المجموع : 23
بَلَغتُكَ لَم أَنسُب وَلَم أَتَغَزَّلِ
بَلَغتُكَ لَم أَنسُب وَلَم أَتَغَزَّلِ / وَلَمّا أَقِف بَينَ الهَوى وَالتَذَلُّلِ
وَلَمّا أَصِف كَأساً وَلَم أَبكِ مَنزِلاً / وَلَم أَنتَحِل فَخراً وَلَم أَتَنَبَّلِ
فَلَم يُبقِ في قَلبي مَديحُكَ مَوضِعاً / تَجولُ بِهِ ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
رَأَيتُكَ وَالأَبصارُ حَولَكَ خُشَّعٌ / فَقُلتُ أَبو حَفصٍ بِبُردَيكَ أَم عَلي
وَخَفَّضتُ مِن حُزني عَلى مَجدِ أُمَّةٍ / تَدارَكتَها وَالخَطبُ لِلخَطبِ يَعتَلي
طَلَعتَ بِها بِاليُمنِ مِن خَيرِ مَطلَعٍ / وَكُنتَ لَها في الفَوزِ قِدحَ اِبنِ مُقبِلِ
وَجَرَّدتَ لِلفُتيا حُسامَ عَزيمَةٍ / بِحَدَّيهِ آياتُ الكِتابِ المُنَزَّلِ
مَحَوتَ بِهِ في الدينِ كُلَّ ضَلالَةٍ / وَأَثبَتَّ ما أَثبَتَّ غَيرَ مُضَلَّلِ
لَئِن ظَفِرَ الإِفتاءُ مِنكَ بِفاضِلٍ / لَقَد ظَفِرَ الإِسلامُ مِنكَ بِأَفضَلِ
فَما حَلَّ عَقدَ المُشكِلاتِ بِحِكمَةٍ / سِواكَ وَلا أَربى عَلى كُلِّ حُوَّلِ
قالوا صَدَقتَ فَكانَ الصِدقَ ما قالوا
قالوا صَدَقتَ فَكانَ الصِدقَ ما قالوا / ما كُلُّ مُنتَسِبٍ لِلقَولِ قَوّالُ
هَذا قَريضي وَهَذا قَدرُ مُمتَدَحي / هَل بَعدَ هَذَينِ إِحكامٌ وَإِجلالُ
إِنّي لَأُبصِرُ في أَثناءِ بُردَتِهِ / نوراً بِهِ تَهتَدي لِلحَقِّ ضُلّالُ
حَلَلتُ داراً بِها تُتلى مَناقِبُهُ / بِبابِها اِزدَحَمَت لِلناسِ آمالُ
رَأَيتُ فيها بِساطاً جَلَّ ناسِجُهُ / عَلَيهِ فاروقُ هَذا الوَقتِ يَختالُ
بِمَشيَةٍ بَينَ صَفَّي حِكمَةٍ وَتُقىً / يُحِبُّها اللَهُ لا تيهٌ وَلا خالُ
تَبَسَّمَ المُصطَفى في قَبرِهِ جَذَلاً / لَمّا سَمَوتَ إِلَيها وَهيَ مِعطالُ
فَكانَ لَفظُكَ دُرّاً حَولَ لَبَّتِها / العَدلُ يَنظِمُ وَالتَوفيقُ لَآلُ
لي كُلَّ حَولٍ لِبَيتِ الجاهِ مُنتَجَعٌ / كَما تُشَدُّ لِبَيتِ اللَهِ أَرحالُ
وَزَهرَةٌ غَضَّةٌ أَلقى الإِمامَ بِها / لَها عَلى أُختِها في الرَوضِ إِدلالُ
تَفَتَّحَ الحَمدُ عَنها حينَ أَسعَدَها / مِنكَ القَبولُ وَفيها نَوَّرَ القالُ
نَثَرتُ مَنظومَ تيجانِ المُلوكِ بِها / فَراحَ يَنظِمُهُ في وَصفِكَ البالُ
يا مَن تَيَمَّنَتِ الفُتيا بِطَلعَتِهِ / أَدرِك فَتاكَ فَقَد ضاقَت بِهِ الحالُ
هَنيئاً أَيُّها المَلِكُ الأَجَلُّ
هَنيئاً أَيُّها المَلِكُ الأَجَلُّ / لَكَ العَرشُ الجَديدُ وَما يَظِلُّ
تَسَنَّمَ عَرشَ إِسماعيلَ رَحباً / فَأَنتَ لِصَولَجانِ المُلكِ أَهلُ
وَحَصِّنهُ بِإِحسانٍ وَعَدلٍ / فَحِصنُ المُلكِ إِحسانٌ وَعَدلُ
وَجَدِّد سيرَةَ العُمَرَينِ فينا / فَإِنَّكَ بَينَنا لِلَّهِ ظِلُّ
لَقَد عَزَّ السَريرُ وَتاهَ لَمّا / تَبَوَّأَهُ المَليكُ المُستَقِلُّ
وَهَشَّ التاجُ حينَ عَلا جَبيناً / عَلَيهِ مَهابَةٌ وَعَلَيهِ نُبلُ
تَمَنّى لَو يَقِرُّ عَلى أَبِيٍّ / تَذِلُّ لَهُ الخُطوبُ وَلا يَذِلُّ
وَقَد نالَ المَرامَ وَطابَ نَفساً / فَها هُوَ ذا بِلابِسِهِ يُدِلُّ
وَما كُنتَ الغَريبَ عَنِ المَعالي / وَلا التاجُ الَّذي بِكَ باتَ يَعلو
وَإِنَّكَ مُنذُ كُنتَ وَلا أُغالي / حُسامٌ لِلأَريكَةِ لا يُفَلُّ
فَكَم نَهنَهتَ مِن غَربِ العَوادي / وَكَم لَكَ في رُبوعِ النيلِ فَضلُ
وَما مِن مَجمَعٍ لِلخَيرِ إِلّا / وَمِن كَفَّيكَ سَحَّ عَلَيهِ وَبلُ
فَقَد عَرَفَ الفَقيرُ نَداكَ قِدماً / وَقَد عَرَفَ الكَبيرُ عُلاكَ قَبلُ
لَكَ العَرشانِ هَذا عَرشُ مِصرٍ / وَهَذا في القُلوبِ لَهُ مَحَلُّ
فَأَلِّف ذاتَ بَينِهِما بِرَأيٍ / وَعَزمٍ لا يَكِلُّ وَلا يَمَلُّ
فَعَرشٌ لا تَحُفُّ بِهِ قُلوبٌ / تَحُفُّ بِهِ الخُطوبُ وَيَضمَحِلُّ
أَبا الفَلّاحِ كَم لَكَ مِن أَيادٍ / عَلى ما فيكَ مِن كَرَمٍ تَدُلُّ
وَآلاءٍ وَإِن أَطنَبتُ فيها / وَفي أَوصافِها فَأَنا المُقِلُّ
عُنيتَ بِحالَةَ الفَلّاحِ حَتّى / تَهَيَّبَ أَن يَزورَ الأَرضَ مَحلُ
وَكَيفَ يَزورُ أَرضاً سِرتَ فيها / وَأَنتَ الغَيثُ لَم يُمسِكهُ بُخلُ
