُجملي
أكُلُّ مَن مرَّ خفيفَ الخُطى / تَرمِينَهُ بالفادحِ المُثقل
المسلمون استصرخوا ربَّهم / فاستعصمِي منه ولن تفعلي
مضى رسولُ اللهِ في جحفلٍ / ما مثلُه في البأسِ من جحفل
يمشي إذا اسودّت وجوهُ الوغى / في ساطعٍ من وحيهِ المُنزَل
لولا الذي استعظمتِ من أمرهِ / لم يُهزمِ القومُ ولم تُخذلي
أهلوكِ طاروا خَوْفَ تقتالِه / فأيُّهم بالرُّعبِ لم يُقتلِ
كلٌّ له من نفسهِ ضاربٌ / إن يُدبرِ الخوفُ بهِ يُقبلِ
تلك لعمري من أعاجيبهم / ويبتلي ربُّكِ من يبتلي
شرَّدَهم مَذكورُ من دارهِمِ / لا كنتِ من دارٍ ومن منزلِ
هلّا رعوا إذ أدبروا جُفَّلاً / ما رِيعَ من أنعامكِ الجُفَّل
ماذا يريد الجيشُ من عَوْرَةٍ / حلَّتْ من الذِلّةِ في موئل
لولا المروءات وسلطانُها / لانقضَّ أعلاها على الأسفلِ
شريعةُ الإسلامِ في أهلهِ / أهلِ الحجا والشرفِ الأطولِ
وسُنَّةُ المختارِ من ربِّهِ / والمصطفى من خلقهِ المُرسَلِ
جاءَ بملءِ الأرضِ مِن نورهِ / والنّاسُ من حيرى ومن ضُلّل
لا عُذرَ للمصروفِ عن رُشدِهِ / لم يَبْقَ من داجٍ ولا مجهَل
مَعالِمُ الإيمانُ وضّاحةٌ / والحقُّ مِلءُ العينِ للمُجتلي
إيهٍ قنيصَ اللّهِ في حبلهِ / ظَفِرتَ بالأمنِ فلا تَوْجَلِ
جئتَ مُعافىً في يَدَيْ صائدٍ / لم يخدعِ الصيدَ ولم يَخْتَلِ
أقبِلْ فهذا خيرُ من أبصرت / عيناك في الجيشِ وفي المحفلِ
هذا الذي أعرضَ عن حقِّهِ / قَومُكَ من باغٍ ومن مُبطِلِ
لو أنّهم جاؤوه فاستغفروا / رأوا سجايا المُنعِمِ المفضلِ
أسلمتَ تأبى دِينهم أوّلاً / فمرحباً بالمسلمِ الأوّل
عُيَيْنَةُ المغبونُ في نفسهِ / ماذا جِنِى من دائِه المُعضِلِ
حَمَّلهُ ما لو تلقّت ذُرى / مُستَشرفِ العرنينِ لم يَحمل
ألوَى به الجدبُ فأفضى إلى / أكنافِ وادٍ مُعشِبٍ مُبقلِ
من أنعُم الغيثِ الكثيرِ الجدا / ومكرماتِ العارضِ المسبل
حتى إذا أعجبه شأنهُ / وغرّه من مالِه ما يلي
أتى بها شنعاءَ مكروهةً / من سيّئاتِ الأحمقِ الأثول
بئس المغيرُ انقضَّ في غِرّةً / على لقاحِ الغابةِ الهمَّل
ما وقعةُ اللصِ بمأمونةٍ / ولا أذاةُ الضَّرِعِ الذُّمَّلِ
آذى رسولَ اللهِ في مالهِ / وآثرَ الغدرَ ولم يحفِلِ
لو ارتضى دينَ الهدى صانه / وزانه بالخُلُقِ الأمثل
يا أمَّ سعدٍ لستِ من همّهِ / سعدٌ عن الأهلين في مَعزلِ
إنْ أهلُهُ إلاّ الأُلى استوطنوا / دارَ الوغَى في دُومةِ الجندلِ
لا تذرفي الدّمعَ على راحلٍ / في اللّهِ لولا اللَّهُ لم يرحل
واستقبلي الموتَ على هَوْلِه / إنّي أراهُ سائِغَ المنهل
ظَمِئتِ من سعدٍ إلى نظرةٍ / تُطفِئُ حَرَّ اللاعجِ المشعَل
رَوَّاكِ ربُّ النّاسِ من سرحةٍ / ألقى عليها ظِلَّهُ من عَل
تُؤتي الجَنى كالأرْيِ طِيباً إذا / كان الجنَى كالصّابِ والحنظل
صلاةُ أصفى النّاسِ ممّا سقى / أفنانَها ذو النّائلِ السَّلْسَل
لو وُزِنَتْ كلُّ صلاةٍ بها / من أنبياءِ اللَّهِ لم تَعدلِ
يا أمَّ سعدٍ إنّها نِعمةٌ / جاءتكِ لم تُطلَبْ ولم تُسأَل
هذا جِوارُ اللَّهِ فاستبشري / وهذه جنّاتُه فادخلي
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ
ترامى الجيشُ واندفعَ الرعيلُ / فقل لبني قريظةَ ما السَّبيلُ
سَلُوا كعباً وصاحَبُه حُيّياً / نَزيلَ الشُّؤمِ هل صَدَقَ النزيلُ
أطعتم أمرَهُ فتلقّفتكم / من الأحداثِ داهيةٌ أكولُ
وكان دَليلَكم فجنى عليكم / وقد يَجني على القومِ الدليلُ
دَليلُ السُّوءِ لا عَقلٌ حَصِيفٌ / يُسَدِّدُه ولا رأيٌ أصيلُ
تَفرَّقَتِ الجموعُ وأدركَتْكُم / جنودُ اللَّهِ يَقْدُمُها الرَّسولُ
جهلتم ما وراءَ الغدرِ حتّى / رأيتم كيف يَتّعظُ الجهولُ
ألم تروا اللِّواءَ مشى إليكم / به وبسيفهِ البطلُ المَهولُ
حذار بني قريظة من عليٍّ / ولا يغرركمُ الأُطُمُ الطويلُ
وما يجديكم الهذَيانُ شيئاً / وهل يُجدِي المُخبَّلَ ما يَقولُ
وما لبني القرودِ سِوَى المواضي / يكون لها بأرضِهِمُ صَلِيلُ
تَوارَوْا كالنِّساءِ مُحجَّباتٍ / حَمَتْها في المقاصيرِ البُعُولُ
خلا الميدانُ لا بَطلٌ يُنادِي / ألا بَطَلٌ ولا فَرَسٌ يَجولُ
أقاموا مُحْجَرِينَ على هَوانٍ / أقامَ فما يَرِيمُ ولا يَحولُ
يُرنِّقُ عَيْشَهم جُوعٌ وخَوْفٌ / كِلاَ الخطبَيْنِ أيْسرُهُ جَليلُ
يَبيتُ الهمُّ مُنتشِراً عليهم / إذا انتشرتْ من اللّيلِ السُّدولُ
يلفّهمُ السّهادُ فلا رُقادٌ / يَطيبُ لهم ولا صَبْرٌ جَميلُ
يخاف النومَ أكثرُهم سُهاداً / كأنّ النومَ في عينيه غُولُ
إذا مالت به سِنَةٌ تنزّى / يظنُّ جَوانِبَ الدنيا تميلُ
تَطوفُ بهم مناياهم ظُنوناً / تَوهَّجُ في مخالبِها النُّصولُ
بهم وبحصنهِم ممّا دَهاهُمْ / وحَاقَ بهم جُنونٌ أو ذُهولُ
يقول كبيرُهم يا قومِ ماذا / تَرَوْنَ أهكذا تَعْمَى العُقولُ
أليس مُحمدٌ من قد علمتم / فما الخَبَلُ المُلِحُّ وما الغُفُولُ
رسولُ اللَّهِ ما عنه صُدوفٌ / لمن يبغي النَّجاةَ ولا عُدُولُ
أبعدَ العِلم شَكٌّ بل ضللتم / على عِلْمٍ وذلكمُ الغُلولُ
هَلمُّوا نَتَّبِعْهُ فإنْ أبيتُم / فليس لنا سِوَى الأخرى بَديلُ
