المجموع : 88
عَلَّ الهوى يهفو به العَذَلُ
عَلَّ الهوى يهفو به العَذَلُ / ويغضّ من جَمَحانِهِ المَلَلُ
والحبُّ أضيعُ ما أطاف به / قلبٌ ونيطَ بحفظه شُغُلُ
ولقد صحبتُ العيشَ مصطبراً / سلوَان لا يسطيعني الغَزَلُ
إنْ شئتُ أعمدتُ الخِباءَ ولا / تحظَى بِيَ الأستارُ والكِلَلُ
ومُلَوَّحِ الخدّين تحملُهُ / أبداً على أعناقها السُّبُلُ
نابٍ عن الأوطانِ فهْوَ متى / ظَفِرت به الأوطان مُرتحِلُ
ترك البلادَ لمنْ أقام بها / وتقطّعتْ عن عيشِهِ العُقَلُ
يسعى إلى العلياءِ يُحرزها / سعياً تحامَى وقْعَهُ الزَّلَلُ
وإذا الفتى كُتبَ النَّجاءُ له / فالكَلْمُ يعفو والأذى جَلَلُ
دَيني وإنْ ألْوَى المِطالُ به / تَلْويه نحوي البِيضُ والأَسَلُ
وَسوايَ إنْ قعد الزّمان به / قعدتْ به الآراءُ والحِيَلُ
والدّهرُ يجذبنا إلى أَمَدٍ / تَغنى به الأسفارُ والرِّحَلُ
ما أقربَ الأعمالَ من أجلٍ / العمرُ صبحٌ والرّدى أُصُلُ
والمرءُ إنْ أخطاهُ طالبُهُ / لم تخطِهِ من دهرِهِ الغِيَلُ
مُلقىً على طُرْقِ الخطوبِ له / من كَرِّها حلٌّ ومُرتَحَلُ
أَيَقودني أَمَلي فأتبَعُهُ / والذُّلُّ يصحب مَن له أَمَلُ
وعليَّ تستعلي الرّجالُ وما / يبدو لعينِي منهمُ رجلُ
ما لِي أُعلَّلُ بالخِداعِ وقد / تُردِي المعلَّلَ دهرَه العِلَلُ
تَقذِي جفوني كلُّ رائقةٍ / ويَمُرُّ في لَهَواتِيَ العَسَلَ
في كلّ يومٍ صاحبٌ سَئِمٌ / يُلقى على ظهري فأحتملُ
وإِذا وصلتُ إلى الحسين فدى / وَصْلِي له الخُلّانُ والخُلَلُ
ذاكَ الّذي جُمِعَ الولاءُ له / وتشايعتْ في حبّه المِلَلُ
في كلِّ عارفةٍ له قَدَمٌ / ولكلّ مَكرُمةٍ به مَثَلُ
سَبْطُ الأناملِ وَبْلُهُ دِيَمٌ / للمعتفين ووِرْدُه عَلَلُ
والجودُ حيثُ الوعدُ مُفتَقَدٌ / والقولُ معقودٌ به العَمَلُ
وإذا أعار القولَ منطقُه / خَفَتَ الكلامُ وأَمْسَكَ الزَّمِلُ
هذا وكم غمّاءَ خالطها / والظنُّ فيها شاربٌ ثَمِلُ
أدّتْهُ وضّاحَ الجَبين كما / أدّتْ صقال الصّارمِ الخِلَلُ
وَلأَنتَ إنْ عُدّ اِمرؤٌ سَلَفاً / من معشرٍ إنْ فوضِلوا فَضَلوا
المفضِلون إذا الورى بخلوا / والمقدِمون إذا هُمُ نَكلَوا
والمعجلو الجُرْدِ العِتاقِ ولا ال / أَرْسانُ تمسكها ولا الجُدُلُ
غلبوا على خطط العَلاءِ وكم / قد رامها قومٌ فما وصلوا
لا يطمحون إلى بُلَهْنِيَةٍ / في طيّها التّأْنيبُ والعَذَلُ
وإذا الصَّريحُ عَلَتْ غَماغِمُهُ / وأزلّ من خطواتِهِ البَطَلُ
ملأوا الفضاءَ بكلّ مُنْصَلِتٍ / ما دبّ في حَيْزومه الوَجَلُ
للَّه دَرُّك والثَّرى ضَرِجٌ / والبيضُ تهطِلُ والقنا خَضِلُ
فَلَرُبَّ نازلةٍ نَدبتَ لها / عزماً تَولَّجَ رَيْثه العَجَلُ
ومُرَوَّعٍ حصّنتَ مهجتَه / وقدِ اِشْرَأَبَّ لأخذها الأَجَلُ
حيث الرّدى موفٍ بكَلْكَلِهِ / ينجاب عنه الثُّكْلُ والهَبَلُ
والسُّمرُ في اللَّبّاتِ طائشةٌ / والبيضُ تكثِمُ شطرَها القُلَلُ
هَجَرَ الحسودُ تباعَ زَفْرتِه / وتحسّرتْ عن صدره الغِلَلُ
ورآك أسبق إنْ جريتَ ولو / أعطته سَبْقَ لحاظها المُقَلُ
واليأسُ أروحُ للقلوب إذا / كانت إلى المطلوب لا تصلُ
ما ضرّ مَن يرضاك جُنَّتَهُ / إنْ حُكّمَتْ فيه القنا الذُّبُلُ
حسبي دفاعُك فهو لِي حَرَمٌ / يضفو على سِرْبي وينسدِلُ
أعليتَ طرفي وهو منخفضٌ / وحميتَ رَبْعي وهو مُبتَذَلُ
وبلغتَ بِي في العزّ منزلةً / كلُّ الورى عن مثلها نُزُلُ
فلأَشكرنّك ما مشتْ بفتىً / قدمٌ وحنّتْ للنّوى إِبِلُ
وَليُهْنِك العيدُ الّذي عَزَبَتْ / عنه الهمومُ وأطبق الجَذَلُ
يومٌ تطيح به الذّنوبُ كما / دفع الغُثاءَ العارضُ الهَطِلُ
فَاِسعَدْ بهِ فالعزُّ مؤتَنَفٌ / بقدومه والمجدُ مُقتَبِلُ
وَاِسلَمْ على نُوَبِ الزّمان وإنْ / شَقِيَتْ بها الأملاكُ والدُّوَلُ
والعنقُ أوْلَى أنْ يُصان وأنْ / يشقى بجمرةِ دائِهِ الكَفَلُ
على مَن ثوى أرضَ الحجازِ تحيّةٌ
على مَن ثوى أرضَ الحجازِ تحيّةٌ / فليس إلى غير السّلام سبيلُ
ولا زال مُنْهَلٌّ من الوَدْقِ هاملٌ / تُجرَّرُ منه في رباه ذيولُ
ولا ظَفِرتْ أيدي الخطوبِ بربْعِه / ولا أبصرتْه العينُ وهو هطولُ
أُحِبُّ مناخاً بالحجاز تعاصفتْ / إلينا بريّاه صَباً وشَمولُ
كأنّي وقد فارقتْه من صبابةٍ / وإن كنتُ في حكمِ الصّحاح عليلُ
وما ذاك من حبّ الدّيار وإنّما / خليليَ منها حيث حلّ خليلُ
قليلٌ لمن في الجِزْعِ أنّي منحتهُ / غرامي وهل بعد الفراق قليلُ
ووجدي به مُستودَعٌ لا يبثّه / حديثٌ ولا يَفْرِي قواه عذولُ
وسمعُ سوائي فيه للّوم سامعٌ / وألْبابُ غيري في هواه مُحولُ
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ / وأنسى الّذي شأنُه أعضلُ
ويطمعني أنّني سالمٌ / وداءُ السّلامة لِي أقتَلُ
ويمضي نهاري وإظلامُهُ / بما غيرُه الأحسنُ الأجملُ
وآمُلُ أنّي أفوتُ الحِمامَ / أمانٍ لعَمْرُك لِي ضُلَّلُ
وكيف يرى آخِرٌ أنّه / مُبَقّىً وقد هلك الأوّلُ
ولمّا بدا شَمَطُ العارضين / لمن كان من قبله يَعذُلُ
تناهَوْا وقالوا لسانُ المشيب / له من جوارحنا أعذَلُ
فقلتُ لهمْ إنّما يعذُلُ ال / مَشيبَ على الغيِّ مَن يُقبِلُ
فحتّى متى أَنَا لا أرعوِي / ولِمْ لا أقولُ ولا أفعلُ
وكم أنَا ظمآنُ طولَ الحياةِ / وفي كفِّيَ الباردُ السّلْسَلُ
أمانٍ ولا عملٌ بينهنَّ / كجوٍّ يَغيمُ ولا يَهطِلُ
وَما الناسُ إلّا كبهمِ المضي / عِ يُحْزِنُ في الأرضِ أو يُسهِلُ
فمن عاملٍ ما له خِبرةٌ / وآخرَ يدري ولا يعملُ
فيا ليتَ مَن علم الموبِقاتِ / وقارفَها رجلٌ يجهلُ
