المجموع : 10
قمرٌ مشرقٌ يزيد جمالا
قمرٌ مشرقٌ يزيد جمالا / كلما جدَّ في السماءِ انتقالا
وسكونٌ يرقى الفضاءَ جناحا / هُ على الأرضِ يضفوانِ جلالا
هذه ليلةٌ يشفُّ بها الحس / نُ ويهفو بها الضياءُ اختيالا
جَوُّها عاطرُ النسيم يثير الش / شَجوَ والشعرَ والهوى والخيالا
وإذا النهرُ شاطئاً ونميراً / يتبارى أشعةً وظلالا
وسَرى فيه زورقٌ لحبيبي / نِ شجيينِ يَنشدانِ وصالا
يبعثانِ الحنينَ في صدرِ ليلٍ / ليس يدري الهمومَ والأوجالا
شَهِدَ الحبَّ منذ كان رِوايا / تٍ على مسرحِ الحياةِ تَوالى
وجرَتْ ملءَ مِسمعيهِ أحادي / ثُ عفا ذِكرُها لديهِ ودالا
ذلك الباعثُ الأسى والمثيرُ الن / نارَ في مهجةِ المحب اشتعالا
لم يجِبْ قلبُه لميلادِ نجمٍ / لا ولم يبكِ للبدور زوالا
بيد أنَّ القضاءَ أوحى إليهِ / ليذوقَ الآلام والآمالا
فأحسَّ الفؤادَ يخفق منهُ / ورأى النور جائلاً حيث جالا
واستخفَّتْهُ من شفاه الحبي / بين شؤون الهوى فرقَّ ومالا
وتجلَّتْ له الحياةُ وما في / ها فراعتْهُ فِتنةً وجمَالا
فجثا ضارعاً أرى الكونَ ربي / غير ما كانَ صورةً ومثالا
لم يكن يعرفِ الصبابةَ قلبي / أو تعي الأذنُ للغرامِ مقالا
أتراها تغيَّرتْ هذه الأر / ضُ أم الكونُ في خياليَ حالا
ربِّ ماذا أرى فرنَّ هتاف / مُسْتَسرُّ الصَّدى يجيبُ السؤالا
إنَّ هذا يا ليلُ ميلادُ شاعِرْ /
لِمَ أقبلتِ في الظلامِ إليَّ
لِمَ أقبلتِ في الظلامِ إليَّ / ولماذا طرقتِ بابيَ ليلا
لاتَ حين المزار أيتها الأش / باحُ فامضي فما عرفتكِ قبلا
أتركيني في وحشتي ودعيني / في مكاني بوحدتي مستقلا
لستُ من تقصدينَ في ذلك الوا / دي فعذراً إن لم أقُلْ لكِ أهلا
لا تُطيلي الوقوفَ تحتَ سياجي / لنْ تَرَي فيه للثَّواءِ محلا
ضلَّ مسراك في الظلام فعودي / واحذري فيهِ ثانياً أن يضلا
ذاك مأوايَ في تخوم الفيافي / طللٌ واجمٌ عليكِ أطلا
قد تخلّيتُ عن زمانيَ فيهِ / وهوَ بي عن زمانِهِ قد تخلّى
لن تَرَى من خلالِه غيرَ خفَّا / قِ شعاعٍ يكادُ في الليل يبلى
وخيالٍ مستغرقٍ في ذهولٍ / بات يرعى ذُباله المضمحلا
إبرحي بهوَه الكئيبَ فما في / هِ لعينيكِ بهجةٌ تتجلّى
قد نَزلتِ العشيَّ فيهِ على قف / رٍ جفَتهُ الحياةُ ماءً وظلا
كان هذا المكانُ روضاً نضيراً / جرَّ فيهِ الربيعُ بالأمس ذيلا
كان فيهِ زهرٌ فعاد هشيماً / كان فيه طيرٌ ولكنْ تولّى
فاسلمي من شقائه ودعيهِ / وحدَهُ يصحبُ السكونَ المملا
واطرقي غيرَ بابهِ إنَّ رَوحي / أحكمتْ دونه رُتاجاً وقُفلا
أوقوفاً إلى الصباح ببابي / شدَّ ما جِئتِهِ غباءً وجهلا