نُضَحِّي بالنّساءِ وبالذراري / ونَخرجُ والدّمُ الجاري يَسيلُ
بأيدينا السُّيوفُ مُسَلَّلاَتُ / نَصونُ بها الذِمارَ إذا نَصولُ
فإلا تفعلوا فالقومُ منّا / بمنزلةِ تُنالُ بها الذُّحولُ
لهم منّا غداً بالسَّبْتِ أمْنٌ / فإن تكُ غِرّةٌ شُفِيَ الغَليلُ
هلمّوا بالقواضبِ إن أردتم / فما يُغنِي التَّردّدُ والنُّكولُ
عَصَوْهُ وَراضَهُم عمروُ بن سُعْدَى / فما اجتُنِبَ الجماحُ ولا الجُفولُ
أَبَوْها جِزيةً ثَقُلَتْ عليهم / وقالوا بئسما يرضى الذّليلُ
ففَارقَهم على سُخْطٍ وضِغْنٍ / ورَاحَ يقولُ لا نِعْمَ القبيلُ
نهاهم قبل ذلك أن يخونوا / فكان الغدرُ والداءُ الوبيلُ
تَوالَى الضُّرُّ عِبْئاً بعد عِبْءٍ / فهدَّ قُواهُمُ العبءُ الثقيلُ
دَعَوْا يَسْتَصْرِخونَ ألا دَواءٌ / فقد أشفَى على الموتِ العليلُ
لعل أبا لُبابةَ إن ظفرنا / بمقدمه لِعَثْرتِنَا مُقيلُ
وأرسله النبيُّ فخالفوه / وقالوا لا يُصابُ لنا قتيلُ
لكم منّا السّلاحُ إذا أردتم / وتنطلق الركائبُ والحُمولُ
وَعَادَ فرَاجَعُوه على اضطرارٍ / وهانَ عليهمُ المالُ الجزيلُ
إليكَ أبا لُبابةَ ما منعنا / وشرُّ المالِ ما مَنَعَ البَخِيلُ
خُذوهُ مع السلاحِ وأطْلِقُونا / فَحَسْبُ مُحمّدٍ منّا الرحيلُ
فقال دِماؤُكم لا بُدَّ منها / وذلك حُكمُهُ فمتى القُبولُ
أجِبْ يا كعبُ إنّ الأمرَ حَتْمٌ / فماذا بَعْدُ إلا المستحيلُ
وما من معشرٍ يا كعبُ إلا / على حُكْمِ النبيِّ لهم نُزولُ
نَصحتُ لكم وما للقومِ عُذْرٌ / إذا نَصَحَ الحليفُ أو الخليلُ
هَوَوْا من حصنِهِم وكذاك تَهوي / وتهبطُ من مَعاقِلها الوُعولُ
وجاءوا ضَارِعينَ لهم خُوارٌ / يجاوِبُهُ بُكاءٌ أو عَويلُ
يبثُّ الوجدَ مُبتَئِسٌ حِزينٌ / وَتذرِي الدمعَ وَالِهَةٌ ثَكُولُ
قضاءُ اللَّهِ من قتلٍ وسَبْيٍ / مَضَى والبغيُ دَولَتُهُ تدولُ
يَقولُ الأوسُ إنّ القومَ منّا / على عهدٍ وقد طَمَتِ السُّيولُ
مَوالِينا إذا خَطبٌ عَنَاهُمْ / عَنَانَا ما يَشُقُّ وما يَعُولُ
وَهُمْ حُلَفاؤُنا نحنو عليهم / ونَحدبُ إن جَفَا الحَدِبُ الوَصولُ
أنقتلهم بأيدينا فعفواً / رسولَ اللَّهِ إن أَثِمَ الضَّلولُ
فقال جَعلتُ أمرَ القومِ طُرّاً / إلى سَعْدٍ فَنِعْمَ هو الوَكيلُ
وَجِيءَ بِهِ يقول له ذوُوهُ / تَرفَّقْ إنّك المولى النَّبيلُ
فقال دعوا اللَّجاجَ فإنّ سعداً / بِنُصرةِ ربِّهِ الأعلى كَفيلُ
فَصَاحَ يقولُ وَاقَومَاهُ منهم / رجالٌ عزمهم واهٍ كليلُ
أَتَى فاَقَرَّ حُكمَ اللَّهِ فيهم / وآلَ الأمْرُ أَحْسَنَ ما يؤولُ
عليٌّ والزُّبيرُ لِكُلِّ عَضْبٍ / صقيلٍ منهما عَضْبٌ صَقِيلُ
هما استَبَقَا نُفوسَ القومِ نَهباً / ورُوحُ اللَّهِ بينهما رَسِيلُ
تَقَدَّمْ يا حُيَيُّ فلا مَحِيصٌ / ورِدْ يا كعْبُ ما وَرَدَ الزَّميلُ
لِكُلٍّ من شَقَاءِ الجَدِّ وِرْدٍ / وسَجْلٌ من مَنيّتِهِ سَجِيلُ
أصابكما من الأقدَارِ رامٍ / هَوَى بكما فشأنكما ضَئِيلُ
لَبِئْسَ السيِّدانِ لِشَرِّ قومٍ / هُمُ البُرَحاءُ والدَّاءُ الدَّخيلُ
منابتُ فِتنةٍ خَبُثَتْ وساءَتْ / فلم تَطِبِ الفُروعُ ولا الأُصولُ
قُلوبٌ من سَوادِ القومِ عُمْيٌ / وألبابٌ من الزعماءِ حُولُ
أَضلَّهُمُ الغباءُ فهم كثيرٌ / وَعَمَّهُمُ البلاءُ فهم قَليلُ
تَخطَّفَهُمْ هَرِيتُ الشِّدْقِ ضارٍ / له من مُحكَمِ التنزيلِ غِيلُ
فما نَجتِ النِّساءُ ولا الذراري / ولا سَلِمَ الشَّبابُ ولا الكُهولُ
تهلَّلتِ المنازِلُ والمغاني / وأشرقَتِ المزارِعُ والحقولُ
وباتَ الحِصنُ مُبْتَهِجاً عليه / لآلِ مُحَمّدٍ ظِلٌّ ظليلُ
لعمرُ الهالكينَ لقد تأذَّى / تُرابٌ في حَفائِرِهم مَهيلُ
طَوَى رِجْساً تكادُ الأرضُ منه / تَمُورُ بمن عليها أو تَزولُ
يُساقُ السبْيُ شِرْذِمَةٌ بنَجدٍ / وأخرى بالشآمِ لها أليلُ
جَلائِبُ لا أبٌ في السُّوقِ يَحمِي / ولا وَلَدٌ يَذُّبُّ ولا حلِيلُ
تُجَرُّ على الهوانِ ولا مُغِيثٌ / بأرضٍ ما تُجَرُّ بها الذُّيولُ
أصابَ المسلمونَ بها سلاحاً / وخَيْلاً في قَوَائِمِها الحُجُولُ
مُكَرَّمَةً تُعَدُّ لِكُلِّ يومٍ / كَريمِ الذِّكْرِ لَيْسَ له مثيلُ
إذا ذُكِرَتْ مَنَاقِبُهُ الغوالي / تَعَالتْ أُمَّةٌ واعتزَّ جيلُ
مَنَاقِبُ ما يزالُ لها طُلوعٌ / إذا الأقمارُ أدركها الأُفُولُ
لها من نابِه الأدبِ انبعاثٌ / فما يُخفِي زَوَاهِرَها الخُمُولُ
ضَمِنتُ لها البقاءَ وإن عَنَتْنِي / مِنَ الدَّهرِ العوائِقُ والشُّغولُ
وما تُغْنِي الخزائمُ حين تُلوَى / إذا انطلقَتْ لحاجتها الفُحولُ
تُخَلِّدُها مصوناتٌ حِسانٌ / حرائِرُ مالَها أبداً مُذِيلُ
صفايا الشِّعرِ لا خُلُقٌ زَرِيٌّ / يُخالِطُها ولا أدبٌ هَزيلُ
لَعلَّ اللَّهَ يجعلها ربيعاً / لألبابٍ أضرَّ بها المحولُ
فَوا أسَفَا أتُطمعني القَوافِي / فَيُخْلِفُ مطمعٌ وَيَخِيْبُ سُولُ
وَوَاحَربا أما يُرجَى فِكاكٌ / لأِسْرَى ما تُفارِقُها الكُبولُ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ / وَقُوا مُهَجَاتِكم حَرَّ القِتالِ