أمِن بعد أنْ مضت الأربعون / سراعاً كسربِ القطا يَجفلُ
ولم يبق فيك لشرخ الشّبابِ / مآبٌ يرجّى ولا مَوْئِلُ
تَطامحُ نحو طويلِ الحياةِ / ويوشِك أنْ ما مضى أطولُ
ألا إنّما الدّارُ دار البلاءِ / ففي شهدها أبداً حَنْظَلُ
يعافى من الدّاءِ مَن يُبتَلى / وينجو من الموتِ مَن يُقتَلُ
وسُقمٌ أقام جميعَ الأُساةِ / على أنّه سَقَمٌ يقتلُ
أيا ذاهلاً ونداءُ الحتو / فِ في النّاسِ يوقظ مَن يذهَلُ
طريقٌ طويلٌ وأنتَ اِمرؤٌ / لعلّك في زادِهِ مُرْمِلُ
أليس وراءَك مُزْوَرَّةٌ / عليها الصَّفائحُ والجَندلُ
بها الصّبحُ ليلٌ وليلُ البِلا / دِ ليلٌ بساحتها ألْيَلُ
إذا ما أناخ الفتى عندها / مقيماً فيا بعدَ ما يَرحَلُ
وإنْ جاءها فوق أيدي الرّجال / فبالرّغم من أنفِهِ ينزلُ
على أنّه ليس عنها له / وإنْ حاصَ مَنْجىً ولا مَرْحَلُ
مَنازلُ ليس لحيٍّ بها / معاجٌ ولا وسْطَها منزلُ
خَلَتْ غيرَ ذئبٍ تراه بها / يُعاسِلُ أو صُرَدٍ يَحْجِلُ
وإلّا ترنُّمُ حنّانَةٍ / تئطُّ كما زَفَرَ المِرْجَلُ
تَريمُ وتقفُل مجتازةً / بمن لا يَريمُ ولا يَقفُلُ
ألا أين أهلُ النّعيمِ الغزيرِ / وأين الأجادل والبُزَّلُ
وأين الغطارفُ من حِمْيَرٍ / وما مُلِّكوه وما خوّلوا
وَأَين الّذين إِذا ما اِنتَجَوْا / أَزَمَّ بنجواهمُ المحفلُ
وأَطْرَقَ كلُّ طويلِ اللّسانِ / صَموتاً يُجيبُ ولا يَسألُ
إِذا ما مشوا يسحبون البُرودَ / فلِلرَّشفِ ما مَشَتِ الأرجلُ
وقومٌ إذا ما سَرَوْا زعزعوا / قَرَا الأرضِ بالخيلِ أو زلزلوا
تقام ممالكُهمْ بالقنا / ويَجبِي خراجَهمُ المُنْصلُ
وكم قلّبوا في العبادِ العيونَ / فلم يُبصروا غيرَ ما أفضَلوا
وتلقاهمُ عند خوفِ البلادِ / وبين بيوتهمُ المَعْقِلُ
مضوا مثلما مضت السّاريا / تُ أثنى بها الوطنُ المُبقلُ
وأزعجهمْ من قِلالِ القصور / فلم يلبثوا المُزعجُ المُعجِلُ
بَنقَا الرِّمْثِ مِن شَرافِ غزالٌ
بَنقَا الرِّمْثِ مِن شَرافِ غزالٌ / ضلّ عنّي وليس منه الضّلالُ
لم تزل بِي الأيّامُ حتّى لَوَتْه / عن لقائي الوشاةُ والعُذّالُ
ليس يَبري ما تصنع الهندُ ما تب / رِي جهاراً وتجرحُ الأقوالُ
نحن بالغَوْر من تِهامةَ والحب / بِ بنجدٍ عالِي الرُّبَا لا يُنالُ
والعُذَيْبَ العُذَيْبَ يا ركبُ فالقلْ / بُ له بالعُذيْبِ داءٌ عُضالُ
كلّما قلتُ قد مضى عاد منه / وله ما يَغِبّنا وخَبالُ
من أناسٍ للوعدِ بينهُمُ خُلْ / فٌ مقيمٌ وللدّيونِ مِطالُ
إِنْ تناءَوْا فليس منهمْ تدانٍ / أو تدانَوْا فليس منهمْ وِصالُ
لا تلمْ ساكنَ الحجازِ بقلبٍ / فيه من أهلِ بابلٍ بَلْبالُ
كِدتُ أقضي يومَ الفراق لُبانا / تِيَ لولا أنّ المطايا عِجالُ
قلْ لمن ليلُهُ قصيرٌ ألا إن / نَ لياليَّ مُذْ نأيتُمْ طِوالُ
حبّذا النّومُ لا لشىءٍ أرى في / هِ سوى أنْ يزور منكمْ خيالُ
ليس يُجدي يا صاحبيَّ وقوفٌ / بطُلولٍ ولا يُرَدُّ سؤالُ
إِنّما الرَّبْعُ بالمقيمين فيه / وهو خِلْوٌ من ساكنيه مِثالُ
يا اِبنَ حَمْدٍ ماذا صنعتَ بقلبِي / حين سِيقتْ برَحْلك الأجمالُ
فُرقةٌ صعبةٌ كما اِنصدع القَعْ / بُ بكفِّ الصَّدي وفيه الزُّلالُ
فحرامٌ على الجفونِ وقد غِبْ / تَ كراهاً والدّمع طَلْقٌ حَلالُ
وبعيدٌ شَعْبُ اِنصداعِ فؤادٍ / رحتَ عنه مودَّعاً أو مُحالُ
إنّ للدّهر يومَ فارقتَ بغدا / دَ عليها جريرةً لا تُقالُ
اِمّحى نورُها فما هي إِلّا / ليلةٌ غاب عن دُجاها الهلالُ
أنتَ فيها في القُرِّ شمسٌ وفي القَيْ / ظِ وحرِّ الهجيرِ أنتَ الظِّلالُ
يا لَحا اللَّهُ مَن أراك على النّأْ / يِ طريقاً للسَّوءِ فيه مجالُ
حِدْتَ عنه قبلَ التورّطِ فيه / قلَّما يَنفع الوروطَ اِحتِيالُ
خبرٌ ضرّم القلوبَ وإنْ كا / نتْ رسولاً به إلينا الشّمالُ
جاء من لامع الخِلالِ كما يل / معُ في جانبِ البسيطةِ آلُ
قد غُررنا به وكم غرّتِ النّا / سَ قديماً محاسنٌ وجمالُ
قَد بَلَوْناك يا اِبن حَمْدٍ على الخَطْ / ب تناهى واِزورّ عنه الرّجالُ
وخبرناك حاملاً فأَصَبْنا / كاهلاً لا تَؤودُهُ الأثقالُ
وعرفناك لا تسائلُ يوماً / عن كلامِ الفحشاء كيف يُقالُ
واِعتَرفنا طَوْعاً بأنّك فينا / إنْ بطشنا يمينُنَا والشّمالُ
ليس يَثنِي الزّمانُ يا قومُ عمّا / ساءَني في الّذي أُحِبُّ مَقالُ
كلَّ يومٍ يروعني من نواحي / ه على الأمن فرقةٌ أو زوالُ
هالنِي فيك بالفراقِ وقد كُنْ / تُ بما في صُروفهِ لا أُهالُ
وأراني وليته ما أراني / كيف حالتْ من قبلِيَ الأحوالُ
وتبيّنتُ أنّه ليس للدُّن / يا صفاءٌ ولا لأمرٍ كمالُ
وبقينا فيمن يُمَلُّ ولكنْ / ليس يُغني عن الأسير الملالُ
لا مقالٌ منهم يُرَجّى ومَن لي / س مقالٌ منه فليسِ فعالُ
وإذا أعوَزَ التَّجَمُّلُ فالإعْ / وازُ منه الإحسانُ والإجمالُ
عدِّ يا اِبن الحسين عن كلِّ مَن لي / س له في الكِرامِ عمٌّ وَخالُ
ليس مِن داءِ حِقْدِهِ ما دَجَى اللّي / لُ وما أشرق الدُّجَى إبْلالُ
ويُريكَ أنّه يُرامِي مرامي / كَ ولَيست إلّا إليك النِّبالُ
معشرٌ خُوّلوا الكثيرَ وفيما / يُنفقون الإنزارُ والإقلالُ
لا يَخِفّون في الجميل ولا تُس / حبُ في الخير منهمُ أذيالُ
وتراهم يُرضيهمُ أنْ يقلّوا / في الأعادي وتكثُرُ الأموالُ
وكأنّ الآمالَ فيهمْ رسومٌ / دارساتٌ تَسْفِي عليها الرّمالُ
أنتَ ما بينهمْ غريبٌ وأَهلٌ / لك في حبّهمْ كثيرٌ ومالُ
فاِنجُ عنهمْ فما يُقيمُ على الخَس / فِ وإنْ قيّدوه عَوْدٌ حَلالُ
يَجِدُّ بنا صَرْفُ الزّمان ونهزِلُ
