المجموع : 9
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ / هَيهاتَ تَبني ركنَهُ يَدُ عاطِلِ
وَضَح الهُدى وَالقَوم بَينَ أَخي كَرى / لا يَستَفيق وَبَينَ صاحٍ غافِلِ
قُل لِلَّذي طَلَبَ المَعالِيَ قاعِداً / لا مَجدَ في الدُنيا لِغَيرِ العامِلِ
بَنَتِ الشُعوبُ عَلى الصِناعَةِ عزَّها / فَالنَجمُ يَرمقُه بِعَينِ الذاهِلِ
دَعَموا الحَضارَةَ بِالعُقولِ وَصَيَّروا / مَدنيَّةَ الأَسلافِ زُخرفَ باطِلِ
تَرَكوا الزهادَة في الحَياةِ لِعاجِزٍ / راضٍ مِن الدُنيا بِعَيشِ الخامِلِ
وَتَراءَتِ الدُنيا لَهُم في جِدِّها / إِذ نَحنُ نَرميها بِعَينِ الهازِلِ
خَلَقُوا مِن العَدَم الوُجودَ وَأَوشَكوا / أَن يَجعلوا لِلصَخرِ عَقلَ العاقِلِ
وَاِستَنبَئُوا الأَكوانَ عَن أَسرارِها / لَم يَسألوا عَنها سُطورَ أَوائِلِ
خَضَعت لِأَمرِهمُ البِحارُ فَأُثقِلت / مِن سُفنِهم بِمدائِن وَمَعاقِلِ
تَجري وَمَوجُ اليَمِّ يَصخب حَولَها / مَرَّ الكَريم عَلى سِفاهِ الجاهِلِ
وَعَلوا سراة الريحِ فَوقَ مَناطِدٍ / نَظَرت لَها الأَفلاكُ نَظرَةَ واجِلِ
كَم ذاقَ في الأَسفارِ قَبلَهُم الوَرى / مِن شُقَّةٍ بَعُدَت وَهَول هائِلِ
فَتدارَكتها آيةٌ مِن عِلمِهم / جَعَلت رِحابَ الأَرضِ كِفَّةَ حابِلِ
تركت بعيدَ الدارِ مِثلَ قَرِيبِها / وَأَخا النَوى في نَأيهِ كمواصِلِ
لَو أَسعَفوا قَيساً وَقَد أَزِفَ النَوى / لَم يَبكِ لَيلاهُ بُكاءَ الثاكِلِ
فيمَ الفخارُ إِذا الشُعوبُ تَفاضَلت / أَبِذِلَّةٍ تُزرى وَجَهلٍ قاتِلِ
لا تَذكروا ما شَيَّدَت أَسلافُكُم / مِن كُلِّ صَرح كَاليفاعِ الماثِلِ
لَولا جُهودُ الغَربِ حُجِّبَ علمُها / وَتَشابَه المَسئولُ فيهِ بِسائِلِ
زَخَرت نَوادي لَهوِكُم بِمَجالسٍ / مَوصولَةٍ غَدواتُها بِأَصائِلِ
لِلنَّردِ وَالشطرنج فيها ضَجَّةٌ / فَتَخالُها قَد بُدِّلَت بِمَعامِلِ
وَتمدُّها بِالعاطِلين مَدارِسٌ / تَهمي بِسَيلٍ مِن بَنيها هاطِلِ
ضاقَت رحابُ الأَرضِ وَهيَ فَسيحَةٌ / عَنهُم وَضاقَ بِهم ذِراعُ العائِلِ
أَلقَوا عَلى دُورِ الحُكومَةِ عبأهم / حَتّى شَكا الإِعياءَ جُهدُ الحامِلِ
مَن فاتَهُ عَيشُ الوَظائِفِ بَينها / فَنصيبُهُ في العَيشِ خَيبَةُ آمِلِ
وَخلت مَتاجركم وَأَقفر سُوقُكُم / مِن سِلعَةٍ إِلّا طَعامَ الآكِلِ
فَعَلامَ نُزهَى بِالثيابِ وَما لَنا / في صُنعِها يَدُ ناسِجٍ أَوغازِلِ
أَيَجرُّ ذَيلَ الفخرِ غِرٌّ ما لَهُ / في ثَوبِهِ حَتّى أَداة الغاسِلِ
وَإِذا امرُؤٌ حَذَق الصِناعَة منكمو / غالَى بِسلعَتِهِ غلوَ الباخِلِ
يَشكو الكَسادَ وقَد جَناه خلقهُ / طَمَعٌ يَلجُّ بِهِ ووعدُ الماطِلِ
وَتَرى سراةَ القَومِ في لَذّاتِهم / يَسخُو شَحيحُهم سَخاءَ الباذِلِ
وَإِذا البِلادُ دَعتهمُو لِمُصابِها / فَدعاء مَخذولٍ أَهابَ بِخاذِلِ
كَم ذا تُؤَدِّبُنا الخطوبُ بِنُصحِها / وَكَأَنَّ صَوتَ النصحِ صَوتُ العاذِلِ
وَنصيح بِالمَجدِ القَديم وَلا أَرى / صَيحاتِنا إِلّا تَثاؤُبَ كاسِلِ
فَتَجَرَّعُوا عُقبى البَطالَةِ مَورِداً / رَنقَ المَشارِبِ لا يَسُوغُ لِناهِلِ