أَمِنْ غَدرٍ إلى جُبنٍ لعمري / لقد ضِقْتُم بأخلاقِ الرِجالِ
لكم من خَصمِكم عُذرٌ مُبِينٌ / فليس لنارِه في الحربِ صالِ
أما انصدعتْ قُواكم إذ أخذتم / صحابتَه بمكرٍ وَاحْتيالِ
كَذبتُمْ ما لأهلِ الشِّركِ عَهدٌ / وما الكُفّارُ إلا في ضَلالِ
قَتلتُمْ عاصماً بطلاً مَجيداً / مَخُوفَ الكَرِّ مَرهوبَ النِزالِ
فُنونُ الحربِ تَعرفُه عليماً / بأسرارِ الأسنَّةِ والنِّصالِ
وَتشهدُ أنه البطلُ المُرَجَّى / إذا فَزَعَ الرُّماةُ إلى النِّبالِ
رَماكُمْ ثُمَّ جَالدَكم فأدَّى / أمانتَهُ وَأَوْدَى غيرَ آلِ
وقاتِلُ عُقْبَةٍ في يومِ بَدرٍ / أَيحفِلُ حِينَ يُقتلُ أو يُبالِي
أردتُمْ بَيعَهُ لِيُنالَ وِترٌ / رُوَيْداً إنّ صاحبَكم لَغَالِ
وليس لدى سُلافَة من كِفاءٍ / لِهَامَةِ ماجدٍ سَمْحِ الخِلالِ
حَماهُ اللَّهُ من دَنَسٍ وَرِجْسٍ / وَسُوءِ المنُكراتِ من الفِعالِ
شَهيدُ الحقِّ تَحرسُه جُنودٌ / مِنَ الدَّبْرِ المُسلَّحِ للنضالِ
وَعبدُ اللَّهِ فِيمَ قَتلتموهُ / وَسُقْتُمْ صاحِبَيْهِ بشرِّ حالِ
طِلاَبُ المالِ يُولِعُ بالدّنايا / ويَلوِي المرءَ عن طَلَبِ المعالي
رَضِيتُمْ بَيْعَ أَنْفُسِكم بَبَخْسٍ / قليلِ النَّفعِ من إبلٍ ومالِ
خُبَيْبٌ في يَدَيْ جافٍ شديدٍ / يُعذَّبُ في أداهمِهِ الثِّقالِ
وَزَيْدٌ عِنْدَ جَبّارٍ عنيدٍ / يَصُبُّ عليه مُختلفَ النَّكالِ
كِلاَ أَبَوَيْهِمَا قُتِلاَ بِبَدرٍ / فَتِلكَ حفائظُ الرِّمَمِ البَوالي
يَزيدُهما البلاءُ هُدىً وَعِلماً / بأَنّ الحادثاتِ إلى زَوالِ
وَأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مُنْتَهاها / وإنْ طَمِعَ المضلَّلُ في المُحالِ
لِكُلٍّ مَشهدٌ عَجَبٌ عليه / جَلالُ الحقِّ بُورِكَ مِن جَلالِ
يَروحُ الموتُ حولهما وَيَغْدو / يُكَشِّرُ عن نَواجِذِهِ الطِّوالِ
وَذِكْرُ اللَّهِ مُتَّصِلٌ يُوالِي / مِنَ العَبَقِ المُقدَّسِ ما يُوالي
هُوَ الإيمانُ مَن يشدُدْ قواهُ / يُزَلْزِل في الخطوبِ قُوى الجِبالِ
هنيئاً يا خُبَيْبُ بلغتَ شَأْواً / رَفيعَ الشَّأنِ مُمتنعَ المَنَالِ
مَلأتَ يَدَيْكَ مِن رِزقٍ كَريمٍ / أتاكَ بِغَيْرِ كَدٍّ أو سُؤالِ
تَنزَّلَ مِن لَدُنْ رَبٍّ رَحيمٍ / عَميمِ الجودِ فَيّاضِ النَّوالِ
كُلِ العِنَبَ الجَنِيَّ وَزِدْهُ حَمداً / على حَمْدٍ يَدومُ مَدى الليالي
تَقولُ الحارِثِيَّةُ مَا لِعَيْنِي / أَفي سِحرٍ تَقَلَّبُ أم خَيالِ
أرى عِنَباً وما مِن ذَاكَ شَيْءٌ / بِمكّةَ يا لها عِظَةً ويالي
ويا لكَ من أسيرٍ ما عَلِمنا / له بين الأسَارى من مِثالِ
أتى الأجلُ الذي انتظروا وَهَذِي / سُيوفُ القومِ مُحَدَثَةُ الصِّقالِ
فماذا في يَمينكَ يا خُبَيْبٌ / وما بالُ الصَّغيرِ من العيالِ
كأنَّ بأُمِّهِ حَذَراً عليهِ / نَوازِعَ من جنونٍ أو خَبالِ
تَرَى الموسَى بِكَفِّكَ وَهْوَ رَهْنٌ / بِذَبحٍ فوقَ فخذك واغتيالِ
ولكنْ للكريمِ السَّمْحِ ناهٍ / مِنَ الشِّيَمِ السَّنِيَّةِ والخِصَالِ
وماذا كنتَ تحذرُ من عقابٍ / وَوِرْدُ الموتِ مُحتضَرِ السِّجالِ
وَسِعْتَ عَدوَّكَ الموتورَ حِلماً / ومكرمةً على ضيقِ المجالِ
فأيُّكما الذي رَمَتِ السَّجايا / مُروءَتَهُ بِأَسرٍ واعْتِقَالِ
وأَيُّكما القتيلُ وَمَنْ سيبقى / حياةٌ للأواخِرِ والأوالي
ألا إنّ الصلاةَ لَخيرُ زادٍ / وإنّ الركبَ آذنَ بارتحالِ
تزودْ يا خُبَيْبُ وَثِقْ بِرَبٍّ / لِمثلِكَ عِندَهُ حُسْنُ المآلِ
فَسِرْ في نورِهِ الوضّاحِ وَالبس / جَمالَ الخُلدِ في وَطَنِ الجمالِ
هُنالِكَ مَعْرِضٌ للَّهِ فخمٌ / بَدِيْعُ الصُّنعِ لم يَخْطُرْ بِبالِ
أَتَرْضَى أن تَرى خَيْرَ البرايا / مَكَانَكَ ساءَ ذَلِكَ من مَقالِ
صَدَقْتَ خُبَيْبُ إنّكَ لِلعوادي / إذا هِيَ أخطأَتْهُ لَذُو احْتِمالِ
تَبيعُ بِشَوكةٍ تُؤذيهِ نَفْساً / تَشُكُّ صَمِيْمَها صُمُّ العوالي
كذلِكَ قال زَيْدُ الخيرِ لمّا / تَردَّى في السَّفاهةِ كلُّ قالِ
همُو قتلوكَ مَصلوباً وأَغْروا / بِهِ وبِكَ الضِّعافَ مِنَ الموالي
رَفِيقُكَ في التَجَلُّدِ والتأَسِّي / وَخِدْنُكَ في التَّقدُّمِ والصِّيالِ
أتعتزلانِ دِينَ اللَّهِ خَوْفاً / فَمنْ أولَى بخوفٍ وَابْتِهالِ
معاذَ اللَّهِ إنّ اللَّهَ حَقٌّ / وإنّ المجرِمينَ لَفِي وَبَالِ
لَدِينُ الشِّركِ أجدرُ بِاجْتنابٍ / وأخلقُ باطِّراحٍ واعْتِزالِ
هُوَ الدّاءُ العُضالُ لِمُبتغيهِ / وكلُّ الشَّرِّ في الدَّاءِ العُضالِ
كمالُ النَّفسِ إيمانٌ وَتَقْوَى / وماذا بعدَ مَرتبةِ الكمالِ
حَبِيسَ الأربعينَ ألا انطلاقٌ / كَفَاكَ ألم تَزَلْ مُلْقَى الرِّحالِ
أَسَرَّكَ أن تَظَلَّ مَدَى اللَّيالي / جَمِيْعَ الشَّملِ مَوصولَ الحِبالِ
عَلَى خَرْقَاءَ يَكرهُ مَن يراها / طِلابَ الوُدِّ مِنها والوصالِ
عَلِقْتَ بها فما أحدثتَ هَجراً / ولا حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالزِّيالِ
يَمَلُّ المرءُ صاحِبَهُ فَيشقَى / بِصُحْبَتِهِ وما بِكَ مِن مَلالِ