يَجِدُّ بنا صَرْفُ الزّمان ونهزِلُ / ونُوقَظ بالأحداثِ فيه ونَغْفُلُ
ونغترّ في الدّنيا برَيْثِ إقامةٍ / ألا إنّما ذاك المقيمُ مُرَحَّلُ
يقادُ الفتى قَوْدَ الجنيبِ إلى الرّدى / وما قادَهُ منه المُغارُ المُفَتَّلُ
وما النّاسُ إلّا ظاعنٌ أو مودِّعٌ / ومُستَلَبٌ مستَعجَلٌ أو مؤجِّلُ
فمِن رجلٍ قضّى الحِمامُ ديونَه / وآخرَ يُلوى كلَّ يومٍ ويُمْطَلُ
وأفنيَةٍ إمّا فِناءٌ مُراوَحٌ / مُغادى إليه أو فِناءٌ مُعَطَّلُ
وما هذه الأيّامُ إلّا منازلٌ / إِذا ما قَطعنا منزلاً بان منزلُ
بنو الأرضِ يعلو واحدٌ فوق ظهرها / وآخرُ تعلو هِي عليه فيسفُلُ
تَعاقُبَ سَجْلَيْ ماتحٍ في رَكِيَّةٍ / فسَجْلٌ له يَرقى وآخرُ ينزلُ
فناءٌ مُلِحّ ما يَغبّ جميعَنا / إذا عاش منّا آخِرٌ مات أوّلُ
وقالوا تَمَنَّ العمرَ تحظَ بطولِهِ / فقلت وما يُغني البقاءُ المطوَّلُ
قصيرُ مقامِ المرءِ مثلُ طويلهِ / يَفِيءُ إلى وِرْدِ المَنونِ ويوصِلُ
أَروني الّذي فات الحِمامَ ومن له / إِذا أَمَّهُ المقدارُ ظهرٌ ومَعْقِلُ
وَأَين الّذين اِستَنزلَ الدّهرُ منهمُ / بهاليلَ لمّا أحزنوا العزَّ أسْهَلُوا
تَراهمْ كآسادِ الشّرى في حفيظةٍ / فإنْ سئلوا المعروفَ يوماً تهلّلوا
أُذِيدوا فلم يُغنَوْا ولم يُغنِ عنهُمُ / من الذّائدين ما أنالوا وخوّلوا
ولا أسمرٌ صَدْقُ الكعوبِ عَنَطْنَطٌ / ولا شادخٌ وافي الحِزامِ مُحجَّلُ
وَكم صاحِبٍ لِي كنتُ أكره فقدَهُ / تسلّمه منّي الفَناءُ المعجّلُ
أُبدَّلُ بالإخوانِ ما إِنْ مَلَلْتُهمْ / وبالرّغمِ منّي أنّني أتبدّلُ
مقيمٌ بُمسْتَنِّ الخطوبِ تُعِلّني / أفاويقَ أخلافِ الزّمان وتُنهِلُ
وأُغضي عَلى ما آدَ ظهري كأنّنِي / على حَدَثانِ الدّهرِ عَوْدٌ مُذَلَّلُ
فيا ليتَ أنّي للحوادث صخرةٌ / تُحمَّلُ أثقالَ الخطوبِ فتحملُ
تمرُّ بها الأيّامُ وهي مُلِظَّةٌ / بعلياءَ لا تهفو ولا تَتَزَيَّلُ
ويا ليتَ عندي اليومَ بعضَ تَغَفُّلٍ / فأنعمُ منّا بالحياةِ المغَفَّلُ
أَلا علّلاني بالحياةِ وخادِعا / يقينِي فكلٌّ بالحياةِ معلَّلُ
وقولا لعلّ الدّارَ شَحْطٌ من الرّدى / وعمرُك من أعمار غيرك أطولُ
ولا تَعِدانِي الشَّرَّ قبلَ نزولِهِ / فإنَّ اِنتظارَ الشّرّ أدهى وأعضَلُ
ومُدّا بأسبابِ الحياةِ طَماعتي / فإنّا على الأطماع فيها نُعوِّلُ
وَقودا إليَّ اليومَ ما شئتُ منكما / فإنّا غداً من هذه الدّارِ نُنقَلُ
ودانٍ إلى شِعْبي وقلبي تنازَحَتْ / به في بطونِ الأرضِ غبراءُ مجهلُ
تلفّتُّ أبغِي في الطَّماعةِ عَوْدَه / وهيهات عمَّا في التّرابِ المؤمَّلُ
عَليك اِبنَ يحيى كلَّ يومٍ وليلةٍ / سلامٌ كما شاء المُحَيُّون مُسهِلُ
ولا زال قبرٌ أنتَ فيه موسَّدٌ / يُراحُ بنشر المندليِّ ويوبَلُ
وإنْ جَفَتِ الأنواءُ تُرباً فلم يزلْ / تمرّ به وهو المَجودُ المبلَّلُ
تدرّ عليه كلُّ وطْفاءَ جَوْنةٍ / ويسري إليه البارقُ المتهلِّلُ
ولمّا نعاك النّاعيان تهاطَلَتْ / بوادرُ ما كانتْ لغيرك تهطِلُ
وعالوك قهراً فوق صَهوةِ شَرْجَعٍ / لنا من نواحيه حنينٌ وأزْمَلُ
غداةَ أُديلَ الحزنُ منّا فلم يكنْ / هنالك إلّا مُعْوِلاتٌ ومُعوِلُ
وَلا قلبَ إلّا وهو منك مُكلَّمٌ / وَلا لُبَّ إلّا وهو فيك مُذَهَّلُ
تَقطّع ما بيني وبينك والتّقى / عليك على كرهي ترابٌ وجَنْدَلُ
مجاورَ قومٍ فرّق الموتُ بينهمْ / وأجداثُهمْ في رأي عينٍ تَوَصَّلُ
كأنّهُمُ كانوا عكوفاً ببابِلٍ / فراقَهُمُ منها الرّحيقُ المُسَلْسَلُ
منحتُك قولي حين لا فعلَ في يدي / ويا ليتني فيه أقول وأفعلُ
وليس يردّ الموتَ ما نحن بعده / نروِّي منَ الأشعار أو نتنحّلُ
أترى يؤوب لنا الأُبَيْ
أترى يؤوب لنا الأُبَيْ / رِقُ والمُنى للمرءِ شُغْلُ
طَلَلٌ لعَزَّةَ ما يزا / لُ على ثراهُ دمٌ يُطَلُّ
قتلوا وما قتلوا وعن / دَهُمُ لنا قوَدٌ وعَقْلُ
قل للّذين على مَوا / عِدهم لنا خُلفٌ ومَطْلُ
كم ضامني من لا أُضِي / مُ وملَّني مَن لا أمَلُّ
يا عاذلاً لعتابه / كَلٌّ على سَمْعِي وثِقْلُ
إن كنت تأمر بالسُّلُو / وِ فقل لقلبي كيف يسلو
قلبي رهينٌ في الهوى / إن كان قلبُك منه يخلو
ولقد علمتُ على الهوى / أنّ الهوى سُقمٌ وذُلٌّ
وتعجّبتْ جَمْلٌ لشَيْ / بِ مفارقي وتشيبُ جَمْلُ
ورأتْ بياضاً في سوا / دٍ ما رأته هناك قَبْلُ
كَذُبالةٍ رُفعَتْ على ال / هضباتِ للسّارين ضَلّوا
أيُّ المفارق لا يُزا / رُ بذا البياضِ ولا يُحَلُّ
لا تُنكِرِيهِ وَيْبَ غي / رك فَهْو للجهلاءِ غُلُّ
ومُعَرِّسٍ أيقظتُه / واللّيلُ للآفاقِ كُحْلُ
في لَيلةٍ مضروبةٍ / والقُرُّ في الأطرافِ نَمْلُ
نزع الكرى ثمّ اِستَوى / فكأنّه للرّكْبِ جِذْلُ
يا صانعَ البُكراتِ والر / رَوْحاتِ تنقُلُه شِمَلُّ
ينبو به في كلّ شا / رقةٍ مَرادٌ أو محلُّ
هذا أبو الخطّاب ذو الن / نعماءِ سيّدُنا الأجلُّ
أحللْ به عُقَدَ الرّحا / لِ فليس بعد اليومِ حَلُّ
واِعقِرْ قَلوصَك عنده / فهناك مالٌ ثمّ أهلُ
يا مفزعَ الملهوفِ مم / ما خاف يعمِدُ أو يَزِلُّ
ومحصّن المهجات لم / ما أنْ غَدَوْنَ وهنّ أُكْلُ
وعلى الوسائد منك لل / أقوامِ مرهوبٌ مُجَلُّ
مُتَخمِّطٌ يَعِدُ الرّجا / لَ ودونهمْ خَرْقٌ مَضَلُّ
رَهْبٌ ورَغْبٌ عنده / فكأنّه شمسٌ وطَلُّ
ولربّ داهيةٍ يضي / قُ بكيدها السِّمْعُ الأزَلُّ
مطموسةِ الأعلام في / طُرُقاتها حَرَجٌ وأزْلُ
كنتَ اِبنَ بَجْدَتِها وقدْ / دُعِيَ الرّجالُ لها فقلّوا
ولقد تحقّقت النّوا / ئبُ أنَّ غَرْبَك لا يُفَلُّ