وَكَم أَحيَيتَ مِن أَرضٍ مَواتٍ / فَأَضحَت تُستَرادُ وَتُستَغَلُّ
وَأَخصَبَ أَهلُها مِن بَعدِ جَدبٍ / وَفاضَ عَلَيهِمُ رَغَدٌ وَنَفلُ
وَكَم أَسعَفتَ في مِصرٍ جَريحاً / عَلَيهِ المَوتُ مِن كَثَبٍ يُطِلُّ
وَكُنتَ لِكُلِّ مِسكينٍ وِقاءً / وَأَهلاً حينَ لَم تَنفَعهُ أَهلُ
وَكُنتَ فَتىً بِعَهدِ أَبيكَ نَدباً / لَهُ رَأيٌ يُسَدِّدُهُ وَفِعلُ
لِكُلِّ عَظيمَةٍ تُدعى فَتُبلي / بَلاءَ مُجَرِّبٍ يَحدوهُ عَقلُ
تَوَلَّيتَ الأُمورَ فَتىً وَكَهلاً / فَلَم يَبلُغ مَداكَ فَتىً وَكَهلُ
وَجَرَّبتَ الحَوادِثَ مِن قَديمٍ / وَمِثلُكَ مَن يُجَرِّبُها وَيَبلو
وَكُنتَ لِمَجلِسِ الشورى حَياةً / وَنِبراساً إِذا ما القَومُ ضَلّوا
فَلَم يُلمِم بِساحَتِهِ جَحودٌ / وَلَم يَجلِس بِهِ عُضوٌ أَشَلُّ
وَما غادَرتَهُ حَتّى أَفاقوا / وَمِن أَمراضِ عَيشِهِمُ أَبَلّوا
فَعِش لِلنيلِ سُلطاناً أَبِيّاً / لَهُ في مُلكِهِ عَقدٌ وَحَلُّ
وَوالِ القَومُ إِنَّهُمُ كِرامٌ / مَيامينُ النَقيبَةِ أَينَ حَلّوا
لَهُم مُلكٌ عَلى التاميزِ أَضحَت / ذُراهُ عَلى المَعالي تَستَهِلُّ
وَلَيسَ كَقَومِهِم في الغَربِ قَومٌ / مِنَ الأَخلاقِ قَد نَهِلوا وَعَلّوا
فَإِن صادَقتَهُم صَدَقوكَ وُدّاً / وَلَيسَ لَهُم إِذا فَتَّشتَ مِثلُ
وَإِن شاوَرتَهُم وَالأَمرُ جِدُّ / ظَفِرتَ لَهُم بِرَأيٍ لا يَزِلُّ
وَإِن نادَيتَهُم لَبّاكَ مِنهُم / أَساطيلٌ وَأَسيافٌ تُسَلُّ
فَمادِدهُم حِبالَ الوُدِّ وَاِنهَض / بِنا فَقِيادُنا لِلخَيرِ سَهلُ
وَخَفِّف مِن مُصابِ الشَرقِ فينا / فَنَحنُ عَلى رِجالِ الغَربِ ثِقلُ
إِذا نَزَلَت هُناكَ بِهِم خُطوبٌ / أَلَمَّ بِنا هُنا قَلَقٌ وَشُغلُ
حَيارى لا يَقِرُّ لَنا قَرارٌ / تُنازِلُنا الخُطوبُ وَنَحنُ عُزلُ
فَأَهلاً بِالدَليلِ إِلى المَعالي / أَلا سِر يا حُسَينُ وَنَحنُ نَتلو
وَأَسعِدنا بِعَهدِكَ خَيرَ عَهدٍ / بِهِ أَيّامُنا تَصفو وَتَحلو
فَأَمرُكَ طاعَةٌ وَرِضاكَ غُنمٌ / وَسَيفُكَ قاطِعٌ وَنَداكَ جَزلُ
في ساحَةِ البَدَوِيِّ حَلَّت ساحَةٌ
في ساحَةِ البَدَوِيِّ حَلَّت ساحَةٌ / عِزُّ البِلادِ بِعِزِّها مَوصولُ
وَأَتى الحُسَينُ يَزورُ قُطبَ زَمانِهِ / يَرعى وَيَحرُسُ رَكبَهُ جِبريلُ
زادَت مَواسِمُنا بِطَنطا مَوسِماً / لِمَليكِهِ التَقديسُ وَالتَبجيلُ
بِالساحَتَينِ لِكُلِّ راجٍ مَوئِلٌ / وَلِكُلِّ عافٍ مَربَعٌ وَمَقيلُ
قُل لِلفَقيرِ إِذا سَأَلتَ فَلا تَخَف / رَدّاً فَما في الساحَتَينِ بَخيلُ
بَرَكاتُ هَذي لا يَغيضُ مَعينُها / نَفَحاتُ تِلكَ كَثيرُها مَأمولُ
قَد أَخصَبَ الإِقليمُ حينَ حَلَلتَهُ / وَالغَيثُ لا يَبقى عَلَيهِ مُحولُ
وَبَدا يَموجُ بِساكِنيهِ وَعِطفُهُ / قَد كادَ مِن طَرَبِ اللِقاءِ يَميلُ
ذَكَروا بِمَقدَمِكَ المُبارَكِ مَوقِفاً / قَد قامَ فيهِ أَبوكَ إِسماعيلُ
في مِثلِ هَذا اليَومِ خَلَّدَ ذِكرَهُ / أَثَرٌ لَهُ بَينَ العِبادِ جَليلُ
نَثَرَ السُعودَ عَلى الوُفودِ وَحَولَهُ / يَتَجاوَبُ التَكبيرُ وَالتَهليلُ
دامَت مَآثِرُهُ وَمَن يَكُ صُنعُهُ / كَأَبيكَ إِسماعيلَ كَيفَ يَزولُ
فَاِهنَأ بِمُلكِكَ يا حُسَينُ فَعَهدُهُ / عَهدٌ بِتَحقيقِ الرَجاءِ كَفيلُ
وَاِنهَض بِشَعبِكَ في الشُعوبِ فَإِنَّما / لَكَ بَعدَ رَبِّكَ أَمرُهُ مَوكولُ
وَليَهنَئِ البَدَوِيَّ أَنَّ صَديقَهُ / عَن وُدِّهِ المَعهودِ لَيسَ يَحولُ
قَد جاءَهُ يَسعى إِلَيهِ وَحَولَهُ / أَعلى وَأَكرَمُ مَن سَقاهُ النيلُ
الشَعبُ يَدعو اللَهَ يا زَغلولُ
الشَعبُ يَدعو اللَهَ يا زَغلولُ / أَن يَستَقِلَّ عَلى يَدَيكَ النيلُ
إِنَّ الَّذي اِندَسَّ الأَثيمُ لِقَتلِهِ / قَد كانَ يَحرُسُهُ لَنا جِبريلُ
أَيَموتُ سَعدٌ قَبلَ أَن نَحيا بِهِ / خَطبٌ عَلى أَبناءِ مِصرَ جَليلُ
يا سَعدُ إِنَّكَ أَنتَ أَعظَمُ عُدَّةٍ / ذُخِرَت لَنا نَسطو بِها وَنَصولُ
وَلَأَنتَ أَمضى نَبلَةٍ نَرمي بِها / فَاِنفُذ وَأَقصِد فَالنِبالُ قَليلُ