وَيَسْلُو كلُّ ذِي شَجَنٍ وَوَجْدٍ / وأنتَ على مُصَابِكَ غير سالِ
بُليتَ بِكلِّ ذِي قَلْبٍ غَبِيٍّ / غُدافِيٍّ مِنَ الإيمانِ خَالِ
لأنتَ الحجَّةُ الكُبرى عليهم / فما نَفْعُ المِراءِ أوِ الجدالِ
تَأَهَّبْ يا خُبَيْبُ أتاكَ غَوْثٌ / يَؤُمُّكَ في رَكائبهِ العِجالِ
مَضَى بِكَ يَتبَعُ الغُرَماءُ مِنه / بَعيدَ مَدَى التَعَلُّلِ والمِطالِ
تَقَاضَوْهُ فما ظَفِرَ التَّقاضي / بِغَيْرِ عُلالَةِ النَّقْعِ المُذالِ
قَطيعٌ من طَغامِ القومِ يَعْدُو / على آثارِهِ عَدْوَ الرِّئَالِ
فلمّا أوشكوا أن يُدْرِكُوه / أهَابَ عليكَ يا ربِّ اتِّكالِي
وألقَى بالشَّهيدِ فَغيَّبتْهُ / طَباقُ الأرضِ كَنزاً من لآلِ
يَزينُ المسلمِينَ إذا تداعَتْ / شعوبُ الأرضِ من عَطِلٍ وَحَالِ
طَوَتْ جَسَداً من الريحانِ رَطباً / عليهِ جلالةُ الشَّيخِ البَجالِ
قَضَى وَكَأنَّهُ حَيٌّ يُرجَّى / لِحُسنِ الصُّنْعِ من صحبٍ وآلِ
يُدِيْرُ القومُ أعيُنَهم حَيارى / كأنّ اللَّهَ ليس بِذِي مِحَالِ
وَيَأسَفُ مَعشرٌ باتوا سهارَى / تَفيضُ جِراحُهم بعدَ انْدِمالِ
أجابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فبادوا / وعادوا مِثلَ مُحْتَرَقِ الذُبالِ
بَني لِحْيانَ ما صَنَعَ ابنُ عمروٍ / وماذا بالأُسودِ من النّمالِ
قَتلتم صحبَهُ وصرعتموه / فيا لِلُّؤْمِ والخُلُقِ الرُّذالِ
ولولا الغَدْرُ لم يخشَوا أذاكم / وهل تخشى القُرومُ أذَى الأَفالِ
أأصحابُ اليمينِ بكم أُصِيبوا / لأنتم شَرُّ أصحابِ الشِّمالِ
بَني لِحْيَانَ وَاعَجبِي لِبأْسٍ / خَبَتْ جَمَراتُه بعدَ اشْتِعالِ
فررتم تَتَّقون الموتَ زَحْفاً / على القِمَمِ الشَّواهِقِ والقِلالِ
هو المَسْخُ المُبينُ فمن أُسودٍ / تَصيدُ القانِصينَ إلى وِعالِ
دَعُوا الشِّركَ المُذِلَّ إلى حياةٍ / مِنَ الإسلامِ وارفةِ الظِّلالِ
هو الدّيْنُ الذي يُحيي البرايا / ويُصلِحُ أمرَهم بعدَ اخْتِلالِ
يَظلُّ النُّورُ في الآفاقَ يَسْري / وَيَسطعُ ما تَلا القرآنَ تالِ
أرى أُمَماً على الغَبراءِ مَرْضَى / تَبَطَّنَ جَوفَها داءُ السِّلالِ
تُخالُ أشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ بأساً / على الضعفِ المُبرِّحِ والهُزالِ
إذا مَلأتْ جَوانِبَها دَوِيّاً / فلا تَغْرُرْكَ جَلْجَلَةُ السُّعالِ
مُخضَّبةَ البَنانِ لكلِّ صَيْدٍ / يَعِنُّ وتلك أنيابُ السَّعالي
حَيَارَى لا تُرِيْدُ الحقَّ نَهْجاً / ولا تَدَعُ الحرامَ إلى الحلالِ
ألا هادٍ يُقَوِّمُ من خُطاها / وَيَحْسِمُ دَاءَها بعد اعْتِلالِ
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما / هو الدينُ دينُ المسلمِينَ أو القتلُ
إلى فَدَكٍ فَاحْمِلْ بَلاَغ مُحمّدٍ / وأَنْذِرْ بها قوماً أضلَّهمُ الجَهْلُ
أَبَوْا أن يُجِيبوا دَاعِيَ اللَّهِ وَابْتَغُوا / سَبِيْلَ الألى أعماهُمُ الحِقْدُ والغِلُّ
يَقولون لن يَسْطِيعَ جيشُ مُحمّدٍ / بخيبرَ نصراً إنّها مَطلبٌ بَسْلُ
يُدافِعُ عنها من صَنَادِيْدِ أهلِها / رِجالٌ إذا خاضوا الوَغَى بَطَلَ الهَزْلُ
لها عامرٌ عِنْدَ البلاءِ وياسرٌ / لها مَرْحَبٌ والحارثُ البطلُ الفَحْلُ
وإنَّ بها من كُلِّ رامٍ وَضَارِبٍ / أُلوفاً هُم السُّمُّ الذُّعافُ لمن يَبْلو
على أنّنا لا نكرهُ السّلمَ فانتظِرْ / مَحيصةُ واصبِرْ إنّها خُطّةٌ فَصْلُ
كذَلِكَ قالوا يمكرون كَدَأْبِهِمْ / وماذا يُفيْدُ المكرُ أو يَنفعُ الخَتْلُ
أطالوا المدَى حَتَّى يَروا جَدَّ قومِهم / وَجَدَّ رسولِ اللَّهِ أيُّهما يَعْلُو
فلمَّا رُمُوا بالحقِّ من حِصْنِ نَاعمٍ / وَقِيْلَ لهم ضاقت بقومِكمُ السُّبْلُ
مَشتْ رُسْلُهم للصّلحِ تَهوِي أمامَها / قُلوبٌ هِيَ الكُتْبُ الحثيثةُ والرُّسْلُ
يَظَلُّ عَمِيْدُ القومِ نُونُ بنُ يُوشَعٍ / يَقولُ هَلُمُّوا ذَلِكَ المركبُ السَّهْلُ
ولاذُوا بأكنافِ النبيِّ فصادفوا / كرِيماً يُرجَّى عنده العفوُ والفَضْلُ
أحلَّ لهم صُلحاً وإنّ دِماءَهم / وَأمْوَالَهم إن رَدَّهُمْ خُيَّباً حِلُّ
لئن خُلِقوا لِلُّؤمِ أهلاً فإنّه / لكلِّ الذي يسمو الكِرامُ به أَهْلُ
له النِّصْفُ من تِلْكَ الحُقولِ يُعِدُّهُ / لِكُلِّ فقيرٍ عضَّهُ البؤسُ والأزْلُ
كذلكَ مَوْلَى القومِ يَرْجُونَ ظِلَّهُ / وما خيرُ مولىً لا يَكونُ له ظِلُّ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ / وَعُدْنَ لَهُنَّ مُنْقَلَبٌ جَليلُ
خَرَجْنَ من الخدورِ مُهاجِراتٍ / فلا دَعَةٌ ولا ظِلٌّ ظَليلُ
يَسِرْنَ مع النَّبيِّ على سواءٍ / ولا هادٍ سِواهُ ولا دَليلُ
يُرِدْنَ الله لا يَبغِينَ دُنيا / كثيرُ مَتاعِها نَزْرٌ قَلِيلُ
عَقَائِلُ في حِمَى الإسلامِ يَسْمُو / بِهِنَّ مِنَ العُلَى فَرْعٌ طَوِيْلُ
يَفِئْنَ إلى صَفِيَّةَ حيث كانت / وكان سَبيلُها نِعْمَ السَّبيلُ
عَلَيْها من رسولِ الله وَسْمٌ / مُبينُ العِتقِ وضّاحٌ جَميلُ
عَشِيرَةُ سُؤْدُدٍ وقَبيلُ مَجْدٍ / فَبُورِكَتِ العَشيرةُ والقَبيلُ
