القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عَنْتَرة بن شَدّاد الكل
المجموع : 18
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ
طالَ الثَواءُ عَلى رُسومِ المَنزِلِ / بَينَ اللَكيكِ وَبَينَ ذاتِ الحَرمَلِ
فَوَقَفتُ في عَرَصاتِها مُتَحَيِّراً / أَسلُ الدِيارَ كَفِعلِ مَن لَم يَذهَلِ
لَعِبَت بِها الأَنواءُ بَعدَ أَنيسِها / وَالرامِساتُ وَكُلُّ جَونٍ مُسبَلِ
أَفَمِن بُكاءِ حَمامَةً في أَيكَةٍ / ذَرَفَت دُموعَكَ فَوقَ ظَهرِ المَحمِلِ
كَالدُرِّ أَو فَضَضِ الجُمانِ تَقَطَّعَت / مِنهُ عَقائِدُ سِلكِهِ لَم يوصَلِ
لَمّا سَمِعتُ دُعاءَ مُرَّةَ إِذ دَعا / وَدُعاءَ عَبسٍ في الوَغى وَمُحَلِّلِ
نادَيتُ عَبساً فَاِستَجابوا بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ لَم يَنجَلِ
حَتّى اِستَباحوا آلَ عَوفٍ عَنوَةً / بِالمَشرَفِيِّ وَبِالوَشيجِ الذُبَّلِ
إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِباً / شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ
إِن يُلحَقوا أَكرُر وَإِن يُستَلحَموا / أَشدُد وَإِن يُلفَوا بِضَنكٍ أَنزِلِ
حينَ النُزولُ يَكونُ غايَةَ مِثلِنا / وَيَفِرُّ كُلَّ مُضَلَّلٍ مُستَوهِلِ
وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ / حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ
وَإِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت / أُلفيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ
وَالخَيلُ تَعلَمُ وَالفَوارِسُ أَنَّني / فَرَّقتُ جَمعَهُمُ بِطَعنَةِ فَيصَلِ
إِذ لا أُبادِرُ في المَضيقِ فَوارِسي / وَلا أُوَكِّلُ بِالرَعيلِ الأَوَّلِ
وَلَقَد غَدَوتُ أَمامَ رايَةِ غالِبٍ / يَومَ الهَياجِ وَما غَدَوتُ بِأَعزَلِ
بَكَرَت تُخَوِّفني الحُتوفَ كَأَنَّني / أَصبَحتُ عَن غَرَضِ الحُتوفِ بِمَعزِلِ
فَأَجَبتُها إِنَّ المَنِيَّةَ مَنهَلٌ / لا بُدَّ أَن أُسقى بِكَأسِ المَنهَلِ
فَاِقِني حَياءَكِ لا أَبا لَكِ وَاِعلَمي / أَنّي اِمرُؤٌ سَأَموتُ إِن لَم أُقتَلِ
إِنَّ المَنِيَّةَ لَو تُمَثَّلُ مُثِّلَت / مِثلي إِذا نَزَلوا بِضَنكِ المَنزِلِ
وَالخَيلُ ساهِمَةُ الوُجوهِ كَأَنَّما / تُسقى فَوارِسُها نَقيعَ الحَنظَلِ
إِذا حُمِلتُ عَلى الكَريهَةِ لَم أَقُل / بَعدَ الكَريهَةِ لَيتَني لَم أَفعَلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ
عَجِبَت عُبَيلَةُ مِن فَتىً مُتَبَذِّلِ / عاري الأَشاجِعِ شاحِبٍ كَالمُنصُلِ
شَعثِ المَفارِقِ مُنهَجٍ سِربالُهُ / لَم يَدَّهِن حَولاً وَلَم يَتَرَجَّلِ
لا يَكتَسي إِلّا الحَديدَ إِذا اِكتَسى / وَكَذاكَ كُلُّ مُغاوِرٍ مُستَبسِلِ
قَد طالَما لَبِسَ الحَديدَ فَإِنَّما / صَدَأُ الحَديدِ بِجِلدِهِ لَم يُغسَلِ
فَتَضاحَكَت عَجَباً وَقالَت يا فَتى / لا خَيرَ فيكَ كَأَنَّها لَم تَحفِلِ
فَعَجِبتُ مِنها حينَ زَلَّت عَينُها / عَن ماجِدٍ طَلقِ اليَدَينِ شَمَردَلِ
لا تَصرِميني يا عُبَيلَ وَراجِعي / فِيَّ البَصيرَةَ نَظرَةَ المُتَأَمِّلِ
فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي / وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي
وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ / مِن وُدِّها وَأَنا رَخِيَّ المِطوَلِ
