المجموع : 19
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ / فَلَستُ بِمُرتاعٍ لِهَجرٍ وَلا وَصلِ
وَما ذاكَ مِن بُغضٍ لَكُنَّ وَلا قِلىً / وَلَكِنَّ قَلبي عَن هَواكُنَّ في شُغلِ
أَبَت لِي وِصالَ البِيضِ هِمّاتُ ماجِدٍ / بَعيدِ الحَمايا غَيرِ نِكسٍ وَلا وَغلِ
غَيُورٍ عَلى العَلياءِ أَن يَبتَني بِها / رَزايا أُناسٌ ما تُمِرُّ وَلا تُحلي
سَواسِيَةٍ لا في مَعَدٍّ مِن الذُرى / وَلا في بَني قَحطانَ في الكاهِلِ العَبلِ
مَضَت حِقبُ الدُنيا وَما في بُيُوتِهِم / لِعِزِّ المَعالي مِن سَليلٍ وَلا بَعلِ
أَضاعُوا حِماها فَاِستُبيحَ وَأَيقَظُوا / عَلَيها البلا مِن كَلِّ حافٍ وَذي نَعلِ
وَباعُوا بِرُخصٍ باعِثَ العدلِ فيهِمُ / فَراحُوا وَكُلٌّ مِنهُمُ في يَدَي عَدلِ
وَأَضحَوا كَفَقعٍ أَو أَداحِيِّ قَفرَةٍ / تُقَلَّبُ بِالمِنساةِ وَاليَدِ وَالرِجلِ
تَسُومُهُمُ سُوءَ العَذابِ بِغلظَةٍ / عِداهُم وَيُسقونَ المَهانَةَ بِالرَطلِ
فَذُو المَالِ مِنهُم لا يَزالُ لِأَجلِهِ / يَروحُ أَخا وَيلٍ وَيَغدُو أَخا ثُكلِ
وَذُو الفَقرِ في هَمَّينِ هَمّ مَعيشَةٍ / وَهَمِّ عَدُوٍّ فَهوَ يَمشي بِلا عَقلِ
فَأَروحُهُم مَن راحَ فيهم وَرَأسُهُ / كَرَأسِ عَلاةِ القَينِ وَكَفِّهِ الطَبلِ
فَذُو الحَزمِ مَن أَعطى بِباعٍ قَصيرَةٍ / وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ إِلى نَذلِ
وَذُو العَزمِ مَن أَمسى وَأَصبَحَ عائِذاً / بِجِلفٍ مِنَ الأَعرابِ أَو عاهِرٍ طِملِ
وَإِمّا اِنتَدى بَعضَ البَوادي وَبَعضُهُم / سَواءٌ بِضاحي البَرِّ أَو باحَةِ الرَحلِ
فَأَقوَلُهُ قَد كانَ جَدّي وَوالِدي / وَجَدُّ أَبي خُدّامَ رَهطِكَ مِن قَبلي
فَإِن يَتَلقّى بِالقَبُولِ مَقالَهُ / فَيا لَكَ مِن فَخرٍ وَيا لَكَ مِن فَضلِ
وَإِن قالَ كلّا ما عَلِمتُ فَيا لَها / خُوَيخِيَّةٌ تُدعى مُضَيَّقَةَ السُبلِ
وَإِن جاءَ يَوماً نازِلاً لِهَوانِهِ / تَلَقّاهُ مِنهُ بِالإِقامَةِ وَالنُزلِ
كَأَنَّ عَلَيهِ إِذ يَحُلُّ نَقيعَةَ ال / قُدُومِ وَلَيسُوا لِلسَماحَةِ بِالأَهلِ
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ هَل أَرى / لَكُم يَومَ بَأسٍ يَصدِمُ الجَهلَ بِالجَهلِ
إِلى مَ تُقاسُونَ الهَوانَ أَذِلَّةً / وَأَنتُم إِذا كُوثِرتُمُ عَدَدُ النَملِ
يَسُوقُكُم كَرهاً إِلى ما يَسُوءُكُم / عَبيدُكُمُ سَوقَ الأُحَيمِرَةِ الهُزلِ
وَكَم تَتَرَدُّونَ الخُمولَ ضَراعَةً / وَلُؤماً وَتَشرونَ الغَباوَةَ بِالنُبلِ
يَوَدُّ الفَتى مِنكُم إِذا عَنَّ أَو بَدا / لَهُ مِن بَني القِيناتِ أَسوَدُ كَالحَجلِ
بِأَنَّ حَضيضَ الأَرضِ أَضحى بِقَعرِهِ / لَهُ نَفَقٌ مِمّا اِعتَراهُ مِنَ الخبلِ
فَذُو القَدرِ مِنكُم وَالجَلالَةِ يَحتوي / صفاياهُ مِنهُم بالمَطاميرِ وَالحَبلِ
وَسائِرُكُم بِالبُهم يَرعى مُحَلِّقاً / بِأَثوابِهِ رُعباً مِنَ الجَدِّ وَالهَزلِ
عَزيزُكُمُ يَرضى مِنَ الدُرِّ بِالحَصى / وَيَقنَعُ لَو يُعطى مِنَ الدَرِّ بِالمَصلِ
فَقُبحاً لَكُم ماذا تَعُدُّونَ في غَدٍ / إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يا أَخلَفَ النَسلِ
فَإِن كانَ خَوفُ القَتلِ وَالأَسرِ داءَكُم / فَشَأنُكُم أَدهى مِنَ الأَسرِ وَالقَتلِ
فَعَزماً فَموتُ العِزِّ عِندَ ذَوي النُهى / حَياةٌ وَعَيشُ الذُلِّ مَوتٌ بِلا غُسلِ
فَقَد يُنكِرُ الضَيمَ الكَريمُ بِسَيفِهِ / إِنِ اِسطاعَ أَو بِالشَدقَمِيَّةِ وَالرَحلِ
كَما فَعَلَ العَبسِيُّ قَيسٌ وَإِنَّما / أَخُو الهِمَّةِ العَليا أَخُو الحَسَبِ الجَزلِ
أَشاعَ لِعَبسٍ بِالسَلامِ وَأرقَلَت / بِهِ العِيسُ مِن نَجدٍ إِلى كَنَفي وَبلِ
وَحَلَّ عَلى الأَتلادِ غَيرَ مُجاوِرٍ / وَلَكِنَّ عِضّاً لا يَنامُ عَلى تَبلِ
وَلا خَيرَ عِندي في حَياةٍ كَأَنَّها / حَياةُ دَعاميصِ الفَراشَةِ في الضَحلِ
وَذي إِربَةٍ أَهدى لِيَ اللَومَ ناصِحاً / وَذُو اللُبِّ أَحياناً يُريعُ إِلى العَذلِ
يَقُولُ بِتَأنيبٍ أَأُنسيتَ ما جَرى / عَلَيكَ مِنَ الأَغلالِ والسِجنِ وَالكَبلِ
وَإِحرازِ ما أُوتيتَهُ وَاِكتَسَبتَهُ / عَلى غَيرِ ذَنبٍ مِن فِراخٍ وَمِن نَخلِ
وَتفريقَهُ في كُلِّ شاوٍ وَخارِبٍ / وَذاتِ هَنٍ كَالماءِ في رَدعِ الوَحلِ
وَسَلبِ الحِسانِ المُكرَماتِ تَهاوُناً / بِهنَّ وَدَمعُ الأَعيُنِ النُجلِ كَالوَبلِ
وَما كانَ مِن إِخراجِهِنَّ صَوارِخاً / مِنَ الضَيمِ مِن بَعدِ القِصارَةِ وَالشّكلِ
وَسُكنى البَوادي دارَهُنَّ وَإِنَّها / لَدَارُ اِمرِئٍ لا بِالحصورِ وَلا الخَطلِ
أَمِثلُكَ يَرضى دارَ ذُلٍّ إِذا مَأى / بها نَأمُ الضَيّونِ طارَ أَبُو الشِبلِ
أَما كانَ في أَرضِ العِراقِ مَراغِمٌ / تَرُوقكَ عَن دارِ الزَلازلِ وَالأَزلِ
فَقُلتُ لَهُ أَربِع عَلَيَّ وَفي الحَشا / لَوافِحُ أَحقادٍ مَراجِلُها تَغلي
وَجَدِّكَ لَم تَعذِل مَلُوماً وَلَم تَهج / جَثُوماً وَلَم تُوقِظ نؤُوماً عَلى تَبلِ
لِأَمرٍ تَخَطَّيتُ الخَطايا وَلَم أَزل / بِمَطوِ المَطايا أُتبِعُ الجَهلَ بِالجَهلِ
وَما أَعجَبَتني دارُ ذُلٍّ وَإِن غَدَت / مَنازِلَ قَومي وَالأَكارِمِ مِن أَهلي
وَلَكِنَّني حاوَلتُ ما إِن أَتَمَّهُ / لِيَ اللَهُ لَم أَجفَل بِمَحلٍ وَلا مَغلِ
وَقُلتُ عَسى يَوماً كَيَومٍ شَهِدتُهُ / قَديماً لِكَيما يلحَقَ الشُومُ بِالثُكلِ
أَكُونُ بِهِ قُطبَ الرَحى وَمُديرَها / بِعَزمٍ عَلى أَهلِ الضَلالَةِ وَالجَهلِ
فأَلفَيتُ قَوماً إِن طَلَبتَ اِنبِعاثَهُم / لِيَومِ سِبابٍ فَاِدعُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ
وإِن رُمتَ فيهم دَفعَ ضَيمٍ وَنُصرَةٍ / بِهِم رُمتَ أَو شالاً مِنَ اِصطُمَّةِ الرَملِ
يُرَجّونَ عَبداً خائِباً قَعَدَت بِهِ / عَلى الخِزيِ أُمّاتٌ وَقَفنَ عَلى الغُسلِ
شَريساً أَعارَتهُ اللَيالي جَهالَةً / جَلالاً وَمالاً وَهيَ مَعتُوهَةُ العَقلِ
قِراعٌ وَلَكِنَّ الكَوَادنَ لَم تَكُن / لِتَجري مَعَ الخَيلِ العرابِ عَلى الحَبلِ
فَما وَلَدَتني حاضِنٌ حَنَفِيَّةٌ / عبيدِيَّةٌ تَسمُو إِلى الحسَبِ الجَزلِ
وَلا عُرِفَت في المَروَتَينِ أُبُوَّتي / وَلا كُنتُ أهدى السابِقينَ إِلى الفَضلِ
وَلا نَزَلَ الأَضيافُ يَوماً بِعقوَتي / وَلا ثَبَتَت في ماقِطٍ حَرجٍ رِجلي
لَئِن أَنا لَم أَغشَ اللِئامَ بِوَقعَةٍ / يَشيبُ لَها مِن هَولِها مَفرِقُ الطِفلِ
وَيَومٍ يَظَلُّ العَثرُ فيهِ نَبائِلاً / مُغَربَلَةً فَوقَ الشَناوِيرِ وَالزَبلِ
لِيَعلَمَ أَهلُ الغَدرِ أَنَّ عَداوَتي / لَأَمقَرُ مِن صابٍ وَأَقطَعُ مِن نَصلِ
وَإِنّي لَكالنَشرِ الَّذي تَستَلِذُّهُ / وَأَهنى لَها لَو قدِّرَت مَرتَعَ الأزلِ
وَهَل يَكشِفُ الغَمّاءَ عَن ذي ضَرورَةٍ / وَيَجلو ظَلامَ الخَطبِ إِلّا فَتىً مِثلي
كَذَلِكَ كانَت مُنذُ كانَت أُبُوَّتي / ذَوو الهامَةِ الخَشناءِ وَالجانِبِ السَهلِ
إِذا السَيِّدُ الجَبّارُ أَبدى تَعامياً / وَصَعَّرَ خَدّاً وَاِستَباحَ حِمى المَطلِ
أَضاءَت لَهُ أَسيافُنا فَهَدَينَهُ / وَقَوَّمنَهُ فَاِستَبدَلَ الحِلمَ بِالجَهلِ
فَسائِل مَعَداً هَل لَها مِن مُعَوِّلٍ / سِوانا إِذا البَزلاءُ قامَت عَلى رِجلِ
وَهَل قادَنا بِالجَهضَمِيَّةِ سَيِّدٌ / وَإِن كانَ فينا واسِعَ البَأسِ وَالفَضلِ
أَلَم نَترُكِ الضحيانَ يَكبُو وَبَعدَهُ / كُلَيباً أَذَقنا عِرسَهُ مَضَضَ الثَكلِ
وَأَردى أَخانا اليَشكُريَّ وَفَرخَهُ / فَوارِسُ مِنّا غَيرُ ميلٍ وَلا عُزلِ
سَواءٌ عَلَينا قَومُنا إِذ تُضِيمُنا / وَأَعَداؤُنا وَالفَرعُ يُنمي إِلى الأَصلِ
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه / يُريعُ إِلى البُقيا وَتُطوى حَبائِلُه
وَقُلتُ كَفاهُ ما لَقيتُ وَنالَني / بِهِ الدَهرُ مِمّا كانَ قِدماً يُحاوِلُه
فَأَغمَضتُ جَفناً وَالقَذى مِلءُ ناظِري / وَأَبدَيتُ سلماً لَيسَ تخشى دَغائِلُه
وَأَطفأتُ نارَ الجَهلِ بِالحِلمِ بَعدَما / غَلى المِرجَلُ الأَحوى وَذيقَت تَوابِلُه
وَوَطَّنتُ نَفسي لِلمُداراةِ ما رَأى / رَأيتُ وَمَهما قالَهُ أَنا قائِلُه
فَما زادَ ذُو الأَضغانِ إِلّا تَمادِياً / وَلا بَشَّرَت إِلّا بِشرٍّ مَخائِلُه
كَذَلِكَ أَحوَالُ الحَسُودِ وَخِبُّهُ / وَما تَقتَضي أَخلاقُهُ وَشمائِلُه
فَلا تَرجُ يَوماً في حَسُودٍ مَوَدَّةً / وَإِن كُنتَ تُبدي وُدَّهُ وَتُجامِلُه
وَلا تَبغِ بالإِحسانِ إِرضاءَ كاشِحٍ / فَلَيسَ بِمغنٍ في دَمالٍ تَدامُلُه
فَقُل لِخَليعٍ هَمُّهُ ما يَسُوءُني / رُوَيدَكَ فاتَ الزُجَّ في الرُمحِ عامِلُه
وَلا تَحسَبَنّي ضِقتُ يَوماً بِما جَرى / ذِراعاً فَما ضاقَت بِحُرٍّ مَراكِلُه
فَقَد يُدرِكُ البَدرَ الخُسوفُ وَتَنجَلي / غَياهِبُهُ عَن نُورُهِ وَغَياطِلُه
وَقَد يَجزِرُ الرَجّافُ طَوراً وتارَةً / يُسَيِّرُ ذاتَ الجُلِّ بِالمَدِّ ساحِلُه
فَإِن سَاءَني القَومُ الكِرامُ وَضَيَّعُوا / حُقوقي وَهَديُ المَجدِ فيهِم وَكاهِلُه
فَقَبلي أَخُو شَنّ بنِ أَفصى أَضاعَهُ / بَنُو عَمِّهِ دَونَ الوَرى وَفَضائلُه
وَلا بُدَّ هَذا الدَهرُ يَرجِعُ صَحوُهُ / وَيَنجابُ عَنهُ غَيُّهُ وَيُزايِلُه
وَقَد يُشرِقُ الرّيقُ الفَتى وَهوَ غَوثُهُ / وَيَجرَحُهُ ماضي الشَبا وَهوَ فاصِلُه
فَيَنطِقُ عَن صِدقٍ وَيَسمَعُ واعِياً / وَيَفهَمُ عَن عَقلٍ فَيَزهَقُ باطِلُه
فَيَذهَبُ قَومٌ كَاليَعاليلِ لا يُرى / لَها أَثَرٌ وَالماءُ تغطي جَداوِلُه
فَجَدعاً وَعَقراً لِلزَمانِ إِذا اِستَوى / مُطَهَّمُهُ في عَينِهِ وَطَهامِلُه
وَقُبحاً لِدَهرٍ أَصبَحَ العَلُّ فيلُهُ / وَأَضحَت بُزاةُ الطَيرِ فيهِ عُلاعِلُه
فَلا يَفرَحِ الخَلفُ الهِدانُ بِنَكبَتي / فَما نالَني مِن صَرفِها فهوَ نائِلُه
عَلى أَنّني لا مُستَكيناً لِحادِثٍ / وَسيّانِ عِندي نِيلُهُ وَصَلاصِلُه
وَقائِلَةٍ وَالعِيسُ تُحدَجُ لِلنَوى / وَدَمعُ الجَوى قَد جالَ في الخَدِّ جائِلُه
عَلَيكَ بِصَبرٍ وَاِحتِسابٍ فإِنَّما / يَفُوتُ الثَنا مَن راحَ وَالصَبرُ خاذِلُه
وَلا تَرمِ بِالأَهوالِ نَفساً عَزيزَةً / فَذا الدَهرُ قَد أَودى وَقامَت زَلازِلُه
فَكَم كُربَةٍ في غُربَةٍ وَمَنِيَّةٍ / بِأُمنِيَّةٍ وَالرِزقُ ذُو العَرشِ كافِلُه
فَقُلت لَها وَالعَينُ سَكرى بِزَفرَةٍ / أُرَدِّدُها وَالصَدرُ جَمٌّ بَلابِلُه
أَبالمَوتِ مِثلي تُرهِبينَ وَبِالنَوى / وَعاجِلُهُ عِندي سَواءٌ وَآجِلُه
وَلَلمَوتُ أَحيا مِن حَياةٍ بِبَلدَةٍ / يُري الحُرَّ فيها الغَبنَ مَن لا يُشاكِلُه
وَما غُربَةٌ عِن دارِ ذُلٍّ بِغُربَةٍ / لَوَ اِنّ الفَتى أَكدى وَغَثَّت مَآكِلُه
وَرُبَّ غَريبٍ ناعِمٍ وَاِبنِ بَلدَةٍ / تُبَكِّيهِ قَبلَ المَوتِ فيها ثَواكِلُه
وَإِنّ مُقامي يا اِبنَةَ القَومِ لِلقَلى / وَلِلضَيمِ لَلعَجز الَّذي لا أُزامِلُه
فَلا تُنكري خَوضي الطَوامي وَجَوبِيَ ال / مَوامي إِذا الآلُ اِسجَهَرَّت طَياسِلُه
فَمِن كَرَمِ الحُرِّ اِرتِحالٌ عَن الفِنا / إِذا قُدِّمَت أَوباشُهُ وَرَعابِلُه
وَلا بُدَّ لي مِن وَقفَةٍ قَبلَ رِحلَةٍ / أُذيل بِها دَمعي فَيَنهَلُّ وابِلُه
عَلى جَدَثٍ أَضحى بِهِ المَجدُ ثاوياً / بِحَيثُ يَرى شَطَّ العَذارِ مُقابِلُه
لِأَسأَلَ ذاكَ القَبرَ هَل غَيَّرَ البِلى / مَحاسِنَ مَجدٍ غَيّبَتها جَنادِلُه
وَهَل هَمَّت المَوتى بِإشعاءِ غارَةٍ / يُثارُ بِها مِن كُلِّ جَوٍّ قَساطِلُه
فَقَد نامَتِ الأَحيا عَنِ الغَزوِ فَاِستَوى / بِكُلِّ سَبيلٍ أُسدُهُ وَخَياطِلُه
فَيا عَجَباً مِن مُلحِدٍ ضَمَّ فَيلَقاً / وَبَحراً وَطَوداً يركَبُ المُزنَ عاقِلُه
مَضى طاهِرَ الأَخلاقِ وَالخِيمِ لَم يَمِل / إِلى سَفَهٍ يَوماً وَلا خابَ آمِلُه
فَيا لَكَ مِن مَجدٍ تَداعَت فُرُوعُهُ / وَمالَ ذُراهُ وَاِنقَعَرَّت أَسافِلُه
لِيَبكِ العُلى وَالمَجدُ وَالبَأسُ وَالنَدى / لَقَد صَلَّ واديها وَجَفَّت مَسايِلُه
وَتَندبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا / لِما أَنهَلَتها كفُّهُ وَأَنامِلُه
لَعَمري لَئِن كانَ الأَميرُ مُحمَّدٌ / قَضى وَأُصيبَت يَومَ نَحسٍ مَقاتِلُه
لَقَد مُنيَت مِنهُ الأَعادي بِثائِرٍ / هُمامٍ أَبى أَن يَحمِلَ الضَيمَ كاهِلُه
أَيا فَضلُ لا زالت لِنُعماكَ تَلتَقي / بِمَغناكَ ساداتُ المَلا وَعَباهِلُه
مَنحتُكَ وُدّاً كُنتُ قَبلُ مَنحتُهُ / أَباكَ وَمُزني لَم تَقَشَّع هَواطِلُه
وَلاقَيتُ مِن جَرّائِكُم ما عَلِمتَهُ / وَهَل أَحَدٌ مِن سائِرِ الناسِ جاهِلُه
وَكَم مُبغِضٍ لِي في هَواكُم وَشانئٍ / عَلَيَّ بِنارِ الحِقدِ تَغلي مَراجِلُه
فَلا تَحمِلنّي وَالمَناديحُ جَمَّةٌ / عَلى مَوردٍ يَستَعذِبُ المَوتَ ناهِلُه
أَرَيتُكَ إِن أَخَّرتَني وَجَفَوتَني / وَذا الدَهرُ قَد أَربى وَبانَ تَحامُلُه
وَجازَت قُرى البَحرَينِ عِيسي وَأَصبَحَت / عُمانِيَّةً وَاِستَبهلَتها سَواحِلُه
وَأًصبَحَ في الحَيِّ اليَمانيّ رَحلُها / وَحَفَّت بِهِ أَقيالُهُ وَمَقاوِلُه
أَوِ اِستَقبَلَت أَرضَ الحِجازِ فَيَمَّمَت / بَني حَسَنٍ وَالفَضلُ بادٍ شَواكِلُه
أَوِ اِنتَجَعَت آلَ المُهَنّا فَفيهمُ / حِمىً آمِنٌ لا يَرهَبُ الدَهرَ نازِلُه
أَوِ اِعتامَتِ القَومَ الَّذينَ أَحَلَّهُم / ذُرى كُلِّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
فَقُل لي عِمادَ الدِينِ ماذا أَقُولُهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
