القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ المُقَرَّب العُيُونِي الكل
المجموع : 19
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ
إِلَيكُنَّ عَنّي فَاِنصَرِفنَ عَلى مَهلِ / فَلَستُ بِمُرتاعٍ لِهَجرٍ وَلا وَصلِ
وَما ذاكَ مِن بُغضٍ لَكُنَّ وَلا قِلىً / وَلَكِنَّ قَلبي عَن هَواكُنَّ في شُغلِ
أَبَت لِي وِصالَ البِيضِ هِمّاتُ ماجِدٍ / بَعيدِ الحَمايا غَيرِ نِكسٍ وَلا وَغلِ
غَيُورٍ عَلى العَلياءِ أَن يَبتَني بِها / رَزايا أُناسٌ ما تُمِرُّ وَلا تُحلي
سَواسِيَةٍ لا في مَعَدٍّ مِن الذُرى / وَلا في بَني قَحطانَ في الكاهِلِ العَبلِ
مَضَت حِقبُ الدُنيا وَما في بُيُوتِهِم / لِعِزِّ المَعالي مِن سَليلٍ وَلا بَعلِ
أَضاعُوا حِماها فَاِستُبيحَ وَأَيقَظُوا / عَلَيها البلا مِن كَلِّ حافٍ وَذي نَعلِ
وَباعُوا بِرُخصٍ باعِثَ العدلِ فيهِمُ / فَراحُوا وَكُلٌّ مِنهُمُ في يَدَي عَدلِ
وَأَضحَوا كَفَقعٍ أَو أَداحِيِّ قَفرَةٍ / تُقَلَّبُ بِالمِنساةِ وَاليَدِ وَالرِجلِ
تَسُومُهُمُ سُوءَ العَذابِ بِغلظَةٍ / عِداهُم وَيُسقونَ المَهانَةَ بِالرَطلِ
فَذُو المَالِ مِنهُم لا يَزالُ لِأَجلِهِ / يَروحُ أَخا وَيلٍ وَيَغدُو أَخا ثُكلِ
وَذُو الفَقرِ في هَمَّينِ هَمّ مَعيشَةٍ / وَهَمِّ عَدُوٍّ فَهوَ يَمشي بِلا عَقلِ
فَأَروحُهُم مَن راحَ فيهم وَرَأسُهُ / كَرَأسِ عَلاةِ القَينِ وَكَفِّهِ الطَبلِ
فَذُو الحَزمِ مَن أَعطى بِباعٍ قَصيرَةٍ / وَأَلقى مَقاليدَ الأُمورِ إِلى نَذلِ
وَذُو العَزمِ مَن أَمسى وَأَصبَحَ عائِذاً / بِجِلفٍ مِنَ الأَعرابِ أَو عاهِرٍ طِملِ
وَإِمّا اِنتَدى بَعضَ البَوادي وَبَعضُهُم / سَواءٌ بِضاحي البَرِّ أَو باحَةِ الرَحلِ
فَأَقوَلُهُ قَد كانَ جَدّي وَوالِدي / وَجَدُّ أَبي خُدّامَ رَهطِكَ مِن قَبلي
فَإِن يَتَلقّى بِالقَبُولِ مَقالَهُ / فَيا لَكَ مِن فَخرٍ وَيا لَكَ مِن فَضلِ
وَإِن قالَ كلّا ما عَلِمتُ فَيا لَها / خُوَيخِيَّةٌ تُدعى مُضَيَّقَةَ السُبلِ
وَإِن جاءَ يَوماً نازِلاً لِهَوانِهِ / تَلَقّاهُ مِنهُ بِالإِقامَةِ وَالنُزلِ
كَأَنَّ عَلَيهِ إِذ يَحُلُّ نَقيعَةَ ال / قُدُومِ وَلَيسُوا لِلسَماحَةِ بِالأَهلِ
أَلا يا لَقَومي مِن رَبيعَةَ هَل أَرى / لَكُم يَومَ بَأسٍ يَصدِمُ الجَهلَ بِالجَهلِ
إِلى مَ تُقاسُونَ الهَوانَ أَذِلَّةً / وَأَنتُم إِذا كُوثِرتُمُ عَدَدُ النَملِ
يَسُوقُكُم كَرهاً إِلى ما يَسُوءُكُم / عَبيدُكُمُ سَوقَ الأُحَيمِرَةِ الهُزلِ
وَكَم تَتَرَدُّونَ الخُمولَ ضَراعَةً / وَلُؤماً وَتَشرونَ الغَباوَةَ بِالنُبلِ
يَوَدُّ الفَتى مِنكُم إِذا عَنَّ أَو بَدا / لَهُ مِن بَني القِيناتِ أَسوَدُ كَالحَجلِ
بِأَنَّ حَضيضَ الأَرضِ أَضحى بِقَعرِهِ / لَهُ نَفَقٌ مِمّا اِعتَراهُ مِنَ الخبلِ
فَذُو القَدرِ مِنكُم وَالجَلالَةِ يَحتوي / صفاياهُ مِنهُم بالمَطاميرِ وَالحَبلِ
وَسائِرُكُم بِالبُهم يَرعى مُحَلِّقاً / بِأَثوابِهِ رُعباً مِنَ الجَدِّ وَالهَزلِ
عَزيزُكُمُ يَرضى مِنَ الدُرِّ بِالحَصى / وَيَقنَعُ لَو يُعطى مِنَ الدَرِّ بِالمَصلِ
فَقُبحاً لَكُم ماذا تَعُدُّونَ في غَدٍ / إِذا اِفتَخَرَ الأَقوامُ يا أَخلَفَ النَسلِ
فَإِن كانَ خَوفُ القَتلِ وَالأَسرِ داءَكُم / فَشَأنُكُم أَدهى مِنَ الأَسرِ وَالقَتلِ
فَعَزماً فَموتُ العِزِّ عِندَ ذَوي النُهى / حَياةٌ وَعَيشُ الذُلِّ مَوتٌ بِلا غُسلِ
فَقَد يُنكِرُ الضَيمَ الكَريمُ بِسَيفِهِ / إِنِ اِسطاعَ أَو بِالشَدقَمِيَّةِ وَالرَحلِ
كَما فَعَلَ العَبسِيُّ قَيسٌ وَإِنَّما / أَخُو الهِمَّةِ العَليا أَخُو الحَسَبِ الجَزلِ
أَشاعَ لِعَبسٍ بِالسَلامِ وَأرقَلَت / بِهِ العِيسُ مِن نَجدٍ إِلى كَنَفي وَبلِ
وَحَلَّ عَلى الأَتلادِ غَيرَ مُجاوِرٍ / وَلَكِنَّ عِضّاً لا يَنامُ عَلى تَبلِ
وَلا خَيرَ عِندي في حَياةٍ كَأَنَّها / حَياةُ دَعاميصِ الفَراشَةِ في الضَحلِ
وَذي إِربَةٍ أَهدى لِيَ اللَومَ ناصِحاً / وَذُو اللُبِّ أَحياناً يُريعُ إِلى العَذلِ
يَقُولُ بِتَأنيبٍ أَأُنسيتَ ما جَرى / عَلَيكَ مِنَ الأَغلالِ والسِجنِ وَالكَبلِ
وَإِحرازِ ما أُوتيتَهُ وَاِكتَسَبتَهُ / عَلى غَيرِ ذَنبٍ مِن فِراخٍ وَمِن نَخلِ
وَتفريقَهُ في كُلِّ شاوٍ وَخارِبٍ / وَذاتِ هَنٍ كَالماءِ في رَدعِ الوَحلِ
وَسَلبِ الحِسانِ المُكرَماتِ تَهاوُناً / بِهنَّ وَدَمعُ الأَعيُنِ النُجلِ كَالوَبلِ
وَما كانَ مِن إِخراجِهِنَّ صَوارِخاً / مِنَ الضَيمِ مِن بَعدِ القِصارَةِ وَالشّكلِ
وَسُكنى البَوادي دارَهُنَّ وَإِنَّها / لَدَارُ اِمرِئٍ لا بِالحصورِ وَلا الخَطلِ
أَمِثلُكَ يَرضى دارَ ذُلٍّ إِذا مَأى / بها نَأمُ الضَيّونِ طارَ أَبُو الشِبلِ
أَما كانَ في أَرضِ العِراقِ مَراغِمٌ / تَرُوقكَ عَن دارِ الزَلازلِ وَالأَزلِ
فَقُلتُ لَهُ أَربِع عَلَيَّ وَفي الحَشا / لَوافِحُ أَحقادٍ مَراجِلُها تَغلي
وَجَدِّكَ لَم تَعذِل مَلُوماً وَلَم تَهج / جَثُوماً وَلَم تُوقِظ نؤُوماً عَلى تَبلِ
لِأَمرٍ تَخَطَّيتُ الخَطايا وَلَم أَزل / بِمَطوِ المَطايا أُتبِعُ الجَهلَ بِالجَهلِ
وَما أَعجَبَتني دارُ ذُلٍّ وَإِن غَدَت / مَنازِلَ قَومي وَالأَكارِمِ مِن أَهلي
وَلَكِنَّني حاوَلتُ ما إِن أَتَمَّهُ / لِيَ اللَهُ لَم أَجفَل بِمَحلٍ وَلا مَغلِ
وَقُلتُ عَسى يَوماً كَيَومٍ شَهِدتُهُ / قَديماً لِكَيما يلحَقَ الشُومُ بِالثُكلِ
أَكُونُ بِهِ قُطبَ الرَحى وَمُديرَها / بِعَزمٍ عَلى أَهلِ الضَلالَةِ وَالجَهلِ
فأَلفَيتُ قَوماً إِن طَلَبتَ اِنبِعاثَهُم / لِيَومِ سِبابٍ فَاِدعُ بِالخَيلِ وَالرَجلِ
وإِن رُمتَ فيهم دَفعَ ضَيمٍ وَنُصرَةٍ / بِهِم رُمتَ أَو شالاً مِنَ اِصطُمَّةِ الرَملِ
يُرَجّونَ عَبداً خائِباً قَعَدَت بِهِ / عَلى الخِزيِ أُمّاتٌ وَقَفنَ عَلى الغُسلِ
شَريساً أَعارَتهُ اللَيالي جَهالَةً / جَلالاً وَمالاً وَهيَ مَعتُوهَةُ العَقلِ
قِراعٌ وَلَكِنَّ الكَوَادنَ لَم تَكُن / لِتَجري مَعَ الخَيلِ العرابِ عَلى الحَبلِ
فَما وَلَدَتني حاضِنٌ حَنَفِيَّةٌ / عبيدِيَّةٌ تَسمُو إِلى الحسَبِ الجَزلِ
وَلا عُرِفَت في المَروَتَينِ أُبُوَّتي / وَلا كُنتُ أهدى السابِقينَ إِلى الفَضلِ
وَلا نَزَلَ الأَضيافُ يَوماً بِعقوَتي / وَلا ثَبَتَت في ماقِطٍ حَرجٍ رِجلي
لَئِن أَنا لَم أَغشَ اللِئامَ بِوَقعَةٍ / يَشيبُ لَها مِن هَولِها مَفرِقُ الطِفلِ
وَيَومٍ يَظَلُّ العَثرُ فيهِ نَبائِلاً / مُغَربَلَةً فَوقَ الشَناوِيرِ وَالزَبلِ
لِيَعلَمَ أَهلُ الغَدرِ أَنَّ عَداوَتي / لَأَمقَرُ مِن صابٍ وَأَقطَعُ مِن نَصلِ
وَإِنّي لَكالنَشرِ الَّذي تَستَلِذُّهُ / وَأَهنى لَها لَو قدِّرَت مَرتَعَ الأزلِ
وَهَل يَكشِفُ الغَمّاءَ عَن ذي ضَرورَةٍ / وَيَجلو ظَلامَ الخَطبِ إِلّا فَتىً مِثلي
كَذَلِكَ كانَت مُنذُ كانَت أُبُوَّتي / ذَوو الهامَةِ الخَشناءِ وَالجانِبِ السَهلِ
إِذا السَيِّدُ الجَبّارُ أَبدى تَعامياً / وَصَعَّرَ خَدّاً وَاِستَباحَ حِمى المَطلِ
أَضاءَت لَهُ أَسيافُنا فَهَدَينَهُ / وَقَوَّمنَهُ فَاِستَبدَلَ الحِلمَ بِالجَهلِ
فَسائِل مَعَداً هَل لَها مِن مُعَوِّلٍ / سِوانا إِذا البَزلاءُ قامَت عَلى رِجلِ
وَهَل قادَنا بِالجَهضَمِيَّةِ سَيِّدٌ / وَإِن كانَ فينا واسِعَ البَأسِ وَالفَضلِ
أَلَم نَترُكِ الضحيانَ يَكبُو وَبَعدَهُ / كُلَيباً أَذَقنا عِرسَهُ مَضَضَ الثَكلِ
وَأَردى أَخانا اليَشكُريَّ وَفَرخَهُ / فَوارِسُ مِنّا غَيرُ ميلٍ وَلا عُزلِ
سَواءٌ عَلَينا قَومُنا إِذ تُضِيمُنا / وَأَعَداؤُنا وَالفَرعُ يُنمي إِلى الأَصلِ
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه
ظَنَنتُ حَسُودي حينَ غالَت غَوائِلُه / يُريعُ إِلى البُقيا وَتُطوى حَبائِلُه
وَقُلتُ كَفاهُ ما لَقيتُ وَنالَني / بِهِ الدَهرُ مِمّا كانَ قِدماً يُحاوِلُه
فَأَغمَضتُ جَفناً وَالقَذى مِلءُ ناظِري / وَأَبدَيتُ سلماً لَيسَ تخشى دَغائِلُه
وَأَطفأتُ نارَ الجَهلِ بِالحِلمِ بَعدَما / غَلى المِرجَلُ الأَحوى وَذيقَت تَوابِلُه
وَوَطَّنتُ نَفسي لِلمُداراةِ ما رَأى / رَأيتُ وَمَهما قالَهُ أَنا قائِلُه
فَما زادَ ذُو الأَضغانِ إِلّا تَمادِياً / وَلا بَشَّرَت إِلّا بِشرٍّ مَخائِلُه
كَذَلِكَ أَحوَالُ الحَسُودِ وَخِبُّهُ / وَما تَقتَضي أَخلاقُهُ وَشمائِلُه
فَلا تَرجُ يَوماً في حَسُودٍ مَوَدَّةً / وَإِن كُنتَ تُبدي وُدَّهُ وَتُجامِلُه
وَلا تَبغِ بالإِحسانِ إِرضاءَ كاشِحٍ / فَلَيسَ بِمغنٍ في دَمالٍ تَدامُلُه
فَقُل لِخَليعٍ هَمُّهُ ما يَسُوءُني / رُوَيدَكَ فاتَ الزُجَّ في الرُمحِ عامِلُه
وَلا تَحسَبَنّي ضِقتُ يَوماً بِما جَرى / ذِراعاً فَما ضاقَت بِحُرٍّ مَراكِلُه
فَقَد يُدرِكُ البَدرَ الخُسوفُ وَتَنجَلي / غَياهِبُهُ عَن نُورُهِ وَغَياطِلُه
وَقَد يَجزِرُ الرَجّافُ طَوراً وتارَةً / يُسَيِّرُ ذاتَ الجُلِّ بِالمَدِّ ساحِلُه
فَإِن سَاءَني القَومُ الكِرامُ وَضَيَّعُوا / حُقوقي وَهَديُ المَجدِ فيهِم وَكاهِلُه
فَقَبلي أَخُو شَنّ بنِ أَفصى أَضاعَهُ / بَنُو عَمِّهِ دَونَ الوَرى وَفَضائلُه
وَلا بُدَّ هَذا الدَهرُ يَرجِعُ صَحوُهُ / وَيَنجابُ عَنهُ غَيُّهُ وَيُزايِلُه
وَقَد يُشرِقُ الرّيقُ الفَتى وَهوَ غَوثُهُ / وَيَجرَحُهُ ماضي الشَبا وَهوَ فاصِلُه
فَيَنطِقُ عَن صِدقٍ وَيَسمَعُ واعِياً / وَيَفهَمُ عَن عَقلٍ فَيَزهَقُ باطِلُه
فَيَذهَبُ قَومٌ كَاليَعاليلِ لا يُرى / لَها أَثَرٌ وَالماءُ تغطي جَداوِلُه
فَجَدعاً وَعَقراً لِلزَمانِ إِذا اِستَوى / مُطَهَّمُهُ في عَينِهِ وَطَهامِلُه
وَقُبحاً لِدَهرٍ أَصبَحَ العَلُّ فيلُهُ / وَأَضحَت بُزاةُ الطَيرِ فيهِ عُلاعِلُه
فَلا يَفرَحِ الخَلفُ الهِدانُ بِنَكبَتي / فَما نالَني مِن صَرفِها فهوَ نائِلُه
عَلى أَنّني لا مُستَكيناً لِحادِثٍ / وَسيّانِ عِندي نِيلُهُ وَصَلاصِلُه
وَقائِلَةٍ وَالعِيسُ تُحدَجُ لِلنَوى / وَدَمعُ الجَوى قَد جالَ في الخَدِّ جائِلُه
عَلَيكَ بِصَبرٍ وَاِحتِسابٍ فإِنَّما / يَفُوتُ الثَنا مَن راحَ وَالصَبرُ خاذِلُه
وَلا تَرمِ بِالأَهوالِ نَفساً عَزيزَةً / فَذا الدَهرُ قَد أَودى وَقامَت زَلازِلُه
فَكَم كُربَةٍ في غُربَةٍ وَمَنِيَّةٍ / بِأُمنِيَّةٍ وَالرِزقُ ذُو العَرشِ كافِلُه
فَقُلت لَها وَالعَينُ سَكرى بِزَفرَةٍ / أُرَدِّدُها وَالصَدرُ جَمٌّ بَلابِلُه
أَبالمَوتِ مِثلي تُرهِبينَ وَبِالنَوى / وَعاجِلُهُ عِندي سَواءٌ وَآجِلُه
وَلَلمَوتُ أَحيا مِن حَياةٍ بِبَلدَةٍ / يُري الحُرَّ فيها الغَبنَ مَن لا يُشاكِلُه
وَما غُربَةٌ عِن دارِ ذُلٍّ بِغُربَةٍ / لَوَ اِنّ الفَتى أَكدى وَغَثَّت مَآكِلُه
وَرُبَّ غَريبٍ ناعِمٍ وَاِبنِ بَلدَةٍ / تُبَكِّيهِ قَبلَ المَوتِ فيها ثَواكِلُه
وَإِنّ مُقامي يا اِبنَةَ القَومِ لِلقَلى / وَلِلضَيمِ لَلعَجز الَّذي لا أُزامِلُه
فَلا تُنكري خَوضي الطَوامي وَجَوبِيَ ال / مَوامي إِذا الآلُ اِسجَهَرَّت طَياسِلُه
فَمِن كَرَمِ الحُرِّ اِرتِحالٌ عَن الفِنا / إِذا قُدِّمَت أَوباشُهُ وَرَعابِلُه
وَلا بُدَّ لي مِن وَقفَةٍ قَبلَ رِحلَةٍ / أُذيل بِها دَمعي فَيَنهَلُّ وابِلُه
عَلى جَدَثٍ أَضحى بِهِ المَجدُ ثاوياً / بِحَيثُ يَرى شَطَّ العَذارِ مُقابِلُه
لِأَسأَلَ ذاكَ القَبرَ هَل غَيَّرَ البِلى / مَحاسِنَ مَجدٍ غَيّبَتها جَنادِلُه
وَهَل هَمَّت المَوتى بِإشعاءِ غارَةٍ / يُثارُ بِها مِن كُلِّ جَوٍّ قَساطِلُه
فَقَد نامَتِ الأَحيا عَنِ الغَزوِ فَاِستَوى / بِكُلِّ سَبيلٍ أُسدُهُ وَخَياطِلُه
فَيا عَجَباً مِن مُلحِدٍ ضَمَّ فَيلَقاً / وَبَحراً وَطَوداً يركَبُ المُزنَ عاقِلُه
مَضى طاهِرَ الأَخلاقِ وَالخِيمِ لَم يَمِل / إِلى سَفَهٍ يَوماً وَلا خابَ آمِلُه
فَيا لَكَ مِن مَجدٍ تَداعَت فُرُوعُهُ / وَمالَ ذُراهُ وَاِنقَعَرَّت أَسافِلُه
لِيَبكِ العُلى وَالمَجدُ وَالبَأسُ وَالنَدى / لَقَد صَلَّ واديها وَجَفَّت مَسايِلُه
وَتَندبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا / لِما أَنهَلَتها كفُّهُ وَأَنامِلُه
لَعَمري لَئِن كانَ الأَميرُ مُحمَّدٌ / قَضى وَأُصيبَت يَومَ نَحسٍ مَقاتِلُه
لَقَد مُنيَت مِنهُ الأَعادي بِثائِرٍ / هُمامٍ أَبى أَن يَحمِلَ الضَيمَ كاهِلُه
أَيا فَضلُ لا زالت لِنُعماكَ تَلتَقي / بِمَغناكَ ساداتُ المَلا وَعَباهِلُه
مَنحتُكَ وُدّاً كُنتُ قَبلُ مَنحتُهُ / أَباكَ وَمُزني لَم تَقَشَّع هَواطِلُه
وَلاقَيتُ مِن جَرّائِكُم ما عَلِمتَهُ / وَهَل أَحَدٌ مِن سائِرِ الناسِ جاهِلُه
وَكَم مُبغِضٍ لِي في هَواكُم وَشانئٍ / عَلَيَّ بِنارِ الحِقدِ تَغلي مَراجِلُه
فَلا تَحمِلنّي وَالمَناديحُ جَمَّةٌ / عَلى مَوردٍ يَستَعذِبُ المَوتَ ناهِلُه
أَرَيتُكَ إِن أَخَّرتَني وَجَفَوتَني / وَذا الدَهرُ قَد أَربى وَبانَ تَحامُلُه
وَجازَت قُرى البَحرَينِ عِيسي وَأَصبَحَت / عُمانِيَّةً وَاِستَبهلَتها سَواحِلُه
وَأًصبَحَ في الحَيِّ اليَمانيّ رَحلُها / وَحَفَّت بِهِ أَقيالُهُ وَمَقاوِلُه
أَوِ اِستَقبَلَت أَرضَ الحِجازِ فَيَمَّمَت / بَني حَسَنٍ وَالفَضلُ بادٍ شَواكِلُه
أَوِ اِنتَجَعَت آلَ المُهَنّا فَفيهمُ / حِمىً آمِنٌ لا يَرهَبُ الدَهرَ نازِلُه