النَسرُ يَطمَعُ أَن يَصيدَ بِأَرضِنا / سَنُريهِ كَيفَ يَصيدُهُ زَغلولُ
إِنّا رَمَيناهُم بِنَدبٍ حُوَّلٍ / عَن قَصدِ وادي النيلِ لَيسَ يَحولُ
بِأَشَدِّنا بَأساً وَأَقدَمِنا عَلى / خَوضِ الشَدائِدِ وَالخُطوبُ مُثولُ
بِفَتىً جَميعِ القَلبِ غَيرِ مُشَتَّتٍ / إِن مالَتِ الأَهرامُ لَيسَ يَميلُ
فاوِض وَلا تَخفِض جَناحَكَ ذِلَّةً / إِنَّ العَدُوَّ سِلاحَهُ مَفلولُ
فاوِض وَأَنتَ عَلى المَجَرَّةِ جالِسٌ / لِمَقامِكَ الإِعظامُ وَالتَبجيلُ
فاوِض فَخَلفَكَ أُمَّةٌ قَد أَقسَمَت / أَلّا تَنامَ وَفي البِلادِ دَخيلُ
عُزلٌ وَلَكِن في الجِهادِ ضَراغِمٌ / لا الجَيشُ يُفزِعُها وَلا الأُسطولُ
أُسطولُنا الحَقُّ الصُراحُ وَجَيشُنا ال / حُجَجُ الفِصاحُ وَحَربُنا التَدليلُ
ما الحَربُ تُذكيها قَناً وَصَوارِمٌ / كَالحَربِ تُذكيها نُهىً وَعُقولُ
خُضها هُنالِكَ بِاليَقينِ مُدَرَّعاً / وَاللَهُ بِالنَصرِ المُبينِ كَفيلُ
أَزَعيمُهُم شاكي السِلاحِ مُدَجَّجٌ / وَزَعيمُنا في كَفِّهِ مِنديلُ
وَكَذَلِكَ المِنديلُ أَبلَغُ ضَربَةً / مِن صارِمٍ في حَدِّهِ التَضليلُ
لَكَ وَقفَةٌ في الشَرقِ تَعرِفُها العُلا / وَيَحُفُّها التَكبيرُ وَالتَهليلُ
زَلزِل بِها في الغَربِ كُلَّ مُكابِرٍ / لِيَرى وَيَعلَمَ ما حَواهُ الغيلُ
لا تَقرَبِ التاميزَ وَاِحذَر وِردَهُ / مَهما بَدا لَكَ أَنَّهُ مَعسولُ
الكَيدُ مَمزوجٌ بِأَصفى مائِهِ / وَالخَتلُ فيهِ مُذَوَّبٌ مَصقولُ
كَم وارِدٍ يا سَعدُ قَبلَكَ ماءَهُ / قَد عادَ عَنهُ وَفي الفُؤادِ غَليلُ
القَومُ قَد مَلَكوا عِنانَ زَمانِهِم / وَلَهُم رِواياتٌ بِهِ وَفُصولُ
وَلَهُم أَحابيلٌ إِذا أَلقَوا بِها / قَنَصوا النُهى فَأَسيرُهُم مَخبولُ
فَاِحذَر سِياسَتَهُم وَكُن في يَقظَةٍ / سَعدِيَّةٍ إِنَّ السِياسَةَ غولُ
إِن مَثَّلوا فَدَعِ الخَيالَ فَإِنَّما / عِندَ الحَقيقَةِ يَسقُطُ التَمثيلُ
الشِبرُ في عُرفِ السِياسَةِ فَرسَخٌ / وَاليَومُ في فَلَكِ السِياسَةِ جيلُ
وَلِكُلِّ لَفظٍ في المَعاجِمِ عِندَهُم / مَعنىً يُقالُ بِأَنَّهُ مَعقولُ
نَصَلَت سِياسَتُهُم وَحالَ صِباغُها / وَلِكُلِّ كاذِبَةِ الخِضابِ نُصولُ
جَمَعوا عَقاقيرَ الدَهاءِ وَرَكَّبوا / ما رَكَّبوهُ وَعِندَكَ التَحليلُ
يا سَعدُ أَنتَ زَعيمُنا وَوَكيلُنا / وَعَلَيكَ عِندَ مَليكِنا التَعويلُ
فَاِدفَع وَناضِل عَن مَطالِبِ أُمَّةٍ / يا سَعدُ أَنتَ أَمامَها مَسئولُ
النيلُ مَنبَعُهُ لَنا وَمَصَبُّهُ / ما إِن لَهُ عَن أَرضِها تَحويلُ
وَثِقَت بِكَ الثِقَةَ الَّتي لَم يَنفَرِج / لِلرَيبِ فيها وَالشُكوكِ سَبيلُ
جَعَلَت مَكانَكَ في القُلوبِ مَحَبَّةً / أَو بَعدَ ذاكَ عَلى الوَلاءِ دَليلُ
كادَت تُجَنُّ وَقَد جُرِحتَ وَخانَها / صَبرٌ عَلى حَملِ الخُطوبِ جَميلُ
لَم يَبقَ فيها ناطِقٌ إِلّا دَعا / لَكَ رَبَّهُ وَدُعاؤُهُ مَقبولُ
يا سَعدُ كادَ العيدُ يُصبِحُ مَأتَماً / الدَمعُ فيهِ أَسىً عَلَيكَ يَسيلُ
لَولا دِفاعُ اللَهِ لَاِنطَوَتِ المُنى / عِندَ اِنطِوائِكَ وَاِنقَضى التَأميلُ
شَلَّت أَنامِلُ مَن رَمى فَلِكَفِّهِ / حَزُّ المُدى وَلِكَفِّكَ التَقبيلُ
هَذا وِسامُكَ فَوقَ صَدرِكَ ما لَهُ / مِن بَينِ أَوسِمَةِ الفَخارِ مَثيلُ
حَلَّيتَهُ بِدَمٍ زَكِيٍّ طاهِرٍ / في حُبِّ مِصرَ مَصونُهُ مَبذولُ
في كُلِّ عَصرٍ لِلجُناةِ جَريرَةٌ / لَيسَت عَلى مَرِّ الزَمانِ تَزولُ
جاروا عَلى الفاروقِ أَعدَلَ مَن قَضى / فينا وَزَكّى رَأيَهُ التَنزيلُ
وَعَلى عَلِيٍّ وَهوَ أَطهَرُنا فَماً / وَيَداً وَسَيفُ نَبِيِّنا المَسلولُ
قِف يا خَطيبَ الشَرقِ جَدِّد عَهدَنا / قَبلَ الرَحيلِ لِيُقطَعَ التَأويلُ
فاوِض فَإِن أَوجَستَ شَرّاً فَاِعتَزِم / وَاِقطَع فَحَبلُكَ بِالهُدى مَوصولُ
وَاِرجِع إِلَينا بِالكَرامَةِ كاسِياً / وَعَلَيكَ مِن زَهَراتِها إِكليلُ
إِنّا سَنَعمَلُ لِلخَلاصِ وَلا نَني / وَاللَهُ يَقضي بَينَنا وَيُديلُ