يا عَبلَ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُها / بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي
فيها لَوامِعُ لَو شَهِدتِ زُهائَها / لَسَلَوتِ بَعدَ تَخَضُّبٍ وَتَكَحُّلِ
إِمّا تَرَيني قَد نَحَلتُ وَمَن يَكُن / غَرَضاً لِأَطرافِ الأَسِنَّةِ يَنحَلِ
فَلَرُبَّ أَبلَجَ مِثلِ بَعلِكِ بادِنٍ / ضَخمٍ عَلى ظَهرِ الجَوادِ مُهَيَّلِ
غادَرتُهُ مُتَعَفِّراً أَوصالُهُ / وَالقَومُ بَينَ مُجَرَّحٍ وَمُجَدَّلِ
فيهُم أَخو ثِقَةٍ يُضارِبُ نازِلاً / بِالمَشرَفِيِّ وَفارِسٌ لَم يَنزِلِ
وَرِماحُنا تَكِفُ النَجيعَ صُدورُها / وَسُيوفُنا تَخلي الرِقابَ فَتَختَلي
وَالهامُ تَندُرُ بِالصَعيدِ كَأَنَّما / تُلقي السُيوفُ بِها رُؤوسَ الحَنظَلِ
وَلَقَد لَقيتُ المَوتَ يَومَ لَقيتُهُ / مُتَسَربِلاً وَالسَيفُ لَم يَتَسَربَلِ
فَرَأَيتُنا ما بَينَنا مِن حاجِزٍ / إِلّا المِجَنَّ وَنَصلُ أَبيَضَ مِفصَلِ
ذَكَرٍ أَشُقُّ بِهِ الجَماجِمَ في الوَغى / وَأَقولُ لا تُقطَع يَمينُ الصَيقَلِ
وَلَرُبَّ مُشعِلَةٍ وَزَعتُ رِعالَها / بِمُقَلَّصٍ نَهدِ المَراكِلِ هَيكَلِ
سَلِسِ المُعَذَّرِ لاحِقٍ أَقرابُهُ / مُتَقَلِّبٍ عَبَثاً بِفَأسِ المِسحَلِ
نَهدِ القَطاةِ كَأَنَّها مِن صَخرَةٍ / مَلساءَ يَغشاها المَسيلُ بِمَحفَلِ
وَكَأَنَّ هادِيَهُ إِذا اِستَقبَلتَهُ / جِذعٌ أُذِلَّ وَكانَ غَيرَ مُذَلَّلِ
وَكَأَنَّ مَخرَجَ رَوحِهِ في وَجهِهِ / سَرَبانِ كانا مَولِجَينِ لِجَيأَلِ
وَكَأَنَّ مَتنَيهِ إِذا جَرَّدتَهُ / وَنَزَعتَ عَنهُ الجُلَّ مَتنا إِيِّلِ
وَلَهُ حَوافِرُ موثَقٌ تَركيبُها / صُمُّ النُسورِ كَأَنَّها مِن جَندَلِ
وَلَهُ عَسيبٌ ذو سَبيبٍ سابِغٍ / مِثلِ الرِداءِ عَلى الغَنِيِّ المُفضِلِ
سَلِسُ العِنانِ إِلى القِتالِ فَعَينُهُ / قَبلاءُ شاخِصَةٌ كَعَينِ الأَحوَلِ
وَكَأَنَّ مِشيَتَهُ إِذا نَهنَهتُهُ / بِالنَكلِ مِشيَةُ شارِبٍ مُستَعجِلِ
فَعَلَيهِ أَقتَحِمُ الهِياجَ تَقَحُّماً / فيها وَأَنقَضُّ اِنقِضاضَ الأَجدَلِ
دُموعٌ في الخُدودِ لَها مَسيلُ
دُموعٌ في الخُدودِ لَها مَسيلُ / وَعَينٌ نَومُها أَبَداً قَليلُ
وَصَبٌّ لا يَقَرُّ لَهُ قَرارٌ / وَلا يَسلو وَلَو طالَ الرَحيلُ
فَكَم أُبلى بِإِبعادٍ وَبَينٍ / وَتَشجيني المَنازِلُ وَالطُلولُ
وَكَم أَبكي عَلى إِلفٍ شَجاني / وَما يُغني البُكاءُ وَلا العَويلُ
تَلاقَينا فَما أَطفى التَلاقي / لَهيباً لا وَلا بَرَدَ الغَليلُ
طَلَبتُ مِنَ الزَمانِ صَفاءَ عَيشٍ / وَحَسبُكَ قَدرُ ما يُعطي البَخيلُ
وَها أَنا مَيِّتٌ إِن لَم يُعِنّي / عَلى أَسرِ الهَوى الصَبرُ الجَميلُ
نَفِّسوا كَربي وَداوُوا عِلَلي
نَفِّسوا كَربي وَداوُوا عِلَلي / وَاِبرِزوا لي كُلَّ لَيثٍ بَطَلِ
وَاِنهَلوا مِن حَدِّ سَيفي جُرَعاً / مُرَّةً مِثلَ نَقيعِ الحَنظَلِ
وَإِذا المَوتُ بَدا في جَحفَلٍ / فَدَعوني لِلِقاءِ الجَحفَلِ
يا بَني الأَعجامِ ما بالُكُم / عَن قِتالي كُلُّكُم في شُغُلِ
أَينَ مَن كانَ لِقَتلي طالِباً / رامَ يَسقيني شَرابَ الأَجَلِ
أَبرِزوهُ وَاِنظُروا ما يَلتَقي / مِن سِناني تَحتَ ظِلِّ القَسطَلِ
قَسَماً يا عَبلَ يا أُختَ المَها / بِثَناياكِ العِذابِ القُبَلِ
وَبِعَينَيكِ وَما قَد ضَمِنَت / مِن دَواهي سِحرِها وَالكَحَلِ
إِنَّني لَولا خَيالٌ طارِقٌ / مِنكِ ما ذُقتُ هُجوعَ المُقَلِ
أَتُرى تُنبيكِ أَرواحُ الصَبا / بِاِشتِياقي نَحوَ ذاكَ المَنزِلِ
