المجموع : 15
يومٌ عريضٌ في الفَخارِ طَويلُ
يومٌ عريضٌ في الفَخارِ طَويلُ / ما تَنقَضي غُرَرٌ لهُ وحُجُول
يَنجابُ منهُ الأفْقُ وهو دُجُنّةٌ / ويَسِحُّ منْهُ الدهُر وهو عليلُ
مَسَحَتْ ثُغورُ الشامِ أدمُعَها بهِ / ولقد تَبُلُّ التُّرْبَ وهي هُمُول
وجَلا ظَلامَ الدِّين والدّنْيا بهِ / مَلِكٌ لما قال الكِرامُ فَعُول
متَكَشِّفٌ عن عَزْمَةٍ عَلَوِيّةٍ / للكُفْرِ منها رنّةٌ وعَويل
فَلَوَانّ سُفْناً لم تُحمِّلْ جَيشَهُ / حَمَلَتْ عزائمَهُ صَباً وقَبول
ولَوَانّ سَيْفاً لَيسَ يَبْتِكُ حَدُّهُ / جَذَّ الرّقابَ بكَفّهِ التّنزيل
مَلِكٌ تَلَقّى عن أقاصي ثَغْرِهِ / أنباءَ ذي دُوَلٍ إليه تَدول
بُشْرَى تَحَمَّلها اللّيالي شُرَّداً / خَيرُ المَساعي الشاردُ المحمول
تأتي الوُفُودُ بها فلا تَكرارُهَا / نَصَبٌ ولا مقرونُهَا مملول
ويكادُ يَلقاهم على أفواهِهِمْ / قبلَ السَّماع الرّشْفُ والتّقبيل
يجلو البشيرُ ضياءَ بِشْرِ خَليفةٍ / ماءُ الهُدى في صَفحَتَيهِ يجول
للّهِ عَينَا مَن رَأى إخبْاتَهُ / لمّا أتاهُ بَريدُها الإجْفِيل
وسُجودَهُ حتى التقى عَفْرُ الثرى / وجَبينُهُ والنَّظْمُ والإكليل
لم يَثْنِهِ عِزُّ الخِلافَةِ والعُلى / والمجْدُ والتّعظيمُ والتبجيل
بينَ المواكبِ خاشِعاً مُتَواضِعاً / والأرضُ تَخشَعُ بالعُلى وتَميل
فتَيَمّمُوا ذاكَ الصّعيدَ فإنّهُ / بالمِسكِ من نَفَحاتِهِ معلول
سيَصِيرُ بعدَك للأئِمّةِ سُنّةً / في الشكر ليس لمثلها تحويل
من كانَ ذا إخلاصُهُ لم يُعْيِهِ / في مُشْكِلٍ رَيْثٌ ولا تعجيل
لو أبصرَتكَ الرّومُ يومئذٍ دَرَتْ / أنّ الإلهَ بما تَشاءُ كَفيل
يا ليْتَ شِعري عن مَقاوِلِهِمْ إذا / سمعتْ بذلك عنك كيفَ تقول
ودُّوا وَداداً أنّ ذلكَ لم يكُنْ / صِدْقاً وكلٌّ ثاكِلٌ مَثكول
هذا يدُلُّهُمُ على ذي عَزْمَةٍ / لا فيهِ تسليمٌ ولا تخذيل
أنْتَ الذي تَرِثُ البِلادَ لَدَيْهِمُ / فالأرضُ فالٌ والسجودُ دَليل
قُلْ للدُّمُسْتُق مُورِدِ الجمعِ الذي / ما أصْدَرَتْهُ له قَناً ونُصُول
سَلْ رَهطَ مَنويلٍ وأنْتَ غَرَرْتَهُ / في أيّ مَعركَةٍ ثَوى مَنويل
منَعَ الجنودَ من القُفول رواجعاً / تَبّاً لهُ بالمُنْدِياتِ قُفُول
لا تُكذَبَنَّ فكُلُّ ما حُدِّثْتَ مِن / خَبرٍ يَسُرُّ فإنّهُ منحول
وإذا رأيتَ الأمْرَ خالَفَ قَصْدهُ / فالرأيُ عن جِهَةِ النُّهَى مَعدول
قد فالَ رأيُكَ في الجلاد ولم تَزَلْ / آراءُ أغمارِ الرّجالِ تَفِيل
وبعثْتَ بالأسطولِ يحملُ عُدّةً / فأثابَنَا بالعُدَّةِ الأسطول
ورميْتَ في لَهَواتِ أُسْدِ الغابِ ما / قد باتَ وهْي فَريسَةٌ مأكول
أدّى إلينا ما جمعْتَ مُوَفَّراً / ثمّ انثَنى في اليَمِّ وهو جَفول
ومَضَى يَخفُّ على الجنائبِ حَمْلهُ / ولقد يُرى بالجيش وهو ثقيل
نَفّلْتَهُ من بعْدِ ما وَفّرْتَهُ / مَنٌّ لعَمرُكَ ما أتيتَ جَزيل
إيهاً كذاكَ فإنّهُ ما كان مِنْ / بِرِّ الكِرام فإنّهُ مقبول
رُمتُ الملوكَ فلم يبِنْ لك بينَهَا / شَخصٌ ولا سِيما وأنتَ ضئيل
أتقدُّماً فيهمْ وأنتَ مؤخَّرٌ / وتشبّهاً بهِمُ وأنْتَ دَخيل
ماذا يُؤمّلُ جَحْدَرٌ في باعِهِ / قِصَرٌ وفي باعِ الخلافةِ طُول
ذَمَّ الجزيرة وهي خِدْرُ ضَراغِمٍ / سامَتْهُ فيها الخَسْفَ وهو نَزيل
والأرضُ مَسبَعَةٌ تُكلّفُه القِرى / فيجودُ بالمُهَجات وهو بخيل
قد تُسْتَضافُ الأُسْد في آجامِهَا / جهلاً بهنَّ وقد يُزارُ الغِيل
حَربٌ يُدَبّرُهَا بظنٍّ كاذبٍ / هلاّ يقِينُ الحَزْم منه بَديل
والظَّنُّ تغريرٌ فكيف إذا التقَى / في الظَّنّ رأيٌ كاذبٌ وجَهول
وافَى وقد جَمَعَ القَبائِلَ كلّهَا / وكفاكَ من نَصْرِ الإلهِ قَبِيل
جَمَعَ الكتائبَ حاشِداً فثناهُمُ / لك قبلَ إنفاذِ الجيوش رَعيل
والنصرُ ليسَ يُبِينُ حقَّ بَيانِهِ / إلاّ إذا لَقِيَ الكثيرَ قليل
جاءوا وحَشْوُ الأرْضِ منهم جحفَلٌ / لجِبٌ وحَشْوُ الخافِقَينِ صهيل
ثم انْثَنَوْا لا بالرّماحِ تَقَصُّدٌ / بادٍ ولا بالمُرهفَاتِ فُلُول
نَزَلوا بأرضٍ لم يَمَسّوا تُرْبَهَا / حتى كأنَّ وقوعَهم تحليل
لم يتركوا فِيها بجَعْجاعِ الرّدَى / إلاّ النجيعَ على النجيعِ يَسيل
خاضَتْهُ أوظِفَةُ السوابقِ فانتهى / منهُنَّ ما لا ينتهي التَّحْجِيل
إنّ التي رامَ الدُّمُستُقُ حَربَها / للّهِ فِيها صارمٌ مسلول
لا أرضُها حَلَبٌ ولا ساحاتُهَا / مِصْرٌ ولا عَرَضُ الخليجِ النِّيل
ليْتَ الهِرَقْلَ بدا بها حتى انْثَنى / وعلى الدُّمُستُقِ ذِلّةٌ وخُمول
تلك التي ألقت عليهم كلكلاً / ولها بأرض الأرمنين تليل
يَرتابُ منها الموجُ وهو غطامط / ويداع منها الخطب وهو جليل
نحرت بها العرب الأعاجم إنها / رُمْحٌ أمَقُّ ولَهْذَمٌ مَصْقول
تلكَ الشّجا قد ماتَ مغصوصاً بها / من لا يكادُ يموتُ وهو قتيل
يَجِدونَها بينَ الجوانحِ والحَشا / فكأنّما هي زفرَةٌ وغَليل
وكأنّها الدّهْرُ المُنيخُ عليهِمُ / لا يُستَطاعُ لِصَرفِهِ تحوْيل
وكأنّها شمسُ الظّهيرَةِ فوقَهُمْ / يرْتَدُّ عنها الطَّرْفُ وهو كليل
ما ذاكَ إلاّ أنّ حَبْلَ قَطِينِها / بحِبالِ آلِ محمّدٍ مَوْصُول
ذَرْهُ يُجَمِّعُ ألْفَ ألف كتِيبَةٍ / فهو النَّكُولُ وجَمْعُه المفلُول
وهو الذي يُهْدي حُماةُ رجالِهِ / نَفَلاً إليك فهل لديكَ قَبُول
لو كنتَ كلّفتَ الجيوشَ مَرامَها / كلّفْتَها سَفَراً إليه يطولُ
فكفاكَ وَشكُ رَحيلِهِ عن أرْضِهِ / عن أن يكون العامَ منك رحيل
حتى إذا اقْتَبَلَ الزّمانُ أريْتَهُ / بالعَزْمِ كيفَ يصُولُ مَن سيصُول
فلْتَعْلَمِ الأعلاجُ عِلماً ثاقِباً / أنّ الصّليبَ وقد عززتَ ذليل
وليَعْبُدُوا غيرَ المسيحِ فليس في / دينِ الترَهُّبِ بعدها تأمِيل
ما ذاك ما شهِدَتْ له الأسرَى بهِ / إذ يَهْزَأُ الطّاغي بهِ الضِّلّيل
بَرِئَتْ منَ الإسلامِ تحتَ سيوفِهِ / إلاّ اعْتِدادَ الصّبرِ وهو جميل
سلكتْ سبيلَ المُلحِدينَ ولم يكُنْ / من بعد ذاكَ إلى الحياةِ سبيل
أرِضىً بمأثورِ الكلامِ وخلفَهُ / غَدْرٌ ومأثور الحديد صقيل
فالحُرُّ قد يَقْنى الحَياءَ حفيظَةً / وهو الجَنيبُ إلى الرّدى المملول
هل كان يُعرَفُ للبطارقِ قبل ذا / بأسٌ ورأيٌ في الجِلادِ أصيل
أنّى لهم هِمَمٌ ومِنْ عَجَبٍ متى / غَدَتِ اللّقاحُ الخورُ وهي فُحول
أهلُ الفِرار فليتَ شِعْري عنهمُ / هل حُدّثوا أنّ الطّباعَ تَحُول
الأكثرينَ تخمُّطاً وتكبُّراً / ما لم تُهَزّ أسِنّةٌ ونُصُول
حتى إذا ارتعصَ القَنا وتلمّظَتْ / حَرْبٌ شَرُوبٌ للنفوس أكول
رَجَعُوا فأبْدَوْا ذِلّةً وضَراعَةً / وإلى الجِبِلّةِ يرجعُ المجبول
إذ لا يزالُ لهم إليك تغلْغُلٌ / وسُرىً وَوَخْدٌ دائِمٌ وذمِيل
وإنَابَةٌ مُنْقَادَةٌ وإتَاوَةٌ / ورسالَةٌ مُعْتَادَةٌ ورسول
فإذا قَبِلْتَ فمِنّةٌ مشكورةٌ / لك ثمّ أنْتَ المُرتَجى المأمول
وإذا أبَيْتَ فعزمَةٌ مضّاءَة / لا بُدّ أنّ قضاءَها مفعول
وليَغْزُوَنّهُمُ الأحَقُّ بغزوهم / واللّه عنْهُ بما يَشاءُ وكيل
ولتُدرِكَنّ المَشْرَفِيَّةُ فيهِمُ / ما يَنْثَني عن دَركِهِ التّأميل
وليُسْمَعَنّ صَلِيلُها في هامِهِم / إن كان يُسمَعُ للسيوفِ صَليل
وليَبْلُغَنَّ جِيادُ خيلِكَ حيْثُ لم / يَبْلُغْ صَباحٌ مُسْفِرٌ وأصِيل
كم دَوّخَتْ أوطانَهُمْ فتركتَها / والمالُ نَهْبٌ والدّيارُ طُلول
والناسُ إن قِيسوا إليه فإنّهُمْ / عَرَضٌ له في جوهرٍ محمول
تَرِدُ العيونُ عليه وهي نَواظِرٌ / فإذا صَدَرْنَ فإنّهُنَّ عقول
غامَرتُهُ فعَجَزتُ عن إدراكِهِ / لكنّه بضمائري معقول
كلُّ الأئِمّةِ من جُدودِكَ فاضِلٌ / فإذا خُصِصْتَ فكُلُّهُمْ مفضول