يُجَرِّدْنَ النُّفوسَ مُجاهِداتٍ / بِحَيْثُ يُجرَّدُ العَضْبُ الصَّقِيلُ
فَلا ضَعْفٌ يَعوقُ ولا لُغُوبٌ / ولا وَلَدٌ يَشوقُ ولا حَلِيلُ
نِساءُ الصِّدْقِ ما فِيهِنَّ عَيْبٌ / وليس لَهُنَّ في الدنيا مَثيلُ
أَخَذْنَ عَطَاءَهُنَّ على حَياءٍ / يَزيدُ جَمالَهُ الخُلُقُ النَّبيلُ
لَئِنْ قَلَّ الذي أُوتِينَ مِنْهُ / فأجرُ الله مَوفورٌ جَزيلُ
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ / للَّهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ أنتَ من رَجُلِ
سِرْ بالكتابِ رَسولاً حَسْبُهُ شَرفاً / أن راحَ يَحمله مِن أشرفِ الرُّسُلِ
يا حاملَ الجبلِ المرقومِ دُونَكَهْ / مَن ذا سِواكَ رَعَاكَ اللَّهُ لِلجَبَلِ
إلى هِرقْلَ تأنَّى دُونَ سُدَّتِهِ / صِيدُ الملوكِ وتلقاهُ على مَهَلِ
تَرتدُّ عن تاجِهِ الأبصارُ خاشعةً / فما تُلاحِظُه إلا على وَجَلِ
إليهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ لستَ وَاجِدَهُ / إلا امْرَأً هَمَلاً في معشرٍ هَمَلِ
لأنتَ أعظمُ منه في جلالتِهِ / وما جلالةُ غاوي الرأيِ مُختبلِ
لا يَعرِفُ الدّينَ إلا فتنةً وهَوىً / أعْمَى المقاصدِ والآفاقِ والسُّبُلِ
هذا كتابُ رَسولِ اللهِ يُنذره / فاذهبْ إليه وخُذْهُ غيرَ مُحتفلِ
مَهْلاً شُرَحبيلُ لا حُيِّيتَ من رَجُلٍ / إن هَمَّ بالشَّرِّ لا يحفِلْ ولم يُبَلِ
بادي الشراسةِ عادٍ ما يُلائِمُه / في موضعِ الذَّمِّ إلا أسوأُ المَثلِ
هاجَتْهُ من نَزَواتِ الجهلِ ثائرةٌ / لم تُبْقِ من كَلَبٍ يَهتاجُ أو ثَولِ
فطاح بابنِ عُمَيْرٍ باسلاً بطلاً / يَفُلُّ في الرَّوْعِ بأس الباسلِ البطلِ
يا للرَّبيطِ يَسلُّ السيفُ مُهجتَهُ / في غير مُعتَركٍ حَامٍ ومُقتتَلِ
كذلك الغدرُ لا ظُلْمٌ بِمُجتنَبٍ / في الغادرينَ ولا لُؤْمٌ بِمُعْتَزَلِ
ما كانَ ذَنْبُ امرئٍ في اللَّهِ مُرتَحِلٍ / يرجوه في كلِّ مُحتَلٍّ ومُرتَحَلِ
سِرْ يا ابنَ حارثةٍ بالجيشِ تقدمه / هذا لواؤكَ فابعثه على عَجَلِ
ادْعُ الأُلَى اتخذوا العَمياءَ وارتكسوا / فيها إلى أرشدِ الأديانِ والمِلَلِ
فإن أبَوْا فَسيوفُ اللَّهِ تأخذهم / من كلِّ مُتَّقِدِ الحدَّيْنِ مُشْتَعِلِ
أمْرُ النبيِّ فَسِرْ يا زيدُ مُمتثلاً / والجندُ جُندُكَ ما تَأمُرْهُ يَمْتَثِلِ
فإن أُصِبْتَ فمن سَمَّى على قدرٍ / وليس للنفسِ إلا غايةُ الأَجَلِ
اِتْبَعْ وصاياه فيما لا يَحِلُّ لكم / ولا يَليقُ بكم مِن سيِّئ العَمَلِ
دَعُوا الصوامِعَ واسْتَبْقُوا النِساءَ ولا / تُؤذوا صَغيراً ولا تُودوا بِمُكْتَهِلِ
لا تقطعوا شَجَراً لا تَهدِموا جُدُراً / لا تقربوا ما استطعتم مَوطِنَ الزَّلَلِ
هذا هرقلُ يسوقُ الجيشَ مُرتكماً / كالعارِض الجوَنْ يرمِي الأرضَ بالوَهَلِ
يُزجِي الكتائبَ من رُومٍ ومن عَرَبٍ / في المُرْهفاتِ المواضي والقَنا الذُّبُلِ
والصَّافناتِ تَهادَى لا عِدَادَ لها / من كلِّ مُنذَلِقٍ في الكَرِّ مُنجفلِ
إنّ الذين أداروا الرأيَ وانتظروا / لم يَبْرَحِ النّصرُ مولاهم ولم يَزَلِ
الغالبونَ وإن قلّوا وظَنّ بهم / ما يكرهُ اللَّهُ أهلُ الزُّورِ والخَطَلِ
لم يلبثِ القومُ حتّى قال قائلُهم / فِيمَ الحوارُ وهل في الأمرِ من جَدَلِ
إنّا خرجنا نريدُ اللهَ فاسْتَبِقُوا / من كلِّ مُنتَهِبٍ للخيرِ مُهْتَبِلِ
لو زالتِ الأرضُ أو حَالتْ جَوانِبُها / بِمَنْ عليها مِنَ الأقوامِ لم نَحُلِ
هُما سبيلانِ إمّا النصرُ نُدرِكُه / أو جنّةُ الخُلدِ فيها أطيبُ النُّزُلِ
لسنا نُقاتِلُ بالآلافِ نَحشُدها / ألفاً لألفٍ من الأبطالِ مُكتملِ
إنّا نقاتلُ بالدِّينِ الذي ضَمنتْ / أعلامُه النَّصرَ في أيَّامِنا الأُوَلِ
لولا مقالةُ عبدِ اللهِ ما انْكشفتْ / تِلكَ الغَواشِي ولولا اللَّهُ لم يَقُلِ
تَقلَّدُوا العزمَ للهيجاءِ وادَّرَعُوا / من صادِق البأسِ ما يُغني عن الحِيَلِ
وأقبلوا لو تَميلُ الشُّمُّ من فَزَعٍ / لم يضطربْ جَمعُهم خَوْفاً ولم يَمِلِ
يا مُؤْتَةُ احْتَمِلي الأهوالَ صابِرةً / هيهاتَ ذلك شيءٌ غيرُ مُحتَمَلِ
جِنُّ الكريهةِ يَستشرِي الصِّيالُ بهم / في مَوطنٍ لو رأته الجِنُّ لم تَصُلِ
ما زالَ قائدُهم يُلقِي بِمُهجتِهِ / يَرمِي المنيَّةَ في أنيابِها العُصُلِ
يَغْشَى مَواردَ من أهوالِها لُجَجاً / تلك المواردُ ليس الغَمْرُ كالوَشَلِ
ما مَن يخوضُ الوغَى تَطغَى زَواخِرُها / كَمَنْ يُجانِبُها خَوْفاً من البَلَلِ
يا زَيْدُ أدَّيْتَ حقَّ اللهِ فامْضِ على / نَهْجِ الأُلَى انتقلوا من قبلُ وانْتَقلِ
آبوا إلى خيرِ دارٍ ما لِنازِلِها / من أوْبَةٍ تبعثُ الأشجانَ أو قَفَلِ
يَسْلُو أخو العقلِ عن دارِ الهُمومِ بها / ويَحْتَوي مَنزِلَ الأدواءِ والعِلَلِ
جَاهدْتَ في اللَّهِ تُرضيهِ وتنصُره / لم تَلْقَ من سَأَمٍ يوماً ولا مللِ
هذا الذي نَبَّأَ اللَّهُ الرسولَ بهِ / فَاغْنَمْ ثَوابَكَ وَالْقَ الصَّحْبَ في جَذَلِ
وأنتَ يا جعفرُ المأمولُ مشْهَدُه / خُذِ اللِّواءَ وجَاوِزْ غايةَ الأملِ