كَم دَولَةٍ شَهِدَ الصَباحُ جَلالَها / وَأَتى عَلَيها اللَيلُ وَهيَ فُلولُ
وَقُصورِ قَومٍ زاهِراتٍ في الدُجى / طَلَعَت عَلَيها الشَمسُ وَهيَ طُلولُ
يا أَيُّها النَشءُ الكِرامُ تَحِيَّةً / كَالرَوضِ قَد خَطَرَت عَلَيهِ قَبولُ
يا زَهرَ مِصرَ وَزَينَها وَحُماتَها / مَدحي لَكُم بَعدَ الرَئيسِ فُضولُ
جُدتُم لَها بِالنَفسِ في وَردِ الصِبا / وَالوَردُ لَم يُنظَر إِلَيهِ ذُبولُ
كَم مِن سَجينٍ دونَها وَمُجاهِدٍ / دَمُهُ عَلى عَرَصاتِها مَطلولُ
سيروا عَلى سَنَنِ الرَئيسِ وَحَقِّقوا / أَمَلَ البِلادَ فَكُلُّكُم مَأمولُ
أَنتُم رِجالُ غَدٍ وَقَد أَوفى غَدٌ / فَاِستَقبِلوهُ وَحَجِّلوهُ وَطولوا
قَد قَرَأناكُمُ فَهَشَّت نُهانا
قَد قَرَأناكُمُ فَهَشَّت نُهانا / فَاِقتَبَسنا نوراً يُضيءُ السَبيلا
فَاِقرَأونا وَمَن لَنا أَن تُصيبوا / بَينَ أَفكارِنا شُعاعاً ضَئيلا
أَضحى نَجيبٌ وَكيلاً
أَضحى نَجيبٌ وَكيلاً / لَنا وَنِعمَ الوَكيلُ
فَليَنعَمِ الشِعرُ بالاً / فَالشِعرُ فَنٌّ جَميلُ
عُثمانُ إِنَّكَ قَد أَتَيتَ مُوَفَّقاً
عُثمانُ إِنَّكَ قَد أَتَيتَ مُوَفَّقاً / شَروى سَمِيِّكَ جامِعِ التَنزيلِ
جَمَّعتَ أَشتاتَ القَريضِ وَزِدتَهُ / حُسناً بِهَذا الشَرحِ وَالتَذييلِ
وَجَلَوتَ مِرآةَ العَروضِ صَقيلَةً / لِلنيلِ فَاِستَوجَبتَ شُكرَ النيلِ
جَرائِدٌ ما خُطَّ حَرفٌ بِها
جَرائِدٌ ما خُطَّ حَرفٌ بِها / لِغَيرِ تَفريقٍ وَتَضليلِ
يَحلو بِها الكِذبُ لِأَربابِها / كَأَنَّها أَوَّلُ إِبريلِ
لا تَعجَبوا فَمَليكُكُم لَعِبَت بِهِ
لا تَعجَبوا فَمَليكُكُم لَعِبَت بِهِ / أَيدي البِطانَةِ وَهوَ في تَضليلِ
إِنّي أَراهُ كَأَنَّهُ في رُقعَةِ ال / شِطرَنجِ أَو في قاعَةِ التَمثيلِ
يا صارِماً أَنِفَ الثَواءَ بِغِمدِهِ
يا صارِماً أَنِفَ الثَواءَ بِغِمدِهِ / وَأَبى القَرارَ أَلا تَزالُ صَقيلا
فَالبيضُ تَصدَأُ في الجُفونِ إِذا ثَوَت / وَالماءُ يَأسُنُ إِن أَقامَ طَويلا
أَهلاً بِمَولايَ الرَئيسِ وَلَيسَ مِن / شَرَفِ الرِئاسَةِ أَن أَراكَ وَكيلا
فَاِطرَح مَعاذيرَ السُكوتِ وَقُل لَنا / هَلّا وَجَدتَ إِلى الكَلامِ سَبيلا
وَاِضرِب عَلى الوَتَرِ الَّذي اِهتَزَّت لَهُ / أَعطافُنا زَمَناً وَغَنِّ النيلا
وَاِردُد عَلى مُلكِ القَريضِ جَمالَهُ / تَصنَع بِصاحِبِكَ القَديمِ جَميلا
مازالَ يَرجو أَن يُقالَ عِثارُهُ / حَتّى أَقالَ اللَهُ إِسماعيلا
سيرا أَيا بَدرَي سَماءِ العُلا
سيرا أَيا بَدرَي سَماءِ العُلا / وَاِستَقبِلا التِمَّ وَلا تَأفُلا
سيرا إِلى مَهدِ العُلومِ الَّتي / كانَت لَنا ثُمَّ اِزدَهاها البِلى
سيرا إِلى الأَرضِ الَّتي أَنبَتَت / عِزّاً وَأَضحَت لِلمَلا مَوئِلا
يَمشي عَلَيها الدَهرُ مُستَخذِياً / وَتَجزَعُ الأَحداثُ أَن تَنزِلا
شِعارُ أَهليها وَأَبنائِها / أَن يَعلَمَ المَرءُ وَأَن يَعمَلا
فَزَيِّنا المَجدَ بِنورِ النُهى / وَجَمِّلا الجاهَ بِأَن تَكمُلا
وَاِستَبِقا العَلياءَ وَاِستَمسِكا / بِعُروَةِ الصَبرِ وَلا تَعجَلا
وَخَبِّرا الغَربَ وَأَبناءَهُ / بِأَنَّنا نَحنُ الرِجالُ الأُلى
لَئِن غَدا الدَهرُ بِنا مُدبِراً / لا بُدَّ لِلمُدبِرِ أَن يُقبِلا
لا زِلتُما فَرعَينِ في دَوحَةٍ / تُظِلُّ مَن رَجّى وَمَن أَمَّلا
نَمَتكُما مِصرٌ وَرَبّاكُما / أَبٌ كَريمٌ جَدَّ حَتّى عَلا
مَضى وَقَد أَولاكُما نِعمَةً / لا تَبسُطا فيها وَلا تَغلُلا
فَرَحمَةُ اللَهِ عَلى والِدٍ / كَساكُما الإِعزازَ بَينَ المَلا
أَدَلالٌ ذاكَ أَم كَسَلُ
أَدَلالٌ ذاكَ أَم كَسَلُ / أَم تَناسٍ مِنكَ أَم مَلَلُ
أَم غَريقٌ أَنتَ في جَذَلٍ / أَم بِكاساتِ الهَنا ثَمِلُ
أَم وَقاكَ اللَهُ في كَدَرٍ / أَم عَلى الأَعذارِ مُتَّكِلُ
أَم مَشوقٌ مُغرَمٌ وَلِهٌ / شَفَّهُ التَشبيبُ وَالغَزَلُ
أَم غَنِيٌّ باتَ يَشغَلُهُ / مالَهُ وَالكَسبُ وَالأَمَلُ
أَم وَشى واشٍ إِلَيكَ بِنا / فَاِحتَواكَ الشَكُّ يا بَطَلُ