إبعدي من وراء نافذتي الآ / نَ ورفقاً إذا انثنيتِ ومهلا
إنَّ من تحتها هَزاراً صريعاً / سامهُ البردُ في العشية قتلا
وأزاهيرَ حوله ذابلاتٍ / مزَّقتها الرِّياحُ في الليلِ شملا
كان لي في حياتها خيرُ سلوى / فدعيني بموتها أتسلَّى
فهي بُقيا صبابةٍ ودموعٍ / جثيا عندها شعاعاً وطَلا
إن عيني بها أحقُّ من المو / تِ وقلبي بها من القبرِ أولى
جُنَّ قلبي فاستضحكتهُ المنايا / حيثُ أبكتني الحقيقةُ عقلا
لا تُطيلي الوقوفَ أيتها الأشبا / حُ فامضي فما رأيتكِ قبلا
أوَ لم تسمعي جهلتكِ من أنتِ / فعودي فما كذبتكِ قولا
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
أينَ عُشاقُك سُمَّار الليَالي / أينَ من واديكِ يا مهدَ الجمالِ
موكبُ الغيدِ وعيدُ الكرنفالِ / وَسُرَى الجُنْدولِ في عرض القنالِ
بين كأسٍ يتشهى الكرمُ خمرَهْ /
وحبيبٍ يتمنَّى الكأسُ ثَغْرَهْ /
إلتقتْ عيني بهِ أوَّلَ مرَّهْ /
فعرفتُ الحبَّ من أوَّلِ نظرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
مرَّ بي مُستضحكاً في قربِ ساقي / يمْزُجُ الراحَ بأقداحٍ رِقاقِ
قد قصدناهُ على غيرِ اتفاقِ / فنَظرنا وابتسمنا للتَّلاقي
وهوَ يَستهدِي على المفْرِقِ زهرَهْ /
ويُسوِّي بيدِ الفتنةِ شَعْرَهْ /
حين مسَّتْ شَفتي أوَّل قطرَهْ /
خِلْتُهُ ذوَّبَ في كأسيَ عِطرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
ذَهبيُّ الشَّعرِ شَرقيُّ السِّماتِ / مرِحُ الأعْطافِ حلوُ اللَّفتاتِ
كُلَّما قلتُ لهُ خُذْ قالَ هاتِ / يا حبيبَ الرُّوحِ يا أُنسَ الحياةِ
أنا من ضيَّعَ في الأوهامِ عُمْرَهْ /
نسيَ التاريخَ أو أُنسيَ ذِكرَهْ /
غيرَ يومٍ لم يَعُدْ يذكرُ غيرَهْ /
يومَ أنْ قابلته أوَّلَ مرَّهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
قالَ من أينَ وأصغى ورَنا / قلتُ من مصرَ غريبٌ ههُنا
قالَ إن كنتَ غريباً فأنا / لم تكنْ فينيسيا لي مَوْطنا
أينَ منِّي الآن أحلامُ البُحَيْرَهْ /
وسماءٌ كَستِ الشطآنَ نضْرَهْ /
منزلي منها على قمةِ صَخْرَهْ /
ذاتِ عينٍ من مَعينِ الماء ثرَّهْ /
أينَ من فارسوفيا تلكَ المَجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
قلتُ والنشوةُ تسري في لساني / هاجتِ الذكرى فأينَ الهَرمان
أين وادي السِّحرِ صدَّاحَ المغاني / أين ماءُ النيل أين الضِّفَّتان
آه لو كنتَ معي نختالُ عَبْرَهْ /
بشراعٍ تَسبحُ الأنجمُ إثرَهْ /
حيث يَروي الموجُ في أرخم نَبْرَهْ /