هذا جَوادُكَ ما حَالتْ سَجِيَّتُه / ولا ارْتضَى بِوَفاءِ الحُرِّ من بَدَلِ
عَقَرْتَهُ ورَكبتَ الأرضَ تَمنعُه / مَواطِنَ السُّوءِ من ضَنٍّ ومن بَخَلِ
أكرمتَهُ وحَرمتَ القومَ نجدتَهُ / فَصُنتَ نفسَكَ عن لَوْمٍ وعن عَذَلِ
دَلَفتَ تَمشي على الأشلاءِ مُقتحماً / والقومُ مُنجدلٌ في إثرِ مُنْجَدِلِ
فقدتَ يُمناكَ فانصاتَ اللِّواءُ على / يُسراكَ ما فيه من أمْتٍ ولا خلَلِ
حَتَّى هَوَتْ فجعلتَ الصدرَ مَوضِعَهُ / كأنّهُ منه بِضْعٌ غَيرُ مُنفَصِلِ
يَضمُّهُ ضَمَّ صَادِي النَّفسِ يُولِعُهُ / بِمن أطالَ صَداهُ لَذّةُ القُبلِ
يا قائدَ الجيشِ ضَجَّ الجيشُ من ألمٍ / وأنت عن دَمِكَ المسفوكِ في شُغُلِ
تَقضي الذمامَ وتَمضِي غيرَ مُكْتَرِثٍ / كأنّما الأمرُ لم يَفدَحْ ولم يَهُلِ
لَقِيتَ حَتْفَكَ في شَعْواءَ عَاصِفةٍ / حَرَّى الجوانحِ ظَمْأى البيض والأسَلِ
أعطيتَها مِنكَ نَفْساً غيرَ واهنةٍ / أَعْطَتْكَ سَوْرَةَ مَجدٍ غيرِ مُنْتَحَلِ
لكَ المناقبُ لم تُقْدَرْ غَرائِبُها / مِلءَ المشاهدِ لم تُعْهَدْ ولم تُخَلِ
مَن يُؤْثر الحقَّ يبذُلْ فيه مُهْجَتَهُ / ومن يكُنْ هَمُّهُ أقصَى المدَى يَصِلِ
لا شيءَ يُعجِزُ آمالَ النُّفوسِ إذا / خَلَتْ من الضَّعفِ واسْتَعصتْ على الكَسَلِ
انهضْ بِعِبْئِكَ عبدَ اللهِ مُضطلِعاً / بكلِّ ما تحملُ الأطوادُ من ثِقَلِ
هذا مَجالُكَ فَارْكُضْ غيرَ مُتَّئِدٍ / وإنْ رأيتَ المنايا جُوَّلاً فَجُلِ
كم جِئْتَ بالعَرَبيِّ السَّمْحِ مُرتَجِلاً / واليومَ يومُ منايا الرُّومِ فَارْتَجِلِ
للعبقريّةِ فيهِ مَظْهَرٌ أنِقٌ / يا حُسْنَهُ مَظهراً لو كان يُقدَرُ لي
قنعتُ بالشِّعرِ أغزو المشرِكينَ به / فلم أُصِبْ فيه آمالي ولم أنلِ
لَقَطْرَةٌ من دَمِي في اللهِ أبذلُها / أبقى وأنفعُ لي مِن هذهِ الطِّوَلِ
تَقَلَّدَ القومُ مِلءَ الدّهرِ من شرفٍ / وليس لي من غَواليها سِوَى العَطَلِ
إن شاءَ ربّي حَبانِي من ذَخائِرها / أغْلَى الحُلَى وكَساني أشرفَ الحُلَلِ
الحمدُ للهِ أجرى النُّورَ من قَلمي / هُدىً لقومِي وعافاني من الخَبَلِ
أوتِيتُ ما جاوزَ الآمالَ من أدبٍ / عالِي الجلالِ مَصُونٍ غيرِ مَبْتَذَلِ
يا شاعرَ الصِّدقِ ما خابَ الرجاءُ ولا / مِثْلُ العطاءِ الذي أدركت والنَّفَلِ
خُذْ عِندَ ربِّكَ دارَ الخُلدِ تَسكنُها / قُدسيَّةَ الجوِّ والأرواحِ والظُّلَلِ
آثرتَهُ واصطفيتَ الحقَّ تَكْلَؤُه / مِمّا يُحاوِلُ أهلُ الغيِّ والضَّلَلِ
ليس العرانينُ كالأذنابِ منزلةً / ولا الغَطارِفةُ الأمجادُ كالسَّفَلِ
يا عُقْبَةُ اصْدَعْ بها بيضاءَ ناصِعَةً / تَنْفي الوَساوِسَ أو تَشفي من الغُلَلِ
القتلُ أجدرُ بالأحرارِ يأخذُهم / مُستبسِلينَ ويَنهاهم عن الفَشَلِ
ويا ابن أرقمَ نِعمَ المرءُ أنتَ إذا / تُنوزِعَ الأمرُ عند الحادث الجللِ
قالوا لك الأمر فاخترت الكفيَّ لها / وأنت صَاحِبُهُ المَرجوُّ لِلعُضَلِ
لكنَّها نَفْسٌ حُرٍّ ذي مُحافَظَةٍ / صَافِي السَّريرةِ بالإيمانِ مُشْتَمِلِ
صُنْتَ اللّواءَ وآثرتَ الأحقَّ به / إيثارَ أغلبَ لا واهٍ ولا وَكِلِ
أبى عليه حَياءٌ زادَهُ عِظماً / ما مِثلهُ من حَياءٍ كان أو خَجَلِ
قُلتَ اضْطلِعْ خالدٌ بالأمرِ فَاسْتعَرتْ / مِنهْ حَمِيَّةُ لا آبٍ ولا زَحِلِ
وَراحَ يُبدِعُ من كَيْدِ الوغَى نَمطاً / طاشتْ مَرائيهِ بالألبابِ والمُقَلِ
رَمَى العِدَى حُوَّلٌ شَتَّى مَكائِدُه / جَمُّ الأحابيلِ يُعيي كلَّ مُحْتَبِلِ
ظَنُّوا الجنودَ تَنحّتْ عن مَواقفها / لغيرها مِن عَمىً بالقومِ أو حَوَلِ
جَيْشٌ من الرعبِ يَمْشِي ابنُ الوليدِ بهِ / في مُسْبَلٍ من مُثارِ النَّقعِ مُنْسَدِلِ
ضاقُوا بِمُفْتَرِسٍ في الهَوْلِ مُنْغَمِسٍ / لِنَفْسِهِ في غِمارِ الموتِ مُبْتَسِلِ
أذاقهم من ذُعافِ الموتِ ما كرهوا / ما كفَّ عَنْ عَلَلٍ منه ولا نَهَلِ
ما لِلمُسيئينَ إلا كلُّ مُعْتَزِمٍ / في الرَّوْعِ يُحْسِنُ ضَرْبَ الهامِ والطُّلَلِ
رَمَتْ بِهم هَبَواتُ البأسِ فانكشفوا / يَنْدَسُّ هَارِبُهم في كُلِّ مَدَّخَلِ
بِئْسَ الجنودُ أضلّتهم عَمَايَتُهُمْ / فما لهم بجنودِ اللهِ من قِبَلِ
ظَنّوا الأُمورَ لغير اللهِ يَملكها / إذا جَرَتْ بين مُعْوَجٍّ ومُعْتَدِلِ
وحاربوا الحقَّ من جَهْلٍ ومن سَفَهٍ / والحقُّ فوقَ مَنالِ المعشرِ العُثُلِ
ما يَنقمُ الناسُ من دِينٍ يُرادُ بهِ / فَكُّ العقولِ من الأغلالِ والعُقُلِ
فَلْيَصْبِرِ القومُ إنّ اللهَ مُظهِرُه / على الممالكِ والأديانِ والنِّحَلِ
لَدولةُ اللهِ أبقى في خليقتهِ / فلا يَغُرَّنْكَ ما اسْتَعْظَمْتَ من دُوَلِ
أدعوكَ يا ربِّ للإسلامِ مُبتهِلاً / وأنت تسمعُ دَعْوَى كلِّ مُبْتَهِلِ
نَام المحامونَ عنه فهو مُضطهدٌ / يشكو الأَذى في شُعوبٍ خُضَّعٍ ذُلُلِ
صَرحٌ من العزِّ والسُّلطانِ ما بَرِحتْ / تَهْوِي صَياصيهِ حتَّى عَادَ كالطَّلَلِ
لِمَنْ تَجمعُ الُّرومُ أبطالها
لِمَنْ تَجمعُ الُّرومُ أبطالها / وتحملُ للحربِ أثقالَها