أَوِ اِعتامَتِ القَومَ الَّذينَ أَحَلَّهُم / ذُرى كُلِّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
فَقُل لي عِمادَ الدِينِ ماذا أَقُولُهُ / وَكُلُّ اِمرِئٍ قُدّامُهُ مَن يُسائِلُه
إِذا قيلَ لِي مِن أَينَ أَقبَلتَ وَاِرتَمَت / بِكَ العِيسُ أَو مَن كُنتَ قِدماً تُواصِلُه
وَمَن رَهطكَ الأَدنى الَّذي لَكَ فَخرُهُ / وَنابِهُ قَدرٍ لا يُساوِيهِ خامِلُه
هُناكَ يَكُونُ الصِدقُ نَقصاً عَلَيكُمُ / وَلا يَتَحرّى الكِذبَ إِلّا أَراذِلُه
وَمَنصِبُكَ السامي إِلى الفَخرِ مَنصِبي / وَرَبعُكَ رَبعي وَالعُلى أَنتَ آيِلُه
فَجُد بِالَّذي تَحوي يَداكَ عَلى الوَرى / وَضِنَّ عَلَيهم بِالَّذي أَنا قائِلُه
فَما المِسكُ إِلّا مِن عَقابيلِ نَشرِهِ / وَلا الجَوهَرُ المَكنونُ إِلّا خَصائِلُه
وَرَأيُكَ أَعلى وَالرِضا ما رَضيتَهُ / وَكُلُّ اِمرئٍ غُولُ المَنِيَّةِ غائِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه
أَفي كُلِّ دارٍ لي عَدُوٌّ أُصاوِلُه / وَخَصمٌ عَلى طُولِ اللَيالي أُزاوِلُه
وَطاوٍ عَلى بَغضايَ تَصرُفُ نابُهُ / عَلَيَّ وَبِالشَحناءِ تَغلي مَراجِلُه
كَأَنَّ أَباهُ كانَ قاتِلَهُ أَبي / وَها أَنا إِن أَوفى بيَ العُمرُ قاتِلُه
دَعُوني وَأَرضَ اللَهِ فَهيَ عَريضَةٌ / فإِن يَفلُلِ العَزمُ الَّذي أَنا حامِلُه
سَتَشهَدُ لي بِالسَيرِ في كُلِّ مَهمَهٍ / أَواخِرُ لَيلي إِن أَعِش وَأَوائِلُه
سَئِمتُ مُداراةَ اللَيالي وَغَرَّني / صَديقٌ أُصافيهِ وَخِلٌّ أُواصِلُه
وَضِقتُ ذِراعاً باِبنِ عَمٍّ مُحَبَّبٍ / إِلَيَّ وَإِن لَم تَسقِ أَرضي مَخاثِلُه
فَكَم لَيلَةٍ عَلَّلتُ نَفسي بِذِكرِهِ / وَسَكَّنتُ قَلبي فَاِطمَأَنَّت بَلابِلُه
فَلَمّا اِلتَقَينا كانَ حَظّي جَفاؤُهُ / وَكانَ لِغَيري بِرُّهُ وَنَوافِلُه
وَلَم أَسَتشِر قَلبي عَلى بَتِّ حَبلِهِ / مِنَ اليَأسِ إِلّا كادَ لُبّي يُزايِلُه
حُنُوّاً عَلَيهِ وَاِنتِظاراً لَعَلَّهُ / يُريعَ فَتُعصى في اِصطِناعي عَواذِلُه
وَإِنّي مَعَ الغَبنِ الَّذي يَرمضُ الحَشا / لأَحمي وَأَرمي دُونَهُ مَن يُناضِلُه
وَأُظهِرُ للأَقوامِ أَنّي بِقُربِهِ / مَليكٌ يُرَجّى رِفدُهُ وَفَواضِلُه
وَإِن ذَكَروهُ في النَدى قُلتُ ماجِدٌ / وَهوبٌ لِجُلِّ المالِ حُلوٌ شَمائِلُه
وَعَنَّفَني في قَصدِهِ وَاِصطِفائِهِ / رِجالٌ وَفي النَظمِ الَّذي أَنا قائِلُه
وَقالوا أَلَيسَ الماءُ يَعرِفُ طَعمَهُ / بِأَوَّلَ سِجلٍ مُرتَويهِ وَناهِلُه
وَأَنتَ فَقَد جَرَّبتَ كُلَّ مُجَرَّبٍ / وَطاوَلتَ ما لا كانَ خَلقٌ يُطاوِلُه
وَقُلتَ فَأَحسَنتَ المَقالَ وَلَم تَدَع / لِمُبتَدِعِ الأَشعارِ مَعنىً يُحاوِلُه
وَقُمتَ مَقاماً لَو يُقامُ لِغَيرِهِ / لَقالَ اِرتياحاً أَحسُن البِرِّ عاجِلُه
فَدَع عَنكَ مَولىً لا يُفيدُكَ قُربُهُ / وَذُمَّ اِبنَ عَمٍّ لا يَعُمُّكَ نائِلُه
وَهَل يَنفَعُ النَجدِيّ غَيمٌ لِأَرضِهِ / صَواعِقُهُ العُظمى وَلِلغَورِ وابِلُه
فَقُلتُ رُوَيداً إِنَّهُ اِبنُ مُحمَّدٍ / وَإِن ساءَني إِعراضُهُ وَتَغافُلُه
وَإِنّي لَأَرجُو وَليَةً مِن غَمامِهِ / بِها يَمرَعُ الوَادي وَيَخضَرُّ باقِلُه
أَقولُ لِرَهطٍ مِن سُراةِ بَني أَبي / وَدَمعُ المَآقي قَد تَداعَت حَوافِلُه
إِلى مَ بَني الأَعمامِ نُغضي عَلى القَذى / وَنُكثِرُ لَيّانَ العُلى وَنُماطِلُه
هَلِ الشَرُّ إِلّا ما تَرونَ وَرُبَّما / تَعَدّى فَأَنسى عاجِلَ الشَرِّ آجِلُه
وَهَل يَحمِلُ العَزمَ الثَقيلَ أَخُو العُلى / وَيَضعُف عَن حَملِ الظُلامَةِ كاهِلُه
وَما بَعدَ سَلبِ المالِ وَالعِزِّ فَاِعلَمُوا / مُقامٌ وَزادُ المَرءِ لا بُدَّ آكِلُه
وَلا بَعدَ تَحكيمِ العِدى في نُفوسِنا / وَأَموالِنا شَيءٌ مِنَ الخَيرِ نَأمُلُه
أَطاعَت بِنا إِخوانُنا كُلَّ كاشِحٍ / خَبيثِ الطَوايا يُشبِهُ الحَقَّ باطِلُه
وَجازَ عَلَيهِم قَولُ مَن قالَ إِنَّنا / عَدُوٌّ مَعَ الإِمكانِ تُخشى غَوائِلُه
فَأَينَ عُقولُ القَومِ إِذ يَقبَلونَهُ / فَما يَستوي مَنقوصُ عَقلٍ وَكامِلُه
أَنَحنُ بَنَينا العِزَّ أَم كانَ غَيرُنا / بَناهُ وَشَرُّ الناسِ مَن خابَ عامِلُه
وَهَل كانَ عَبدُ اللَهِ والِدَ مَعشَرٍ / سِوانا فَيُستَصفى وَتَمشي وَسائِلُه
فَأُقسِمُ ما هَذا لِخَيرٍ وَإِنَّهُ / لَأَوَّلُ ما الأَمرُ المُقَدَّرُ فاعِلُه
وَمَن يَستَمِع في قَومِهِ قَولَ كاشِحٍ / أُصيبَت كَما شاءَ المُعادي مَقاتِلُه
وَما كُلُّ مَن يُبدي المَوَدَّةَ ناصِحٌ / كَما لَيسَ كُلُّ البَرقِ يَصدُقُ خائِلُه
وَقَد يُظهِرُ المَقهُورُ أَقصى مَوَدَّةٍ / وَأَوهاقُهُ مَبثُوثَةٌ وَمَناجِلُه
وَمَن لَم يُقابِل بِالجَلالَةِ قَومَهُ / أَتاهُ مِنَ الأَعداءِ ما لا يُقابِلُه
وَمَن لَم يُبِح زُرقَ الأَسِنَّةِ لَحمَهُ / أُبيحَ حِماهُ وَاِستُرِقَّت حَلائِلُه
وَمَن لَم يُدَبِّر أَمرَهُ ذُو بَصيرَةٍ / شَفيقٌ بَكَتهُ عَن قَريبٍ ثَواكِلُه
وَكَم مِن هُمامٍ ضَيَّعَ الحَزمَ فَاِلتَقَت / عَلَيهِ عِداهُ بِالرَدى وَدخائِلُه
وَما المَرءُ إِلّا عَقلُهُ وَلِسانُهُ / إِذا قالَ لا أَبرادُهُ وَغَلائِلُه
فَقُومُوا بِعَزمٍ وَاِجعَلُوني مُقَدَّماً / فَأَيُّ حُسامٍ لَم تُرَصَّع حَمائِلُه
وَسِيرُوا عَلى طَيرِ الفَلاحِ فَقَد أَرى / رَسُولَ الجَلا وافى وَقامَت دَلائِلُه
فَإِنّي كَفيلٌ بِالخَرابِ لِبَلدَةٍ / يُراعى بِها مِن كُلِّ حَيٍّ أَراذِلُه
وَمِن ضَعفِ رَأي المَرءِ إِكرامُ ناهِقٍ / وَقَد ماتَ هزلاً في الأَواخِيِّ صاهِلُه
وَمَن ضَيَّعَ السَيفَ اِتِّكالاً عَلى العَصى / شَكى وَقعَ حَدِّ السَيفِ مِمّن يُنازِلُه
وَلَيسَ يَزينُ الرُمحَ إِلّا سِنانُهُ / كَما لا يَزينُ الكَفَّ إِلّا أَنامِلُه
فَإِن تَرفُضوا نُصحي فَما أَنا فيكُمُ / بِأَوَّلِ مَيمُونٍ عَصَتهُ قَبائِلُه
سَأُمضي عَلى الأَيّامِ عَزمي وَإِن أَبَت / لَأَظفَرَ مِنها بِالَّذي أَنا آمِلُه
فَإِنَّ بِقُربي مِن رِجالي مُتَوَّجاً / تُواصِلُ أَسبابَ العُلى مَن يُواصِلُه
مَنيعُ الحِمى لا يُذعِرُ القَومُ سَرحَهُ / وَلا يَمنَعُ الأَعداءُ شَيئاً يُحاوِلُه
إِلَيكَ عِمادَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / تَناهى فَما يُؤتى بِعقدٍ يُشاكِلُه
فَقَد كُنتُ قَد عِفتُ القَريضَ زَهادَةً / بِمُستامِهِ إِذ يُرخِصُ الدُرَّ جاهِلُه
وَأَكبَرتُ نَفسي عَن مَديحي مُذَمَّماً / بِكُلِّ قَبيحٍ بَشَّرتنا قَوابِلُه
وَلَولاكَ لَم أَنبِس بِبَيتٍ وَلَو طَمى / مِنَ الشِعرِ بَحرٌ يَردفُ المَوجَ ساحِلُه
وَلَكِنَّ لي فيكُم هَوىً وَقَرابَةً / تُحَرِّكُني وَالرَحمُ يُحمَدُ واصِلُه
وَإِنّي لَأَشنا المَدحَ في غَيرِ سَيِّدٍ / أَبُوهُ أَبي لَو زاحَمَ النَجمَ كاهِلُه
فَلا زِلتَ كَهلاً لِلعَشيرَةِ يُلتَجى / إِلَيهِ إِذا ما الدَهرُ عَمَّت زَلازِلُه
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ
رُوَيدَكَ يا هَذا المَليكُ الحَلاحِلُ / فَما المَجدُ إِلّا بَعضُ ما أَنتَ فاعِلُ
دَعِ الشِعرَ حَتّى يَشمَلَ الحَدَّ حِكمَةً / وَشَأنَكَ وَالدُنيا فَأَنتَ المُقابَلُ
فَقَد جُزتَ مِقدارَ الشَجاعَةِ وَالنَدى / وَتِربُكَ في لِعبِ الصِبا مُتَشاغِلُ
وَأَدرَكتَ ما فَوقَ الكَمالِ وَلَم يُقَل / لِمِثلكَ في ذِي السِنِّ إِنَّكَ كامِلُ
أَخَذتَ بِأَعضادِ العَشيرَةِ بَعدَما / هَوَت وَعَلَت مِنها الرُؤُوسَ الأَسافِلُ
وأَنقَذتَها مِن بَعدِ أَن لَعِبَت بِها / يَدُ الدَهرِ وَاِستَولَت عَلَيها الزَلازِلُ
فَأَنتَ لِناشِيها أَخٌ وَلِطِفلِها / أَبٌ راحِمٌ وَاِبنٌ لِذي الشَيبِ واصِلُ
عَلى أَنَّكَ المَولى الَّذي يُقتَدى بِهِ / وَلَكِنَّ طَبعاً تَقتَضيهِ الشَمائِلُ
أَطاعَت لَكَ الأَيّامُ كَرهاً وَسَلَّمَت / إِلَيكَ مَقاليدَ الأُمُورِ القَبائِلُ
فَقُل لِلّيالي كَيفَ تَجري صُرُوفُها / فَما الفَضلُ شَيءٌ غَيرُ ما أَنتَ قائِلُ
فَقَد أَذعَنت لِلخَوفِ مِنكَ وَأَهطَعَت / إِلى قَولِ مَأمُولٍ تَلَقّاهُ آمِلُ
زَهَت بِكَ آفاقُ البِلادِ وَأَخصَبَت / رُباها وَطابَت في ذُراها المَآكِلُ
وَنامَت عُيُونٌ رُبَّما عافَتِ الكَرى / بِلا رَمَدٍ فيها وَقَرَّت بَلابِلُ
تَرَكتَ الغُواةَ الغُثرَ فَوضى وَطالَما / غَدَت وَلَها مِن قَبلُ فينا مَحافِلُ
وَأَوليتَها مِنكَ الهَوانَ وَأَصبَحَت / وَكُلُّ غَويٍّ خاشِعٌ مُتضائِلُ
وَلَم يَبقَ مِن حِزبِ الضَلالِ اِبنُ غَيَّةٍ / عَلى الأَرضِ إِلّا وَهوَ خَزيانُ خامِلُ
رَفَعتَ عِمادَ المَجدِ مِن بَعدِ ما وَهى / وَرثَّ وَأَضحى رُكنُهُ وَهوَ مائِلُ
وَأَحيَيتَ رُوحَ الجُودِ مِن بَعدِ ما قَضى / وَرَدَّ عَلَيهِ التُربَ حاثٍ وَهائِلُ
وَقُمتَ بِأَحكامِ الشَريعَةِ فَاِستَوَت / لَدَيكَ ذَوُو الأَجبالِ طَيٌّ وَوائِلُ
وَأَوهَيتَ كَيدَ الفاسِقينَ فَأَصبَحُوا / وَناصِرُهُم مِن جُملَةِ الناسِ خاذِلُ
وَداوَيتَ قَرحاً كانَ في كَبدِ العُلى / تَبَطَّنهُ داءٌ مِنَ الغِلِّ قاتِلُ
لَعَمري لَنِعمَ المَرءُ أَنتَ إِذا اِلتقَت / صُدُور المَذاكي وَالخِفافُ الذَوابِلُ
وَنِعمَ المُرَجّى في السِنينِ إِذا اِستَوَت / مِنَ الضُرِّ أَبناءُ السُرى وَالأَرامِلُ
وَنِعمَ المُراعي لِلنَّزيلِ إِذا غَدا / أَكيلاً وَأَفنى مالَهُ مَن يُنازِلُ
وَنِعمَ الصَريخُ المُستَجاشُ إِذا اِرتَوَت / لَدى الرَوعِ مِن هامِ الكُماةِ المَناصِلُ
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِمّا تَأَخَّرَت / عَنِ القَولِ ساداتُ الرِجالِ المَعاوِلُ
وَنِعمَ مُناخُ الرَكبِ أَهدى لَهُ السُرى / سَنا النارِ في الظَلماءِ وَالعامُ ماحِلُ
فَيَا سائِلي عَن شَأنِ فَضلٍ وَلَم يَزَل / بَغيضاً إِليَّ العالِمُ المُتَجاهِلُ
سَلِ القَومَ عَنهُ يَومَ جاءَت وَأَقبَلَت / تَخُبُّ المَذاكي تَحتَها وَتُناقِلُ
أَغارَت عَلى دَربِ الحَنائِدِ غارَةً / يَطيرُ الحَصا مِن وَقعِها وَالجَراوِلُ
لَها فَيلَقٌ بِالجَوِّ ذِي النَخلِ كامِنٌ / وَرَيعانُها لِلمَسجِدِ الفَردِ شامِلُ
وَطارَدَتِ الفِتيانَ فيها وَأَظهَرَت / كُناها وَكُلٌّ عارِفٌ مَن يُجادِلُ
فَوَلَّت حُماةُ القَومِ خَيلاً وَلَم تَزَل / بَنُو الحَربِ في يَومِ التَلاقي تُحاوِلُ
فَراحَت عَلَيها الخَيلُ فَاِنبَعَثَت لَها / جَحافِلُ جَمعٍ تَقتَفيها جَحافِلُ
فَحاصَت حِذارَ القَتلِ وَالأَسرِ خَيلُهُ / وَسُمرُ القَنا فيهنَّ صادٍ وَناهِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّما / لَهُ المَوتُ جُندٌ بِالمُعادينَ كافِلُ
وَعاجَلَ طَعناً سَيِّدَ القَومِ فَاِغتَدَوا / وَقَد عافَ كُلٌّ مِنهُمُ ما يُحاوِلُ
بِها رَدَّ أَرواحَ التَوالي وَقَد غَدَت / إِذا ثارَ مِنهُم راجِلٌ طاحَ راجِلُ
أَقولُ وَقَد طالَ اِهتِمامي وَعَبرَتي / عَلى الخَدِّ مِنها مُستَهِلٌّ وَجائِلُ
وَقَد قَلِقَت مِنّي الحَشا وَتَتابَعَت / ظَواهِرُ أَنفاسٍ وَأُخرى دَواخِلُ
أَيا نَفسُ صَبراً لِلبَلايا فَرُبَّما / أَتى فَرَجٌ لِلمَرءِ وَالمَرءُ غافِلُ
فَكَم ضاقَ أَمرٌ ثُمَّ وَافى اِتِّساعُهُ / وَما عاجِلٌ إِلّا وَيَتلوهُ آجِلُ
وَقَد يَأمَنُ النَقصَ السُها لِاِحتِقارِهِ / وَيَخشى الخُسوفَ البَدرُ وَالبَدرُ كامِلُ
وَما بَينَ مَوتُورٍ وَلا بَينَ واتِرٍ / لِفَصلِ القَضا إِلّا لَيالٍ قلائِلُ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يُحَقَّرَ عالِمٌ / لَدى ضِدِّهِ أَو أَن يُوَقَّرَ جاهِلُ
فَقَد رُبَّما لِلجَدِّ يُكرَمُ ناهِقٌ / فَيُخلى لَهُ المَرعى وَيُحرَمُ صاهِلُ
وَقَد يُلبَسُ الدِيباجَ قِردٌ وَلُعبَةٌ / وَتُلوى بِأَعناقِ الرِجالِ السَلاسِلُ
وَما الدَهرُ إِلّا فَرحَةٌ ثُمَّ تَرحَةٌ / تَناوَبُها الأَيّامُ وَالكُلُّ زائِلُ
فَقِرّي حَياءً وَاِطمَئِنّي جَلادَةً / فَأَيُّ كَريمٍ سالَمتهُ الغَوائِلُ
فَما أَنا بِالعَلِّ الجزُوعِ إِذا عَرى / مِنَ الدَهرِ خَطبٌ أَو تَعَرّضَ نازِلُ
وَما كانَ حَملي لِلأَذى عَن ضَراعَةٍ / وَلَكِن لِأَمرٍ كانَ مِنّي التَثاقُلُ
وَإلّا فَعِندي لِلسُرى أَرحَبِيَّةٌ / وَعَزمٌ يَفُلُّ السَيفَ وَالسَيفُ فاصِلُ
وَفِيَّ عَلى عَضِّ اللَيالي بَقِيَّةٌ / وَإِن قُطِعَت مِن راحَتَيّ الأَنامِلُ
وَلِي عَن مَكانِ الذُلِّ مَنأىً وَمَرحَلٌ / وَذا الناسُ في الدُنيا غَريبٌ وَآهِلُ
وَلَستُ غَريباً أَينَ كُنتُ وَإِنَّما / مَعانِيَّ غُربٌ في الوَرى لا المَنازِلُ
وَلَولا رَجائِي في الأَميرِ لَقَلَّصَت / بِرَحلي عَنِ الدارِ القِلاصُ العباهِلُ
وَلَكِن إِذا ما النَفسُ جاشَت وَعَدتَها / بِما وَعَدَتني فيهِ تِلكَ المَخائِلُ
فَيَسكُنُ مِنها الجَأشُ حَتّى كَأَنَّني / بِها فَوقَ أَعلامِ المَجَرَّةِ نازِلُ
وَحُقَّ لِمثلي أَن يُؤَمِّلَ مِثلَهُ / وَفي الناسِ مَأمُولٌ يُرَجّى وَآمِلُ
لِأَنَّ عَلِيّاً جَدَّهُ عَمِّيَ الَّذي / يَطُولُ بِهِ بَيتي عَلى مَن يُطاوِلُ
وَضَبّارُ جَدّي عَمُّهُ وَكِلاهُما / خَليصانِ وَالعَمُّ المُهَذَّبُ ناجِلُ
وَيَجمَعُنا في الأُمَّهاتِ اِبنُ يُوسُفٍ / عَلِيٌّ وَنُعمان الأَغَرُّ الحُلاحِلُ
وَلِيَ دُونَ هَذا عِندَ فَضلٍ وَسيلَةٌ / إِذا اِنقَطَعَت فيما سِواهُ الوَسائِلُ
وَعِندي مِنَ المدحِ الَّذي ما اِهتَدى لَهُ / جَريرٌ وَلا تِلكَ الفُحولُ الأَوائِلُ