فافخَرْ فمِن أنسابكَ الفرْدوْسُ إن / عُدّتْ ومن أحسابِكَ التنزيل
وأرى الورى لَغْواً وأنتَ حقيقةٌ / ما يَستَوي المعلومُ والمجهول
شَهِدَ البريّةُ كلُّها لكَ بالعُلى / إنّ البرِيّةَ شاهِدٌ مقبول
واللّهُ مدلولٌ عليهِ بصُنْعِهِ / فينا وأنْتَ على الدّليلِ دَليل
أتَظُنُّ راحاً في الشَّمالِ شَمُولا
أتَظُنُّ راحاً في الشَّمالِ شَمُولا / أتَظُنُّهَا سَكْرَى تَجُرُّ ذُيولا
نَشَرَتْ نَدَى أنفاسِها فكأنّمَا / نَشَرَتْ حِبالاتِ الدُّموعِ هُمولا
أوَكُلّما جَنَحَ الأصيلُ تَنَفّسَتْ / نَفَساً تُجاذِبُهُ إليَّ عَليلا
تُهْدَى صحائفُكُمْ مُنَشَّرَةً وما / تُغني مُراقَبَةُ العُيونِ فَتيلا
لا تُغمِضُوا نَظَرَ الرضا فلربَّما / ضَمّتْ عليه جَناحَها المبلولا
وكأنّ طَيْفاً ما اهتَدى فبعثْتُمُ / مِسكَ الجيوب الرَّدْعَ منه بَديلا
سأرُوعُ من ضَمّتِ حِجالُكُمُ وإن / غَدَتِ الأسِنّةُ دونَ ذلك غِيلا
أعصي رِماحَ الخطِّ دونكِ شُرّعاً / وأُطِيعُ فيكِ صَبابَةً وغَليلا
لا أعذِرُ النصْلَ المُفيتَ أباكِ أو / يَهْمي نفوساً أو يُقَدَّ فُلولا
ما للمعالِمِ والطُّلولِ أما كفى / بالعاشقينَ معالماً وطُلولا
فكأنّنَا شَمْلُ الدّموعِ تَفَرُّقاً / وكأنّنَا سِرُّ الوَداعِ نُحُولا
ولقد ذممْتُ قصيرَ ليلي في الهوى / وحَمِدتُ من مَتْنِ القناةِ طويلا
إنّي لَتُكْسِبُني المَحامِدَ هِمّةٌ / نَجَمَتْ وكلَّفَتِ النُّجومَ أُفُولا
بَكَرَتْ تَلُومُ على النّدى أزديّةٌ / تَنمي إليه خَضارماً وقُيُولا
يا هَذِهِ إنْ يَفْنَ فارطُ مَجدهِمْ / فخُذي إليكِ النَّيلَ والتنويلا
يا هذه لَولا المساعي الغُرُّ مَا / زعموا أباكِ الماجِدَ البُهلولا
إنّا لَيُنْجِدُنا السّماحُ على الّتي / تَذَرُ الغَمامَ المُستهِلَّ بَخِيلا
وتَظُنُّ في لَهَواتِنا أسيافَنَا / وتَخالُ في تاجِ المعزِّ رسولا
هذا ابنُ وَحيِ اللّهِ تأخُذُ هَدْيَها / عنهُ الملائكُ بُكْرَةً وأصِيلا
ذو النُّورِ تُولِيهِ مكارمُ هاشِمٍ / شُكرْاً كنائلِهِ الجزيلِ جزيلا
لا مثلَ يَومي منه يومُ أدِلّةٍ / تُهْدي إلى المُتَفَقِّهِينَ عُقولا
في مَوسِمِ النَّحْرِ السَّنيعِ يَرُوقُني / فأغُضُّ طَرفاً عن سَناهُ كَليلا
والجوَّ يَعثِرُ بالأسِنّةِ والظُّبَى / والأرضُ واجِفَةٌ تَمِيلُ مَميلا
والخافِقاتُ على الوشيجِ كأنّما / حاولنَ عندَ المُعصِراتِ ذُحُولا
والأُسْدُ فاغِرَةٌ تُمَطّي نِيبَها / والدّهْرُ يَنْدُبُ شِلْوَهُ المأكولا
والشمسُ حاسِرَةُ القِناعِ ووُدُّها / لو تستطيعُ لتُربِهِ تقبيلا
وعلى أميرِ المؤمنِينَ غمامَةٌ / نَشَأتْ تُظَلِّلُ تاجَهُ تَظليلا
نَهَضَتْ بثقل الدُّرِّ ضوعِفَ نسجُها / فَجَرَتْ عليه عَسجداً محلولا
أمُديرَها من حيثُ دارَ لَشَدّ مَا / زاحمتَ حولَ ركابهِ جِبريلا
ذَعَرَتْ مواكبُهُ الجبِالَ فأعلَنَتْ / هَضَبَاتُهَا التكبيرَ والتهليلا
قد ضَمّ قُطرَيها العَجاجُ فما تَرى / بينَ السِّنانِ وكعبِهِ تخليلا
رُفِعَتْ له فيها قِبابٌ لم تكُنْ / ظُعْناً بأجراعِ الحِمى وحُمولا
أيكِيّةِ الذهَبِ المرصَّعِ رَفرَفَتْ / فيها حَمامٌ ما دَعَونَ هَديلا
وتُبَاشِرُ الفلكَ الأثيرَ كأنّمَا / تَبغي بهِنَّ إلى السماء رَحيلا
تُدْني إليها النُّجْبُ كلُّ عُذافرٍ / يَهْوي إذا سارَ المَطيُّ ذَميلا
تَتَعرّفُ الصُّهْبُ المُؤثَّلَ حولَهُ / نَسَباً وتُنكِرُ شَدقماً وجَديلا
وتُجِنُّ منْهُ كلُّ وَبْرَةِ لِبْدَةٍ / لَيْثاً ويَحمِلُ كُلُّ عُضْوٍ فيلا
وتَظُنُّهُ مُتَخَمِّطاً من كِبْرِهِ / وتَخَالُهُ متنمِّراً لِيَصُولا
وكأنّما الجُرْدُ الجَنائبُ خُرَّدٌ / سَفَرَتْ تَشوقُ مُتيَّماً مَتبولا
تَبْدو عليها للمعِزِّ جَلالَهٌ / فيكونُ أكثرُ مَشْيِهَا تَبْجيلا
ويَجِلُّ عنها قَدرُهُ حتى إذا / راقَتْهُ كانَتْ نائِلاً مبذولا
من كلّ يَعْبُوب يَحيدُ فلا ترى / إلاّ قَذالاً سامِياً وتَليلا
وكَأنّ بَينَ عِنانِهِ ولَبانِهِ / رَشَأً يَريعُ إلى الكنِاسِ خَذولا
لَوْ تَشْرَئِبُّ لهُ عقيلةُ رَبْرَبٍ / ظَنّتْهُ جُؤذَرَ رَمْلِها المَكحولا
إنْ شِيمَ أقبلَ عارضاً مُتهلِّلاً / أو رِيعَ أدبَرَ خاضباً إجْفِيلا
تتبيّنُ اللّحَظاتُ فيهِ مَواقِعاً / فتظُنُّ فيهِ للقِداحِ مُجِيلا
تَتَنزّلُ الأروى على صَهَواتِهِ / ويبِيتُ في وَكْرِ العُقابِ نزيلا
يَهْوي بأُمِّ الخِشْفِ بينَ فُروجِهِ / ويُقَيِّدُ الأدمانَةَ العُطْبُولا
صَلَتانُ يَعْنُفُ بالبُرُوقِ لَوامِعاً / ولقد يكونُ لأمّهِنّ سَليلا
يَسْتَغْرِقُ الشّأوَ المُغَرِّبَ مُعْنِقاً / ويجيءُ سابِقَ حَلبةٍ مَشكولا
هذا الّذي مَلأ القُلوبَ جَلالَةً / هذا الّذي تَرَكَ العزيزَ ذَليلا
فإذا نَظَرْتَ نَظرْتَ غَيرَ مُشَبَّهٍ / إلاّ التِماحَكَ رايَةً ورَعِيلا
إنْ تَلْتَفِتْ فكَرادسِاً ومَقانِباً / أو تَسْتَمِعْ فتَغَمْغُماً وصَهِيلا
يوْمٌ تجلّى اللّهُ من مَلَكُوتِهِ / فرآكَ في المرأى الجليلِ جَليلا
جَلّيْتَ فيهِ بنَظَرةٍ فَمَنَحْتَهُ / نَظَراً برؤيةِ غيرِهِ مشغولا
وتَحَلَّتِ الدّنْيا بسِمْطَيْ دُرِّهَا / فرأيتُها شَخصاً لديكَ ضَئيلا
ولحظْتُ مَنبرَكَ المُعَلّى راجِفاً / من تحتِ عِقْدِ الرّايَتَينِ مَهُولا
مسدولَ سِترِ جَلالَةٍ أنْطَقْتَهُ / فرفعْتَ عن حِكَمِ البيانِ سُدُولا
وقَضَيْتَ حَجَّ العامِ مُؤتَنِفاً وقَدْ / وَدّعْتَ عاماً للجِهادِ مُحيلا
وشَفَعْتَ في وَفْدِ الحجيجِ كأنّما / نَفّلْتَهُمْ إخلاصَكَ المقُبولا
وصدَرْتَ تَحْبو النّاكِثينَ مَواهِباً / هَزّتْ قَؤولاً للسّماحِ فَعُولا
وهي الجرائمُ والرّغائبُ ما التَقَتْ / إلاّ لِتَصْفَحَ قادِراً وتُنِيلا
قد جُدْتَ حتى أمَّلَتْكَ أُمَيّةٌ / لو أنّ وِتْراً لم يُضِعْ تأميلا
عجَباً لِمُنْصَلِكَ المقلَّدِ كيف لم / تَسِلِ النّفوسُ عليك منه مَسيلا
لم يخْلُ جَبّارُ المُلوكِ بِذِكْرِهِ / إلاّ تَشَحَّطَ في الدماء قتيلا
وكأنّ أرواحَ العِدى شاكَلْنَهُ / فإذا دَعا لَبّى الكَمِيَّ عَجُولا
وإذا اسْتَضاءَ شِهابَهُ بطَلٌ رأى / صُوَرَ الوقائعِ فوقه تَخْييلا
وإذا تَدَبَّرَهُ تَدَبَّرَ عِلّةً / للنّيِّرَاتِ ونَيّراً مَعْلُولا
لكَ حُسْنُهُ مُتَقَلَّداً وبَهاؤهُ / مُتَنَكَّباً ومضاؤهُ مَسْلُولا
كتَبَ الفِرنْدُ عليه بعضَ صَفاتكُمْ / فعرَفْتُ فيهِ التاجَ والإكليلا
قد كاد يُنْذرُ بالوعِيدِ لِطولِ مَا / أصغى إليك ويعلمُ التأويلا
فإذا غَضِبْتَ علَتْهُ دونك رُبْدَةٌ / يَغدُو لها طَرْفُ النهارِ كَليلا
وإذا طَوَيْتَ على الرِّضَى أهدى إلى / شمس الظَّهيرَةِ عارضاً مصْقولا
سمّاهُ جَدُّكَ ذا الفَقَارِ وإنّما / سَمّاهُ مَنْ عادَيْتَ عِزرائيلا
وكأنْ بهِ لم يُبْقِ وِتْراً ضائعاً / في كربلاءَ ولا دَماً مَطلولا
أوَما سَمِعْتُمْ عن وقائِعِهِ التي / لم تُبْقِ إشراكاً ولا تبديلا
سارَتْ بها شِيَعُ القصائدِ شُرَّداً / فكَأنّما كانَتْ صَباً وقَبُولا
حتى قَطَعْنَ إلى العراقِ الشأمَ عن / عُرُضٍ وخُضنَ إلى الفُراتِ النيلا
طَلَعَتْ على بغداد بالسِّيَرِ التّي / سَيَّرتُهَا غُرَراً لكُمْ وحُجُولا
أجْلَينَ مِنْ فِكَري إذا لم يَسمعوا / لسيوفِهِنَّ المُرهَفاتِ صَليلا
ولقد هَمَمْتُ بأنْ أفُكَّ قُيودَهَا / لمّا رأيْتُ المُحسِنينَ قَليلا
حتى رأيْتُ قصائِدي منحولَةً / والقولَ في أمِّ الكِتابِ مَقُولا
وَلَئِنْ بَقيتُ لأُخْلِيَنَّ لِغُرِّهَا / مَيدانَ سَبْقي مُقْصِراً ومُطِيلا
حتى كأنّي مُلْهَمٌ وكأنّها / سُوَرٌ أُرَتِّلُ آيَهَا تَرتِيلا