فَسَقى اللَهُ لَياليكِ الَّتي / سَلَفَت صَوبَ السَحابِ الهَطِلِ
إِذا ريحُ الصَبا هَبَّت أَصيلا
إِذا ريحُ الصَبا هَبَّت أَصيلا / شَفَت بِهُبوبِها قَلباً عَليلا
وَجاءَتني تُخَبِّرُ أَنَّ قَومي / بِمَن أَهواهُ قَد جَدّوا الرَحيلا
وَما حَنّوا عَلى مَن خَلَّفوهُ / بِوادي الرَملِ مُنطَرِحاً جَديلا
يَحِنُّ صَبابَةً وَيَهيمُ وَجداً / إِلَيهِمُ كُلَّما ساقوا الحُمولا
أَلا يا عَبلَ إِن خانوا عُهودي / وَكانَ أَبوكِ لا يَرعى الجَميلا
حَمَلتُ الضَيمَ وَالهِجرانَ جُهدي / عَلى رَغمي وَخالَفتُ العَذولا
عَرَكتُ نَوائِبَ الأَيّامِ حَتّى / رَأَيتُ كَثيرَها عِندي قَليلا
وَعاداني غُرابُ البَينِ حَتّى / كَأَنّي قَد قَتَلتُ لَهُ قَتيلا
وَقَد غَنّى عَلى الأَغصانِ طَيرٌ / بِصَوتِ حَنينِهِ يَشفي الغَليلا
بَكى فَأَعَرتُهُ أَجفانَ عَيني / وَناحَ فَزادَ إِعوالي عَويلا
فَقُلتُ لَهُ جَرَحتَ صَميمَ قَلبي / وَأَبدى نَوحُكَ الداءَ الدَخيلا
وَما أَبقَيتَ في جَفني دُموعاً / وَلا جِسماً أَعيشُ بِهِ نَحيلا
وَلا أَبقى لِيَ الهِجرانُ صَبراً / لِكَي أَلقى المَنازِلَ وَالطُلولا
أَلِفتُ السُقمَ حَتّى صارَ جِسمي / إِذا فَقَدَ الضَنى أَمسى عَليلا
وَلَو أَنّي كَشَفتُ الدَرعَ عَنّي / رَأَيتَ وَرائَهُ رَسماً مُحيلا
وَفي الرَسمِ المُحيلِ حُسامُ نَفسٍ / يُقَلِّلُ حَدُّهُ السَيفَ الصَقيلا
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ
تَمشي النَعامُ بِهِ خَلاءً حَولَهُ / مَشيَ النَصارى حَولَ بَيتِ الهَيكَلِ
اِحذَر مَحَلَّ السَوءِ لا تَحلُل بِهِ / وَإِذا نَبا بِكَ مَنزِلٌ فَتَحَوَّلِ
تَكفي خَصاصَةَ بَيتِنا أَرماحُنا / شالَت نَعامَةُ أَيِّنا لَم يَفعَلِ
لِمَن طَلَلٌ بِوادي الرَملِ بالي
لِمَن طَلَلٌ بِوادي الرَملِ بالي / مَحَت آثارَهُ ريحُ الشَمالِ
وَقَفتُ بِهِ وَدَمعي مِن جُفوني / يَفيضُ عَلى مَغانيهِ الخَوالي
أُسائِلُ عَن فَتاةِ بَني قُرادٍ / وَعَن أَترابِها ذاتِ الجَمالِ
وَكَيفَ يُجيبُني رَسمٌ مُحيلٌ / بَعيدٌ لا يُرَدُّ عَلى سُؤالي
إِذا صاحَ الغُرابُ بِهِ شَجاني / وَأَجرى أَدمُعي مِثلَ اللَآلي
وَأَخبَرَني بِأَصنافِ الرَزايا / وَبِالهُجرانِ مِن بَعدِ الوِصالِ
غُرابَ البَينِ ما لَكَ كُلَّ يَومٍ / تُعانِدُني وَقَد أَشغَلتَ بالي
كَأَنّي قَد ذَبَحتُ بِحَدِّ سَيفي / فِراخَكَ أَو قَنَصتُكَ بِالحِبالِ
بِحَقِّ أَبيكَ داوي جُرحَ قَلبي / وَرَوِّح نارَ سِرّي بِالمَقالِ
وَخَبِّر عَن عُبَيلَةَ أَينَ حَلَّت / وَما فَعَلَت بِها أَيدي اللَيالي
فَقَلبي هائِمٌ في كُلِّ أَرضٍ / يُقَبِّلُ إِثرَ أَخفافِ الجِمالِ
وَجِسمي في جِبالِ الرَملِ مَلقىً / خَيالٌ يَرتَجي طَيفَ الخَيالِ
وَفي الوادي عَلى الأَغصانِ طَيرٌ / يَنوحُ وَنَوحُهُ في الجَوِّ عالي
فَقُلتُ لَهُ وَقَد أَبدى نَحيباً / دَعِ الشَكوى فَحالُكَ غَيرُ حالي
أَنا دَمعي يَفيضُ وَأَنتَ باكٍ / بِلا دَمعٍ فَذاكَ بُكاءُ سالي
لَحى اللَهُ الفِراقَ وَلا رَعاهُ / فَكَم قَد شَكَّ قَلبي بِالنِبالِ
أُقاتِلُ كُلَّ جَبّارٍ عَنيدٍ / وَيَقتُلني الفِراقُ بِلا قِتالِ
عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ
عَذابُكَ يا اِبنَةَ الساداتِ سَهلُ / وَجورُ أَبيكِ إِنصافٌ وَعَدلُ
فَجوروا وَاِطلُبوا قَتلي وَظُلمي / وَتَعذيبي فَإِنّي لا أَمَلُّ