وحريزَ أمْنِك لا يُرا / عُ وذَوْدَ أرضك لا يُشَلُّ
أقسمتُ بالبيت الحرا / مِ يزوره رَكْبٌ ورَجْلُ
وبزمزمٍ والكارعي / ن لما بها نهلوا وعَلُّوا
والنّازلين على مِنىً / لهمُ بها عَقْرٌ وبَزْلُ
وبمسقَطِ الجمراتِ في ال / وادي المُغَمّسِ واِستهلّوا
إنّ السّجايا الغُرَّ عن / دك ليس يعدِلهنّ مِثْلُ
كرمٌ وعدلٌ فائضٌ / مَن ذا له كرمٌ وعدلُ
وجَنانُ مفتقرِ الجرا / ئرِ لا يُقيمُ عليه ذَحْلُ
كم نعمةٍ لك جَمّةٍ / عندي ومعروفٌ وفضلُ
وصنائعٍ مشهورةٍ / طُرُقٌ إلى شكري وسُبْلُ
ما أنسَ لا أنسَ اِهتما / مك بي وقد شَحَطَ المحلُّ
ومواقفاً لي قمتها / وَالحاسدونَ إليّ قُبْلُ
وَكَفيتني شَطَطَ السؤا / ل وأيُّ عَضْبٍ لا يُسَلُّ
إنْ لم نُوَفِّك قَدْرَ شك / رِكَ فالمحارمُ تُستَحَلُّ
وكثيرُ ما قمنا به / في جَنبِ حقّك مُستَقَلُّ
واِسمَعْ فذا النّيروزُ يُخْ / برُ أنّ جَدّك فيه يعلو
وَخلود عزٍّ لا يُحا / لُ ولا يُزال ولا يُمَلُّ
واِسلَم فإنّا لا نُبا / لي بعد بُرْءِك مَن يُعَلُّ
وإذا بقيتَ محرّماً / فجميع ما نخشاه حِلُّ
يا راكباً وصل الوجيفَ ذميلُهُ
يا راكباً وصل الوجيفَ ذميلُهُ / هل زال من وادي الأراك حُمولُهُ
عُجنا عليه وللقلوب بلابلٌ / هيّجنَهُنّ ربوعُهُ وطلولُهُ
فخشوعنا لخشوعِهِ ونحولُنا / إن كنت تُنكره جناه نحولُهُ
من أجلِ دارٍ فوقَ وَجْرَةَ أقفرتْ / سيلٌ من العينين لجّ همولُهُ
نبكي وما أجدى على متتبّعٍ / أثَرَ الدّيارِ بكاؤه وعويلُهُ
يا وحشَ وَجْرَةَ هل أراكَ على ثرىً / غضِّ النّباتِ تحومُهُ وتجولُهُ
وهل الأراكُ وإنْ تقادم عهده / أغنى به فأظلُّه وأقيلُهُ
وهل الكثيبُ بحاله أم رُفّعتْ / بالرّامساتِ عن الكثيب ذُيولُهُ
أهْواكَ يا شجرَ الأراكِ وبيننا / عرضُ الحجازِ لمن بغاك وطُولُهُ
إِنّ الزّمان جميعَه بك طيّبٌ / إصباحُهُ وظلامُهُ وأصيلُهُ
زمنُ اللّوى لم أدرِ كيف قصيرُهُ / حَتّى اِنقضى فدريتُ كيف طويلُهُ
إنّ الأُلى حلّوا اللّوى وتحمّلوا / وَضَحَ الضُّحى فيهمْ لقلبِك سُولُهُ
ضنّوا عليك من النّدى بقليله / وكثيرُ حبّك عندهمْ وقليلُهُ
ووراءهمْ قَرِمٌ إلى أزوادهمْ / ظامٍ إِليهمْ لا يَبُلُّ غليلُهُ
ترجو معاودَةَ الوِصالِ كما بدا / إِبّانَ جاد به عليه بخيلُهُ
يا ردَّ ربّكُمُ إليَّ بعيدكمْ / وأَمال قلبكُمُ عليَّ يُميلُهُ
ومزوّدٍ ماءَ الشّبابِ كأنّهُ / قَمَرُ الدُّجُنَّةِ حُسنُهُ ومُثولُهُ
أَظْما إِلى تَقبيله ولو اِنّني / قبّلتُهُ لم يَروِني تقبيلُهُ
ضاقتْ به أقطارُهُ وأُقضَّ حت / تى زارني صُبحاً عليه مَقِيلُهُ
من بعد ما كان الوصالُ سبيلنا / فيه وكان الهجر منه سبيلُهُ
وكأنّما هو نعمةً ولُدونَةً / نشوانُ دبّتْ في العظامِ شَمولُهُ
مَنْ مانعٌ عنّي وقد شَحَطَ الصِّبا / شيباً عَلى الفَوْدَين آن نزولُهُ
وافى هَوِيَّ السِّلْكِ خرّ نظامُهُ / والشِعْبُ سال على الدّيار مَسيلُهُ
سبقَ اِحتِراسي مِن أذاه بطيئُهُ / لمّا تجلّلنِي فكيف عجولُهُ
ما ضرّه لمّا أراد زيارةً / لو كان بالإيذانِ جاء رسولُهُ
لا مرحباً ببياضِ رأسي زائراً / أعيا عليَّ حلولُهُ ورحيلُهُ
مَن كان يرقُبُ صحّةً مِن مُدْنفٍ / فالشّيبُ داءٌ لا يَبُلُّ عليلُهُ
نَصَل الشّبابُ إلى المشيب وإنّما / صِبْغُ المشيبِ إلى الفناءِ نُصولُهُ
إنَّ البَهيم من الشّباب ألَذُّ لِي / فلتَعْدُني أوضاحُهُ وحُجولُهُ
أعجبْ به صبحاً يُوَدُّ ظلامُهُ / وشهابُ داجيةٍ يُحَبُّ أفولُهُ
قالوا المشيبُ نَباهةٌ وأوَدّ أنْ / باقٍ عليَّ منَ الشّبابِ خُمولُهُ
والفضلُ في الشَّعَرِ البياض وليتَهُ / لم يَشجِنِي بفراقهِ مفضولُهُ
ولقد عجبتُ لمعشرٍ صانوا الغِنى / وأَذَالَ منهم ما سواه مُذيلُهُ
ظلُّ الغني يا ساكني ظلِّ الغنى / يُخشى عليه زوالُهُ وحُؤولُهُ
لم يثرِ مَن لم يُغنِ مفتقراً ولمْ / يَنَلِ الغِنى من لا تراه ينيلُهُ
والجودُ لا يُبقي التِّلادَ على الفتى / والبخلُ عنوانُ الغِنى ودليلُهُ
لا يفضُلُ الأقوامَ إلّا ماجدٌ / دبّتْ إلى أيدي الرّجال فُضولُهُ
للبِرِّ ما كسبتْ يداهُ وللنّدى / منه الغَداةَ حُزونُهُ وسهولُهُ
متلهِّبٌ فإذا علا قِمَمَ العِدا / بسيوفِه ماتتْ هناك ذُحولُهُ
سائلْ لتعرفني ففيك جهالةٌ / خطباً تراه يطولني وأطولُهُ
لمّا اِلتَوَتْ عنه كواهلُ معشرٍ / أضحى عليَّ دقيقُهُ وجليلُهُ
فَلّتْ مقارعةُ الزّمانِ مضاربِي / والسّيفُ تشهد بالمَضاءِ فُلولُهُ
وتبيّنتْ بدمِ الرّجال صرامتي / واليوم تجري بالدّماءِ سيولُهُ
وبصيرتي يوم الهياجِ بصيرةٌ / والنَّقْعُ مُرْخىً في الوجوه سُدولُهُ
يومٌ يكُرّ عزيزهُ يبغي الرّدى / ويفرّ يستبقي الحياةَ ذليلُهُ
وَأَنا الّذي فضَلَ العشائرَ قومُه / بِعلاه واِستَلب الفخارَ قبيلُهُ
ومتى تأمّلتَ الزّمانَ فإنّه / وادٍ بغُرِّ المكرُماتِ أسيلُهُ
إنّ الفتى ما إنْ تطيب فروعُه / لمجرّبٍ حتّى تطيب أُصولُهُ
والنّاسُ في الدّنيا إذا جرّبْتْهَمْ / بين الملا طاشت هناك عقولُهُ
كم طالبٍ ما لا يُنال وراكبٍ / من سيّئٍ ما لا يُقال زَليلُهُ
ومزاولٍ تعجيل أمرٍ لو أتى / عَجِلاً إِليه لساءَه تعجيلُهُ
ومُرَقِّحٍ نَشَباً حواه غيرُهُ / ومؤمّلٍ ولغيره مأمولُهُ
والرّزقُ يُحْرَمه الخبيرُ ويهتدي / عفواً إليه عَقولُهُ وجَهولُهُ
لا ذاك يدري كيف خاب ولا درى / هذا عليهِ كيف كان حصولُهُ
وأخٍ بدا منه القبيح عقيب ما / فعل الجميلَ فضاع منه جميلُهُ
شَفَعَ الزّيارةَ هجرُهُ وبِعادُهُ / وتلا الوِصالَ صدودُهُ وعُدولُهُ