ولقد ذُعِرْتُ بما رأيْتُ فغودرَتْ / تلك المهنَّدَةُ الرِّقاقُ فُلُولا
ولقد رأيتُكَ لا بلَحْظٍ عاكِفٍ / فرأيتُ من شِيَمِ النبيّ شُكولا
ولقد سمعتُكَ لا بسَمعي هيبَةً / لكنْ وجَدتُكَ جوهراً معقولا
أبَني النّبُوّةِ هل نُبادِرُ غايَةً / ونَقُولُ فيكم غيرَ ما قد قِيلا
إنّ الخبيرَ بكم أجَدَّ بخُلقكم / غيباً فجرَّدَ فيكمُ التنزيلا
آتاكُمُ القُدْسَ الذي لم يُؤتِهِ / بَشَراً وأنْفَذَ فيكمُ التّفضيلا
إنّا استَلَمنا رُكنَكُم ودَنَوْتُمُ / حتى استَلمْتُمْ عَرشَهُ المحمولا
فوَصَلتُمُ ما بيْنَنَا وأمدَّكُمْ / برهانُهُ سبباً به موصولا
ما عُذرُكُم أن لا تطيبَ فُرُوعُكُمْ / ولقد رسختُمْ في السماء أُصولا
أعطَتكُمُ شُمُّ الأنُوفِ مَقادَةً / وركبتُمُ ظَهْرَ الزّمانِ ذَلولا
خَلّدتُمُ في العبشمِيّةِ لَعْنَةً / خلقت وما خلقوا لها تعجيلا
راعتهم بكم البروق كأنما / جرَّدتُمُوهَا في السحابِ نُصُولا
في مَن يظُنّونَ الإمامةَ منهُمُ / إنْ حُصّلَتْ أنْسابُهُمْ تَحْصِيلا
مِنْ أهْلِ بَيْتٍ لم يَنالوا سَعْيَهُم / من فاضِلٍ عَدَلوا به مفضولا
لا تَعْجَلوا إنّي رأيتُ أناتَكُمْ / وَطْئاً على كَتِدِ الزمان ثَقِيلا
أمُتَوَّجَ الخُلَفاءِ حاكِمْهُم وإنْ / كان القَضاءُ بما تشاءُ كَفيلا
فالكُتْبُ لولا أنّها لكَ شُهَّدٌ / ما فُصِّلَتْ آياتُهَا تفصيلا
اللّهُ يَجْزيكَ الذي لم يَجْزِهِ / فيما هَدَيْتَ الجاهلَ الضِّلّيلا
ولقد بَرَاكَ وكنْتَ مَوثِقَهُ الذي / أخذَ الكِتابَ وعهْدَهُ المسؤولا
حتى إذا استرعاكَ أمرَ عِبادِهِ / أدْنَى إليهِ أباكَ إسماعيلا
من بينِ حُجبِ النّورِ حيثُ تَبوّأتْ / آباؤهُ ظِلَّ الجِنانِ ظَليلا
أدّى أمانَتَهُ وزِيدَ منَ الرِّضَى / قُرباً فجاوَرَهُ الإلَهُ خَليلا
ووَرثتَهُ البُرْهانَ والتِّبيانَ وال / فُرْقانَ والتّوراةَ والإنجيلا
وَعَلِمتَ من مكنونِ عِلمِ اللّهِ ما / لم يُؤتِ جبريلاً وميكائِيلا
لو كنتَ آوِنَةً نَبِيّاً مُرْسَلاً / نُشرَتْ بمبعثِكَ القُرونُ الأولى
أو كنتَ نُوحاً مُنذِراً في قومِهِ / ما زادَهم بدُعائِهِ تَضليلا
للّهِ فيكَ سريرَةٌ لوْ أُعلِنَتْ / أحيَا بذِكرِكَ قاتِلٌ مَقُتولا
لو كانَ أعطَى الخَلْقَ ما أُوتيتَهُ / لم يَخْلُقِ التّشبيهَ والتمثيلا
لولا حِجابٌ دونَ علمِك حاجِزٌ / وَجَدوا إلى عِلمِ الغُيُوبِ سَبيلا
لولاكَ لم يكُنِ التفكُّرُ واعِظاً / والعقلُ رُشْداً والقياسُ دَليلا
لو لم تكُنْ سَبَبَ النّجاةِ لأهْلِها / لم يُغْنِ إيمانُ العِبادِ فَتيلا
لو لم تُعَرِّفْنا بذاتِ نُفُوسِنا / كانَتْ لدَينا عالَماً مجهُولا
لو لم يَفِضْ لك في البرِيّةِ نائِلٌ / كانَت مُفوَّفَة الرّياضِ مَحُولا
لو لم تكن سكَنَ البلادِ تَضَعضَعتْ / ولَزُيِّلَتْ أركانُها تَزييلا
لو لم يكُنْ فيكَ اعتبارٌ للوَرَى / ضَلُّوا فلم يَكْنِ الدليل دليلا
نَبِّهْ لنا قَدْراً نَغيظُ بهِ العِدَى / فلقد تَجَهَّمَنا الزّمانُ خُمولا
لو كنْتَ قبلَ تكونُ جامعَ شَملنا / ما نِيلَ منِ حُرُماتِنا ما نِيلا
نَعْتَدُّ أيْسَرَ ما ملكتَ رِقابَنَا / وأقَلَّ ما نَرجو بكَ المَأمولا
كدَأبِكَ ابنَ نَبيِّ اللّهِ لم يَزَلِ
كدَأبِكَ ابنَ نَبيِّ اللّهِ لم يَزَلِ / قتلُ الملوكِ ونقلُ المُلكِ والدُّوَلِ
أينَ الفِرَارُ لِباغٍ أنتَ مُدركُه / لأمِّهِ مِلءُ كَفّيْها منَ الهَبَل
هَيهاتَ يُضْحي منيعٌ منك مُمتنِعاً / ولو تَسَنّمَ رَوقَ الأعصم الوَعلِ
ولو غدا بخُلوبِ اللّيثِ مُدَّرِعاً / أو باتَ بينَ نُيوبِ الحيّةِ العُصُل
أمّا العَدُوُّ فلا تَحْفَلْ بمَهلكِهِ / فإنّما هو كالمحصُورِ في الطُّوَل
وأي مستكبرٍ يعيا عليك إذا / قدت الصعاب فلا تسأل عن الذُلل
خافوكَ حتى تفادَوْا من جَوانِحِهم / فما يُناجُونَها من كثرَةِ الوَهَل
ما يَستقِرُّ لهُمْ رأسٌ على جَسَدٍ / كأنّ أجسامهم يَلعَبنَ بالقُلَل
هذا المُعِزُّ وسيْفُ اللّهِ في يَدِهِ / فهل لأعْدائِهِ باللّهِ من قِبَل
وهذهِ خيْلُهُ غُرّاً مُسَوَّمَةً / يخرُجن من هبَواتِ النقع كالشُّعَل
إذا سَطا بادَرَتْ هامٌ مصارِعَها / كأنّما تتلقّى الأرضَ للقُبَل
مُؤيَّداً باختيارِ اللّهِ يَصْحَبُه / وليسَ فيما أراهُ اللّهُ من خَلَل
تَخْفى الجَلِيّةُ إلاّ عن بَصيرَتهِ / حتى يكونَ صوابُ القولِ كالخَطَل
فقد شهِدتُ له بالمُعجِزاتِ كما / شَهِدْتُ للّهِ بالتّوحيدِ والأزَل
فأبْلِغِ الإنسَ أنّ الجِنَّ ما وألَتْ / منه ولو حارَبَتْهُ الشمسُ لم تَئِل
عَتَوْا فغادرتَ في صَحرائهم رَهَجاً / يمتَدُّ منهُم على الأفلاكِ كالظُّلَل
سرَى مع الشهبِ في عَلْيا مَطالعِها / فكان أولى بأعلى الأفْق من زُحَل
كأنّ منه الذي في الليلِ من غَسَقٍ / داجٍ وما بحواشي الغَيم من طَحَل
أرْدَتْ سُيوفُك جيلا من فراعنة / لم يفتأوا لقديم الدهر كالجبل
هُمُ استبدوا بأسلابِ الليوثِ وهُم / جَزّوا نواصيَ أهْلِ الخَيم والحُلَل
من عهد طالوتَ أو من قبله اضطرمتْ / تَغْلي مَراجلُهمْ غَيظاً على المِلَل
لقد قصَمتَ من ابنِ الخَزْرِ طاغيةً / صَعْبَ المقادةِ أبّاءً على الجَدَل
إذ لا يزالُ مُطاعاً في عَشيرتِهِ / تُلقَى إليه أُمورُ الزَّيْغ والنِّحَل
يكادُ يَعصي مَقاديرَ السّماءِ إذا / رَمَى بعينيه بين الخيل والإبل
حَسَمْتَ منه قديمَ الداءِ مُتّصِلاً / بالجاهِلِيّةِ لاهٍ بالعِدَى هَزِل
من جاحِدي الدِّينِ والحقِّ المُنير ومن / عادي الأئِمّةِ والكُفّار بالرُّسُل
ومِن جبَابرَةِ الدّنْيا الذينَ خَلَوْا / وأنْزَلَ اللّهُ فيهم وَحْيَهُ فتُلى
أتاكَ يَعْلُوهُ من عِصْيانِهِ خَفَرٌ / حتى كأنّ بهِ ضَرْباً من الخَجَل
يُديُرهُ الرُّمْحُ مهتزّاً بلا طَرَبٍ / إلى الكتائبِ مُفتَرّاً بلا جَذَل
مُرَنَّحاً من خُمار الحَتْفِ صَبَّحَهُ / وليسَ يخْفى مكانُ الشارِبِ الثمِل
كأنّما غَضَّ جَفْنيه الأزُومُ على / صَدرِ القَناةِ أوِ استَحْيا من العَذَل
وما نَظَرْتَ إليه كلّما جَعَلَتْ / تمْتَدُّ منه برأسِ الفارسِ الخَطِل
إلاّ تَبَيَّنْتَ سِيما الغَدْرِ بَيّنَةً / عليه والكفرِ للنَّعْماء والغِيَل
تُصْغي إليه قُطوفُ الهامِ دانِيَةً / وإنّ أسْماعَها عنْهُ لَفي شُغُل
بَرْزٌ بصفحَتِهِ لولا تَقَدُّمُهُ / لم يُعرَفِ الليْثُ بينَ الضّبِّ والوَرَل
إذا التَقَى رأسُهُ عُلْواً وأرؤسُهُمْ / سُفْلاً رأيتَ أميراً قائمَ الخَوَل
لو كان يُبصر مَن لُفّتْ عَجاجتُهُ / رَأى حَوالَيْهِ آجاماً من الأسَل
ولوْ تأمّلَ مَن ضُمّتْ حَريبتُهُ / لقسَّم الطرفَ بينَ الفَجْع والثَّكَل
لم يلْقَ جالوتُ من داودَ ما لِقيَتْ / شُراتُهُ منك في حَلٍّ وفي رِحَل
فمِنْ ظُباكَ إلى عَليا قَناكَ إلى / نارِ الجحيم فما يخلو من النُّقَل
قل للبرِيّةِ غُضّى من عِنانِكِ أو / سِيري لشأنِك ليس الجِدّ كالهزَل
لم ألقَ في الناسِ مُجهولَ البصيرَةِ أو / مُسَوِّفاً نفسَه قولاً بلا عمَل
لم أثْقَفِ المرءَ يَعْصي مَن هداه ومَن / نجّاه من عثراتِ الدَّحْض والزَّلَل
قد قَرّ كُرسيُّ عَدنانٍ ومنبرُها / بفاتِحِ المُدْن قَسراً مؤمن السبُل
مَن لا يرى العَزْمَ عَزماً يُستقاد له / إذا جِبالُ شَرَورَى منه لم تزُل
مَن صَغَّرَ المَشرِقَينِ الأعظمين إلى / مَن فيهما من مَليكِ الأمر أو بطل
وطبَّقَ الأرضَ من مِصرٍ إلى حلَبٍ / خيلاً ورَجْلاً ولفَّ السهْلَ بالجبل
وأُوردتْ خيْلُه ماءَ الفُراتِ فما / صَدَرْنَ حتى وَصَلْنَ العَلَّ بالنهَل
حتى إذا ضاقَ ذَرْعُ القوْمِ وافترقوا / في الذلِّ فِرْقَينِ من بادٍ ومُمتثِل