قَد مَضى شَهرٌ وَأَعقَبَهُ / ضِعفُهُ وَالفِكرُ مُشتَغِلُ
لا كِتابٌ مِنكَ يُطفِئُ ما / في فُؤادي باتَ يَشتَعِلُ
لا وَلا رَدٌّ يُعَلِّلُني / أَو عَلى التَسليمِ يَشتَمِلُ
يا صَديقي لا مُؤاخَذَةٌ / أَنتَ يا اِبنَ البابِلِيِّ
يا دَولَةَ القَواضِبِ الصِقالِ
يا دَولَةَ القَواضِبِ الصِقالِ /
وَصَولَةَ الذَوابِلِ الطِوالِ /
كَم شِدتِ بَينَ الأَعصُرِ الخَوالي /
مَمالِكاً عَزيزَة المَنالِ /
قامَت بِحَدِّ الأَبيَضِ القَصّالِ /
وَسِنِّ ذاكَ الأَسمَرِ العَسّالِ /
راحَت بِها الأَيّامُ وَاللَيالي /
وَخَلَفَتها دَولَةُ الجَلالِ /
مَملَكَةُ المِدفَعِ ذاتُ الخالِ /
قامَت بِحَولِ النارِ وَالزِلزالِ /
فَأَرهَبَت أَفئِدَةَ الأَبطالِ /
أَرهَبَها مُزَعزِعُ الجِبالِ /
وَمُفزِعُ اللُيوثِ في الدِحالِ /
وَقاطِعُ الآجالِ وَالآمالِ /
وَخاطِفُ الأَرواحِ مِن أَميالِ /
يَثورُ كَالبُركانِ في النِزالِ /
فَيُتبِعُ الأَهوالَ بِالأَهوالِ /
وَيُرسِلُ النارَ عَلى التَوالي /
فَيَحطِمُ الهامَ وَلا يُبالي /
ما كَوكَبُ الرَجمِ هَوى مِن عالي /
فَمَرَّ كَالفِكرِ سَرى بِالبالِ /
عَلى عَنيدٍ مارِدٍ مُحتالِ /
مُستَرِقٍ لِلسَمعِ في ضَلالِ /
مِن عالَمِ التَسبيحِ وَالإِهلالِ /
أَمضى وَأَنكى مِنهُ في القِتالِ /
إِذا سَرَت قُنبُلَةُ الوَبالِ /
مِن فَمِهِ المَحشُوِّ بِالنِكالِ /
يُنذِرُهُم في ساحَةِ المَجالِ /
بِالبَرقِ وَالرَعدِ وَبِالآجالِ /
وَلَم يَكُن كَذَلِكَ الخَتّالِ /
يَحُزُّ في الهامِ وَفي الأَوصالِ /
صامِتَ قَولٍ ناطِقَ الفِعالِ /
رَأَيتُهُ كَالقَومِ في المِثالِ /
مالوا عَنِ القَولِ إِلى الأَعمالِ /
فَاِمتَلَكوا ناصِيَةَ المَعالي /
أُقَضّيهِ في الأَشواقِ إِلّا أَقَلَّهُ
أُقَضّيهِ في الأَشواقِ إِلّا أَقَلَّهُ / بَطيءَ سُرىً إِلى اللُبثِ مَيلَهُ
وَلَيسَ اِشتِياقي عَن غَرامٍ بِشادِنٍ / وَلَكِنَّهُ شَوقُ اِمرِئٍ فاتَ أَهلَهُ
فَيالَكَ مِن لَيلٍ أَعَرتُ نُجومَهُ / تَوَقُّدَ أَنفاسي وَعانَيتُ مِثلَهُ
وَمَلَّ كِلانا مِن أَخيهِ وَهَكَذا / إِذا طالَ عَهدُ المَرءِ بِالشَيءِ مَلَّهُ
ضِعتَ بَينَ النُهى وَبَينَ الخَيالِ
ضِعتَ بَينَ النُهى وَبَينَ الخَيالِ / يا حَكيمَ النُفوسِ يا اِبنَ المَعالي
ضِعتَ في الشَرقِ بَينَ قَومٍ هُجودٍ / لَم يُفيقوا وَأُمَّةٍ مِكسالِ
قَد أَذالوكَ بَينَ أُنسٍ وَكَأسٍ / وَغَرامٍ بِظَبيَةٍ أَو غَزالِ
وَنَسيبٍ وَمِدحَةٍ وَهِجاءٍ / وَرِثاءٍ وَفِتنَةٍ وَضَلالِ
وَحَماسٍ أَراهُ في غَيرِ شَيءٍ / وَصَغارٍ يَجُرُّ ذَيلَ اِختِيالِ
عِشتَ ما بَينَهُم مُذالاً مُضاعاً / وَكَذا كُنتَ في العُصورِ الخَوالي
حَمَّلوكَ العَناءَ مِن حُبِّ لَيلى / وَسُلَيمى وَوَقفَةِ الأَطلالِ
وَبُكاءٍ عَلى عَزيزٍ تَوَلّى / وَرُسومٍ راحَت بِهِنَّ اللَيالي
وَإِذا ما سَمَوا بِقَدرِكَ يَوماً / أَسكَنوكَ الرِحالَ فَوقَ الجِمالِ
آنَ يا شِعرُ أَن نَفُكَّ قُيوداً / قَيَّدَتنا بِها دُعاةُ المُحالِ
فَاِرفَعوا هَذِهِ الكَمائِمِ عَنّا / وَدَعونا نَشُمُّ ريحَ الشَمالِ
شَبَحاً أَرى أَم ذاكَ طَيفُ خَيالِ
شَبَحاً أَرى أَم ذاكَ طَيفُ خَيالِ / لا بَل فَتاةٌ بِالعَراءِ حِيالي
أَمسَت بِمَدرَجَةِ الخُطوبِ فَما لَها / راعٍ هُناكَ وَما لَها مِن والي
حَسرى تَكادُ تُعيدُ فَحمَةَ لَيلِها / ناراً بِأَنّاتٍ ذَكَينَ طِوالِ
ما خَطبُها عَجَباً وَما خَطبي بِها / ما لي أُشاطِرُها الوَجيعَةَ ما لي
دانَيتُها وَلِصَوتِها في مَسمَعي / وَقعُ النِبالِ عَطَفنَ إِثرَ نِبالِ
وَسَأَلتُها مَن أَنتِ وَهيَ كَأَنَّها / رَسمٌ عَلى طَلَلٍ مِنَ الأَطلالِ
فَتَمَلمَلَت جَزَعاً وَقالَت حامِلٌ / لَم تَدرِ طَعمَ الغَمضِ مُنذُ لَيالي
قَد ماتَ والِدُها وَماتَت أُمُّها / وَمَضى الحِمامُ بِعَمِّها وَالخالِ
وَإِلى هُنا حَبَسَ الحَياءُ لِسانَها / وَجَرى البُكاءُ بِدَمعِها الهَطّالِ
فَعَلِمتُ ما تُخفي الفَتاةُ وَإِنَّما / يَحنو عَلى أَمثالِها أَمثالي