ما إنْ يروعُك قصدُهُ مستشعراً / نَسْجَ الدُّجى حتّى يروع قفولُهُ
متلوّنٌ إعطاؤه حرمانُهُ / متقلّبٌ ممنوعُهُ مبذولُهُ
مَن عاذري مِن مُرهِقِي أو مُعلقِي / من وُدِّهِ عِلْقاً يُرادُ بديلُهُ
دَنِساً كرَيْطِ الحائضاتِ لبِسْنَهُ / فلَزِمْنَهُ حتّى اِستطارَ نَسيلُهُ
علّلْ برفقك مَن لقيتَ من الورى / إنّ العليلَ شفاؤه تعليلُهُ
ودعِ القلوبَ بغِلِّها مطويّةً / ما السّرُّ إلّا ما إِليك وصولُهُ
وَاِنصَحْ لنَفسك إنْ نصحتَ فكلُّ مَن / تلقاه في الدّنيا يقلُّ قبولُهُ
لِي منزلٌ ولمنْ سلاكمْ منزلُ
لِي منزلٌ ولمنْ سلاكمْ منزلُ / فدعوا العَذولَ على هواكمْ يعذُلُ
وإذا مررتُ بغيرها أسطيعُهُ / فمن الضّرورةِ أنّنِي لا أَقبَلُ
بأبي وأُمّي راحلٌ طَوْعَ النّوى / ويَوَدُّ قلبي أنّه لا يَرحلُ
ولقد حملتُ غداةَ زُمّتْ للنّوى / أحمالُكمْ في الحبِّ ما لا يُحمَلُ
وعجبتُمُ أنّي بقيتُ وقد مضى / بالعِيشِ من كفّي الخَليطُ المُعْجَلُ
لَيس اِصطباراً ما ترون وإنّما / هو للّحُاةِ تصبُّرٌ وتَجَمُّلُ
فدعوا القُرونَ بزفرةٍ لم تُسْتَمَعْ / بعد الفراقِ ودمعةٍ لا تَهطِلُ
فالنّارُ يخمد ظاهراً لك ضوءُها / ووراء ذاك لهيبُ جَمْرٍ مُشْعَلُ
مَن لي بقلب الفارغين من الهوى / لا مهجَةٌ تضنى ولا تَتَقَلْقَلُ
مَن شاء فارقني فلا طَلَلٌ له / يُبكى وَلا عنه رباعٌ تُسأَلُ
وإذا الرّجالُ تعزّزوا ومشتْ إلى / مهجاتهمْ رُسُلُ الغرامِ تذلّلوا
وأُساةُ أدواءِ الشِّكايةِ كُلُّهمْ / يدرون أنّ الحبَّ داءٌ مُعضِلُ
مَن مبلغٌ ملكَ الملوكِ بأنّنِي / بلسانِ طاعته أعِلُّ وأنْهَلُ
قد كنتُ أمطل مَنْ بغى منّي الهوى / حتّى دعاني منك مَن لا يَمطُلُ
فبلغتُ عندك رتبةً لا تُرتَقى / ونزلتُ منك مكانةً لا تُنزَلُ
وعلمتُ حين وزنتُ فضلك أنّه / من كلّ فضلٍ للأماجدِ أفضلُ
للَّه درُّ بني بُوَيْهٍ إنّهمْ / أعطوا وقد قلّ العطاءُ وأجزلوا
ولهمْ بأسماكِ المجرَّةِ منزلٌ / ما حَلَّهُ إلّا السِّماكُ الأَعزلُ
المُطعِمين إذا السّنونُ تكالحتْ / واِغبرّ في النّاسِ الزّمان المُمحلُ
والمبصرين مكانَ حزّ شفارهمْ / في الرَّوْع إذ أعشى العيونَ القَسْطَلُ
وَالدّاخلين على الأسنّةِ حُسَّراً / إنْ قلَّ إدخالٌ وعزّ المدخَلُ
فهُمُ الجبالُ رزانةً فإذا دُعُوا / لعظيمةٍ خفّوا لها واِستعجلوا
وهُمُ الرؤوس وكلُّ مَن يعدوهم / في المعتلين أخامصٌ أو أرجلُ
لهُمُ القُطوبُ تَوَقُّراً فإذا هُمُ / همّوا بأنْ يُعطوا النّوالَ تهلّلوا
وإذا المحاذرُ بالرّجالِ تولّعتْ / فهمُ من الحَذَرِ المُلِمِّ المَعقِلُ
إنْ خَوّلوا من غير أن يعنوا بما / قَد خوّلوا فكأنّهمْ ما خوّلوا
وَإِذا اِلتَفتّ إلى عِراصِهمُ الّتي / عزّ الذّليلُ بها وأثرى المُرْمِلُ
لَم تَلقَ إلّا مَعشراً روّاهُمُ / غِبَّ العِطاشِ تفضُّلٌ وتطوّلُ
كم موقفٍ حَرِجٍ فرجتَ مضيقه / والرّافدان لك القنا والأنصُلُ
في حيث لا تنجي الجيادُ وإنّما / تُنجيك بِيضٌ للقراعِ تُسَلَّلُ
وشهودُ بأسك أسمرٌ متدقّقٌ / أو أبيضٌ ماضي الغِرارِ مُفَلَّلُ
أعطيتَ حتّى قيل إنّك مُسرِفٌ / وحلُمتَ حتّى قيل إنّك مُهمِلُ
وجددتَ في كلّ الأمور فلم يكن / من قبل إلّا مَن يَجِدُّ ويهزِلُ
وَمشيتَ في الخطط الصّعائب رافلاً / ومَنِ الّذي لَولاك فيها يرفُلُ
وَأَريتنا لمّا رميتَ فلم تَطِشْ / عن مقتلٍ أنّى يُصابُ المَقتلُ
والملكُ مذ دافعتَ عن أرجائهِ / مَطْوَى الأساود أو عرينٌ مُشبِلُ
قلْ للّذين تحكّموا جهلاً به / ولطالما قتل الفتى ما يجهلُ
خلّوا التعرّضَ للّذي لا يُتَّقَى / فلربّما عجل الّذي لا يعجلُ
والسُّمُّ مكروعاً وإنْ طال المدا / بمِطالِهِ يُردِي الرّجالَ ويقتُلُ
وَأَنا الّذي جرّبته ولَطالَما / نخل الرّجالَ تدبّرٌ وتأمُّلُ
ثاوٍ بدارٍ أنت فيها لم أُرِدْ / عوضاً بها أبداً ولا أستبدلُ
وعجمتَ حين عجمتَ منّي صَعْدَةً / تنبو إذا ضُمّتْ عليها الأنْمُلُ
وَعلمتَ أنّي خَير ما اِدّخَرتْ يدٌ / وأوى إليه لدَى الحِذار مُعَوِّلُ
وعصائبٍ أعييتُهمْ بمناقبي / إنْ يصدقوا في عَضْهَتي فتقوّلوا
قالوا وكم من قولةٍ مطرودةٍ / عن جانبِ الأسماع لا تُتَقَبَّلُ
هيهات أين من الصُّقورِ أباغثٌ / يوماً وأين من الأعالي الأسفلُ
وَتَضاحكوا ولو اِنّهمْ علموا بما / تجني جهالتُهمْ عليهمْ أعْوَلوا
وإذا عَرِيتَ عن العيوب فدع لها / مَن شاء في أثوابها يتسربلُ
وَكن الّذي فاتَ الخداعَ فكلّ مَنْ / تبع الطّماعةَ في الخديعة يُبْهَلُ
وأعُدُّ إثرائي وجاري مُعسِرٌ / دَنَساً على أُكرومتي لا يُغسلُ
وقنعتُ من خلّي بعفوِ ودادِهِ / لا بالّذي يجفو عليه ويثقلُ
وإذا بدا منه التودّدُ فليكنْ / في صَدره يَغلي عليَّ المِرْجَلُ
قولوا لمن ورد الأُجاجَ تعسّفاً / لي فوقَ ما أهوى الرّحيقُ السَّلْسَلُ
عندي المُرادُ وأنت فيما تجتوِي / دوني وفي رَبْعي المَرادُ المُبْقِلُ
وظفرتُ بالبحر الخِضَمِّ وإنّما / أغناك لا يرويك منه الجدْوَلُ
ولك الجَدائدُ في حِلابِك طالباً / دوني وفي كفّي الضُّروعُ الحُفَّلُ
فَاِسعَد بهذا العيد وأبقَ لمثلهِ / يمضي الورى ولك البقاءُ الأطولُ
في ظلّ مملكةٍ تزول جبالنا الش / شُمّ العوالي وهي لا تتزلزلُ
واِسمَعْ كَلاماً من مديحك شارداً / طارت بهِ عنّي الصَّبا والشَّمْأَلُ
صَعْبَ المَطا ممّنْ يُريد ركوبَه / لكنّه عَوْدٌ لديَّ مذلَّلُ
هو كالزّلالِ عذوبةً وسلاسةً / وإذا شددتَ قواه فهو الجَندلُ
صبحٌ وفي أبصار قومٍ ظلمةٌ / أَريٌ وفي حَنَكِ العدوِّ الحَنظلُ