وعادَ طُولُ القَنا في أرضِهم قِصَراً / وأنفدوا كلَّ مذخورٍ من الحِيَل
ألقَوْا بأيديهِمُ منه إلى سبَبٍ / بينَ الإله وبينَ الناس متّصِل
فإن يكُنْ أوْسَعَ الأملاكِ مَغفِرَةً / فالسيْفُ يسقُطُ أحياناً على الأجَل
وإن يكُنْ عَقلُ مَن ناواه مخْتَبَلاً / فإنّ للنّصْلِ عَقلاً غيرَ مُختَبَل
وليسَ يُنكَرُ من هادٍ لأمّتِهِ / غَولُ المواحيدِ للبُقيا على الجُمل
فلا يَسُغْ للوَرى إمهالُهُ كرَماً / فإنّما تُدَركُ الغاياتُ بالمُهَل
ولا يُسيئَنَّ ذو الذنبِ الظُّنونَ بهِ / إذا استقادَ له في ثوبِ مُنتَصل
فلا عجيبُ بمن أبقَتْ ظُباهُ على / ملوك مصر أن استبقى ولم يغل
فلست من سخطة المردي على خطر / ما دُمتَ من عَفوِهِ المُحيي على أمَل
لَعَلّ حِلْمَكَ أمْلى للذّينَ هَوَوْا / في غَيّهِمْ بين مَعفورٍ ومُنجَدِل
فلا شفى داءَهم إلاّ دواؤهُمُ / والسيْفُ نِعْمَ دَواءُ الداء والعِلل
لم يُترَكِ اليومَ منهم غيرُ شِرذِمَةٍ / لو أنّهم إثِمدٌ ما حُسَّ في المُقَل
لو بعضُ ما باتَ يُطَوى في جوانحهم / يَسمو لِغَيلانَ لم يَربَعْ على طَلَل
فرَغتَ للحج من شُغل الهِياجِ فلوْ / سألتَ مكّة قالتْ هيْتَ فارتحِل
وكان في الغرْبِ داءٌ فاتّقَاكَ لَهُ / برأسِ كلِّ فلانٍ في العِدى وفُل
فقد توَطَّدَ أمرُ المُلْكِ فيهِ وقدْ / نَدَبْتَ نَدْباً إليه غيرَ مُتَّكِل
لمّا شَدَدتَ بعبدِ اللّهِ عُروَتَهُ / أعزَزتَ منه مصونَ العِرض لم يَذِل
عَرفتَ في كلِّ صُنع اللّه عارفَةً / فما تَهُمُّ بفعلٍ غيرِ مُنفعِل
ولاختيارِكَ فضْلُ الوَحي إنّك لا / تأتي المآتيَ إلاّ من عَلٍ فَعَل
مُستهدِياً بدَليلِ اللّهِ تتبعُهُ / وقادحاً لزِنادِ الحِكمَةِ الأوَل
وإنّ مُلْكاً أقَرَّ اللّهُ قُبّتَهُ / بابنِ الإمامِ لَمُلْكٌ غيرُ منتقِل
لو نازَعَ النَّجْمَ ما أعياه مَنزِلُهُ / أو نازَلَ القَدرَ المقدورَ لم يُهَل
قد فِئتَ من بَرَكاتِ الأبطحيِ إلى / ما لا يفيءُ إليه الظِّلُّ في الأُصُل
تَوالَتِ الباقِياتُ الصّالحاتُ لَهُ / تَواليَ الدِّيَمِ الوكّافةِ الهَطِل
ألَيسَ أوّلَ ما ساس الأمور أتَتْ / عَفواً بما كان لم يَحسَبْ ولم يَخَل
فالفَتْحُ من أوَّل النعمى به ولَهُ / عَواقبٌ في بَني مَروانَ عن عَجَل
بِرِيحِهِ أرْدَتِ الهيجا بني خَزَرٍ / وباسمهِ استظهرَتْ في الغزْو والقَفَل
فإن تَكِلْهُ إلى ماضي عزائِمِهِ / تَكِلْهُ منها إلى الخطِّيَّةِ الذُّبُل
مهما أقامَ فذو التَّاج المقيمُ وإن / تَلاكَ رَيثاً فبعدَ المشهدِ الجَلل
وبعد توطيدِ مُلكِ المَشرقينِ لِمَنْ / ثوى وأمْن العذارى البيض في الكِلَل
إذا نَظَرتَ إليْه نَظْرَةً دَفَعَتْ / إليك شِبهَكَ في الأشْباهِ لم يفِل
تَرَى شَمائِلَ فيه منكَ بيّنةً / لم تنْتَقِلْ لكَ عن عَهدٍ ولم تَحُل
كما رأى المَلِكُ المنصُورُ شيمَتَهُ / تَبُدو عليك من المنصور قبل تَلي
الآنَ لّذَّتْ لنا مِصرٌ وساكِنُها / وللسَّوابِحِ والمَهْرِيّةِ الذُّمُل
ما مَكثُنا معشرَ العافين إنّ لنَا / في البَينِ شغلاً عن اللذّاتِ والغَزَل
فليتَنَا قد أرَحْنا هَمَّ أنفُسِنَا / أوِ استراحَتْ مطايانا من العُقُل
ليَعْقِدِ التاجَ هذا اليومُ مفتخراً / إن كان تُوِّجَ يْومٌ سائرُ المَثَل
ألا تَخِرُّ لهُ الأيّامُ ساجِدَةً / إذْ نالَ مَكرُمَةً أعيَتْ فلم تُنَل
تكَنَّفَتْهُ المساعي فهو يَرفُلُ من / وَشْيِ الرّبيعِ وَوَشْي المجد في حُلَل
فيه الربيعان من فصل الربيع ومن / وقائع النصر تشفي من جَوى الغُلَل
فقُلْ إذا شئْتَ في الدنيا وبهجتِها / وقُل إذا شئْتَ في السَّرّاء والجَذل
ما أخَّرَ اللّهُ هذا الفَتحَ منذُ نَما / إلاّ ليَصْحَبَهُ بالعِدَّةِ الكَمَل
فيَقرنَ الفصْلَ بالحَفل الجميع ضُحًى / وتُحْفَةَ الحربِ بالأسلابِ والنَّفَل
تَجَمَّعَ السَّعْدُ والإبّانُ فاتّفَقَا / وزَهرةُ العيش تَتلو زهرةَ الأمَل
ومَشهَدُ الملكِ طلقاً والسجودُ إلى / شمس الهُدى واتّصال الشمس بالحمل
فما تَكامَلَ مِن قبلي لمُرْتَقِبٍ / إذناً ولا لخطيبٍ ما تكامل لي
قامَتْ تميسُ كما تَدافَعَ جَدولُ
قامَتْ تميسُ كما تَدافَعَ جَدولُ / وانْسابَ أيْمٌ في نَقاً يَتَهَيَّلُ
وأتَتْ تُزَجّي رِدْفَها بقَوامِها / فتأطَّرَ الأعلى وماجَ الأسْفَلُ
صنمٌ ترَدّى الحُسنَ منه مقَرطقٌ / ومشَى على البَرْدِيِّ منْهُ مُخلخَل
ووراءَ ما يحوي اللِّثامُ مُقَبَّلٌ / رَتِلٌ بمِسواكِ الأراك مُقبَّل
ما لي ظمِئتُ إلى جَنى رَشَفَاتِهِ / وخَلا البَشامُ ببَردهَا والإسحِل
وهي البخِيلةُ أو خَيَالٌ طارقٌ / منها أو الذكرى التي تَتَخيَّل
طَرقَتْ تَحِيدُ عن الصّباحِ تَخَفُّراً / فَوَشَى الكِباءُ بها ونَمَّ المَندَل
قُلْ للّتي أصْمَتْ فُؤادي خفِّضي / وَقْعَ السِّهامِ فقد أُصيبَ المَقتَل
وذهَبْتِ عنّي بالشَّبيبَةِ فاردُدي / ثوبي الّذي قد كنْتُ فيه أرفُل
جارَتْ كما جارَ الزّمانُ ورَيبُهُ / وكِلاهُما في صَرْفِهِ لا يَعدِل
أهْوِنْ علينَا بالخُطوبِ وصَرفِها / فالدّهرُ يُدْبِرُ بالخُطوبِ ويُقْبِل
ما لي وما للحادثاتِ تَنْوشُني / ولَدَيَّ من همّي وعَزْمي مَوئل
كَفٌّ غَداةَ النائِباتِ طويلَةٌ / وأغَرُّ يومَ السابقين مُحجَّل
سأميطُ عن وجهي اللِّثامَ وأعتزي / وأُري الحوادثَ صَفحةً لا تُجهَل
ولأسطُوَنَّ على الزّمان بمَن لهُ / قلبي الوَدودُ ومَدْحيَ المُتَنَخَّل
لولا مَعَدٌّ والخلافَةُ لم أكُنْ / أعتَدُّ من عمري بما أستَقبِل
فَرَغَ الإلهُ له بكُلِّ فضيلَةٍ / أيّامَ آياتُ الكِتابِ تُفَصَّل
والأرضُ تحمِلُ حِلمَهُ فيؤودُهَا / حتى تَكادَ بأهِلها تَتَزَلزَل
هذا الذي تُتلى مآثِرُ فَضْلِهِ / فينا كما يُتْلى الكتابُ المُنْزَل
مُوفٍ يَرُدُّ على اللّيالي حُكمَها / فكأنّهُ بالحادثاتِ مُوَكَّل
مَلِكٌ له اللُّبُّ الصّقيلُ كأنّما / عكست شعاعَ الشمس فيه سجنجَل
ذو الحَزْمِ لا يتدبّرُ الآراءَ في / أعقابِها ما الرّأيُ إلاّ الأوَّل
مٌتَقَلِّدٌ بِيضَ الشفارِ صوارماً / منها نُهاهُ ورأيُه والمُنصل
ومُقابَلٌ بينَ النبوَّةِ والهُدى / من جَوْهَرٍ في جوهرٍ يَتَنَقَّل
هل كنتَ تَحسَبُ قبل جُرأتِنا على / تقريظهِ أنّ الحُلومَ تُجَهَّل
هل كنتَ تدري قبل جودِ بَنانِهِ / أنّ الغُيومَ الغادياتِ تُبخَّل
فَلَهُ النّدى لا يدَّعِيهِ غَيرُهُ / إلاّ إذا كَذَبَ الغَمامُ المُسْبِل
وتكادُ يُمناهُ لفَرطِ بِلالِهَا / بينَ المواهبِ واللُّهى تَتَسَلْسَل
كَرَمٌ يَسُحُّ على الغَمامِ وفوقَهُ / مجْدٌ يُنيفُ على الكواكبِ من عَل
غَيْثُ البلادِ إذا اكفَهَرَّ تجهُّماً / في أوجُهِ الرُّوّادِ عامٌ مُمحِل
وبَدا من اللأواءِ أهْرَتُ أشْدَقٌ / ودَرا من الحِدثان نابٌ أعصَل
لو كنْتَ شاهِدَ كَفِّهِ في لَزْبَةٍ / لرأيْتَ صرفَ الدّهر كيف يُقَتَّل
أو كنْتَ شاهِدَ لفْظِهِ في مُشْكِلٍ / لرَأيْتَ نَظْمَ الدُّرِّ كيْفَ يُفَصَّل
إنّ التّجارِبَ لم تَزِدْهُ حَزامَةً / هل زائِدٌ في المَشْرَفيِّ الصَّيْقَل
لكنّما يَجْلُو دقيقَ فِرِنْدِهِ / حتى يَبِيتَ ونارُهُ تَتَأكَّل
وهَبِ المَداوِسَ صَنَّعَتْهُ فحَسْبُهُ / سِنْخٌ يُؤيّدُهُ وحَدٌّ مِقصَل
لو كان للشُّهْبِ الثّواقبِ موضِعٌ / من مجدهِ لم يَكتنِفْها غَيطَل
إنّ الزّمانَ على كثافَةِ زَورِهِ / لَيَكِلُّ عن أعباءِ ما يَتَحَمَّل
يأتي المُلِمُّ فلا يؤودُكَ حَمُله / ولو أنّه من عِبءِ حِلمِكَ أثقل
ولو أنّ منْهُ على يمينك أعفَراً / أو كان منْهُ على شِمالِك يذبُل
مَن كان مِثلكَ في العُلى مِن مُلتقى / أطْرافِهِ فهو المُعَمُّ المُخْوَل