أَقَرَّ بِفَضلِ الفَضلِ بادٍ وَحاضِرٌ / وَساقَ إِلَيهِ الشُكرَ حافٍ وَناعلُ
وَأَضحى سَريرُ المُلكِ يَختالُ فَرحَةً / بِهِ وَتَجَلَّت عَنهُ تِلكَ القَساطِلُ
فَيا نَحسُ سِر بُعداً وَسُحقاً وَلا تَجُز / بِداري مَدى الأَيّامِ أُمُّكَ هابِلُ
فَقَد حالَ فَضلٌ دونَ ما أَنتَ طالِبٌ / لَدَيَّ وَذُو الإِحسانِ وَالجُودِ فاضِلُ
وَأَصبَحَ دُوني راجِحٌ وَكَأَنَّهُ / أَخُو غايَةٍ صَعبُ العَريكَةِ باسِلُ
مُلوكٌ هُمُ الشُمُّ الرَواسي رَزانَةً / إِذا ما اِستَخَفَّ الحِلمَ حَقٌّ وَباطِلُ
وَإِن نَهَضُوا يَوماً لِحَربٍ رَأَيتَهُم / كَأَنَّهُمُ فَوقَ الجِيادِ الأَجادِلُ
نَماهُم إِلى العَلياءِ أَشرَفُ والِدٍ / تَقُومُ لَهُ بِالمَأثُراتِ الدَلائِلُ
أَبُو القاسِمِ المَلكُ الَّذي عُرِفَت بِهِ / حِدادُ المَواضي وَالعِتاقُ الصَواهِلُ
هُمامٌ لَهُ عَزمٌ وَحَزمٌ وَمَحتِدٌ / كَريمٌ وَبَأسٌ لا يُطاقُ وَنائِلُ
وَعَدلٌ تَساوى فيهِ سامٍ وَيافِثٌ / وَحامٍ وَمُبدِي قطعِهِ وَالمَواصِلُ
وَلا بَرِحَت تَسطُو رَبيعَةُ في العِدى / بِمِثلِهِمُ ما طَبَّقَ الأَرضَ وابِلُ
وَما ناحَ قُمرِيُّ الحَمامِ وَما دَعا / أَخُو فاقَةٍ وَاستَجلَبَ المَدحَ باذِلُ
وَعاشُوا جَميعاً في نَعيمٍ وَغِبطَةٍ / وَحاسِدُهُم في غُمَّةٍ لا تُزايِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ
صِداقُ المَعالي مَشرفِيٌّ وَذابِلُ / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَأَجرَدُ صاهِلُ
وَطَعنٌ إِذا الغُزُّ المَساعيرُ أَقبَلَت / تَخُبُّ مَذاكيها بِها وَتُناقِلُ
وَضَربٌ إِذا ما الصِيدُ هابَت وَأَحجَمَت / وَفَرَّ مِنَ الفرسانِ مَن لا يُنازِلُ
وَنَصّ القِلاص القُودِ تَخدي كَأَنَّها / نَعامٌ بِأَعلى قُلَّةِ الدَوِّ جافِلُ
يَجُوبُ بِهِ البَيداءَ كُلُّ شَمَردَلٍ / يُسارِعُ في كَسبِ العُلى وَيُعاجِلُ
سَواءٌ عَلَيهِ لَيلُهُ وَنَهارُهُ / وَتَهجِيرُهُ وَقتَ الضُحى وَالأَصائِلُ
فَيا خاطِبَ العَلياءِ لا تَحسَبَنَّها / حَديثَ العَذارى أَنشَأَتهُ المَغازِلُ
تَنَحَّ وَدَعها هَكَذا غَيرَ صاغِرٍ / لِمَلكٍ هُمامٍ ما اِشتَهَت فَهوَ باذِلُ
أَغَرُّ عُيونِيٌّ كَأَنَّ جَبينَهُ / صَفيحَةُ سَيفٍ أَخلَصَتهُ الصَياقِلُ
نَماهُ إِلى العَلياءِ فَضلٌ وَعَبدَلٌ / وَأَحمَدُ وَالقَرمُ الهِزَبرُ الحُلاحِلُ
هُوَ المَشرَبُ العَذبُ الَّذي طابَ وِردُهُ / إِذا خَبُثَت لِلشّارِبينَ المَناهِلُ
سمامُ العِدى جَمُّ النَدى دافِعُ العِدى / بَعيدُ المَدى يَعلُو بِهِ مَن يُطاوِلُ
بِهِ اِفتَخَرَت هِنبٌ وَطالَت بِمَجدِهِ / لُكَيزٌ وَعَزَّت عَبدُ قَيسٍ وَوائِلُ
لَهُ ذِروَةُ المَجدِ المُؤَثَّلِ وَالعُلى / إِذا اِنشَعَبَت يَومَ الفَخارِ القَبائِلُ
حَميدُ السَجايا ما تَروحُ عِداتُهُ / مُسالمةً هاماتُهُم وَالمَناصِلُ
يُحكِّمُ في أَعدائِهِ حدَّ سَيفِهِ / إِذا حُطِّمَت في الدّارِعينَ العَوامِلُ
إِذا ما رَآهُ ناظرٌ خالَ أَنَّهُ / شِهابٌ عَلى جانٍ مِنَ الأُفقِ نازِلُ
يَرومُ ذَوو الأَغراضِ إِدراكَ شَأوِهِ / وَأَينَ مِنَ البَحرِ الخِضَمِّ الجَداوِلُ
وَهَيهاتَ نَيلُ الفَرقَدينِ وَلَو رَقى / عَلى مُشمَخِرّاتِ الذُرى المُتَناوِلُ
هُوَ البَحرُ لَكِن مَدُّهُ غَيرُ جازِرٍ / هُوَ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ الدَهرَ كامِلُ
هُوَ الشَمسُ في جَوِّ السَماءِ وَنُورُها / عَلى كُلِّ مَن فَوقَ البَسيطَةِ شامِلُ
هُوَ المُزنُ إِلّا أَنَّهُ فَوقَ سابِحٍ / وَفي كُلِّ أَرضٍ مِنهُ سَحٌّ وَوابِلُ
هُوَ اللَيثُ إِلّا أَنَّ عِرِّيسَهُ القَنا / وَصيداتِهِ الصّيدُ المُلوكُ العَباهِلُ
هُوَ النَصلُ لَكِن لا يحُسُّ غِرارَهُ / بَنانٌ وَبِالأَيدي تُحَسُّ المَناصِلُ
إِذا صَبَّحَت راياتُهُ دارَ مَعشَرٍ / عِدىً كَثُرَت أَيتامُها وَالأَرامِلُ
وَإِن رُبِطَت بَينَ القِبابِ جِيادُهُ / فَهُنَّ بِأَكبادِ المُلوكِ جَوائِلُ
فَقُل لِلعِدى مَهلاً قَليلاً فَإِنَّهُ / سِمامٌ لِمَن يَبغي العَداوَةَ قاتِلُ
كَأَنَّكُم لَم تَعرِفُوا سَطَواتِهِ / إِذا الحَربُ فارَت مِن لَظاها مَراجِلُ
سَلُوا تُخبَرُوا مِن غَيرِ جَهلٍ لِفِعلِهِ / بَني مالِكٍ فَالحُرُّ بِالحَقِّ قائِلُ
أَلَم يَجلِبِ الجُردَ العِتاقَ شَوازِباً / مِنَ الخَطِّ تَتلُوها المَطايا المَراسِلُ
إِلى أَن أَناخَت بِالدَجانيّ بَعدَما / بَراها السُرى وَالأَينُ فَهيَ نَواحِلُ
فَصَبَّحنَ حَيّاً لَم تُصَبَّح حِلالهُ / قَديماً وَلا رامَت لِقاهُ الجَحافِلُ
فَكُم قَرمِ قَومٍ غادَرَتهُ مُجَدَّلاً / تَقُطُّ شَواهُ الخامِعاتُ العَواسِلُ
وَكَم مالِ نَحّامٍ مِنَ القَومِ أَصبَحَت / تُقَسَّمُ غَصباً جُلُّهُ وَالعَقائِلُ
وَكَم عاتِقٍ لَم تَترُكِ الخِدرَ ساعَةً / تُقلِّبُ كَفَّيها لَهُ وَهيَ ثاكِلُ
تَقُولُ وَدَمعُ العَينِ مِنها كَأَنَّهُ / جُمانٌ هَوى مِن سِلكِهِ مُتوابِلُ
حَنانيكَ يا اِبنَ الأَكرَمينَ فَلَم تَدَع / لَنا أَملاً تُلوى عَلَيهِ الأَنامِلُ
وَفي لِينَةٍ أَردى شَغاميمَ طَيِّئٍ / جِهاراً وَلَونُ الجَوِّ بِالنَقعِ حائِلُ
عَشِيَّةَ لا يَلوي عِنانَ جَوادِهِ / حِمىً وَالعَذارى دَأبُهُنَّ التَعاوُلُ
غَدا مِثلَ ما راحَ الظَليمُ يَحُثُّهُ / عَلى الجَريِ لَيلٌ قَد أَظَلَّ وَوابِلُ
فَإِن يَنجُ مِن أَسيافِهِ فَلَقَد نَجا / وَفي قَلبهِ خَبلٌ مِن الرُعبِ خابِلُ
وَكانَ لَهُم بِالحَزمِ يَومٌ عَصَبصَبٌ / وَقَد حَشَدَت لِلحَربِ تِلكَ القَبائِلُ
عَنينٌ وَآلُ الفَضلِ مِن آلِ بَرمَكٍ / وَكُلُّهُمُ لِلعِزِّ أَنفٌ وَكاهِلُ
وَجاءَت زَبيدٌ كَالجَرادِ وَطَيِّئٌ / وَكُلٌّ يُمَنّي نَفسَهُ ما يُحاوِلُ
وَكانُوا يَظُنّونَ الأَميرَ بِدارِهِ / مُقيماً وَجاءَتهُم بِذاكَ الرَسائِلُ
فَضاقَت عَلى أَحياءِ قَيسٍ رِحابُها / مِنَ الخَوفِ وَاِنسَدَّت عَلَيها المَناهِلُ
وَجاءَت إِلَيهِ الرُسلُ مُخبِرَةً لَهُ / بِما قَد دَهى وَالأَمرُ إِذ ذاكَ هائِلُ
فَسارَ مِنَ الأَحساءِ تَطوي بِهِ الفَلا / عِتاقُ المَذاكي وَالمَطِيُّ الذَوامِلُ
فَمَرَّت بِقَصرِ العَنبَرِيِّ وَلَم يَكُن / لَها بِسِوى دارِ الأَعادي تَشاغُلُ
فَما شَعَروا حَتّى تَداعَت عَلَيهِمُ / كَما يَتَداعى صَيِّبٌ مُتَوابِلُ
شَوائِلُ تشوال العَقارِبِ فَوقَها / لُيُوثٌ وَلَكِن غابُهُنَّ القَساطِلُ
فَثارُوا يُرِشّونَ الطّرادَ وَكُلُّهُم / يُطاعِنُ في مَوجاتِها وَيُجاوِلُ
إِلى أَن بَدَت مِن آلِ فَضلٍ عِصابَةٌ / قَصيرٌ لَدَيها الباذِخُ المُتَطاوِلُ
يَقودُ نَواصِيها أَخُو الجُودِ ماجِدٌ / وَفَضلٌ إِذا هابَ الكَمِيُّ المُنازِلُ
وَأَحمَدٌ السامي عَظيمٌ وَكُلُّهُم / أَخُو ثِقَةٍ يَعلُو عَلى مَن يُصاوِلُ
فَزادَ مَقاديمَ الفَوارِسِ بَعدَما / تَحَطَّمَ فيها مَشرَفِيٌّ وَذابِلُ
وَأَقبلَ لَيثُ الغابِ أَعني مُحمّداً / يُفَتِّشُ عَن أَشبالِهِ وَيُسائِلُ
فَقِيلَ لَهُ تَحتَ العَجاجَةِ دَأبُهُم / طِعانُ العِدى في حَيثُ تَخفى المَقاتِلُ
فَأَورَدَهُم صَدرَ الحِصانِ كَأَنَّهُ / بِأَخذِ نُفوسِ القَومِ بِالسَيفِ كافِلُ
فَطارُوا سِلالاً مِن أَسيرٍ وَهارِبٍ / وَمِن هالِكٍ تَبكي عَلَيهِ الثَواكِلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا خائِفٌ مُتَرَقِّبٌ / حِماماً سَريعاً أَو نَزيلٌ مُنازِلُ
وَمِن بَعدِ ذاكَ العِزِّ أَضحَت مُلُوكُهُم / وَكُلٌّ لَدَيهِ خاشِعٌ مُتَضائِلُ
وَلا عارَ لَو عاذُوا بِأَكنافِ سَيِّدٍ / يَطُولُ فَلا تُرجى لَدَيهِ الطَوائِلُ
فَمِن قَبلِ ذا عاذَت بِأَكنافِ هانِئٍ / بَنُو مُنذِرٍ إِذ عارَضَتها الغَوائِلُ
فَقُل لِعُقَيلٍ غَثِّها وَسَمينِها / إِذا جَمَعتها في النُجوعِ المَحافِلُ
أَلا إِنَّما فِعلُ الأَميرِ مُحَمَّدٍ / لِإحياءِ ما سَنَّ الجُدودُ الأَوائِلُ
هُمُ بِخَزازَى دافَعُوا عَنكُمُ العِدى / وَذَلِكَ يَومٌ مُمقِرُ الطَعمِ باسِلُ
فَشُكراً بِلا كُفرٍ لِسَعيِ رَبيعَةٍ / فَما يَكفُرُ النَعماءَ في الناسِ عاقِلُ
إِلَيكَ اِبنَ شَقّاقِ الفَوارِسِ مِدحَةٌ / تُطَأطَأ لَها مِن حاسِديكَ الكَواهِلُ
أَتَتكَ كَنَظمِ الدُرِّ مِن ذي قَرابَةٍ / لِإِحياءِ وُدٍّ لا لِمالٍ يُحاوِلُ
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها
زَهَت هَجَرٌ مِن بَعدما رَثَّ حالُها / وَعادَ إِلَيها حُسنُها وَجَمالُها
وَأَضحَت تُباهي جَنَّتي أَرضِ مَأربٍ / لَيالي بَنُو ماءِ السَماءِ حِلالُها
فَيا حُسنَها حينَ اِستَقَرَّ قَرارُها / وَزايَلَها ما كانَ فيهِ وَبالُها
بِأَوبَةِ مَيمُونِ النَقيبَةِ لَو سَطا / عَلى الأرضِ خَوفاً مِنهُ زالَت جِبالُها
بِهِ اِعتَدَلَت أَرض الحَساءِ وَغَيرُها / وَقَد كانَ أَعيَى لِلأَنامِ اِعتِدالُها
إِذا غابَ عَنها غابَ عَنها رَبيعُها / وَإِن آبَ فيها آبَ فيها ثِمالُها
فَتىً لَم يَزَل مُذ كانَ يخشى وَيُرتَجى / إِذا قَصَّرَت عَن يَومِ خَطبٍ رِجالُها
فَيَخشاهُ جَبّارٌ وَيَرجُوهُ خائِفٌ / وَأَرمَلَةٌ قَد ماتَ هُزلاً عيالُها
يَجُذُّ مَقالاتِ الرِجالِ بِلَفظَةٍ / وَيَقصُرُ عَنهُ عِندَ ذاكَ جِدالُها
تَوَدُّ مُلوكُ الشَرقِ وَالغَربِ أَنَّهُ / يَمينٌ وَأَنَّ العالمينَ شِمالُها
هُمامٌ مَتى نُودي عَلى الخَيلِ بِاِسمِهِ / تَضايَقَ عَنها في المَكَرِّ مَجالُها
وَإِن حُدِيَت بَعدَ الكَلالِ قَلائِصٌ / بِذكراهُ وَهناً زالَ عَنها كَلالُها
وإِن نُزلَ الخرمُ المَخُوفُ فَبَيتُهُ / مِن الأَرضِ عالي هُضبِها وَتِلالُها
وَإِن نَزَلَ الوَسمِيُّ دارَ قَبيلَةٍ / رَعاهُ ولَو أَنَّ الرياضَ قِلالُها
أَعَزَّ عُقَيلاً عِزُّهُ فَتَدَامَلَت / وَمِن قَبلُ أَعيى مَن سِواهُ اِندِمالُها
كَفاها وَأَغناها بِنائِلِ كَفِّهِ / وَمالِ عِداها فَاِغتَدَت وَهوَ مالُها
وَأَنزَلَها دارَ الأَعادي بِسَيفِهِ / فَأَضحَت خَفافيثاً لَدَيها صِلالُها
وأَورَدَها بِالمَشرَفيِّ مَوارِداً / حَرامٌ بِغَيرِ المَشرَفيِّ بَلالُها
أَقامَ عُهُوداً بَينَ عَمرٍو وَعامِرٍ / عَيِيٌّ عَلى أَيدي الرِجالِ اِنحِلالُها
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ إِذا دَعَوا / لِنائِبَةٍ جَلَّت وَآذى اِحتِمالُها
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ إِن قيلَ مَن لَها / خَطيبٌ وَأَعيَى الحاضِرينَ مَقالُها
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ إِذا أَتَت / تُقَلقِلُ مِن بَعدِ الهُدُوِّ رِحالُها
وَنِعمَ مَلاذُ المُعتَفينَ إِذا نَبا / زَمانٌ وَهَبَّت عامَ مَحلٍ شَمالُها
وَنِعمَ سَدادُ الثَغرِ تَكثُرُ دُونَهُ / مَعاذيرُ أَربابِ العُلى وَاِعتِلالُها
فَيا ذا العُلى وَالمَجدِ وَالدَوحَةِ الَّتي / زَكى فَرعُها وَاِزدادَ طيباً ظِلالُها
وَجَدِّكَ مُذ فارَقتَنا ما صَفَت لَنا / حَياةٌ وَلا خَلّى العُيونَ اِنهِمالُها
وَما ذاكَ إِلّا لِاِشتِياقٍ مُبَرِّحٍ / إِلى لَثمِ كَفٍّ لَيسَ كُلٌّ يَنالُها
أَنامِلُها فيها حَياةٌ وَرَحمَةٌ / ومَوتٌ وَيُغني الطالِبينَ اِنهِمالُها
فَعِش أَبَداً يابا عَلِيٍّ بِعِزَّةٍ / يَزيدُ عَلى مَرِّ اللَيالي جَلالُها
فَأَنتَ الَّذي لَولاهُ لَم تَبقَ رايَةٌ / لِمَجدٍ وَرَثَّت غَيرَ شَكٍّ حِبالُها
وَجِد وَاِجتَهِد في آلِ جَروانَ إِنَّهُم / سُيوفٌ تُقَرّي حاسِديكَ نِصالُها
هُمُ بَذَلُوا فيما يَسُرُّكَ أَنفُساً / كِراماً وَنارُ الحَربِ يَعلُو اِشتِعالها
وَهُم حَطَّمُوا سُمرَ العَوالي وَفَلَّلُوا / مَضارِبَ أَسيافٍ حَديثاً صِقالُها
غَداةَ أَبي الجرّاحِ يَغدو كَأَنَّهُ / نَعامَةُ قَفرٍ تَقتَفيها رِئالُها
وَذادُوا الأَعادي عَن حِماكَ وَفَلَّقُوا / جَماجِمَ لَم يَبرَح قَديماً ضَلالُها
وَأُوصِيكَ خَيراً بِالعَشيرَةِ كُلِّها / فَإِنَّكَ مِن بَعدِ الإِلَهِ مَآلُها
فَأَنتَ الَّذي أَحيَيتَها وَأَغثتَها / وَقَد كَثُرَت قِيلُ الأَعادي وَقالها
فَلا تَكتَرِث مِن قَولِ واشٍ وَشى بِها / فَما مُبلِغُ الحُسّادِ إِلّا مِحالها
وَأَلغِ مَقالاتِ الوُشاةِ فَإِنَّها / لأَشياءَ ظَنّي أَنَّها لا تَنالُها
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا
أَقيما عَلى حَرِّ المُدى أَو تَرَحَّلا / فَلَستُ بِراضٍ مَنزِلَ الهُونِ مَنزِلا
وَلا تَسأَلاني أَينَ تَرمي رَكائِبي / فَمالَكُما أَن تُسلِماني وَتسأَلا
فَقَد سَئِمَت نَفسي المُقامَ وَشاقَني / رُكُوبُ الفَيافي مَجهَلاً ثُمَّ مَجهَلا
وَكَيفَ مُقامي بَينَ أَوباشِ قَريَةٍ / أَرى الرَأسَ فيها مَن بِها كانَ أَسفَلا
بَني عَمِّ مَن أَمسى كَثيراً سَوامُهُ / وَإِن كانَ أَدنى مِن هُتَيمٍ وَأَرذَلا
وَأَعداءُ مَن غالَت يَدُ الدَهرِ مالَهُ / وَإِن كانَ أَسرى مِن قُرَيشٍ وَأَنبلا
لَحى اللَّهُ مَن يُغضي عَلى ضَيمِ صاحِبٍ / وَمَن يَجعَلُ الخِلَّ المُناصِحَ مَأكلا
وَمَن لا يَرى حَقَّ الصَديقِ وَلَو نَبا / بِهِ الدَهرُ أَو أَضحى مِنَ المالِ مُرمِلا
وَمَن لا يُجازي الوُدَّ بِالوُدِّ مُفضِلاً / وَيَجزي القِلى وَالصَدَّ بِالصَّدِّ وَالقِلى
خَليليَّ كُفّا عَن جِدالي فَإِنَّني / أَرى الرَأيَ كُلَّ الرَأيِ أَن أَتَرَحَّلا
فَقَد جاءَ في بَيتٍ مِنَ الشِعرِ سائِرٍ / لَنا مثلٌ مِن عالِمٍ قَد تَمَثَّلا