حُلْمَ ليلٍ من ليالي كليوبترَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
أيُّها الملَّاحُ قِفْ بينَ الجسورِ / فتنةِ الدنيا وأحلامِ الدهورِ
صفَّق الموجُ لولدانٍ وحورِ / يُغرقون الليلَ في يَنبوع نورِ
ما ترى الأغيدَ وضَّاء الأسِرَّهْ /
دقَّ بالساق وقد أسلَم صدْرَهْ /
لمحبٍّ لفَّ بالساعد خَصْرَهْ /
ليتَ هذا الليلَ لا يُطْلِعُ فجرَهْ /
أينَ منْ عَينيَّ هاتيكَ المجالي / يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ
رَقَصَ الجُندولُ كالنجم الوضيِّ / فاشْدُ يا ملَّاح بالصوتِ الشجيِّ
وترَنَّمْ بالنشيدِ الوثَنيّ / هذه الليلةُ حُلْمُ العَبقريِّ
شاعتِ الفرحةُ فيها والمسرَّهْ /
وجَلا الحبُّ على العُشّاق سرَّهْ /
يَمنةً مِلْ بي على الماء ويَسرَهْ /
إنَّ للجندول تحت الليل سِحرَهْ /
أين يا فينيسيا تلك المجالي / أين عُشاقُك سُمَّار الليالي
أين من عينيَّ يا مهدَ الجمالِ / موكبُ الغيد وعيدُ الكرنفالِ
يا عروسَ البحرِ يا حُلْمَ الخيالِ /
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي / واتبعي يا جبالُ في الأرضِ ظِلِّي
واصْدَحِي يا جنادلَ النهر تحتي / بأناشيدِ مائكِ المُنْهَلِّ
وارفعي يا رُبى إليَّ وأدني / زَهَرَاتٍ من عُشْبكِ المخضَلِّ
ضَمِّخي من عبيرها ونداها / قَدَماً لمْ تطأكِ يوماً بذُلِّ
هَزَأتْ بالجراحِ من مِخلب الْ / ليثِ وأنياب كل أفعى وصلِّ
واحملي يا رياحُ صوتي إلى الوا / دي وضِجِّي بكلِّ حزنٍ وسهلِ
وانسمي بالغرام يا نسمةَ الْ / ليلِ وكوني إلى الأحبة رُسْلي
إنَّ في حومةِ القبيلةِ ناراً / ضَوَّأتْ لي على مَضاربِ أهلي
رقصتْ حولها الصبايا وغَنَّتْ / بأغاني شَبابها المستهِلِّ
صوتُ إفريقيا ووحيُ صباها / ونداءُ القرونِ بعدي وقبْلي
باسمِها الخالدِ امتشقتُ حُسامي / بيدٍ تخفضُ الحظوظَ وتُعلي
وشربتُ الحميمَ من كلِّ شمسٍ / نارُها تُنضِجُ الصخورَ وتُبلي
وقهرتُ الحياةَ حتى كأني / قَدَرٌ تكتبُ الحتوفُ وأُملي
يا عذارى القبيل أنتنَّ للْ / مَجدِ على عِفَّةٍ صواحبُ بَذْلِ
حسبُ روحي الظامي وحسب جراحي / رَشفَةٌ من عيونِكنَّ النُّجْلِ
وابتساماتكنَّ فوق شفاهٍ / بمعاني الحياةِ كم أومأتْ لي
حين ألقى زوجي على بابِ كوخي / وأُناغي على ذراعيَّ طفلي
وأنامُ الليلَ القصيرَ لأجلو / صارمي في سَنى الصباحِ المطلِّ
طالَ انتظارُكِ بين اليأسِ والأملِ
طالَ انتظارُكِ بين اليأسِ والأملِ / يا كعبةَ المجدِ حييِّ موكبَ البطلِ
هذا المآبُ المُرجَّى شُقَّةٌ قصُرَتْ / وغُربةٌ عن ثَراكِ الطُّهْرِ لم تطُلِ