أللجاعِلينَ نُفوسَ العبادِ / وَدائِعَ يَقْضونَ آجالَها
إذا استعجلوها ببيضِ الظُّبَى / فلن يملكَ القومُ إمهالَها
جُنودٌ تُقدِّمُ أرواحَها / وتَبذلُ في اللهِ أموالَها
لئن جاوزَتْ غايةَ العاملين / لقد بَارَكَ اللهُ أعمالها
وَمَنْ مِثلُ عُثمَانَ يَرْعَى النُّفوسَ / إذا آدَها الأمرُ أو عَالَها
كثيرُ النَّوالِ رَحِيبُ المجالِ / إذا رَامَ مَنزلةً نالَها
أبا بكرٍ اخْترتَ أبقى الثراء / وجَنَّبتَ نَفْسَكَ بَلبالَها
تَمنَّيتَها نِعمةً سمحةً / فألبَسَكَ اللَّهُ سِرْبَالَها
وإنّ لِصحبِكَ في الباذلين / مَناقِبَ نُدمِنُ إجلالَهَا
ألحَّ النِّساءُ على حَلْيهِنّ / وأقبلنَ في ضَجّةٍ يا لها
نَبِيَّ الهُدَى أتُلِمُّ الحقوقَ / فنأبَى ونُؤثِرُ إهمالَها
وتذهبُ منّا ذَواتُ الحِجالِ / تُجرجِرُ في الحيِّ أذيالَها
لقد طافَ طائِفُها بالفتاةِ / فأرَّقها ما عَنَا آلها
فما أمسكَ البُخلُ دُمْلُوجَها / ولا مَلَكَ الحِرصُ خلخَالَها
مشَى الجحفلُ الضَّخمُ في جحفلٍ / يُحِب الحُروبَ وأهوالَها
وخافَ من الحرِّ أهلُ النِّفاقِ / فقالوا البيوتَ وأظلالَها
وأهْلَكَهُمْ شَيْخُ أشياخِهم / بِشَنعاءِ يَأثَمُ مَن قَالها
بَني الأصفر استبِقوا للوغى / وخَلُّوا النُّفوسَ وآمالها
وقفتم من الرُّعبِ ما تُقدمون / وما هَاجتِ الحربُ أغوالَها
فكيف بكم بَيْن أنْيَابِها / إذا جَمَع اللَّهُ آكالَها
رأى عُمَرٌ رأيَهُ في الرَّحيلِ / فلا تُكْثِرِ الرُّومُ أوجالَها
لهم دَونَ مَهلكِهمْ مُدّةٌ / مِنَ الدّهرِ يَقضونَ أحوالَها
تَبوكُ اشْهَدِي نَزَواتِ الذّئاب / وحَيِّ الأسودَ وأشبالها
أما يَنبغِي لكِ أن تَعرفِي / شُيوخَ الحُروبِ وأطفالها
هي المِلَّةُ الحقُّ لن تَستكين / ولن يدَعَ السَّيفُ أقتَالَها
رأتْ ملّةَ الكُفرِ تغزو النُّفوس / فجاءَتْ تُمزِّقُ أوصالَها
لها من ذويها حُماةٌ شِداد / يُبيدونَ مَن رامَ إذلالَها
فلن يَعرِفَ النّاسُ أمثالَهم / ولن يَشهد الدّهرُ أمثالَها
ولن تَستبينَ سَبيلُ الهُدَى / إذا اتَّبعَ النَّاسُ ضُلَّالها
فَمَنْ كانَ يُحزِنُه أن تَبِيد / قُوَى الشّركِ فَلْيَبْكِ أطلالَها
لأهلِ المُفَصَّلِ من آيهِ / مَوَارِدُ يُسقَوْنَ سِلْسَالَها
تردُّ القُلوبَ إلى ربِّها / وتَفتحُ للنُّورِ أقفالَها
أخالدُ إنّكَ ذو نَجْدَةٍ
أخالدُ إنّكَ ذو نَجْدَةٍ / فَهيَّا إلى دُومَةِ الجندلِ
إلى معشرٍ كفروا بالكتابِ / وحَادوا عن المذهبِ الأمثلِ
دَعاكَ الرسولُ فأنت الرسول / وليس له عنك من مَعدلِ
أمامك حِصنٌ طويلُ الذُّرَى / فَخُذْهُ بِصَمصامِكَ الأطولِ
وَمُرْ بالأكيدرِ يَقذفْ به / إليك على كِبرهِ من عَلِ
قتلتَ أخاهُ وألقى إليك / جَناحَ الذليلِ فلم يُقتلِ
وجِئتَ به سيِّدَ الفاتحين / فأوغَلَ في قلبهِ المقفلِ
هَداه إلى اللَّهِ بعد الضلالِ / وبعد العَمى لم يَكَدْ يَنجَلِي
وأعطاه من عهدهِ موئلاً / يَقيهِ فيا لك من مؤئلِ
فَصبراً أُكيدرُ إنّ الزمان / سيكشفُ عن غَدِكَ المقْبلِ
سَتنقُض عهدكَ دَأْبَ الشقِيِّ / وتجمعُ في غَيِّكَ الأوّلِ
فيرميك ربُّكَ بابنِ الوليدِ / ويشفيكَ من دائِكَ المعضلِ
بصاعقةٍ مَنْ يَذُقْها يَقُلْ / كأنَّ الصّواعقَ لم تُرْسَلِ
أتفعلُ وَيْحَكَ ما لو عقلتَ / لأعرضتَ عنه ولم تفعلِ
أُكيدرُ ليس لنفسٍ وَقاء / إذا ما ابتلى اللَّهُ مَن يبتلي
نَلومُكَ يا يَومَ النُحوسِ وَنَعذِلُ
نَلومُكَ يا يَومَ النُحوسِ وَنَعذِلُ / وَأَنتَ عَلى ما أَنتَ تَمضِي وَتُقبِلُ
فَلا نَحنُ ما عِشنا عَنِ اللَّومِ نَرعوِي / ولا أَنتَ ما كرَّ الجديدان تَحفِلُ
وَنَحسَبُ أَنَّ الجِدَّ قَولٌ نُذيعُهُ / وَتحسبُ أَنّا في المَقالةِ نهزلُ
لعمرك ما أَسلفتَ فينا جَريرةً / وَلكنّ شعباً خامِلاً يَتعلَّلُ
يَلومُكَ فيما كانَ مِن جَهَلاتِهِ / فَهَل كُنتَ تُغريهِ لَيالي يَجهَلُ
كَذَلِكَ شَأنُ العاجزين وَهَكذا / يُسِيءُ إِلى الأَيّامِ مَن لَيسَ يَعقِلُ
ظلمناكَ وَالإِنسانُ بِالظُلمِ مُولَعٌ / فَلَيسَ وَإِن ناشَدتَهُ العَدلَ يَعدلُ
أَنِلنا الرِضى وَالقَ الَّذي جرَّ جَهلُنا / بِحِلمٍ لَو اَنَّ الحِلمَ عِندَكَ يُؤمَلُ
وَمُرَّ عَلَينا كُلّ يَومٍ مُسلِّماً / سَلامَ حَثيثِ السَيرِ لا يَتمهَّلُ
لَحا اللَهُ قَوماً حَمَّلونا مِن الأَذى / بِما ضيّعوا الأَوطانَ ما لَيسَ يُحمَلُ
همو خذلوها فاستُبِيحَ حَريمُها / وَما بَرحَت تَبغي انتِصاراً فَتُخذَلُ
أُعلِّلُ نَفسي وَالأَماني طماعةٌ
أُعلِّلُ نَفسي وَالأَماني طماعةٌ / وَنَفسُ الفَتى تَلهو وَذو العَيش يَأملُ
أُعلّلها بِالصالحاتِ مِن المُنى / وَبِالدَهرِ مِن بَعد الإِساءَةِ يُجمِلُ
وَما حاجَتي أَن أَرتَعي العَيش ناضِراً / أُعَلُّ بِماءِ الخَفضِ فيهِ وَأُنهَلُ
وَلكنّني أَرجو الحَياةَ لِأُمَّةٍ / تُقادُ إِلى الجَلّادِ ظُلماً وَتُقتَلُ
يَكيدُ لَها أَعداؤُها وَيَخونُها / بَنوها فَما تَدري عَلى مَن تُعوِّلُ