وَوَقَفتُ أَنظُرُها كَأَنّي عابِدٌ / في هَيكَلٍ يَرنو إِلى تِمثالِ
وَرَأَيتُ آياتِ الجَمالِ تَكَفَّلَت / بِزَوالِهِنَّ فَوادِحُ الأَثقالِ
لا شَيءَ أَفعَلُ في النُفوسِ كَقامَةٍ / هَيفاءَ رَوَّعَها الأَسى بِهُزالِ
أَو غادَةٍ كانَت تُريكَ إِذا بَدَت / شَمسَ النَهارِ فَأَصبَحَت كَالآلِ
قُلتُ اِنهَضي قالَت أَيَنهَضُ مَيِّتٌ / مِن قَبرِهِ وَيَسيرُ شَنٌّ بالي
فَحَمَلتُ هَيكَلَ عَظمِها وَكَأَنَّني / حُمِّلتُ حينَ حَمَلتُ عودَ خِلالِ
وَطَفِقتُ أَنتَهِبُ الخُطا مُتَيَمِّماً / بِاللَيلِ دارَ رِعايَةِ الأَطفالِ
أَمشي وَأَحمِلُ بائِسَينِ فَطارِقٌ / بابَ الحَياةِ وَمُؤذِنٌ بِزَوالِ
أَبكيهِما وَكَأَنَّما أَنا ثالِثٌ / لَهُما مِنَ الإِشفاقِ وَالإِعوالِ
وَطَرَقتُ بابَ الدارِ لا مُتَهَيِّباً / أَحَداً وَلا مُتَرَقِّباً لِسُؤالِ
طَرقَ المُسافِرِ آبَ مِن أَسفارِهِ / أَو طَرقَ رَبِّ الدارِ غَيرَ مُبالي
وَإِذا بِأَصواتٍ تَصيحُ أَلا اِفتَحوا / دَقّاتُ مَرضى مُدلِجينَ عِجالِ
وَإِذا بِأَيدٍ طاهِراتٍ عُوِّدَت / صُنعَ الجَميلِ تَطَوَّعَت في الحالِ
جاءَت تُسابِقُ في المَبَرَّةِ بَعضُها / بَعضاً لِوَجهِ اللَهِ لا لِلمالِ
فَتَناوَلَت بِالرِفقِ ما أَنا حامِلٌ / كَالأُمِّ تَكلَأُ طِفلَها وَتُوالي
وَإِذا الطَبيبُ مُشَمِّرٌ وَإِذا بِها / فَوقَ الوَسائِدِ في مَكانٍ عالي
جاءوا بِأَنواعِ الدَواءِ وَطَوَّفوا / بِسَريرِ ضَيفَتِهِم كَبَعضِ الآلِ
وَجَثا الطَبيبُ يَجُسُّ نَبضاً خافِتاً / وَيَرودُ مَكمَنَ دائِها القَتّالِ
لَم يَدرِ حينَ دَنا لِيَبلُوَ قَلبَها / دَقّاتِ قَلبٍ أَم دَبيبَ نِمالِ
وَدَّعتُها وَتَرَكتُها في أَهلِها / وَخَرَجتُ مُنشَرِحاً رَضِيَّ البالِ
وَعَجَزتُ عَن شُكرِ الَّذينَ تَجَرَّدوا / لِلباقِياتِ وَصالِحِ الأَعمالِ
لَم يُخجِلوها بِالسُؤالِ عَنِ اِسمِها / تِلكَ المُروءَةُ وَالشُعورُ العالي
خَيرُ الصَنائِعِ في الأَنامِ صَنيعَةٌ / تَنبو بِحامِلِها عَنِ الإِذلالِ
وَإِذا النَوالُ أَتى وَلَم يُهرَق لَهُ / ماءُ الوُجوهِ فَذاكَ خَيرُ نَوالِ
مَن جادَ مِن بَعدِ السُؤالِ فَإِنَّهُ / وَهوَ الجَوادُ يُعَدُّ في البُخّالِ
لِلَّهِ دَرُّهُمُ فَكَم مِن بائِسٍ / جَمِّ الوَجيعَةِ سَيِّئِ الأَحوالِ
تَرمي بِهِ الدُنيا فَمِن جوعٍ إِلى / عُريٍ إِلى سُقمٍ إِلى إِقلالِ
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ واجِفٌ / نَفسٌ مُرَوَّعَةٌ وَجَيبٌ خالي
لَم يَدرِ ناظِرُهُ أَعُرياناً يَرى / أَم كاسِياً في تِلكُمُ الأَسمالِ
فَكَأَنَّ ناحِلَ جِسمِهِ في ثَوبِهِ / خَلفَ الخُروقِ يُطِلُّ مِن غِربالِ
يا بَردُ فَاِحمِل قَد ظَفِرتَ بِأَعزَلٍ / يا حَرُّ تِلكَ فَريسَةِ المُغتالِ
يا عَينُ سُحّي يا قُلوبُ تَفَطَّري / يا نَفسُ رِقّي يا مُروءَةُ والي
لَولاهُمُ لَقَضى عَلَيهِ شَقاؤُهُ / وَخَلا المَجالُ لِخاطِفِ الآجالِ
لَولاهُمُ كانَ الرَدى وَقفاً عَلى / نَفسِ الفَقيرِ ثَقيلَةَ الأَحمالِ
لِلَّهِ دَرُّ الساهِرينَ عَلى الأُلى / سَهِروا مِنَ الأَوجاعِ وَالأَوجالِ
القائِمينَ بِخَيرِ ما جاءَت بِهِ / مَدَنِيَّةُ الأَديانِ وَالأَجيالِ
أَهلِ اليَتيمِ وَكَهفِهِ وَحُماتِهِ / وَرَبيعِ أَهلِ البُؤسِ وَالإِمحالِ
لا تُهمِلوا في الصالِحاتِ فَإِنَّكُم / لا تَجهَلونَ عَواقِبَ الإِهمالِ
إِنّي أَرى فُقَراءَكُم في حاجَةٍ / لَو تَعلَمونَ لِقائِلٍ فَعّالِ
فَتَسابَقوا الخَيراتِ فَهيَ أَمامَكُم / مَيدانُ سَبقٍ لِلجَوادِ النالِ
وَالمُحسِنونَ لَهُم عَلى إِحسانِهِم / يَومَ الإِثابَةِ عَشرَةُ الأَمثالِ
وَجَزاءُ رَبِّ المُحسِنينَ يَجِلُّ عَن / عَدٍّ وَعَن وَزنٍ وَعَن مِكيالِ
أَيُّها الطِفلُ لا تَخَف عَنَتَ الدَه
أَيُّها الطِفلُ لا تَخَف عَنَتَ الدَه / ر وَلا تَخشَ عادِياتِ اللَيالي
قَيَّضَ اللَهُ لِلضَعيفِ نُفوساً / تَعشَقُ البِرَّ مِن ذَواتِ الحِجالِ
أَي ذَواتِ الحِجالِ عِشتُنَّ لِلبِر / رِ وَدُمتُنَّ قُدوَةً لِلرِجالِ