يا لهفةَ القومِ هلْ ضَجُّوا لرؤيته / وجدَّدوا العهدَ من أيامهِ الأُولِ
تدفَّقَ النهرُ من أقصى منابعهِ / لهفانَ يسبقُ لمعَ البارقِ العَجِلِ
يثور تيَّارُهُ العاتي فيسأله / أيَّ الأساطيرِ من ماضيَّ خُيِّلَ لي
وأيَّ مضطربٍ في ضِفتيَّ مَشَتْ / فيه الملايينُ من ساعٍ ومحتفلِ
أعودةُ الثائرِ المنفيِّ من سفرٍ / لا يبلغُ الوهمُ منه مفرقَ السُّبُلِ
بل الشهيدُ المسجَّى في لفائفه / ضَنُّوا عليه بقبرِ الهانئِ الجذِلِ
ما أشبهَ اليومَ بالأمسِ الذي نَسَلوا / فيه على صعَقاتِ الحادثِ الجلَلِ
هذا الرفاتُ تراثُ المجدِ في وطنٍ / لواؤه عن ركازِ المجدِ لم يَمِلِ
أغلى الذخائرِ من ميراثِ نهضته / رفاتُ مستشهدٍ في الحقِّ مقتتلِ
مشى إليكِ به التاريخُ فاستلمي / معاقدَ الغارِ من فرْقيْه واقتبلي
حان اللقاءُ فما أعددتِ من كَلِمٍ / وما ادخرتِ من الأشواقِ والقُبَلِ
فاستشرفي النصرَ واستدني مطالعَه / هذا بشيرُ الهدى والحبِّ والأملِ
عواهل النيلِ أم أشباحُهم عبروا / من ضِفَّةِ النهر ملءَ السَّهْل والجبلِ
مَرُّوا خِفافاً على الوادي كأنهمُ / مواكبُ السُّحُبِ البيضاءِ في الطَّفَلِ
وفي أساريرهم ذكرى وأعينهم / أسرارُ ماضٍ على الأحقابِ منسَدِلِ
يستغفرون ليومٍ مَرَّ ما لهمُ / يَدٌ به جَلَّ فرعونٌ عن الغِيَلِ
ما كان مَن يَسلُب الموتى مضاجعَهم / ربُّ الصوالجِ والتيجانِ والدولِ
حيَّوا بأرواحهم سعداً ولو ملكوا / نبضَ الوتينِ مشوا في المشهد الحفِلِ
يا صاحبَ الخُلدِ كم للروح معجزةٌ / وكم تمثَّلَ روحُ الخلدِ في رجُلِ
لم ينتهِ الوحيُ والسحرُ الحلالُ ولمْ / تخْلُ الحياةُ من الرُّوادِ والرُّسلِ
ومن دمِ الشهداءِ الباعثين به / جيلاً من الحقِّ أو دنيا من الأملِ
ولم يَزَلْ لكَ صوتٌ كلما شرعوا / لها ذمَ البغي ثنَّاها على خجلِ
وطاف بالمدفعِ الداوي فأخرسَهُ / والنارُ في صدره تصطكُّ من وجَلِ
لواؤُك الضخمُ ما زالتْ مواكبهُ / تترَى وراياتُه حمراءَ كالشُّعَلِ
يمشي على قدَمٍ جَبَّارةٍ هزأت / بالصخرِ والموجِ والنيرانِ والأسَلِ
هذا طريقُكَ للبيتِ الذي ألِفَتْ / خُطاكَ بالأمسِ فاسلكهُ على مَهلِ
أنظرْ إليه فما حالتْ معالمهُ / ما للزمانِ بما خلَّدْتَ من قِبَلِ
أسالهُ اليومُ جرحاً لو مضتْ حِقَبٌ / لظلَّ في جنبِ مصرٍ غير مندملِ
فَليُلْقِ أروعَ ما أبدعتَ من خُطبٍ / جلالُكَ الأبديُّ المفردُ المثَلِ
وعِشْ كما أنتَ معنىً في ضمائرِنا / لا ينتهي وحيهُ يوماً إلى أجلِ
وصورة سمحةَ الإشراقِ ملهِمةً / أرقَّ من خَطراتِ الشاعر الغَزِلِ