إِذا قيلَ لِي مِن أَينَ أَقبَلتَ وَاِرتَمَت / بِكَ العِيسُ أَو مَن كُنتَ قِدماً تُواصِلُه
وَمَن رَهطكَ الأَدنى الَّذي لَكَ فَخرُهُ / وَنابِهُ قَدرٍ لا يُساوِيهِ خامِلُه
هُناكَ يَكُونُ الصِدقُ نَقصاً عَلَيكُمُ / وَلا يَتَحرّى الكِذبَ إِلّا أَراذِلُه
وَمَنصِبُكَ السامي إِلى الفَخرِ مَنصِبي / وَرَبعُكَ رَبعي وَالعُلى أَنتَ آيِلُه
فَجُد بِالَّذي تَحوي يَداكَ عَلى الوَرى / وَضِنَّ عَلَيهم بِالَّذي أَنا قائِلُه
فَما المِسكُ إِلّا مِن عَقابيلِ نَشرِهِ / وَلا الجَوهَرُ المَكنونُ إِلّا خَصائِلُه
وَرَأيُكَ أَعلى وَالرِضا ما رَضيتَهُ / وَكُلُّ اِمرئٍ غُولُ المَنِيَّةِ غائِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه / وَخَصمٌ عَلى طُولِ اللَيالي أُزاوِلُه
وَطاوٍ عَلى بَغضايَ تَصرُفُ نابُهُ / عَلَيَّ وَبِالشَحناءِ تَغلي مَراجِلُه
كَأَنَّ أَباهُ كانَ قاتِلَهُ أَبي / وَها أَنا إِن أَوفى بيَ العُمرُ قاتِلُه
دَعُوني وَأَرضَ اللَهِ فَهيَ عَريضَةٌ / فإِن يَفلُلِ العَزمُ الَّذي أَنا حامِلُه
سَتَشهَدُ لي بِالسَيرِ في كُلِّ مَهمَهٍ / أَواخِرُ لَيلي إِن أَعِش وَأَوائِلُه
سَئِمتُ مُداراةَ اللَيالي وَغَرَّني / صَديقٌ أُصافيهِ وَخِلٌّ أُواصِلُه
وَضِقتُ ذِراعاً باِبنِ عَمٍّ مُحَبَّبٍ / إِلَيَّ وَإِن لَم تَسقِ أَرضي مَخاثِلُه
فَكَم لَيلَةٍ عَلَّلتُ نَفسي بِذِكرِهِ / وَسَكَّنتُ قَلبي فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه
فَلَمّا اِلتَقَينا كانَ حَظّي جَفاؤُهُ / وَكانَ لِغَيري بِرُّهُ وَنَوافِلُه
وَلَم أَسَتشِر قَلبي عَلى بَتِّ حَبلِهِ / مِنَ اليَأسِ إِلّا كادَ لُبّي يُزايِلُه
حُنُوّاً عَلَيهِ وَاِنتِظاراً لَعَلَّهُ / يُريعَ فَتُعصى في اِصطِناعي عَواذِلُه
وَإِنّي مَعَ الغَبنِ الَّذي يَرمضُ الحَشا / لأَحمي وَأَرمي دُونَهُ مَن يُناضِلُه
وَأُظهِرُ للأَقوامِ أَنّي بِقُربِهِ / مَليكٌ يُرَجّى رِفدُهُ وَفَواضِلُه
وَإِن ذَكَروهُ في النَدى قُلتُ ماجِدٌ / وَهوبٌ لِجُلِّ المالِ حُلوٌ شَمائِلُه
وَعَنَّفَني في قَصدِهِ وَاِصطِفائِهِ / رِجالٌ وَفي النَظمِ الَّذي أَنا قائِلُه
وَقالوا أَلَيسَ الماءُ يَعرِفُ طَعمَهُ / بِأَوَّلَ سِجلٍ مُرتَويهِ وَناهِلُه
وَأَنتَ فَقَد جَرَّبتَ كُلَّ مُجَرَّبٍ / وَطاوَلتَ ما لا كانَ خَلقٌ يُطاوِلُه
وَقُلتَ فَأَحسَنتَ المَقالَ وَلَم تَدَع / لِمُبتَدِعِ الأَشعارِ مَعنىً يُحاوِلُه
وَقُمتَ مَقاماً لَو يُقامُ لِغَيرِهِ / لَقالَ اِرتياحاً أَحسُن البِرِّ عاجِلُه
فَدَع عَنكَ مَولىً لا يُفيدُكَ قُربُهُ / وَذُمَّ اِبنَ عَمٍّ لا يَعُمُّكَ نائِلُه
وَهَل يَنفَعُ النَجدِيّ غَيمٌ لِأَرضِهِ / صَواعِقُهُ العُظمى وَلِلغَورِ وابِلُه
فَقُلتُ رُوَيداً إِنَّهُ اِبنُ مُحمَّدٍ / وَإِن ساءَني إِعراضُهُ وَتَغافُلُه
وَإِنّي لَأَرجُو وَليَةً مِن غَمامِهِ / بِها يَمرَعُ الوَادي وَيَخضَرُّ باقِلُه
أَقولُ لِرَهطٍ مِن سُراةِ بَني أَبي / وَدَمعُ المَآقي قَد تَداعَت حَوافِلُه
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُغضي عَلى القَذى / وَنُكثِرُ لَيّانَ العُلى وَنُماطِلُه
هَلِ الشَرُّ إِلّا ما تَرونَ وَرُبَّما / تَعَدّى فَأَنسى عاجِلَ الشَرِّ آجِلُه
وَهَل يَحمِلُ العَزمَ الثَقيلَ أَخُو العُلى / وَيَضعُف عَن حَملِ الظُلامَةِ كاهِلُه
وَما بَعدَ سَلبِ المالِ وَالعِزِّ فَاِعلَمُوا / مُقامٌ وَزادُ المَرءِ لا بُدَّ آكِلُه
وَلا بَعدَ تَحكيمِ العِدى في نُفوسِنا / وَأَموالِنا شَيءٌ مِنَ الخَيرِ نَأمُلُه
أَطاعَت بِنا إِخوانُنا كُلَّ كاشِحٍ / خَبيثِ الطَوايا يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه
وَجازَ عَلَيهِم قَولُ مَن قالَ إِنَّنا / عَدُوٌّ مَعَ الإِمكانِ تُخشى غَوائِلُه
فَأَينَ عُقولُ القَومِ إِذ يَقبَلونَهُ / فَما يَستوي مَنقوصُ عَقلٍ وَكامِلُه
أَنَحنُ بَنَينا العِزَّ أَم كانَ غَيرُنا / بَناهُ وَشَرُّ الناسِ مَن خابَ عامِلُه
وَهَل كانَ عَبدُ اللَهِ والِدَ مَعشَرٍ / سِوانا فَيُستَصفى وَتَمشي وَسائِلُه
فَأُقسِمُ ما هَذا لِخَيرٍ وَإِنَّهُ / لَأَوَّلُ ما الأَمرُ المُقَدَّرُ فاعِلُه
وَمَن يَستَمِع في قَومِهِ قَولَ كاشِحٍ / أُصيبَت كَما شاءَ المُعادي مَقاتِلُه
وَما كُلُّ مَن يُبدي المَوَدَّةَ ناصِحٌ / كَما لَيسَ كُلُّ البَرقِ يَصدُقُ خائِلُه
وَقَد يُظهِرُ المَقهُورُ أَقصى مَوَدَّةٍ / وَأَوهاقُهُ مَبثُوثَةٌ وَمَناجِلُه
وَمَن لَم يُقابِل بِالجَلالَةِ قَومَهُ / أَتاهُ مِنَ الأَعداءِ ما لا يُقابِلُه
وَمَن لَم يُبِح زُرقَ الأَسِنَّةِ لَحمَهُ / أُبيحَ حِماهُ وَاِستُرِقَّت حَلائِلُه
وَمَن لَم يُدَبِّر أَمرَهُ ذُو بَصيرَةٍ / شَفيقٌ بَكَتهُ عَن قَريبٍ ثَواكِلُه
وَكَم مِن هُمامٍ ضَيَّعَ الحَزمَ فَاِلتَقَت / عَلَيهِ عِداهُ بِالرَدى وَدخائِلُه
وَما المَرءُ إِلّا عَقلُهُ وَلِسانُهُ / إِذا قالَ لا أَبرادُهُ وَغَلائِلُه
فَقُومُوا بِعَزمٍ وَاِجعَلُوني مُقَدَّماً / فَأَيُّ حُسامٍ لَم تُرَصَّع حَمائِلُه
وَسِيرُوا عَلى طَيرِ الفَلاحِ فَقَد أَرى / رَسُولَ الجَلا وافى وَقامَت دَلائِلُه
فَإِنّي كَفيلٌ بِالخَرابِ لِبَلدَةٍ / يُراعى بِها مِن كُلِّ حَيٍّ أَراذِلُه
وَمِن ضَعفِ رَأي المَرءِ إِكرامُ ناهِقٍ / وَقَد ماتَ هزلاً في الأَواخِيِّ صاهِلُه
وَمَن ضَيَّعَ السَيفَ اِتِّكالاً عَلى العَصى / شَكى وَقعَ حَدِّ السَيفِ مِمّن يُنازِلُه
وَلَيسَ يَزينُ الرُمحَ إِلّا سِنانُهُ / كَما لا يَزينُ الكَفَّ إِلّا أَنامِلُه
فَإِن تَرفُضوا نُصحي فَما أَنا فيكُمُ / بِأَوَّلِ مَيمُونٍ عَصَتهُ قَبائِلُه
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمي وَإِن أَبَت / لَأَظفَرَ مِنها بِالَّذي أَنا آمِلُه
فَإِنَّ بِقُربي مِن رِجالي مُتَوَّجاً / تُواصِلُ أَسبابَ العُلى مَن يُواصِلُه
مَنيعُ الحِمى لا يُذعِرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا يَمنَعُ الأَعداءُ شَيئاً يُحاوِلُه
إِلَيكَ عِمادَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / تَناهى فَما يُؤتى بِعقدٍ يُشاكِلُه
فَقَد كُنتُ قَد عِفتُ القَريضَ زَهادَةً / بِمُستامِهِ إِذ يُرخِصُ الدُرَّ جاهِلُه
وَأَكبَرتُ نَفسي عَن مَديحي مُذَمَّماً / بِكُلِّ قَبيحٍ بَشَّرتنا قَوابِلُه
وَلَولاكَ لَم أَنبِس بِبَيتٍ وَلَو طَمى / مِنَ الشِعرِ بَحرٌ يَردفُ المَوجَ ساحِلُه
وَلَكِنَّ لي فيكُم هَوىً وَقَرابَةً / تُحَرِّكُني وَالرَحمُ يُحمَدُ واصِلُه
وَإِنّي لَأَشنا المَدحَ في غَيرِ سَيِّدٍ / أَبُوهُ أَبي لَو زاحَمَ النَجمَ كاهِلُه
فَلا زِلتَ كَهلاً لِلعَشيرَةِ يُلتَجى / إِلَيهِ إِذا ما الدَهرُ عَمَّت زَلازِلُه
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ / فَما المَجدُ إِلّا بَعضُ ما أَنتَ فاعِلُ
دَعِ الشِعرَ حَتّى يَشمَلَ الحَدَّ حِكمَةً / وَشَأنَكَ وَالدُنيا فَأَنتَ المُقابَلُ
فَقَد جُزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَتِربُكَ في لِعبِ الصِبا مُتَشاغِلُ
وَأَدرَكتَ ما فَوقَ الكَمالِ وَلَم يُقَل / لِمِثلكَ في ذِي السِنِّ إِنَّكَ كامِلُ
أَخَذتَ بِأَعضادِ العَشيرَةِ بَعدَما / هَوَت وَعَلَت مِنها الرُؤُوسَ الأَسافِلُ
وأَنقَذتَها مِن بَعدِ أَن لَعِبَت بِها / يَدُ الدَهرِ وَاِستَولَت عَلَيها الزَلازِلُ
فَأَنتَ لِناشِيها أَخٌ وَلِطِفلِها / أَبٌ راحِمٌ وَاِبنٌ لِذي الشَيبِ واصِلُ
عَلى أَنَّكَ المَولى الَّذي يُقتَدى بِهِ / وَلَكِنَّ طَبعاً تَقتَضيهِ الشَمائِلُ
أَطاعَت لَكَ الأَيّامُ كَرهاً وَسَلَّمَت / إِلَيكَ مَقاليدَ الأُمُورِ القَبائِلُ
فَقُل لِلّيالي كَيفَ تَجري صُرُوفُها / فَما الفَضلُ شَيءٌ غَيرُ ما أَنتَ قائِلُ
فَقَد أَذعَنت لِلخَوفِ مِنكَ وَأَهطَعَت / إِلى قَولِ مَأمُولٍ تَلَقّاهُ آمِلُ
زَهَت بِكَ آفاقُ البِلادِ وَأَخصَبَت / رُباها وَطابَت في ذُراها المَآكِلُ
وَنامَت عُيُونٌ رُبَّما عافَتِ الكَرى / بِلا رَمَدٍ فيها وَقَرَّت بَلابِلُ
تَرَكتَ الغُواةَ الغُثرَ فَوضى وَطالَما / غَدَت وَلَها مِن قَبلُ فينا مَحافِلُ
وَأَوليتَها مِنكَ الهَوانَ وَأَصبَحَت / وَكُلُّ غَويٍّ خاشِعٌ مُتضائِلُ
وَلَم يَبقَ مِن حِزبِ الضَلالِ اِبنُ غَيَّةٍ / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهوَ خَزيانُ خامِلُ
رَفَعتَ عِمادَ المَجدِ مِن بَعدِ ما وَهى / وَرثَّ وَأَضحى رُكنُهُ وَهوَ مائِلُ
وَأَحيَيتَ رُوحَ الجُودِ مِن بَعدِ ما قَضى / وَرَدَّ عَلَيهِ التُربَ حاثٍ وَهائِلُ
وَقُمتَ بِأَحكامِ الشَريعَةِ فَاِستَوَت / لَدَيكَ ذَوُو الأَجبالِ طَيٌّ وَوائِلُ
وَأَوهَيتَ كَيدَ الفاسِقينَ فَأَصبَحُوا / وَناصِرُهُم مِن جُملَةِ الناسِ خاذِلُ
وَداوَيتَ قَرحاً كانَ في كَبدِ العُلى / تَبَطَّنهُ داءٌ مِنَ الغِلِّ قاتِلُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا اِلتقَت / صُدُور المَذاكي وَالخِفافُ الذَوابِلُ
وَنِعمَ المُرَجّى في السِنينِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الضُرِّ أَبناءُ السُرى وَالأَرامِلُ
وَنِعمَ المُراعي لِلنَّزيلِ إِذا غَدا / أَكيلاً وَأَفنى مالَهُ مَن يُنازِلُ
وَنِعمَ الصَريخُ المُستَجاشُ إِذا اِرتَوَت / لَدى الرَوعِ مِن هامِ الكُماةِ المَناصِلُ
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِمّا تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَعاوِلُ
وَنِعمَ مُناخُ الرَكبِ أَهدى لَهُ السُرى / سَنا النارِ في الظَلماءِ وَالعامُ ماحِلُ
فَيَا سائِلي عَن شَأنِ فَضلٍ وَلَم يَزَل / بَغيضاً إِليَّ العالِمُ المُتَجاهِلُ
سَلِ القَومَ عَنهُ يَومَ جاءَت وَأَقبَلَت / تَخُبُّ المَذاكي تَحتَها وَتُناقِلُ
أَغارَت عَلى دَربِ الحَنائِدِ غارَةً / يَطيرُ الحَصا مِن وَقعِها وَالجَراوِلُ
لَها فَيلَقٌ بِالجَوِّ ذِي النَخلِ كامِنٌ / وَرَيعانُها لِلمَسجِدِ الفَردِ شامِلُ
وَطارَدَتِ الفِتيانَ فيها وَأَظهَرَت / كُناها وَكُلٌّ عارِفٌ مَن يُجادِلُ
فَوَلَّت حُماةُ القَومِ خَيلاً وَلَم تَزَل / بَنُو الحَربِ في يَومِ التَلاقي تُحاوِلُ
فَراحَت عَلَيها الخَيلُ فَاِنبَعَثَت لَها / جَحافِلُ جَمعٍ تَقتَفيها جَحافِلُ
فَحاصَت حِذارَ القَتلِ وَالأَسرِ خَيلُهُ / وَسُمرُ القَنا فيهنَّ صادٍ وَناهِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّما / لَهُ المَوتُ جُندٌ بِالمُعادينَ كافِلُ
وَعاجَلَ طَعناً سَيِّدَ القَومِ فَاِغتَدَوا / وَقَد عافَ كُلٌّ مِنهُمُ ما يُحاوِلُ
بِها رَدَّ أَرواحَ التَوالي وَقَد غَدَت / إِذا ثارَ مِنهُم راجِلٌ طاحَ راجِلُ
أَقولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي وَعَبرَتي / عَلى الخَدِّ مِنها مُستَهِلٌّ وَجائِلُ
وَقَد قَلِقَت مِنّي الحَشا وَتَتابَعَت / ظَواهِرُ أَنفاسٍ وَأُخرى دَواخِلُ
أَيا نَفسُ صَبراً لِلبَلايا فَرُبَّما / أَتى فَرَجٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ غافِلُ
فَكَم ضاقَ أَمرٌ ثُمَّ وَافى اِتِّساعُهُ / وَما عاجِلٌ إِلّا وَيَتلوهُ آجِلُ
وَقَد يَأمَنُ النَقصَ السُها لِاِحتِقارِهِ / وَيَخشى الخُسوفَ البَدرُ وَالبَدرُ كامِلُ
وَما بَينَ مَوتُورٍ وَلا بَينَ واتِرٍ / لِفَصلِ القَضا إِلّا لَيالٍ قلائِلُ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يُحَقَّرَ عالِمٌ / لَدى ضِدِّهِ أَو أَن يُوَقَّرَ جاهِلُ
فَقَد رُبَّما لِلجَدِّ يُكرَمُ ناهِقٌ / فَيُخلى لَهُ المَرعى وَيُحرَمُ صاهِلُ
وَقَد يُلبَسُ الدِيباجَ قِردٌ وَلُعبَةٌ / وَتُلوى بِأَعناقِ الرِجالِ السَلاسِلُ
وَما الدَهرُ إِلّا فَرحَةٌ ثُمَّ تَرحَةٌ / تَناوَبُها الأَيّامُ وَالكُلُّ زائِلُ
فَقِرّي حَياءً وَاِطمَئِنّي جَلادَةً / فَأَيُّ كَريمٍ سالَمتهُ الغَوائِلُ
فَما أَنا بِالعَلِّ الجزُوعِ إِذا عَرى / مِنَ الدَهرِ خَطبٌ أَو تَعَرّضَ نازِلُ
وَما كانَ حَملي لِلأَذى عَن ضَراعَةٍ / وَلَكِن لِأَمرٍ كانَ مِنّي التَثاقُلُ
وَإلّا فَعِندي لِلسُرى أَرحَبِيَّةٌ / وَعَزمٌ يَفُلُّ السَيفَ وَالسَيفُ فاصِلُ
وَفِيَّ عَلى عَضِّ اللَيالي بَقِيَّةٌ / وَإِن قُطِعَت مِن راحَتَيّ الأَنامِلُ
وَلِي عَن مَكانِ الذُلِّ مَنأىً وَمَرحَلٌ / وَذا الناسُ في الدُنيا غَريبٌ وَآهِلُ
وَلَستُ غَريباً أَينَ كُنتُ وَإِنَّما / مَعانِيَّ غُربٌ في الوَرى لا المَنازِلُ
وَلَولا رَجائِي في الأَميرِ لَقَلَّصَت / بِرَحلي عَنِ الدارِ القِلاصُ العباهِلُ
وَلَكِن إِذا ما النَفسُ جاشَت وَعَدتَها / بِما وَعَدَتني فيهِ تِلكَ المَخائِلُ
فَيَسكُنُ مِنها الجَأشُ حَتّى كَأَنَّني / بِها فَوقَ أَعلامِ المَجَرَّةِ نازِلُ
وَحُقَّ لِمثلي أَن يُؤَمِّلَ مِثلَهُ / وَفي الناسِ مَأمُولٌ يُرَجّى وَآمِلُ
لِأَنَّ عَلِيّاً جَدَّهُ عَمِّيَ الَّذي / يَطُولُ بِهِ بَيتي عَلى مَن يُطاوِلُ
وَضَبّارُ جَدّي عَمُّهُ وَكِلاهُما / خَليصانِ وَالعَمُّ المُهَذَّبُ ناجِلُ
وَيَجمَعُنا في الأُمَّهاتِ اِبنُ يُوسُفٍ / عَلِيٌّ وَنُعمان الأَغَرُّ الحُلاحِلُ
وَلِيَ دُونَ هَذا عِندَ فَضلٍ وَسيلَةٌ / إِذا اِنقَطَعَت فيما سِواهُ الوَسائِلُ
وَعِندي مِنَ المدحِ الَّذي ما اِهتَدى لَهُ / جَريرٌ وَلا تِلكَ الفُحولُ الأَوائِلُ
أَقَرَّ بِفَضلِ الفَضلِ بادٍ وَحاضِرٌ / وَساقَ إِلَيهِ الشُكرَ حافٍ وَناعلُ