لا تَظلموا صَرفَ اللَيالي إِنَّما / سَبَح الوَرى وَوَقفتمُو بِالساحِلِ
وَالبُؤسُ في الدُنيا جَنى لذَّاتِها / لا نَقض في حُكمِ الزَمانِ العادِلِ
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي / وَعِدينا بِالتَداني وَاِمطُلي
وَإِذا لَم تُسعِدي الشاكي بِما / يَرتَجيهِ أَسعِدي بِالأَمَلِ
كَم سَأَلنا وَقَنِعنا أَنَّنا / نَأمَلُ البَذلَ وَإِن لَم تَبذلي
وَرَضينا مِنكِ لَو أَجدى الرِضا / بِتَمنِّي الوَصلِ إِن لَم تَصِلي
فَاسأليهِ مَرّةً ما سُقمُه / حَسبُ مَن أَسقَمتِهِ أَن تَسأَلي
حَسبُهُ عِلمُك عَنهُ أَنَّهُ / مَسَّهُ الحُبُّ بِداء مُعضِلِ
حَسبُهُ الظَنُّ إِذا لَم تُوقِني / أَنَّهُ حُمِّلَ ما لَم يحمَلِ
أَخطِري وَهمَك فيهِ مَرّةً / خَطرَةَ الشَجوِ عَلى بالِ الخَلي
وَالمَحيهِ لَمحَ بَرقٍ خُلَّبٍ / يُطمِعُ الصادي وَإِن لَم يُسبِلِ
آهِ لَو أَصغَيت لِي أَشكو الَّذي / شَفَّ جِسمي آه لَو أَصغَيتِ لي
رُبَّ يَومٍ قُلتُ أَشكو فَرَنَت / نَظرَ العَطفِ وَإِن لَم تَفعَلِ
لَم تَكد تَعطِفُ حَتّى رَدَّها / عَن حَديثِ العَطفِ صَمتُ الخَجَلِ
وَجَرى بَينَ يَديها مَدمعي / فاتِحاً أَبوابَ قَلبٍ مُقفَلِ
فَأَجالت عَبرَةً تُمسكُها / خَشيَةَ الواشي فَلَم تَنهَملِ
لَستُ أَخشى عاذِلاً مِن غَيرِها / إِنَّ تِيهَ الغِيدِ أَقوى العُذَّلِ
لَيسَ في قَلبي لعَذلٍ مَوضِعٌ / أَنا عَن عَذلِهم في شُغُلِ
خُلِقَ الحُسنُ سَلاماً فَاِبسُطي / ظلَّه الوارِفَ رَحبَ المَنزلِ
لَم يَكُن سَيفاً تَصُولين بِهِ / نَزِقَ الحَدِّ رَهيبَ المُنصُلِ
لِمَ تُدعى أَسهُماً قاتِلَةً / فِتنَةُ الحُسنِ بِتِلك المُقَلِ
إِنَّما الحُسنُ حَياةٌ وَحَياً / فَاِبعَثي المَيتَ بِهِ لا تَقتُليِ
هُوَ ذاكَ المنهلُ الصافي فَلا / تَمنَعي الظامئَ صَفوَ المَنهلِ
إِنَّهُ مِن رَحمَةِ اللَهِ فَلا / تَجعَلي الجَنّةَ نارَ المُصطَلِي
لَكِ عَرشُ الحُسنِ فاِقضي حَقَّه / وَاِستَديمي مُلكَه أَن تَعدِلي
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا / فَسَلامٌ عَلى غَرامٍ تَوَلّى
وَخَلا لِلهَوى الجَديدِ فُؤادٌ / مَرحَباً بِالهَوى الجَديد وَأَهلا
لَيتَ شِعري هَل المُنى فيهِ تَدنُو / فَكَفاني ما ذُقتُ في الحُبِّ قَبلا
يا لقَلبٍ ما قَرَّ حَتّى تَداعى / وَلِدَمعٍ ما غاضَ حَتّى اِستَهَلا
فَدعِي يا حَبيبةَ الأَمسِ قَلبي / لِوصُولٍ تَجزي المَودَّةَ مِثلا
تَعرفُ الصَبَّ كَيفَ يَقتلُهُ الحُبُّ / فَرقَّت وَلَم تَزِد فيهِ قَتلا
لَم تُطِع فيهِ عاذِلاً وَإِذا ما / صدقَ الحُبُّ لَم يُطع فيهِ عَذلا
وَإِذا ما بَذلتُ غالِيَ حُبٍّ / بَذَلَت مِن فُؤادِها الحُبَّ أَغلى
وَإِذا ما نَما هَواها بِقَلبٍ / لَم تُمِته بِالصَدِّ تِيهاً وَدَلا
لا كَتِلك الَّتي إِذا نَبتَ الحُبُّ / بِقَلب أَذوَتهُ ضَنّاً وَبُخلا
تَحسَبُ الصَدَّ وَالجَفاءَ يَزيدانِ / فُؤادي بِها غَراماً وَشُغلا
ما دَرَت أَنّ صَدَّها وَطَّنَ القَل / بَ عَلى طُولِ بُعدِها فَتَسَلّى
فَاطويا ذِكرَ ذَلِكَ العَهد عَنّي / نَهِلَ القَلبُ بِالسُلوِّ وَعَلا