ذكراك في الدهر أعمارٌ مخلدةٌ / حياة محتشدِ الأمجاد متَّصلِ
يطالعُ الناسَ منها أينما اتجهوا / شعاع كوكبِكَ الوقّادِ في الأزلِ
سَرَتْ بين أعينهم كالخيالْ
سَرَتْ بين أعينهم كالخيالْ / تعانقُ آلهةً في الخيالْ
مُجَرَّدةً حَسِبَتْ أنها / من الفنِّ في حَرَمٍ لا يُنالْ
فليستْ تُحِسُّ اشتهاءَ النفوسِ / وليستْ تُحِسُّ عيونَ الرجالْ
وليستْ ترى غير مَعبودها / على عرشهِ العبقريِّ الجلالْ
دَعاها الهوى عِندَهُ للمُثول / وما الفنُّ إلَّا هوىً وامتثالْ
فخفَّتْ له شِبْهَ مسحورةٍ / عَلَتْ وجهَها مَسْحَةٌ من خبالْ
وفي روحها نشوةٌ حلوةٌ / كمهجورةٍ مُنِّيَتْ بالوصالْ
تراها وقد طوَّفَت حولهُ / جلاها الصِّبا وزهاها الدلالْ
تَضُمُّ الوشاحَ وتُلقي بهِ / وفي خطوها عِزَّةٌ واختيالْ
كفارسةٍ حَضَنتْ سيفَها / وألقتْ به بعدَ طول النِّضالْ
تمُدُّ يديها وتَثنيهما / وترتدُّ في عِوَجٍ واعتدالْ
كحوريَّةِ النبعِ تطوي الرِّشاءَ / وتجذبُ ممتلئاتِ السِّجالْ
مُحَيَّرَةَ الطيفِ في مائجٍ / من النُّور يَغْمرها حَيْثُ جالْ
تُخَيَّلُ للعينِ فيما ترى / فراشةَ روضٍ جَفَتْها الظلالْ
وزَنبقةً وسطَ بَلُّورةٍ / على رفرفِ الشمسِ عند الزَّوالْ
تَنَقَّلُ كالحلمِ بينَ الجفونِ / وكالبرقِ بين رؤوسِ الجبالْ
على إصبعيْ قدَمٍ أُلهِمَتْ / هبوبَ الصَّبا ووثوبَ الغزَالْ
وتُجري ذِراعينِ منسابتينِ / كفرعينِ من جدولٍ في انثيالْ
كأنهما حولها ترْسمانِ / تقاطيعَ جسمٍ فريدِ المثالْ
أبَتْ أن تَمَسَّاهُ بالراحتينِ / ويرضى الهوى ويريدُ الجمالْ
ومن عَجَب وهي مفتونةٌ / تُريكَ الهدى وتْريكَ الضلالْ
تَلَوَّى وتسهو كَلُهَّابةٍ / تَراقصُ قبل فناءِ الذُّبالْ
وتعلو وتهبطُ مثل الشراع / ترامى الجنوبُ بهِ والشمالْ
وتعدو كأنَّ يداً خلفها / تُعَذِّبُها بسياطٍ طوالْ
وتزحفُ رافعةً وجَهها / ضراعةَ مستغفرٍ في ابتهالْ
وتسقط عانيةً للجبينِ / كقمريّةٍ وقَعَتْ في الحبالْ
تَبِضُّ ترائبُها لوعةً / وتخفقُ لا عن ضَنىً أو كلالْ
ولكنَّه بعضُ أشواقها / وبعضُ الذي استودَعَتها الليالْ
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي
تُسائلني وهل أحببتَ مثلي / وكم معشوقةٍ لكَ أو خليلهْ
فقلتُ لها وقد هَمَّت بكأسي / إلى شَفَتيَّ راحتها النحيلهْ
نسيتُ وما أرَى أحببتُ يوماً / كحبِّك لا ولم أعرفْ مثيلهْ
فقالت لي جوابُكَ لم يَدَعْ لي / إلى إظهار ما تُخفيه حِيلَهْ
وفي عينيكَ أسرارٌ حيارى / تُكذِّبُ ما تحاول أن تقولَهْ
فقلتُ أجلْ عرفتُ هوى الغواني / لكلٍّ غايةٌ ولها وسيلهْ
