إنَّا مُحيّوكَ فاسلَم أيُّها الطَّللُ
إنَّا مُحيّوكَ فاسلَم أيُّها الطَّللُ / وإن بُلِيتَ وإن طالت بك الطِّيَلُ
إني اهتديتُ لتسليمٍ على دمَنٍ / بالغمرِ غيَّرهُنَّ الأعصُرُ الأوَلُ
صافَت تُمَعِّج أَعناقَ السيولِ به / من باكرٍ سَبِطٍ أو رائِحٍ يَبِلُ
فَهُنّ كالخِللِ الموشي ظاهرُها / أو كالكتابِ الذي قد مَسَّهُ البَلَل
كانت منازلَ مِنَّا قد تحِلُّ بها / حتى تغيَّرَ دَهرٌ خائِنٌ خَبِلُ
ليس الجديدُ به تبقى بشاشتُه / إِلا قليلاً ولا ذو خِلةٍ يَصِلُ
والعَيشُ لا عَيشَ إِلاَّ ما تَقَرُّ به / عَينٌ ولا حالةٌ إِلا سَتَنتَقِلُ
والنَّاسُ مَن يَلقَ خيراً قائلونَ له / ما يَشتَهي ولأُمِّ المخطِىءِ الهَبَلُ
قد يُدرِكُ المتأني بَعضَ حاجَتِهِ / وقد يكونُ مع المُستَعجِلِ الزَّلَلُ
أمسَت عُلَيّةُ يرتاحُ الفؤادُ لها / وللرواسِمِ فيما دونَها عَمَل
بكل مخترقٍ يجري السَّرابُ به / يُمسي وراكبُه مِن خَوفِهِ وَجِلُ
يُنضي الهِجانَ التي كانت تكونُ بها / عُرضيَّة وَهبابٌ حينَ تَرتحِلُ
حتى ترى الحُرَّةَ الوجناءَ لاغبةً / والأرحبيِّ الذي في خَطوه خَطَلُ
خُوصاً تُديرُ عيوناً ماؤُها سَرِبٌ / على الخدودِ إذا ما اغرورق المُقَلُ
لواغبَ الطَّرفِ منقوباً حواجِبُها / كأنها قُلُبٌ عاديّةٌ مُكُلُ
يَرمي الفِجاجَ بها الركبانُ معترِضاً / اعناقَ بُزَّلِها مُرخَىً لها الجُدُلُ
يَمشينَ رَهواً فلا الاعجازُ خاذلةٌ / ولا الصدورُعلى الاعجازِ تَتَّكِلُ
فَهُن معترضاتٌ والحصى رَمِضٌ / والرِّيحُ ساكِنةٌ والظِلُّ مُعتَدِلُ
يَتبَعنَ ساميةَ العينينِ تحسَبُها / مَجنونةً أَو ترى مالا ترى الابل
لما وَرَدنَ نَبِيّاً واستتبَّ بها / مُسحَنفِرٌ كخطوطِ السِّيحِ مُنسَحِلُ
على مَكانٍ غِشاشٍ ما يُقيم به / إِلاَّ مغيِّرُنا والمُستقي العَجِلُ
ثم استَمَرِّ بها الحادي وجنَّبَها / بَطنَ التي نبتُها الحَواذانُ والنَفَلُ
حتى وَرَدنَ رَكيَّاتِ العُوَيرِ وَقَ / كادَ المُلاءُ من الكتّانِ يَشتَعِلُ
وقد تعرَّجتُ لما وَرَّكَت أرَكاً / ذاتَ الشِّمالِ وعن أيمانِنا الرِجَلُ
على مُنادٍ دَعانا دَعوةً كَشَفَت / عَنَّا النُعاسَ وفي أَعناقِنا مَيَلُ
سَمِعتُها ورِعانُ الطَودِ مُعرضةٌ / من دونِها وكثيبُ العَيثةِ السَّهلُ
فقلت للرَّكبِ لمَّا أَن علا بهمُ / مِن عَن يمينِ الحُبيَّا نظرَةٌ قَبَلُ
ألمحةً من سنى برقٍ رأى بَصَري / أَم وَجهَ عاليةَ اختالَت بهِ الكِلًلُ
تُهدي لنا كُلَّ ما كانت علاوتُنا / ريحَ الخُزامى جرى فيهاالندى الخَضِلُ
وقد أَبِيتُ إذا ما شئتُ باتَ معي / على الفِراشِ الضجيعُ الأغيَدُ الرَّتِلُ
وقد تُباكرني الصَّهباءُ ترفعُها / اليَّ ليِّنةٌ أطرافُها ثِمِلُ
أقولُ للحَرفِ لمّا أَن شكَت أُصُلا / من السِّفارِ فأفنى نَيَّها الرَّحَلُ
إن ترجِعي مِن أبي عُثمانَ مُنجحةً / فقد يَهونُ على المُستَنجحِ العَمَلُ
أَهلُ المدينةِ لا يَحزُنكَ شانُهم / إذا تخطَّأَ عبدَ الواحِدِ الأَجلُ
أمَّا قريشٌ فَلَن تلقاهم أبَداً / إِلاَّ وهم خيرُ مَن يحفى وَينتَعِلُ
إِلاَّ وهُم جَبَلُ الله الذي قَصُرت / عَنه الجبالُ فما ساوى به جَبَلُ
قَومٌ هُمُ ثبّتوا الاسلامَ وامتنعوا / قَومَ الرسولِ الذي ما بَعدَه رُسُلُ
مَن صالحوه رأى مِن عَيشهِ سَعةً / ولا ترى مَن أرادوا ضَره يثِلُ
كَم نالني مِنهُمُ فضلٌ على عَدَمٍ / إذ لا أكادُ مِن الإقتارِ أَحتَمِلُ
وَكَم مِنَ الدَّهرِ ما قد ثبّتوا قدمي / إذ لا أزالُ مَعَ الأعداءِ أَنتَضِلُ
فلا هُمُ صالحوا مَن يبتغي عَنتي / ولا هُمُ كدَّروا الخَيرَ الذي فعَلُوا
هُمُ الملوكُ وابناءُ الملوكِ هُمُ / والآخذون به والسَّاسَةُ الأُوَلُ