من كان سيما القُدسِ فوقَ جَبينِهِ / فأنا الضّمينُ بأنّهُ لا يَجْهَلُ
ما تَسْتَبِينُ الأرضُ أنّكَ بارزٌ / إلاّ إذا رأتِ الجبِالَ تَزلزَل
يَرجو عَدُوُّكَ منك ما لا يَنْتَهي / ويَنوءُ منك بحملِ ما لا يُحمَل
ويُرَدِّدُ الصُّعَداءَ من أنفْاسِهِ / حتى تكادَ النّارُ منها تُشْعَل
فكأنما يسقيه مجَّةَ ريقه / صل ويأكل من حشاه فدعل
ذو غُلَّةٍ يَرْمي إليك بِطَرْفِهِ / ولقد رأى أنّ الحِمامَ المَنْهَل
وإذا شَكَا ظَمَأ إليكَ سَقَيْتَهُ / كأساً يُقَشَّبُ سَمُّها ويُثَمَّل
ولقد عَييتُ وما عَييتُ بمُشْكِلٍ / أسِنانُ عَزْمِك أم لِسانُك أطوَل
وأطَلْتُ تفكيري فلا واللّهِ مَا / أدري أوجْهُكَ أم فَعالُكَ أجمْل
أمّا العِيانُ فلا عِيانَ يَحُدُّهُ / لكنْ رُواؤكَ في الضّميرِ مُمَثَّل
ألقاكَ بالأمَل الّذي لا يَنثَني / وأراكَ بالقَلبِ الذي لا يَغْفَل
يجري القَضاءُ بما تشاءُ فنازِحٌ / ومُقَرَّبٌ ومُؤجَّلٌ ومُعَجَّل
لك صِدْقُ وعدِ اللّهِ في فُرقَانِهِ / لا ما يقولُ الجاهلونَ الضُّلَّل
نَصَرَ الإلهُ على يدَيكَ عِبادَهُ / واللّهُ يَنْصُرُ من يَشاء ويَخذُل
لنْ يَسْتَفِيقَ الرّومُ من سَكَراتِهم / إنّ الذي شرِبوا رَحيقٌ سَلْسل
عَرَفوا بكَ الملكَ الذي يجدُونَهُ / في كُتْبِهم ورأوا شُهودَك تَعْدِل
ونَحَتْ بني العبّاس منكَ عزيمَةٌ / قد كان يعْرِفُها المَليكُ الهِرْقِل
فَلْيَعْبُدُوا غيرَ المسيحِ فليس في / دينِ الترهُّبِ عن سُيوفك مَزحل
حَمَلوا مَنايا الخوْفِ بينَ ضُلوعِهِمْ / إنّ الحِذارَ هو الحِمامُ الأعْجَل
وهل استعارُوا غيرَ خوْفِ قلوبهم / أو حُدِّثوا أنّ الطِّباعَ تُحَوَّل
لهمُ الأماني الكاذباتُ تَغُرُّهُمْ / ولنا جُيوشُكَ والقَنا والأنصُل
حسْبُ الدُّمُستُق منك ضرْبٌ أهرَتٌ / هَدِلٌ مَشافِرُهُ وطَعْنٌ أنْجَل
ووقائِعٌ بالجِنِّ منها أولَقٌ / وكتائِبٌ بالأسْدِ منها أفْكَل
وعَجاجَةٌ شَقَّتْ سيوفُ الهِندِ من / أكمامِها فكأنّمَا هي خَيْعَل
تُسْفَى على وجْهِ الصّباحِ كأنّما / في كلّ شارِقَةٍ كثيبٌ أهْيَل
فَيُبَثُّ فوْقَ البَدْرِ منها عَنبرٌ / ويُذَرُّ فوقَ الشمس منها صَنْدَل
والأُفْقُ أُفْقُ الأرضِ منها أكهبٌ / والخَرْقُ خَرْقُ البِيدِ منها أطحَل
جيْشٌ تَخُبُّ سفينُهُ وجِيادُهُ / فتضِيقُ طامِيَةٌ وقُفٌّ مجهَل
لم يَبْقَ صُبْحٌ مُسْفِرٌ لم يَنْبَلِجْ / فيه ولم يَبْرَحْهُ لَيْلٌ أليَل
في كلِّ يومٍ من فُتُوحِكَ رائحٌ / غادٍ تَطيبُ به الصَّبا والشَّمْأل
قد كان لي في الحرْبِ أجزَلُ منطقٍ / ولَمَا أُعايِنُ من حُروبك أجزل
ولَمَا شَهِدْتَ من الوقائع إنّها / أبْقَى من الشِّعْرِ الذي يُتَمثَّل
أفغَيرَ ما عاينتُ أبْغي آيَةً / من بَعِدهَا إني إذاً لَمُضَلَّل
هل زلّتِ الأقدامُ بعد ثبوتها / أمْ زاغتِ الأبْصارُ وهي تأمَّل
تلك الجزيرةُ من ثُغوركَ بَرْزَةٌ / نُورُ النّبُوّةِ فوقَها يتَهَلَّل
أرضٌ تَفَجَّرَ كلُّ شيءٍ فوقَها / بدَمِ العِدى حتى الصّفا والجَندل
لم تَدْعُ فيه العُصْمَ إلاّ دَعْوَةً / حتى أتَتْكَ منَ الذُّرَى تتنزَّل
لم يَبقَ فيها للأعاجمِ مَلجَأٌ / يُلْجا إليه ولا جَنابٌ يُؤهَل
منَعَ المَعاقلَ أن تكونَ مَعَاقِلاً / مَوجُ الأسنّةِ حولَها يتصلصَل
نَفَّلْتَ أطرافَ السّيوفِ قَطِينَها / عَوداً لِبَدءٍ إنّ مثلكَ يَفعَل
وَرَجا البطارقُ أن تكونَ لثَغرِهم / باباً فغُودِرَ وهو عنهم مُقْفَل
ما كَرَّ جيشُكَ قافِلاً حتى خَلَتْ / تِلكَ الهِضابُ مُنِيفَةً والأجبُل
من كلّ ممنُوعٍ صياصيها يُرَى / ليْلاً بحيثُ يُرى السِّماكُ الأعزَل
ضَمِنَ الدُّمُستُقُ منكَ منعَ حريمها / هَلاّ امتِناعَ حَريمِهِ لو يَعقِل
وأرادَ نَصْرَ المشركينَ بجَحْفَلٍ / لَجِبٍ فأوّلُ ما أُصِيبَ الجَحْفل
فكتائبٌ أعجلْتَها لم تنجفِلْ / وكتائبٌ في اليَمِّ خاضَتْ تُجفِل
والموجُ من أنصارِ بأسك خلفَها / فالموجُ يُغْرِقُها وسيفُك يقتُل
كُنّا نُسمّي البحرَ بحراً كاسمِهِ / ونقولُ فيهِ للسَّفائنِ مَعقِل
فإذا به من بعض عُدَّتكَ الّتي / ما للدُّمستقِ عن رَداها مَزحل
فكأنّهُ لكَ صارمٌ أعدَدتَهُ / وكأنّهُ مذ ألفِ عامٍ يُصْقَل
ذا المجْدُ لا يُبْغَى سِواهُ وذا الذي / يبقى لآلِ محمّدٍ ويُؤثَّل
والمدحُ في ملِكٍ سِواك مُضَيَّعٌ / والقَوْلُ في أحَدٍ سِواكَ تَقَوُّل
أفغيرُ عَصركَ يُرتَجَى أم غيرُ نَيْ / لِكَ يُجْتَدى أم غيرُ كفِّك يُسأل
قد عَزَّ قبلَكَ أن يُعَدَّ لِمَعْشَرٍ / مَلِكٌ هُمامُ أو جَوادٌ مِفْضَل
لو كنْتَ أنتَ أبا البرِيّةِ كُلّهَا / ما كان في نَسْلِ العِبادِ مُبَخَّل
ولكَ الشَّفاعَةُ كأسُها وحِياضُها / ولكَ المَعِينُ تَعُلُّ منهُ وتُنْهِل
وكفاكَ أن كنْتَ الإمامَ المرتضَى / وأبوكَ إنّ عُدَّ النبيُّ المُرسَل
أمّا الزّمانُ فواحِدٌ في نَجْرِهِ / لكِنّ أقْرَبَهُ إليكَ الأفضَل
لي مُهْجَةٌ تَرفَضُّ فيك تشَيُّعاً / حتى تكادَ مع المدائح تَهْمُل
لكنّني من بعد ذاك وقَبْلِهِ / عَينُ الخَطيءِ فهل لديكَ تَقَبُّل
فلغايتي مُسْتَقْصِرٌ ولمِقوَلي / مُستعجِزٌ ولهاجسي مُستجهِل
ما حيلتي في النّفسِ إلاّ عَذلُهَا / إن كان ينفَعُ في المَكارِهِ عُذُّل
إني لمَوْقوفٌ على حَدَّينِ مِنْ / أمري فَذا مُعْيٍ وهذا مُشْكِل
أمّا ثَنائي فهو عنك مُقَصِّرٌ / والعيُّ بالفُصَحاءِ ما لا يَجْمُل
يا خَجْلَةَ الرَّكْبِ الذينَ غَدَوْا إذا / ما ضمَّ أشعاري ومجدَكَ مَحفِل
منْ كُلّ شاردَةٍ إذا سَيَّرتُهَا / وخَدَتْ بهِنَّ اليَعْمُلاتُ الذُّمَّل
هيهاتَ ما يُشفَى ضلوعي من جَوىً / ولوَ أنّ مثلي في مديحِكَ جَرْوَل
ولوَ انّ نَصْلَ السيْفِ ينطِقُ في فمي / لارتَدَّ ينْبُو عن عُلاكَ ويَنْكُل
ولوَ انّ شُكرْي عن لسان الوحي لم / يَبْلُغْ مقالي ما رأيتُكَ تَفعَل
هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ
هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ / أرجو زماناً والزمانُ حُلاحِل
وأعَزُّ مفْقُودٍ شبابٌ عائِدٌ / من بعدِ ما ولّى وإلْفٌ واصلُ
ما أحسَنَ الدّنْيا بشَمْلٍ جامِعٍ / لكنّها أُمُّ البَنينَ الثّاكِلُ
جرَتِ اللّيالي والتّنائي بينَنَا / أُمُّ الليّالي والتّنائي هابِلُ
فكأنّمَا يوْمٌ ليومٍ طاردٌ / وكأنّمَا دَهْرٌ لدَهْرٍ آكل
أعَلى الشّبابِ أم الخليطِ تَلَدُّدي / هذا يُفارِقُني وذاك يُزايِل
في كلِّ يوْمٍ أسْتَزيدُ تجارِباً / كم عالمٍ بالشيءِ وهو يُسائِلُ
ما العِيسُ ترحلُ بالقِبابِ حميدةً / لكنّهَا عَصْرُ الشبابِ الراحلُ
ما الخمْرُ إلاّ ما تُعَتِّقُهُ النّوَى / أوْ أُختُهَا ممّا تُعَتِّقُ بابل
فمزاجُ كأسِ البابِلِيّةِ أوْلَقٌ / ومِزاجُ تلك دمُ الأفاعي القاتل
ولقد مَرَرْتُ على الدّيارِ بمَنْعِجٍ / وبها الذي بي غيرَ أنّي السّائل
فَتَوافَقَ الطَّلَلانِ هذا دارسٌ / في بُرْدَتَيْ عَصْبٍ وهذا ماثل
فَمَحا مَعالمَ ذا نجيعٌ سافكٌ / ومحا مَعالِمَ ذا مُلِثٌّ وابل
يا دارُ أشبَهَتِ المها فيكِ المَهَا / والسِّرْبَ إلاّ أنّهُنَّ مَطافل
نَضَحَتْ جوانحَكِ الرّياحُ بلؤلؤ / للطَّلِّ فيه رَدْعُ مِسْكٍ جائل
وغَدَتْ بجْيبٍ فيكِ مشقوقٍ لها / نَفَسٌ تُرَدِّدُهُ ودَمْعٌ هامل
هَلاّ كعهدِكِ والأراكُ أرائِكٌ / والأثلُ بانٌ والطُّلُولُ خمائل
إذ ذلك الوادي قَناً وأسِنّةٌ / وإذِ الدّيارُ مَشاهدٌ ومحافل
وعوابسٌ وقَوانِسٌ وفَوارِسٌ / وكوانسٌ وأوانسٌ وعقائل
وإذِ العِراصُ تبيتُ يَسحَبُ لأمَةً / فيها ابنُ هَيْجاءٍ ويصفِنُ صاهل
وتَضِجُّ أيْسارٌ ويَصْدَحُ شاربٌ / وتَرِنُّ سُمّارٌ ويَهْدِرُ جامل