وَأَضحى سَريرُ المُلكِ يَختالُ فَرحَةً / بِهِ وَتَجَلَّت عَنهُ تِلكَ القَساطِلُ
فَيا نَحسُ سِر بُعداً وَسُحقاً وَلا تَجُز / بِداري مَدى الأَيّامِ أُمُّكَ هابِلُ
فَقَد حالَ فَضلٌ دونَ ما أَنتَ طالِبٌ / لَدَيَّ وَذُو الإِحسانِ وَالجُودِ فاضِلُ
وَأَصبَحَ دُوني راجِحٌ وَكَأَنَّهُ / أَخُو غايَةٍ صَعبُ العَريكَةِ باسِلُ
مُلوكٌ هُمُ الشُمُّ الرَواسي رَزانَةً / إِذا ما اِستَخَفَّ الحِلمَ حَقٌّ وَباطِلُ
وَإِن نَهَضُوا يَوماً لِحَربٍ رَأَيتَهُم / كَأَنَّهُمُ فَوقَ الجِيادِ الأَجادِلُ
نَماهُم إِلى العَلياءِ أَشرَفُ والِدٍ / تَقُومُ لَهُ بِالمَأثُراتِ الدَلائِلُ
أَبُو القاسِمِ المَلكُ الَّذي عُرِفَت بِهِ / حِدادُ المَواضي وَالعِتاقُ الصَواهِلُ
هُمامٌ لَهُ عَزمٌ وَحَزمٌ وَمَحتِدٌ / كَريمٌ وَبَأسٌ لا يُطاقُ وَنائِلُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٍ وَيافِثٌ / وَحامٍ وَمُبدِي قطعِهِ وَالمَواصِلُ
وَلا بَرِحَت تَسطُو رَبيعَةُ في العِدى / بِمِثلِهِمُ ما طَبَّقَ الأَرضَ وابِلُ
وَما ناحَ قُمرِيُّ الحَمامِ وَما دَعا / أَخُو فاقَةٍ وَاستَجلَبَ المَدحَ باذِلُ
وَعاشُوا جَميعاً في نَعيمٍ وَغِبطَةٍ / وَحاسِدُهُم في غُمَّةٍ لا تُزايِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَأَجرَدُ صاهِلُ
وَطَعنٌ إِذا الغُزُّ المَساعيرُ أَقبَلَت / تَخُبُّ مَذاكيها بِها وَتُناقِلُ
وَضَربٌ إِذا ما الصِيدُ هابَت وَأَحجَمَت / وَفَرَّ مِنَ الفرسانِ مَن لا يُنازِلُ
وَنَصّ القِلاص القُودِ تَخدي كَأَنَّها / نَعامٌ بِأَعلى قُلَّةِ الدَوِّ جافِلُ
يَجُوبُ بِهِ البَيداءَ كُلُّ شَمَردَلٍ / يُسارِعُ في كَسبِ العُلى وَيُعاجِلُ
سَواءٌ عَلَيهِ لَيلُهُ وَنَهارُهُ / وَتَهجِيرُهُ وَقتَ الضُحى وَالأَصائِلُ
فَيا خاطِبَ العَلياءِ لا تَحسَبَنَّها / حَديثَ العَذارى أَنشَأَتهُ المَغازِلُ
تَنَحَّ وَدَعها هَكَذا غَيرَ صاغِرٍ / لِمَلكٍ هُمامٍ ما اِشتَهَت فَهوَ باذِلُ
أَغَرُّ عُيونِيٌّ كَأَنَّ جَبينَهُ / صَفيحَةُ سَيفٍ أَخلَصَتهُ الصَياقِلُ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَأَحمَدُ وَالقَرمُ الهِزَبرُ الحُلاحِلُ
هُوَ المَشرَبُ العَذبُ الَّذي طابَ وِردُهُ / إِذا خَبُثَت لِلشّارِبينَ المَناهِلُ
سمامُ العِدى جَمُّ النَدى دافِعُ العِدى / بَعيدُ المَدى يَعلُو بِهِ مَن يُطاوِلُ
بِهِ اِفتَخَرَت هِنبٌ وَطالَت بِمَجدِهِ / لُكَيزٌ وَعَزَّت عَبدُ قَيسٍ وَوائِلُ
لَهُ ذِروَةُ المَجدِ المُؤَثَّلِ وَالعُلى / إِذا اِنشَعَبَت يَومَ الفَخارِ القَبائِلُ
حَميدُ السَجايا ما تَروحُ عِداتُهُ / مُسالمةً هاماتُهُم وَالمَناصِلُ
يُحكِّمُ في أَعدائِهِ حدَّ سَيفِهِ / إِذا حُطِّمَت في الدّارِعينَ العَوامِلُ
إِذا ما رَآهُ ناظرٌ خالَ أَنَّهُ / شِهابٌ عَلى جانٍ مِنَ الأُفقِ نازِلُ
يَرومُ ذَوو الأَغراضِ إِدراكَ شَأوِهِ / وَأَينَ مِنَ البَحرِ الخِضَمِّ الجَداوِلُ
وَهَيهاتَ نَيلُ الفَرقَدينِ وَلَو رَقى / عَلى مُشمَخِرّاتِ الذُرى المُتَناوِلُ
هُوَ البَحرُ لَكِن مَدُّهُ غَيرُ جازِرٍ / هُوَ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ كامِلُ
هُوَ الشَمسُ في جَوِّ السَماءِ وَنُورُها / عَلى كُلِّ مَن فَوقَ البَسيطَةِ شامِلُ
هُوَ المُزنُ إِلّا أَنَّهُ فَوقَ سابِحٍ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنهُ سَحٌّ وَوابِلُ
هُوَ اللَيثُ إِلّا أَنَّ عِرِّيسَهُ القَنا / وَصيداتِهِ الصّيدُ المُلوكُ العَباهِلُ
هُوَ النَصلُ لَكِن لا يحُسُّ غِرارَهُ / بَنانٌ وَبِالأَيدي تُحَسُّ المَناصِلُ
إِذا صَبَّحَت راياتُهُ دارَ مَعشَرٍ / عِدىً كَثُرَت أَيتامُها وَالأَرامِلُ
وَإِن رُبِطَت بَينَ القِبابِ جِيادُهُ / فَهُنَّ بِأَكبادِ المُلوكِ جَوائِلُ
فَقُل لِلعِدى مَهلاً قَليلاً فَإِنَّهُ / سِمامٌ لِمَن يَبغي العَداوَةَ قاتِلُ
كَأَنَّكُم لَم تَعرِفُوا سَطَواتِهِ / إِذا الحَربُ فارَت مِن لَظاها مَراجِلُ
سَلُوا تُخبَرُوا مِن غَيرِ جَهلٍ لِفِعلِهِ / بَني مالِكٍ فَالحُرُّ بِالحَقِّ قائِلُ
أَلَم يَجلِبِ الجُردَ العِتاقَ شَوازِباً / مِنَ الخَطِّ تَتلُوها المَطايا المَراسِلُ
إِلى أَن أَناخَت بِالدَجانيّ بَعدَما / بَراها السُرى وَالأَينُ فَهيَ نَواحِلُ
فَصَبَّحنَ حَيّاً لَم تُصَبَّح حِلالهُ / قَديماً وَلا رامَت لِقاهُ الجَحافِلُ
فَكُم قَرمِ قَومٍ غادَرَتهُ مُجَدَّلاً / تَقُطُّ شَواهُ الخامِعاتُ العَواسِلُ
وَكَم مالِ نَحّامٍ مِنَ القَومِ أَصبَحَت / تُقَسَّمُ غَصباً جُلُّهُ وَالعَقائِلُ
وَكَم عاتِقٍ لَم تَترُكِ الخِدرَ ساعَةً / تُقلِّبُ كَفَّيها لَهُ وَهيَ ثاكِلُ
تَقُولُ وَدَمعُ العَينِ مِنها كَأَنَّهُ / جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتوابِلُ
حَنانيكَ يا اِبنَ الأَكرَمينَ فَلَم تَدَع / لَنا أَملاً تُلوى عَلَيهِ الأَنامِلُ
وَفي لِينَةٍ أَردى شَغاميمَ طَيِّئٍ / جِهاراً وَلَونُ الجَوِّ بِالنَقعِ حائِلُ
عَشِيَّةَ لا يَلوي عِنانَ جَوادِهِ / حِمىً وَالعَذارى دَأبُهُنَّ التَعاوُلُ
غَدا مِثلَ ما راحَ الظَليمُ يَحُثُّهُ / عَلى الجَريِ لَيلٌ قَد أَظَلَّ وَوابِلُ
فَإِن يَنجُ مِن أَسيافِهِ فَلَقَد نَجا / وَفي قَلبهِ خَبلٌ مِن الرُعبِ خابِلُ
وَكانَ لَهُم بِالحَزمِ يَومٌ عَصَبصَبٌ / وَقَد حَشَدَت لِلحَربِ تِلكَ القَبائِلُ
عَنينٌ وَآلُ الفَضلِ مِن آلِ بَرمَكٍ / وَكُلُّهُمُ لِلعِزِّ أَنفٌ وَكاهِلُ
وَجاءَت زَبيدٌ كَالجَرادِ وَطَيِّئٌ / وَكُلٌّ يُمَنّي نَفسَهُ ما يُحاوِلُ
وَكانُوا يَظُنّونَ الأَميرَ بِدارِهِ / مُقيماً وَجاءَتهُم بِذاكَ الرَسائِلُ
فَضاقَت عَلى أَحياءِ قَيسٍ رِحابُها / مِنَ الخَوفِ وَاِنسَدَّت عَلَيها المَناهِلُ
وَجاءَت إِلَيهِ الرُسلُ مُخبِرَةً لَهُ / بِما قَد دَهى وَالأَمرُ إِذ ذاكَ هائِلُ
فَسارَ مِنَ الأَحساءِ تَطوي بِهِ الفَلا / عِتاقُ المَذاكي وَالمَطِيُّ الذَوامِلُ
فَمَرَّت بِقَصرِ العَنبَرِيِّ وَلَم يَكُن / لَها بِسِوى دارِ الأَعادي تَشاغُلُ
فَما شَعَروا حَتّى تَداعَت عَلَيهِمُ / كَما يَتَداعى صَيِّبٌ مُتَوابِلُ
شَوائِلُ تشوال العَقارِبِ فَوقَها / لُيُوثٌ وَلَكِن غابُهُنَّ القَساطِلُ
فَثارُوا يُرِشّونَ الطّرادَ وَكُلُّهُم / يُطاعِنُ في مَوجاتِها وَيُجاوِلُ
إِلى أَن بَدَت مِن آلِ فَضلٍ عِصابَةٌ / قَصيرٌ لَدَيها الباذِخُ المُتَطاوِلُ
يَقودُ نَواصِيها أَخُو الجُودِ ماجِدٌ / وَفَضلٌ إِذا هابَ الكَمِيُّ المُنازِلُ
وَأَحمَدٌ السامي عَظيمٌ وَكُلُّهُم / أَخُو ثِقَةٍ يَعلُو عَلى مَن يُصاوِلُ
فَزادَ مَقاديمَ الفَوارِسِ بَعدَما / تَحَطَّمَ فيها مَشرَفِيٌّ وَذابِلُ
وَأَقبلَ لَيثُ الغابِ أَعني مُحمّداً / يُفَتِّشُ عَن أَشبالِهِ وَيُسائِلُ
فَقِيلَ لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ دَأبُهُم / طِعانُ العِدى في حَيثُ تَخفى المَقاتِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّهُ / بِأَخذِ نُفوسِ القَومِ بِالسَيفِ كافِلُ
فَطارُوا سِلالاً مِن أَسيرٍ وَهارِبٍ / وَمِن هالِكٍ تَبكي عَلَيهِ الثَواكِلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا خائِفٌ مُتَرَقِّبٌ / حِماماً سَريعاً أَو نَزيلٌ مُنازِلُ
وَمِن بَعدِ ذاكَ العِزِّ أَضحَت مُلُوكُهُم / وَكُلٌّ لَدَيهِ خاشِعٌ مُتَضائِلُ
وَلا عارَ لَو عاذُوا بِأَكنافِ سَيِّدٍ / يَطُولُ فَلا تُرجى لَدَيهِ الطَوائِلُ
فَمِن قَبلِ ذا عاذَت بِأَكنافِ هانِئٍ / بَنُو مُنذِرٍ إِذ عارَضَتها الغَوائِلُ
فَقُل لِعُقَيلٍ غَثِّها وَسَمينِها / إِذا جَمَعتها في النُجوعِ المَحافِلُ
أَلا إِنَّما فِعلُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / لِإحياءِ ما سَنَّ الجُدودُ الأَوائِلُ
هُمُ بِخَزازَى دافَعُوا عَنكُمُ العِدى / وَذَلِكَ يَومٌ مُمقِرُ الطَعمِ باسِلُ
فَشُكراً بِلا كُفرٍ لِسَعيِ رَبيعَةٍ / فَما يَكفُرُ النَعماءَ في الناسِ عاقِلُ
إِلَيكَ اِبنَ شَقّاقِ الفَوارِسِ مِدحَةٌ / تُطَأطَأ لَها مِن حاسِديكَ الكَواهِلُ
أَتَتكَ كَنَظمِ الدُرِّ مِن ذي قَرابَةٍ / لِإِحياءِ وُدٍّ لا لِمالٍ يُحاوِلُ
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها / وَعادَ إِلَيها حُسنُها وَجَمالُها
وَأَضحَت تُباهي جَنَّتي أَرضِ مَأربٍ / لَيالي بَنُو ماءِ السَماءِ حِلالُها
فَيا حُسنَها حينَ اِستَقَرَّ قَرارُها / وَزايَلَها ما كانَ فيهِ وَبالُها
بِأَوبَةِ مَيمُونِ النَقيبَةِ لَو سَطا / عَلى الأرضِ خَوفاً مِنهُ زالَت جِبالُها
بِهِ اِعتَدَلَت أَرض الحَساءِ وَغَيرُها / وَقَد كانَ أَعيَى لِلأَنامِ اِعتِدالُها
إِذا غابَ عَنها غابَ عَنها رَبيعُها / وَإِن آبَ فيها آبَ فيها ثِمالُها
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ يخشى وَيُرتَجى / إِذا قَصَّرَت عَن يَومِ خَطبٍ رِجالُها
فَيَخشاهُ جَبّارٌ وَيَرجُوهُ خائِفٌ / وَأَرمَلَةٌ قَد ماتَ هُزلاً عيالُها
يَجُذُّ مَقالاتِ الرِجالِ بِلَفظَةٍ / وَيَقصُرُ عَنهُ عِندَ ذاكَ جِدالُها
تَوَدُّ مُلوكُ الشَرقِ وَالغَربِ أَنَّهُ / يَمينٌ وَأَنَّ العالمينَ شِمالُها
هُمامٌ مَتى نُودي عَلى الخَيلِ بِاِسمِهِ / تَضايَقَ عَنها في المَكَرِّ مَجالُها
وَإِن حُدِيَت بَعدَ الكَلالِ قَلائِصٌ / بِذكراهُ وَهناً زالَ عَنها كَلالُها
وإِن نُزلَ الخرمُ المَخُوفُ فَبَيتُهُ / مِن الأَرضِ عالي هُضبِها وَتِلالُها
وَإِن نَزَلَ الوَسمِيُّ دارَ قَبيلَةٍ / رَعاهُ ولَو أَنَّ الرياضَ قِلالُها
أَعَزَّ عُقَيلاً عِزُّهُ فَتَدَامَلَت / وَمِن قَبلُ أَعيى مَن سِواهُ اِندِمالُها
كَفاها وَأَغناها بِنائِلِ كَفِّهِ / وَمالِ عِداها فَاِغتَدَت وَهوَ مالُها
وَأَنزَلَها دارَ الأَعادي بِسَيفِهِ / فَأَضحَت خَفافيثاً لَدَيها صِلالُها
وأَورَدَها بِالمَشرَفيِّ مَوارِداً / حَرامٌ بِغَيرِ المَشرَفيِّ بَلالُها
أَقامَ عُهُوداً بَينَ عَمرٍو وَعامِرٍ / عَيِيٌّ عَلى أَيدي الرِجالِ اِنحِلالُها
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ إِذا دَعَوا / لِنائِبَةٍ جَلَّت وَآذى اِحتِمالُها
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِن قيلَ مَن لَها / خَطيبٌ وَأَعيَى الحاضِرينَ مَقالُها
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ إِذا أَتَت / تُقَلقِلُ مِن بَعدِ الهُدُوِّ رِحالُها
وَنِعمَ مَلاذُ المُعتَفينَ إِذا نَبا / زَمانٌ وَهَبَّت عامَ مَحلٍ شَمالُها
وَنِعمَ سَدادُ الثَغرِ تَكثُرُ دُونَهُ / مَعاذيرُ أَربابِ العُلى وَاِعتِلالُها
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالدَوحَةِ الَّتي / زَكى فَرعُها وَاِزدادَ طيباً ظِلالُها
وَجَدِّكَ مُذ فارَقتَنا ما صَفَت لَنا / حَياةٌ وَلا خَلّى العُيونَ اِنهِمالُها
وَما ذاكَ إِلّا لِاِشتِياقٍ مُبَرِّحٍ / إِلى لَثمِ كَفٍّ لَيسَ كُلٌّ يَنالُها
أَنامِلُها فيها حَياةٌ وَرَحمَةٌ / ومَوتٌ وَيُغني الطالِبينَ اِنهِمالُها
فَعِش أَبَداً يابا عَلِيٍّ بِعِزَّةٍ / يَزيدُ عَلى مَرِّ اللَيالي جَلالُها
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ لَم تَبقَ رايَةٌ / لِمَجدٍ وَرَثَّت غَيرَ شَكٍّ حِبالُها
وَجِد وَاِجتَهِد في آلِ جَروانَ إِنَّهُم / سُيوفٌ تُقَرّي حاسِديكَ نِصالُها
هُمُ بَذَلُوا فيما يَسُرُّكَ أَنفُساً / كِراماً وَنارُ الحَربِ يَعلُو اِشتِعالها
وَهُم حَطَّمُوا سُمرَ العَوالي وَفَلَّلُوا / مَضارِبَ أَسيافٍ حَديثاً صِقالُها
غَداةَ أَبي الجرّاحِ يَغدو كَأَنَّهُ / نَعامَةُ قَفرٍ تَقتَفيها رِئالُها
وَذادُوا الأَعادي عَن حِماكَ وَفَلَّقُوا / جَماجِمَ لَم يَبرَح قَديماً ضَلالُها
وَأُوصِيكَ خَيراً بِالعَشيرَةِ كُلِّها / فَإِنَّكَ مِن بَعدِ الإِلَهِ مَآلُها
فَأَنتَ الَّذي أَحيَيتَها وَأَغثتَها / وَقَد كَثُرَت قِيلُ الأَعادي وَقالها
فَلا تَكتَرِث مِن قَولِ واشٍ وَشى بِها / فَما مُبلِغُ الحُسّادِ إِلّا مِحالها
وَأَلغِ مَقالاتِ الوُشاةِ فَإِنَّها / لأَشياءَ ظَنّي أَنَّها لا تَنالُها
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا / فَلَستُ بِراضٍ مَنزِلَ الهُونِ مَنزِلا
وَلا تَسأَلاني أَينَ تَرمي رَكائِبي / فَمالَكُما أَن تُسلِماني وَتسأَلا
فَقَد سَئِمَت نَفسي المُقامَ وَشاقَني / رُكُوبُ الفَيافي مَجهَلاً ثُمَّ مَجهَلا
وَكَيفَ مُقامي بَينَ أَوباشِ قَريَةٍ / أَرى الرَأسَ فيها مَن بِها كانَ أَسفَلا
بَني عَمِّ مَن أَمسى كَثيراً سَوامُهُ / وَإِن كانَ أَدنى مِن هُتَيمٍ وَأَرذَلا
وَأَعداءُ مَن غالَت يَدُ الدَهرِ مالَهُ / وَإِن كانَ أَسرى مِن قُرَيشٍ وَأَنبلا
لَحى اللَّهُ مَن يُغضي عَلى ضَيمِ صاحِبٍ / وَمَن يَجعَلُ الخِلَّ المُناصِحَ مَأكلا
وَمَن لا يَرى حَقَّ الصَديقِ وَلَو نَبا / بِهِ الدَهرُ أَو أَضحى مِنَ المالِ مُرمِلا
وَمَن لا يُجازي الوُدَّ بِالوُدِّ مُفضِلاً / وَيَجزي القِلى وَالصَدَّ بِالصَّدِّ وَالقِلى
خَليليَّ كُفّا عَن جِدالي فَإِنَّني / أَرى الرَأيَ كُلَّ الرَأيِ أَن أَتَرَحَّلا
فَقَد جاءَ في بَيتٍ مِنَ الشِعرِ سائِرٍ / لَنا مثلٌ مِن عالِمٍ قَد تَمَثَّلا
وَإِنَّ صَريحَ الحَزمِ وَالرَأيِ لِاِمرِئٍ / إِذا أَدرَكَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
فَكَيفَ بِنارٍ لا يَزالُ وَقودُها / حَديداً إِذا حُشَّت بِرِفقٍ وَجَندَلا