وَلا أَسلو وَلا أَشفي الأَعادي / فَساداتي لَهُم فَخرٌ وَفَضلُ
أُناسٌ أَنزَلونا في مَكانٍ / مِنَ العَلياءِ فَوقَ النَجمِ يَعلو
إِذا جاروا عَدَلنا في هَواهُم / وَإِن عَزّوا لِعِزِّتِهِم نَذِلُّ
وَكَيفَ يَكونُ لي عَزمٌ وَجِسمي / تَراهُ قَد بَقي مِنهُ الأَقَلُّ
فَيا طَيرَ الأَراكِ بِحَقِّ رَبٍّ / بَراكَ عَساكَ تَعلَمُ أَينَ حَلّوا
وَتُطلِقُ عاشِقاً مِن أَسرِ قَومٍ / لَهُ في حُبِّهِم أُسُرٌ وَغُلُّ
يُنادوني وَخَيلُ المَوتِ تَجري / مَحَلُّكَ لا يُعادِلُهُ مَحَلُّ
وَقَد أَمسَوا يَعيبوني بِأُمّي / وَلَوني كُلَّما عَقَدوا وَحَلّوا
لَقَد هانَت صُروفُ الدَهرِ عِندي / وَهانَت أَهلُهُ عِندي وَقَلّوا
وَلي في كُلِّ مَعرَكَةٍ حَديثٌ / إِذا سَمِعَت بِهِ الأَبطالُ ذَلّوا
قَطَعتُ رِقابَهُم وَأَسَرتُ مِنهُم / وَهُم في عُظمِ جَمعِهِمِ اِستَقَلّوا
وَأَحصَنتُ النِساءَ بِحَدِّ سَيفي / وَأَعدائي لِعُظمِ الخَوفِ فَلّوا
أُثيرُ عَجاجَها وَالخَيلُ تَجري / ثِقالاً بِالفَوارِسِ لا تَمَلُّ
وَأَرجِعُ وَهيَ قَد وَلَّت خِفافاً / مُحَيَّرَةً مِنَ الشَكوى تَكِلُّ
وَأَرضى بِالإِهانَةِ مَع أُناسٍ / أُراعيهِم وَلَو قَتلي أَحَلّوا
وَأَصبُرُ لِلحَبيبِ وَإِن جَفاني / وَلَم أَترُك هَواهُ وَلَستُ أَسلو
عَسى الأَيّامُ تُنعِمُ لي بِقُربٍ / وَبَعدَ الهَجرِ مُرُّ العَيشِ يَحلو
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ
عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ / ريحُ الصَبا وَتَقَلُّبُ الأَحوالِ
وَعَفا مَغانِيَها وَأَخلَقَ رَسمَها / تَردادُ وَكفِ العارِضِ الهَطّالِ
فَلَئِن صَرَمتِ الحَبلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَسَمِعتِ فِيَّ مَقالَةَ العُذّالِ
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي / عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا في جاحِمٍ / تَهفو بِهِ وَيَجُلنَ كُلَّ مَجالِ
وَأَنا المُجَرَّبُ في المَواقِفِ كُلِّها / مِن آلِ عَبسٍ مَنصِبي وَفَعالي
مِنهُم أَبي شَدّادُ أَكرَمُ والِدٍ / وَالأُمُّ مِن حَلمٍ فَهُم أَخوالي
وَأَنا المَنِيَّةُ حينَ تَشتَجِرُ القَنا / وَالطَعنُ مِنّي سابِقُ الآجالِ
وَلَرُبَّ قِرنٍ قَد تَرَكتُ مُجَدَّلاً / وَلَبانُهُ كَنَواضِحِ الجِريالِ
تَنتابُهُ طُلسُ السِباعِ مُغادَراً / في قَفرَةٍ مُتَمَزِّقِ الأَوصالِ
وَلَرُبَّ خَيلٍ قَد وَزَعتُ رَعيلَها / بِأَقَبَّ لا ضِغنٍ وَلا مِجفالِ
وَمُسَربَلٍ حَلَقَ الحَديدِ مُدَجَّجٍ / كَاللَيثِ بَينَ عَرينَةِ الأَشبالِ
غادَرتُهُ لِلجَنبِ غَيرَ مُوَسَّدٍ / مُتَثَنِّيَ الأَوصالِ عِندَ مَجالِ
وَلَرُبَّ شَربٍ قَد صَبَحتُ مَدامَةً / لَيسوا بِأَنكاسٍ وَلا أَوغالِ
وَكَواعِبٍ مِثلِ الدُمى أَصبَيتُها / يَنظُرنَ في خَفرٍ وَحُسنِ دَلالِ
فَسَلي بَني عَكٍّ وَخَثعَمَ تُخبَري / وَسَلي المُلوكَ وَطَيِّئَ الأَجبالِ
وَسَلي عَشائِرَ ضَبَّةٍ إِذ أَسلَمَت / بَكرٌ حَلائِلَها وَرَهطَ عِقالِ
وَبَني صَباحٍ قَد تَرَكنا مِنهُمُ / جَزَراً بِذاتِ الرِمثِ فَوقَ أُثالِ
زَيداً وَسوداً وَالمُقَطَّعَ أَقصَدَت / أَرماحُنا وَمُجاشِعَ بنَ هِلالِ
رُعناهُمُ بِالخَيلِ تَردي بِالقَنا / وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ فَصّالِ
مَن مِثلُ قَومي حينَ يَختَلِفُ القَنا / وَإِذا تَزِلُّ قَوائِمُ الأَبطالِ