لو عاش نافسنِي به مُزْنِيُّهُمْ / أو لا فيحسدني عليه جَرْوَلُ
قد كان يُدرك عندكنّ السُّولُ
قد كان يُدرك عندكنّ السُّولُ / فالآن لا وَصْلٌ ولا تعليلُ
ليلي وأنتمْ نُزَّحٌ بمُحَجَّرٍ / ليلٌ كما شاء الغرامُ طويلُ
لم يبق منّي بعد يوم فراقكمْ / إلّا دموعٌ للفراقِ تسيلُ
نَمَّتْ على وَجْدي بكمْ لو أنّها / كتَمَتْهُ جامدةً لنمَّ نُحولُ
ومللتُمُ مَن لا يملُّ هواكُمُ / من غير جرمٍ والمَلولُ مَلولُ
قالوا السّلوُّ دواءُ دائك منهُمُ / صدقوا ولكن ما إليه سبيلُ
رحنا وحشْو قلوبنا كَلَفٌ بكمْ / نلوي على ألوائنا فنميلُ
فكأنّما عبثتْ بنا دَيْرِيَّةٌ / أو ساورتْ منَّا العظامَ شَمولُ
كم دون خيماتِ الحسانِ حُشاشةٌ / تَفنى ضياعاً أو دمٌ مطلولُ
وحياضُهنَّ من الزّلالِ فواهقٌ / لو كان ينفع عندهنَّ غليلُ
ودعوتِنِي عبثاً إلى خلعِ الهوى / أنّى وقلبي بالهوى مكبولُ
لكِ يا اِبنةَ البكريّ بين قلوبنا / حكمٌ يُطاع ومنزلٌ مأهولُ
وملكتِ منَّا بالجمال جماجماً / إنْ كنتِ منصفةً فهنَّ غُلولُ
لَمْ تحملي ثِقْلَ الهوى فَحَقَرْتِهِ / وخفيفُ أعباءِ الغرامِ ثقيلُ
وإذا رأينا منك طلعتك الّتي / هي رونقٌ أو جوهرٌ مصقولُ
خرس اللُّحاةُ على هواك وعرّجوا / عنّا فأخيبُ مَن نراه عَذولُ
وطرقْنَني وَهْناً بأَجوازِ الرُّبا / وطروقهنّ على النّوى تخييلُ
في ليلةٍ وافى بها متمنّعٌ / ودنتْ بعيداتٌ وجاد بخيلُ
يا ليت زائرَنا بفاحمة الدّجى / لَم يأْتِ إِلّا والصَّباحُ رسولُ
فقليلُهُ وضَحَ الضُّحى مُستكثَرٌ / وكثيرُهُ غَبَشَ الظّلامِ قليلُ
ما عابه وبه السرور زوالُهُ / فجميع ما سرّ القلوبَ يزولُ
أمَّا الشّعوبُ كثيرةٌ ولَشِعبُنا / من هاشمٍ شِعْبٌ هناك جليلُ
الأُفق فيه مع الشّموسِ كواكبٌ / والغابُ فيه مع الأسود شبولُ
والجانبُ الخَضِل النَّدى لم يُلْفَ عن / جَدْواه ممنوعٌ ولا ممطولُ
وإذا الرّجالُ تفاخروا وتفاضلوا / أرسى بهمْ دون الورى التّفضيلُ
من كلِّ وضّاحِ الجبين كأنّه / عَضبٌ جلاه الصَّيقلون صقيلُ
ومُلَوَّمٍ في المكرُماتِ وطالما / عُذِر الضَّنينُ بها ولِيم بَذولُ
وكأنّه فرداً إذا شهد الوغى / ضرباً وطعناً معشرٌ وقبيلُ
ومعاشرٍ لولاهُمُ ما بيننا / ما كان تعظيمٌ ولا تبجيلُ
عنهمْ تُلُقِّيَتِ العظاتُ وَمنهمُ / فُهِمَ الهُدى وَتعُلِّم التأْويلُ
وبيوتُهمْ مَأْوَى الرَّشادِ وبينهمْ / سُطِرَ الكتابُ ونُزِّلَ التّنزيلُ
وتراهُمُ صبحاً وكلَّ عشيّةٍ / يأْتيهمُ مِيكالُ أو جبريلُ
لو أنّهمْ لم ينهجوا سُبُلَ التُّقى / ما بان تحريمٌ ولا تحليلُ
فهُمُ عن الأمرِ الدّنيِّ جوامدٌ / وهُمُ إلى الأمر العليِّ سُيولُ
بيتٌ أقام دِعامَه وقبابَه / إمّا إمامٌ أو أخوه رسولُ
بيتٌ يُناجِي اللَّهَ حَلّالٌ به / وعليهمُ الأملاكُ فيه نُزولُ
ومساكنٌ ما غاب عن أفواههمْ / فيهنّ تقديسٌ ولا تهليلُ
لهمُ مِنىً والموقفانِ وزَمْزَمٌ / والبيتُ والتّطْوافُ والتجويلُ
والحِجْرُ والحَجَرُ الّذي لصفاتِهِ / أبَدَ الزّمانِ الضَّمُّ والتّقبيلُ
للَّهِ ما جَشِموه عن أديانِهمْ / والدّارعون عن الطِّعان نُكولُ
طرحوا الأناةَ وطوّحوا بحِذارهمْ / وتيقّنوا أنّ الجَبانَ ذليلُ
وتراكبوا مثلَ الدَّبَى في غمرةٍ / ما إنْ بها إِلّا قَناً ونُصولُ
والخيلُ ساطعة العجاج كأنّما / لعجاجها ضوءُ الصّباحِ دليلُ
ليلٌ نجومُ سمائِهِ زُرْقُ القنا / والشّمسُ فيه صارمٌ مسلولُ
ومغامرٍ يَلِجُ القَتام وما لَه / إلّا حسامٌ في يديه دليلُ
ربح الحياةَ بطعنِه وضرابهِ / والهائبُ النَّخِبُ الجبانُ قتيلُ
خذها فما لطلوعها مُبيضّةً / كطلوع أوضاحِ الصّباحِ أُفولُ
وكأنّما أُمنيّةٌ بُلِغَتْ بها / وكأنّها روضُ الثّرى المطلولُ
سيّارة في عرضِ كلّ تَنوفةٍ / ولغُرّ أبكارِ الكلام ذَميلُ
وإذا قرنتَ بها سواها برّزتْ / غُرَرٌ لها لمّاعةٌ وحُجولُ
والشِّعْرُ منه ناصعٌ مُتَخَيّرٌ / حُسناً ومنه الكاسفُ المرذولُ
ومن القريض سعادةٌ وشقاوةٌ / ومن القريض نباهةٌ وخُمولُ
وقليلُهُ حيث الصّوابُ وكُثرُهُ / من قائليه وساوسٌ وخُبولُ
والقارضون الشّعر إمّا مولَجٌ / أبوابهُ أو مُبعَدٌ معدولُ
ولَكَمْ لطلّاعِ الثَّنايا نحوه / مُتَزحزِحٌ عن طُرْقِهِ وزَليلُ
طلبوا وما وصلوا وكم من طالبٍ / أمراً وليس له إليه وُصولُ
وإذا هُمُ لم يُحسنوا في قولهم / أشعارَهْم أحسنت كيف أقولُ
أتانِيَ والرّكبانُ يأتي نجيُّهمْ
أتانِيَ والرّكبانُ يأتي نجيُّهمْ / بما ساء أو سرّ الفتى وهو غافلُ
بأنّ الّذي سالتْ شعابُ النّدى به / تلاقتْ على رغمي عليه الجَنادلُ
وحلّ بدارٍ ليس عنها مُعَرَّجٌ / ولا نازلٌ فيها مدى الدّهرِ راحلُ
أمِنْ بعد أن راع القرومَ هديرُه / ونِيلتْ بما تجنِي يداه الطّوائلُ
يُضامُ ويُسقى غِرَّةً أكْؤُسَ الرّدى / فللّهِ حقٌّ غاله ثمّ باطلُ
فإنْ غبتَ عنّا فالنّجومُ غوائبٌ / وإنْ زلتَ عنّا فالجبالُ زوائلُ
وما أنتَ مقتولاً وذكرُك خالدٌ / بل أنتَ لمن قد ظلّ بعدك قاتلُ
فلا حملتنا للجلادِ ضوامرٌ / ولا فرّقتنا من بلادٍ رواحلُ
ولا عاد من حربٍ بما شاء صارخٌ / ولا آب من جَدْبٍ بما رام سائلُ
ولا تبكهِ منّا العيونُ وإِنّما / بكته المواضي والقنا والعواملُ
ولولا هَنَاتٌ سوف يُقلعُ عذرها / ضحىً أو عشيّاً قال ما شاء قائلُ
قُل للّذين تَناكصتْ ثقتي
قُل للّذين تَناكصتْ ثقتي / بهمُ وقهقرَ عنهمُ الأملُ
ووجدتُهم عمداً بلا خطأٍ / رابوا بما قالوا وما فعلوا