إِلى كَم أُداري بَينَ قَومي وَأَتَّقي / وَأَصدى فَأُسقى الماءَ صاباً وَحَنظَلا
بَلَوتُ صُروفَ الدَهرِ كَهلاً وَيافِعاً / فَما اِزدَدتُ عِلماً غَيرَ ما كانَ أَوَّلا
وَأَلقى صُروفَ الدَهرِ سِنَّ اِبنِ أَربَعٍ / فَتَحسَبُني الأَحداثُ عوداً مُذَلَّلا
كَذا الماجِدُ الأَحساب يَمضي وَما دَرَت / رُواةُ المَساعي أَيَّ عَصرَيهِ أَفضَلا
وَقَلَّبتُ هَذا الدَهرَ بَطناً وَظاهِراً / فَأَلقَيتُهُم ذِئباً وَهِرّاً وَتَنفُلا
وَما اِختَرتُ خِلّاً مِنهُمُ أَتَّقي بِهِ / زَمانِيَ إِلّا اِشتَقتُ أَن أَتَبَدَّلا
دَعَوتُ رِجالي مِن قَريبٍ فَخِلتُني / دَعَوتُ إِلى الجُلّى أَسيراً مُكَبَّلا
وَأَعلَنتُ في الحَيِّ البَعيدِ فَلم أَجِد / عَلَيهِم لِمثلي في الخُطوبِ مُعَوِّلا
وَمِن قَبلُ ما نادَيتُ في حَيِّ عامِرٍ / وَكُنتُ لِداعِيهِم إِذا الأَمرُ أَغفَلا
فَصُمَّت رِجالٌ عَن دُعائي وَأَحجَمَت / كَمِثلِ بُغاثِ الطَيرِ عايَنَ أَجدَلا
ولَو دِرهَمٌ يَوماً دَعاهُم لَأَقبَلَت / رِجالٌ وَخَيلٌ تَملأُ الجَوَّ قَسطَلا
كَذَلِكَ مَن يَبغي الوَضائِمَ لا يَني / يُضامُ وَيُسقى بِالكَبيرِ المُثَمِّلا
وَلا لَومَ في شاني عَلَيهِم لِأَنَّني / لَأَلوي بِهِ أَو أَجعَل الآلَ مَنهَلا
وَلَو أَنَّ مَن نادَيتُ مِن صُلبِ عامِرٍ / لَأَوضَعَ إِيضاعاً لِصَوتي وَأَرفَلا
وَلَكِنّ أَوباشاً لَعَمري تَجَمَّعَت / مَعَ اِبنِ عَلِيٍّ إِذ تَوَلّى وَأَجهَلا
نَفتهُم قَديماً بَكرَةً وَمُحارِبٌ / وَلَم يَجِدُوا في حَيِّ شَيبانَ مَدخَلا
وَلَو أَنَّ عِرقاً مِن رَبيعَةَ فيهِمُ / لَكانُوا عَلى الأَرحامِ أَحنا وَأَوصَلا
أَلا يا لَقومي هَل أَرى في جَنابِكُم / مُطاعاً لَدى الساداتِ مِنكُم مُبَجَّلا
وَهَل أُصبِحُ الأَعداءَ مِنكُم بِصَيلَمٍ / تُغادِرُ دارَ القَومِ رَبعاً مُعَطَّلا
أَيُصبِحُ حَظّي فيكُمُ وَهوَ ناقِصٌ / وَتَغدُو حُظوظُ الغَيرِ أَوفى وَأَكمَلا
وَيُكرَمُ أَقوامٌ مُعيدٌ أَبُوهُمُ / وَيُحرَمُ مَن يُدعى عَلِيّاً وَعَبدَلا
أَما وَأَبيكُم إِنَّها لَبَلِيَّةٌ / إِذا جالَ فيها فِكرُ مِثلي تَمَلمَلا
حِذاراً عَلى العَقدِ الَّذي عَقَدَت لَنا / أَوائِلُنا في العِزِّ أَن يَتَحَلَّلا
وَخَوفاً مِنَ الأَمرِ الَّذي يَشعَبُ العَصا / وَمَن خَذَل المَولى لَهُ كانَ أَخذَلا
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ عُصبَةٍ / إِذا قُلتُ عَنها أَدبَرَ الشَرُّ أَقبَلا
وَقَد شَرِقَت لِلغَبنِ عَيني بِمائِها / وَحُقَّ لِماءِ العَينِ أَن يَتَهَمَّلا
تَرى أَنَّ أَفعالَ اللَيالي الَّتي جَرى / لَنا شُومُها صارَت عَلى وَزنِ أَفعَلا
فَيا شِقَوتا ما لي أَرى كُلَّ ساعَةٍ / أُمُوراً مُحالاتٍ وَرَأياً مُضَلَّلا
وَما لي أَرى الساداتِ إِمّا مُشَرَّداً / بِأَرضِ الأَعادي أَو مَضيماً مُكَبَّلا
شَفى غَيظَهُ مِنّا المُعادي لَوِ اِشتَفى / وَحَرَّمَ فينا مِن قَريبٍ وَحَلَّلا
وَما نالَ مِنّا ذاكَ إِلّا لِأَنَّنا / جَعَلنا لَهُ دِرعاً وَرُمحاً وَمُنصَلا
وَمَن يُعطِ خَصماً دِرعَهُ وَحُسامَهُ / وَسابِقَهُ فَليَلبَسِ الذُلَّ مُشملا
وَمَن مَلَّكَ الأَعداءَ تَدبيرَ أَمرِهِ / فَذاكَ الَّذي يُدعى العَديمَ المُثَكَّلا
وَمَن رامَ طولَ العُمرِ بِالذُلِّ وَالغَبا / رَأى المَوتَ مَرأَىً عاجِلاً وَمُؤَجَّلا
وَمَن لَم تَكُن أَنصارُهُ مِن رِجالِهِ / أُخيفَ وَأَضحى بِالجناياتِ مُبسَلا
وَمَن لانَ يَوماً لِلعِدى هانَ وَاِصطَلى / عَلى الكُرهِ مِن نيرانِها شَرَّ مُصطَلى
وَمَن لَم يُقَدِّم لِلأُمورِ مُقَدَّماً / أَضاعَ وَأَبدى لِلمرامينَ مَقتَلا
فَآهٍ لِقَومي لَو أُطِعتُ لَدَيهِمُ / دَرَوا أَنَّ فيهِم حازِمَ الرَأيِ فَيصَلا
لَقَد كُنتُ لا أَرضى الدَنِيَّةَ فيهمُ / وَلا يَزدَهيني عَنهُمُ مَن تَمَحَّلا
وَلَكِن إِذا ما الأَمرُ حُمَّ اِنتِهاؤُهُ / أَقامَ مُقامَ الأَضبَطِ الوردِ خَيطَلا
وَأَقمَنُ شَيءٍ بِالهَلاكِ مَدينَةٌ / تُريكَ نَبِيهَ القَدرِ مَن كانَ أَخمَلا
فَيا رَبِّ لا صَبراً عَلى ذا وَلا بَقاً / فَسُق فَرَجاً أَو لا فَمَوتاً مُعَجَّلا
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي / أَلا ما لِأَحداثِ الزَمانِ وَما لي
يُفَجِّعنَني في كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ بي / بِأَنفَسٍ مالٍ أَو بِأَشرَفِ آلِ
أَرى الشَرَّ قُدّاماً وَخلفاً وَأَتَّقي / نِبالَ الأَذى عَن يَمنَةٍ وَشِمالِ
إِذا قُلتُ جَلّى بَعضُ هَمّي أَتَت لَهُ / نَوائِبُ أَمضى مِن حُدودِ نِصالِ
كَأَنَّ الرَزايا وَالمَنايا تَحالَفا / عَلى عَكسِ آمالي وَبَثِّ مَآلي
لَحى اللَهُ هَذا الدَهرَ كَم يَستَفِزُّني / لِخَوضِ بِحارٍ أَو لِشَقِّ جِبالِ
يُكَلِّفُني جَريَ الجَوادِ وَقَد لَوى / شِكالاً عَلى ساقَيَّ خَلفَ شِكالِ
وَقَد مَصَّ مُخَّ العَظمِ حَتّى إِزارهُ / وَبَدَّلَهُ مِن نِيِّهِ بِهُزالِ
وَهَل يَقطَعُ الشّكلَ الجَوادُ عَلى الوَنى / وَلَو جالَ في الآرِيِّ كُلَّ مَجالِ
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ خِلَّتي / وَأَمري وَحالِ الأَرذَلينَ وَحالي
أَلا لَيتَني قَد كُنتُ خِدناً مُخادِناً / لِخَيطِ نَعامٍ في الفَلا وَرِئالِ
وَلَم أَكُ عارَفتُ اللِئامَ وَلَم أَنُط / حِبالَ خَسيسٍ مِنهُمُ بِحِبالي
فَلَم أَرَ مِنهُم غَيرَ خِبٍّ يَمُدُّ لي / لِسانَ مُحِبٍّ مِن طَوِيَّةِ قالِ
لَهُ شِيمَةُ السَنَّورِ في لُطفِ خدعِهِ / وَلَكِنَّهُ في اللَمسِ حَيَّةُ ضالِ
إِذا جِئتُ فَدّاني وَأَبدى بَشاشَةً / وَلاحَظَني مِنهُ بِعَينِ جَلالِ
وَإِن غِبتُ أَدنى ساعَةٍ مِن لحاظِهِ / تَمَحَّلَ في غَيبي بِكُلِّ مِحالِ
إِلى اللَهِ أَشكُو مَنجَمي في مَعاشِرٍ / هُمُ شَرُّ ماضٍ في الزَمانِ وَتالِ
صَحِبتُهُمُ مُستَصفِياً فَوَجَدتُهُم / أَليمَ عَذابٍ في أَشَدِّ نِكالِ
إِذا قُلتُ حَلَّ الدَهرُ غِلَّ صُدُورِهِم / أَبَت سُوءُ أَخلاقٍ وَقُبحُ خِصالِ
ولا ذَنبَ لي إِلّا حِجىً وَبَراعَةٌ / وَمَجدٌ وَبَيتٌ في رَبيَعَةَ عالِ
وَمَيلي إِلى أَهلِ التَواضُعِ وَالعُلى / بِوُدّي وَبُغضي الأَسفَلَ المُتَعالي
وَمَعرِفَتي آباءَهُم وَجُدُودَهُم / وَرَفضي لِقيلٍ في الأَنامِ وَقالِ
لِعِلمي بِيَومٍ ما بِهِ ذُو نَدامَةٍ / يُرَدُّ وَلا ذُو عَثرَةٍ بِمُقالِ
وَلا السَيِّدُ الجَبّارُ فيهِ بِسَيِّدٍ / مُطاعٍ وَلا عالي الرَعاعِ بِعالِ
بِهِ الحُكمُ لِلّهِ الَّذي لا قَضاؤُهُ / بِحَيفٍ وَلا سُلطانُهُ بِمُزالِ
أُداريهمُ حَتّى كَأَنّي لَدَيهمُ / أَسيرُ طِعانٍ أَو أَسيرُ سُؤالِ
وَلَو شِئتُ قَد كُنتُ المُدارى لِأَنَّني / أَصُولُ بِأَيدٍ في الأَنامٍ طِوالِ
إِذا شِئتُ لَبّى دَعوَتي كُلُّ ماجِدٍ / يُعَدُّ لِيَومَي نائِلٍ وَنِزالِ
جِبالٌ إِذا طاشَت حُلومُ بَني الوَغى / رَواسٍ وَلَكِن في شُخوصِ رِجالِ
عَلى كُلِّ مَحبُوكِ القَرى شَنجِ النَسا / تَجِيءُ رِعالاً مِن وَراءِ رِعالِ
نِتاجُ اِبنِ حَلّابٍ وَقَيدٍ وَلاحِقٍ / وَغُلِّ المَذاكي كامِلٍ وَعُقالِ
بِها كم وَطِئنا مِن رِقابِ قَبيلَةٍ / وَحَيٍّ عَلى مَرِّ الزَمانِ حِلالِ
وَذُو الحُمقِ لَو نادى أَراهُ نِداؤُهُ / بَناتِ اِبنِ آوى في شُخوصِ سَعالي
تَجِيءُ بِآلاتٍ لَها مُستَعِدَّةً / لِحَصدِ غِلالٍ لا لِضَربِ قِلالِ
عَلى كُلِّ مَرقُومِ الذِراعَينِ يَنتَمي / لِأَلأَمِ عَمٍّ في الكِدادِ وَخالِ
تَشاحَجُ فيها آتُنٌ مُوجدِيَّةٌ / يَنُسنَ بِآذانٍ لَهُنَّ طِوالِ
لَنا كَدحُهُم في حَيثُ كانُوا وَكَدحُها / حَلالٌ مِن الباري وَغَيرُ حَلالِ
عَدِمتُ زَمانَ السُوءِ أَمّا بُزاتُهُ / فَعُطلٌ وَأَمّا بُومُهُ فَحوالِ
أَراهُ وَلُوعاً بِالكِرامِ يَلُسُّها / كَلَسِّ الكَلا مِن يَمنَةٍ وَشِمالِ
كَأَنَّ لَهُ ثَأراً عَلى كُلِّ ماجِدٍ / جَمالٍ لِأَهلِ الأَرضِ وَاِبنِ جَمالِ
فَقُل لِبَني الأَوباشِ مَهلاً فَإِنَّها / لَيالٍ وَتَأتي بَعدَهُنَّ لَيالِ
فَإِن رَقَدَت عَينُ الزَمانِ هُنَيئَةً / فَكَم يقظَةٍ مِنهُ أَتَت بِزَوالِ
فَلَولا أُفُولُ الشَمسِ لَم يَبنِ السُها / وَلَولا الدُجى ما لاحَ ضَوءُ ذُبالِ
فَلا تَطمَعِ الأَوباشُ فينا فَإِنَّنا / رَحاها وَما الأَوباشُ غَيرُ ثُفالِ
فَإِنَّ هُتَيماً لَو حَوَت مالَ هاشِمٍ / هُتَيمٌ فَلا يَغرُركَ طَيفُ خَيالِ
سَتَرجِعُ فيما عُوِّدت مِن حَميرِها / وَمِن خَرقِ أَشنانٍ وَخَصفِ نِعالِ
فَصَبراً قَليلاً سَوفَ تَجني غِراسَها / ثَمارَ بَلايا أَينَعَت وَوَبالِ
وَإِلّا فَلا عَزَّت مُلُوكُ بَني أَبي / وَلا خَطَرَ الفِعلُ الجَميلُ بِبالي
فَكُلٌّ لَهُ مِمّا قَضى اللَهُ عادَةٌ / سَتُدرِكُهُ لَو نالَ كُلَّ مَنالِ
فَسَوفَ تَرونَ الشَمسَ قَد غالَ نُورُها / نُجُوماً مُسَمّاةً وَبَدرِ كَمالِ
فَكَيفَ بِها مَخسُولَةً لَو تَساقَطَت / لَما عَدَلَت في الفَقدِ عُودَ خِلالِ
وَمَن عَوَّدَ اللَهُ الجَميلَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى بِجِدٍّ في العَشيرةِ عالِ
عَلى ذاكَ مِنّي شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ / يُبَيِّنُ لِلأَقوامِ صِدقَ مَقالي
وَآلُ بَني جَروانَ لَمّا رَمَتهُمُ / بِداءٍ عَلى غَيرِ الكِرامِ عُضالِ
أَرادَت عِداهُم نَيلَ ما كانَ مِن عُلىً / لَهُم يا لَقَومي مِن عَمىً وَضَلالِ
وَأَطمَعَهُم قَتلُ الرَئيسِ وَما جَرى / مِن اِخراجِ آلٍ وَاِستِباحَةِ مالِ
فَما رَبِحُوا غَيرَ العَناءِ وَإِن غَدَت / عُقُولُهُم تُدعى عُقُولَ سِخالِ
وَهَل عَمَلٌ أَغنى عَن المالِ أَو شَفى / حَرارَةَ ظَمآنٍ تَرَيّعُ آلِ
فَلم يَمضِ إِلّا الحَولُ ثُمَّ رَأَيتُهُم / عَلى رَغمِ شانِيهِم بِأَنعَمِ بالِ
يَلُوذُ مُعادِيهم بِهم وَهو خاضِعٌ / كَما تَخضَعُ الجُربُ العِجافُ لِطالِ
فَلَو أَنَّهُم شاؤُوا لأَضحَت مَنازِلٌ / تَمُرُّ بِها الأَيّامُ وَهيَ خَوالِ
وَلَكِنَّ حُسنَ العَفوِ مِنهُم سَجِيَّةٌ / إِذا ما عَفا وَالٍ وَعاقَبَ والِ
وَمِن حَقِّ بَيتٍ مِنهُ يُعزى اِبنُ عَبدَلٍ / دَوامُ عُلُوٍّ في أَتَمِّ كَمالِ
وَمَن يَلقَ إِبراهيمَ يلقَ اِبنَ تارَحٍ / أَخي العَزمِ في نسكٍ وَعَزمِ خِلالِ
وَيَلقَ اِبنَ يَعقُوبَ المُكَرَّمَ يُوسُفاً / نَبِيَّ الهُدى في عِفَّةٍ وَجَمالِ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُكَيزٍ وَعامِرٍ / بِأَعلى مَحَلٍّ مِن ذُرىً وَقِلالِ
فَيا بِأَبي أَخلاقُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَأَعذَبُ مِن صافي الثِّغابِ زلالِ
أَخٌ وَاِبنُ عَمٍّ حينَ أَدعُو وَوالِدٌ / شَقيقٌ وَخِلٌّ لا يَخُونُ وَكالي
كَفى ساكِنَ البَحرَينَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَناءَ بِأعباءٍ تكِدنَ ثِقالِ
فَلولاهُ لا زالَ الرَفيعَ عِمادُهُ / لَصال عَلَيها الدَهرُ كُلَّ مصالِ
فَدامَ لَهُ طُولُ البَقاءِ مُعَظَّماً / لِعَقرِ مَتالٍ أَو لِمَنعِ نَوالِ
وَلا زالَ يَعلُو في السَعادَةِ جَدُّهُ / وَيَنمى بَلا نَقصٍ بِماءِ هِلالِ
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي / إِنَّ الفَتى لَم يَزَل كَلّاً عَلى الإِبِلِ
وَسائِلي وارِدَ الرُكبانِ عَن خَبَري / يُنبيكِ أَنّيَ عَينُ الماجِدِ البَطَلِ
لا أَشرَبُ الماءَ ما لَم يَصفُ مَورِدُهُ / وَلا أَقولُ لِمُعوَجِّ الوِصالِ صِلِ
تُكَلِّفِيني مُقاماً بَينَ أَظهُرِكُم / وَلَيسَ يَبدُو فِرِندُ السَيفِ في الخِلَلِ
ما دامَتِ البيضُ في الأَجفانِ مُغمَدَةً / فَما يَبينُ لَها في الهامِ مِن عَمَلِ
وَفي التَنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وَعُلاً / لَم يَكمُلِ البَدرُ لَولا كَثرَةُ النَقلِ
وَالمَندَلُ الرَطبُ في أَوطانِهِ حَطَبٌ / وَقَد يُقوَّمُ في الأَسفارِ بِالجُملِ
داوَيتُكُم جاهِداً لَو أَنَّ داءَكُمُ / مِمّا يُداوى بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَكُلَّما زادَ نُصحي زادَ غَيُّكُمُ / لا بارَكَ اللَهُ في وُدٍّ عَلى دَخَلِ
أَسَأتمُ وَظَنَنتُم لا أَباً لَكُمُ / أَن لا أُحِسَّ بِطَعمِ الصابِ في العَسَلِ
إِن أَترُكِ العَودَ في أَمرِ اِغتِنائِكُمُ / فَنَهلَةُ الطَرفِ مَجزاةٌ عَنِ العَلَلِ
كَم قَد غَرَستُ مِنَ الإحسانِ عِندَكُمُ / لَو يُثمِرُ الغَرسُ في صَفواءَ مِن جَبَلِ
لا تَحسَبُوا أَنَّ بُعدَ الدارِ أَوحَشَني / البُعدَ آنَسُ مِن قُربٍ عَلى دَغَلِ
لَقَد تَبَدَّلتُ مِنكُم خَيرَ ما بَدَلٍ / فَاِستَبدِلُوا الآنَ مِنّي شَرَّ ما بَدَلِ
شَرُّ الأَخِلّاءِ مَن تَسري عَقارِبُهُ / لا خَيرَ في آدِمٍ يُطوى عَلى نَغلِ
لا تَنقِمُونَ عَلى مَن لا يَبيتُ لَكُم / مِنهُ سَوامٌ وَلا عِرضٌ عَلى وَجَلِ
يُزانُ ناديكُمُ يَومَ الخِصامِ بِهِ / كَما تُزانُ بُيُوتُ الشِعرِ بِالمَثَلِ
إِذا خَطِيبُكُم أَكدَت بَلاغَتُهُ / أَجابَ عَنهُ فَلَم يُقصِر وَلَم يُطِلِ
أَثرى زَماناً فَلَم يَذمُمهُ سائِلُهُ / وَقَلَّ مالاً فَلَم يَضرَع وَلَم يَسَلِ
يَكسُوكُمُ كُلَّ يَومٍ مِن مَحاسِنِهِ / وَمَجدِهِ حُلَلاً أَبهى مِنَ الحُلَلِ
وَلَم يَزَل هَمُّهُ تَشييدَ مَجدِكُمُ / يَوَدُّ لَو أَنَّهُ أَوفى عَلى زُحَلِ
يُهينُ في وُدِّكُم مَن لا يَوَدُّ لَهُ / هُوناً وَيُكرِمُ فيهِ عِلَّةَ العِلَلِ
إِن قُلتُمُ الخَيرَ يَوماً قالَ مُبتَجِحاً / عَنكُم وَإِن قُلتُمُ العَوراءَ لَم يَقُلِ
ما ضَرَّكُم لَو وَفَيتُم فَالكَريمُ إِذا / حالَ اللَئيمُ وَفى طَبعاً وَلَم يَحلِ