يَحمِلنَ كُلَّ عَزيزِ نَفسٍ باسِلٍ / صَدقِ اللِقاءِ مُجَرَّبِ الأَهوالِ
فَفِدىً لِقَومي عِندَ كُلِّ عَظيمَةٍ / نَفسي وَراحِلَتي وَسائِرُ مالي
قَومي صَمامِ لِمَن أَرادوا ضَيمَهُم / وَالقاهِرونَ لِكُلِّ أَغلَبَ صالي
وَالمُطعِمونَ وَما عَلَيهِم نِعمَةٌ / وَالأَكرَمونَ أَباً وَمَحتِدَ خالِ
نَحنُ الحَصى عَدَداً وَنَحسَبُ قَومَنا / وَرِجالَنا في الحَربِ غَيرِ رِجالِ
مِنّا المُعينُ عَلى النَدى بِفَعالِهِ / وَالبَذلِ في اللَزَباتِ بِالأَموالِ
إِنّا إِذا حَمِسَ الوَغى نُروي القَنا / وَنَعِفُّ عِندَ تَقاسُمِ الأَنفالِ
نَأتي الصَريخَ عَلى جِيادٍ ضُمَّرٍ / خُمصِ البُطونِ كَأَنَّهُنَّ سَعالي
مِن كُلِّ شَوهاءِ اليَدَينِ طِمِرَّةٍ / وَمُقَلَّصٍ عَبلِ الشَوى ذَيّالِ
لا تَأسِيَنَّ عَلى خَليطٍ زايَلوا / بَعدَ الأُلى قُتِلوا بِذي أَغيالِ
كانوا يَشُبّونَ الحُروبَ إِذا خَبَت / قِدماً بِكُلِّ مُهَنَّدٍ فَصّالِ
وَبِكُلِّ مَحبوكِ السَراةِ مُقَلِّصٍ / تَنمو مَناسِبُهُ لِذي العُقّالِ
وَمُعاوِدِ التَكرارِ طالَ مُضِيُّهُ / طَعناً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ عَسّالِ
مِن كُلِّ أَروَعَ لِلكُماةِ مُنازِلٍ / ناجٍ مِنَ الغَمَراتِ كَالرِئبالِ
يُعطي المَئينَ إِلى المَئينَ مُرَزَّأً / حَمّالُ مُفظِعَةٍ مِنَ الأَثقالِ
وَإِذا الأُمورُ تَحَوَّلَت أَلفَيتَهُم / عِصَمَ الهَوالِكِ ساعَةَ الزِلزالِ
وَهُمُ الحُماةُ إِذا النِساءُ تَحَسَّرَت / يَومَ الحِفاظِ وَكانَ يَومُ نَزالِ
يُقصونَ ذا الأَنفِ الحَمِيِّ وَفيهِمُ / حِلمٌ وَلَيسَ حَرامُهُم بِحَلالِ
المُطعِمونَ إِذا السُنونُ تَتابَعَت / مَحلاً وَضَنَّ سَحابُها بِسِجالِ
لا تَقتَضي الدَينَ إِلّا بِالقَنا الذُبُلِ
لا تَقتَضي الدَينَ إِلّا بِالقَنا الذُبُلِ / وَلا تُحَكِّم سِوى الأَسيافِ في القُلَلِ
وَلا تُجاوِر لِئاماً ذَلَّ جارُهُمُ / وَخَلِّهِم في عِراصِ الدارِ وَاِرتَحِلِ
وَلا تَفِرَّ إِذا ما خُضتُ مَعرَكَةً / فَما يَزيدُ فِرارُ المَرءِ في الأَجَلِ
يا عَبلَ أَنتِ سَوادُ القَلبِ فَاِحتَكِمي / في مُهجَتي وَاِعدِلي يا غايَةَ الأَمَلِ
وَإِن تَرَحَّلتِ عَن عَبسٍ فَلا تَقِفي / في دارِ ذُلٍّ وَلا تُصغي إِلى العَذَلِ
لِأَنَّ أَرضَهُمُ مِن بَعدِ رِحلَتِنا / تَبقى بِلا فارِسٍ يُدعى وَلا بَطَلِ
سَلي فَزارَةَ عَن فِعلي وَقَد نَفَرَت / في جَحفَلٍ حافِلٍ كَالعارِضِ الهَطِلِ
تَهُزُّ سُمرَ القَنا حِقداً عَلَيَّ وَقَد / رَأَت لَهيبَ حُسامي ساطِعَ الشُعَلِ
يُخبِركِ بَدرُ بنُ عَمروٍ أَنَّني بَطَلٌ / أَلقى الجُيوشَ بِقَلبٍ قُدَّ مِن جَبَلِ
قاتَلتُ فُرسانَهُم حَتّى مَضوا فِرَقاً / وَالطَعنُ في إِثرِهِم أَمضى مِنَ الأَجَلِ
وَعادَ بي فَرَسي يَمشي فَتُعثِرُهُ / جَماجِمٌ نُثِرَت بِالبيضِ وَالأَسَلِ
وَقَد أَسَرتُ سَراةَ القَومِ مُقتَدِراً / وَعُدتُ مِن فَرَحي كَالشارِبِ الثَمِلِ
يا بَينُ رَوَّعتَ قَلبي بِالفِراقِ وَما / أَبكي لِفُرقَةِ أَصحابٍ وَلا طَلَلِ
بَل مِن فِراقِ الَّتي في جَفنِها سَقَمٌ / قَد زادَني عِلَلاً مِنهُ عَلى عِلَلي
أُمسي عَلى وَجَلٍ خَوفَ الفِراقِ كَما / تُمسي الأَعادِيُّ مِن سَيفي عَلى وَجَلِ
مَن لي بِرَدِّ الصِبا وَاللَهوِ وَالغَزَلِ / هَيهاتَ ما فاتَ مِن أَيّامِكَ الأُوَلِ
طَوى الجَديدانِ ما قَد كُنتُ أَنشُرُهُ / وَأَنكَرَتني ذَواتُ الأَعيُنِ النُجُلِ