ما كان عندي أنّني أبداً / عن عُقْرِ دار الوُدِّ أنتقلُ
ومللتُمُ مَن لا يحول ولا / يمشي بعَرْصةِ سِرِّه المَلَلُ
وغُرِرتُمُ من دولةٍ عرضَتْ / والدّهرُ لو أنصفتُمُ دُوَلُ
هي عيشةٌ من بعدها هُلُكٌ / أو صحّةٌ في إثْرها عِلَلُ
وقد اِحتملتُ وإنّما غَشَمَتْ / ظلماً أُمورٌ ليس تُحتَمَلُ
وعهدتُكم قولاً بلا عملٍ / فالآنَ لا قولٌ ولا عملُ
ومن المُنى لِي مُرُّ غيركمُ / والصّاب عند ضرورةٍ عَسَلُ
قد كان قبلكُمُ وما لبثوا / قومٌ إلى ما نلتُمُ وُصُلُ
طاروا كما وقعوا بلا سَببٍ / وتراهُمُ خرجوا كما دخلوا
لا تحسبوها اليومَ دائمةً / فالظّلّ ظلُّ الشّمسِ ينتقلُ
شَتّان بين معاشرٍ نُصحوا / لم يقبَلوا ومعاشرٍ قبِلوا
من أين في الدّنيا وكيف بها / حالٌ من السّراءِ تتّصلُ
يَفْرِي الزّمانُ وليس نُبصرهُ / ما ليسَ تفَرِي البِيضُ والأَسَلُ
لعينِك منها يوم زالتْ حمولُها
لعينِك منها يوم زالتْ حمولُها / وإنْ لم تُنِلْ تَذْرافُها وهُمولُها
ومن أجلها لمّا مررتَ بدارها / وقد أوحَشَتْ منها شَجَتْنِي طلولُها
ولولا الهوى لم تَلْقَنِي بمنازلٍ / نواحلَ يستدعي نحولي نحولُها
أغَنِّي بها مجهولةً لم تبنْ لنا / ويُذكِرُني غَضَّ الوصالِ مَحيلُها
منَ اللّاتي يُسغِبْنَ النِّطاقُ هضامةً / ويمشين بالبطحاء خِرْشا جُحولُها
يَقِفْنَ فيستوقفن لَحْظَ عيوننا / فما هنّ للأبصار إلّا كُبولُها
أُريغ جَداها وهْي جِدُّ بخيلةٍ / وأعْيا على راجي الغواني بخيلُها
وليلةَ بتنا بالأُبَيْرِقِ جاءني / على نَشْوةِ الأحلامِ وَهْناً رسولُها
خيالٌ يُريني أنّها فوق مضجعي / وقد شطّ عنّي بالغُوَيرِ مَقيلُها
فيا ليلةً ما كان أنعمَ بثَّها / تنازح غاويها وخاب عذولُها
وما ضرّني منها وقد بتّ راضياً / بباطلها أنْ بان صُبحاً بُطولُها
فلمّا تجلّى اللّيلُ بالصّبحِ واِمّحتْ / دَياجِرُ مُرخاةٌ علينا سدولُها
أَفَقْتُ فلم يَحصل عليّ مِنَ الّذي / خُدِعتُ به إلّا ظنونٌ أُجِيلُها
وكم عُصبةٍ حَطَّتْ لديه رحالَها / فأتْرَبَ عافيها وعزّ ذليلُها
لدى مجلسٍ لا يمزج الهَزلُ جِدَّهُ / ولا ينطق العَوْراءَ فيه قؤولُها
تُلَوّى به الأعناق مَيْلاً عن الهوى / ويُنْصَفُ من ضخمِ الشّعوب هزيلُها
إذا لم يملْ فيه إلى الحقّ جورُه / عن القَصْدِ يوماً لم تجدْ مَن يُميلُها
فتىً كلُّ أطرافٍ له في كتيبة / يُصرِّفها أو مَكْرُماتٍ يُنيلُها
يُهاب كما هاب الشّجاعُ قَريعَه / ويُرجى كما ترجو الغوادي مُحولُها
وحلّ من العلياء ما لا تَحُلّه / حذاراً من الشُّمِّ العوالي وُعولُها
ففي كفّه رِقُّ المكارمِ والنّدى / وما بيدِ الأقوامِ إلّا غُلولُها
أآلَ بُوَيْهٍ اِحفظوه لدولةٍ / له وعليه صعبُها وذَلولُها
نماها فما تدعو سواه أباً لها / ومِن جَحْرِه دبّتْ إلينا شُبولُها
مدحتك لا أنّي إخالُ مديحةً / تحيط بأوصافٍ لديك جَميلُها
ولم يأتني التّقصيرُ من عجز منطقي / ولكنْ دهاني من معاليك طولُها
ولو أنّني وفّيتُ فضلك حقَّه / عددتُ مديحي زلّةً أستقيلُها
فعشْ في نعيمٍ لا يُرى منه آخِرٌ / وحالٍ بعيدٌ أنْ يحول حؤُولُها
عليلكُمُ يرجو الشّفاءَ وإنّما ال
عليلكُمُ يرجو الشّفاءَ وإنّما ال / عليلُ ولا يرجو الشفاءَ عليلُ
إذا كان دائي بالهوى وهو قائلٌ / فإِنّ أُساتي في الرّجالِ قليلُ
وما بي إلى أنْ أكتم الحب حاجةٌ / وفي كلّ أحوالِي عليه دليلُ
فهل لِي إلى أنْ يبرحَ الحبُّ مهجتِي / كما لم يكن فيها الغَداةَ سبيلُ
كأنّيَ لمّا أنْ ذكرتُ فراقَكمْ / تمشّتْ بعقلي في الصُّحاةِ شمولُ
فما أنَا عن شكوى الصّبابةِ ساكنٌ / وإنْ أشكُها لم أدرِ كيف أقولُ
وسِيّان عندي قبل بَلْوايَ بالهوى / أضنّ ضَنينٌ أم أنالَ مُنِيلُ
وَما العزُّ إلّا سلوةٌ لا هوىً بها / وكلُّ أسيرٍ بالغرامِ ذليلُ
لو شئتَ يومَ البينِ أسعفتني
لو شئتَ يومَ البينِ أسعفتني / منك بما ليس له ثِقْلُ
بوقفةٍ أشكو إليك الهوى / فيها ودمعُ العينِ مُنْهَلُّ
فإن عليها عاذلٌ لامَنا / فطالما يُحْتَمَلُ العَذْلُ
ما لكَ مِثْلٌ يا غريرَ الصِّبا / وليس لِي في حبّكمْ مِثْلُ
وصلُك محيي لقتيل الهوى / وفرقةٌ منك هي القتلُ
ما شئتُ سُلواناً ولو شئتُهُ / لم يكُ عندي كَبِدٌ تسلو
وما ضرّني الإمْلاقُ والثّروةُ الّتي
وما ضرّني الإمْلاقُ والثّروةُ الّتي / يذلّ بها أهلُ اليَسارِ ضَلالُ
أليس يُبَقَّى المالُ إلّا ضَنانةً / وأفْقَرَ أقواماً ندىً ونوالُ
إذا لم أُنِلْ بالمالِ حاجةَ مُعسرٍ / حَصورٍ عن الشّكوى فما لِيَ مالُ
ألا لا تَرُمْ أنْ تستمرّ مسرّةٌ
ألا لا تَرُمْ أنْ تستمرّ مسرّةٌ / عليك فأيّامُ السّرور قلائلُ
ولا تطلب الدّنيا فإنّ نعيمها / سرابٌ تراءى في البسيطة زائلُ
رجاءٌ وإشفاقٌ كما لعبتْ لنا / بأطماعنا فيها البطونُ الحواملُ
وإنّ مكانَ الخطب فيما نعيده / خطوبٌ على قرب المدى وهو ماحِلُ
توقَّ ديارَ الحيِّ فهي المقاتلُ
توقَّ ديارَ الحيِّ فهي المقاتلُ / فما حشوُها إلّا قتيلٌ وقاتلُ
أطعتَ الهوى حتّى أضرَّ بك الهوى / وعلّم حزماً ما تقول العواذلُ
وأين الهوى منّي وقد شحط الصِّبا / وفارق فَوْدَيَّ الشّبابُ المُزايلُ
وقد قَلَصَتْ عنّي ذيولُ شبيبتي / وفي الرّأس شيبٌ كالثَّغامةِ شاملُ
ولِي من دموعي غدوةً وعشيةً / لبين الشّبابِ الغضِّ طَلٌّ ووابلُ
وكيف يُزيل الشّيبَ أو يُرجعُ الصّبا / وجيبُ قلوبٍ أو دموعٌ هواطلُ
ولاح لنا من أبْرَقِ الحَزْنِ بارقٌ / كما لاح فجرٌ آخر اللّيل ناحلُ
يضيء ويخفي لا يدوم لناظرٍ / فلا هو مستخفٍ ولا هو ماثِلُ