بُعْداً للَيْلاتٍ لنا أفِدَتْ ولا / بَعُدَتْ لَيالٍ بالغميمِ قلائل
إذ عيْشُنَا في مثْلِ دولَةِ جَعفَرٍ / والعَدْلُ فيها ضاحكٌ والنّائل
ندعوهُ سيْفاً والمنيّةُ حَدُّهُ / وسِنانَ حَرْبٍ والكتيبةُ عامل
هذا الذي لولا بقيّة عدلِهِ / ما كان في الدنيا قضاءٌ عادل
لو أشْرَبَ اللّهُ القلوبَ حَنانَهُ / أو رِفْقَهُ أحْيا القتيلَ القاتل
ولوَ انّ كلَّ مُطاعِ قومٍ مثلُه / ما غَيّرَ الدَّوْلاتِ دَهرٌ دائل
إن كان يعْلَمُ جَعْفَراً عِلمي بِهِ / بَشَرٌ فليس على البسيطَةِ جاهل
يَوْماهُ طَعْنٌ في الكريهةِ فَيصَلٌ / أبداً وحُكْمٌ في المَقامَةِ فاصل
بطَلٌ إذا ما شاءَ حَلّى رُمْحَهُ / بدَمٍ وقُرِّبَ منْهُ رُمحٌ عاطل
أعطى فأكثرَ واستَقَلَّ هِباتِهِ / فاسْتَحْيَتِ الأنواءُ وهي هوامل
فاسمُ الغمامِ لديه وهو كَنَهْوَرٌ / آلٌ وأسماءُ البحورِ جداول
لولا اتّساعُ مذاهبِ الآفاقِ مَا / وسِعَتْ له فيها لُهىً وفواضل
إن لَجّ هذا الوَدْقُ منه ولم يُفِقْ / عمّا أرى هذا الصَّبيرُ الوابل
فسينقضي طَلَبٌ ويُفقَدُ طالبٌ / وتَقِلُّ آمالٌ ويُعْدَمُ آملُ
شِيَمٌ مَخِيلَتُها السَّماحُ وقَلّما / تَهْمي سحابٌ ما لهنَّ مَخايل
هّبتْ قَبُولاً والرّياحُ رَوَاكِدٌ / وأتَتْ سماءً والغيومُ غَوافل
تَسْمو به العَينُ الطَّموحُ إلى التي / تَفنى الرِّقابُ بها ويَفْنى النائل
نَظَرَتْ إلى الأعداءِ أوّلَ نَظْرَةٍ / فَتَزَايَلَتْ منْهُ طُلىً ومَفاصل
وثَنَتْ إلى الدنيا بأُخرى مثلِها / فتقسَّمَتْ في النّاسِ وهي نَوافل
لم تَخْلُ أرضٌ من نَداهُ ولا خلا / من شكْرِ ما يولي لسانٌ قائل
وطىءَ المحُولَ فلم يُقدِّمْ خطوةً / إلاّ وأكنْافُ البِلادِ خَمائِل
ورأى العُفاةَ فلمْ يَزِدْهُمْ لحظَةً / إلاّ وكِيرانُ المَطِيِّ وذائل
تأتي له خَلفَ الخُطوبِ عزائِمٌ / تُذكَى لها خلفَ الصّباحِ مشاعل
فكأنّهُنّ على العُيونِ غَياهِبٌ / وكأنّهُنّ على النّفوسِ حبائل
المُدركاتُ عدُوَّهُ ولوَ انّهُ / قَمَرُ السّماءِ لَهُ النُّجومُ مَعاقِل
وإذا عُقابُ الجَوِّ هَدْهَدَ رِيشَها / صَعِقَتْ شواهِينٌ لها وأجادل
مَلِكٌ إذا صَدِئَتْ عليهِ دروعُهُ / فلها من الهَيجاء يومٌ صاقل
وإذا الدّماءُ جَرَتْ على أطْواقها / فمن الدِّماءِ لها طَهورٌ غاسل
مُلِئَتْ قلوبُ الإنسِ منه مهابَةً / وأطاعَهُ جِنُّ الصَّريمِ الخابل
فإذا سمِعتَ على البِعادِ زَئِيرَهُ / فاذهَبْ فقد طَرَقَ الهِزَبْرُ الباسل
لو يَدَّعِيهِ غيرُ حيٍّ ناطِقٍ / لَغَدَتْ أسودُ الغَابِ فيه تجادل
تَنْسَى له فُرسانَها قَيسٌ ولمْ / تَظلِمْ وتُعرِضُ عن كُلَيبٍ وائل
هَجَماتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُقابلٌ / وجِهاتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُخاتِل
فانهَض بأعْباءِ الخِلافَةِ كلِّهَا / إنّ المُحَمَّلَهُنَّ عَودٌ بازل
ولقد تكونُ لكَ الأسِنّةُ مَضْجَعاً / حتى كأنّكَ من حِمامِك غافل
تَغْدو على مُهَج الليوثِ مُجاهِراً / حتى كأنّكَ مِنْ بِدارٍ خاتل
تلكَ الخلافَةُ هاشمٌ أربابُهَا / والدِّينُ هاديها وأنتَ الكاهل
هل جاءها بالأمسِ منكَ على النوى / يومٌ كيومكَ للمسامع هائل
وسُرَاكَ لا تَثنيكَ حِدَّةُ مأتَمٍ / رُجُفٌ نَوادِبُهُ وخَبْلٌ خابِل
وقد التَقَتْ بِيدٌ وقطرٌ صائبٌ / ومسالكٌ دُعْجٌ وليلٌ لائل
وجَرَتْ شِعابٌ ما لهُنَّ مَذانِبٌ / وطَمَتْ بحارٌ ما لهنّ سَواحل
تَمْضي ويَتبَعُكَ الغَمامُ بوَبْلِهِ / فكأنّهُ لك حيثُ كنتَ مُساجل
سارٍ كأنّ قتيرَ دِرعِكَ فوقَهُ / كُففَاً وجُودُ يَدَيكَ منه هامل
ووراءَ سيفكَ مُصلَتاً وأمامَهُ / جيشٌ لجيش اللّه فيه منَازل
مُثْعَنْجَرٌ يَبرينُ فيهِ وعالِجٌ / والأخشَبانِ مُتالِعٌ ومُواسِل
فكأنّما الهَضَبَاتُ منه أجارعٌ / وكأنّما البُكراتُ منه أصائِل
وكأنّما هُوَ منْ سَماءٍ خارجٌ / وكأنّما هو في سَماءٍ داخِل
تلتَفُّ خُرْصانُ العَوالي فوقَهُ / فكأنّما الآفاقُ منْهُ خَمائِل
والحِيرَةُ البيضاءُ فيه صَوارِمٌ / والخطُّ من غَسّانَ فيه ذوابل
والأُسْدُ كلُّ الأُسْدِ فيه فَوارِسٌ / والأرضُ كلُّ الأرضِ فيه قَساطل
تُطْفي له شُعَلَ النُّجوم أسِنّةٌ / ويُغَيِّرُ الآفاقَ منه غَياطل
كالمُزْنِ يَدلحُ فالرُّعودُ غَماغِمٌ / في حَجرْتَيْهِ والبُروقُ منَاصل
فدَمٌ كَقَطْرٍ صائبٍ لكِنّ ذا / بجميعِهِ طَلٌّ وهَذا وابل
فيه المذاكي كلُّ أجْرَدَ صِلدِمٍ / يَدمَى نَساً منه ويَشْخُبُ فائل
مِنْ طائِراتٍ ما لهُنّ قَوادِمٌ / أو مُقْرَباتٍ ما لهنّ أياطل
فكأنّما عَشَمَتْ لهنّ مرافِقٌ / وكأنّما زَفَرَتْ لهُنَّ مَراكِل
أللاء لا يَعْرِفْنَ إلاّ غَارَةً / شَعْواءَ فهي إلى الكُماةِ صواهل
اللاحِقاتُ وراءَهَا وأمامَها / فكأنّهُنّ جَنائبٌ وشَمائل
مُقْوَرَّةٌ يكْرَعنَ في حوض الردى / وِرْدَ القَطا في البِيدِ وهي نواهل
فالنَّجْدُ في لَهَواتِها والغورُ وال / فلَقُ المُلَّمعُ والظّلامُ الحائل
والمجدُ يلقى المجْدَ بين فُرُوجِهَا / ذا راحِلٌ مَعَها وهذا قافل
حتى أنَخْتَ على الخِيامِ إناخَةً / فَغَدَتْ أعالِيهِنَّ وهي أسافل
يا رُبَّ وادٍ يومَ ذاكَ تركْتَهُ / وقطينُهُ فيه أتِيٌّ سائلُ
فاجَأتَهُ مَحْلاً وفجَّرْتَ الطُّلى / فجَرَتْ مَحانٍ تحتَه وجداول
ووطِئتَ بينَ كِناسِهِ وعرينِهِ / فأُصيبَ خادِرُهُ ورِيعَ الخاذل
غادَرْتَهُ والموتُ في عَرَصاتِهِ / حَقٌّ وتضْليلُ الأماني باطِل
تَمْكو عليه فرائصٌ وتَرائِبٌ / وتَرِنُّ فيه سواجِعٌ وثواكل
لا النّارُ أذكَتْ حَجْرَتَيْهِ وإنّما / مَزَعَتْ جيادُكَ فيه وهي جوافل
لا رأيَ إلاّ ما رأيتَ صَوابَهُ / في المُشكِلاتِ وكلُّ رأيٍ فائِل
لو كان للغَيْبِ المُستَّرِ مُدرِكٌ / في النّاسِ أدركَهُ اللّبيبُ العاقِل
والحازمُ الدّاهي يُكابِدُ نفْسَهُ / أعداءَهُ فتراهُ وهو مُجامل
ويكادُ يَخفَى عن بَناتِ ضميرِهِ / مكتومُ ما هو مُبتَغٍ ومحاول
إذهَبْ فلا يَعْدمك أبيضُ صارمٌ / تَسْطو به قِدْماً وأسمَرُ ذابل
لا عُرّيَتْ منكَ الليالي إنّهَا / بك حُلِّيَتْ والذّاهباتُ عواطِل
ما العُربُ لولا أنْتَ إلاّ أيْنُقٌ / زُمّتْ لِطِيَّتِها وحَيٌّ راحلُ
ما المُلْكُ دونَ يديكَ إلاّ عُرْوَةٌ / مفصُومَةٌ وعَمودُ سَمْكٍ مائل
فليتركوا أعلى طريقِكَ إنّهُ / لكَ مَسْلَكٌ بين الكواكبِ سابل
قد أُكِرهَ الحافي فمَرّ على الثَّرَى / رَسْفاً وطار على القَتادِ النّاعل
كلُّ الكِرامِ من البَريّةِ قائِلٌ / في المكرماتِ وأنتَ وحدَكَ فاعل
لو أنّ عَدْلكَ للأحِبّةِ لم تَبِتْ / بالعاشقينَ صَبابةٌ وبلابل
فتركْتَ أرضَ الزّابِ لا يأسَى أبٌ / لابنٍ ولا تَبْكي البُعولَ حلائلُ
ولقد شهِدتَ الحرْبَ فيها يافِعاً / إذ لا بنفسِكَ غيرُ نفسكَ صائل
والمُلْكُ يومئِذٍ لواءٌ خاِفقٌ / يَلقَى الرّياحَ وليسَ غيرُكَ حامل
فسَعَيْتَ سَعيَ أبيكَ وهو المُعتَلي / وورِثْتَ سْيفَ أبيكَ وهو القاصل
أيّامَ لم تُضْمَم إليكَ مَضارِبٌ / منه ولم تَقْلُصْ عليك حَمائل
فخضَبْتَهُ إذ لا تَكادُ تَهُزُّهُ / حتى تَنُوءَ بهِ يَدٌ وأنامِل
وافَى بنانَ الكفِّ وهي أصاغِرٌ / فسَطَتْ به الهِمّاتُ وهي جلائل
من كان يَكفُلُ شُعْبَةً من قومهِ / كرَماً فأنْتَ لكُلِّ شَعْبٍ كافل
فإذا حللت فكل واد ممرع / وإذا ظعنت فكل شِعب ماحل
وإذا بَعُدْتَ فكلُّ شيءٍ ناقِصٌ / وإذا قَرُبْتَ فكلُّ شيءٍ كامل
خَلَقَ الإلهُ الأرضَ وهي بلاقعٌ / ومكانُ مَا تَطَأونَ منها آهِل
وبرا الملوكَ فجادَ منهم جعفَرٌ / وبنو أبِيهِ وكلُّ حَيٍّ باخل