إِيه يا جفنُ كَم تُساهِدُ نَجمَ ال / لَيلِ حَتّى مَلِلتَ وَالنجمُ مَلا
إِيهِ يا لَيلُ كَم حَمَلتَ مِن الشَكوى / وَبَثِّ الشُجونِ ما شَقَّ حَملا
فَأَطلتَ المُقامَ تَرثي لِحُزني / وَحَشَدتَ النُجومَ حَولي أَهلا
كَم تُؤاسِ المَحزونَ بِالدَمعِ حَتّى / تَدَعَ الزَهرَ بِالنَدى مُخضَلا
فَكِلانا راثٍ لِبثِّ أَخِيه / وَكِلانا عَن عَهدِهِ ما تَخلّى
إِيهِ يا دَمعُ كَم تَفيضُ لِذِكرى / لَمحَةٍ لَن تَرى لَها الدَهرَ ظِلا
ذَهَبَت كَالحَبابِ أَو مِثلَما جَف / فَفَ حَرُّ الشُعاعِ في الرَوضِ طَلا
وَمَضَت كَالخَيالِ في غَفوَةِ العُم / رِ فَهلا عَزَّيتَ قَلبَكَ هَلا
إِيهِ قَلبي كَم فرقَةٍ ذُقتَ حَتّى / كِدتَ تَسلُو الهَوى فِراقاً وَوَصلا
غَيرَ أَنَّ الهَوى حَياةٌ لِقَلبٍ / غُرِسَ الحُبُّ فيهِ مُذ كانَ طِفلا
إِن قَلباً لَم يُحيِهِ الحُبُّ مَيتٌ / لا تَرَى فيهِ لِلحياةِ مَحَلا
وَإِذا الشِعرُ لَم يُفِضهُ غَرامٌ / يَصهَرُ النَفسَ بِالجَوى كانَ هَزلا
فَأَعِزّي بِصادِق الحُبِّ شِعري / كَم أَهنتُ القَريضَ في حُبِّ مَن لا
وَأَفيضي عَلَيَّ صَفواً مِنَ الحُب / بِ أُفِضهُ صَفواً مِن الشِعرِ جَزلا
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ / ما تَنقَضي لَكَ حَتّى يَنقَضي الأَجَلُ
تُعِيدُ لِي مِن زَمانِ الوُدِّ ناضِرَهُ / فِيها الحَديثُ وَفيها المَجلِسُ الحَفِلُ
أَرى فُؤادَكَ في مِرآتِها مَرِحاً / وَأَلمَحُ الوَجهَ فيهِ البشرُ وَالجَذَلُ
فيها حَياتُكَ لا مَوتٌ وَلا هَرَمٌ / فيها زَمانُ الصِبا وَالعُمرُ مُقتَبِلُ
يا لَيتَ خالِقَ هَذا المَوتِ فَرَّقَنا / في البَدءِ ما وَصلُ ما بِالمَوتِ يَنفَصِلُ
وَما اِشتِهاؤُكَ وُدّاً حُزنُ آخِرِه / يُنسيكَ ما أَفرحت أَيامُهُ الأُوَلُ
دَع الهُيامَ بِما تَبلى مَحاسِنُهُ / يَمضي وَتَخلُفُه الأَحزانُ وَالعِلَلُ
عَيبُ الجَمالِ بلاهُ بَعدَ جِدَّتِهِ / يا لَيتَ عُشّاقَه قَبلَ الهَوى عَقَلُوا
فاِملأ فُؤادَكَ مِن يَأسٍ تُرِحهُ بِه / أَشقى نُفوسَ الوَرى شَيءٌ هُوَ الأَمَلُ
في الذِّكرَياتِ وَفاءٌ أَستَعِيضُ بِه / عَمَّن فَقَدتُ وَوُدٌّ لَيسَ يَنتَقِلُ
كَأَنَّكَ اليَومَ بِالحِلمِيَّتَين عَلى / ما قَد تَعَوَّدت لا خُلفٌ وَلا مَلَلُ
تَظَلُّ بَينَ وُفُودِ الزائِرينَ بِها / وَفدٌ يَحِلُّ وَوَفدٌ بَعدُ يَرتَحِلُ
مُستَعذَبَ المَزحِ تَلهُو غَيرَ مُنتَقِصٍ / أَخاً وَإِن بِانَ مِنهُ الغِشُّ وَالدَّخَلُ
تُصفي إِخاءَكَ مَن عَقُّوا وَمَن حَفِظُوا / وَتَمنَحُ الودَّ مَن ضَنُّوا وَمَن بَذَلُوا
وَكَم جَزَوا ودَّكَ الغالي عُقُوقَهُمُ / فَلَم تُبالِ بِما قالُوا وَما فَعَلُوا
وَما نَدِمتَ عَلى غَرسٍ بَدَأتَ بِهِ / بَل زِدتَه الرِيَّ تُحيِيه فَما خَجِلُوا
ما زِلتَ تُكرِمُ فيهم كلَّما لَؤُمُوا / نَفساً وَتَسمُو مَقالاً كلَّما سَفَلُوا
تَجزِي إِساءَتَهُم أَضعافَها صِلَةً / كَأَنَّما نَفَثَت في قَلبِكَ الرُّسُلُ
سَرَت أَفاعِيهمُ بِالسُمِّ فَاِنقَلَبَت / في زَهرِ وُدِّكَ نَحلاً جَنيُها عَسَلُ
إِذا الحقُودُ أَرادَت قَلبَهُ وَطَناً / ضَلَّت سُراها وَسُدَّت نَحوَهُ السُبُلُ