وَإِنَّ صَريحَ الحَزمِ وَالرَأيِ لِاِمرِئٍ / إِذا أَدرَكَتهُ الشَمسُ أَن يَتَحَوَّلا
فَكَيفَ بِنارٍ لا يَزالُ وَقودُها / حَديداً إِذا حُشَّت بِرِفقٍ وَجَندَلا
إِلى كَم أُداري بَينَ قَومي وَأَتَّقي / وَأَصدى فَأُسقى الماءَ صاباً وَحَنظَلا
بَلَوتُ صُروفَ الدَهرِ كَهلاً وَيافِعاً / فَما اِزدَدتُ عِلماً غَيرَ ما كانَ أَوَّلا
وَأَلقى صُروفَ الدَهرِ سِنَّ اِبنِ أَربَعٍ / فَتَحسَبُني الأَحداثُ عوداً مُذَلَّلا
كَذا الماجِدُ الأَحساب يَمضي وَما دَرَت / رُواةُ المَساعي أَيَّ عَصرَيهِ أَفضَلا
وَقَلَّبتُ هَذا الدَهرَ بَطناً وَظاهِراً / فَأَلقَيتُهُم ذِئباً وَهِرّاً وَتَنفُلا
وَما اِختَرتُ خِلّاً مِنهُمُ أَتَّقي بِهِ / زَمانِيَ إِلّا اِشتَقتُ أَن أَتَبَدَّلا
دَعَوتُ رِجالي مِن قَريبٍ فَخِلتُني / دَعَوتُ إِلى الجُلّى أَسيراً مُكَبَّلا
وَأَعلَنتُ في الحَيِّ البَعيدِ فَلم أَجِد / عَلَيهِم لِمثلي في الخُطوبِ مُعَوِّلا
وَمِن قَبلُ ما نادَيتُ في حَيِّ عامِرٍ / وَكُنتُ لِداعِيهِم إِذا الأَمرُ أَغفَلا
فَصُمَّت رِجالٌ عَن دُعائي وَأَحجَمَت / كَمِثلِ بُغاثِ الطَيرِ عايَنَ أَجدَلا
ولَو دِرهَمٌ يَوماً دَعاهُم لَأَقبَلَت / رِجالٌ وَخَيلٌ تَملأُ الجَوَّ قَسطَلا
كَذَلِكَ مَن يَبغي الوَضائِمَ لا يَني / يُضامُ وَيُسقى بِالكَبيرِ المُثَمِّلا
وَلا لَومَ في شاني عَلَيهِم لِأَنَّني / لَأَلوي بِهِ أَو أَجعَل الآلَ مَنهَلا
وَلَو أَنَّ مَن نادَيتُ مِن صُلبِ عامِرٍ / لَأَوضَعَ إِيضاعاً لِصَوتي وَأَرفَلا
وَلَكِنّ أَوباشاً لَعَمري تَجَمَّعَت / مَعَ اِبنِ عَلِيٍّ إِذ تَوَلّى وَأَجهَلا
نَفتهُم قَديماً بَكرَةً وَمُحارِبٌ / وَلَم يَجِدُوا في حَيِّ شَيبانَ مَدخَلا
وَلَو أَنَّ عِرقاً مِن رَبيعَةَ فيهِمُ / لَكانُوا عَلى الأَرحامِ أَحنا وَأَوصَلا
أَلا يا لَقومي هَل أَرى في جَنابِكُم / مُطاعاً لَدى الساداتِ مِنكُم مُبَجَّلا
وَهَل أُصبِحُ الأَعداءَ مِنكُم بِصَيلَمٍ / تُغادِرُ دارَ القَومِ رَبعاً مُعَطَّلا
أَيُصبِحُ حَظّي فيكُمُ وَهوَ ناقِصٌ / وَتَغدُو حُظوظُ الغَيرِ أَوفى وَأَكمَلا
وَيُكرَمُ أَقوامٌ مُعيدٌ أَبُوهُمُ / وَيُحرَمُ مَن يُدعى عَلِيّاً وَعَبدَلا
أَما وَأَبيكُم إِنَّها لَبَلِيَّةٌ / إِذا جالَ فيها فِكرُ مِثلي تَمَلمَلا
حِذاراً عَلى العَقدِ الَّذي عَقَدَت لَنا / أَوائِلُنا في العِزِّ أَن يَتَحَلَّلا
وَخَوفاً مِنَ الأَمرِ الَّذي يَشعَبُ العَصا / وَمَن خَذَل المَولى لَهُ كانَ أَخذَلا
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ عُصبَةٍ / إِذا قُلتُ عَنها أَدبَرَ الشَرُّ أَقبَلا
وَقَد شَرِقَت لِلغَبنِ عَيني بِمائِها / وَحُقَّ لِماءِ العَينِ أَن يَتَهَمَّلا
تَرى أَنَّ أَفعالَ اللَيالي الَّتي جَرى / لَنا شُومُها صارَت عَلى وَزنِ أَفعَلا
فَيا شِقَوتا ما لي أَرى كُلَّ ساعَةٍ / أُمُوراً مُحالاتٍ وَرَأياً مُضَلَّلا
وَما لي أَرى الساداتِ إِمّا مُشَرَّداً / بِأَرضِ الأَعادي أَو مَضيماً مُكَبَّلا
شَفى غَيظَهُ مِنّا المُعادي لَوِ اِشتَفى / وَحَرَّمَ فينا مِن قَريبٍ وَحَلَّلا
وَما نالَ مِنّا ذاكَ إِلّا لِأَنَّنا / جَعَلنا لَهُ دِرعاً وَرُمحاً وَمُنصَلا
وَمَن يُعطِ خَصماً دِرعَهُ وَحُسامَهُ / وَسابِقَهُ فَليَلبَسِ الذُلَّ مُشملا
وَمَن مَلَّكَ الأَعداءَ تَدبيرَ أَمرِهِ / فَذاكَ الَّذي يُدعى العَديمَ المُثَكَّلا
وَمَن رامَ طولَ العُمرِ بِالذُلِّ وَالغَبا / رَأى المَوتَ مَرأَىً عاجِلاً وَمُؤَجَّلا
وَمَن لَم تَكُن أَنصارُهُ مِن رِجالِهِ / أُخيفَ وَأَضحى بِالجناياتِ مُبسَلا
وَمَن لانَ يَوماً لِلعِدى هانَ وَاِصطَلى / عَلى الكُرهِ مِن نيرانِها شَرَّ مُصطَلى
وَمَن لَم يُقَدِّم لِلأُمورِ مُقَدَّماً / أَضاعَ وَأَبدى لِلمرامينَ مَقتَلا
فَآهٍ لِقَومي لَو أُطِعتُ لَدَيهِمُ / دَرَوا أَنَّ فيهِم حازِمَ الرَأيِ فَيصَلا
لَقَد كُنتُ لا أَرضى الدَنِيَّةَ فيهمُ / وَلا يَزدَهيني عَنهُمُ مَن تَمَحَّلا
وَلَكِن إِذا ما الأَمرُ حُمَّ اِنتِهاؤُهُ / أَقامَ مُقامَ الأَضبَطِ الوردِ خَيطَلا
وَأَقمَنُ شَيءٍ بِالهَلاكِ مَدينَةٌ / تُريكَ نَبِيهَ القَدرِ مَن كانَ أَخمَلا
فَيا رَبِّ لا صَبراً عَلى ذا وَلا بَقاً / فَسُق فَرَجاً أَو لا فَمَوتاً مُعَجَّلا
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي
أَفي كُلِّ يَومٍ لِلخُطوبِ أصالي / أَلا ما لِأَحداثِ الزَمانِ وَما لي
يُفَجِّعنَني في كُلِّ يَومٍ يَمُرُّ بي / بِأَنفَسٍ مالٍ أَو بِأَشرَفِ آلِ
أَرى الشَرَّ قُدّاماً وَخلفاً وَأَتَّقي / نِبالَ الأَذى عَن يَمنَةٍ وَشِمالِ
إِذا قُلتُ جَلّى بَعضُ هَمّي أَتَت لَهُ / نَوائِبُ أَمضى مِن حُدودِ نِصالِ
كَأَنَّ الرَزايا وَالمَنايا تَحالَفا / عَلى عَكسِ آمالي وَبَثِّ مَآلي
لَحى اللَهُ هَذا الدَهرَ كَم يَستَفِزُّني / لِخَوضِ بِحارٍ أَو لِشَقِّ جِبالِ
يُكَلِّفُني جَريَ الجَوادِ وَقَد لَوى / شِكالاً عَلى ساقَيَّ خَلفَ شِكالِ
وَقَد مَصَّ مُخَّ العَظمِ حَتّى إِزارهُ / وَبَدَّلَهُ مِن نِيِّهِ بِهُزالِ
وَهَل يَقطَعُ الشّكلَ الجَوادُ عَلى الوَنى / وَلَو جالَ في الآرِيِّ كُلَّ مَجالِ
أَقولُ وَقَد فَكَّرتُ في أَمرِ خِلَّتي / وَأَمري وَحالِ الأَرذَلينَ وَحالي
أَلا لَيتَني قَد كُنتُ خِدناً مُخادِناً / لِخَيطِ نَعامٍ في الفَلا وَرِئالِ
وَلَم أَكُ عارَفتُ اللِئامَ وَلَم أَنُط / حِبالَ خَسيسٍ مِنهُمُ بِحِبالي
فَلَم أَرَ مِنهُم غَيرَ خِبٍّ يَمُدُّ لي / لِسانَ مُحِبٍّ مِن طَوِيَّةِ قالِ
لَهُ شِيمَةُ السَنَّورِ في لُطفِ خدعِهِ / وَلَكِنَّهُ في اللَمسِ حَيَّةُ ضالِ
إِذا جِئتُ فَدّاني وَأَبدى بَشاشَةً / وَلاحَظَني مِنهُ بِعَينِ جَلالِ
وَإِن غِبتُ أَدنى ساعَةٍ مِن لحاظِهِ / تَمَحَّلَ في غَيبي بِكُلِّ مِحالِ
إِلى اللَهِ أَشكُو مَنجَمي في مَعاشِرٍ / هُمُ شَرُّ ماضٍ في الزَمانِ وَتالِ
صَحِبتُهُمُ مُستَصفِياً فَوَجَدتُهُم / أَليمَ عَذابٍ في أَشَدِّ نِكالِ
إِذا قُلتُ حَلَّ الدَهرُ غِلَّ صُدُورِهِم / أَبَت سُوءُ أَخلاقٍ وَقُبحُ خِصالِ
ولا ذَنبَ لي إِلّا حِجىً وَبَراعَةٌ / وَمَجدٌ وَبَيتٌ في رَبيَعَةَ عالِ
وَمَيلي إِلى أَهلِ التَواضُعِ وَالعُلى / بِوُدّي وَبُغضي الأَسفَلَ المُتَعالي
وَمَعرِفَتي آباءَهُم وَجُدُودَهُم / وَرَفضي لِقيلٍ في الأَنامِ وَقالِ
لِعِلمي بِيَومٍ ما بِهِ ذُو نَدامَةٍ / يُرَدُّ وَلا ذُو عَثرَةٍ بِمُقالِ
وَلا السَيِّدُ الجَبّارُ فيهِ بِسَيِّدٍ / مُطاعٍ وَلا عالي الرَعاعِ بِعالِ
بِهِ الحُكمُ لِلّهِ الَّذي لا قَضاؤُهُ / بِحَيفٍ وَلا سُلطانُهُ بِمُزالِ
أُداريهمُ حَتّى كَأَنّي لَدَيهمُ / أَسيرُ طِعانٍ أَو أَسيرُ سُؤالِ
وَلَو شِئتُ قَد كُنتُ المُدارى لِأَنَّني / أَصُولُ بِأَيدٍ في الأَنامٍ طِوالِ
إِذا شِئتُ لَبّى دَعوَتي كُلُّ ماجِدٍ / يُعَدُّ لِيَومَي نائِلٍ وَنِزالِ
جِبالٌ إِذا طاشَت حُلومُ بَني الوَغى / رَواسٍ وَلَكِن في شُخوصِ رِجالِ
عَلى كُلِّ مَحبُوكِ القَرى شَنجِ النَسا / تَجِيءُ رِعالاً مِن وَراءِ رِعالِ
نِتاجُ اِبنِ حَلّابٍ وَقَيدٍ وَلاحِقٍ / وَغُلِّ المَذاكي كامِلٍ وَعُقالِ
بِها كم وَطِئنا مِن رِقابِ قَبيلَةٍ / وَحَيٍّ عَلى مَرِّ الزَمانِ حِلالِ
وَذُو الحُمقِ لَو نادى أَراهُ نِداؤُهُ / بَناتِ اِبنِ آوى في شُخوصِ سَعالي
تَجِيءُ بِآلاتٍ لَها مُستَعِدَّةً / لِحَصدِ غِلالٍ لا لِضَربِ قِلالِ
عَلى كُلِّ مَرقُومِ الذِراعَينِ يَنتَمي / لِأَلأَمِ عَمٍّ في الكِدادِ وَخالِ
تَشاحَجُ فيها آتُنٌ مُوجدِيَّةٌ / يَنُسنَ بِآذانٍ لَهُنَّ طِوالِ
لَنا كَدحُهُم في حَيثُ كانُوا وَكَدحُها / حَلالٌ مِن الباري وَغَيرُ حَلالِ
عَدِمتُ زَمانَ السُوءِ أَمّا بُزاتُهُ / فَعُطلٌ وَأَمّا بُومُهُ فَحوالِ
أَراهُ وَلُوعاً بِالكِرامِ يَلُسُّها / كَلَسِّ الكَلا مِن يَمنَةٍ وَشِمالِ
كَأَنَّ لَهُ ثَأراً عَلى كُلِّ ماجِدٍ / جَمالٍ لِأَهلِ الأَرضِ وَاِبنِ جَمالِ
فَقُل لِبَني الأَوباشِ مَهلاً فَإِنَّها / لَيالٍ وَتَأتي بَعدَهُنَّ لَيالِ
فَإِن رَقَدَت عَينُ الزَمانِ هُنَيئَةً / فَكَم يقظَةٍ مِنهُ أَتَت بِزَوالِ
فَلَولا أُفُولُ الشَمسِ لَم يَبنِ السُها / وَلَولا الدُجى ما لاحَ ضَوءُ ذُبالِ
فَلا تَطمَعِ الأَوباشُ فينا فَإِنَّنا / رَحاها وَما الأَوباشُ غَيرُ ثُفالِ
فَإِنَّ هُتَيماً لَو حَوَت مالَ هاشِمٍ / هُتَيمٌ فَلا يَغرُركَ طَيفُ خَيالِ
سَتَرجِعُ فيما عُوِّدت مِن حَميرِها / وَمِن خَرقِ أَشنانٍ وَخَصفِ نِعالِ
فَصَبراً قَليلاً سَوفَ تَجني غِراسَها / ثَمارَ بَلايا أَينَعَت وَوَبالِ
وَإِلّا فَلا عَزَّت مُلُوكُ بَني أَبي / وَلا خَطَرَ الفِعلُ الجَميلُ بِبالي
فَكُلٌّ لَهُ مِمّا قَضى اللَهُ عادَةٌ / سَتُدرِكُهُ لَو نالَ كُلَّ مَنالِ
فَسَوفَ تَرونَ الشَمسَ قَد غالَ نُورُها / نُجُوماً مُسَمّاةً وَبَدرِ كَمالِ
فَكَيفَ بِها مَخسُولَةً لَو تَساقَطَت / لَما عَدَلَت في الفَقدِ عُودَ خِلالِ
وَمَن عَوَّدَ اللَهُ الجَميلَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى بِجِدٍّ في العَشيرةِ عالِ
عَلى ذاكَ مِنّي شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ / يُبَيِّنُ لِلأَقوامِ صِدقَ مَقالي
وَآلُ بَني جَروانَ لَمّا رَمَتهُمُ / بِداءٍ عَلى غَيرِ الكِرامِ عُضالِ
أَرادَت عِداهُم نَيلَ ما كانَ مِن عُلىً / لَهُم يا لَقَومي مِن عَمىً وَضَلالِ
وَأَطمَعَهُم قَتلُ الرَئيسِ وَما جَرى / مِن اِخراجِ آلٍ وَاِستِباحَةِ مالِ
فَما رَبِحُوا غَيرَ العَناءِ وَإِن غَدَت / عُقُولُهُم تُدعى عُقُولَ سِخالِ
وَهَل عَمَلٌ أَغنى عَن المالِ أَو شَفى / حَرارَةَ ظَمآنٍ تَرَيّعُ آلِ
فَلم يَمضِ إِلّا الحَولُ ثُمَّ رَأَيتُهُم / عَلى رَغمِ شانِيهِم بِأَنعَمِ بالِ
يَلُوذُ مُعادِيهم بِهم وَهو خاضِعٌ / كَما تَخضَعُ الجُربُ العِجافُ لِطالِ
فَلَو أَنَّهُم شاؤُوا لأَضحَت مَنازِلٌ / تَمُرُّ بِها الأَيّامُ وَهيَ خَوالِ
وَلَكِنَّ حُسنَ العَفوِ مِنهُم سَجِيَّةٌ / إِذا ما عَفا وَالٍ وَعاقَبَ والِ
وَمِن حَقِّ بَيتٍ مِنهُ يُعزى اِبنُ عَبدَلٍ / دَوامُ عُلُوٍّ في أَتَمِّ كَمالِ
وَمَن يَلقَ إِبراهيمَ يلقَ اِبنَ تارَحٍ / أَخي العَزمِ في نسكٍ وَعَزمِ خِلالِ
وَيَلقَ اِبنَ يَعقُوبَ المُكَرَّمَ يُوسُفاً / نَبِيَّ الهُدى في عِفَّةٍ وَجَمالِ
فَتىً حَلَّ مِن عَليا لُكَيزٍ وَعامِرٍ / بِأَعلى مَحَلٍّ مِن ذُرىً وَقِلالِ
فَيا بِأَبي أَخلاقُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَأَعذَبُ مِن صافي الثِّغابِ زلالِ
أَخٌ وَاِبنُ عَمٍّ حينَ أَدعُو وَوالِدٌ / شَقيقٌ وَخِلٌّ لا يَخُونُ وَكالي
كَفى ساكِنَ البَحرَينَ كُلَّ عَظيمَةٍ / وَناءَ بِأعباءٍ تكِدنَ ثِقالِ
فَلولاهُ لا زالَ الرَفيعَ عِمادُهُ / لَصال عَلَيها الدَهرُ كُلَّ مصالِ
فَدامَ لَهُ طُولُ البَقاءِ مُعَظَّماً / لِعَقرِ مَتالٍ أَو لِمَنعِ نَوالِ
وَلا زالَ يَعلُو في السَعادَةِ جَدُّهُ / وَيَنمى بَلا نَقصٍ بِماءِ هِلالِ
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي
أُمَيمُ لا تُنكِري حِلّي وَمُرتَحَلي / إِنَّ الفَتى لَم يَزَل كَلّاً عَلى الإِبِلِ
وَسائِلي وارِدَ الرُكبانِ عَن خَبَري / يُنبيكِ أَنّيَ عَينُ الماجِدِ البَطَلِ
لا أَشرَبُ الماءَ ما لَم يَصفُ مَورِدُهُ / وَلا أَقولُ لِمُعوَجِّ الوِصالِ صِلِ
تُكَلِّفِيني مُقاماً بَينَ أَظهُرِكُم / وَلَيسَ يَبدُو فِرِندُ السَيفِ في الخِلَلِ
ما دامَتِ البيضُ في الأَجفانِ مُغمَدَةً / فَما يَبينُ لَها في الهامِ مِن عَمَلِ
وَفي التَنَقُّلِ عِزٌّ لِلفَتى وَعُلاً / لَم يَكمُلِ البَدرُ لَولا كَثرَةُ النَقلِ
وَالمَندَلُ الرَطبُ في أَوطانِهِ حَطَبٌ / وَقَد يُقوَّمُ في الأَسفارِ بِالجُملِ
داوَيتُكُم جاهِداً لَو أَنَّ داءَكُمُ / مِمّا يُداوى بِغَيرِ البيضِ وَالأَسَلِ
وَكُلَّما زادَ نُصحي زادَ غَيُّكُمُ / لا بارَكَ اللَهُ في وُدٍّ عَلى دَخَلِ
أَسَأتمُ وَظَنَنتُم لا أَباً لَكُمُ / أَن لا أُحِسَّ بِطَعمِ الصابِ في العَسَلِ
إِن أَترُكِ العَودَ في أَمرِ اِغتِنائِكُمُ / فَنَهلَةُ الطَرفِ مَجزاةٌ عَنِ العَلَلِ
كَم قَد غَرَستُ مِنَ الإحسانِ عِندَكُمُ / لَو يُثمِرُ الغَرسُ في صَفواءَ مِن جَبَلِ
لا تَحسَبُوا أَنَّ بُعدَ الدارِ أَوحَشَني / البُعدَ آنَسُ مِن قُربٍ عَلى دَغَلِ
لَقَد تَبَدَّلتُ مِنكُم خَيرَ ما بَدَلٍ / فَاِستَبدِلُوا الآنَ مِنّي شَرَّ ما بَدَلِ
شَرُّ الأَخِلّاءِ مَن تَسري عَقارِبُهُ / لا خَيرَ في آدِمٍ يُطوى عَلى نَغلِ
لا تَنقِمُونَ عَلى مَن لا يَبيتُ لَكُم / مِنهُ سَوامٌ وَلا عِرضٌ عَلى وَجَلِ
يُزانُ ناديكُمُ يَومَ الخِصامِ بِهِ / كَما تُزانُ بُيُوتُ الشِعرِ بِالمَثَلِ
إِذا خَطِيبُكُم أَكدَت بَلاغَتُهُ / أَجابَ عَنهُ فَلَم يُقصِر وَلَم يُطِلِ
أَثرى زَماناً فَلَم يَذمُمهُ سائِلُهُ / وَقَلَّ مالاً فَلَم يَضرَع وَلَم يَسَلِ
يَكسُوكُمُ كُلَّ يَومٍ مِن مَحاسِنِهِ / وَمَجدِهِ حُلَلاً أَبهى مِنَ الحُلَلِ
وَلَم يَزَل هَمُّهُ تَشييدَ مَجدِكُمُ / يَوَدُّ لَو أَنَّهُ أَوفى عَلى زُحَلِ