أَلَستُ أَوفاكُمُ عَهداً وَأَحلَمُكُم / عَقداً وَأَقوَمُكُم بِالفَرضِ وَالنَفَلِ
أَلَيسَ بَيتُكُم في العِزِّ مَركَزُهُ / بَيتي فَما كانَ مِن فَخرٍ فَمِن قبلي
أَلَستُ أَطوَلَكُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ / باعاً وَأَحملَكُم لِلحادِثِ الجَلَلِ
كَم يَنفُقُ الغِشُّ فِيكُم وَالنِفاقُ وَكَم / لا تَرغَبُونَ إِلى نُصحٍ ولا عَذَلِ
إِن يُمسِ مَقتُكُمُ حَظّي فَحُقَّ لَكُم / الوَردُ مِن قُربِهِ يُغمى عَلى الجُعَلِ
وَإِن عَكَفتُم عَلى من لا خَلاقَ لَهُ / دُوني فَقَد عَكَفَت قَومٌ عَلى هُبَلِ
أَمَّلتُ دَفعَ مُلِمّاتِ الخُطوبِ بِكُم / فَآهِ واشَقوتا مِن خَيبَةِ الأَمَلِ
وَكُنتُ أَحسَبُكُم مِمَّن تَقرُّ بِهِ / عَيني فَأَلفَيتُكم مِن سُخنَةِ المُقَلِ
إِن يَخفَ ما بَينَكم فَضلي فَلا عَجَبٌ / لا يَستَطيعُ شُعاعَ الشَمسِ ذُو السَبَلِ
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَنباءُ ما بَرِحَت / تُسايِرُ الريحَ بِالأَسحارِ وَالأُصُلِ
هَل جاءَ قَومي وَأَخداني الَّذينَ هُمُ / إِن أُرمَ مِن قِبَلِ الرامينَ لا قِبلي
بِأَنَّني لَم أَرِد وِرداً أُعابُ بِهِ / وَلَم أَقِف ذاتَ يَومٍ مَوقِفَ الخَجَلِ
كَسَوتُ قَومِيَ وَالبَحرَين ثَوبَ عُلاً / يَبقى جَديداً بَقاءَ الحُوتِ وَالحَملِ
لَقَد تَقَدَّمتُ سَبقاً مَن تَقَدَّمَني / سِنّاً وَأَدرَكَ شَأوي فارِطَ الأوَلِ
بِذاكَ قُدوَةُ أَهلِ العِلمِ قاطِبَةً / أَبو البَقاءِ مُحِبُّ الدَينِ يَشهَدُ لي
هُوَ الإِمامُ الَّذي كُلٌّ لَهُ تَبَعٌ / مِن كُلِّ حافٍ عَلى الدُنيا وَمُنتَعِلِ
فَما الخَليلُ لَهُ مِثلٌ يُقاسُ بِهِ / وَهَل يُقايَسُ بَينَ البَحرِ والوَشَلِ
وَبَعضِ غُلمانِهِ يَكفي فَكَيفَ بِهِ / مُهَذَّباً لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
وَلَم يَقُل وَحدَهُ ما قالَ بَل شَهدَت / بِهِ الأَفاضِلُ مِن بَغدادَ عَن كَمَلِ
وَلَيسَ في الشِعرِ مِن فَضلٍ يَطُولُ بِهِ / مِثلي وَلَو فاقَ أَعلى سَبعِها الطُوَلِ
بَل فَضلُ مِثلِيَ أَن يَسمُو بِهِمَّتِهِ / عَن مَدحِ فَدمٍ عَن العَلياءِ في شُغُلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ / نَم في جِوارِ الهُمامِ السَيِّدِ البَطَلِ
وَلا تَرُعكَ خَيالاتٌ تَمُرُّ بِها / كانَت تَرُوعُكَ في أَيّامِكَ الأُولِ
فَقَد كَفاكَ مُقاساةَ الأَذى مَلكٌ / مُتَوَّجٌ بَينَ فَضلِ ذِي النَدى وَعَلي
وَيا أَخا المالِ لا تَوجَل وَباهِ بِهِ / في الناسِ وَاِقطَع عُرى مَن شِئتَ أَو فَصلِ
فَقد تَرى دَولَةَ الساداتِ قَد خَفَقَت / أَعلامُها وَتَوَلَّت دَولَةُ الخوَلِ
وَاِبعَث إِلى المُدنِ بِالبُشرى مُخَبِّرَةً / بِمُلكِ أَروَعَ لا عِيٍّ وَلا وَكِلِ
كَيما تَعُودَ إِلى الأَوطانِ آيِبَةً / قَومٌ رَأَوا قَبلُ فيها خَيبَةَ الأَمَلِ
جَلاهُمُ الضَيمُ عَنها فَاِغتَدَوا هَرَباً / مِن غَيرِ ما بغضَةٍ مِنهُم وَلا مَلَلِ
في أَرضِ فارِسَ لا يُحصى عَديدُهُمُ / وَفي العِراقَينِ مِلءُ السَهلِ وَالجَبَلِ
مُذَبذَبينَ عَن الأَوطانِ كُلّهمُ / مِن شِدَّةِ الشَوقِ وَالتِذكارِ في شُغُلِ
وَمَن أَقامَ بِها قامَت قِيامَتُهُ / وَعايَنَ النارَ مِن خَلفٍ وَمِن قُبُلِ
وَجاءَهُ كُلَّ يَومٍ مَن يُحاسِبُهُ / مِن غَيرِ فَرضٍ يُؤَدِّيهِ وَلا نَفَلِ
يَبيتُ آمِنُهُم مِمّا يُكابِدُهُ / فَوقَ الحَشِيَّةِ مِثلَ الشارِبِ الثَمِلِ
وَلَيسَ يَأمَنُ إِلّا مَن أُذَمُّ لَهُ / عَبدٌ نَشا مِن نِتاجِ الزِّنجِ كَالعَجَلِ
أَو خَلفُ سُوءٍ مِنَ الأَعرابِ هِمَّتُهُ / ما أَسخَطَ اللَهَ مِن قَولٍ وَمِن عَمَلِ
يا هاجِرَ الدارِ مِن خَوفٍ هَلُمَّ فَقَد / نادى بِكَ الأَمنُ أَن أَقدِم عَلى عَجَلِ
وَلا تَخَف فَالَّذي قَد كُنتَ تَعهَدُهُ / أَزالَهُ سَيِّدُ الأَملاكِ مُنذُ وَلي
أَبُو سِنانٍ حَليفُ المَكرُماتِ وَمَن / أَنافَ سُؤدُدُهُ السامي عَلى زُحَلِ
مُحيي البِلادِ وَقَد أَشفَت عَلى جُرُفٍ / هارٍ وَمانِعُها بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَباعِثُ العَدلِ حَيّاً بَعدَما صَرَخَت / وَأَعلَنَت أُمُّهُ بِالوَيلِ وَالثَكَلِ
لَو عادَ وَالِدُهُ حَيّاً وَخاصَمَهُ / مُستَضعَفٌ لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
كَم رَدَّ مَظلَمَةً قَد ماتَ ظالِمُها / وَلَم يُناقِش ذَوي الدَعوى وَلَم يَسَلِ
وَكَم يَدٍ في الأَذى وَالظُلمِ قَد بَسَطَت / كَفّاً فَبَدَّلَها مِن بَعدُ بِالشَلَلِ
هَذا وَكَم عَبدِ سُوءٍ كانَ هِمَّتُهُ / حَملَ النَمائِمِ وَالبُهتانِ وَالنَغَلِ
أَراحَ مِنهُ قُلوبَ المُسلِمينَ وَلَم / يَصحَب وَبَدَّلَهُ نِكلاً مِن النَكَلِ
وَكَم نَدِيِّ ضَلالٍ كانَ ذا لجَبٍ / سَطا فَأَخرَسَهُ عَن قَولِ لا وَهَلِ
أَحمى مِنَ المَرءِ جَسّاسِ بنِ مُرَّة إِذ / أَردى كُلَيباً بِعَزمٍ غَيرِ ذي فَشَلِ
لَم يَقبلِ العارَ في ضَيمِ النَزيلِ وَلَم / يَقنَع بِنَقصٍ وَلا يَحتَجُّ بِالعِلَلِ
أَحنى وَأَعدَلُ مِن كِسرى غَداةَ رَمى / بِالسَهمِ قَلبَ اِبنِهِ في الحَقِّ لَم يُبَلِ
وَلَيسَ يَعدِلُهُ الطائيُّ في كَرَمٍ / يَوماً وَكَيفَ يُقاسُ البَحرُ بِالوَشَلِ
وَأَينَ مِنهُ كُلَيبٌ في النِزالِ إِذا / عَضَّت حُدودُ السُرَيجِيّاتِ بِالقُلَلِ
سَل عَنهُ يَومَ أَغارَت في كَتائِبِها / خَيلُ القَطيفِ مِنَ القَرحا إِلى الجَبَلِ
يَحُثُّها مِن عُقَيلٍ كُلُّ ذي أَشَرٍ / مَولى فَوارِسَ لا ميلٍ وَلا عُزَلِ
أَعطى أَسِنَّتَهُم نَحرَ الجَوادِ وَلَم / يَسمَح لَهُم في مَجالِ الطَعنِ بِالكَفَلِ
حَتّى حَمى خَيلَهُ غَصباً وَساعَدَهُ / قَلبٌ جَرِيءٌ وَرَأيٌ غَيرُ ذي خَطَلِ
ثُمَّ اِنثَنى راجِعاً وَالنَصرُ صاحِبُهُ / يَمشي بِهِ المُهرُ مُختالاً عَلى مَهلِ
كَم مِن أَخي كُربَةٍ أَحيا بِصارِمِهِ / وَكَم أَماتَ بِهِ مِن ثائِرٍ بَطَلِ
وَكَم ظَلامِ وَغَىً جَلّى غَياهِبَهُ / مِن بَعدِ أَن صارَ وَقتُ الظُهرِ كَالطَفَلِ
يا طِيبَ أَيّامِهِ يا حُسنَ دَولَتِهِ / لَقَد أَبَرَّت عَلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
فَلَيتَ أَنّهُما داما وَدامَ وَلَم / يَكُن لَهُم أَبَدَ الأَيّامِ مِن دُولِ
لَولا الرَجاءُ الَّذي كُنّا نُؤَمِّلُهُ / فيها لَمُتنا بِغِلِّ النَفسِ عَن كملِ
لَكِن تحاتي حُشاشاتُ النُفوسِ إِذا / كادَت تَقضّى بِقَولٍ فيهِ مُتَّصِلِ
بِأَنَّهُ الثائِرُ المَنصُورُ يسنِدُهُ / عَن الرُواةِ عَن الأَبدالِ وَالرُسُلِ
بِهِ أَنارَت قُرى البَحرَينِ وَاِبتَهَجَت / بِقاعُها وَتَسَمَّت قُرَّةَ المُقَلِ
وَأَصبَحَت بَعدَ ثَوبِ الذُلِّ قَد لَبِسَت / ثَوباً مِنَ العِزِّ ذا وَشيٍ وَذا خَمَلِ
وَراحَ من حَلّها في رَأسِ شاهِقَةٍ / لَو رامَهَا الأَسوَدُ النَعّابُ لَم يَصِلِ
لَو حَلَّها آدَمٌ مِن بَعدِ جَنَّتِهِ / لَم يَبغ عَنها إِلى الفِردَوسِ مِن حِوَلِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادُوا مَمالِكَهُم / بِالمَشرَفِيّاتِ لا بِالمَكرِ وَالحِيَلِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهِيمَ كُلُّ فَتىً / مُنَزَّهِ العِرضِ مِن غِشٍّ وَمِن دَغَلِ
قَومٌ هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / وَفي وَفاءٍ وَفي حِلٍّ وَمُرتَحَلِ
يُمضُونَ في الناسِ ما قَالُوا وَغَيرُهُم / إِن أَنكَرُوا مِنهُ بَعضَ القَولِ لَم يَقُلِ
في كُلِّ حَيٍّ تَرى إِلّا أَقَلَّهُم / بَيتاً وَمَفخَرُ ذاكَ البَيتِ في رَجُلِ
وَأَنتُمُ مَعشَرٌ لَو رامَ طِفلُكُمُ / نَيلَ السَماءِ لَصَكَّ الحوتَ بِالحَملِ
مَن ذا يُعَدُّ كَعَبدِ اللَهِ جَدِّكُمُ / جَدّاً وَيَدعُو فَتىً كَالفَضلِ أَو كَعلي
وَمَن يُسامي أَبا المَنصُورِ وَالِدَكُم / فَخراً وَأَينَ الثَرى مِن مَعقَلِ الوَعلِ
وَمَن كَمِثلِ بَنيهِ يَومَ عادِيَةٍ / يَمشي الكُماةُ إِلَيها مِشيَةَ الوَجَلِ
وَفي أَبي مِسعَرٍ فَخرٌ تُقِرُّ بِهِ / كُلُّ القَبائِلِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلِ
وَأَينَ مِثلُ بَني الفَضلِ الَّذينَ إِذا / سُئِلُوا أَنالُوا بِلا مَطلٍ وَلا مَذلِ
وَلَو ذَكَرتُ مُلوكاً مِن أُبُوَّتِكُم / مَضَوا تَرَكتُ مُلوكَ الأَرضِ في خَجَلِ
لَكِن رَأَيتُ اِمتِداحيكُم بِسالفِكُم / في الجاهِلِيَّةِ نَفسُ العيِّ وَالخَطَلِ
لِأَنَّ مَن قَد رَأَينا مِن أَماجِدِكُم / بِبَعضِهِم يَكتَفي السامي عَلى الأُوَلِ
وَأَنتَ يابا سِنانٍ مِنهُمُ خَلَفٌ / وَذَلِكَ النُبلُ مِن آبائِكَ النّبلِ
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَغَدَت / أُمُّ العِدى بِكَ أُمّ الوَيلِ وَالهَبَلِ
وَعاشَ أَبناؤُكَ الغُرُّ الَّذينَ هُمُ / في الجُودِ وَالبَأسِ فينا غايَةُ الأَمَلِ
فَفي حَياتِكُمُ صَفوُ الحَياةِ لَنا / بِغَيرِ شَكٍّ وَطيبُ اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيامِ حاسِدُكُم / وَإِن يَعِش فَبِذُلٍّ غَيرِ مُنتَقِلِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ / بَدرٌ وَبَحرٌ وَثُعبانٌ وَرئبالُ
لا تَحلِفَنَّ بِقَولِ المُرجِفينَ وَما / قَد زَخرَفُوا فَعَلى ذا الوَضعِ ما زالُوا
فَقَد عَهِدتُكَ طَوداً ما تُزَعزِعُهُ / نَكباءُ عادٍ فكَيفَ القِيلُ وَالقالُ
مَن ذا يَهُمُّ بِغابٍ أَنتَ ضيغمُهُ / وَحَولَكَ الأُسدُ في الماذِيِّ تَختالُ
قَد كُنتَ وَحدَكَ لا جُندٌ وَلا عَدَدٌ / وَقَد أَتَوكَ فَقُل لي ما الَّذي نالُوا
هَل غَيرُ إحراقِ غَلّاتٍ وَقَد شَقِيَت / بِهِم عَجائِزُ هِمّاتٌ وَأَطفالُ
وَكُلُّ ذا لَيسَ يُشفى غَيظَ ذي حَنَقٍ / وَكَيفَ يَشفي غَليلَ الحائِمِ الآلُ
وَأَنتَ لَو شِئتَ أَضحَت كُلُّ ناحِيَةٍ / مِن أَرضِهِم وَبِها نَوحٌ وَإِعوالُ
لَكِن أَبى لَكَ حِلمٌ راسِخٌ وَتُقىً / ما لا تَوَهَّمهُ غَوغاءُ جُهّالُ
وَأَنتَ تَعلَمُ لازِلتَ المَنيعَ حِمىً / أَنَّ الشَدائِدَ لِلساداتِ غِربالُ
قَد أَحسَنَ المُتَنَبّي إِذ يَقولُ وَما / زالَت لَهُ حِكَمٌ تُروى وَأَمثالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيّدٌ فَطِنٌ / لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
وَأَنتَ ذاكَ الَّذي نَعني فَلا اِنقَطَعَت / إِلى القِيامَةِ لِلراجيكَ آمالُ
وَسُرَّ وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَمِّ فَقَد / وَافاكَ يَصحَبُهُ نَصرٌ وَإِقبالُ
وَاِسلَم وَدُم في نَعيمٍ شامِلٍ وَعُلاً / ما دامَ لِلعَيشِ بِالوَعساءِ إِرقالُ
كَمالَ الدّينِ أَنتَ لِكُلِّ خَيرٍ
كَمالَ الدّينِ أَنتَ لِكُلِّ خَيرٍ / وَعارِفَةٍ تُفيدُ الشُكرَ أَهلُ
مُخائِلُكَ الجَميلَةُ أَخبَرَتنِي / بِأَنَّكَ لا يَبُورُ لَدَيكَ فَضلُ
وَها أَنا كُلَّما اِستَأذَنتُ قالَت / لِيَ الحُجّابُ لِلمَخدُومِ شُغلُ
فَإِن قُلتُ اِعلمُوهُ بِغَيرِ إِذنٍ / مَقالَةَ مَن لَهُ أَدَبٌ وَعَقلُ
رَأَيتُ لِكُلِّهِم عَنّي اِزوِراراً / جُنوحَ العِجلِ مالَ عَلَيهِ عِجلُ
وَطالَ عَناي يَوماً بَعدَ يَومٍ / وَكُلُّهُمُ عَلَيهِ ذاكَ سَهلُ
وَلَولا كَثرَةُ الأَشغالِ فَاِعلَم / لَما خَفَقَت إِلى ناديكَ نَعلُ
وَإِهداءُ السَلامِ إِلَيكَ شَأني / فَهَل لِسلامِ مُصفي الوُدِّ ثِقلُ
وَلِلحُجّابِ وَهمٌ غَيرُ هَذا / وَلِلأَوهامِ في الأَذهانِ فِعلُ
وَلا وَاللَهِ ما بِدُخُولِ مِثلي / عَلَيكَ يَفُوتُ أَهلَ الذَنبِ ذَحلُ
فَإِنّي بِعتُ مَركُوبي وَما لي / سِواهُ يَدٌ أَنُوءُ بِهِ وَرَحلُ
بِأَوكَسِ قِيمَةٍ في شَرِّ وَقتٍ / وَعَضلُ البَيعِ في الحاجاتِ بسلُ
وَقُلتُ أَقي بِهِ عِرضي لِئَلّا / يَرَى حَسَبي بِعَينِ النَقصِ نَذلُ
وَكُلٌّ عالِمٌ لَكِن خَضُوعي / لِغَيرِ عُلاكَ بَعدَ اللَهِ خَبلُ
فَما رابَ المُجاهِدَ مِن دُخولي / وَأَبيَكَ إِنَّ ذا لَعَمىً وَجَهلِ
وَذا حِينَ الوداعِ وَسَوفَ يَأتي / ثَناءٌ يُطرِبُ الأَسماعَ جَزلُ
فَلا عَبَثَت بِساحَتِكَ اللَيالي / فَإِنَّكَ لِلصَّديقِ يَدٌ وَنَصلُ
وَلا بَرِحَت عِداتُكَ حَيثُ كانُوا / وَكُلُّ حَياتِهِم حَربٌ وَثَكلُ
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا / وَأَبقَيتُها تَحكي الحَنايا نَواحِلا
لِذا اليَومِ كَم نَفَّرتُ عَن زُغبِها القَطا / وَنَبَّهتُ ذُؤبانَ الفَلاةِ العَواسِلا
لِذا اليَومِ كَم مِن حُوتِ بَحرٍ ذَعَرتُهُ / وَكَم رُعتُ لَيثاً أَعصَلَ النابِ باسِلا
لِذا اليَومِ كَم جاثٍ بِغابٍ أَثَرتُهُ / وَغادَرتُ هَيقاً يَمسَحُ الأَرضَ جافِلا
لِذا اليَومِ نَكَّبتُ الجَزيرَةَ راجِعاً / وَإِربِلَ لَم أَعطِف عَلَيها وَبابِلا
لِذا اليَومِ فارَقتُ اِختيارَاً أَحِبَّتي / وَأَهلَ وِدادي وَالمُلوكَ الأَفاضِلا
فَكَم خُضتُ رَجوى اليَومِ مِن لُجِّ مُزبِدٍ / يُظنُّ اِصطِفاقُ المَوجِ فيهِ مَشاعِلا
وَكَم جُبتُ مِن مَوماةِ أَرضٍ تَرى بِها / مَعَ الآلِ حَقَّ العَينِ وَالأُذنِ باطِلا
تَخالُ بِها الحِرباءَ في رَأسِ جذلَةٍ / شَبيحاً مِنَ البدوانِ لِلعرضِ ماثِلاً
وَتَحسبُ فيها الثُعلُبانَ مُجَدَّلاً / مِنَ الخَيلِ إِذ تَعلُو كَثيباً مُقابِلا
وَإِن عَرَضَت فيها الرِئالُ حَسِبتَها / بخاتِيَّ تَحمِلنَ الرَوايا قَوافِلا
وَحَيِّ عِدىً قَد طالَ ما نَذَروا دَمي / فَلَو ظَفَروا بِي عَمَّمُوني المَناصِلا
تَخَطَّيتُهُم هُدءاً مِن اللَيلِ بَعدَما / تَنَكَّبَ حادي النَجمِ لِلغَربِ مائِلا
وَلَو لَم أُمَنِّ النَفسَ في كُلِّ ساعَةٍ / بِذا اليَومِ لَم تَعدَم مِنَ الهَمِّ قاتِلا