كَم سائِلٍ رَيَّه عَن فَقدِهِ عِوَضاً / لَو أَنصَفُوا وُدَّكَ المفقودَ ما سَأَلُوا
وَكُلُّ ماضٍ لَهُ مِن فَقدِهِ بَدَلٌ / إِلا الوَفاءَ فَما مِن فَقدِهِ بَدَلُ
وَكُلُّ رزءٍ وَإِن جَلَّ المُصابُ بِهِ / إِلّا مُصابَكَ بِالإِخوانِ مُحتَمَلُ
يا دَولَةً بِجَلالِ الخُلقِ حافِلَةً / أَهَكَذا تَنطَوي في أَوجِها الدُّوَلُ
وَراحِلاً وُدُّهُ في القَلبِ مُتَّصِلٌ / حَبلُ البُكاءِ عَلَيكَ الدَهرَ مُتَّصِلُ
قَد كانَ حَظُّكَ وَثاباً فَأَقعَدَهُ / صَراحَةٌ بِكَ فيها يُضرَبُ المَثَلُ
كَأَنَّ قَلبَكَ أُفق الشَمسِ مُنبَعِثٌ / في رَوعَةِ النُورِ مِنهُ القَولُ وَالعَمَلُ
صَراحَةٌ كَم سَقَتكَ المرَّ صُحبَتُها / وَلَم يَنَل مِنكَ فيها عَذلُ مَن عَذَلُوا
آثَرتَها وَظَلِلتَ العُمرَ مُغتَبِطاً / بِنَقصِ حَظِّكَ حِينَ الخُلقُ مُكتَمِلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ / يَمضي بِها جيلٌ وَيُقبِلُ جِيلُ
تَتَوارَثُ الأَيّامُ طِيبَ حَدِيثِها / الدَّهر يَسمَع وَالفَعالُ يَقُولُ
وَلِذي المَواهِبِ وارِثانِ فَعَصرُه / يَرِثُ الثَناء وَلِلبَنين فُضُولُ
وَلَهُ حياتانِ الأَخيرةُ مِنهُما / في الذكرِ وَالأُولى إِلَيهِ سَبيلُ
لا تَبكِ مَن قَد عاشَ عُمراً واحِداً / إِنَّ التُرابَ عَلى التُرابِ مَهيلُ
هَل عاشَ أَو هَل ماتَ لا تَسأل بِهِ / فَمَماتُهُ بِحَياتِهِ مَوصُولُ
ما زادَ عَن تَعَبِ الوِلادِ لأُمّهِ / وَالناسِ وَهوَ إِلى الثَرى مَحمولُ
وَمِنَ البَليَّةِ أَنَّ أَكثَرَ مَن تَرى / في الناسِ ذاكَ العائِشُ المَثكُولُ
فاملأ مَوازِينَ الزَمانِ فَلَن تَرى / في الناسِ مِيزانَ الزَمانِ يَميلُ
تَقضي العُصورُ عَلى الرِجالِ بِحُكمِها / وَالباقِياتُ الصالِحاتُ عُدُولُ
تَيمورُ إِن نَفقِد حَديثَك بَينَنا / فَصَداهُ في أُفقِ الزَمانِ يَجُولُ
مُتَنَقِّلاً بَينَ العُصورِ كَأَنَّهُ / تاجٌ عَلى الأَيّام أَو إِكليلُ
عرفَت نَفاسَتهُ العُصورُ فَبالَغَت / حِرصاً عَلَيهِ وَلِلعُصورِ عُقولُ
فُجِعَت بِكَ الفُصحى فَجيعَةَ أَهلِها / بِكَيانِهم حِينَ العَزاءُ قَليلُ
قَد كُنتَ مُعجَمها الَّذي ما فاتَهُ / لا في القَديم وَلا الجَديد فَتيلُ
صُحُفٌ بِآثارِ العُصور زَواخِرٌ / فِيها لِكُلِّ دَقيقَةٍ تَفصيلُ
لَم تَروِ عَن جِيلٍ خَلا إِلّا سَما / مِن حُسنِ نَقلِكَ ذَلِكَ المَنقُولُ
لا يَدَّعِ الأَدَبَ الصَميمَ عِصابَةٌ / جَهِلَت قَدِيمَ العُربِ وَهو أَصيلُ
شَنّوا عَلى أَدَبِ العُروبَةِ غارَةً / شَعواءَ قائدُ جَيشِها مَخذُولُ
أَمضى سِلاحهمُ السِبابُ وَإِنَّهُ / سَيفٌ عَلى مَن سَلَّهُ مَسلُولُ
عُصَبٌ يُؤَلِّفُها العقوقُ فَجَيشُهُم / في غَيرِ مَيدانِ الجِهادِ يَصُولُ
مِن كُلِّ أَلكَنَ نابِغٍ في عِيِّهِ / لَهِجٍ بِدَعوى العِلمِ وَهوَ جَهُولُ
وَيَكادُ يَرشَحُ عَقلُهُ أُمِّيَّةً / حَتّى عَلَيهِ يُشكِلُ التَشكيلُ
إِن رامَ شِعراً لَم يُقِم مِيزانَه / وَرَوِيُّه قَيدٌ عَلَيهِ ثَقِيلُ
أَو رامَ نَثراً عَيَّ دُونَ مُرادِهِ / لَفظٌ يَطُول وَما بِهِ مَعقُولُ