لو لم تَطِيبُوا لم يَقِلَّ عَديدُكُم / وكذاكَ أفْرادُ النُّجومِ قلائل
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا
وأبْيَضَ من ماءِ الحديدِ كأنّمَا / يبِيتُ عليه من خشونَتِهِ طَلُّ
ألا ثَكَلَتْ أُمُّ امرىءٍ هو بَزُّهُ / إذا لم يُفارِقْ عِزَّ أيّامِهِ الذُّلُّ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ
هُنالِكَ عَهْدي بالخليطِ المُزايلِ / وفي ذلكَ الوادي أُصيبَتْ مَقاتلي
فلا مِثْلَ أيّامٍ لَنا ذَهَبِيّةٍ / قصيرةِ أعْمارِ البَقاءِ قلائلِ
إذِ الشَّمْلُ مجموعٌ بمنزِلِ غِبْطَةٍ / ودارِ أمَانٍ من صُرُوفِ الغَوائل
لَياليَ لم تأتِ اللّيالي مَساءتي / ولم تَقْتسِمْ دَمعْي رُسومُ المنازل
وأسْماءُ لم يَبْعُدْ لِهَجرٍ مَزارُهَا / ولم تتقَطّعْ باقِياتُ الرّسائل
ألا طرَقتْ تَسري بأنفاسِ رَوْضَةٍ / وأعْطافِ مَيّاسٍ من البانِ ذائل
فيا لكَ وَحْشِيّاً من العِينِ شارِداً / أُتِيحَ لإنْسيٍّ ضَعيفِ الحبائل
أأسْماءُ ما عهْدي ولا عهدُ عاهِدٍ / بخِدرِكِ يسري في الفيافي المَجاهل
فإنّكِ ما تَدرينَ أيَّ تَنائِفٍ / قطعْتُ بمكحولِ المدامعِ خاذل
تأوَّبَ مُرخَاةً عليه سُتُورُهُ / هُدُوءاً وقد نَامتْ عيونُ العَواذل
وإنّي إذا يَسْري إليَّ لَخائِفٌ / عليه حِبالاتِ العيونِ الحوائل
أغارُ عليْهِ أن يُجاذبَهُ الصِّبَا / فُضُولَ بُرُودٍ أو ذُيولَ غلائل
وقد شاقني إيماضُ بْرقٍ بذي الغَضى / كما حُرِّكتْ في الشمس بيض المناصل
إذا لم يَهِجْ شوْقي خَيالٌ مُؤرِّقٌ / تَطَلّعَ من أُفقِ البُدورِ الأوافِل
وما النّاسُ إلاّ ظاعِنٌ ومودِّعٌ / وثاوٍ قريح الجفنِ يبكي لراحل
فهل هذه الأيّامُ إلاّ كما خَلا / وهل نحنُ إلاّ كالقُرُونِ الأوائل
نُساقُ من الدّنيا إلى غيرِ دائِمٍ / ونبكي من الدنيا على غيرِ طائل
فما عاجِلٌ نَرْجوهُ إلاّ كآجِلٍ / ولا آجِلٌ نخشاه إلاّ كعاجلِ
فلو أوطَأتْني الشمسَ نعْلاً وتوَّجتْ / عِبِدّايَ تِيجانَ المُلوكِ العباهِل
ولو خُلِّدَتْ لم أقضِ منْها لُبانَةً / وكيْفَ ولم تَخْلُدْ لبكرِ بن وائل
لقوْمٍ نَمَوْا مثْلَ الأميرِ محمّدٍ / ففاؤوا كما فاءتْ شموسُ الأصائل
وإنّ بهِ منهمْ لكُفْواً ومَقْنَعاً / ولكنّنا نأسى لِفَقْدِ المَقاوِل
إذا نحنُ لم نَجْزَعْ لمن كان قبلَنا / لَهَوْنَا عن الأيّام لَهْوَ العقائل
ولكن إذا ما دامَ مثلُ محمّدٍ / ففي طَيِّ ثَوْبَيْهِ جميعُ القبائل
تَسَلَّ به عّمنْ سواه ومثلُهُ / يُريكَ أباه في صُدورِ المحافل
وإنّ مُلُوكاً أنْجَبَتْ ليَ مِثْلَهُ / أحَقُّ بني الدنْيا بتأبينِ عاقل
هُمُ أورَثوهُ المجدَ لا مجدَ غيرُهُ / وهم خيرُ حافٍ في البلاد وناعل
لهم من مَساعِيهِمْ دُرُوعٌ حصِينَةٌ / تُوَقّيهِمُ من كلِّ قوْلٍ وقائل
وهم يتَّقُونَ الذَّمَّ حتى كأنّهُ / ذُعافُ الأفاعي في شِفارِ المناصل
وحُقَّ لهمْ أن يَتّقوهُ فلمْ تَكُنْ / تُصابُ بهِ الأعراضُ دونَ المَقاتل
أُولئك مَن لا يُحسِنُ الجودَ غيرُهم / ولا الطَّعنَ شَزراً بالرِّماح الذوابل
فلم يَدْرِ إلاّ اللّهُ ما خُلِقُوا لهُ / ولا ما أثاروا من كُنوزِ الفضائل
شبيهٌ بأعلامِ النُّبوَّةِ ما أرى / لهم في النَّدى من مُعجزاتِ الشَّمائل
أُجِلُّكَ عَزَّ اللّهُ ذكْرَكَ فارساً / إذا صُرَّ آذانُ الجِيادِ الصَّواهِل
وما لسيوفِ الهندِ دونَكَ بَسْطَةٌ / ولو زِيدَ فِيه مثلُ ذَرع الحَمائل
تُرَشِّفُها في السّلْمِ ماءَ جُفونِها / فتَجزَأُ عن ماء الطُّلى والبآدل
وتَقلِسُ مِنْ رِيٍّ إذا ما أمَرْتَها / بتَصْديعِ هاماتٍ وفَتْقِ أباجل
فلا تَتَبعِ الحُسّادَ منكَ مَلامَةٌ / فما شَرَفُ الحُسّادِ منكَ بِباطل
وكم قد رأينَا من مَسولٍ وسائِلٍ / قديماً ومن مَفضُولِ قومٍ وفاضل
فكُلُّهُمُ يَفْديكَ من مُتَهلِّلٍ / إلى المُجتَدي العافي وأربَدَ باسل
تَقيكَ دِماءُ القِرْنِ من مُتَخَمِّطٍ / على القِرنِ مشبوحِ اليدين حُلاحِل
ضَمِينٌ بلَفِّ الصّفِّ بالصّفِّ كلما / تَبَاعدَ ما بينَ الكلى والعوامل
تُؤنِّسُهُ الهَيجا ويُطرِبُ سَمعَهُ / صريرُ العَوالي في صُدورِ الجَحافل
هو التّاركُ الثغْرَ القَصِيَّ دُروبُهُ / مَقَرّاً لفُسطاطٍ وداراً لنازل
فعارِضُهُ الأهْمَى لأوّلِ شائِمٍ / ودِرَّتُهُ الأولى لأوّلِ سائل
تَجودُكَ مِن يُمنْاهُ خمسةُ أبحُرٍ / تفيضُ دِهاقاً وهي خمسُ أنامل
عَطاءٌ بِلا مَنٍّ يُكَدِّرُ صَفْوَهُ / فليسَ بمنّانٍ وليسَ بباخل
تَرَى الملِكَ المخدومَ في زِيّ خادمٍ / حَوالَيْهِ والمأمولَ في ثوبِ آمل
كأنّا بنوه أهلُهُ وعَشِيرُهُ / يُرَشِّحُنَا بالمَأثُراتِ الجلائل
يُطيفُ بطَلق الوجهِ للعُرْفِ قائلٍ / وبالعُرْفِ أمّارٍ وللُعرْفِ فاعل
بمبسوط كفِّ الجودِ للرّزقِ قاسِمٍ / ومسلولِ سيْفِ النصرِ للدين شامل
فتىً كلُّ سعيٍ من مساعيهِ قِبلةٌ / يُصَلّي إليها كلُّ مجْدٍ ونائل
وفي كُلّ يوْمٍ فِيهِ للشّعرِ مَذهَبٌ / على أنّهُ لم يُبْقِ قَوْلاً لِقائل
لي صارمٌ وهو شيعيٌّ كحامِلِهِ
لي صارمٌ وهو شيعيٌّ كحامِلِهِ / يكادُ يسبِقُ كَرّاتي إلى البَطَلِ
إذا المُعِزُّ مُعِزُّ الدّينِ سَلّطَهُ / لم يَرْتَقِبْ بالمَنايا مُدّةَ الأجَل
هو السيفُ سيف الصِّدق أمّا غِرارُهُ
هو السيفُ سيف الصِّدق أمّا غِرارُهُ / فَعَضْبٌ وأمّا مَتْنُهُ فَصَقِيل
يَشيعُ لهُ الإفْرِنْدُ دَمعاً كأنّمَا / تذكّرَ يومَ الطَّفِّ فهو يَسيل
بأكثبة الدهناء منهم منازل
بأكثبة الدهناء منهم منازل / وأندية يغدو عليها المقاول
تنافس أيّام المكارم بينها / بألسنة يهتزّ منها مناصل
ندامى الندى والخمر تسعى عليهمُ / بأزلامهم لُعس الشفاه عقائل
وفي الحيّ بيضاء التراقي كأنّها / صفيحة هنديّ جلاها الصياقل
تميمية لم يعرف الذلّ قومُها / ولا نكباتِ الدهر وهي غوائل
وفي قضُب الخطّي يهتزّ حولها / مَشابهُ من أعطافها وشواكل
أبيت لها في مثل هميّ وشعرِها / من الليل أسري والمطايا ذوامِلُ
ومن حبّها أني أكتِّم حبها / وأنّي بها صبٌّ كأنّيَ ذاهل
أُداري الهوى عنها وأخضع للعدى / وأخشى عليها ما تجرّ الغوائل
وقد جعلت تبأى علينا بقومها / وفي وجهها شغل عن الفخر شاغل
فقلت لها صه يا ابنة القيل إننا / بنو المجد نرمي دونه ونناضل
وإنا لمن قوم همُ ورثوا العلى / على حين لم تخلق تميمٌ ووائلُ
ألم تر أن الناس في كلّ موطن / تحلّ حلول الموت فيها الصّواهل
إذا ما كميٌّ لم يجد طرقَ دِرعه / ولم يدر يومَ السيف أين الحمائل
وإنا لنعظي يعرباً حقّ يعرب / وإنا سوانا من سواها الأباطل
وهبنا تركنا أن نعدّد ما خلا / وسارت به منّا القرون الأوائل
أليس لنا في عصرنا من ملوكنا / من الفخر ما نعلو به ونطاول
لنا مثل يحيى والبريّة كلّها / له خول حتى الملوك العباهل
فتى لو ترى الأنواء في الجود رأيه / لما انجاب غيمٌ عن قرى الأرض هاطل
ولو صالت الأسدُ الغضاب مصالَهُ / لما امتنعت منها الجيوش الجحافل
ولو فصل الله الحكومةَ فصلَه / لما اختلفت بالمشكلات الأقاول
ولو علم الناس الخفيّات مثله / لما كان في الأرض العريضة جاهل
به نصرةُ الأحساب إن قام داغِلٌ / يفاخره أو ذو لسان يجادل
فلو لم يكن في مفخر غيرُ حبّه / كفاني إذا التفّت عليّ المحافل
وإنّي له من أسعد الناس كلهم / لئن لم تحاربني عليه القبائل
ستنظم لي فيه نزارٌ مكايدا / ويحسدني عاف عليه ونائل
إذا كنتَ مدّاحَ الملوك فمثله / وإلا فلم تلهج بما أنت قائل
فما الصدق كل الصدق إلا مديحه / وإلا فإن القولَ إفكٌ وباطل
ولا الناس في كنه الحقيقة غيرُه / ولا بعده إلا السوام القلائل
فمن كان منهم عاجزا فهو قادر / ومن كان منهم ناقصا فهو كامل