يُهينُ في وُدِّكُم مَن لا يَوَدُّ لَهُ / هُوناً وَيُكرِمُ فيهِ عِلَّةَ العِلَلِ
إِن قُلتُمُ الخَيرَ يَوماً قالَ مُبتَجِحاً / عَنكُم وَإِن قُلتُمُ العَوراءَ لَم يَقُلِ
ما ضَرَّكُم لَو وَفَيتُم فَالكَريمُ إِذا / حالَ اللَئيمُ وَفى طَبعاً وَلَم يَحلِ
أَلَستُ أَوفاكُمُ عَهداً وَأَحلَمُكُم / عَقداً وَأَقوَمُكُم بِالفَرضِ وَالنَفَلِ
أَلَيسَ بَيتُكُم في العِزِّ مَركَزُهُ / بَيتي فَما كانَ مِن فَخرٍ فَمِن قبلي
أَلَستُ أَطوَلَكُم في كُلِّ مَكرُمَةٍ / باعاً وَأَحملَكُم لِلحادِثِ الجَلَلِ
كَم يَنفُقُ الغِشُّ فِيكُم وَالنِفاقُ وَكَم / لا تَرغَبُونَ إِلى نُصحٍ ولا عَذَلِ
إِن يُمسِ مَقتُكُمُ حَظّي فَحُقَّ لَكُم / الوَردُ مِن قُربِهِ يُغمى عَلى الجُعَلِ
وَإِن عَكَفتُم عَلى من لا خَلاقَ لَهُ / دُوني فَقَد عَكَفَت قَومٌ عَلى هُبَلِ
أَمَّلتُ دَفعَ مُلِمّاتِ الخُطوبِ بِكُم / فَآهِ واشَقوتا مِن خَيبَةِ الأَمَلِ
وَكُنتُ أَحسَبُكُم مِمَّن تَقرُّ بِهِ / عَيني فَأَلفَيتُكم مِن سُخنَةِ المُقَلِ
إِن يَخفَ ما بَينَكم فَضلي فَلا عَجَبٌ / لا يَستَطيعُ شُعاعَ الشَمسِ ذُو السَبَلِ
يا لَيتَ شِعريَ وَالأَنباءُ ما بَرِحَت / تُسايِرُ الريحَ بِالأَسحارِ وَالأُصُلِ
هَل جاءَ قَومي وَأَخداني الَّذينَ هُمُ / إِن أُرمَ مِن قِبَلِ الرامينَ لا قِبلي
بِأَنَّني لَم أَرِد وِرداً أُعابُ بِهِ / وَلَم أَقِف ذاتَ يَومٍ مَوقِفَ الخَجَلِ
كَسَوتُ قَومِيَ وَالبَحرَين ثَوبَ عُلاً / يَبقى جَديداً بَقاءَ الحُوتِ وَالحَملِ
لَقَد تَقَدَّمتُ سَبقاً مَن تَقَدَّمَني / سِنّاً وَأَدرَكَ شَأوي فارِطَ الأوَلِ
بِذاكَ قُدوَةُ أَهلِ العِلمِ قاطِبَةً / أَبو البَقاءِ مُحِبُّ الدَينِ يَشهَدُ لي
هُوَ الإِمامُ الَّذي كُلٌّ لَهُ تَبَعٌ / مِن كُلِّ حافٍ عَلى الدُنيا وَمُنتَعِلِ
فَما الخَليلُ لَهُ مِثلٌ يُقاسُ بِهِ / وَهَل يُقايَسُ بَينَ البَحرِ والوَشَلِ
وَبَعضِ غُلمانِهِ يَكفي فَكَيفَ بِهِ / مُهَذَّباً لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
وَلَم يَقُل وَحدَهُ ما قالَ بَل شَهدَت / بِهِ الأَفاضِلُ مِن بَغدادَ عَن كَمَلِ
وَلَيسَ في الشِعرِ مِن فَضلٍ يَطُولُ بِهِ / مِثلي وَلَو فاقَ أَعلى سَبعِها الطُوَلِ
بَل فَضلُ مِثلِيَ أَن يَسمُو بِهِمَّتِهِ / عَن مَدحِ فَدمٍ عَن العَلياءِ في شُغُلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ
يا ساهِرَ الطَرفِ مِن خَوفٍ وَمِن وَجَلِ / نَم في جِوارِ الهُمامِ السَيِّدِ البَطَلِ
وَلا تَرُعكَ خَيالاتٌ تَمُرُّ بِها / كانَت تَرُوعُكَ في أَيّامِكَ الأُولِ
فَقَد كَفاكَ مُقاساةَ الأَذى مَلكٌ / مُتَوَّجٌ بَينَ فَضلِ ذِي النَدى وَعَلي
وَيا أَخا المالِ لا تَوجَل وَباهِ بِهِ / في الناسِ وَاِقطَع عُرى مَن شِئتَ أَو فَصلِ
فَقد تَرى دَولَةَ الساداتِ قَد خَفَقَت / أَعلامُها وَتَوَلَّت دَولَةُ الخوَلِ
وَاِبعَث إِلى المُدنِ بِالبُشرى مُخَبِّرَةً / بِمُلكِ أَروَعَ لا عِيٍّ وَلا وَكِلِ
كَيما تَعُودَ إِلى الأَوطانِ آيِبَةً / قَومٌ رَأَوا قَبلُ فيها خَيبَةَ الأَمَلِ
جَلاهُمُ الضَيمُ عَنها فَاِغتَدَوا هَرَباً / مِن غَيرِ ما بغضَةٍ مِنهُم وَلا مَلَلِ
في أَرضِ فارِسَ لا يُحصى عَديدُهُمُ / وَفي العِراقَينِ مِلءُ السَهلِ وَالجَبَلِ
مُذَبذَبينَ عَن الأَوطانِ كُلّهمُ / مِن شِدَّةِ الشَوقِ وَالتِذكارِ في شُغُلِ
وَمَن أَقامَ بِها قامَت قِيامَتُهُ / وَعايَنَ النارَ مِن خَلفٍ وَمِن قُبُلِ
وَجاءَهُ كُلَّ يَومٍ مَن يُحاسِبُهُ / مِن غَيرِ فَرضٍ يُؤَدِّيهِ وَلا نَفَلِ
يَبيتُ آمِنُهُم مِمّا يُكابِدُهُ / فَوقَ الحَشِيَّةِ مِثلَ الشارِبِ الثَمِلِ
وَلَيسَ يَأمَنُ إِلّا مَن أُذَمُّ لَهُ / عَبدٌ نَشا مِن نِتاجِ الزِّنجِ كَالعَجَلِ
أَو خَلفُ سُوءٍ مِنَ الأَعرابِ هِمَّتُهُ / ما أَسخَطَ اللَهَ مِن قَولٍ وَمِن عَمَلِ
يا هاجِرَ الدارِ مِن خَوفٍ هَلُمَّ فَقَد / نادى بِكَ الأَمنُ أَن أَقدِم عَلى عَجَلِ
وَلا تَخَف فَالَّذي قَد كُنتَ تَعهَدُهُ / أَزالَهُ سَيِّدُ الأَملاكِ مُنذُ وَلي
أَبُو سِنانٍ حَليفُ المَكرُماتِ وَمَن / أَنافَ سُؤدُدُهُ السامي عَلى زُحَلِ
مُحيي البِلادِ وَقَد أَشفَت عَلى جُرُفٍ / هارٍ وَمانِعُها بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَباعِثُ العَدلِ حَيّاً بَعدَما صَرَخَت / وَأَعلَنَت أُمُّهُ بِالوَيلِ وَالثَكَلِ
لَو عادَ وَالِدُهُ حَيّاً وَخاصَمَهُ / مُستَضعَفٌ لَم يَحِف جَوراً وَلَم يَمِلِ
كَم رَدَّ مَظلَمَةً قَد ماتَ ظالِمُها / وَلَم يُناقِش ذَوي الدَعوى وَلَم يَسَلِ
وَكَم يَدٍ في الأَذى وَالظُلمِ قَد بَسَطَت / كَفّاً فَبَدَّلَها مِن بَعدُ بِالشَلَلِ
هَذا وَكَم عَبدِ سُوءٍ كانَ هِمَّتُهُ / حَملَ النَمائِمِ وَالبُهتانِ وَالنَغَلِ
أَراحَ مِنهُ قُلوبَ المُسلِمينَ وَلَم / يَصحَب وَبَدَّلَهُ نِكلاً مِن النَكَلِ
وَكَم نَدِيِّ ضَلالٍ كانَ ذا لجَبٍ / سَطا فَأَخرَسَهُ عَن قَولِ لا وَهَلِ
أَحمى مِنَ المَرءِ جَسّاسِ بنِ مُرَّة إِذ / أَردى كُلَيباً بِعَزمٍ غَيرِ ذي فَشَلِ
لَم يَقبلِ العارَ في ضَيمِ النَزيلِ وَلَم / يَقنَع بِنَقصٍ وَلا يَحتَجُّ بِالعِلَلِ
أَحنى وَأَعدَلُ مِن كِسرى غَداةَ رَمى / بِالسَهمِ قَلبَ اِبنِهِ في الحَقِّ لَم يُبَلِ
وَلَيسَ يَعدِلُهُ الطائيُّ في كَرَمٍ / يَوماً وَكَيفَ يُقاسُ البَحرُ بِالوَشَلِ
وَأَينَ مِنهُ كُلَيبٌ في النِزالِ إِذا / عَضَّت حُدودُ السُرَيجِيّاتِ بِالقُلَلِ
سَل عَنهُ يَومَ أَغارَت في كَتائِبِها / خَيلُ القَطيفِ مِنَ القَرحا إِلى الجَبَلِ
يَحُثُّها مِن عُقَيلٍ كُلُّ ذي أَشَرٍ / مَولى فَوارِسَ لا ميلٍ وَلا عُزَلِ
أَعطى أَسِنَّتَهُم نَحرَ الجَوادِ وَلَم / يَسمَح لَهُم في مَجالِ الطَعنِ بِالكَفَلِ
حَتّى حَمى خَيلَهُ غَصباً وَساعَدَهُ / قَلبٌ جَرِيءٌ وَرَأيٌ غَيرُ ذي خَطَلِ
ثُمَّ اِنثَنى راجِعاً وَالنَصرُ صاحِبُهُ / يَمشي بِهِ المُهرُ مُختالاً عَلى مَهلِ
كَم مِن أَخي كُربَةٍ أَحيا بِصارِمِهِ / وَكَم أَماتَ بِهِ مِن ثائِرٍ بَطَلِ
وَكَم ظَلامِ وَغَىً جَلّى غَياهِبَهُ / مِن بَعدِ أَن صارَ وَقتُ الظُهرِ كَالطَفَلِ
يا طِيبَ أَيّامِهِ يا حُسنَ دَولَتِهِ / لَقَد أَبَرَّت عَلى الأَيّامِ وَالدُوَلِ
فَلَيتَ أَنّهُما داما وَدامَ وَلَم / يَكُن لَهُم أَبَدَ الأَيّامِ مِن دُولِ
لَولا الرَجاءُ الَّذي كُنّا نُؤَمِّلُهُ / فيها لَمُتنا بِغِلِّ النَفسِ عَن كملِ
لَكِن تحاتي حُشاشاتُ النُفوسِ إِذا / كادَت تَقضّى بِقَولٍ فيهِ مُتَّصِلِ
بِأَنَّهُ الثائِرُ المَنصُورُ يسنِدُهُ / عَن الرُواةِ عَن الأَبدالِ وَالرُسُلِ
بِهِ أَنارَت قُرى البَحرَينِ وَاِبتَهَجَت / بِقاعُها وَتَسَمَّت قُرَّةَ المُقَلِ
وَأَصبَحَت بَعدَ ثَوبِ الذُلِّ قَد لَبِسَت / ثَوباً مِنَ العِزِّ ذا وَشيٍ وَذا خَمَلِ
وَراحَ من حَلّها في رَأسِ شاهِقَةٍ / لَو رامَهَا الأَسوَدُ النَعّابُ لَم يَصِلِ
لَو حَلَّها آدَمٌ مِن بَعدِ جَنَّتِهِ / لَم يَبغ عَنها إِلى الفِردَوسِ مِن حِوَلِ
يا اِبنَ المُلوكِ الأُلى شادُوا مَمالِكَهُم / بِالمَشرَفِيّاتِ لا بِالمَكرِ وَالحِيَلِ
نَماكَ مِن آلِ إِبراهِيمَ كُلُّ فَتىً / مُنَزَّهِ العِرضِ مِن غِشٍّ وَمِن دَغَلِ
قَومٌ هُمُ القَومُ في بَأسٍ وَفي كَرَمٍ / وَفي وَفاءٍ وَفي حِلٍّ وَمُرتَحَلِ
يُمضُونَ في الناسِ ما قَالُوا وَغَيرُهُم / إِن أَنكَرُوا مِنهُ بَعضَ القَولِ لَم يَقُلِ
في كُلِّ حَيٍّ تَرى إِلّا أَقَلَّهُم / بَيتاً وَمَفخَرُ ذاكَ البَيتِ في رَجُلِ
وَأَنتُمُ مَعشَرٌ لَو رامَ طِفلُكُمُ / نَيلَ السَماءِ لَصَكَّ الحوتَ بِالحَملِ
مَن ذا يُعَدُّ كَعَبدِ اللَهِ جَدِّكُمُ / جَدّاً وَيَدعُو فَتىً كَالفَضلِ أَو كَعلي
وَمَن يُسامي أَبا المَنصُورِ وَالِدَكُم / فَخراً وَأَينَ الثَرى مِن مَعقَلِ الوَعلِ
وَمَن كَمِثلِ بَنيهِ يَومَ عادِيَةٍ / يَمشي الكُماةُ إِلَيها مِشيَةَ الوَجَلِ
وَفي أَبي مِسعَرٍ فَخرٌ تُقِرُّ بِهِ / كُلُّ القَبائِلِ مِن حافٍ وَمُنتَعِلِ
وَأَينَ مِثلُ بَني الفَضلِ الَّذينَ إِذا / سُئِلُوا أَنالُوا بِلا مَطلٍ وَلا مَذلِ
وَلَو ذَكَرتُ مُلوكاً مِن أُبُوَّتِكُم / مَضَوا تَرَكتُ مُلوكَ الأَرضِ في خَجَلِ
لَكِن رَأَيتُ اِمتِداحيكُم بِسالفِكُم / في الجاهِلِيَّةِ نَفسُ العيِّ وَالخَطَلِ
لِأَنَّ مَن قَد رَأَينا مِن أَماجِدِكُم / بِبَعضِهِم يَكتَفي السامي عَلى الأُوَلِ
وَأَنتَ يابا سِنانٍ مِنهُمُ خَلَفٌ / وَذَلِكَ النُبلُ مِن آبائِكَ النّبلِ
جُزتَ المَدى وَتَحاماكَ الرَدى وَغَدَت / أُمُّ العِدى بِكَ أُمّ الوَيلِ وَالهَبَلِ
وَعاشَ أَبناؤُكَ الغُرُّ الَّذينَ هُمُ / في الجُودِ وَالبَأسِ فينا غايَةُ الأَمَلِ
فَفي حَياتِكُمُ صَفوُ الحَياةِ لَنا / بِغَيرِ شَكٍّ وَطيبُ اللَهوِ وَالجَذَلِ
وَماتَ غَيظاً عَلى الأَيامِ حاسِدُكُم / وَإِن يَعِش فَبِذُلٍّ غَيرِ مُنتَقِلِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ
أَبا الفَضائِلِ يا مَن في مُفاضَتِهِ / بَدرٌ وَبَحرٌ وَثُعبانٌ وَرئبالُ
لا تَحلِفَنَّ بِقَولِ المُرجِفينَ وَما / قَد زَخرَفُوا فَعَلى ذا الوَضعِ ما زالُوا
فَقَد عَهِدتُكَ طَوداً ما تُزَعزِعُهُ / نَكباءُ عادٍ فكَيفَ القِيلُ وَالقالُ
مَن ذا يَهُمُّ بِغابٍ أَنتَ ضيغمُهُ / وَحَولَكَ الأُسدُ في الماذِيِّ تَختالُ
قَد كُنتَ وَحدَكَ لا جُندٌ وَلا عَدَدٌ / وَقَد أَتَوكَ فَقُل لي ما الَّذي نالُوا
هَل غَيرُ إحراقِ غَلّاتٍ وَقَد شَقِيَت / بِهِم عَجائِزُ هِمّاتٌ وَأَطفالُ
وَكُلُّ ذا لَيسَ يُشفى غَيظَ ذي حَنَقٍ / وَكَيفَ يَشفي غَليلَ الحائِمِ الآلُ
وَأَنتَ لَو شِئتَ أَضحَت كُلُّ ناحِيَةٍ / مِن أَرضِهِم وَبِها نَوحٌ وَإِعوالُ
لَكِن أَبى لَكَ حِلمٌ راسِخٌ وَتُقىً / ما لا تَوَهَّمهُ غَوغاءُ جُهّالُ
وَأَنتَ تَعلَمُ لازِلتَ المَنيعَ حِمىً / أَنَّ الشَدائِدَ لِلساداتِ غِربالُ
قَد أَحسَنَ المُتَنَبّي إِذ يَقولُ وَما / زالَت لَهُ حِكَمٌ تُروى وَأَمثالُ
لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيّدٌ فَطِنٌ / لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ
وَأَنتَ ذاكَ الَّذي نَعني فَلا اِنقَطَعَت / إِلى القِيامَةِ لِلراجيكَ آمالُ
وَسُرَّ وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَمِّ فَقَد / وَافاكَ يَصحَبُهُ نَصرٌ وَإِقبالُ
وَاِسلَم وَدُم في نَعيمٍ شامِلٍ وَعُلاً / ما دامَ لِلعَيشِ بِالوَعساءِ إِرقالُ
كَمالَ الدّينِ أَنتَ لِكُلِّ خَيرٍ
كَمالَ الدّينِ أَنتَ لِكُلِّ خَيرٍ / وَعارِفَةٍ تُفيدُ الشُكرَ أَهلُ
مُخائِلُكَ الجَميلَةُ أَخبَرَتنِي / بِأَنَّكَ لا يَبُورُ لَدَيكَ فَضلُ
وَها أَنا كُلَّما اِستَأذَنتُ قالَت / لِيَ الحُجّابُ لِلمَخدُومِ شُغلُ
فَإِن قُلتُ اِعلمُوهُ بِغَيرِ إِذنٍ / مَقالَةَ مَن لَهُ أَدَبٌ وَعَقلُ
رَأَيتُ لِكُلِّهِم عَنّي اِزوِراراً / جُنوحَ العِجلِ مالَ عَلَيهِ عِجلُ
وَطالَ عَناي يَوماً بَعدَ يَومٍ / وَكُلُّهُمُ عَلَيهِ ذاكَ سَهلُ
وَلَولا كَثرَةُ الأَشغالِ فَاِعلَم / لَما خَفَقَت إِلى ناديكَ نَعلُ
وَإِهداءُ السَلامِ إِلَيكَ شَأني / فَهَل لِسلامِ مُصفي الوُدِّ ثِقلُ
وَلِلحُجّابِ وَهمٌ غَيرُ هَذا / وَلِلأَوهامِ في الأَذهانِ فِعلُ
وَلا وَاللَهِ ما بِدُخُولِ مِثلي / عَلَيكَ يَفُوتُ أَهلَ الذَنبِ ذَحلُ
فَإِنّي بِعتُ مَركُوبي وَما لي / سِواهُ يَدٌ أَنُوءُ بِهِ وَرَحلُ
بِأَوكَسِ قِيمَةٍ في شَرِّ وَقتٍ / وَعَضلُ البَيعِ في الحاجاتِ بسلُ
وَقُلتُ أَقي بِهِ عِرضي لِئَلّا / يَرَى حَسَبي بِعَينِ النَقصِ نَذلُ
وَكُلٌّ عالِمٌ لَكِن خَضُوعي / لِغَيرِ عُلاكَ بَعدَ اللَهِ خَبلُ
فَما رابَ المُجاهِدَ مِن دُخولي / وَأَبيَكَ إِنَّ ذا لَعَمىً وَجَهلِ
وَذا حِينَ الوداعِ وَسَوفَ يَأتي / ثَناءٌ يُطرِبُ الأَسماعَ جَزلُ
فَلا عَبَثَت بِساحَتِكَ اللَيالي / فَإِنَّكَ لِلصَّديقِ يَدٌ وَنَصلُ
وَلا بَرِحَت عِداتُكَ حَيثُ كانُوا / وَكُلُّ حَياتِهِم حَربٌ وَثَكلُ
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا
لِذا اليَومِ أَعمَلتُ القِلاصَ العَباهِلا / وَأَبقَيتُها تَحكي الحَنايا نَواحِلا
لِذا اليَومِ كَم نَفَّرتُ عَن زُغبِها القَطا / وَنَبَّهتُ ذُؤبانَ الفَلاةِ العَواسِلا
لِذا اليَومِ كَم مِن حُوتِ بَحرٍ ذَعَرتُهُ / وَكَم رُعتُ لَيثاً أَعصَلَ النابِ باسِلا
لِذا اليَومِ كَم جاثٍ بِغابٍ أَثَرتُهُ / وَغادَرتُ هَيقاً يَمسَحُ الأَرضَ جافِلا
لِذا اليَومِ نَكَّبتُ الجَزيرَةَ راجِعاً / وَإِربِلَ لَم أَعطِف عَلَيها وَبابِلا
لِذا اليَومِ فارَقتُ اِختيارَاً أَحِبَّتي / وَأَهلَ وِدادي وَالمُلوكَ الأَفاضِلا
فَكَم خُضتُ رَجوى اليَومِ مِن لُجِّ مُزبِدٍ / يُظنُّ اِصطِفاقُ المَوجِ فيهِ مَشاعِلا
وَكَم جُبتُ مِن مَوماةِ أَرضٍ تَرى بِها / مَعَ الآلِ حَقَّ العَينِ وَالأُذنِ باطِلا
تَخالُ بِها الحِرباءَ في رَأسِ جذلَةٍ / شَبيحاً مِنَ البدوانِ لِلعرضِ ماثِلاً
وَتَحسبُ فيها الثُعلُبانَ مُجَدَّلاً / مِنَ الخَيلِ إِذ تَعلُو كَثيباً مُقابِلا
وَإِن عَرَضَت فيها الرِئالُ حَسِبتَها / بخاتِيَّ تَحمِلنَ الرَوايا قَوافِلا