وَما ثَنى الدَهرُ عَزمي عَن مُهاجَمَةٍ / وَخَوضِ مَعمَعَةٍ في السَهلِ وَالجَبَلِ
في الخَيلِ وَالخافِقاتِ السودِ لي شُغلٌ / لَيسَ الصَبابَةُ وَالصَهباءُ مِن شُغلي
لَقَد ثَناني النُهى عَنها وَأَدَّبَني / فَلَستُ أَبكي عَلى رَسمٍ وَلا طَلَلِ
سَلوا جَوادِيَ عَنّي يَومَ يَحمِلُني / هَل فاتَني بَطَلٌ أَو حُلتُ عَن بَطَلِ
وَكَم جُيوشٍ لَقَد فَرَّقتُها فِرَقاً / وَعارِضُ الحَتفِ مِثلُ العارِضِ الهَطِلِ
وَمَوكِبٍ خُضتُ أَعلاهُ وَأَسفَلَهُ / بِالضَربِ وَالطَعنِ بَينَ البيضِ وَالأَسَلِ
ماذا أُريدُ بِقَومٍ يَهدُرونَ دَمي / أَلَستُ أَولاهُمُ بِالقَولِ وَالعَمَلِ
لا يَشرَبُ الخَمرَ إِلّا مَن لَهُ ذِمَمٌ / وَلا يَبيتُ لَهُ جارٌ عَلى وَجَلِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ
حَكِّم سُيوفَكَ في رِقابِ العُذَّلِ / وَإِذا نَزَلتَ بِدارِ ذُلٍّ فَاِرحَلِ
وَإِذا بُليتَ بِظالِمٍ كُن ظالِماً / وَإِذا لَقيتَ ذَوي الجَهالَةِ فَاِجهَلي
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ / خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاِعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها / وَاِقدِم إِذا حَقَّ اللِقا في الأَوَّلِ
وَاِختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ / أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ / حِصنٌ وَلَو شَيَّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزَّةٍ خَيرٌ لَهُ / مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إِن كُنتَ في عَدَدِ العَبيدِ فَهِمَّتي / فَوقَ الثُرَيّا وَالسِماكِ الأَعزَلِ
أَو أَنكَرَت فُرسانُ عَبسٍ نِسبَتي / فَسِنانُ رُمحي وَالحُسامُ يُقِرُّ لي
وَبِذابِلي وَمُهَنَّدي نِلتُ العُلا / لا بِالقَرابَةِ وَالعَديدِ الأَجزَلِ
وَرَمَيتُ مُهري في العَجاجِ فَخاضَهُ / وَالنارُ تَقدَحُ مِن شِفارِ الأَنصُلِ
خاضَ العَجاجَ مُحَجَّلاً حَتّى إِذا / شَهِدَ الوَقيعَةَ عادَ غَيرَ مُحَجَّلِ
وَلَقَد نَكَبتُ بَني حُريقَةَ نَكبَةً / لَمّا طَعَنتُ صَميمَ قَلبِ الأَخيَلِ
وَقَتَلتُ فارِسَهُم رَبيعَةَ عَنوَةً / وَالهَيذُبانَ وَجابِرَ بنَ مُهَلهَلِ
وَاِبنَي رَبيعَةَ وَالحَريشَ وَمالِكاً / وَالزِبرِقانُ غَدا طَريحَ الجَندَلِ
وَأَنا اِبنُ سَوداءِ الجَبينِ كَأَنَّها / ضَبُعٌ تَرَعرَعَ في رُسومِ المَنزِلِ
الساقُ مِنها مِثلُ ساقِ نَعامَةٍ / وَالشَعرُ مِنها مِثلُ حَبِّ الفُلفُلِ
وَالثَغرُ مِن تَحتِ اللِثامِ كَأَنَّهُ / بَرقٌ تَلَألَأَ في الظَلامِ المُسدَلِ
يا نازِلينَ عَلى الحِمى وَدِيارِهِ / هَلّا رَأَيتُم في الدِيارِ تَقَلقُلي
قَد طالَ عِزَّكُم وَذُلّي في الهَوى / وَمِنَ العَجائِبِ عِزَّكُم وَتَذَلَّلي
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ / بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ / وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
فُؤادٌ لَيسَ يَثنيهِ العَذولُ
فُؤادٌ لَيسَ يَثنيهِ العَذولُ / وَعَينٌ نَومُها أَبَداً قَليلُ
عَرَكتُ النائِباتِ فَهانَ عِندي / قَبيحُ فِعالِ دَهري وَالجَميلُ
وَقَد أَوعَدتَني يا عَمروُ يَوماً / بِقَولٍ ما لِصِحَّتِهِ دَليلُ
سَتَعلَمُ أَيُّنا يَبقى طَريحاً / تَخَطَّفُهُ الذَوابِلُ وَالنُصولُ