فلا جالت الفرسانُ إلا لنصره / ولا حملتها المقرباتُ الصواهل
ولا قلّبت تلك السلاح أكفُّها / ولا وصلت تلك الأكفَّ الأنامل
ألا إنما أنت الحياة لعاقل / وإلا فما للعيش بعدك طائل
وكل مليك غيرك اليومَ سُوقةٌ / وكل جواد غيرَك اليوم باخل
لقد جمع اللَه العلى لك كلها / وتمت لعصر أنت فيه الفضائل
وأدرك راج منك ما هو طالب / وأعطيَ دهرٌ منك ما هو آمل
ودارت رحى الهيجا عليك بأسرها / ولاذت بحقويك القنا والقنابل
فتضربهم ما دام للسيف قائم / وتطعنهم ما دام للرمح عامل
كأنك تعتد الوشيج حدائقا / مفوفة تستنُّ فيها جداول
أو الخمر صرفا ما يمجّ لك الطلى / أو المسكَ ما تسفي عليك القساطل
وأنت ربيع الناس والجيش نازل / وأنت قريع الجيش والجيش راحل
فلا حيةٌ إلا لها منك قاتل / ولا أسدٌ إلا له منك آكل
لقد دام من والاك في ظل غبطة / وأمُّ الذي يشقى بسُخطك هابل
وما لامرئٍ من خوف بأسك مهرب / ولكنما الدنيا عليه حبائل
رضاك رضى الدنيا إذا هي أقبلت / وسخطك سخط الدهر والدهر غائل
وحربك حربٌ ليس يصلى بنارها / وأمرك أمر للفرائض هائل
نظرت فما للملك غيرك حازم / لبيب ولا في الناس غيرَك عاقل
ولا في بلاد الله غيرك معقل / لحر إذا ما قيل أين المعاقل
وأقسم ما في غير نفسك منة / لمجد ولا في طبع غيرك نائل
بهذا ألاقي الله يوم لقائه / وهذا هو الحق الذي أنا قائل
وإن كنت قد حسنت ظني بالورى / وغير الورى من حسن ما أنت فاعل
تريع ولم يعطفك غيرك عاطف / وتعطي ولم يسألك غيرك سائل
وما يبتغي العافي لديك وسيلة / إذا ابتغيت عند الملوك الوسائل
شهدت ولم أكتمكها من شهادة / بأنك للدنيا وللدين كافل
وأنك أوفى العالمين بذمة / وأطولهم باعا إلى ما تحول
وأسمحهم كفا إذا جاد جائد / واربطهم جأشا إذا صال صائل
فما للواء الدين غيرك رافع / ولا لقناة الدين غيرَك حامل
ولا بارق من غير بشرك لامع / ولا عارض من غير كفّك هامل
فمن كان مسبوقا فإنك سابق / ومن كان مفضولا فإنك فاضل
إذا طلب الجهالُ يوما دلائلا / على الشمس لم تُطلب عليك دلائل
هل تملك الدار رجعَ سائلها
هل تملك الدار رجعَ سائلها / وتقبلُ النفس عذل عاذلها
دار لوحشيةُ النصيف إذا / فؤادي السربُ من عقائلها
غبينةٌ بُدّلت بخردها / أو الف الرحل من خواذلها
فأخرست من ضجيج سامرها / وأوحشت من رغاء جاملها
كأنما حرب أحمدٍ وقدت / ما بين مأهولها وآهلها
من ساور الرقشَ في مكامنها / واستنزل العصم من معاقلها
من يعرُبَ الأكرمين في نسب / يشارك الشمسَ في منازلها
من أبحر المكرمات حيث طمت / وسائرُ الناس من جداولها
حذار من أن ترى فوارسها / مقنعات على صواهلها
إذ لا رعودَ سوى هماهمها / ولا بروقَ سوى مناصلها
أهل السيوف اليمانيات إذا / انتمت تميمٌ إلى صياقلها
فمن جياد أحفوا سنابكها / حتى تمشت على مراكلها
ومن قنا أكرهوا أسنتها / حتى تشكت إلى عواملها
فقل لأهل الغيطاء والإبل ال / جرباء من بركها وشائلها
فهل لكم فارسٌ كفارسها / وهل لكم نائل كنائلها
إني وإن لم أفز بنسبتها / ولم أورث على أوائلها
فلا أرى قائلا كقائلها / مجدا ولا فاعلا كفاعلها
ولا أرى أحمدا كأحمدها / لمرتقي بأسها ونائلها
الضارب الأسد في بآدلها / والطاعن الخيل في فوائلها
والرائد الرادة العصارة إذا / زالت عرى الهام عن معاقلها
أرماحه لا تزال عالمة / أن ليس بأس كبأس حاملها
والخيل لا تعتزى إلى بطل / سواه في ملتقى قنابلها
يقودها والنجيع يفهق ما / بين شواها إلى كلاكلها
مسومات إلى قوانسها / مخضبات إلى كواهلها
حتى إذا استعجم الجواب ولم / تردَّ نفسٌ جوابَ سائلها
وأعيت القومَ كل مشكلة / ملتبسٌ حقها بباطلها
تكشفت منه عن سُميدعها / وضرَّحت منه عن حلاحلها
هذا وإن ضنت السماء على / الأرض بما ضن من هواطلها
فهو الذي لا تزال راحته / تهمي على المزن من نوافلها
يد قضى الله أنها خلقت / حتف عداها ويسرَ آملها
ينفجر الموت من صوارمها / والعسجد النضر من أناملها
إن سخطت بالردى لشانئها / ردت نفوس إلى شمائلها
دونكها لا أقول دونكها / عجباً ولا مفخراً لقائلها
فخرا بمدحك لا بسالف قح / طانَ وإن كنت من مقاولها
كلتا يمينيك يا ابن ذي يمنٍ / تكرما عم من فواضلها
أقرب رحمى إلى البرية من / أنسابها في ذُرى قبائلها
تغدو نفوس رأتك واثقة / قد فرغ الله من وسائلها
قد أدبر الليل عنا فا حدُ بالإبل
قد أدبر الليل عنا فا حدُ بالإبل / وإن كفاها صرير البيض والأسل
يخرجن من أيمن الوادي واشمله / وما الاراك به غيرُ القنا الذُّبُل
إنا إذا صحصحانٌ خلته شبحاً / وأشبه الليل درعَ الفارس البطل
لنُذعرُ الحيّ قد نامت صوارِمُهُ / في مضجع الأمن بين الهام والقُلَل
فلا أباكِرُنا تحدو على عجل / ولا سوابقنا تجري على وجل
وقد ينمّ علينا المنزليُّ ضحى / من القباب التي فيهنّ والكللِ
مستخفيات من الأسرار مثقلة / من زاد مثليَ في التوديع والقُبَل
يحملن زولاً خفيفا في مضاجعه / إذا تنقل جنب الرُحَّل الذُّبُل
ما انس لا أنس ما ظنَّ الغيور بنا / وقولَها وقد احمرّت من الخجل
شقيتَ بالبين من زور ألمّ بنا / وحاربتك بنو شيبانَ من رجل
قوم هم ذللة الدنيا لساكنها / والإنسُ فيها لهم والجنُّ كالخوَل
همُ استبدوا بأسلاب الملوك وهم / حزُّوا نواصيَ أهلِ الخيل والحللِ
وهم أجاروا على الأيّام واحتكموا / على المقادير وابتاتوا على الدّولَ
من أوّل الدهر موصولا بآخره / وإن تَسَل عن علاهم فهي لم تزل
وما لحيّ من الأحياء غيرِهِمُ / طول السواعد والقضبان والأسَلِ
المكرمين القنا حتى إذا انكسرت / صدورها طعنوا بالأكعب الفُضُل
ودّت أسنّتهم من طول ما فُصِلت / لو ركّبت منهمُ في الأدرعِ الفُتُلِ
فضربهم في فراش الهامِ ملتهبٌ / من قبل موقعه والطعن في المُقَل
لا يفزعون غداة الروع إن فزعوا / إلا إلى جلل في الحادث الجَلَلِ
والحرب ما لم تكن منهم فوارسها / فالجيش كالنقع والأسياف كالخلل
الباسطين إلى العافي أكفهمُ / بمثل إذا شبهوا بالعارض الهطلِ
وقد درى الغيث أن لو كان أشبههم / لشاب جودَهُم شيءٌ من البضخل
سمعت عن سيد الدنيا وسيد هم / فكان في كل جود غايةَ المُثُلِ
حتى إذا ما أراد الله يُسعدني / رأيته فرأيتُ الناس في رجلِ
الأريحيُّ فما يعطي سوى أملٍ / والهبزريُّ فما يردي سوى بطل
ولست من سخطه المردي على خطر / ما دمت في عفوه المحيي على أمل
يُفكِّهُ السمع بالعذال تعذله / وليس يسعي الندى إلا على العذل
تخفى الجلية إلا عن بصيرته / حتى يكون صواب القول كالخطل
مؤيد باختيار الله يصحبه / ولن ترى في اختيار الله من خلل
فلو تقدم في عصر الفلاسف أو / لو أبصروه لقالوا علةُ العلل
تدبّ في نفس من عادى مكايده / كالسم يقتل في ريث وفي عجل
فتى شهدتُ له بالعلوات كما / شهدتُ لله بالتوحيد والأزل
من آل شيبانَ والموفين إذ عقدوا / لجار بيتهمُ في الأعصر الأول
الضاربين كُليبا فوق مَفرِقِهِ / بالمشرفيّ على نابٍ من الإبل
يا مصلتَ السيف لا تطلب به بدلاً
يا مصلتَ السيف لا تطلب به بدلاً / لا تبقينَّ فما أبقى وما عدلا
خُذه بثأري جزاءً بالذي فعلا / واقتله عني فإني بعض من قتلا
أقده بي وتجنب منه أربعةً / الجيدَ والخدَّ والألحاظَ والكفلا
ما أنس لا أنسَ أيامَ السرورِ بهِ / كأنما كان ظلاَّ فاءَ فانتقلا
هذا أميرُ المؤمنينَ بمجلسٍ
هذا أميرُ المؤمنينَ بمجلسٍ / أبصرتُ فيه الوحي والتنزيلا
وإذاتمثلَ راكباً في موكبٍ / عاينتُ تحتَ ركابهِ جبريلا
لا تلمني عاذلي حينَ ترى
لا تلمني عاذلي حينَ ترى / وجهَ من أهوى فلومي مُستحيل
لو رأى وجهَ حبيبي عاذلي / لتفارقنا على وجهٍ جميل