وَحَيِّ عِدىً قَد طالَ ما نَذَروا دَمي / فَلَو ظَفَروا بِي عَمَّمُوني المَناصِلا
تَخَطَّيتُهُم هُدءاً مِن اللَيلِ بَعدَما / تَنَكَّبَ حادي النَجمِ لِلغَربِ مائِلا
وَلَو لَم أُمَنِّ النَفسَ في كُلِّ ساعَةٍ / بِذا اليَومِ لَم تَعدَم مِنَ الهَمِّ قاتِلا
إِذا ما اِنقَضَت أَيّامُ عادٍ تَرَكتُها / وَقُلتُ نُرَجّي ذَلِكَ اليَومَ قابِلا
فَيا سَعدَهُ يَوماً بِلُقيايَ سَيِّداً / أَبَرَّ عَلى الساداتِ حَزماً وَنائِلا
بِلُقيايَ مَلكاً زَيَّنَ المُلكَ مُذ رَقَى / ذُراهُ وَحَلّى مِنهُ ما كانَ عاطِلا
هُماماً أَبَت هِمّاتُهُ أَن تَرى لَهُ / عَلى الأَرضِ في بَأسٍ وَجُودٍ مُماثِلا
جَميلَ الثَنا عَذبَ السَجايا مُهَذَّباً / أَشَمَّ طَويلَ الباعِ قَرماً حُلاحِلا
رَزينَ حَصاةِ الحِلمِ أَلوى مُمَاحِكاً / لِأَعدائِهِ طَلّابَ وَترٍ مُماطِلا
سَريعاً إِلى الجُلّى بَطيئاً عَنِ الخَنا / قَؤُولا لِما يُعيي الرِجالَ المَقاوِلا
مِنَ الصارِمِ الهِنديّ أَمضى عَزائِماً / وَأَصدَقَ مِن نَوءِ الثُرَيّا مَخائِلا
يُخافُ وَيُرجى حالَةَ السُخطِ وَالرِضا / وَما قالَ إِلّا كانَ لِلقَولِ فاعِلا
سَما لِلعُلى طِفلاً وَحالَ اِثِّغارِهِ / سَقى مِن نُحورِ الدارِعينَ العَوامِلا
وَدانَت كُماةُ الحَربِ غَصباً لِبأسِهِ / وَلَمّا تَجُز في السِنِّ عَشراً كَوامِلا
فَيا سائِلاً عَنهُ وَما مِن جَهالَةٍ / تُسائِلُ بَل تُبدي لِأَمرٍ تَجاهُلا
سَلِ الخَيلَ عَنهُ يَومَ تَكسُو حُماتَها / طَيالِسَةً مِن نَسجِها وَغَلائِلا
أَلَم يَكُ أَمضاها جَناناً وَصارِماً / وَأَطوَلَها إِذ ذاكَ باعاً وَذابِلا
أَلَم يَأتِ مِن أَرضِ الشَواجِنِ يَختَطي / حَرابِيَّ أَجوَازِ الفَلا وَالخمائِلا
كَسَهمِ عَلاءٍ أَو كَما اِنقَضَّ كَوكَبٌ / يُعارِضُ عِفرِيتاً مِنَ الجَوِّ نازِلا
فَما حَلَّ عَقدَ السَيفِ حَتّى أَناخَها / ضُحىً بِعِذارِ الخَطِّ حَدباءَ ناحِلا
وَقَبلَ أَذانِ العَصرِ نُودي بِمُلكِهِ / نِداءاً أَرانا الدَهرَ يَفتَرُّ جاذِلا
وَلَم يَرزَ مَنصُوراً فَتيلاً لِمُلكِهِ / عَلَيهِ وَلا أَولاهُ إِلّا فَواضِلا
وَذُو المَجدِ لا يَرضى عُقوقاً وَلا أَذىً / لِذِي رَحِمٍ لَو لَم يَكُن قَبلُ واصِلا
وَلَو لَم يَخَف أَن يَذهَبَ المُلكُ لَم يَرُح / عَلى اِبنِ أَخيهِ مُدَّةَ الدَهرِ صائِلا
وَلَم يَبغِ فيهِ مُسعِداً غَيرَ نَفسِهِ / وَمِثلُ عِمادِ الدِينِ يَكفي قَبائِلا
سِوى أَنَّ مِن نَسلِ المُفَدّى عِصابَةً / أَبَوا أَن يُطِيعُوا في هَواهُ العَواذِلا
وَما ذاكَ إِلّا أَن رَأَوا مِثلَ ما رَأى / وَقَد يَحفَظ الدُولاتِ مَن كانَ عاقِلا
لَعَمري لَنِعمَ المُستَغاثُ مُحَمَّدٌ / إِذا البيضُ نُوزِعنَ البُرى وَالمَجاوِلا
وَنِعمَ مُناخُ الطارِقينَ رَمَت بِهِم / شَآمِيَّةٌ تُزجي سَحاباً حَوافِلا
وَنِعمَ المُراعى لِلنَزيلِ وَطالَما / أَحَلَّت رِجالٌ بِالنَزيلِ النَوَازِلا
وَنِعمَ لِسانُ القَومِ في يَوم لا تَرى / لِكِلمَةِ فَصلٍ تَرفَعُ الشَكَّ قائِلا
أَعَزُّ وَأَوفى مِن عُمَيرٍ وَحارِثٍ / وَأَكرمُ مِن كَعبٍ وَأَوسٍ شَمائِلا
وَأَصدَقُ بَأساً مِن كُلَيبٍ إِذا غَدا / يَجُرُّ إِلى حَربِ المُلوكِ الجَحافِلا
وَأَحَلَمُ مِن قَيسٍ إِذا الحِلمُ لَم يَرُح / يُطَوِّقُ عاراً أَو يُمَوِّقُ جاهِلا
وَأَمنَعُ جاراً مِن يَزيدٍ وَهانِئٍ / وَجَسّاسٍ الساقي حَسا المَوت وائِلا
إِذا ما رَأَيناهُ ذَكَرنا مُحَمَّداً / أَباهُ فَبَشَّرنا مَضيماً وَآمِلا
وَقُلنا لِأَبناءِ المُلوكِ تَوَقَّعُوا / لَهُ فَرَجاً يَأتي بِهِ اللَهُ عاجِلا
وَأَيُّ فَتى مَجدٍ وَمُجدي رَغائِبٍ / وَمِحضَأ حَربٍ يَترُكُ الشَيخَ ذاهِلا
وَشَلّالُ مَغشاةٍ وَحَلّالُ تَلعَةٍ / حَمى الخَوفُ خُبراواتِها وَالمَسائِلا
فَيا باعَلِيٍّ يا اِبنَ مَن فاقَ مَجدُهُ / أَواخِرَ أَربابِ العُلا وَالأَوائِلا
مَلَكتَ فَسِر فِيمَن مَلَكتَ بِسِيرَةٍ / تَسُرُّ مُقيماً في ذُراكُم وَراحِلا
وَكُن مِثلَ ما قَد كانَ والِدُكَ الَّذي / تَلَقَّيتَهُ وَاِعمَل بِما كانَ عامِلا
وَأَدرِك رَعايا ضَيَّعَتها رُعاتُها / وَراحَت لِضُبعانٍ وَذِئبٍ أَكايِلا
فَأَنت لَعَمري بَينَ خالٍ وَوالِدٍ / يُعيدانِ لِلعَليا سَناماً وَكاهِلا
أَبُوكَ الَّذي لَم تَحمِلِ الخَيلُ مِثلَهُ / إِذا أَجهَضَ الرَوعُ النِساءَ الحَوامِلا
مَضى لَم يُدَنِّس عِرضَهُ بِرَذِيلَةٍ / وَلا راحَ لِلمَولى وَلا الجارِ خاذِلا
وَمَن يَدَّعي خالاً كَخالِكَ يَدَّعي / مُحالاً وَإِفكاً مُستَحيلاً وَباطِلا
وَمَن كَحُسَينٍ إِن أَلَمَّت مُلِمَّة / تُريكَ البَليغَ النَدبَ فِدماً مُوائِلا
مَتى تَدعُهُ تَدعُ اِمرَءاً لا مُضَيِّعاً / صَديقاً وَلا عَن صارِخٍ مُتَثاقِلا
حَمُولا لَما حَمَّلتَهُ ذا فَظاظَةٍ / عَلى مَن يُعادي أَلمَعِيّاً مُناضِلا
وَما بَرِحُوا آلَ المُفَدّى لِجارِهِم / وَلِاِبنِ أَخيهِم حِيثُ كانُوا مَعاقِلا
وَغَزوانَ فَاِحفَظ وُدَّهُ وَاِحتَفِظ بِهِ / تَجِد سَيفَ عَزمٍ في مَراضِيكَ فاصِلا
وَقابِل بِهِ كَيدَ العَدُوِّ وَصِل بِهِ / جَناحَكَ واِجعَلهُ لِعَلياكَ حائِلا
فَما فيهِ تَضييعٌ عَلَيكَ وَلا تَرى / لَهُ في مَراضي مَن تُصافي مُشاكِلا
وَأَيُّ رَئيسٍ لا يُرى دُونَ مالِهِ / صَديقٌ وَلا عافٍ يُرَجِّيهِ حائِلا
وَجُندُكَ رُشهُم ما اِستَطَعتَ وَلا تَكُن / وَإِن غَفِلُوا عَن رَبِّهِم مُتَغافِلا
فَما الجُندُ إِلّا جُنَّةٌ تَتَّقي بِها / غَوائِلَ مَولىً أَو عَدُوّاً مُصاوِلا
وَلا تُهمِلَن وُدّي لَكُم وَقَرابَتي / وَأَشعارِيَ اللّاتي مَلَأنَ المَحافِلا
فَكَم لِيَ في عَلَياكُمُ مِن غَريبَةٍ / يَظَلُّ مُسامِيكُم لَها مُتَضائِلا
نَتائِجُ فِكرٍ غادَرَت كُلَّ فِكرَةٍ / نَتُوجٍ لِما يَحلُو مِنَ الشِعرِ حائِلا
وَكَم غُصَصٍ جُرِّعتُها في هَواكُمُ / وَلَم أُصغِ سَمعاً لِلَّذي جاءَ عاذِلا
وَفارَقتُ أَهلي غَيرَ قالٍ وَأُسرَتي / وَولدِيَ خِلّانَ الصِبا وَالمَنازِلا
وَإِنَّ مَديحي غَيرَكُم غَيرُ رائِقٍ / وَلَو أَنَّني بُلِّغتُ فيهِ الوَسائِلا
بَقيتَ لَنا يابا عَلِيٍّ لِنَقتَضي / بِكَ الثارَ مِن أَيّامِنا وَالطَوائِلا
وِعاشَ اِمرُؤٌ يَشناكَ ما عاشَ خائِفاً / قَليلاً ذَليلاً خاشِعَ الطَرفِ خامِلا
وَيهنيكَ ذا المُلكُ الَّذي عَمَّ يُمنُهُ / عُقَيلاً وَأَحيا عَبدَ قَيسٍ وَوائِلا
وَدُونَكَ مِن تَيّارِ بَحرٍ إِذا طَمى / أَراكَ بِحارَ الأَرضِ جَمعاً صَلاصِلا
وَأَنفَذتُها في حِكمَةٍ وَبَلاغَةٍ / كَسَت حُلَّةً مِن بَعدِ عَهدِكَ عاقِلا
ما شِئتُما يا صاحِبَيَّ فَقُولا
ما شِئتُما يا صاحِبَيَّ فَقُولا / هَيهاتَ لَن تَجِدا لَدَيَّ قَبُولا
لَو ذُقتُما ما ذُقتُ مِن أَلَمِ الجَوى / لَم تُكثِرا قالاً عَلَيَّ وَقِيلا
قَد قُلتَ لِلقَلبِ اللَحُوحِ وَما نَأَت / دارٌ وَما عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا
أَصَبابَةً وَأَسىً وَما حَدَجُوا لَهُم / عِيساً وَلا شَدّوا لَهُنَّ حُمُولا
هَذا الغَرامُ فَكَيفَ لَو نادى بِهِم / بَينٌ وَأَصبَحَتِ الدِيارُ طُلولا
فَاِستَبقِ دَمعَكَ وَالحَنين لِساعَةٍ / تَذَرُ الأبيلَ مِن الرِجالِ وَبِيلا
وَإِنِ اِستَطَعتَ غَداةَ داعِيَةِ النَوى / فَاِجعَل لِدَمعِكَ في الدِيارِ سَبيلا
أَنَسيمَ نَجدٍ بِالمُهَتَّكِ سُحرَةً / لِشِفاءِ ذي الكَبدِ العَليلِ عَليلا
اِحمِل إِلى أَرضِ العِراقِ رِسالَةً / عَنّي فَما أَرضى سِواكَ رَسُولا
وَالبَصرَةَ الفَيحاءَ لا تَتَخَلَّفَن / عَنها وَلا تَتَجاوَزَنها مِيلا
وَاِجعَل مُرُورَكَ مِن هُذَيلٍ إِنَّها / أَرضٌ أُحِبُّ جَنابَها المَأهُولا
وَأَفِض عَلَيها أَلفَ أَلفِ تَحِيَّةٍ / بِالمِسكِ تَفتُقُ بُكرَةً وَأَصيلا
وَاِخصُص بِأَكثَرِها الهُمامَ المُرتَجى ال / مَلكَ الأَغَرَّ الماجِدَ المَأمُولا
الأَروَعَ النَدبَ السَرِيِّ العالِمَ ال / حبرَ الجَرِيَّ السَيِّدَ البهلُولا
الحامِلَ العِبءَ الَّذي لَو رازَهُ / حَضَنٌ لآبَ بِظَهرِهِ مَحزُولا
مُعفي العُفاةِ مِن السُؤالِ فَقَلَّما / تَلقاهُ يَومَ عَطائِهِ مَسؤُولا
يُعطي الجَزيلَ مِنَ النَوالِ فَلا يَرى / إِلّا كَعابِرَةٍ عَلَيهِ سَبيلا
وَيَعُمُّ في إِعطائِهِ فَتَخالُهُ / بِجَميعِ أَرزاقِ العِبادِ كَفيلا
لا يُمسِكُ الدِينارَ إِلّا رَيثَما / يَلقى اِبنَ نَيلٍ لَم يُلاقِ مُنيلا
وَمَتى يَقُم مَعَهُ لِأَمرٍ ساعَةً / مِن يَومِهِ فَلَقَد أَقامَ طَويلا
العابِدُ المُحيي قِياماً لَيلَهُ / إِذ ناشِئاتُ اللَيلِ أَقوَمُ قِيلا
وَالزاهِدُ الصَوّامُ غَيرُ مُخَصِّصٍ / بِالصَومِ كانُوناً وَلا أَيلُولا
يا سائِلاً عَنهُ أَعَن شَمسِ الضُحى / تَعمى لَقَد فُقتَ الوَرى تَغفيلا
سِر تَلقَهُ واِبغِ الدَليلِ لِغَيرِهِ / فَالصُبحُ لا تَبغي عَلَيهِ دَليلا
وَإِنِ اِعتَرَتكَ جَهالَةٌ طَبَعِيَّةٌ / فَاِسكُت وَطُف تِلكَ الدُروبَ قَليلا
وَعَلَيكَ بِالبابِ الَّذي لا حاجِباً / تلقى بِسُدَّتِهِ وَلا قِنديلا
لَكِن تَرى الفُقَراءَ مُحدِقَةً بِهِ / زُمَراً وَأَبناءَ السَبيلِ نُزُولا
وَالمُوضِحينَ لِما رَأَوا وَبِما رَوَوا / شَرعَ الرَسولِ مُعَلَّلاً تَعليلا
وَذَوي الوُجُوهِ الصُفرِ شَفَّ جُسُومَها / إِشفاقُها وَكَسا الشِفاهَ ذُبولا
هَذا يَرومُ قِرىً وَذاكَ قِراءَةً / سُمِعَت عَن المُختارِ عَن جِبريلا
فَهُناكَ أَلقِ عَصا المَسيرِ تَجِد ثَرىً / دَمثاً وَظِلّاً لا يَزالُ ظَليلا
وَذُرىً تَقيكَ القُرَّ حينَ هُجُومِهِ / وَالحَرَّ لا وَحماً وَلا مَملُولا
يا عادِلاً بِأَبي شُجاعٍ غَيرَهُ / أُتُراكَ لا نَظراً وَلا مَعقُولا
تَأبى مَكارِمُ باتِكينَ بِأَن تَرى / أَحَداً لَهُ في ذا الزَمانِ عَديلا
جَرَتِ المُلوكُ فَلم تَشُقَّ غُبارَهُ / وَجَرى فَشَقَّ غُبارَها مَشكولا
لَو لَم يَكُن بِالبَصرَةِ اِنقَلَبَت بِمَن / فيها وَجَرَّ بِها الخَرابُ ذُيولا
كانَت سَواداً قَبلَهُ فَأَعادها / مِصراً تَرُوقُكَ مُمسِئاً وَمَقيلا
بِالمُبرِمِ الأَسواقَ وَالسُورِ الَّذي / مَنَعَ الأَعادي أَن تَميلَ مَمِيلا
وَالرّبطِ بَينَ مَدارِسٍ وَمَشاهِدٍ / شَرُفَت وَفُضِّلَ أَهلُها تَفضيلا
أَحيَا بِها لِلشافِعِيِّ وَمالِكٍ / وَأَبي حَنيفَةَ أَحرُفاً وَفُصُولا
وَبِجامِعٍ نَدَّ الجَوامِعِ كُلَّها / حُسناً وَعَرضاً في البِناءِ وَطُولا
لَولا اِتِّفاقُ حَريقِهِ في عَصرِهِ / لَعَفا وَعُطِّلَ رَسمُهُ تَعطيلا
كَم مِن رُواقٍ زادَ فيهِ وَحُصرُهُ / زادَت إِلى تَرفيلِهِ تَرفيلا
وَبَنى بِهِ لِلمُسلِمينَ مُقَرمَداً / تَرَكَ الخَوَرنَقَ في العُيونِ ضَئيلا
وَلَقد مَضَت حُقبٌ بِها وسُراتُها / نَهبٌ فَأَنقَذَ شِلوَها المَأكُولا
أَفعالُهُ لِلّهِ خالِصَةٌ فَما / تَلقى لِمُعتَقدِ الرِياءِ مَثيلا
لَو كانَ في الأُمَمِ الخَوالي مِثلهُ / مَلكٌ لَما بَعَثَ الإِلَهُ رَسُولا
يفديكَ شَمسَ الدّينِ قَومٌ لا تَرى / حَبلاً لَهم بِفَضيلَةٍ مَوصُولا
مِن كُلِّ مَغلُولِ اليَدَينِ عَنِ النَدى / فاقَ اليَهُودَ لآمَةً وَغُلولا
يَبدُو بعُثنُونٍ لَهُ قُبحاً لَهُ / لِقُرَيظَةٍ أَو لِلنَضيرِ سَليلا
زُمَّيلَةٌ فَإِذا المَظالِمُ أُسنِدَت / يَوماً إِلَيهِ رَأَيتَهُ إِزميلا
لا يَتَّقي اللَهَ العَلِيَّ وَلا يَرى / لِشَقائِهِ الفِعلَ الجَميلَ جَميلا
جَمَعَ الحُطامَ وَسَلَّ سَيفاً دُونَهُ / لَؤماً وَسَبَّلَ عِرضَهُ تَسبيلا
لَو أَنَّهُ حُمِلَت إِلَيهِ بَقَّةٌ / لأَضاعَ مِن مالِ الأمانَةِ فِيلا
لَولاكَ ما وَرَّيتُ لَكِن أَتَّقي / بَقَراً يَعُدُّونَ الصَحيحَ فُضولا
فَاِسلَم وَدُم يابا شُجاعٍ لِلعُلى / وَالمَجدِ ما دَعَتِ الحَمامُ هَديلا
تُعطي وَتَمنَعُ ما تَشاءُ وَلا تُرى / إِلّا مُذيلاً عِزَّةً وَمُنيلا
في ظِلِّ خَيرِ خَلِيفَةٍ مِن هاشِمٍ / وَرِثَ الكِتابَ وَأُلهِمَ التَنزيلا
وَاِسعَد بِذا الشَهرِ الأَصَبِّ سَعادَةً / تَبقى وَتُبلِغُكَ المُنى وَالسُولا
وَتُريكَ حاسِدَكَ المُسَفِّهَ نَفسَهُ / حَرِضاً قَليلاً في الأَنامِ ذَليلا
بِالسَيفِ يُفتَحُ كُلُّ بابٍ مُقفَلٍ
بِالسَيفِ يُفتَحُ كُلُّ بابٍ مُقفَلٍ / وَتُحَلُّ عُقدَةُ كُلِّ خَطبٍ مُشكِلِ
فَاِقرَع إِذا صادَفتَ باباً مُرتَجاً / بِالسَيفِ حَلقَةَ صَفقَتَيهِ تَدخُلِ
وَإِذا بَدَت لَكَ حاجَةٌ فَاِستَقضِها / بِالمَشرَفِيَّةِ وَالرِماحِ الذُبَّلِ
لا تَسأَلَنَّ الناسَ فَضلَ نَوالِهِم / وَاللَهَ وَالبِيضَ الصَوارِمَ فَاِسأَلِ
فَالسَيفُ أَكرَمُ مُجتَدىً يَمَّمتَهُ / فَإِذا تَلُوذُ بِهِ فَأَمنَعُ مَعقِلِ
وَاِجعَل رَسُولَكَ إِن بَعَثتَ إِلى العِدى / زُرقَ الأَسِنَّةِ فَهيَ أَصدَقُ مُرسَلِ
وَاِعلَم هُدِيتَ وَلا إِخالُكَ جاهِلا / أَنَّ الرَسولَ يُبينُ عَقلَ المُرسِلِ
وَاِقعُد وَأَرضُكَ ظَهرُ أَجرَدَ سابِحٍ / وَسَماؤُكَ الدُنيا غَيابَةُ قَسطَلِ
كُن كَاِبنِ مَسعُودٍ حُسَينٍ في النَدى / وَالبَأسِ أَو فَعَنِ المَكارِمِ فَاِعدِلِ
الطاعِنِ الفُرسانَ كُلَّ مُرِشَّةٍ / جَيّاشَةٍ تَغلي كَغَليِ المِرجَلِ
وَالتارِكِ الأَبطالَ تَسجُدُ هامُها / بِالسَيفِ غَيرَ عِبادَةٍ لِلأَرجُلِ
وَالخائِضِ الغَمَراتِ لا مُتَقَهقِراً / حَتّى بِصارِمِهِ المُهَنَّدِ تَنجَلي