فلمّا أضاءتْ غُبشةً حال عندهمْ / وعَصْفَر واِحمرّتْ عليه الغلائلُ
ذكرتُ به مَن زارني مِن بلاده / وَما الذّكر إلّا ما تجرّ البلابلُ
أمِنْ بعد أنْ جرّبتُ كلّ مجرَّبٍ / وسَلَّمَ لِي قَصْدَ السَّبيلِ الأفاضلُ
ولم يك لِي عيبٌ يُعاب بمثله / أولو الفضل إلّا ما تقوّل قائلُ
وسارتْ بروّادِ الفضائل كلّها / من الشّرقِ والتّغريب عنّي الرّواحلُ
وحُمّلتُ أعباءَ العشيرةِ في ندىً / ويوم ردىً والعَوْدُ للعِبء حاملُ
وحزتُ كراماتِ الخلائق وادعاً / وشاطرني ضيقَ المكانِ الحُلاحِلُ
وأنجدتُهمْ بالرّأي والرّأيُ عازبٌ / وجُدتُ لهمْ بالحزمِ والحزمُ ماطلُ
ولمّا اِجْتَبَوْني لم يَطُرْ بهمُ أذىً / وبان لهمْ منّي صحيحٌ وباطلُ
وسحّبتُ أثوابَ الملوك على الثّرى / وغيريَ من حَلْيِ المكارمِ عاطلُ
ولِي موقفٌ عند الخليفة ما اِدّعتْ / عديلاً له هذي النّجومُ المواثلُ
أقوم وما بيني وبين سريره / مقامٌ ولا لِي دونه الدّهرَ حائلُ
ويُحجبُ عنه الزّائرون وإنّني / إليه على ذاك التحجّبٍ واصلُ
وَما غاب وجهي عن مدى لَحْظِ طَرْفهِ / لَدى الخلق إلّا وهو عنّيَ سائلُ
أضاف إلى ما ليس لِي ويعدّني / من القوم خوّارُ الأنابيبِ خاملُ
ويحسب أنّي كالّذين يراهمُ / من النّاسِ مسلوبُ البصيرةِ غافلٌ
وَلم أخْفَ إلّا عن عَمٍ ولطالما / تغطّى عن العَشْوِ الصّباحُ المقابلُ
فإمّا يقول السِّنْخُ والأصلُ واحدٌ / فقد ولدتْ كلَّ الرّجالِ الحواملُ
وجدتُ ولم أطلبْ عدوّاً مكاشفاً / وَما فاتني إلّا الصّديقُ المجاملُ
إلى كم أغضُّ اللّحْظَ منّي على قذىً / وتكدرِ لِي دون الأنامِ المناهلُ
وأُصبِحُ مغبوناً بكلّ مُفَهَّهٍ / له منزلٌ بين الخليقةِ سافلُ
إذا قال صدّتْ أعينٌ ومسامعٌ / ولم يك فيما قاله الدّهرَ طائلُ
وإنْ شهد النّجوى فلم يرض قومه / بنجوى ولا أثنَتْ عليه المحافلُ
يخاتلني والخَتْلُ من غير شيمتي / وما فضح التّجريبَ إلا المخاتلُ
ويزعم أنّي كاذباً مستوٍ به / وأنّى اِستَوتْ بالرّاحتين الأناملُ
فمن مبلغٌ عنّي ابنَ عوفٍ رسالةً / كما شاءت الأشواقُ منّي الدّواخلُ
بعدنا جسوماً والقلوبُ قريبةٌ / فلا العهدُ منسيٌّ ولا الودّ حائلُ
وكم ذا لنا والهجرُ ملتبسٌ بنا / نلاقي ضميراً والهوى متواصلُ
فإنْ سكتتْ منّا شفاهٌ على قذىً / فمن دونها منّا قلوبٌ قواتلُ
وكم لأُناسٍ بيننا من جوارحٍ / يُرَيْن تَروكاتٍ وهنّ فواعلُ
وإنّ ثمار الزّرع يُجنى إذا مضى / على الزّرع أزمانٌ وزالتْ حوائلُ
تسلّ فأيّامُ الفراقِ كثيرةٌ / لمُحْصٍ وأيّامُ التّلاقي قلائلُ
وقد أسلفتنا الحادثاتُ ليالياً / ذهبن فأين الآتياتُ القوابلُ
فلستُ بناسٍ ما حييتُ اِجتماعنا / وقد نتجتْ فينا السّنون الحوائلُ
تمرّ بنا الأيّامُ وهْيَ قصائرٌ / وتمضي لنا الأوقاتُ وهْيَ أصائِلُ
وإنّي لأرجو أن تعود وإنْ مضى / على فقدها ذاك المدى المتطاولُ
أَلا لا أرى حقَّاً فأسلك قصدَه / فَقد طالما اِلتفّتْ عليَّ الأباطِلُ
فإنّ الرّياحَ الضّاحكات عوابسٌ / وإنَّ الغصونَ الممرعات ذوابلُ
وسقَّى الدّيارَ الماحلات سحابةٌ / لها أزجُلٌ لا تنقضِي وصلاصِلُ
فإنّك من قومٍ إذا حملوا القنا / جرتْ علقاً من الكماةِ العواملُ
يخوضون أظلامَ الوغى وأكفُّهمْ / تضمّ على ما أخلصته الصّياقلُ
وتُعْرَفُ مِن آبائهم وجدودهمْ / سِماتٌ على أخلاقهمْ وشمائلُ
إِلى الحزمِ لم يُثْنَوْا على الرّأي والهوى / ولا شغلتهمْ عن عظيمٍ شواغلُ
ولا رفلتْ فيهمْ وقد سلب النّدى / نفائسَهمْ تلك الهمومُ الرّوافلُ
ولا خفقتْ في يومِ روعٍ قلوبُهمْ / وَلا اِرتَعدتْ خوفَ الحِمامِ الخصائلُ
كأنّي بهمْ مثلَ الذّئابِ مغيرةً / وقد ضَحِيَتْ عنهنّ تلك القساطلُ
ومن فوقهنّ القومُ ما شهدوا الظُّبا / لَدَى الرَّوْعِ إلّا والنّساءُ ثواكلُ
وَلستَ ترى إلّا رجالاً كأنّهمْ / مناصِلُ في الأيمانِ منها مناصلُ
تُبلَّغُ أوطارٌ لنا ومآربٌ / وتُدرَك ثاراتٌ لنا وطوائلُ
أيا شجراتِ الوادِيَيْن لعلّني
أيا شجراتِ الوادِيَيْن لعلّني / أعوجُ بما تُظْلِلْنَهُ فأَقيلُ
وفيكُنَّ لي ما تشتهي النّفسُ من مُنىً / وليس إلى ما تشتهيه سبيلُ
ولو أنّني منكنّ زُوّدتُ ساعةً / تَرَوَّحَ في أظلالكنّ عليلُ
وَما أَبتغي إلّا القليلَ وكم شفى / كثيرَ سَقامٍ في الرّجال قليلُ
يا جامع المال كُلْهُ قبل آكلهِ
يا جامع المال كُلْهُ قبل آكلهِ / فإنّما المالُ في الدّنيا لمن أكلا
أنتَ المجارى إِلى ما بتّ تجمعه / فاِسبقْ إليه صروفَ الدَّهرِ والأجلا
إنْ تُبقِ مالَكَ حيناً لم تُبَقَّ له / إمّا بطلتَ فَناءً عنه أو بطلا
أمَّا الكريمُ فيمضِي مالُهُ معه / ويترك المالَ للأعداء مَن بَخِلا
قالوا الحبيبةُ تَيّمَتْ
قالوا الحبيبةُ تَيّمَتْ / كَ وواصلتك فقلتُ أهلا
من بعد ما حُمّلتُ من / وجدٍ بها يا قومُ ثِقلا
ثِقلاً تحمّله الهوى / عن مَنكِبيَّ فعاد سَهلا
بتنا كما كره الحسو / دُ ننال ما نهواه حِلّا
في ليلةٍ ما قلتُ جا / ء سوادُها حتّى تولّى
لَفّتْ بشملي شملَها / يا حبّذا لَفّاً وشَمْلا
وَثَنَتْ عليَّ مُقَبّعاً / بقبائع العِقْيانِ طَفْلا
ومملّأً صِبْغَ الشّبي / بةِ مُسْبَكرَّ النَّبْتِ جَثْلا
واهاً لظبيٍ صدتُهُ / طوعاً ولم أقنصه خَتْلا
لم يعطني قبل الرّضا / حتَّى تسلّفَهنَّ قبْلا
ولقد أقول تبلّداً / فيمن تملّكني وخَبْلا
باللَّه قلْ ولك المُنى / أيُّ المحاسنِ منك أحلى
يا مَنْ أراه حالياً / في ناظريَّ وما تحلّى
حوشيتُ فيك من السلو / وِ وأنْ أرى أَسلو وأسلَى