وَمَن تُسبى حَليلَتُهُ وَتُمسي / مُفَجَّعَةً لَها دَمعٌ يَسيلُ
أَتَذكُرُ عَبلَةً وَتَبيتُ حَيّاً / وَدونَ خِبائِها أَسَدٌ مَهولُ
وَتَطلُبُ أَن تُلاقيني وَسَيفي / يُدَكُّ لِوَقعِهِ الجَبَلُ الثَقيلُ
حارِبيني يا نائِباتِ اللَيالي
حارِبيني يا نائِباتِ اللَيالي / عَن يَميني وَتارَةً عَن شِمالي
وَاِجهَدي في عَداوَتي وَعِنادي / أَنتِ وَاللَهِ لَم تُلِمّي بِبالي
إِنَّ لي هِمَّةً أَشَدَّ مِنَ الصَخ / رِ وَأَقوى مِن راسِياتِ الجِبالِ
وَسِناناً إِذا تَعَسَّفتُ في اللَي / لِ هَداني وَرَدَّني عَن ضَلالي
وَجَواداً ما سارَ إِلّا سَرى البَر / قُ وَراهُ مِنِ اِقتِداحِ النِعالِ
أَدهَمٌ يَصدَعُ الدُجى بِسَوادٍ / بَينَ عَينَيهِ غُرَّةٌ كَالهِلالِ
يَفتَديني بِنَفسِهِ وَأُفَدّي / هِ بِنَفسي يَومَ القِتالِ وَمالي
وَإِذا قامَ سوقُ حَربِ العَوالي / وَتَلَظّى بِالمُرهِفاتِ الصِقالِ
كُنتُ دَلّالَها وَكانَ سِناني / تاجِراً يَشتَري النُفوسَ الغَوالي
يا سِباعَ الفَلا إِذا اِشتَعَلَ الحَر / بُ اِتبَعيني مِنَ القِفارِ الخَوالي
اِتبَعيني تَرَي دِماءَ الأَعادي / سائِلاتٍ بَينَ الرُبى وَالرِمالِ
ثُمَّ عودي مِن بَعدِ ذا وَاِشكُريني / وَاِذكُري ما رَأَيتِهِ مِن فِعالي
وَخُذي مِن جَماجِمِ القَومِ قوتاً / لِبَنيكِ الصِغارِ وَالأَشبالِ
سَلي يا عَبلَ عَمرواً عَن فِعالي
سَلي يا عَبلَ عَمرواً عَن فِعالي / بِأَعداكِ الأُلى طَلَبوا قِتالي
سَليهُم كَيفَ كانَ لَهُم جَوابي / إِذا ما فالَ ظَنُّكِ في مَقالي
أَتَونا في الظَلامِ عَلى جِيادٍ / مُضَمَّرَةِ الخَواصِرِ كَالسَعالي
وَفيهِم كُلُّ جَبّارٍ عَنيدٍ / شَديدِ البَأسِ مَفتولِ السِبالِ
وَلَمّا أَوقَدوا نارَ المَنايا / بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ العَوالي
طَفاها أَسوَدٌ مِن آلِ عَبسٍ / بِأَبيَضَ صارِمٍ حَسَنِ الصِقالِ
إِذا ما سُلَّ سالَ دَماً نَجيعاً / وَيَخرُقُ حَدُّهُ صُمَّ الجِبالِ
وَأَسمَرَ كُلَّما رَفَعَتهُ كَفّي / يَلوحُ سِنانُهُ مِثلَ الهِلالِ
تَراهُ إِذا تَلَوّى في يَميني / تُسابِقُهُ المَنِيَّةُ في شِمالي
ضَمِنتُ لَكَ الضَمانَ ضَمانَ صِدقٍ / وَأَتبَعتُ المَقالَةَ بِالفِعالِ
وَفَرَّقتُ الكَتائِبَ عِندَ ضَربٍ / يَخِرُّ لَهُ صَناديدُ الرِجالِ
وَما وَلّى شُجاعُ الحَربِ إِلّا / وَبَينَ يَدَيهِ شَخصٌ مِن مِثالي
مَلَأتُ الأَرضَ خَوفاً مِن حُسامي / فَباتَ الناسُ في قيلٍ وَقالِ
وَلَو أَخلَفتُ وَعدي فيكِ قالَت / بَنو الأَنذالِ إِنّي عَنكِ سالي
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ
دَع ما مَضى لَكَ في الزَمانِ الأَوَّلِ / وَعَلى الحَقيقَةِ إِن عَزَمتَ فَعَوِّلِ
إِن كُنتَ أَنتَ قَطَعتَ بَرّاً مُقفَراً / وَسَلَكتَهُ تَحتَ الدُجى في جَحفَلِ
فَأَنا سَرَيتُ مَعَ الثُرَيّا مُفرَداً / لا مُؤنِسٌ لي غَيرَ حَدِّ المُنصُلِ
وَالبَدرُ مِن فَوقِ السَحابِ يَسوقُهُ / فَيَسيرُ سَيرَ الراكِبِ المُستَعجِلِ
وَالنَسرُ نَحوَ الغَربِ يَرمي نَفسَهُ / فَيَكادُ يَعثُرُ بِالسِماكِ الأَعزَلِ
وَالغولُ بَينَ يَدَيَّ يَخفى تارَةً / وَيَعودُ يَظهَرُ مِثلَ ضَوءِ المَشعَلِ
بِنَواظِرٍ زُرقٍ وَوَجهٍ أَسوَدٍ / وَأَظافِرٍ يُشبِهنَ حَدَّ المِنجَلِ
وَالجِنُّ تَفرَقُ حَولَ غاباتِ الفَلا / بِهَماهِمٍ وَدَمادِمٍ لَم تَغفَلِ
وَإِذا رَأَت سَيفي تَضِجُّ مَخافَةً / كَضَجيجِ نوقِ الحَيِّ حَولَ المَنزِلِ