خبرتُ غرامهنَّ قِلىً ووصلاً / كثيرَ الوعد لم يُدركْ قليلَهْ
قلوبٌ قاسياتٌ قنّعتها / وجوهٌ شاعرياتٌ نبيلَهْ
إذا طالعنني أُنسيتُ جُرحي / وأنَّ الحبَّ لم يرحم قتيلَهْ
وجاذَبَني إلى اللذات قلبٌ / شقيٌّ ضلَّ في الدنيا سبيلَهْ
وعُدتُ كما ترينَ صريعَ كأسٍ / أنا الظمآنُ لم يُطفىءْ غليلَهْ
فقالت كيف تضعُفُ قلتُ ويحي / وكيف أطاع شمشونٌ دليلهْ
فقالت ما حياتُكَ قلتُ حُلْمٌ / من الأشواق أوثرُ أن أُطيلَهْ
حياتي قِصَّةٌ بدأتْ بكأسٍ / لها غنَّيتُ وامرأةٍ جميلهْ
دَعوها مُنىً واتركوهُ خيالا
دَعوها مُنىً واتركوهُ خيالا / فما يعرف الحقُّ إلا النِّضالا
بني الشرق ماذا وراءَ الوعودِ / نطِلُّ يميناً ونرنو شِمالا
وما حكمةُ الصَّمْتِ في عالمٍ / تضجُّ المطامعُ فيهِ اقتتالا
زمانكمو جَارحٌ لا يعِفُّ / رأيتُ الضعيفَ به لا يوالى
ويومكمو نُهْزَةُ العاملين / ومضيعةُ الخاملين الكسالى
خَطا العلمُ فيه خُطى صائدٍ / توقَّى المقادرُ منه الحِبالا
توغَّل في ملكوت الشعاع / وصاد الكهاربَ فيه اغتيالا
وحزَّبها فهيَ في بعضها / تُحطِّمُ بعضاً وتلقي نَكالا
رمى دولةَ الشمس في أوْجها / فخرَّت سماءً ودُكَّتْ جِبالا
مدائِنُ كانت وراءَ الظنونِ / ترى النَّجْم أقرب منها منالا
كأن سليمانَ أخلَى القماقمَ / أو فَكَّ عن جنهنَّ اعتقالا
وأوْما إِليها فطاروا بها / مَدى اللمح ثُمَّ تلاشتْ خيالا
ففيمَ وقوفكمو تنظرون / غُبارَ المجلِّي يَشُقُّ المجالا
وحتَّامَ نشكو سواد الحظوظ / ومن أفقنا كلُّ فجرٍ تلالا
ألسنا بني الشرقِ مِن يَعْرُبٍ / أصولاً سَمَتْ وجباهاً تعالى
أجئنا نُسائلُ عطفَ الحليف / ونرقبُ منه الندى والنوالا
نصرناهُ بالأمس في محْنةٍ / تَمادى الجبابرُ فيها صِيالا
سبحنا إليه على لُجّةٍ / من النار لم نُذْكِ منها ذُبالا
فكيف تَناسى حَواريَّهُ / غداةَ السَّلام وأغضى ومالا
أردّ الحقوق لأربابها / وأعفاهمو من طلابٍ سؤالا
ورفَّتْ على الأرض حُريَّةٌ / تألَّقُ نوراً وتَنْدى ظلالا
نَبيَّ الحقيقةِ كم قُلْتَ لي / بربك قُلْ لي وزِدْني مقالا
رأيتُكَ أندى وأحنى يداً / على أمم جَشَّمتكَ النزالا
فما لك تقسو على أمَّةٍ / سَقَتكَ الوداد مُصفّىً زُلالا
وعَدتَ الشعوب بحقِّ المصير / فما لك تقضي وتُملي ارتجالا
أتُغصَبُ من أهلها أرضهُم / وتُسْلمُ للغير نهباً حلالا
أليستْ لهم أرضُهم حُرَّةً / يسودون فيها الدهورَ الطوالا
فلسطينُ ما لي أرى جُرحَها / يسيلُ ويأبى الغداةَ اندمالا
تنازعُها حيرةُ الزَّاهدين / وتنهشها شَهَواتٌ تقَالى