أَرى سَوءَةً شَنعاءَ لَستُ إِخالها / بِغَيرِ الدَمِ المُهراقِ عَن مَصرَ تُغسَلُ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ / فَقَد أَحدَثتِ حالاً بَعدَ حالِ
صَدَدتِ وَكُنتِ لا تَنوينَ شَرّاً / لِمَن أَخزَيتِهِ بَينَ الرِجالِ
مَضى بِكِ لا يُريبُكِ مِنهُ شَيءٌ / سِوى ما غابَ مِن تِلكَ الخِلالِ
وَما بَينَ الرِضى وَالسُخطِ إِلّا / تَأَمُّلُ ناظِرٍ فيما بَدا لي
فَيا لَكِ نَظرَةً جَرَّت شُؤوناً / هُنالِكَ لَم تَكُن تَجري بِبالِ
أَحَلتِ سُرورَ ذاكَ القَلبِ حُزناً / وَهِجتِ لَهُ أَفانينَ الخَبالِ
سَجِيَّةُ هَذِهِ الدُنيا وَخُلقٌ / تُريناهُ تَصاريفُ اللَيالي
وَلَكِن أَنتِ أَعجَلُ بِاِنقِلابٍ / مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُ في اِنتِقالِ
وَأَقرَبُ مِن هُدىً فيما رَواهُ / لَنا الراوي وَأَبعَدُ عَن ضَلالِ
رَأَيتِ خِيانَةَ الأَوطانِ ذَنباً / فَلَم يَكُنِ الجَزاءُ سِوى الزِيالِ
وَلَم يَكُ ذاك مِن شِيَمِ الغَواني / إِذا ما أَزمَعَت صَرمَ الحِبالِ
شَرَعتِ لَها وَلِلفِتيانِ ديناً / ضَرَبتِ بِهِ عَلى دينِ الأَوالي
وَأُقسِمُ لَوحَكَتكِ نِساءُ قَومي / لَسَنَّت بَينَنا سُبُلَ المَعالي
نَخونُ بِلادَنا وَنَنامُ عَنها / وَنَخذُلُها لَدى النُوَبِ الثِقالِ
وَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / بِلا حَربٍ تُقامُ وَلا قِتالِ
وَنَلهو بِالحِسانِ فَلا تُرينا / تَبَرُّمَ عاتِبٍ وَمَلالَ قالِ
وَلَو صَنَعَت صَنيعَكِ لَم نَخُنها / وَلَم نُؤثِر مُصانَعَةَ المَوالي
وَلَم يَكُ نَقصُها لِيُعَدَّ عَيباً / إِذا عَجَزَ الرِجالُ عَنِ الكَمالِ
فَإِن غَضِبوا عَلَيَّ فَقَولُ حُرٍّ / يَرى أَوطانَهُ غَرَضَ النِبالِ
طالَت أَناتُكَ في القَومِ الأُلى جَهَلوا
طالَت أَناتُكَ في القَومِ الأُلى جَهَلوا / وَزادَ حِلمَكَ ما قالوا وَما فَعَلوا
أَنَمتَ سَيفَكَ عَن آجالِهِم فَعَتَوا / وَأَيقَظوا الشَرَّ لا يَعتاقُهُم وَجَلُ
ما طَيَّرَ البَرقُ عَنهُم حادِثاً جَلَلاً / نَخشاهُ إِلّا تَلاهُ حادِثٌ جَلَلُ
جَرِّدهُ أَشطَبَ ضَحّاكاً عَلى حَنَقٍ / يَجِدُّ في غَمَراتِ المَوتِ إِن هَزَلوا
وَإِنَّ سَيفَكَ وَالآمالُ خادِعَةٌ / لَكالمَنِيَّةِ يُطوى عِندَها الأَمَلُ
إِن يَسأَلوا غَيرَ ما تَرضى فَقَد جَهِلوا / أَنَّ اِعتِناقَ المَنايا دونَ ما سَأَلَوا
أَو يُصبِحوا قَد أَظَلَّتهُم عَمايَتُهُم / فَسَوفَ تَنجابُ عَنهُم هَذِهِ الظُلَلُ
ما لِلفَيالِقِ كَالدَأماءِ لا غَرَقٌ / يَغشى قَطيعَ العِدى مِنها وَلا بَلَلُ
وَلَو تَشاءُ إِذَن جاشَت غَوارِبُها / بِالمَوتِ لا زَوَرٌ عَنها وَلا حِوَلُ
حَنَّت إِلى الحَربِ تُذكيها وَتُمطِرُها / دَماً يَزيدُ لَظاها حينَ تَشتَعِلُ
تَموجُ شَوقاً إِلَيها وَهيَ ساكِنَةٌ / حَتّى تَكادُ لِطولِ الشَوقِ تَقتَتِلُ
تَرمي العِدى بِعُيونٍ حَشوُها ضَغَنٌ / تُبدي خَفايا قُلوبٍ مِلؤُها دَخَلُ
خُذهُم بِحَولٍ تَميدُ الأَرضُ خَشيَتَهُ / فَالحَولُ يَبلُغُ ما لا تَبلُغُ الحِيَلُ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ
عَرَفَ الزَمانُ مَصارِعَ الأَبطالِ / وَأَقامَ فيكَ مَآتِمَ الأَجيالِ
لِلمُسلِمينَ بِكُلِّ أَرضٍ رِنَّةٌ / زَجَلُ المَآذِنِ مِن صَداها العالي
جَدَّدتَ لِلإِسلامِ مِن شُهَدائِهِ / ذِكراً يُجَدِّدُ كُلَّ شَجوٍ بالِ
صَعِقَت لِمَوتِكَ دَولةُ الآمالِ / وَجَلائِلِ الآثارِ وَالأَعمالِ
لَيتَ المَنِيَّةَ أَمهَلَتكَ فَلَم تَرُع / نَهضاتِ أَروَعَ غَيرَ ذي إِمهالِ
ما زِلتَ تَبتَدِرُ الغِمارَ تَخوضُها / شَتّى المَخاوِفِ جَمَّةَ الأَهوالِ
حَتّى طَواكَ المَوتُ غَيرَ مُجامِلٍ / شَعباً يُجِلُّكَ أَيَّما إِجلالِ
أَحيَيتَهُ وَقَتَلتَ نَفسَكَ بِالَّذي / حَمَّلتَها مِن فادِحِ الأَثقالِ
أَحَبَبتَ مِصرَ فَغالَ مُهجَتَكَ الهَوى / وَنَجا بِمُهجَتِهِ الخَلِيُّ السالي
أَصحَوتَ أَم أَنتَ اِمرِئٌ تَبلى وَما / يَصحو فُؤادٌ مِنكَ لَيسَ بِبالِ
حَمَلَ الحَياةَ وَلَن يَموتَ عَلى المَدى / مُحيي العُصورِ وَباعِثُ الأَجيالِ
زَلزَلتَ أَقطارَ البِلادِ فَلَم تَبِت / إِلّا عَلى خَطَرٍ مِنَ الزَلزالِ
مَن يَدفَعُ الغاراتِ بَعدَكَ إِن دَعا / يا للحُماةِ وَلَجَّ في الإِعوالِ
مَن يُسمِعُ القاصينَ شَكوى أُمَّةٍ / ناضَلتَ عَنها الدَهرَ خَيرَ نِضالِ
مَن لِليَراعِ يُذيبُ هَولُ صَريرِهِ / قَلبَ الكَمِيِّ وَمُهجَةَ الرِئبالِ
مَن لِلمَنابِرِ يَرتَقيها صائِحاً / في القَومِ صَيحَةَ مِصقَعٍ مِقوالِ
يا لَهفَ نَفسي إِذ تَنوبُ عَظيمَةٌ / تَنزو القُلوبُ لَها مِنَ الأَوجالِ
يا لَهفَ مِصرَ عَلى مُجَدِّدِ مَجدِها / وَمُقيلُها مِن عَثرَةِ الجُهّالِ
أَمُفَطِّرَ الأَكبادِ بِالتَرحالِ / اللَهَ في مُهجٍ عَلَيكَ غَوالِ
إِن كانَ قَد حُمَّ الفِراقُ فَوَقفَةٌ / تَشفي نُفوساً آذَنتُ بِزَوالِ
هَيهاتَ ما جَزَعُ النُفوسِ لِراحِلٍ / سارَت بِهِ الحَدباءُ غَيرُ ضَلالِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025