وَالنازِلِ الثَغرَ الَّذي لَو يُبتَلى / بِنُزولِهِ رَبُّ الحِمى لَم يَنزِلِ
وَالحامِلِ العِبءَ الَّذي لَو حُمِّلَت / هَضَباتُ سَلمى بَعضَهُ لَم يَحمِلِ
وَالواهِبِ الكُومَ الذُرى وَرعاتَها / وَفِصالَها عَفواً ولَمّا تُفصَلِ
وَهُوَ المُجيرُ الجارِياتِ مُرَوّعاً / مَن جارَهُ فِعلَ الهُمامِ الأَطوَلِ
وَتَبيتُ جارَتُهُ وَلَم يَرفَع لَها / كِسراً بِعِلَّةِ قائِلٍ مُتَضَلِّلِ
يُغضي إِذا بَرَزَت وَيَخفِضُ صَوتَهُ / عَنها فِعالَ الناسِكِ المُتَبَتِّلِ
لَم يَنطِقِ العَوراءَ قَطُّ وَلا اِصطَفى / نَذلاً وَلا أَصغى لِقَولِ مُضَلِّلِ
وَإِذا المُحُولُ تَتابَعَت أَلفَيتَهُ / مُتَبَجَّحَ العافي وزادَ المُرمِلِ
وَإِذا لَظى الحَربِ الزَّبونِ تَأَجَّجَت / أَطفى لَوافِحَها بِحَملَةِ فَيصَلِ
كَم فارِسٍ أَردى بِطَعنَةِ ثائِرٍ / تُدني مِنَ الأَدبارِ حَدَّ المَقتلِ
وَعَميدِ قَومٍ صَكَّ مَفرِقَ رَأسِهِ / بِالسَيفِ في لَيلِ العَجاجِ الأَليَلِ
يَلقى الكَتيبَةَ واحِداً فَكَأَنَّها / في مِقنَبٍ وَكَأَنَّهُ في جَحفَلِ
وَكأَنَّ جاحِمَ كُلِّ نارٍ أُوقِدَت / لِلحَربِ في عَينَيهِ نارُ مُهَوِّلِ
تَلقاهُ أَثبَتَ ما يُكُونَ جَنانُهُ / وَالبِيضُ تَختَطِفُ الرُؤوسَ وَتَجتَلي
مُتَهاوِناً بِالمَوتِ يَعلَمُ أَنَّهُ / سَيَمُوتُ بِالأَدواءِ مَن لَم يُقتَلِ
نَهدٌ عَلى نَهدِ المَراكِلِ سابِحٍ / رَحبِ اللِبابِ مُحَجَّلٍ لِلأَرجُلِ
مُتَمَطِّرٍ سامي التَليلِ مُقابلٍ / بَينَ النَعامَةِ وَالحرُونِ وَقُرزُلِ
كَالمَجدَلِ العادِيِّ إِلّا أَنَّهُ / يُمرى فَيَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
طِرفٌ يُعَوِّذُهُ الأَريبُ مُجَلَّلاً / مِن شَرقِ طُرَّتِهِ وَغَيرَ مُجَلَّلِ
وَبِكَفِّهِ ماضٍ يُخالُ عَقيقَةً / لَمَعَت بِصَفحَةِ عارِضٍ مُتَهَلِّلِ
عَودٌ عَنِ اليَومَينِ يُخبِرُ صادِقاً / وَعَنِ الثَلاثَةِ وَالكُلابِ الأَوَّلِ
وَالشَيِّطَينِ وَلَعلَعٍ وأُوارَةٍ / وَحِمى ضَرِيَّةَ وَالنِباجِ وَثَيتَلِ
أَبَداً يَقُولُ لِمُنتَضيهِ في الوَغى / اِعلُ الطُلا وَالهامَ بي وَتَوَكَّلِ
كَم هامَةٍ شُقَّت بِهِ وَدَعامَةٍ / دُقَّت فَخَرَّت لِلحَضيضِ الأَسفَلِ
وَعَلَيهِ مُحكَمَةُ القَتيرِ تَخالُها / بَعضَ الإِضاءِ بِصَحصَحانٍ أَنجَلِ
وَقعُ الصَفيحَةِ وَالقَناةِ بِمَتنِها / وَقعُ الحُفاةِ وَريشَةٍ مِن أَجدَلِ
لَو رُدَّ مَحتُومُ القَضاءِ لَقابَلَت / بِالرَدِّ مَحتُومَ القَضاءِ المُنزَلِ
ماضي المُهَنَّدِ وَالسِنانِ وَعَزمُهُ / أَمضى وَغَيرُ كَهامَةٍ في المِقوَلِ
زاكي العُمُومَةِ وَالخُؤولَةِ غَيرُ ذي / أَشَبٍ فَبُورِكَ مِن مُعِمٍّ مُخوِلِ
أَمضى إِذا ما هَمَّ مِن ذِي رَونَقٍ / صافي الحَديدَةِ ذي فِرِندٍ مُنصلِ
نَدَّ الوَرى طِفلاً وَبرَّزَ يافِعاً / وَبَنى العُلى وَعِذارُهُ لَم يَبقُلِ
إِغضاءُ قَيسٍ في شَجاعَةِ وائِلٍ / وَسَخاءُ مَعنٍ في وَفاءِ سَمَوأَلِ
مِن مَعشَرٍ بِيضِ الوُجوهِ أَعِزَّةٍ / جُر يامُجاوِرهُم بِهِم أَو فَاِعدِلِ
فَضلٌ أَبُوهُم وَالمَعَظَّمُ عَبدَلٌ / مَن مِثلُ فَضلٍ في الفَخارِ وَعَبدَلِ
وِإِذا عَدَدتَ أَبا سِنانٍ وَاِبنَهُ / وَاِبنَ اِبنِهِ فَاِشرَب خَصيمَكَ أَو كُلِ
غُرٌّ بَنى لَهُمُ الأَغَرُّ أَبُوهُمُ / بَيتاً أَنافَ عَلى السِماكِ الأَعزلِ
إِن قالَ قائِلُهُم أَصابَ وَإِن رَمى / أَصمى وَإِن سُئِلَ النَدى لَم يَبخَلِ
عُقَدُ الجَبابِرِ عِندَهُم مَحلُولَةٌ / وَإِذا أَمَرّوا عُقدَةً لَم تُحلَلِ
نَسلُ العُيُونِيِّ الَّذينَ أَحَلَّهُم / بِفِعالِهِ في المَجدِ أَشرَفَ مَنزِلِ
بِرِماحِهِم وَصِفاحِهِم وَسَماحِهِم / وَرِثُوا السِيادَةَ آخِراً عَن أَوَّلِ
لا غالَهُم صَرفُ الزَمانِ فَكَم لَهُم / في الدَهرِ مِن يَومٍ أَغَرَّ مُحَجَّلِ
يا مَن يَقيسُ بِآلِ فَضلٍ غَيرَهُم / لا تُوهِمَنَّ الدَوحَ غَيرَ القَرمَلِ
ما كُلُّ نَبتٍ راقَ طَرفَكَ لَونُهُ / مَرعىً وَلا كُلُّ المِياهِ بِمَنهَلِ
يا آلَ فَضلٍ دَعوَةً مِن مُخلِصٍ / لَكُمُ المَوَدَّةَ لَيسَ بِالمُتَجَمّلِ
لَم يَرتَقي القَومُ الجَميمَ وَما لَنا / غَير الأَلاءَةِ مَرتَعاً وَالحَرمَلِ
وَلِمَ الشَقائِقُ وَالتِلاعُ لِغَيرِنا / وَلنا الخَطائِطُ قسمُ مَن لَم يَعدِلِ
وَالبارِدُ العَذبُ الزُلالُ لِغَيرِنا / وَنُخَصَّ بِالمِلحِ الأُجاجِ الأَشكَلِ
أَرحامُنا مِن يَومِ غُيِّبَ جَدُّكُم / في رَمسِهِ مَقطُوعَةٌ لَم تُوصَلِ
حَتّى كَأَنّا مِن جُهَينَةَ أَصلُنا / لا وُلدَ عَبدِ اللَهِ نَحنُ وَلا عَلِي
وَلِمَ العَدُوُّ يَرُوحُ قِردَ زُبَيدَةٍ / شَبَعاً وَمُصفِي الوُدّ كَلبَةَ حَومَلِ
لَولاكَ قُلتُ وَقُلتُ لَكِنّي اِمرُؤٌ / أَبَداً أَصُونُ عَن الشِّكايَةِ مِقوَلي
بَيتُ الرِئاسَةِ لِي وَحِكمَةُ دَغفَلٍ / وَبَيانُ سَحبانٍ وَشِعرُ الأَخطَلِ
فَبَقِيتُمُ لِلمكرُماتِ وَلِلعُلى / أَبَداً بَقاءَ عَمايَتَينِ وَيَذبلِ
اِنزِل لِتَلثِمَ ذا الصَعيدَ مُقَبِّلاً
اِنزِل لِتَلثِمَ ذا الصَعيدَ مُقَبِّلاً / شَرَفاً وَإِجلالاً لِمَولى ذا المَلا
وَقُلِ السَلامُ عَلَيكَ يا مَن لَم يَزَل / كَنزاً لِأَبناءِ الهُمومِ وَمَعقِلا
وَاِشكُر أَيادِيَهُ الَّتي أَولاكَها / فَلَقَد أَطابَ لَكَ العَطاءَ وَأَجزَلا
وَأَشِر إِلَيهِ بَعدَ ذاكَ مُوَدِّعاً / تَوديعَ لا مَلَلٍ عَراكَ وَلا قِلى
أَفديهِ مِن مَلِكٍ لَقَد أَضحى بِهِ / جَدُّ المَكارِمِ وَالأَكارِمِ مُقبِلا
ما كُنتُ آمُلُ مِن نَداهُ أَنالَني / فَأَنا لَهُ رَبُّ العُلى ما أَمَّلا
أَلفا مُصَتَّمَةٍ أَجازَ وَبَغلَةً / تَشأى النَعامَةَ وَالحَرونَ وَقُرزُلا
وَمِنَ المَلابِسِ خِلعَةً لَو قابَلَت / رَوضَ الحِمى أُنُفاً لَكانَت أَجمَلا
وَوَراء ذَلِكُمُ اِعتِذارٌ أَنَّهُ / لَولا أُمُورٌ جَمَّةٌ ما قَلَّلا
وَأَحَبُّ مِن هَذا إِلَيَّ لِقاؤُهُ / لِي مُسفِراً عَن بِشرِهِ مُتَهَلِّلا
وَسُؤالُهُ لِي كَيفَ أَنتَ وَقَولُهُ / أَهلاً أَتَيتَ وَزالَ نَحسٌ وَاِنجَلى
فَأَضاءَ في عَيني النَهارَ وَقَبلَ أَن / أَلقاهُ كانَ عَلَيَّ لَيلاً أَليَلا
وَشَكَرتُ حادِثَةً أَرَتني وَجهَهُ / لَو كانَ نَزعُ الرُوحِ مِنها أَسهَلا
وَغَفَرتُ زَلَّةَ ظالِمَيَّ لِكَونِها / سَبَبَ اللِقاءِ وقلتُ أَيسَرُ مَحمَلا
إِن كانَ قَد أَبقى حَسُودي باهِتاً / فَلَأُبقِيَنَّ حَسُودَهُ مُتَمَلمِلا
وَلَأَكسُوَنَّ عُلاهُ ما لا يَنطَوي / أَبَدَ الزَمانِ وَلا يُلِمُّ بِهِ البِلى
وَلَأعقِدَنَّ عَلى ذُؤابَةِ مَجدِهِ / تاجاً مِنَ الدُرِّ الثَمينِ مُفَصَّلا
وَلَأَضرِبَنَّ بِجُودِهِ الأَمثالَ كَي / يَشدُو بِها مَن شاءَ أَن يَتَمثّلا
بِأَبي الهُمامِ أَبي الفَضائِلِ ذي العُلى / وَالمَكرُماتِ فَما أَبَرَّ وَأَفضلا
كُن أَيُّها الساعي لِإدراكِ العُلى / كَأَبي الفَضائِلِ في النَدى أَو لا فَلا
وَأَما لَعَمرُ اللَهِ لَستُ بِمُدرِكٍ / شَأوَ الأَميرِ وَما عَسى أَن تَفعَلا
لِلّهِ بَدرُ الدِينِ مِن مَلِكٍ فَما / أَوفى وَأكفى لِلخُطُوبِ وَأَحمَلا
مَلِكٌ أَنَختُ بِهِ الرَجاءَ مُؤَمِّلاً / فَرَجَعتُ مِن جَدوى يَدَيهِ مُؤَمَّلا
أَيّامُهُ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ وَقَد / ضَمنَ الأَخيرُ بِأَن يَفُوقَ الأَوَّلا
زَهَت البِلادُ بِهِ فَما مِن بَلدَةٍ / إِلّا تَمَنَّت أَن تَكُونَ المَوصِلا
مَن مُبلغ ساداتِ قَومي أَنَّني / لاقَيتُ بَعدَهُم الجَوادَ المُفضِلا
وَنَزَلتُ حَيثُ المَكرُماتُ وَقُمتُ في / حَيثُ اِبتَنى المَجدَ المُؤَثَّلَ وَالعُلى
يَفديكَ بَدرَ الدِينِ كُلُّ مُسَربَلٍ / بِاللُؤمِ غايَةُ حَزمِهِ أَن يَبخَلا
حَفِظَ الحُطامَ وَسَلَّ سَيفاً دُونَهُ / وَأَضاعَ مِنهُ العِرضَ تَضيِيعَ السَلا
فَغَدَت تُمزِّقُهُ الرِجالُ وَتَختَطي / لُجَجَ البِحارِ بِهِ وَأَجوَازَ الفَلا
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي في كَفِّهِ / بَحرٌ أَرانا كُلَّ بَحرٍ جَدولا
لا تَحسَبَنَّ ثَنايَ لِلمالِ الَّذي / خَوَّلتَنيهِ فَلَم أَزَل مُتَمَوِّلا
وَالمالُ عِندَكَ كَالتُرابِ مَحَلُّهُ / تَحبُو بِهِ مَن هانَ قَدراً أَو عَلا
لَكِن رَأَيتُ خَلائِقاً ما خِلتُني / أَحظى بِرُؤيَةِ مِثلِها في ذا المَلا
لَولا النُبُوَّةُ بِالنَبِيِّ مُحَمَّدٍ / خُتِمَت لَقُلتُ أَرى نَبِيّاً مُرسَلا
قُل لِي أَمَلكٌ أَنتَ أَم مَلكٌ فَمَن / نَظَرَ العُجابَ فَحَقُّهُ أَن يَسأَلا
ما هَذِهِ الأَخلاقُ في بَشَرٍ وَلا / هَذا السَماحُ إِذا اللَبِيبُ تَأَمَّلا
فَبَقيتَ ما بَقِيَ الزَمانُ لِذا الوَرى / كَهفاً نَلُوذُ بِهِ وَسِتراً مُسبَلا
وَبَقيتَ لِلمَعرُوفِ أَيضاً وَالعُلا / أَبَداً بَقاءَهُما ثَبيرَ وَيَذبُلا
وَأَراكَ رَبُّكَ ما تُحِبُّ وَعاشَ مَن / يَشناكَ يَهوى المَوتَ مِن جَهدِ البَلا
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ
بَنانُكَ مِن مُغدُودِقِ المُزنِ أَهطَلُ / وَباعُكَ مِن رَضوى وَثَهلانَ أَطوَلُ
وَدارُكَ دارُ الأَمنِ مِن كُلِّ حادِثٍ / وَمَنزِلُكَ المَعمُورُ لِلمَجدِ مَنزِلُ
إِذا عُدَّ أَربابُ النَباهَةِ وَالعُلى / فَأَنتَ عَلى رغَمِ المُعادينَ أَوَّلُ
تَجاوَزتَ مِقدارَ الكَمالِ فَما يُرى / عُلىً كامِلاً إِلّا وَعَلياكَ أَكمَلُ
وَحُزتَ خِلالَ الفَضلِ مِن كُلِّ وجهَةٍ / فَما فاضِلٌ إِلّا وَأَنتَ المُفَضَّلُ
كَمالَ الوَرى آنَ الرَحيلُ وَلَم يَعُد / لِذي أَرَبٍ عَن قَصدِهِ مُتَعَلَّلُ
وَلَم يَبقَ إِلّا أَن يُوَدِّعَ راحِلٌ / مُقيماً فَمنحيها جَنُوبٌ وَشَمأَلُ
أَقولُ وَلِي قَلبٌ شَعاعٌ تَضُمُّهُ / جَوانِحُ يَعلُو الشَوقُ فيها وَيَسفُلُ
وَلي أَنَّةٌ تُشجي القُلوبَ وَزَفرَةٌ / تَكادُ بِأَدناها ضُلوعي تَزَيَّلُ
وَقَد كِدتُ أَن أُبدي الحَنينَ تَبَرُّماً / مِنَ الغَبنِ إِلّا أَنَّني أَتَجَمَّلُ
لَحى اللَهُ دَهراً أَلجَأتني صُروفُهُ / إِلى حَيثُ يُلغى حَقُّ مِثلي وَيُهمَلُ
وَعاقَبَ قَومي الغُرَّ شَرَّ عُقُوبَةٍ / وَخَصَّصَ مَن يَنمي عَلِيٌّ وَعَبدَلُ
فَلَولاهُمُ وَاللَهُ يَعلَمُ ذَلِكُم / لَما فاهَ لي بِالمَدحِ في الناسِ مِقوَلُ
وَلا حُطَّ بِالفَيحاءِ رَحلي وَلا رَأَت / فُرى ظاهِرِ الزَوراءِ شَخصي وَإِربِلُ
وَقَد كان لِي مِن إِرثِ جَدّي وَوالِدي / غِنىً فيهِ لِلرّاجي الَّذي يَتَمَوَّلُ
وَلا اِستَقبَلَت جاهي رِجالٌ جَهالَةً / وَجاهَلَ قَدري بِالمَحامِدِ أَجهَلُ
فَإِن يَكُ ما أَبغي ثَقيلاً لَدَيهِمُ / فَحَملُ الكَريمِ الحُرِّ لِلمَنِّ أَثقَلُ
لَقَد كانَ لِي لَولا رَجاءُ مُحَمَّدٍ / عَنِ المَوصِلِ الحَدباءِ مَنأىً وَمَرحَلُ
ولَم آتِها إِلّا عَلى اِسمِ رَجائِهِ / وَلِلخَطبِ يُرجى ذُو العُلى وَيُؤَمَّلُ
وَيَأبى لَهُ البَيتُ الرَفيعُ عِمادُهُ / رُجوعي بِحالٍ نَشرُها لَيسَ يَجملُ
وَكَيفَ وَعِندي أَنَّهُ ذُو بَصيرَةٍ / إِذا حارَتِ الأَلبابُ وَالجَدُّ مُقبِلُ
خَلِيلَيَّ ما كُلُّ الرِجالِ وَإِن عَلَوا / كَمالٌ وَلا كُلُّ الأَقاليمِ مَوصِلُ
وَلا كُلُّ نَبتٍ تُخرِجُ الأَرضُ مَأكَلٌ / وَلا كُلُّ ماءٍ تُبصِرُ العَينُ مَنهَلُ
هُوَ الماجِدُ النَدبُ الَّذي لا جنابُهُ / بِوَعرٍ وَلا بابُ النَدى مِنهُ مُقفَلُ
هُمامٌ إِذا اِستَسقَيتَ مُزنَ بَنانِهِ / سَقَتكَ حَياً مِن فَيضِهِ البَحرُ يَخجَلُ
جَوادٌ إِذا ما الخُورُ عامَت فِصالُها / وَلَم يَبقَ في البُزلِ القَناعِيسِ مَحمَلُ
ضَحُوكٌ إِذا ما العامُ قَطَّبَ وَجهَهُ / عُبُوساً وَأَبدى نابَهُ وَهوَ أَعقَلُ
عَلى أَنَّهُ البَكّاءُ في حِندِسِ الدُجى / خُشُوعاً وَمُحيي لَيلِهِ وَهوَ أَليَلُ
يُقِرُّ لَهُ بِالجودِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَيَقضي لَهُ بِالمَجدِ زَيدٌ وَدَغفَلُ
سَما لِذُرى العَلياءِ مِن فَرعِ وائِلٍ / وَكُلُّ فَتىً مِن وائِلٍ فَهوَ مَوئِلُ
بِآبائِهِ عَزَّت نِزارٌ وَأَصبَحَت / تَقُولُ بِعَزمٍ ما تَشاءُ وَتَفعَلُ
مُلُوكٌ هُمُ أَردُوا لَبيداً وَغادَرَت / صُدورُ قَناهُم تُبَّعاً يَتَمَلمَلُ
وَهُم تَرَكُوا يَومَ الكُلابِ عَلى الثَرى / شُرَحبِيلَ شِلواً حَولَهُ الطَيرُ تَحجِلُ
وَعَمرو بنَ هِندٍ عَمَّمُوا أُمَّ رَأسِهِ / حُساماً يَقُدُّ البيضَ وَالهامَ مِن عَلُ
فَآخِرُهُم ما مِثلُهُ اليَومَ آخِرٌ / وَأَوَّلُهُم ما مِثلُهُ كانَ أَوَّلُ
وَإِنّ كَمالَ الدينِ لا زالَ كامِلاً / لأَشرَفُ أَن يَسمُو بِجَدٍّ وَأَنبَلُ
هُوَ الطَودُ حِلماً وَالمُهَنَّدُ عَزمَةً / هُوَ البَحرُ جُوداً بَل عَطاياهُ أَجزَلُ
لَهُ هَيبَةٌ مِلءُ الصُدورِ وَإِنَّهُ / عَلى عِزَّهِ للناسِكُ المُتَبَتِّلُ
تَوَلّى وَأَولى الناسَ خَيراً وَأَصبَحَت / صَوادي المُنى مِن نَيلِهِ وَهيَ نُهَّلُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردِهِ لَيثٌ بِخفّانَ مُشبِلُ
تَراهُ فَتَلقى مِنهُ في السِلمِ واحِداً / وَلَكِنَّهُ عِندَ المُلِمّاتِ جَحفَلُ
صَؤُولٌ وَلا خَيلٌ قَؤُوَلٌ وَلا خَفَاً / سَؤُولٌ بحالِ الضَيفِ وَالجارِ فَيصَلُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ شَأوَهُ / رُوَيداً وَلا يَغرُركَ سَعيٌ مُضَلَّلُ
عَرَفتُ بَني هَذا الزَمانِ فَلَم أَجِد / سِواهُ إِذا ما حُمِّلَ الثِّقلَ يَحمِلُ