لَم يَكونوا لِيُدرِكوا المَجدَ لَولا / كُنَّ أَو يَسلُكوا سَبيلَ المَعالي
بَسمَةٌ تَجعَلُ الجَبانَ شُجاعاً / وَتُعيدُ البَخيلَ أَكرَمَ نالِ
وَعِظامُ الرِجالِ مِن كُلِّ جِنسٍ / في رِضاكُنَّ أَرخَصوا كُلَّ غالي
راعَني مِن نُفوسِكُنَّ جَمالٌ / يَتَجَلّى في هالَةٍ مِن جَلالِ
وَجَمالُ النُفوسِ وَالشِعرِ وَالأَخ / لاقِ عِندي أَسمى مَجالي الجَمالِ
قُمنَ عَلِّمنَنا المُروءَةَ وَالعَط / فَ عَلى البائِسينَ وَالسُؤالِ
قُمنَ عَلِّمنَنا الحَنانَ عَلى الطِف / لِ شَريداً فَريسَةَ المُغتالِ
قَد أَجَبنا نِداءَكُنَّ وَجِئنا / نَسأَلُ القادِرينَ بَعضَ النَوالِ
لَو مَلَكنا غَيرَ المَقالِ لَجُدنا / إِنَّ جُهدَ المُقِلِّ حُسنُ المَقالِ
أَنقِذوا الطِفلَ إِنَّ في شَقوَةِ الطِف / لِ شَقاءً لَنا عَلى كُلِّ حالِ
إِن يَعِش بائِساً وَلَم يَطوِهِ البُؤ / سُ يَعِش نَكبَةً عَلى الأَجيالِ
رُبَّ بُؤسٍ يُخَبِّثُ النَفسَ حَتّى / يَطرَحُ المَرءَ في مَهاوي الضَلالِ
أَنقِذوهُ فَرُبَّما كانَ فيهِ / مُصلِحٌ أَو مُغامِرٌ لا يُبالي
رُبَّما كانَ تَحتَ طِمرَيهِ عَزمٌ / ذو مَضاءٍ يَدُكُّ شُمَّ الجِبالِ
رُبَّ سِرٍّ قَد حَلَّ جِسمَ صَغيرٍ / وَتَأَبّى عَلى شَديدِ المِحالِ
فَخِفافُ الأَفيالِ أَرفَقُ وَقعاً / لَو تَبَيَّنتَ مِن دَبيبِ النِمالِ
شاعَ بُؤسُ الأَطفالِ وَالبُؤسُ داءٌ / لَو أُتيحَ الطَبيبُ غَيرُ عُضالِ
أَيِّدوا كُلَّ مَجمَعٍ قامَ لِلبِر / رِ بِجاهٍ يُظِلُّهُ أَو بِمالِ
كَم يَتيمٍ كادَت بِهِ البَأ / ساءُ لَولا رِعايَةُ الأَطفالِ
وَرِجالُ الإِسعافِ أَنبَلُ لَولا / شَهوَةُ الحَربِ مِن رِجالِ القِتالِ
يَسهَرونَ الدُجى لِتَخفيفِ وَيلٍ / أَو بَلاءٍ مُصَوَّبٍ أَو نَكالِ
كَم جَريحٍ لَولاهُمُ ماتَ نَزفاً / في يَدِ الجَهلِ أَو يَدِ الإِهمالِ
كَم صَريعٍ مِن صَدمَةٍ أَو صَريعٍ / مِن سُمومٍ مُخَدَّرِ الأَوصالِ
كَم حَريقٍ قَد أَحجَمَ الناسُ فيهِ / عَن ضَحايا تَئِنُّ تَحتَ التِلالِ
يَتَرامَونَ في اللَهيبِ سِراعاً / كَتَرامي القَطا لِوِردِ الزُلالِ
لا لِشَيءٍ سِوى المُروءَةِ يَحلو / طَعمُها في فَمِ المَريءِ المُوالي
فَاِصنَعوا البِرَّ مُنعِمينَ وَجودوا / أَيُّها القادِرونَ قَبلَ السُؤالِ
لِاِنتِشارِ العُلومِ أَو لِاِنطِواءِ ال / بُؤسِ وَالشَرِّ أَو لِتَرفيهِ حالِ
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مَهلاً
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مَهلاً / قَد شَأَوتُم بِالمُعجِزاتِ الرِجالا
وَفَهِمتُم مَعنى الحَياةِ فَأَرصَد / تُم عَلَيها لِكُلِّ نَقصٍ كَمالا
وَحَرَصتُم عَلى العُقولِ فَحَزَّم / تُم عَصيراً يَراهُ قَومٌ حَلالا
وَقَدَرتُم دَقيقَةَ العُمرِ حِرصاً / وَسِواكُم لا يَقدُرُ الأَجيالا
كَم أَحالوا عَلى غَدٍ كُلَّ أَمرٍ / وَمُحيلُ الأُمورِ يَبغي المُحالا
قَد تَحَدَّيتُمُ المَنِيَّةَ حَتّى / هَمَّ أَن يَغلِبَ البَقاءُ الزَوالا
وَطَوَيتُم فَراسِخَ الأَرضِ طَيّاً / وَمَشَيتُم عَلى الهَواءِ اِختِيالا
ثُمَّ سَخَّرتُمُ الرِياحَ فَسُستُم / حَيثُ شِئتُم جَنوبَها وَالشَمالا
تُسرِجونَ الهَواءَ إِن رُمتُمُ السَي / رَ وَفي الأَرضِ مَن يَشُدُّ الرِحالا
وَتَخِذتُم مَوجَ الأَثيرِ بَريداً / حينَ خِلتُم أَنَّ البُروقَ كُسالى
ثُمَّ حاوَلتُمُ الكَلامَ مَعَ النَج / مِ فَحَمَّلتُمُ الشُعاعَ مَقالا
وَمَحا فوردُ آيَةَ المَشيِ حَتّى / شَرَعَ الناسُ يَنبِذونَ النِعالا
وَاِنتَزَعتُم مِن كُلِّ شِبرٍ بِظَهرِ ال / أَرضِ أَو بَطنِها المُحَجَّبِ مالا
وَأَقَمتُم في كُلِّ أَرضٍ صُروحاً / تَنطَحُ السُحبَ شامِخاتٍ طِوالا
وَغَرَستُم لِلعِلمِ رَوضاً أَنيقاً / فَوقَ دُنيا الوَرى يَمُدُّ الظِلالا
وَحَلَلتُم بِأَرضِنا فَعَرَفنا / كَيفَ تُنمونَ بَينَنا الأَطفالا
وَرَأَينا البَناتِ كَيفَ يُثَقَّف / نَ بِعِلمٍ يَزيدُهُنَّ جَمالا