أعزَّتْ أُساتَكَ أدواؤُها / هو الحقُّ ما كان داءً عُضالا
هو الحقُّ إنْ رمتمو عالماً / يشفُّ صفاءً ويزكو جمالا
أقيموا عليه مودَّاتكم / وإلَّا فقد رمتموهُ مُحالا
فيا للبريئةِ ماذا جَنَتْ / فتحملُ ما لا يُطاقُ احتمالا
هي الشرقُ بل هي من قلبِهِ / وشائجُ ماضٍ تأبَّى انفصالا
وتاريخ دنيا وأمجادُها / بنى رُكنَها خالدٌ ثم عالى
وعى الحقُّ للمصطفى دعوةً / لنُصرتها والعوادي توالى
تبارى لها المسلمونَ احتشاداً / وهبَّ النصارى إِليها احتفالا
من الشام والأرز والرافدين / وأقصى الجزيرة صحباً وآلا
وإِفريقيا ما لإِسلامها / يُسامُ عبوديةً واحتلالا
على تونس وبمرّاكشٍ / تروح السيوفُ وتغدو اختيالا
ألم تخْبُ في الأرض نارُ الحروبِ / ويلقَ الطغاةُ عليها وبالا
ألم يَتَغَيَّرْ بها الحاكمون / ألم تَتَبَدَّلْ من الحال حالا
هُمُ العربُ الصِّيدُ لا تحسبنَّ / بهم ضَعَةً أو ضنىً أو كلالا
نماهُمْ على البأس آباؤهم / قساورةً وسيوفاً صِقالا
بُناةُ الحضارةِ في المشرقينِ / ذُرىً يَخشَعُ الغرْبُ منها جلالا
ألا أيها الشامخُ المطمئن / رويداً فإِن الليالي حَبَالى
وما لكَ تنسى على الأمسِ يوماً / به كاد مُلكُك يلقى زوالا
فتقذفُ بالنار سوريةً / وترمي بلبنان حرباً سجالا
شبابَ أُميَّةَ طوبى لكم / أقمتم لكلِّ فِداءٍ مِثالا
دعتكم دمشقُ فما استنفرتْ / سوى عاصفٍ يتخطّى الجبالا
وفي ذِمَّةِ المجد من شيبكم / دمٌ فوق أروقة الحقِّ سالا
بني الشرق كونوا لأوطانكم / قُوىً تتحدَّى الهوى والضلالا
أقيموا صدوركمو للخطوبِ / فما شطَّ طالبُ حقٍّ وغالى
فزِعتُ لكم من وراءِ السقام / وقد جَلَّلَ الشَّيْبُ رأسي اشتعالا
وما إنْ بكيتُ الهوى والشبابَ / ولكنْ ذكرتُ العُلى والرجالا
فلسطينُ لا راعتكِ صيحةُ مُغتالِ
فلسطينُ لا راعتكِ صيحةُ مُغتالِ / سلمْتِ لأجيالٍ وعشتِ لأبطالِ
ولا عزّكِ الجيلُ المُفدّى ولا خبتْ / لقومكِ نارٌ في ذوائبِ أجبالِ
صَحَتْ بادياتُ الشرق تحت غبارهم / على خلجات الرّوح من تُربِكِ الغالي
فوارسُ يَسْتهدي أعِنَّةَ خيلهم / دمُ العرب الفادين والسؤددُ العالي
بكلِّ طريقٍ منه صخرٌ مُنضَّرٌ / وكلِّ سماءٍ جمرةٌ ذاتُ إِشعالِ
هو الشرقُ لم يهدأ بصبحٍ ولم يَطِبْ / رقاداً على ليلٍ رماكِ بزلزالِ
غداةَ أذاعوا أنَّكِ اليوم قسْمةٌ / لكلِّ غريبٍ دائم التِّيهِ جوَّالِ
قضى عمره جمَّ المواطن واسمُهُ / مواطنُها ما بين حلٍّ وترحالِ
وما حلَّ داراً فيكِ يوماً ولا هفتْ / على قلبه ذكراكِ من عهد إِسرَالِ
محا اللّه وعداً خطَّهُ الظلمُ لم يكنْ / سوى حُلُم من عالم الوهم ختَّالِ