وَإِذا يُتَرجِمُ كانَ في تَعقيدِهِ / قَبرٌ بِهِ المَعنى البَريءُ قَتيلُ
كَم كاتِبٍ في الغَربِ شَوَّه فَنَّه / عَيُّ اللِسانِ عَلى البَيانِ دَخيلُ
لا نَجحَدُ الغَربيَّ سِحرَ بَيانِهِ / لَكنَّ سُوءَ العَقلِ عَنهُ يُحيلُ
سُفَراءُ سوءٍ باعَدَت ما بَينَنا / وَلَربَّما جَلبَ الشقاقَ رَسُولُ
مَن لَم يُقَوِّم بِالقَديمِ لِسانَه / فَبَيانُه مَهما يجده صَهيلُ
كنزٌ مِن الأَدَبِ الرَفيع مُضَيَّعٌ / يُعشى النَواظِرَ درُّهُ المَجهولُ
يا خُسرَ بائِعِهِ بِزُخرُفِ غَيرِهِ / خَزَفٌ مِن الدُرِّ اليَتيمِ بَديلُ
كَم عَبقريٍّ لَو نَشَرنا فَضلَه / في الغَربِ مَسَّ الغَربَ مِنهُ ذُهُولُ
وَلَو انَّهُم نَفَذُوا لِسِحر بَيانِهِ / عَكَفُوا عَلَيهِ كَأَنَّهُ الإِنجيلُ
هَذا المَعرِّي وَهوَ فَردٌ واحِدٌ / ماذا سَمِعنا الغَربَ عَنهُ يَقولُ
سَل مُشكِلاتِ العُربِ في آدابِهم / مَن عالِمُ الفُصحى مَن المسئولُ
سَل مُشكِلاتِ الشَرقِ في تاريخِهِ / مَن غَير تَيمورٍ بِهنَّ كَفيلُ
عِلمٌ يزيِّنهُ الحَياءُ وَلَن تَرى / ذا العِلم عَن سنَنِ الحَياءِ يَميلُ
آلامُنا في مِصرَ لَو حقَّقتَها / رَجَعت إِلى أَنَّ الحَياءَ قَليلُ
وَإِذا الجِدالُ اِحتَدَّ لَم يَجمح بِهِ / نَزَقٌ فَلا شَتمٌ وَلا تَجهيلُ
يُغضي على سَفهِ السَفيهِ تَكَرُّماً / إِن الكَريمَ عَنِ الأَذى مَشغولُ
وَإِذا جَزَيتَ أُولي السَفاهَةِ بِالَّذي / قالُوا فَأَنتَ لِمَن جَزَيتَ مَثِيلُ
دينٌ إِلى دُنيا وَعلمٌ زانَهُ / خُلُقٌ نَمتهُ إِلى الفروعِ أُصُولُ
نِعَمٌ تَزيدُ عَلى الثَناءِ وَإِن غَلا / ويقِلُّ عَنها الشُكرُ وَهوَ جَزيلُ
لَيسَ مِن الفَضائِل
لَيسَ مِن الفَضائِل / أَشبَهُ بِالرَذائِل
كَرَغبَةِ الإِنسانِ / في كَثرَةِ الإِخوانِ
يَقُولُ مَن لا يَعلَمُ / لا تُكثِرَنّ مِنهُمُ
عَلَيكَ بِالإِقلالِ / تَعِش رَخِيَّ البالِ
فَإِنَّما الأَحزانُ / تَجلُبُها الإِخوانُ
فَمَن يَعِش وَحِيداً / مِنهُم يَعِش سَعيدا
مقالُ مَن لَم يُنصِفِ / وَرَأيُ مَن لَم يَعرِفِ
فَإِنّ مَن يُقِلُّ / مِن صَحبِهِ يَذِلُّ
وَآيَةُ الإِجحافِ / زُهدُكَ في الأُلّافِ
فَكَثرَةُ الإِخوانِ / أَمنٌ مِنَ الزَمانِ
هُم رُكنُكَ الشَديدُ / وَسَهمُكَ السَديدُ
حِرزٌ مِنَ النَوائِبِ / وَجُنَّةُ المَصائِبِ
عَلامَةُ الآدابِ / زِيادَةُ الأَصحابِ
فَإِنَّهُ لا يُصحَبُ / إِلّا الخَلاقُ الطَيِّبُ
ولَيسَ لِلأَراذِلِ / في الناسِ مِن مُواصِلِ
عَلَيكَ بِالإِحسانِ / تُحَفّ بِالأَخدانِ
فَهُم قَطاً ظِماءُ / يَسقُط حَيثُ الماءُ
وَإِن سُئِلتَ الودّا / مِنكَ فَأَظهر زُهدا
فَلَيسَ كُلُّ راغِبِ / يَحفَظُ عَهدَ الصاحِبِ
لا تُدمِن الإِقبالا / وَاتَّقِ الابتِذالا
فَإِنَّما المُقارَبَه / آخرُها مُجانَبَه
وَكَثرَةُ الوِصالِ / داعِيَةُ المَلالِ
وَإِنَّما الإِنسانُ / مُخاتِلٌ خَوّانُ
يَدنُو إِلى مَن يَبعُدُ / وَيَصطَفي مَن يَزهَدُ
وَإِن تَكُن جَليسا / فَلا تَكُن رَئِيسا
إِيّاكَ وَالتَكلِيفا / لِتَخدَعَ الأَلِيفا
دَليلُ حُسنِ الأُلفَه / إِلقاءُ عِبءِ الكُلفه