تِلكَ اللَيالي لَو يَمُرُّ حَديثُها / بِوَليدِ قَومٍ شابَ قَبلَ المَحمِلِ
فَاكفُف وَدَع عَنكَ الإِطالَةَ وَاِقتَصِر / وَإِذا اِستَطَعتَ اليَومَ شَيئاً فَاِفعَلِ
عِقابُ الهَجرِ أَعقَبَ لي الوِصالا
عِقابُ الهَجرِ أَعقَبَ لي الوِصالا / وَصِدقُ الصَبرِ أَظهَرَ لي المُحالا
وَلَولا حُبُّ عَبلَةَ في فُؤادي / مُقيمٌ ما رَعَيتُ لَهُم جِمالا
عَتَبتُ الدَهرَ كَيفَ يُذِلَّ مِثلي / وَلي عَزمٌ أَقُدُّ بِهِ الجِبالا
أَنا الرَجُلُ الَّذي خُبِّرتَ عَنهُ / وَقَد عايَنتَ مِن خَبري الفِعالا
غَداةَ أَتَت بَنو طَيٍّ وَكَلبٍ / تَهُزُّ بِكَفِّها السُمرَ الطِوالا
بِجَيشٍ كُلَّما لاحَظتُ فيهِ / حَسِبتُ الأَرضَ قَد مُلِأَت رِجالا
وَداسوا أَرضَنا بِمُضَمَّراتٍ / فَكانَ صَهيلُها قيلاً وَقالا
تَوَلَّوا جُفَّلاً مِنّا حَيارى / وَفاتوا الظُعنَ مِنهُم وَالرِحالا
وَما حَمَلَت ذَوُو الأَنسابِ ضَيماً / وَلا سَمِعَت لِداعيها مَقالا
وَما رَدُّ الأَعِنَّةِ غَيرُ عَبدٍ / وَنارُ الحَربِ تَشتَعِلُ اِشتِعالا
بِطَعنٍ تُرعَدُ الأَبطالُ مِنهُ / لِشِدَّتِهِ فَتَجتَنِبُ القِتالا
صَدَمتُ الجَيشَ حَتّى كُلَّ مُهري / وَعُدتُ فَما وَجَدتُ لَهُم ظِلالا
وَراحَت خَيلُهُم مِن وَجهِ سَيفي / خِفافاً بَعدَما كانَت ثِقالا
تَدوسُ عَلى الفَوارِسِ وَهيَ تَعدو / وَقَد أَخَذَت جَماجِمَهُم نِعالا
وَكَم بَطَلٍ تَرَكتُ بِها طَريحاً / يُحَرِّكُ بَعدَ يُمناهُ الشِمالا
وَخَلَّصتُ العَذارى وَالغَواني / وَما أَبقَيتُ مَع أَحَدٍ عِقالا
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا
يا صاحِبي لا تَبكِ رَبعاً قَد خَلا / وَدَعِ المَنازِلَ تَشتَكي طولَ البِلى
وَاِشكو إِلى حَدِّ الحُسامِ فَإِنَّهُ / أَمضى إِذا حَقَّ اللِقاءُ وَأَفضَلا
مِن أَينَ تَدري الدارُ أَنَّكَ عاشِقٌ / أَو عِندَها خَبَرٌ بِأَنَّكَ مُبتَلى
وَاللَهِ ما يُمضي رَسولاً صادِقاً / إِلّا السِنانُ إِذا الخَليلُ تَبَدَّلا
وَلَقَد عَرَكتُ الدَهرَ حَتّى إِنَّهُ / لَو لَم يَذُق مِنّي المَرارَةَ ما حَلا
وَكَذا سِباعُ البَرِّ لَولا شَرُّها / دارَت بِها في الغابِ غِربانُ الفَلا
فَتَحَمَّلا يا صاحِبَيَّ رِسالَتي / إِن كُنتُما عَن أَرضِ عَبسٍ تَعدِلا
قولا لِقَيسٍ وَالرَبيعِ بِأَنَّني / خَطُّ المَشيبِ عَلى شَبابي ما عَلا
بَل لَو صَدَمتُ بِهِمَّتي جَبَلي حَرى / قَسَماً وَحَقِّ أَبي قُبَيسَ تَزَلزَلا
لَو لَم تَكُن يا قَيسُ غَرَّكَ جاهِلٌ / ما سُقتَ نَحوَ دِيارِ عَنتَرَ جَحفَلا
وَاللَهِ لَو شاهَدتَهُ وَرَأَيتَهُ / ما كانَ آخِرُهُ يُلاقي الأَوَّلا
يا قَيسُ أَنتَ تَعُدُّ نَفسَكَ سَيِّداً / وَأَبوكَ أَعرِفُهُ أَجَلَّ وَأَفضَلا
فَاِتبَع مَكارِمَهُ وَلا تُذري بِهِ / إِن كُنتَ مِمَّن عَقلُهُ قَد أُكمِلا
فَاِحذَر فَزارَةَ قَبلَ تَطلُبُ ثَأرَها / وَتُريكَ يَوماً نارُهُ لا تُصطَلى
فَدِما بَني بَدرٍ عَلَيكَ قَديمَةٌ / وَبَني فَزارَةَ قَصدُها أَن تَغفَلا
وَاللَهِ ما خَلَّيتُ في أَوطانِهِم / إِلّا النَوائِحَ صارِخاتٍ في الفَلا
لَو كانَ قَلبي مَعي ما اِختَرتُ غَيرُكُمُ
لَو كانَ قَلبي مَعي ما اِختَرتُ غَيرُكُمُ / وَلا رَضيتُ سِواكُم في الهَوى بَدَلا
لَكِنَّهُ راغِبٌ في مَن يُعَذِّبُهُ / فَلَيسَ يَقبَلُ لا لَوماً وَلا عَذَلا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025