حمَتْهُ القنا كيما يكون حقيقةً / فكان نذيراً من خطوبٍ وأهوالِ
وفتَّحَ بين القوم أبوابَ فتنةٍ / تُطِلُّ بأحداث وتُومِي بأوجالِ
أراد ليمحو آيةِ اللّه مثلما / أراد ليمحو الليلُ نُورَ الضحى العالي
فيا شمسُ كُفِّي عن مداركِ واخمدي / ويا شهب غُوري في دياجير آجالِ
ويا أرضُ شُقِّي من أديمكِ وارجعي / كما كنتِ قبل الرُّسْل في ليلكِ الخالي
ضلالاً رأوا أن يسلوَ الشرقُ مجده / وما هو بالغافي وما هو بالسَّالي
ألا يا ابنةَ الفتح الذي نوَّرَ الثرى / وطهَّرَ دنيا من طُغاةٍ وضُلَّالِ
وأكرمَ قوماً فيكِ كانوا أذِلَّةً / فحرَّرهم من بعد رِقٍّ وإِذلالِ
لكِ الشرقُ يا مهد القداسة والهُدى / قلوباً تُلبِّي في خشوعٍ وإِجلالِ
لكِ الشرقُ يا أرضَ العروبة والعلى / شعوباً تُفدِّي فيك ميراثَ أجيالِ
وما هو من مستعمرٍ جاءَ بالهوى / ولا هُوَ من مستثمرٍ جاءَ بالمالِ
هو الشرقُ أَلقى عن يديهِ قيودَه / فلا تحسبيهِ في قيودٍ وأغلالِ
سَلِيهِ تَهِجْ ما بين عينيكِ أرضُهُ / مخالبَ نسرٍ أو براثنَ رئبالِ
سَلِيهِ يمُجْ ما بين سمعيكِ أُفقُهُ / زئيرَ أسودٍ أو زماجرَ أشبالِ
سَلِيهِ الدمَ المهراقَ يَبذُلهُ غالياً / ويضربْ به في الحقِّ أروعَ أمثالِ
ألا أيُّها الشادي الذي أطربَ الورى / بحلو حديثٍ عن حقوقٍ وآمالِ
وقال لنا في عالمِ الغدِ جَنَّةٌ / غزيرةُ أنهارٍ وريفةُ أظلالِ
سمعْنا خُدِعْنا وانتبهنا فحسبُنا / لقد مَلَّتِ الأسماعُ قيثارك البالي
ويا أيُّها الغربُ المواعدُ لا تزِدْ / كفى الشرقَ زاداً من وعودٍ وأقوالِ
شبعا وجعنا من خيال مُنَمّقٍ / ومنه اكتسينا ثم عُدْنا بأسمالِ
فلا تندبِ الضَّعفى وتغصبْ حقوقهم / فتلكَ إذاً كانت شريعة أدغال
لا نجم لا مصباح
لا نجم لا مصباح / يلمع في السهل
قد نامت الأدواح / مقرورة الظل
مطمورة الأشياح / في مهدها الثلجي
هذا شعاعٌ لاح / يخفق في وهجِ
ألحارسُ السهران / قد فتّح البُرجا
يتلو على النيران / أغنيّة الفولجا
واللهب السكران / يرقصُ في نارِه
والنَغمُ الفرحان / يلهو بقيثاره
أطلقتَ إنشادي / يا من تغيّني
قيثارك الشادي / حلو الأرانينِ
يدعو لميعادي / الحبّ والأحلامَ
يا حارسَ الوادي / قد باحت الأنغام
هذا الفتى الممراح / قد أغلقَ البابا
واللهبُ الوضّاح / من خلفهِ غابا
لا نجمَ لا مصباح / يلمعُ من بُعد
لا صوت لا اشباح / إنّي هنا وحدي
يا أملَ العمرِ / يا حُلُمَ العذراء
يا توأمَ الفجرَ / يا ابنَ الصبا الوضاه
يا ملَكَ الحب / إنّي لكَ الليلَه
فاطبَع على قلبي / أو شفتي قُبلَه