فَكَم صاحِبٍ صاحَبتُهُ لا مُؤَمِّلاً / نَدىً مِن يَدَيهِ غَيرَ أَنّي المُؤَمَّلُ
فَأَجهَدتُ نَفسي في البِناءِ لِمَجدِهِ / كَأَنّي بِهِ مِن كُلِّ بابٍ مُوَكَّلُ
إِذا صَدِئَت مِنهُ المَساعي جَلَوتُها / بِعارِفَةٍ مِنّي وَلِلمَجدِ صَيقَلُ
فَلَمّا رَماني الدَهرُ عَن قَوسِ نازِعٍ / وَلِلدهرِ حالاتٌ تَجُورُ وَتَعدِلُ
رَمى مَقتَلي مَع مَن رَمى وَهوَ عالِمٌ / بِأَنَّ شَوى مَن كادَهُ الدَهرُ مَقتَلُ
وَأَصبَحَتِ الحُسنى تُعَدُّ إِساءَةً / عَلَيَّ وَيُستَصفى عَدُوّي وَأُعزَلُ
وَتَكثُر عِندي لا لِعُذرٍ ذُنوبُهُ / فَأُمسي عَلى أَبوابِهِ أَتَنَصَّلُ
وَما ذاكَ عَجزٌ عَن مُكافاةِ خائِنٍ / وَلَكِنَّ حِلمي عَن ذَوي الجَهلِ أَفضَلُ
فَلا يُبعِدَنَّ اللَهُ شَخصَ مُحمَّدٍ / فَلَيسَ عَلى خَلقٍ سِواهُ مُعَوَّلُ
وَلا كانَ هَذا آخِرَ العَهدِ إِنَّني / إِلى اللَهِ في أَن نَلتَقي أَتَوَسَّلُ
فَيا شَقوَتا مِن عُظمِ شَوقٍ مُبَرِّحٍ / إِلَيهِ بِأَثناءِ الحَشا يَتَغَلغَلُ
إِلَيكَ كَمالَ الدّينِ عِقدُ جَواهِرٍ / أَضِنُّ بِها عَمَّن سِواكَ وَأَبخَلُ
يُقَصِّرُ عَن تَرصيعِها في عُقُودِها / أَخُو دارِمٍ وَالأَعشيانِ وَجَروَلُ
أَبا الكَرَمِ المَدعُوّ لِلخَطبِ إِنَّني / رَجَوتُكَ وَالمَدعُوُّ لا يَتَأوَّلُ
فَغِر لِكَريمٍ لَم يَكُن في حِسابِهِ / نُزُولٌ بِأَبوابِ السَلاطينِ يَسأَلُ
وَلا خالَ أَنَّ الدَهرَ يَسعى لِكَيدِهِ / فَيُلقى عَلَيهِ مِنهُ نَحرٌ وَكَلكَلُ
فَلَم يَبقَ إِلّا أَنتَ بابُ وَسيلَةٍ / إِلى كُلِّ خَيرٍ مِنهُ لِلناسِ مَدخَلُ
فَعِش لِلمَعالي وَاِبقَ لِلمَجدِ ما بَقي / ثَميرٌ عَلى مَرِّ اللَيالي وَيَذبُلُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ
سَما لَكَ مِن أُمِّ العُبَيدِ خَيالُ / وَدُونَ لِقاها أَجرُعٌ وَسَيالُ
سَما وَمَطايانا كَأَنَّ اِقتِحامَها / غَوارِبَ أَمواجِ الفُراتِ فِيالُ
فَأَهدى سُروراً عازِباً كانَ قَد مَضى / وَأَنسَتهُ أَيّامٌ مَرَرنَ طِوالُ
وَعادَ فَلَم يَلبَث فَواقاً كَأَنَّما / عَلَيهِ بِتَعجيلِ الرُجوعِ كفالُ
فَشايَعتُهُ أَقضي الذِّمامَ لِأَنَّني / لِذاكَ أَبٌ في الحالَتَينِ وَخالُ
إِلى أَن بَلَغنا الجِسرَ وَالتُرعَةَ الَّتي / بِأَكنافِها الحَيُّ الكِرامُ حِلالُ
وَحانَت لِعَيني يَقظَةٌ بانَ عِندَها / بِأَنَّ الَّذي قَد كُنتُ فيهِ مُحالُ
فَواهاً لَها تَهوِيمَةً بَعَثَت جَوىً / حُرِمتُ لَهُ اللّذّات وَهيَ حَلالُ
أرَتني دِيارَ الحَيِّ قَومي وَدُونَها / وِهادٌ وَأَطوادٌ عَلَت وَرِمالُ
وَكُلَّ اِبنِ شَرٍّ قَرنُهُ مِن رِدائِهِ / يَرى شَخصَهُ جِنُّ الفَلا فَيُهالُ
رَعى اللَهُ هاتيكَ الدِيارَ وَإِن سَرَت / إِلَينا أَفاعٍ أَنبَتَت وَصِلالُ
أَقُولُ لِرَكبٍ مِن عُقَيلٍ لَقيتُهُم / وَأَعناقُها لِلقَريَتينِ تُمالُ
أَيا رَكبُ حُيِّيتُم وَجادَت بِلادَكُمُ / غَمائِمُ أَدنى سَحِّهِنَّ سِجالُ
إِذا جِئتُمُ أَرضَ الحَساءِ وَقابَلَت / قِبابٌ بِضاحي بَرِّها وَتِلالُ
فَأَرخُوا لَها فَضلَ الأَزمَّةِ ساعَةً / وَإِن كانَ أَينٌ مَسَّها وَكَلالُ
إِلى أَن تُوافوا الدَربَ وَالمَسجِدَ الَّذي / بِهِ الحَيُّ حَيٌّ وَالشَمالُ شَمالُ
فَثَمَّ تُلاقُونَ المُلوكَ بَني أَبي / وَيَكثُرُ عَنّي حينَ ذاكَ سُؤالُ
فَقُولُوا لَهُم إِنّا تَرَكنا أَخاكُمُ / بِحَيث مَآلُ الراغِبينَ مَآلُ
لَدى مَلِكٍ لا يَبلُغُ الوَصفُ مَدحَهُ / وَإِن أَطنَبَ المُدّاحُ فيهِ وَقالُوا
حَمُولٌ لِأَعباءِ الأُمورِ وَإِنَّها / عَلى غَيرِهِ لَو رامَها لَثِقالُ
لَهُ أَبَداً عِرضٌ مَصونٌ عَنِ الخَنا / وَمالٌ لِمُمتاحِ النَوالِ مُذالُ
هُوَ المَلكُ لا يَجري البَذا في نَدِيِّهِ / وَإِن طالَ قِيلٌ في الخِصامِ وَقالُ
تَوَلّى فَأَولى كُلَّ خَيرٍ فَأَصبَحَت / بِهِ المُهَجُ العَطشى وَهُنَّ نِهالُ
وَلاقى الرَعايا خافِضاً مِن جَناحِهِ / وَفي بُردَتَيهِ هَيبَةٌ وَجَلالُ
جَوادٌ لَو اِنَّ البَحرَ عارَضَ جُودَهُ / لَما اِبتَلَّ لِلمُجتازِ فيهِ قِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلعَضبِ اليَمانِيِّ عَزمَهُ / لَما كادَهُ أَنَّ الرُؤوسَ جِبالُ
وَلَو أَنَّ لِلضِرغامِ قَلباً كَقَلبِهِ / لَما هالَهُ أَنَّ التُرابَ رِجالُ
هُوَ الشَمسُ نُوراً وَاِرتِفاعاً وَشارَةً / كَما قَد تَسَمّى وَالمُلوكُ ذُبالُ
بِهِ البَصرَةُ الفَيحاءُ أَقبَلَ سَعدُها / وَقَد كانَ فيها لِلنُحوسِ مَجالُ
تَوَخّى شَكاياها الَّتي بَرَحَت بِها / فَأَبرَأَ مِنها الداءَ وَهوَ عُضالُ
وَلَولاهُ لَم يَبرَح مُقيماً بِأَرضِها / هوانٌ وَذُلٌّ شامِلٌ وَنَكالُ
أَزالَ الأَذى عَنها اِحتِساباً وَرَغبَةً / وَما كانَ مَرجُوّاً لِذاكَ زَوالُ
وَأَقصى وُلاةَ الجَورِ عَنها حَميَّةً / لِيَسكُنَ مَرعُوبٌ وَيَنعُمَ بالُ
فَلا عُدِمَت أَيّامُهُ الغُرُّ إِنَّها / لَتَعدِلُ طَعمَ الماءِ وَهوَ زُلالُ
وَأُقسِمُ ما تَأتي اللَيالي بِمِثلِهِ / وَأَنّى وَما كُلُّ الرِجالِ رِجالُ
فَيا أَيُّها الساعي لِيُدرِكَ مَجدَهُ / أَفِق إِنَّ هَذا السَعيَ مِنكَ ضَلالُ
وَدَع عَنكَ ما لا تَستَطيعُ فَقَد تَرى / مَساعيَ شَمسِ الدَينِ لَيسَ تُنالُ
إِذا عُدَّ أَهلُ الفَضلِ يَوماً فَكُلُّهُم / عَلى فَضلِهِ لَو يُنشَرونَ عيالُ
لِكُلِّ اِمرِئٍ مِنهُم خِصالٌ حَمِيدَةٌ / وَلَكِنّ شَمسَ الدّينِ فيهِ كَمالُ
تَرى عِندَهُ ما عِندَهُم مِن فَضِيلَةٍ / وَفيهِ خِلالٌ فَوقَها وَخِلالُ
حَياءٌ وَإِقدامٌ وَحِلمٌ وَقُدرَةٌ / وَحَزمٌ وَجُودٌ لَيسَ فيهِ مِطالُ
وَعِلمٌ وَإِيمانٌ وَعَدلٌ وَرَأفَةٌ / وَنُسكٌ وَرَهبانِيَّةٌ وَجَمالُ
تَزاحَمَ أَهلُ العِلمِ وَالطالِبُو النَدى / لَدَيهِ لِكُلٍّ في هَواهُ سُؤالُ
فَلِلطّالِبي الفَتوى بَيانٌ مُعَلَّلٌ / كَذاكَ لِطُلّابِ النَوالِ نَوالُ
فِدىً لَكَ يا تاجَ المُلوكِ مَعاشِرٌ / سِيادَتُهُم لِلمُسلِمينَ وَبالُ
لَهُم عَن فِعالِ الخَيرِ أَيدٍ قَصيرَةٌ / وَلَكِنَّها في المُخزِياتِ طِوالُ
فَدُونكَ عِقداً صاغَهُ الفِكرُ مِن فَتىً / يَرى أَنَّ مَدحاً في سِواكَ خَبالُ
وَلَستُ بِمُهدٍ لِلرِجالِ مَدائِحي / وَإِن قَلَّ مالٌ أَو تَغَيَّرَ حالُ
وَلَكِنَّ نُعمى حَرَّكَتني وَصُحبَةٌ / وَوُدٌّ وَهَذا لِلكِرامِ صِقالُ
فَلا ظَفِرَت مِنكَ الأَعادي بِغِرَّةٍ / وَلا زِلتَ تَغزُو أَرضَها فَتُدالُ
وَجُزتَ المَدى يابا شُجاعٍ وَلا عَدَت / فِناءَكَ مِن بَعدِ الرِجالِ رِحالُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ
حُطُّوا الرِحالَ فَقَد أَودى بِها الرَحلُ / ما كُلِّفَت سَيرَها خَيلٌ وَلا إِبلُ
بَلَغتُمُ الغايَةَ القُصوى فَحَسبُكُمُ / هَذا الَّذي بِعُلاهُ يُضرَبُ المَثَلُ
هَذا هُوَ المَلكُ بَدرُ الدِينِ خَيرُ فَتىً / بِهِ تَعَلَّقَ لِلرّاجي الغِنى أَمَلُ
هَذا الَّذي لَو يُباري فَيضَ راحَتِهِ / فَيضُ البِحارِ لما أَضحى لَها بَلَلُ
هَذا الَّذي لَو لِلَيثِ الغابِ نَجدَتُهُ / ما حَلَّ إِلّا بِحَيثُ الشِيحُ وَالنَفَلُ
هَذا الَّذي بِالنَدى وَالبَأسِ يَعرِفُهُ / وَبِالتُقى كُلُّ مَن يَحفى وَيَنتَعِلُ
هَذا الهُمامُ الَّذي أَقصى مَطالِبِهِ / ما لا يُحدُّ وَأَدنى هَمِّهِ زُحَلُ
الناسُ كُلُّهُمُ هَذا وَلا عَجَبٌ / الخَلقُ أَفضَلُ مِنهُم كُلِّهِم رَجُلُ
اللَهُ أَكبَرُ جاءَ الدَهرُ مُعتَذِراً / إِلَيَّ يَسأَلُني العُتبى وَيَبتَهِلُ
وَقَبلُ كَم سامَني خَسفاً وَألزَمَني / ما لَيسَ لِي ناقَةٌ فيه وَلا جَمَلُ
فَآهِ يا دَهرُ هَلّا كانَ عُذرُكَ ذا / وَلَم يَغِب عَن عَياني الجشُّ وَالجَبَلُ
الشُكرُ في ذا لِمولىً أَنتَ لا كَذِباً / عَبدٌ لَهُ كُلُّ مَن يَهواهُ يَمتَثِلُ
وَكُلُّ مَن فَوقَ ظَهرِ الأَرضِ مِن مَلِكٍ / وَسَوقَةٍ فَلِسامي مَجدِهِ خَوَلُ
أَبو الفَضائِلِ أَولى الناسِ كُلِّهِمُ / بِما يُكَنّى بِهِ فَليُترَكِ الجَدَلُ
الخَيلُ تَعرِفُ يَومَ الرَوعِ صَولَتَهُ / بِحَيثُ في مُلتَقاها يَبطُلُ البَطَلُ
كَم فارِسٍ تَحتَ ظِلِّ النَقعِ غادَرَهُ / بِضَربَةٍ لَم يَشِن أُخدُودَها فَشَلُ
تَخالُهُ أَحوالاً مِمّا بِهامَتِهِ / وَقَبلُ لا حَولٌ فيهِ وَلا قَبَلُ
يَقُولُ حينَ يَشُقُّ السَيفُ هامَتَهُ / لِزَوجَتي وَلأُمّي الوَيلُ وَالهَبَلُ
وَيَستَديرُ وَيَهذي في اِستِدارَتِهِ / حَتّى يُخالُ بِهِ مِن قَبلِها تُؤَلُ
وَالنَسرُ في الجَوِّ ما يَألُو يَقُولُ لَهُ / لِكُلِّ نَفسٍ وَإِن طالَ المَدى أَجَلُ
وَكَم لَهُ ضربَةٍ يَقضي المُصابُ بِها / وَالنَصلُ يَعمَلُ فيهِ قَبلَ يَنفَصِلُ
مَحضُ الضَريبَةِ مَيمُونُ النَقِيبَةِ طَع / عان الكَتيبَةِ لا غَمرٌ وَلا وَكِلُ
كَهلُ الشَبيبَةِ نَهّابُ الحَريبَةِ وَه / هاب الرَغيبَةِ هَشٌّ بِالنَدى عَجِلُ
ماضي العَزيمَةِ عَيّافُ الغَنيمَةِ تَر / راكَ الجَريمَةِ نِكلٌ لِلعِدى نَكِلُ
أَرسى قَواعِدَ مُلكٍ لَو يُدَبِّرُهُ / كِسرى وَإِسكَندَرٌ أَعيَتهُمُ الحِيَلُ
مِن بَعدِ أَن قِيلَ ضاعَ المُلكُ وَاِنفَصَمَت / مِنهُ العُرى وَاِستوى الرِئبالُ وَالوَرلُ
وَقالَ قَومٌ تَوَلّى المُلكَ مُنصَرِفاً / عَن أَهلِهِ وَكَذا الدُولاتُ تَنتَقِلُ
تَبّاً لِحَدسٍ سَما كُلَّ التَبابِ وَلا / زالَت عُقولُهُمُ يَعتادُها الخَبَلُ
أَما دَرَوا أَنَّ بَدرَ الدِّينِ لَو رُدِيَت / بِهِ الشَواهِقُ لَم يَعقِل بِها وَعَلُ
وَكَيفَ يُخشى عَلى مَلكٍ وَقَد ضُرِبَت / لِمَجدِهِ في ذُراهُ الخيمُ وَالكِلَلُ
مَلكٌ تَحَمَّلَ ما لا يَستَطيعُ لَهُ / حَملاً ثَبيرٌ وَثَهلانٌ فَيَحتَملُ
جَوادُهُ بارِقٌ وَالعَزمُ صاعِقَةٌ / وَسَيفُهُ قَدرٌ في لَحظِهِ أَجَلُ
غَدا بِهِ المُلكُ بِالجَوزاءِ مَنتَطِقاً / وَراحَ وَهوَ بِظَهرِ الحُوتِ مُنتَعِلُ
إِذا شُمُوسُ مَواضيهِ طَلَعنَ فَما / لَهُنَّ إِلّا بِهاماتِ العِدى أَفَلُ
وَإِن نُجومُ عَوالِيهِ لَمَعنَ فَما / يَغِبنَ إِلّا بِحَيثُ الغِشُّ وَالدَغَلُ
مِقدامُ مَعرَكَةٍ كَشّافُ تَهلُكَةٍ / طَلّابُ مَملَكَةٍ تَسمُو بِها الدُوَلُ
وَيَوم نَحسٍ يُواري الشَمسَ عِثيَرُهُ / حَتّى يُخالُ الضُحى قَد غالَهُ الأُصُلُ
كَأَنَّما البِيضُ راحَت وَهيَ مُصلَتَةٌ / فِيهِ بَوارِقُ غَيثٍ رَعدُهُ زَجَلُ
وَالسُمرُ قَد جَعَلَت تَحكي أَسِنَّتَها / كَواكِبَ القَذفِ وَالفُرسانُ تَنتَصِلُ
وَالنَبلُ في الجَوِّ تَحكي لِلمُشَبِّهِهِ ال / كبرِيتَ في رُوسِهِ النِيرانُ تَشتَعِلُ
سَما لَهُ مِشيَةَ الرِئبالِ لا خَوَرٌ / يَشِينُهُ في تَهادِيهِ وَلا كَسَلُ
بِصارِمٍ لَو عَلا ضَرباً بِهِ حَضناً / لَقِيلَ كانَ قَديماً ها هُنا جَبَلُ
إِذا بَدا ضاحِكاً في يَومِ مَعرَكَةٍ / بِكَفِّهِ بَكَتِ الأَعناقُ وَالقُلَلُ
فَصَكَّ هامَ العِدى صَكّاً بِهِ مُقَلٌ / قَرَّت لِأَن سَخِنَت مِن وَقعِهِ مُقَلُ
طَودٌ إِذا لَم يَكُن في الحِلمِ مَفسَدَةٌ / وَإِن يُهَج فَالسَبنتى ظَلَّ يَأتَكِلُ
بَحرٌ يُواري الرُبى وَالقُورَ مُزبدُهُ / وَإِنَّما البَحرُ تَشبيهاً بِهِ وَشَلُ
إِن عُدَّ جُودٌ فَمَن كَعبٌ وَمَن هَرِمٌ / أَو عُدَّ مَجدٌ فَمَن حصنٌ وَمَن حَمَلُ
يا عاذِلاً لامَهُ في البَذلِ دَعهُ وَسِر / مَن يَعشَقِ الجُودَ لَم يَعلَق بِهِ العَذَلُ
وَلا تُفَنِّد كَريماً عَن سَجِيَّتِهِ / حُسنُ السَجِيّاتِ مِن رَبِّ العُلى نِحَلُ
طابَت بِهِ المَوصِلُ الحَدباءُ وَاِتَّسَعَت / لِساكِنِيها بِها الأَرزاقُ وَالسُبُلُ
وَأَصبَحَت جَنَّةً لا يَبتَغي حِوَلا / قُطّانُها لَو إِلى دارِ البَقا نُقِلُوا
وَحَسبُهُ مَفخَراً أَنَّ الإِمامَ بِهِ / بَرٌّ وَأَنَّ لَدَيهِ شَأنَهُ جَلَلُ
إِمامُنا الناصِرُ الهادي فَما اِختَلَفَت / فِيهِ العِبادُ وَما جاءَت بِهِ الرُسُلُ
خَليفَةٌ قَسَماً لَولا مَحَبَّتُهُ / لَما تُقُبِّلَ مِن ذي طاعَةٍ عَمَلُ
هُوَ الَّذي اِفتَرَضَ الرَحمَنُ طاعَتُهُ / وَمن سِواهُ فَلا فَرضٌ وَلا نَفَلُ
فَعاشَ ما شاءَ لا ما شاءَ حاسِدُهُ / في دَولَةٍ نَجمُها بِالسَعدِ مُتَّصِلُ
يا أَيُّها المَلِكُ المُغني بِنائِلِهِ / إِذا المُلوكُ بِأَدنى نائِلٍ بَخِلُوا
إِلَيكَ مِن بَلَدِ البَحرَينِ أَنهَضَني / هَمٌّ لَهُ أَنفُسُ الأَشرافِ تُبتَذَلُ
كَم جُبتُ دُونكَ مِن مَجهُولَةٍ قَذَفٍ / تِيهٍ قَليلٌ بِها حلٌّ وَمُرتَحَلُ
وَمُزبِدٍ لا يَلَذُّ النَومُ راكِبَهُ / لَهُ إِذا اِضطَرَبَت أَمواجُهُ زَجَلُ
وَحُسنُ ظَنّي وَما يُثنى عَلَيكَ بِهِ / أَجاءَني وَالزَمانُ المُفسِدُ الخَبِلُ
شَهرٌ وَشَهرٌ وَشَهرٌ بَعدَ أَربَعَةٍ / لِلمَوجِ وَاليَعمُلاتِ القُودِ بِي عَمَلُ
أَقَلُّها راحَةٌ في غَيرِ مَنفَعَةٍ / وَراحَةٌ لا يُرَجّي نَفعها شُغلُ
وَكَم تَخطَّأتُ في قَصدِيكَ مِن مَلِكٍ / لِي عِندَه لَو أَرَدتُ النَهلُ وَالعَلَلُ
أَفنَيتُ زادي وَمَركوبي وَشيَّبَني / عَلى عُتُوِّ جَناني الخَوفُ وَالوَجَلُ
وَقَد بَلَغتُ الجَنابَ الرَحبَ بَعدَ وَجَىً / وَلَيسَ إِلّا عَلى عَلياكَ مُتَّكَلٌ
بَقيتَ في عِزَّةٍ قَعساءَ نائِيَةٍ / عَن الحَوادِثِ مَقرُوناً بِها الجَذَلُ
وَعاشَ حاسِدُكَ الأَشقى أَخا مَضضِ / وَماتَ في الجِلدِ مِنهُ ذَلِكَ النَغَلُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025