لَيتَ شِعري مَتى أَرى أَرضَ مِصرٍ / في حِمى اللَهِ تُنبِتُ الأَبطالا
وَأَرى أَهلَها يُبارونَكُم عِل / ماً وَوَثباً إِلى العُلا وَنِضالا
قَد نَفَضنا عَنّا الكَرى وَاِبتَدَرنا / فُرَصَ العَيشِ وَاِنتَقَلنا اِنتِقالا
وَعَلِمنا بِأَنَّ غَفلَةَ يَومٍ / تَحرِمُ المَرءَ سَعيَهُ أَحوالا
فَشَقَقنا إِلى الحَياةِ طَريقاً / وَأَصَبنا عَلى الزِحامِ مَجالا
وَنَهَضنا في ظِلِّ عَرشِ فُؤادٍ / وَرَفَعنا لِعَهدِهِ تِمثالا
قَد أَبى اللَهُ أَن نَعيشَ عَلى النا / سِ وَإِن ضاقَتِ الوُجوهَ عِيالا
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ
لِلَّهِ دَرُّكَ كُنتَ مِن رَجُلِ / لَو أَمهَلَتكَ غَوائِلُ الأَجَلِ
خُلُقٌ كَأَنفاسِ الرِياضِ إِذا / أَسحَرنَ غِبَّ العارِضِ الهَطِلِ
وَشَمائِلٌ لَو أَنَّها مُزِجَت / بِطَبائِعِ الأَيّامِ لَم تَحُلِ
جَمُّ المَحامِدِ غَيرُ مُتَّهَمٍ / جَمُّ التَواضُعِ غَيرُ مُبتَذَلِ
يا دَولَةَ الأَخلاقِ رافِلَةً / مِن قاسِمٍ في أَبهَجِ الحُلَلِ
كَيفَ اِنطَوَيتِ بِهِ عَلى عَجَلٍ / أَكَذا تَكونُ مَصارِعُ الدُوَلِ
يا طالِعاً لِلشَرقِ لَجَّ بِهِ / نَحسُ النُحوسِ فَقَرَّ في زُحَلِ
هَلّا وَصَلتَ سُراكَ مُنتَقِلاً / عَلَّ السُعودِ تَكونُ في النُقَلِ
ما لي أَرى الأَجداثَ حالِيَةً / وَأَرى رُبوعَ النيلِ في عَطَلِ
فَإِذا الكِنانَةُ أَطلَعَت رَجُلاً / طاحَ القَضاءُ بِذَلِكَ الرَجُلِ
أَوَ كُلَّما أَرسَلتُ مَرثِيَةً / مِن أَدمُعي في إِثرِ مُرتَحِلِ
هاجَت بِيَ الأُخرى دَفينَ أَسىً / فَوَصَلتُ بَينَ مَدامِعِ المُقَلِ
إِن خانَني فيما فَجِعتُ بِهِ / شِعري فَهَذا الدَمعُ يَشفَعُ لي
وَلَقَد أَقولُ وَما يُطاوِلُني / عِندَ البَديهَةِ قَولُ مُرتَجِلِ
يا مُرسِلَ الأَمثالِ يَضرِبُها / قَد عَزَّ بَعدَكَ مُرسِلُ المَثَلِ
يا رائِشَ الآراءِ صائِبَةً / يَرمي بِهِنَّ مَقاتِلَ الخَطَلِ
لِلَّهِ آراءٌ شَأَوتَ بِها / في الخالِدينَ نَوابِغَ الأُوَلِ
قَد كُنتَ أَشقانا بِنا وَكَذا / يَشقى الأَبِيُّ بِصُحبَةِ الوَكَلِ
لَهفي عَلَيكَ قَضَيتَ مُرتَجِلاً / لَم تَشكُ لَم تَستَوصِ لَم تَقُلِ
غَلَّ القَضاءُ يَدَ القَضاءِ فَذا / يَبكي عَلَيكَ وَذاكَ في جَذَلِ
شَغَلَتكَ عَن دُنياكَ أَربَعَةٌ / وَالمَرءُ مِن دُنياهُ في شُغُلِ
حَقٌّ تُناصِرُهُ وَمَفخَرَةٌ / تَمشي إِلَيها غَيرَ مُنتَحِلِ
وَحَقائِقٌ لِلعِلمِ تَنشُدُها / ما لِلحَكيمِ بِهِنَّ مِن قِبَلِ
وَفَضيلَةٌ أَعيَت سِواكَ فَلَم / تَمدُد إِلَيهِ يَداً وَلَم يَصِلِ
إِن رَيتَ رَأياً في الحِجابِ وَلَم / تُعصَم فَتِلكَ مَراتِبُ الرُسُلِ
الحُكمُ لِلأَيّامِ مَرجِعُهُ / فيما رَأَيتَ فَنَم وَلا تَسَلِ
وَكَذا طُهاةُ الرَأيِ تَترُكُهُ / لِلدَهرِ يُنضِجُهُ عَلى مَهَلِ
فَإِذا أَصَبتَ فَأَنتَ خَيرُ فَتىً / وَضَعَ الدَواءَ مَواضِعَ العِلَلِ
أَولا فَحَسبُكَ ما شَرُفتَ بِهِ / وَتَرَكتَ في دُنياكَ مِن عَمَلِ
واهاً عَلى دارٍ مَرَرتُ بِها / قَفراً وَكانَت مُلتَقى السُبُلِ
أَرخَصتُ فيها كُلَّ غالِيَةٍ / وَذَكَرتُ فيها وَقفَةَ الطَلَلِ
ساءَلتُها عَن قاسِمٍ فَأَبَت / رَدَّ الجَوابِ فَرُحتُ في خَبَلِ
مُتَعَثِّراً يَنتابُني وَهَنٌ / مُتَرَنِّحاً كَالشارِبِ الثَمِلِ
مُتَذَكِّراً يَومَ الإِمامِ بِهِ / يَومَ اِنتَوَيتُ بِذَلِكَ البَطَلِ
يَومَ اِحتَسَبتُ وَكُنتُ ذا أَمَلٍ / تَحتَ التُرابِ بَقِيَّةَ الأَمَلِ
جاوِر أَحِبَّتَكَ الأُلى ذَهَبوا / بِالعَزمِ وَالإِقدامِ وَالعَمَلِ
وَاِذكُر لَهُم حاجَ البِلادِ إِلى / تِلكَ النُهى في الحادِثِ الجَلَلِ
قُل لِلإِمامِ إِذا اِلتَقَيتَ بِهِ / في الجَنَّتَينِ بِأَكرَمِ النُزُلِ
إِنَّ الحَقيقَةَ أَصبَحَت هَدَفاً / لِلراكِبينَ مَراكِبَ الزَلَلِ
لِلَّهِ آثارٌ لَكُم خَلَدَت / صاحَ الزَوالُ بِها فَلَم تَزُلِ
لِلَّهِ أَيّامٌ لَكَم دَرَجَت / طالَت عَوارِفُها وَلَم تَطُلِ
نِعمَ الظِلالِ لَوَ اِنَّها بَقِيَت / أَو أَنَّ ظِلّاً غَيرُ مُنتَقِلِ