فآيَةُ الخِداعِ / تَكَلُّفُ الطِباعِ
فَإِنّ ذا لَونَينِ / مَن لَبِسَ الحالَينِ
لَيسَ لَهُ وَفاءُ / فَإِنَّهُ حِرباءُ
مُصاحِبي لَعَلَّه / أَحسَنُ مِنهُ العُزلَه
وَأَكثَرُ الإِخوانِ / في ذلِكَ الزَمانِ
مُصاحِبٌ لِمالِ / يَرغَبُ في النَوالِ
أَو راهِبٌ تَوَعُّدا / يُظهِرُ لِي تَوَدُّدا
لَكِنَّما الصَديق / وَالصاحِبُ الرَفِيقُ
مَن كانَ لي مُؤاسِيا / إِذا رَآني شاكِيا
وَمَن رَعى إِخائي / في البُؤسِ وَالرَخاءِ
لَم يُدنِهِ يَساري / وَيُقصِهِ إِعساري
وَعَهدُهُ جَديدُ / إِن رَثَّتِ العُهُودُ
وَغايَةُ الإِخاءِ / وَالصِدقِ في الوَلاء
مَن وَصَل الإِخوانا / لا يَبتَغي شُكرانا
غَيرَ رِضاءٍ مِنهُمُ / فَاللَهُ يَجزي عَنهُمُ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ / وَلا تعلِّمه لِغَيرِ أَهلِهِ
تُضِيعُهُ كَغارِس النَرجِيل / ضَلالَةً مِنهُ بِأَرضِ النِيل
وَاِبخل بِهِ حَتّى تُصيبَ المَوضِعا / ضَنّاً بِفَضلِ العِلمِ أَن يُضَيَّعا
ما كُلُّ مَوطِنٍ يَطيبُ البَذلُ / كَم مَوطِنٍ يَحسُنُ فيهِ البُخلُ
وَإِنَّهُ لَيسَ مِن الإِنعامِ / تَقليدُكَ اللُؤلُؤَ لِلأَنعامِ
أَخسَرُ من أَبصَرتَ في الحَياةِ / مَن جادَ بِالسُقيا عَلى المَواتِ
وَالبُخلُ بِالعلمِ عَلى مَن يُثمِرُ / بِهِ نَباتُ العِلمِ ظُلمٌ أَكبَرُ
مَن ضَنَّ بِالعِلمِ عَلى الجُهالِ / أَبخَلُ ممَّن ضَنَّ بِالأمالِ
فَإِنَّهُ مَن ضَنَّ بِالإِنفاقِ / مِن مالِهِ يَخشى مِن الإِملاقِ
وَالعِلمُ لا يَنقُصُهُ التَكَرُّمُ / بِهِ وَلا يَزيدُهُ التَكَتُّمُ
فَاِستَبقِ فَضلَ العِلم بِالتَعليمِ / وَزَكِّ غَرسَ الفَهمِ بِالتَفَهيمِ
وَكُن بِمَن عَلَّمتَه رَؤوفا / لِكَي يَرى مِنكَ أَبَاً عَطُوفا
وَلا تَسلهُ فَهمَ ما لا يُفهَمُ / وَلا تَقُد بِالعُنفِ من تُعلمُ
الصَعبُ بِالشِدَّةِ لا يُقادُ / فَاِرفُق بِهِ يسلس لَكَ القِيادُ
وَحَلِّه بِحِليَةِ الكَمال / فَإِنَّها عَونٌ عَلى المَعالي
وَنَقِّهِ مِن دَرَنِ الصِفاتِ / وَاِملأ فُؤادَهُ مِن العِظاتِ
عَوِّدهُ خُلق الودِّ وَالتَعاوُنِ / فَالمَرءُ لا يبلُغُ بِالتَهاوُنِ
جَمِّله قَبلَ العِلم بِالآدابِ / وَاللِين في السُؤال وَالجَوابِ
فَإِنَّهُ صَحيفَةٌ بَيضاءُ / يَكتُبُ فيها المَرءُ ما يَشاءُ
قَد يُحمَدُ الجَهلُ مَع التَأديبِ / لا خَيرَ في عِلمٍ بِلا تَهذِيبِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ بِالقَواعِدِ / يُعليكَ إِن لَم تَعلُ بِالمَحامِدِ
وَاِعمَل بِما أَنتَ إِلَيهِ تُرشِدُ / وَانتهِ عَمّا أَنتَ عَنهُ تُبعِدُ
لا تَحم وِرداً أَنتَ مِنهُ ناهِلُ / وَلا تُحَلِّهِ وَأَنتَ عاطِلُ
وَاِنصَحهُ بِالتَعرِيض في الخِطاب / فَإِنَّهُ أَروَضُ لِلصعابِ
لا تُظهرَن لِلصِحابِ عَيبَه / فَإِنَّهُ يَهتِك حُجبَ الهَيبَه
فَلا أَرى في كَشفِهِ اِنتِصاحا / لَكِنَّني أَرى بِهِ اِفتِضاحا
وَلَيسَ هَذا مِن سِماتِ الفَضلِ / بَل إِنَّهُ خرقٌ وَسُوءُ فِعلِ
يَزيدُهُ حِرصاً عَلى الإِصرارِ / وَإِنَّهُ داعِيَةُ النِفارِ
وَاِرفُق بِهِ وَلا تَكُن شَتّاما / وَلا تَقُدهُ لِلهُدى إِلزاما