إِذا ما اِنقَضَت أَيّامُ عادٍ تَرَكتُها / وَقُلتُ نُرَجّي ذَلِكَ اليَومَ قابِلا
فَيا سَعدَهُ يَوماً بِلُقيايَ سَيِّداً / أَبَرَّ عَلى الساداتِ حَزماً وَنائِلا
بِلُقيايَ مَلكاً زَيَّنَ المُلكَ مُذ رَقَى / ذُراهُ وَحَلّى مِنهُ ما كانَ عاطِلا
هُماماً أَبَت هِمّاتُهُ أَن تَرى لَهُ / عَلى الأَرضِ في بَأسٍ وَجُودٍ مُماثِلا
جَميلَ الثَنا عَذبَ السَجايا مُهَذَّباً / أَشَمَّ طَويلَ الباعِ قَرماً حُلاحِلا
رَزينَ حَصاةِ الحِلمِ أَلوى مُمَاحِكاً / لِأَعدائِهِ طَلّابَ وَترٍ مُماطِلا
سَريعاً إِلى الجُلّى بَطيئاً عَنِ الخَنا / قَؤُولا لِما يُعيي الرِجالَ المَقاوِلا
مِنَ الصارِمِ الهِنديّ أَمضى عَزائِماً / وَأَصدَقَ مِن نَوءِ الثُرَيّا مَخائِلا
يُخافُ وَيُرجى حالَةَ السُخطِ وَالرِضا / وَما قالَ إِلّا كانَ لِلقَولِ فاعِلا
سَما لِلعُلى طِفلاً وَحالَ اِثِّغارِهِ / سَقى مِن نُحورِ الدارِعينَ العَوامِلا
وَدانَت كُماةُ الحَربِ غَصباً لِبأسِهِ / وَلَمّا تَجُز في السِنِّ عَشراً كَوامِلا
فَيا سائِلاً عَنهُ وَما مِن جَهالَةٍ / تُسائِلُ بَل تُبدي لِأَمرٍ تَجاهُلا
سَلِ الخَيلَ عَنهُ يَومَ تَكسُو حُماتَها / طَيالِسَةً مِن نَسجِها وَغَلائِلا
أَلَم يَكُ أَمضاها جَناناً وَصارِماً / وَأَطوَلَها إِذ ذاكَ باعاً وَذابِلا
أَلَم يَأتِ مِن أَرضِ الشَواجِنِ يَختَطي / حَرابِيَّ أَجوَازِ الفَلا وَالخمائِلا
كَسَهمِ عَلاءٍ أَو كَما اِنقَضَّ كَوكَبٌ / يُعارِضُ عِفرِيتاً مِنَ الجَوِّ نازِلا
فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حَتّى أَناخَها / ضُحىً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا
وَقَبلَ أَذانِ العَصرِ نُودي بِمُلكِهِ / نِداءاً أَرانا الدَهرَ يَفتَرُّ جاذِلا
وَلَم يَرزَ مَنصُوراً فَتيلاً لِمُلكِهِ / عَلَيهِ وَلا أَولاهُ إِلّا فَواضِلا
وَذُو المَجدِ لا يَرضى عُقوقاً وَلا أَذىً / لِذِي رَحِمٍ لَو لَم يَكُن قَبلُ واصِلا
وَلَو لَم يَخَف أَن يَذهَبَ المُلكُ لَم يَرُح / عَلى اِبنِ أَخيهِ مُدَّةَ الدَهرِ صائِلا
وَلَم يَبغِ فيهِ مُسعِداً غَيرَ نَفسِهِ / وَمِثلُ عِمادِ الدِينِ يَكفي قَبائِلا
سِوى أَنَّ مِن نَسلِ المُفَدّى عِصابَةً / أَبَوا أَن يُطِيعُوا في هَواهُ العَواذِلا
وَما ذاكَ إِلّا أَن رَأَوا مِثلَ ما رَأى / وَقَد يَحفَظ الدُولاتِ مَن كانَ عاقِلا
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ مُحَمَّدٌ / إِذا البيضُ نُوزِعنَ البُرى وَالمَجاوِلا
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ رَمَت بِهِم / شَآمِيَّةٌ تُزجي سَحاباً حَوافِلا
وَنِعمَ المُراعى لِلنَزيلِ وَطالَما / أَحَلَّت رِجالٌ بِالنَزيلِ النَوَازِلا
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ في يَوم لا تَرى / لِكِلمَةِ فَصلٍ تَرفَعُ الشَكَّ قائِلا
أَعَزُّ وَأَوفى مِن عُمَيرٍ وَحارِثٍ / وَأَكرمُ مِن كَعبٍ وَأَوسٍ شَمائِلا
وَأَصدَقُ بَأساً مِن كُلَيبٍ إِذا غَدا / يَجُرُّ إِلى حَربِ المُلوكِ الجَحافِلا
وَأَحَلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يَرُح / يُطَوِّقُ عاراً أَو يُمَوِّقُ جاهِلا
وَأَمنَعُ جاراً مِن يَزيدٍ وَهانِئٍ / وَجَسّاسٍ الساقي حَسا المَوت وائِلا
إِذا ما رَأَيناهُ ذَكَرنا مُحَمَّداً / أَباهُ فَبَشَّرنا مَضيماً وَآمِلا
وَقُلنا لِأَبناءِ المُلوكِ تَوَقَّعُوا / لَهُ فَرَجاً يَأتي بِهِ اللَهُ عاجِلا
وَأَيُّ فَتى مَجدٍ وَمُجدي رَغائِبٍ / وَمِحضَأ حَربٍ يَترُكُ الشَيخَ ذاهِلا
وَشَلّالُ مَغشاةٍ وَحَلّالُ تَلعَةٍ / حَمى الخَوفُ خُبراواتِها وَالمَسائِلا
فَيا باعَلِيٍّ يا اِبنَ مَن فاقَ مَجدُهُ / أَواخِرَ أَربابِ العُلا وَالأَوائِلا
مَلَكتَ فَسِر فِيمَن مَلَكتَ بِسِيرَةٍ / تَسُرُّ مُقيماً في ذُراكُم وَراحِلا
وَكُن مِثلَ ما قَد كانَ والِدُكَ الَّذي / تَلَقَّيتَهُ وَاِعمَل بِما كانَ عامِلا
وَأَدرِك رَعايا ضَيَّعَتها رُعاتُها / وَراحَت لِضُبعانٍ وَذِئبٍ أَكايِلا
فَأَنت لَعَمري بَينَ خالٍ وَوالِدٍ / يُعيدانِ لِلعَليا سَناماً وَكاهِلا
أَبُوكَ الَّذي لَم تَحمِلِ الخَيلُ مِثلَهُ / إِذا أَجهَضَ الرَوعُ النِساءَ الحَوامِلا
مَضى لَم يُدَنِّس عِرضَهُ بِرَذِيلَةٍ / وَلا راحَ لِلمَولى وَلا الجارِ خاذِلا
وَمَن يَدَّعي خالاً كَخالِكَ يَدَّعي / مُحالاً وَإِفكاً مُستَحيلاً وَباطِلا
وَمَن كَحُسَينٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّة / تُريكَ البَليغَ النَدبَ فِدماً مُوائِلا
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً لا مُضَيِّعاً / صَديقاً وَلا عَن صارِخٍ مُتَثاقِلا
حَمُولا لَما حَمَّلتَهُ ذا فَظاظَةٍ / عَلى مَن يُعادي أَلمَعِيّاً مُناضِلا
وَما بَرِحُوا آلَ المُفَدّى لِجارِهِم / وَلِاِبنِ أَخيهِم حِيثُ كانُوا مَعاقِلا
وَغَزوانَ فَاِحفَظ وُدَّهُ وَاِحتَفِظ بِهِ / تَجِد سَيفَ عَزمٍ في مَراضِيكَ فاصِلا
وَقابِل بِهِ كَيدَ العَدُوِّ وَصِل بِهِ / جَناحَكَ واِجعَلهُ لِعَلياكَ حائِلا
فَما فيهِ تَضييعٌ عَلَيكَ وَلا تَرى / لَهُ في مَراضي مَن تُصافي مُشاكِلا
وَأَيُّ رَئيسٍ لا يُرى دُونَ مالِهِ / صَديقٌ وَلا عافٍ يُرَجِّيهِ حائِلا
وَجُندُكَ رُشهُم ما اِستَطَعتَ وَلا تَكُن / وَإِن غَفِلُوا عَن رَبِّهِم مُتَغافِلا
فَما الجُندُ إِلّا جُنَّةٌ تَتَّقي بِها / غَوائِلَ مَولىً أَو عَدُوّاً مُصاوِلا
وَلا تُهمِلَن وُدّي لَكُم وَقَرابَتي / وَأَشعارِيَ اللّاتي مَلَأنَ المَحافِلا
فَكَم لِيَ في عَلَياكُمُ مِن غَريبَةٍ / يَظَلُّ مُسامِيكُم لَها مُتَضائِلا
نَتائِجُ فِكرٍ غادَرَت كُلَّ فِكرَةٍ / نَتُوجٍ لِما يَحلُو مِنَ الشِعرِ حائِلا
وَكَم غُصَصٍ جُرِّعتُها في هَواكُمُ / وَلَم أُصغِ سَمعاً لِلَّذي جاءَ عاذِلا
وَفارَقتُ أَهلي غَيرَ قالٍ وَأُسرَتي / وَولدِيَ خِلّانَ الصِبا وَالمَنازِلا
وَإِنَّ مَديحي غَيرَكُم غَيرُ رائِقٍ / وَلَو أَنَّني بُلِّغتُ فيهِ الوَسائِلا
بَقيتَ لَنا يابا عَلِيٍّ لِنَقتَضي / بِكَ الثارَ مِن أَيّامِنا وَالطَوائِلا
وِعاشَ اِمرُؤٌ يَشناكَ ما عاشَ خائِفاً / قَليلاً ذَليلاً خاشِعَ الطَرفِ خامِلا
وَيهنيكَ ذا المُلكُ الَّذي عَمَّ يُمنُهُ / عُقَيلاً وَأَحيا عَبدَ قَيسٍ وَوائِلا
وَدُونَكَ مِن تَيّارِ بَحرٍ إِذا طَمى / أَراكَ بِحارَ الأَرضِ جَمعاً صَلاصِلا
وَأَنفَذتُها في حِكمَةٍ وَبَلاغَةٍ / كَسَت حُلَّةً مِن بَعدِ عَهدِكَ عاقِلا
ما شِئتُما يا صاحِبَيَّ فَقُولا
ما شِئتُما يا صاحِبَيَّ فَقُولا / هَيهاتَ لَن تَجِدا لَدَيَّ قَبُولا
لَو ذُقتُما ما ذُقتُ مِن أَلَمِ الجَوى / لَم تُكثِرا قالاً عَلَيَّ وَقِيلا
قَد قُلتَ لِلقَلبِ اللَحُوحِ وَما نَأَت / دارٌ وَما عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا
أَصَبابَةً وَأَسىً وَما حَدَجُوا لَهُم / عِيساً وَلا شَدّوا لَهُنَّ حُمُولا
هَذا الغَرامُ فَكَيفَ لَو نادى بِهِم / بَينٌ وَأَصبَحَتِ الدِيارُ طُلولا
فَاِستَبقِ دَمعَكَ وَالحَنين لِساعَةٍ / تَذَرُ الأبيلَ مِن الرِجالِ وَبِيلا
وَإِنِ اِستَطَعتَ غَداةَ داعِيَةِ النَوى / فَاِجعَل لِدَمعِكَ في الدِيارِ سَبيلا
أَنَسيمَ نَجدٍ بِالمُهَتَّكِ سُحرَةً / لِشِفاءِ ذي الكَبدِ العَليلِ عَليلا
اِحمِل إِلى أَرضِ العِراقِ رِسالَةً / عَنّي فَما أَرضى سِواكَ رَسُولا
وَالبَصرَةَ الفَيحاءَ لا تَتَخَلَّفَن / عَنها وَلا تَتَجاوَزَنها مِيلا
وَاِجعَل مُرُورَكَ مِن هُذَيلٍ إِنَّها / أَرضٌ أُحِبُّ جَنابَها المَأهُولا
وَأَفِض عَلَيها أَلفَ أَلفِ تَحِيَّةٍ / بِالمِسكِ تَفتُقُ بُكرَةً وَأَصيلا
وَاِخصُص بِأَكثَرِها الهُمامَ المُرتَجى ال / مَلكَ الأَغَرَّ الماجِدَ المَأمُولا
الأَروَعَ النَدبَ السَرِيِّ العالِمَ ال / حبرَ الجَرِيَّ السَيِّدَ البهلُولا
الحامِلَ العِبءَ الَّذي لَو رازَهُ / حَضَنٌ لآبَ بِظَهرِهِ مَحزُولا
مُعفي العُفاةِ مِن السُؤالِ فَقَلَّما / تَلقاهُ يَومَ عَطائِهِ مَسؤُولا
يُعطي الجَزيلَ مِنَ النَوالِ فَلا يَرى / إِلّا كَعابِرَةٍ عَلَيهِ سَبيلا
وَيَعُمُّ في إِعطائِهِ فَتَخالُهُ / بِجَميعِ أَرزاقِ العِبادِ كَفيلا
لا يُمسِكُ الدِينارَ إِلّا رَيثَما / يَلقى اِبنَ نَيلٍ لَم يُلاقِ مُنيلا
وَمَتى يَقُم مَعَهُ لِأَمرٍ ساعَةً / مِن يَومِهِ فَلَقَد أَقامَ طَويلا
العابِدُ المُحيي قِياماً لَيلَهُ / إِذ ناشِئاتُ اللَيلِ أَقوَمُ قِيلا
وَالزاهِدُ الصَوّامُ غَيرُ مُخَصِّصٍ / بِالصَومِ كانُوناً وَلا أَيلُولا
يا سائِلاً عَنهُ أَعَن شَمسِ الضُحى / تَعمى لَقَد فُقتَ الوَرى تَغفيلا
سِر تَلقَهُ واِبغِ الدَليلِ لِغَيرِهِ / فَالصُبحُ لا تَبغي عَلَيهِ دَليلا
وَإِنِ اِعتَرَتكَ جَهالَةٌ طَبَعِيَّةٌ / فَاِسكُت وَطُف تِلكَ الدُروبَ قَليلا
وَعَلَيكَ بِالبابِ الَّذي لا حاجِباً / تلقى بِسُدَّتِهِ وَلا قِنديلا
لَكِن تَرى الفُقَراءَ مُحدِقَةً بِهِ / زُمَراً وَأَبناءَ السَبيلِ نُزُولا
وَالمُوضِحينَ لِما رَأَوا وَبِما رَوَوا / شَرعَ الرَسولِ مُعَلَّلاً تَعليلا
وَذَوي الوُجُوهِ الصُفرِ شَفَّ جُسُومَها / إِشفاقُها وَكَسا الشِفاهَ ذُبولا
هَذا يَرومُ قِرىً وَذاكَ قِراءَةً / سُمِعَت عَن المُختارِ عَن جِبريلا
فَهُناكَ أَلقِ عَصا المَسيرِ تَجِد ثَرىً / دَمثاً وَظِلّاً لا يَزالُ ظَليلا
وَذُرىً تَقيكَ القُرَّ حينَ هُجُومِهِ / وَالحَرَّ لا وَحماً وَلا مَملُولا
يا عادِلاً بِأَبي شُجاعٍ غَيرَهُ / أُتُراكَ لا نَظراً وَلا مَعقُولا
تَأبى مَكارِمُ باتِكينَ بِأَن تَرى / أَحَداً لَهُ في ذا الزَمانِ عَديلا
جَرَتِ المُلوكُ فَلم تَشُقَّ غُبارَهُ / وَجَرى فَشَقَّ غُبارَها مَشكولا
لَو لَم يَكُن بِالبَصرَةِ اِنقَلَبَت بِمَن / فيها وَجَرَّ بِها الخَرابُ ذُيولا
كانَت سَواداً قَبلَهُ فَأَعادها / مِصراً تَرُوقُكَ مُمسِئاً وَمَقيلا
بِالمُبرِمِ الأَسواقَ وَالسُورِ الَّذي / مَنَعَ الأَعادي أَن تَميلَ مَمِيلا
وَالرّبطِ بَينَ مَدارِسٍ وَمَشاهِدٍ / شَرُفَت وَفُضِّلَ أَهلُها تَفضيلا
أَحيَا بِها لِلشافِعِيِّ وَمالِكٍ / وَأَبي حَنيفَةَ أَحرُفاً وَفُصُولا
وَبِجامِعٍ نَدَّ الجَوامِعِ كُلَّها / حُسناً وَعَرضاً في البِناءِ وَطُولا
لَولا اِتِّفاقُ حَريقِهِ في عَصرِهِ / لَعَفا وَعُطِّلَ رَسمُهُ تَعطيلا
كَم مِن رُواقٍ زادَ فيهِ وَحُصرُهُ / زادَت إِلى تَرفيلِهِ تَرفيلا
وَبَنى بِهِ لِلمُسلِمينَ مُقَرمَداً / تَرَكَ الخَوَرنَقَ في العُيونِ ضَئيلا
وَلَقد مَضَت حُقبٌ بِها وسُراتُها / نَهبٌ فَأَنقَذَ شِلوَها المَأكُولا
أَفعالُهُ لِلّهِ خالِصَةٌ فَما / تَلقى لِمُعتَقدِ الرِياءِ مَثيلا
لَو كانَ في الأُمَمِ الخَوالي مِثلهُ / مَلكٌ لَما بَعَثَ الإِلَهُ رَسُولا
يفديكَ شَمسَ الدّينِ قَومٌ لا تَرى / حَبلاً لَهم بِفَضيلَةٍ مَوصُولا
مِن كُلِّ مَغلُولِ اليَدَينِ عَنِ النَدى / فاقَ اليَهُودَ لآمَةً وَغُلولا
يَبدُو بعُثنُونٍ لَهُ قُبحاً لَهُ / لِقُرَيظَةٍ أَو لِلنَضيرِ سَليلا
زُمَّيلَةٌ فَإِذا المَظالِمُ أُسنِدَت / يَوماً إِلَيهِ رَأَيتَهُ إِزميلا
لا يَتَّقي اللَهَ العَلِيَّ وَلا يَرى / لِشَقائِهِ الفِعلَ الجَميلَ جَميلا
جَمَعَ الحُطامَ وَسَلَّ سَيفاً دُونَهُ / لَؤماً وَسَبَّلَ عِرضَهُ تَسبيلا
لَو أَنَّهُ حُمِلَت إِلَيهِ بَقَّةٌ / لأَضاعَ مِن مالِ الأمانَةِ فِيلا
لَولاكَ ما وَرَّيتُ لَكِن أَتَّقي / بَقَراً يَعُدُّونَ الصَحيحَ فُضولا
فَاِسلَم وَدُم يابا شُجاعٍ لِلعُلى / وَالمَجدِ ما دَعَتِ الحَمامُ هَديلا
تُعطي وَتَمنَعُ ما تَشاءُ وَلا تُرى / إِلّا مُذيلاً عِزَّةً وَمُنيلا
في ظِلِّ خَيرِ خَلِيفَةٍ مِن هاشِمٍ / وَرِثَ الكِتابَ وَأُلهِمَ التَنزيلا
وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَبِّ سَعادَةً / تَبقى وَتُبلِغُكَ المُنى وَالسُولا
وَتُريكَ حاسِدَكَ المُسَفِّهَ نَفسَهُ / حَرِضاً قَليلاً في الأَنامِ ذَليلا
بِالسَيفِ يُفتَحُ كُلُّ بابٍ مُقفَلٍ
بِالسَيفِ يُفتَحُ كُلُّ بابٍ مُقفَلٍ / وَتُحَلُّ عُقدَةُ كُلِّ خَطبٍ مُشكِلِ
فَاِقرَع إِذا صادَفتَ باباً مُرتَجاً / بِالسَيفِ حَلقَةَ صَفقَتَيهِ تَدخُلِ
وَإِذا بَدَت لَكَ حاجَةٌ فَاِستَقضِها / بِالمَشرَفِيَّةِ وَالرِماحِ الذُبَّلِ
لا تَسأَلَنَّ الناسَ فَضلَ نَوالِهِم / وَاللَهَ وَالبِيضَ الصَوارِمَ فَاِسأَلِ
فَالسَيفُ أَكرَمُ مُجتَدىً يَمَّمتَهُ / فَإِذا تَلُوذُ بِهِ فَأَمنَعُ مَعقِلِ
وَاِجعَل رَسُولَكَ إِن بَعَثتَ إِلى العِدى / زُرقَ الأَسِنَّةِ فَهيَ أَصدَقُ مُرسَلِ
وَاِعلَم هُدِيتَ وَلا إِخالُكَ جاهِلا / أَنَّ الرَسولَ يُبينُ عَقلَ المُرسِلِ
وَاِقعُد وَأَرضُكَ ظَهرُ أَجرَدَ سابِحٍ / وَسَماؤُكَ الدُنيا غَيابَةُ قَسطَلِ
كُن كَاِبنِ مَسعُودٍ حُسَينٍ في النَدى / وَالبَأسِ أَو فَعَنِ المَكارِمِ فَاِعدِلِ
الطاعِنِ الفُرسانَ كُلَّ مُرِشَّةٍ / جَيّاشَةٍ تَغلي كَغَليِ المِرجَلِ
وَالتارِكِ الأَبطالَ تَسجُدُ هامُها / بِالسَيفِ غَيرَ عِبادَةٍ لِلأَرجُلِ
وَالخائِضِ الغَمَراتِ لا مُتَقَهقِراً / حَتّى بِصارِمِهِ المُهَنَّدِ تَنجَلي
وَالنازِلِ الثَغرَ الَّذي لَو يُبتَلى / بِنُزولِهِ رَبُّ الحِمى لَم يَنزِلِ
وَالحامِلِ العِبءَ الَّذي لَو حُمِّلَت / هَضَباتُ سَلمى بَعضَهُ لَم يَحمِلِ