فَإِنَّها مِن صِفَةِ الأَميرِ / لا مِن صِفاتِ الواعِظِ المُشِيرِ
مِما حَفِظناهُ مِن الكَلامِ / وَما رَوَيناهُ عَن الأَعلامِ
أَحبُّ شَيءٍ لِلفَتى ما يُمنَعُ / مِنهُ فَلا يَزالُ فيهِ يَطمَعُ
جَمِّلهُ بِالتَسديدِ في المَقالِ / وَلا تُعَنِّفُه عَلى سُؤال
وَرَوِّه مَحاسِنَ الأَشعارِ / وَمُلَحَ الأَخبارِ وَالآثارِ
وَذكرَ ما مَضى مِن العُصُورِ / وَمن خَلا في سالِفِ الدُهورِ
فَإِنَّهُ أَشحَذُ لِلطِباعِ / وَإِنَّهُ أَبلَغُ في الإِمتاعِ
وَاِذكُر لَهُ طَرائِفَ الآدابِ / فَإِنَّها تَفكهةُ الأَلبابِ
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ الدُروسِ / فَإِنَّها أَخمَدُ لِلنُفوس
وَاِقرَأ لَهُ أَحسَنَ ما يُقالُ / وَلا تَقُل في هَذِهِ أَقوالُ
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الإِنصافِ / إِضاعَةُ الأَعمارِ في خِلافِ
عُمرُ الفَتى تُخلِقُه اللَيالي / فَلا تُضِع عُمرَك في ضلالِ
لا تَبغِ بِالعِلمِ اِكتِسابَ المالِ / فَإِنَّهُ نَفائِسُ الجُهّالِ
وَأَزهَد الناس عُلا وَقَدرا / من عَلَّم العِلمَ وَيَبغي أَجرا
عَلِّمهُ لا تَبغِ بِهِ جَزاء / وَلا تَرُم حَمداً وَلا ثَناءَ
وَاِتَّقِ سُوءَ المَنِّ بِالتَعليمِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ اللَئِيمِ
لا تَبغِ بِالتَعليم ذُخرَ الجاهِ / فَإِنَّما الذُخرُ رضاءُ اللَهِ
وَنَزِّهِ العِلم عَن السَوءاتِ / وَخدمةِ المُلوكِ وَالوُلاةِ
أَكرمهُ عِندَ الناسِ حَتّى تُكرَما / لا تَتَّخِذهُ لِلحُطامِ سُلَّما
ما أَرخَصَ العِلمَ لَدى الأَنامِ / في عَصرِنا كَطَلَبِ الحُطامِ
وَإِنّ أَولى الناسِ بِاتِّباعِ / من طَهَّرَ العِلمَ عَن الأَطماعِ
فَاِرفَع بِهِ قَدرَك عَما يُصغِرُه / وَلا تُهِنهُ عِندَ مَن لا يُكبِرُه
وَالبَس لَهُ تَرفّعَ المُلوكِ / تَعلُ بِهِ لا ضَعَةَ الصُعلوكِ
وَاِنصَح بِما تَراهُ غَيرَ كاتِمِ / لا تَخشَ في الحَق مَلامَ اللائِمِ
فَإِنَّما أَنتَ أَمينُ الخالِق / في أَرضِهِ فَانصح وَلا تُنافِق
سِر في الوَرى بِسيرَةِ الأَمينِ / لا تَشتَرِ الدُنيا بِبَيع الدينِ
فَإِنّ أَضيعَ الوَرى لِخَيرِهِ / من باعَ أخراهُ بِدُنيا غَيرِهِ
لا تَزدَهيكَ زينَةُ الحَياةِ / فَكُلُّ مَجموعٍ إِلى شَتاتِ
وَكُلُّ نِعمَةٍ إِلى زَوالِ / لا بُدَّ لِلظِّلِّ مِن اِنتِقالِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ / تَعرفهُ إِن كُنتَ بِه ذا جَهلِ
خُلق الفَتى يَظهَرُ في الطَعامِ / كَما يَبِينُ اللُبُّ في الكَلامِ
مَهما يَكُن مِن خُلُقٍ يُخفيهِ / فَإِنَّهُ في أَكلِهِ يُبديهِ
وَهَذِهِ آدابُهُ في شِعري / فَصَّلتُها كُلُؤلُؤٍ في نَحرِ
فَاِعمَل بِها إِن كُنتَ ذا كَمالِ / تُكرَمُ في الحِلِّ وَفي التَّرحالِ
دُونَكَ غَسلَ اليَدِ قَبلَ الأَكلِ / لا يَهنَأُ الأَكلُ بَغَيرِ غَسلِ
وَكَثِّرِ الأَيدي عَلى الطَعامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
إِن لَم تَجد مُشارِكاً في أَكلِك / فَكثِّرِ الأَيدي وَلَو مِن أَهلِك