وَالواهِبِ الكُومَ الذُرى وَرعاتَها / وَفِصالَها عَفواً ولَمّا تُفصَلِ
وَهُوَ المُجيرُ الجارِياتِ مُرَوّعاً / مَن جارَهُ فِعلَ الهُمامِ الأَطوَلِ
وَتَبيتُ جارَتُهُ وَلَم يَرفَع لَها / كِسراً بِعِلَّةِ قائِلٍ مُتَضَلِّلِ
يُغضي إِذا بَرَزَت وَيَخفِضُ صَوتَهُ / عَنها فِعالَ الناسِكِ المُتَبَتِّلِ
لَم يَنطِقِ العَوراءَ قَطُّ وَلا اِصطَفى / نَذلاً وَلا أَصغى لِقَولِ مُضَلِّلِ
وَإِذا المُحُولُ تَتابَعَت أَلفَيتَهُ / مُتَبَجَّحَ العافي وزادَ المُرمِلِ
وَإِذا لَظى الحَربِ الزَّبونِ تَأَجَّجَت / أَطفى لَوافِحَها بِحَملَةِ فَيصَلِ
كَم فارِسٍ أَردى بِطَعنَةِ ثائِرٍ / تُدني مِنَ الأَدبارِ حَدَّ المَقتلِ
وَعَميدِ قَومٍ صَكَّ مَفرِقَ رَأسِهِ / بِالسَيفِ في لَيلِ العَجاجِ الأَليَلِ
يَلقى الكَتيبَةَ واحِداً فَكَأَنَّها / في مِقنَبٍ وَكَأَنَّهُ في جَحفَلِ
وَكأَنَّ جاحِمَ كُلِّ نارٍ أُوقِدَت / لِلحَربِ في عَينَيهِ نارُ مُهَوِّلِ
تَلقاهُ أَثبَتَ ما يُكُونَ جَنانُهُ / وَالبِيضُ تَختَطِفُ الرُؤوسَ وَتَجتَلي
مُتَهاوِناً بِالمَوتِ يَعلَمُ أَنَّهُ / سَيَمُوتُ بِالأَدواءِ مَن لَم يُقتَلِ
نَهدٌ عَلى نَهدِ المَراكِلِ سابِحٍ / رَحبِ اللِبابِ مُحَجَّلٍ لِلأَرجُلِ
مُتَمَطِّرٍ سامي التَليلِ مُقابلٍ / بَينَ النَعامَةِ وَالحرُونِ وَقُرزُلِ
كَالمَجدَلِ العادِيِّ إِلّا أَنَّهُ / يُمرى فَيَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
طِرفٌ يُعَوِّذُهُ الأَريبُ مُجَلَّلاً / مِن شَرقِ طُرَّتِهِ وَغَيرَ مُجَلَّلِ
وَبِكَفِّهِ ماضٍ يُخالُ عَقيقَةً / لَمَعَت بِصَفحَةِ عارِضٍ مُتَهَلِّلِ
عَودٌ عَنِ اليَومَينِ يُخبِرُ صادِقاً / وَعَنِ الثَلاثَةِ وَالكُلابِ الأَوَّلِ
وَالشَيِّطَينِ وَلَعلَعٍ وأُوارَةٍ / وَحِمى ضَرِيَّةَ وَالنِباجِ وَثَيتَلِ
أَبَداً يَقُولُ لِمُنتَضيهِ في الوَغى / اِعلُ الطُلا وَالهامَ بي وَتَوَكَّلِ
كَم هامَةٍ شُقَّت بِهِ وَدَعامَةٍ / دُقَّت فَخَرَّت لِلحَضيضِ الأَسفَلِ
وَعَلَيهِ مُحكَمَةُ القَتيرِ تَخالُها / بَعضَ الإِضاءِ بِصَحصَحانٍ أَنجَلِ
وَقعُ الصَفيحَةِ وَالقَناةِ بِمَتنِها / وَقعُ الحُفاةِ وَريشَةٍ مِن أَجدَلِ
لَو رُدَّ مَحتُومُ القَضاءِ لَقابَلَت / بِالرَدِّ مَحتُومَ القَضاءِ المُنزَلِ
ماضي المُهَنَّدِ وَالسِنانِ وَعَزمُهُ / أَمضى وَغَيرُ كَهامَةٍ في المِقوَلِ
زاكي العُمُومَةِ وَالخُؤولَةِ غَيرُ ذي / أَشَبٍ فَبُورِكَ مِن مُعِمٍّ مُخوِلِ
أَمضى إِذا ما هَمَّ مِن ذِي رَونَقٍ / صافي الحَديدَةِ ذي فِرِندٍ مُنصلِ
نَدَّ الوَرى طِفلاً وَبرَّزَ يافِعاً / وَبَنى العُلى وَعِذارُهُ لَم يَبقُلِ
إِغضاءُ قَيسٍ في شَجاعَةِ وائِلٍ / وَسَخاءُ مَعنٍ في وَفاءِ سَمَوأَلِ
مِن مَعشَرٍ بِيضِ الوُجوهِ أَعِزَّةٍ / جُر يامُجاوِرهُم بِهِم أَو فَاِعدِلِ
فَضلٌ أَبُوهُم وَالمَعَظَّمُ عَبدَلٌ / مَن مِثلُ فَضلٍ في الفَخارِ وَعَبدَلِ
وِإِذا عَدَدتَ أَبا سِنانٍ وَاِبنَهُ / وَاِبنَ اِبنِهِ فَاِشرَب خَصيمَكَ أَو كُلِ
غُرٌّ بَنى لَهُمُ الأَغَرُّ أَبُوهُمُ / بَيتاً أَنافَ عَلى السِماكِ الأَعزلِ
إِن قالَ قائِلُهُم أَصابَ وَإِن رَمى / أَصمى وَإِن سُئِلَ النَدى لَم يَبخَلِ
عُقَدُ الجَبابِرِ عِندَهُم مَحلُولَةٌ / وَإِذا أَمَرّوا عُقدَةً لَم تُحلَلِ
نَسلُ العُيُونِيِّ الَّذينَ أَحَلَّهُم / بِفِعالِهِ في المَجدِ أَشرَفَ مَنزِلِ
بِرِماحِهِم وَصِفاحِهِم وَسَماحِهِم / وَرِثُوا السِيادَةَ آخِراً عَن أَوَّلِ
لا غالَهُم صَرفُ الزَمانِ فَكَم لَهُم / في الدَهرِ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلِ
يا مَن يَقيسُ بِآلِ فَضلٍ غَيرَهُم / لا تُوهِمَنَّ الدَوحَ غَيرَ القَرمَلِ
ما كُلُّ نَبتٍ راقَ طَرفَكَ لَونُهُ / مَرعىً وَلا كُلُّ المِياهِ بِمَنهَلِ
يا آلَ فَضلٍ دَعوَةً مِن مُخلِصٍ / لَكُمُ المَوَدَّةَ لَيسَ بِالمُتَجَمّلِ
لَم يَرتَقي القَومُ الجَميمَ وَما لَنا / غَير الأَلاءَةِ مَرتَعاً وَالحَرمَلِ
وَلِمَ الشَقائِقُ وَالتِلاعُ لِغَيرِنا / وَلنا الخَطائِطُ قسمُ مَن لَم يَعدِلِ
وَالبارِدُ العَذبُ الزُلالُ لِغَيرِنا / وَنُخَصَّ بِالمِلحِ الأُجاجِ الأَشكَلِ
أَرحامُنا مِن يَومِ غُيِّبَ جَدُّكُم / في رَمسِهِ مَقطُوعَةٌ لَم تُوصَلِ
حَتّى كَأَنّا مِن جُهَينَةَ أَصلُنا / لا وُلدَ عَبدِ اللَهِ نَحنُ وَلا عَلِي
وَلِمَ العَدُوُّ يَرُوحُ قِردَ زُبَيدَةٍ / شَبَعاً وَمُصفِي الوُدّ كَلبَةَ حَومَلِ
لَولاكَ قُلتُ وَقُلتُ لَكِنّي اِمرُؤٌ / أَبَداً أَصُونُ عَن الشِّكايَةِ مِقوَلي
بَيتُ الرِئاسَةِ لِي وَحِكمَةُ دَغفَلٍ / وَبَيانُ سَحبانٍ وَشِعرُ الأَخطَلِ
فَبَقِيتُمُ لِلمكرُماتِ وَلِلعُلى / أَبَداً بَقاءَ عَمايَتَينِ وَيَذبلِ
اِنزِل لِتَلثِمَ ذا الصَعيدَ مُقَبِّلاً
اِنزِل لِتَلثِمَ ذا الصَعيدَ مُقَبِّلاً / شَرَفاً وَإِجلالاً لِمَولى ذا المَلا
وَقُلِ السَلامُ عَلَيكَ يا مَن لَم يَزَل / كَنزاً لِأَبناءِ الهُمومِ وَمَعقِلا
وَاِشكُر أَيادِيَهُ الَّتي أَولاكَها / فَلَقَد أَطابَ لَكَ العَطاءَ وَأَجزَلا
وَأَشِر إِلَيهِ بَعدَ ذاكَ مُوَدِّعاً / تَوديعَ لا مَلَلٍ عَراكَ وَلا قِلى
أَفديهِ مِن مَلِكٍ لَقَد أَضحى بِهِ / جَدُّ المَكارِمِ وَالأَكارِمِ مُقبِلا
ما كُنتُ آمُلُ مِن نَداهُ أَنالَني / فَأَنا لَهُ رَبُّ العُلى ما أَمَّلا
أَلفا مُصَتَّمَةٍ أَجازَ وَبَغلَةً / تَشأى النَعامَةَ وَالحَرونَ وَقُرزُلا
وَمِنَ المَلابِسِ خِلعَةً لَو قابَلَت / رَوضَ الحِمى أُنُفاً لَكانَت أَجمَلا
وَوَراء ذَلِكُمُ اِعتِذارٌ أَنَّهُ / لَولا أُمُورٌ جَمَّةٌ ما قَلَّلا
وَأَحَبُّ مِن هَذا إِلَيَّ لِقاؤُهُ / لِي مُسفِراً عَن بِشرِهِ مُتَهَلِّلا
وَسُؤالُهُ لِي كَيفَ أَنتَ وَقَولُهُ / أَهلاً أَتَيتَ وَزالَ نَحسٌ وَاِنجَلى
فَأَضاءَ في عَيني النَهارَ وَقَبلَ أَن / أَلقاهُ كانَ عَلَيَّ لَيلاً أَليَلا
وَشَكَرتُ حادِثَةً أَرَتني وَجهَهُ / لَو كانَ نَزعُ الرُوحِ مِنها أَسهَلا
وَغَفَرتُ زَلَّةَ ظالِمَيَّ لِكَونِها / سَبَبَ اللِقاءِ وقلتُ أَيسَرُ مَحمَلا
إِن كانَ قَد أَبقى حَسُودي باهِتاً / فَلَأُبقِيَنَّ حَسُودَهُ مُتَمَلمِلا
وَلَأَكسُوَنَّ عُلاهُ ما لا يَنطَوي / أَبَدَ الزَمانِ وَلا يُلِمُّ بِهِ البِلى
وَلَأعقِدَنَّ عَلى ذُؤابَةِ مَجدِهِ / تاجاً مِنَ الدُرِّ الثَمينِ مُفَصَّلا
وَلَأَضرِبَنَّ بِجُودِهِ الأَمثالَ كَي / يَشدُو بِها مَن شاءَ أَن يَتَمثّلا
بِأَبي الهُمامِ أَبي الفَضائِلِ ذي العُلى / وَالمَكرُماتِ فَما أَبَرَّ وَأَفضلا
كُن أَيُّها الساعي لِإدراكِ العُلى / كَأَبي الفَضائِلِ في النَدى أَو لا فَلا
وَأَما لَعَمرُ اللَهِ لَستُ بِمُدرِكٍ / شَأوَ الأَميرِ وَما عَسى أَن تَفعَلا
لِلّهِ بَدرُ الدِينِ مِن مَلِكٍ فَما / أَوفى وَأكفى لِلخُطُوبِ وَأَحمَلا
مَلِكٌ أَنَختُ بِهِ الرَجاءَ مُؤَمِّلاً / فَرَجَعتُ مِن جَدوى يَدَيهِ مُؤَمَّلا
أَيّامُهُ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ وَقَد / ضَمنَ الأَخيرُ بِأَن يَفُوقَ الأَوَّلا
زَهَت البِلادُ بِهِ فَما مِن بَلدَةٍ / إِلّا تَمَنَّت أَن تَكُونَ المَوصِلا
مَن مُبلغ ساداتِ قَومي أَنَّني / لاقَيتُ بَعدَهُم الجَوادَ المُفضِلا
وَنَزَلتُ حَيثُ المَكرُماتُ وَقُمتُ في / حَيثُ اِبتَنى المَجدَ المُؤَثَّلَ وَالعُلى
يَفديكَ بَدرَ الدِينِ كُلُّ مُسَربَلٍ / بِاللُؤمِ غايَةُ حَزمِهِ أَن يَبخَلا
حَفِظَ الحُطامَ وَسَلَّ سَيفاً دُونَهُ / وَأَضاعَ مِنهُ العِرضَ تَضيِيعَ السَلا
فَغَدَت تُمزِّقُهُ الرِجالُ وَتَختَطي / لُجَجَ البِحارِ بِهِ وَأَجوَازَ الفَلا
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي في كَفِّهِ / بَحرٌ أَرانا كُلَّ بَحرٍ جَدولا
لا تَحسَبَنَّ ثَنايَ لِلمالِ الَّذي / خَوَّلتَنيهِ فَلَم أَزَل مُتَمَوِّلا
وَالمالُ عِندَكَ كَالتُرابِ مَحَلُّهُ / تَحبُو بِهِ مَن هانَ قَدراً أَو عَلا
لَكِن رَأَيتُ خَلائِقاً ما خِلتُني / أَحظى بِرُؤيَةِ مِثلِها في ذا المَلا
لَولا النُبُوَّةُ بِالنَبِيِّ مُحَمَّدٍ / خُتِمَت لَقُلتُ أَرى نَبِيّاً مُرسَلا
قُل لِي أَمَلكٌ أَنتَ أَم مَلكٌ فَمَن / نَظَرَ العُجابَ فَحَقُّهُ أَن يَسأَلا
ما هَذِهِ الأَخلاقُ في بَشَرٍ وَلا / هَذا السَماحُ إِذا اللَبِيبُ تَأَمَّلا
فَبَقيتَ ما بَقِيَ الزَمانُ لِذا الوَرى / كَهفاً نَلُوذُ بِهِ وَسِتراً مُسبَلا
وَبَقيتَ لِلمَعرُوفِ أَيضاً وَالعُلا / أَبَداً بَقاءَهُما ثَبيرَ وَيَذبُلا
وَأَراكَ رَبُّكَ ما تُحِبُّ وَعاشَ مَن / يَشناكَ يَهوى المَوتَ مِن جَهدِ البَلا
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ / وَباعُكَ مِن رَضوى وَثَهلانَ أَطوَلُ
وَدارُكَ دارُ الأَمنِ مِن كُلِّ حادِثٍ / وَمَنزِلُكَ المَعمُورُ لِلمَجدِ مَنزِلُ
إِذا عُدَّ أَربابُ النَباهَةِ وَالعُلى / فَأَنتَ عَلى رغَمِ المُعادينَ أَوَّلُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الكَمالِ فَما يُرى / عُلىً كامِلاً إِلّا وَعَلياكَ أَكمَلُ
وَحُزتَ خِلالَ الفَضلِ مِن كُلِّ وجهَةٍ / فَما فاضِلٌ إِلّا وَأَنتَ المُفَضَّلُ
كَمالَ الوَرى آنَ الرَحيلُ وَلَم يَعُد / لِذي أَرَبٍ عَن قَصدِهِ مُتَعَلَّلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا أَن يُوَدِّعَ راحِلٌ / مُقيماً فَمنحيها جَنُوبٌ وَشَمأَلُ
أَقولُ وَلِي قَلبٌ شَعاعٌ تَضُمُّهُ / جَوانِحُ يَعلُو الشَوقُ فيها وَيَسفُلُ
وَلي أَنَّةٌ تُشجي القُلوبَ وَزَفرَةٌ / تَكادُ بِأَدناها ضُلوعي تَزَيَّلُ
وَقَد كِدتُ أَن أُبدي الحَنينَ تَبَرُّماً / مِنَ الغَبنِ إِلّا أَنَّني أَتَجَمَّلُ
لَحى اللَهُ دَهراً أَلجَأتني صُروفُهُ / إِلى حَيثُ يُلغى حَقُّ مِثلي وَيُهمَلُ
وَعاقَبَ قَومي الغُرَّ شَرَّ عُقُوبَةٍ / وَخَصَّصَ مَن يَنمي عَلِيٌّ وَعَبدَلُ
فَلَولاهُمُ وَاللَهُ يَعلَمُ ذَلِكُم / لَما فاهَ لي بِالمَدحِ في الناسِ مِقوَلُ
وَلا حُطَّ بِالفَيحاءِ رَحلي وَلا رَأَت / فُرى ظاهِرِ الزَوراءِ شَخصي وَإِربِلُ
وَقَد كان لِي مِن إِرثِ جَدّي وَوالِدي / غِنىً فيهِ لِلرّاجي الَّذي يَتَمَوَّلُ
وَلا اِستَقبَلَت جاهي رِجالٌ جَهالَةً / وَجاهَلَ قَدري بِالمَحامِدِ أَجهَلُ
فَإِن يَكُ ما أَبغي ثَقيلاً لَدَيهِمُ / فَحَملُ الكَريمِ الحُرِّ لِلمَنِّ أَثقَلُ
لَقَد كانَ لِي لَولا رَجاءُ مُحَمَّدٍ / عَنِ المَوصِلِ الحَدباءِ مَنأىً وَمَرحَلُ
ولَم آتِها إِلّا عَلى اِسمِ رَجائِهِ / وَلِلخَطبِ يُرجى ذُو العُلى وَيُؤَمَّلُ
وَيَأبى لَهُ البَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / رُجوعي بِحالٍ نَشرُها لَيسَ يَجملُ
وَكَيفَ وَعِندي أَنَّهُ ذُو بَصيرَةٍ / إِذا حارَتِ الأَلبابُ وَالجَدُّ مُقبِلُ
خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الرِجالِ وَإِن عَلَوا / كَمالٌ وَلا كُلُّ الأَقاليمِ مَوصِلُ
وَلا كُلُّ نَبتٍ تُخرِجُ الأَرضُ مَأكَلٌ / وَلا كُلُّ ماءٍ تُبصِرُ العَينُ مَنهَلُ
هُوَ الماجِدُ النَدبُ الَّذي لا جنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا بابُ النَدى مِنهُ مُقفَلُ
هُمامٌ إِذا اِستَسقَيتَ مُزنَ بَنانِهِ / سَقَتكَ حَياً مِن فَيضِهِ البَحرُ يَخجَلُ
جَوادٌ إِذا ما الخُورُ عامَت فِصالُها / وَلَم يَبقَ في البُزلِ القَناعِيسِ مَحمَلُ
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَأَبدى نابَهُ وَهوَ أَعقَلُ
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشُوعاً وَمُحيي لَيلِهِ وَهوَ أَليَلُ
يُقِرُّ لَهُ بِالجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَيَقضي لَهُ بِالمَجدِ زَيدٌ وَدَغفَلُ
سَما لِذُرى العَلياءِ مِن فَرعِ وائِلٍ / وَكُلُّ فَتىً مِن وائِلٍ فَهوَ مَوئِلُ
بِآبائِهِ عَزَّت نِزارٌ وَأَصبَحَت / تَقُولُ بِعَزمٍ ما تَشاءُ وَتَفعَلُ
مُلُوكٌ هُمُ أَردُوا لَبيداً وَغادَرَت / صُدورُ قَناهُم تُبَّعاً يَتَمَلمَلُ
وَهُم تَرَكُوا يَومَ الكُلابِ عَلى الثَرى / شُرَحبِيلَ شِلواً حَولَهُ الطَيرُ تَحجِلُ
وَعَمرو بنَ هِندٍ عَمَّمُوا أُمَّ رَأسِهِ / حُساماً يَقُدُّ البيضَ وَالهامَ مِن عَلُ
فَآخِرُهُم ما مِثلُهُ اليَومَ آخِرٌ / وَأَوَّلُهُم ما مِثلُهُ كانَ أَوَّلُ
وَإِنّ كَمالَ الدينِ لا زالَ كامِلاً / لأَشرَفُ أَن يَسمُو بِجَدٍّ وَأَنبَلُ
هُوَ الطَودُ حِلماً وَالمُهَنَّدُ عَزمَةً / هُوَ البَحرُ جُوداً بَل عَطاياهُ أَجزَلُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ وَإِنَّهُ / عَلى عِزَّهِ للناسِكُ المُتَبَتِّلُ
تَوَلّى وَأَولى الناسَ خَيراً وَأَصبَحَت / صَوادي المُنى مِن نَيلِهِ وَهيَ نُهَّلُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردِهِ لَيثٌ بِخفّانَ مُشبِلُ
تَراهُ فَتَلقى مِنهُ في السِلمِ واحِداً / وَلَكِنَّهُ عِندَ المُلِمّاتِ جَحفَلُ
صَؤُولٌ وَلا خَيلٌ قَؤُوَلٌ وَلا خَفَاً / سَؤُولٌ بحالِ الضَيفِ وَالجارِ فَيصَلُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ شَأوَهُ / رُوَيداً وَلا يَغرُركَ سَعيٌ مُضَلَّلُ
عَرَفتُ بَني هَذا الزَمانِ فَلَم أَجِد / سِواهُ إِذا ما حُمِّلَ الثِّقلَ يَحمِلُ
فَكَم صاحِبٍ صاحَبتُهُ لا مُؤَمِّلاً / نَدىً مِن يَدَيهِ غَيرَ أَنّي المُؤَمَّلُ
فَأَجهَدتُ نَفسي في البِناءِ لِمَجدِهِ / كَأَنّي بِهِ مِن كُلِّ بابٍ مُوَكَّلُ
إِذا صَدِئَت مِنهُ المَساعي جَلَوتُها / بِعارِفَةٍ مِنّي وَلِلمَجدِ صَيقَلُ
فَلَمّا رَماني الدَهرُ عَن قَوسِ نازِعٍ / وَلِلدهرِ حالاتٌ تَجُورُ وَتَعدِلُ
رَمى مَقتَلي مَع مَن رَمى وَهوَ عالِمٌ / بِأَنَّ شَوى مَن كادَهُ الدَهرُ مَقتَلُ
وَأَصبَحَتِ الحُسنى تُعَدُّ إِساءَةً / عَلَيَّ وَيُستَصفى عَدُوّي وَأُعزَلُ
وَتَكثُر عِندي لا لِعُذرٍ ذُنوبُهُ / فَأُمسي عَلى أَبوابِهِ أَتَنَصَّلُ
وَما ذاكَ عَجزٌ عَن مُكافاةِ خائِنٍ / وَلَكِنَّ حِلمي عَن ذَوي الجَهلِ أَفضَلُ
فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ شَخصَ مُحمَّدٍ / فَلَيسَ عَلى خَلقٍ سِواهُ مُعَوَّلُ
وَلا كانَ هَذا آخِرَ العَهدِ إِنَّني / إِلى اللَهِ في أَن نَلتَقي أَتَوَسَّلُ
فَيا شَقوَتا مِن عُظمِ شَوقٍ مُبَرِّحٍ / إِلَيهِ بِأَثناءِ الحَشا يَتَغَلغَلُ
إِلَيكَ كَمالَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / أَضِنُّ بِها عَمَّن سِواكَ وَأَبخَلُ
يُقَصِّرُ عَن تَرصيعِها في عُقُودِها / أَخُو دارِمٍ وَالأَعشيانِ وَجَروَلُ
أَبا الكَرَمِ المَدعُوّ لِلخَطبِ إِنَّني / رَجَوتُكَ وَالمَدعُوُّ لا يَتَأوَّلُ
فَغِر لِكَريمٍ لَم يَكُن في حِسابِهِ / نُزُولٌ بِأَبوابِ السَلاطينِ يَسأَلُ
وَلا خالَ أَنَّ الدَهرَ يَسعى لِكَيدِهِ / فَيُلقى عَلَيهِ مِنهُ نَحرٌ وَكَلكَلُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَنتَ بابُ وَسيلَةٍ / إِلى كُلِّ خَيرٍ مِنهُ لِلناسِ مَدخَلُ
فَعِش لِلمَعالي وَاِبقَ لِلمَجدِ ما بَقي / ثَميرٌ عَلى مَرِّ اللَيالي وَيَذبُلُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ / وَدُونَ لِقاها أَجرُعٌ وَسَيالُ
سَما وَمَطايانا كَأَنَّ اِقتِحامَها / غَوارِبَ أَمواجِ الفُراتِ فِيالُ
فَأَهدى سُروراً عازِباً كانَ قَد مَضى / وَأَنسَتهُ أَيّامٌ مَرَرنَ طِوالُ
وَعادَ فَلَم يَلبَث فَواقاً كَأَنَّما / عَلَيهِ بِتَعجيلِ الرُجوعِ كفالُ
فَشايَعتُهُ أَقضي الذِّمامَ لِأَنَّني / لِذاكَ أَبٌ في الحالَتَينِ وَخالُ
إِلى أَن بَلَغنا الجِسرَ وَالتُرعَةَ الَّتي / بِأَكنافِها الحَيُّ الكِرامُ حِلالُ
وَحانَت لِعَيني يَقظَةٌ بانَ عِندَها / بِأَنَّ الَّذي قَد كُنتُ فيهِ مُحالُ
فَواهاً لَها تَهوِيمَةً بَعَثَت جَوىً / حُرِمتُ لَهُ اللّذّات وَهيَ حَلالُ
أرَتني دِيارَ الحَيِّ قَومي وَدُونَها / وِهادٌ وَأَطوادٌ عَلَت وَرِمالُ
وَكُلَّ اِبنِ شَرٍّ قَرنُهُ مِن رِدائِهِ / يَرى شَخصَهُ جِنُّ الفَلا فَيُهالُ
رَعى اللَهُ هاتيكَ الدِيارَ وَإِن سَرَت / إِلَينا أَفاعٍ أَنبَتَت وَصِلالُ
أَقُولُ لِرَكبٍ مِن عُقَيلٍ لَقيتُهُم / وَأَعناقُها لِلقَريَتينِ تُمالُ
أَيا رَكبُ حُيِّيتُم وَجادَت بِلادَكُمُ / غَمائِمُ أَدنى سَحِّهِنَّ سِجالُ
إِذا جِئتُمُ أَرضَ الحَساءِ وَقابَلَت / قِبابٌ بِضاحي بَرِّها وَتِلالُ
فَأَرخُوا لَها فَضلَ الأَزمَّةِ ساعَةً / وَإِن كانَ أَينٌ مَسَّها وَكَلالُ
إِلى أَن تُوافوا الدَربَ وَالمَسجِدَ الَّذي / بِهِ الحَيُّ حَيٌّ وَالشَمالُ شَمالُ
فَثَمَّ تُلاقُونَ المُلوكَ بَني أَبي / وَيَكثُرُ عَنّي حينَ ذاكَ سُؤالُ
فَقُولُوا لَهُم إِنّا تَرَكنا أَخاكُمُ / بِحَيث مَآلُ الراغِبينَ مَآلُ
لَدى مَلِكٍ لا يَبلُغُ الوَصفُ مَدحَهُ / وَإِن أَطنَبَ المُدّاحُ فيهِ وَقالُوا
حَمُولٌ لِأَعباءِ الأُمورِ وَإِنَّها / عَلى غَيرِهِ لَو رامَها لَثِقالُ
لَهُ أَبَداً عِرضٌ مَصونٌ عَنِ الخَنا / وَمالٌ لِمُمتاحِ النَوالِ مُذالُ
هُوَ المَلكُ لا يَجري البَذا في نَدِيِّهِ / وَإِن طالَ قِيلٌ في الخِصامِ وَقالُ
تَوَلّى فَأَولى كُلَّ خَيرٍ فَأَصبَحَت / بِهِ المُهَجُ العَطشى وَهُنَّ نِهالُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردَتَيهِ هَيبَةٌ وَجَلالُ
جَوادٌ لَو اِنَّ البَحرَ عارَضَ جُودَهُ / لَما اِبتَلَّ لِلمُجتازِ فيهِ قِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانِيِّ عَزمَهُ / لَما كادَهُ أَنَّ الرُؤوسَ جِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلضِرغامِ قَلباً كَقَلبِهِ / لَما هالَهُ أَنَّ التُرابَ رِجالُ
هُوَ الشَمسُ نُوراً وَاِرتِفاعاً وَشارَةً / كَما قَد تَسَمّى وَالمُلوكُ ذُبالُ
بِهِ البَصرَةُ الفَيحاءُ أَقبَلَ سَعدُها / وَقَد كانَ فيها لِلنُحوسِ مَجالُ
تَوَخّى شَكاياها الَّتي بَرَحَت بِها / فَأَبرَأَ مِنها الداءَ وَهوَ عُضالُ
وَلَولاهُ لَم يَبرَح مُقيماً بِأَرضِها / هوانٌ وَذُلٌّ شامِلٌ وَنَكالُ
أَزالَ الأَذى عَنها اِحتِساباً وَرَغبَةً / وَما كانَ مَرجُوّاً لِذاكَ زَوالُ
وَأَقصى وُلاةَ الجَورِ عَنها حَميَّةً / لِيَسكُنَ مَرعُوبٌ وَيَنعُمَ بالُ
فَلا عُدِمَت أَيّامُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَتَعدِلُ طَعمَ الماءِ وَهوَ زُلالُ
وَأُقسِمُ ما تَأتي اللَيالي بِمِثلِهِ / وَأَنّى وَما كُلُّ الرِجالِ رِجالُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / أَفِق إِنَّ هَذا السَعيَ مِنكَ ضَلالُ
وَدَع عَنكَ ما لا تَستَطيعُ فَقَد تَرى / مَساعيَ شَمسِ الدَينِ لَيسَ تُنالُ
إِذا عُدَّ أَهلُ الفَضلِ يَوماً فَكُلُّهُم / عَلى فَضلِهِ لَو يُنشَرونَ عيالُ
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِنهُم خِصالٌ حَمِيدَةٌ / وَلَكِنّ شَمسَ الدّينِ فيهِ كَمالُ
تَرى عِندَهُ ما عِندَهُم مِن فَضِيلَةٍ / وَفيهِ خِلالٌ فَوقَها وَخِلالُ
حَياءٌ وَإِقدامٌ وَحِلمٌ وَقُدرَةٌ / وَحَزمٌ وَجُودٌ لَيسَ فيهِ مِطالُ
وَعِلمٌ وَإِيمانٌ وَعَدلٌ وَرَأفَةٌ / وَنُسكٌ وَرَهبانِيَّةٌ وَجَمالُ
تَزاحَمَ أَهلُ العِلمِ وَالطالِبُو النَدى / لَدَيهِ لِكُلٍّ في هَواهُ سُؤالُ
فَلِلطّالِبي الفَتوى بَيانٌ مُعَلَّلٌ / كَذاكَ لِطُلّابِ النَوالِ نَوالُ
فِدىً لَكَ يا تاجَ المُلوكِ مَعاشِرٌ / سِيادَتُهُم لِلمُسلِمينَ وَبالُ
لَهُم عَن فِعالِ الخَيرِ أَيدٍ قَصيرَةٌ / وَلَكِنَّها في المُخزِياتِ طِوالُ
فَدُونكَ عِقداً صاغَهُ الفِكرُ مِن فَتىً / يَرى أَنَّ مَدحاً في سِواكَ خَبالُ
وَلَستُ بِمُهدٍ لِلرِجالِ مَدائِحي / وَإِن قَلَّ مالٌ أَو تَغَيَّرَ حالُ
وَلَكِنَّ نُعمى حَرَّكَتني وَصُحبَةٌ / وَوُدٌّ وَهَذا لِلكِرامِ صِقالُ
فَلا ظَفِرَت مِنكَ الأَعادي بِغِرَّةٍ / وَلا زِلتَ تَغزُو أَرضَها فَتُدالُ
وَجُزتَ المَدى يابا شُجاعٍ وَلا عَدَت / فِناءَكَ مِن بَعدِ الرِجالِ رِحالُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ / ما كُلِّفَت سَيرَها خَيلٌ وَلا إِبلُ
بَلَغتُمُ الغايَةَ القُصوى فَحَسبُكُمُ / هَذا الَّذي بِعُلاهُ يُضرَبُ المَثَلُ
هَذا هُوَ المَلكُ بَدرُ الدِينِ خَيرُ فَتىً / بِهِ تَعَلَّقَ لِلرّاجي الغِنى أَمَلُ
هَذا الَّذي لَو يُباري فَيضَ راحَتِهِ / فَيضُ البِحارِ لما أَضحى لَها بَلَلُ
هَذا الَّذي لَو لِلَيثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما حَلَّ إِلّا بِحَيثُ الشِيحُ وَالنَفَلُ
هَذا الَّذي بِالنَدى وَالبَأسِ يَعرِفُهُ / وَبِالتُقى كُلُّ مَن يَحفى وَيَنتَعِلُ
هَذا الهُمامُ الَّذي أَقصى مَطالِبِهِ / ما لا يُحدُّ وَأَدنى هَمِّهِ زُحَلُ
الناسُ كُلُّهُمُ هَذا وَلا عَجَبٌ / الخَلقُ أَفضَلُ مِنهُم كُلِّهِم رَجُلُ
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الدَهرُ مُعتَذِراً / إِلَيَّ يَسأَلُني العُتبى وَيَبتَهِلُ
وَقَبلُ كَم سامَني خَسفاً وَألزَمَني / ما لَيسَ لِي ناقَةٌ فيه وَلا جَمَلُ
فَآهِ يا دَهرُ هَلّا كانَ عُذرُكَ ذا / وَلَم يَغِب عَن عَياني الجشُّ وَالجَبَلُ
الشُكرُ في ذا لِمولىً أَنتَ لا كَذِباً / عَبدٌ لَهُ كُلُّ مَن يَهواهُ يَمتَثِلُ
وَكُلُّ مَن فَوقَ ظَهرِ الأَرضِ مِن مَلِكٍ / وَسَوقَةٍ فَلِسامي مَجدِهِ خَوَلُ
أَبو الفَضائِلِ أَولى الناسِ كُلِّهِمُ / بِما يُكَنّى بِهِ فَليُترَكِ الجَدَلُ
الخَيلُ تَعرِفُ يَومَ الرَوعِ صَولَتَهُ / بِحَيثُ في مُلتَقاها يَبطُلُ البَطَلُ
كَم فارِسٍ تَحتَ ظِلِّ النَقعِ غادَرَهُ / بِضَربَةٍ لَم يَشِن أُخدُودَها فَشَلُ
تَخالُهُ أَحوالاً مِمّا بِهامَتِهِ / وَقَبلُ لا حَولٌ فيهِ وَلا قَبَلُ
يَقُولُ حينَ يَشُقُّ السَيفُ هامَتَهُ / لِزَوجَتي وَلأُمّي الوَيلُ وَالهَبَلُ
وَيَستَديرُ وَيَهذي في اِستِدارَتِهِ / حَتّى يُخالُ بِهِ مِن قَبلِها تُؤَلُ
وَالنَسرُ في الجَوِّ ما يَألُو يَقُولُ لَهُ / لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن طالَ المَدى أَجَلُ
وَكَم لَهُ ضربَةٍ يَقضي المُصابُ بِها / وَالنَصلُ يَعمَلُ فيهِ قَبلَ يَنفَصِلُ
مَحضُ الضَريبَةِ مَيمُونُ النَقِيبَةِ طَع / عان الكَتيبَةِ لا غَمرٌ وَلا وَكِلُ
كَهلُ الشَبيبَةِ نَهّابُ الحَريبَةِ وَه / هاب الرَغيبَةِ هَشٌّ بِالنَدى عَجِلُ
ماضي العَزيمَةِ عَيّافُ الغَنيمَةِ تَر / راكَ الجَريمَةِ نِكلٌ لِلعِدى نَكِلُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ لَو يُدَبِّرُهُ / كِسرى وَإِسكَندَرٌ أَعيَتهُمُ الحِيَلُ
مِن بَعدِ أَن قِيلَ ضاعَ المُلكُ وَاِنفَصَمَت / مِنهُ العُرى وَاِستوى الرِئبالُ وَالوَرلُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن أَهلِهِ وَكَذا الدُولاتُ تَنتَقِلُ
تَبّاً لِحَدسٍ سَما كُلَّ التَبابِ وَلا / زالَت عُقولُهُمُ يَعتادُها الخَبَلُ
أَما دَرَوا أَنَّ بَدرَ الدِّينِ لَو رُدِيَت / بِهِ الشَواهِقُ لَم يَعقِل بِها وَعَلُ
وَكَيفَ يُخشى عَلى مَلكٍ وَقَد ضُرِبَت / لِمَجدِهِ في ذُراهُ الخيمُ وَالكِلَلُ
مَلكٌ تَحَمَّلَ ما لا يَستَطيعُ لَهُ / حَملاً ثَبيرٌ وَثَهلانٌ فَيَحتَملُ
جَوادُهُ بارِقٌ وَالعَزمُ صاعِقَةٌ / وَسَيفُهُ قَدرٌ في لَحظِهِ أَجَلُ
غَدا بِهِ المُلكُ بِالجَوزاءِ مَنتَطِقاً / وَراحَ وَهوَ بِظَهرِ الحُوتِ مُنتَعِلُ
إِذا شُمُوسُ مَواضيهِ طَلَعنَ فَما / لَهُنَّ إِلّا بِهاماتِ العِدى أَفَلُ
وَإِن نُجومُ عَوالِيهِ لَمَعنَ فَما / يَغِبنَ إِلّا بِحَيثُ الغِشُّ وَالدَغَلُ
مِقدامُ مَعرَكَةٍ كَشّافُ تَهلُكَةٍ / طَلّابُ مَملَكَةٍ تَسمُو بِها الدُوَلُ
وَيَوم نَحسٍ يُواري الشَمسَ عِثيَرُهُ / حَتّى يُخالُ الضُحى قَد غالَهُ الأُصُلُ
كَأَنَّما البِيضُ راحَت وَهيَ مُصلَتَةٌ / فِيهِ بَوارِقُ غَيثٍ رَعدُهُ زَجَلُ
وَالسُمرُ قَد جَعَلَت تَحكي أَسِنَّتَها / كَواكِبَ القَذفِ وَالفُرسانُ تَنتَصِلُ
وَالنَبلُ في الجَوِّ تَحكي لِلمُشَبِّهِهِ ال / كبرِيتَ في رُوسِهِ النِيرانُ تَشتَعِلُ
سَما لَهُ مِشيَةَ الرِئبالِ لا خَوَرٌ / يَشِينُهُ في تَهادِيهِ وَلا كَسَلُ
بِصارِمٍ لَو عَلا ضَرباً بِهِ حَضناً / لَقِيلَ كانَ قَديماً ها هُنا جَبَلُ
إِذا بَدا ضاحِكاً في يَومِ مَعرَكَةٍ / بِكَفِّهِ بَكَتِ الأَعناقُ وَالقُلَلُ
فَصَكَّ هامَ العِدى صَكّاً بِهِ مُقَلٌ / قَرَّت لِأَن سَخِنَت مِن وَقعِهِ مُقَلُ
طَودٌ إِذا لَم يَكُن في الحِلمِ مَفسَدَةٌ / وَإِن يُهَج فَالسَبنتى ظَلَّ يَأتَكِلُ
بَحرٌ يُواري الرُبى وَالقُورَ مُزبدُهُ / وَإِنَّما البَحرُ تَشبيهاً بِهِ وَشَلُ
إِن عُدَّ جُودٌ فَمَن كَعبٌ وَمَن هَرِمٌ / أَو عُدَّ مَجدٌ فَمَن حصنٌ وَمَن حَمَلُ
يا عاذِلاً لامَهُ في البَذلِ دَعهُ وَسِر / مَن يَعشَقِ الجُودَ لَم يَعلَق بِهِ العَذَلُ
وَلا تُفَنِّد كَريماً عَن سَجِيَّتِهِ / حُسنُ السَجِيّاتِ مِن رَبِّ العُلى نِحَلُ
طابَت بِهِ المَوصِلُ الحَدباءُ وَاِتَّسَعَت / لِساكِنِيها بِها الأَرزاقُ وَالسُبُلُ
وَأَصبَحَت جَنَّةً لا يَبتَغي حِوَلا / قُطّانُها لَو إِلى دارِ البَقا نُقِلُوا
وَحَسبُهُ مَفخَراً أَنَّ الإِمامَ بِهِ / بَرٌّ وَأَنَّ لَدَيهِ شَأنَهُ جَلَلُ
إِمامُنا الناصِرُ الهادي فَما اِختَلَفَت / فِيهِ العِبادُ وَما جاءَت بِهِ الرُسُلُ
خَليفَةٌ قَسَماً لَولا مَحَبَّتُهُ / لَما تُقُبِّلَ مِن ذي طاعَةٍ عَمَلُ
هُوَ الَّذي اِفتَرَضَ الرَحمَنُ طاعَتُهُ / وَمن سِواهُ فَلا فَرضٌ وَلا نَفَلُ
فَعاشَ ما شاءَ لا ما شاءَ حاسِدُهُ / في دَولَةٍ نَجمُها بِالسَعدِ مُتَّصِلُ
يا أَيُّها المَلِكُ المُغني بِنائِلِهِ / إِذا المُلوكُ بِأَدنى نائِلٍ بَخِلُوا
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرَينِ أَنهَضَني / هَمٌّ لَهُ أَنفُسُ الأَشرافِ تُبتَذَلُ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن مَجهُولَةٍ قَذَفٍ / تِيهٍ قَليلٌ بِها حلٌّ وَمُرتَحَلُ
وَمُزبِدٍ لا يَلَذُّ النَومُ راكِبَهُ / لَهُ إِذا اِضطَرَبَت أَمواجُهُ زَجَلُ
وَحُسنُ ظَنّي وَما يُثنى عَلَيكَ بِهِ / أَجاءَني وَالزَمانُ المُفسِدُ الخَبِلُ
شَهرٌ وَشَهرٌ وَشَهرٌ بَعدَ أَربَعَةٍ / لِلمَوجِ وَاليَعمُلاتِ القُودِ بِي عَمَلُ
أَقَلُّها راحَةٌ في غَيرِ مَنفَعَةٍ / وَراحَةٌ لا يُرَجّي نَفعها شُغلُ
وَكَم تَخطَّأتُ في قَصدِيكَ مِن مَلِكٍ / لِي عِندَه لَو أَرَدتُ النَهلُ وَالعَلَلُ
أَفنَيتُ زادي وَمَركوبي وَشيَّبَني / عَلى عُتُوِّ جَناني الخَوفُ وَالوَجَلُ
وَقَد بَلَغتُ الجَنابَ الرَحبَ بَعدَ وَجَىً / وَلَيسَ إِلّا عَلى عَلياكَ مُتَّكَلٌ
بَقيتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / عَن الحَوادِثِ مَقرُوناً بِها الجَذَلُ
وَعاشَ حاسِدُكَ الأَشقى أَخا مَضضِ / وَماتَ في الجِلدِ مِنهُ ذَلِكَ النَغَلُ