إِنَّ يَدَ اللَهِ مَع الجَماعَه / وَخَيرُ ما تَعلو بِهِ القَناعَه
شَرُّ الوَرى مَن أَكلُهُ بِمَعزِلِ / ذاكَ وَضِيعُ القَدرِ مَهما يَعتَلي
حَذارِ الاتِكاءَ حِينَ تَأكُلُ / وَاِعمَل كَما كانَ النَبيُّ يَعمَلُ
وَلا تُغيِّر هَيئَة الجُلوسِ / وَلا تَكُن في الأَكلِ ذا عُبُوسِ
إِيّاكَ وَالتَبديلَ في المَكانِ / فَإِنَّها مِن خِفَّةِ الإِنسانِ
إِيّاكَ وَالأَكلَ عَلى سَبيلِ / وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في الفُضولِ
فَإِنَّما الفُضولُ في الطَعامِ / عِندي كَالفُضولِ في الكَلامِ
وَإِن دَعَوتَ الصَحبَ نَحوَ دارِك / فَلا تُمِلَّ القَومَ بِاِنتِظارِك
لا تَذكرِ البِطنَةَ عِندَ الأَكلِ / فَإِنَّ هَذا غايَةٌ في البُخلِ
وَلا تَقُل رُبَّ طَعامٍ يُهلِكُ / وَرغِّب القَومَ إِذا ما أَمسَكوا
وَكَرِّر القَولَ عَلى الإِخوانِ / وَاِحذَر مِن التَرغيبِ بِالإِيمانِ
فَإِنَّهُ مِن غُررِ المَكارِمِ / أَن تَذكرَ العَظيمَ في العَظائِمِ
وَحاذِر الصَمتَ عَلى الطَعامِ / فَإِنَّها مِن سيرَةِ الأَعجامِ
لا تَلتَمِس غَير الَّذي يَليكا / فَإِن هَذا خُلُقٌ يُعلِيكا
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ مِما يَبعُدُ / عَنكَ فَهَذا خُلُقٌ لا يُحمَدُ
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ حَتّى تَشبَعا / كَم لُقمَةٍ عادَت سِماماً مُنقَعا
إِيّاكَ وَالإِفراط في التَقَنُّعِ / فَإِنَّهُ ضَربٌ مِن التَصَنُّعِ
وَإِن تَكُن بِالمكرُماتِ تُوصَفُ / فَلا تَسِر إِلا عَلى ما يُعرَفُ
لا تُحوج الصاحِبَ لانتِقادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
لا تَسبِق القَومَ إِلى طَعامِ / فَإِنَّهُ مِن جَشَعِ اللِئامِ
لا تَتَبعِ اللُقمَةَ غَير فاحِصِ / فَإِنَّ هَذا مِن فعالِ الناقِصِ
وَغُضَّ عَنهُم طَرفَكَ اِستحياء / وَلا تَقُل هَل يَشرَبونَ ماء
فَإِنَّ مِن أَخبارِ مَن قَد سَلَفا / أَن امرأً واكلَ بَعضَ الخُلفا
فَأَبصرَ الأَميرُ بَعضَ الشَعَرِ / في لُقمَةِ الفَتى فَقالَ اِنتَظِرِ
إِنّي أَرى وَسطَ الطَعامِ شَعَرا / فَنَحِّهِ فَإِنَّ فيهِ ضَرَرا
قالَ لَهُ الفَتى أَأَنتَ ناظِرُ / إِليَّ إِنّي لِلطَعامِ هاجرُ
أَتَنظُرُ الشَعرةَ في طَعامي / أَفضل مِن طَعامِكُم صِيامي
كَيفَ تَرى اللُقمَةَ فيها شَعرَه / لَيسَ الكَريمُ مَن يُحِدُّ نَظره
فَقالَ فَاستُرها وَكُن لِي غافِرا / لَيسَ الكَريمُ لِلمُساوي ناشِرا
وَهَكَذا المَرءُ إِذا ما كَرُما / تَراهُ يَخشى أَن يُقالَ لؤُما
إِيّاكَ أَن تَذكُرَ ما يُستَقذَرُ / فَإِنَّهُ مِنَ الكَريمِ مُنكَرُ
إِيّاكَ وَالإِمساكَ عَن طَعامِ / إِن كانَ يَدعُو الصَحبَ لِلقِيامِ
شاركهُمو وَلا تَشِذّ عَنهمُو / فَإِن شَبِعتَ فَاِعتَذِر إِلَيهمو
وَلا تُقَدِّر ثَمَناً لِلأَكلِ / وَلا تَقُل يَأكل هَذا مِثلي
إِيّاكَ وَالسُعالَ وَالبُصاقا / وَاِحذَر عَلى الخِوانِ الارتِفاقا
وَاِغسِل يَدَيكَ بَعدَ الانتِهاءِ / وَقَدِّمِ الأَفضَلَ عِندَ الماءِ
لا تَرفضنَّ مِنهُمو تَقدِيما / إِن قَدَّمُوكَ بَينَهُم تَكرِيما
قَد قيلَ في أَمثالِ مَن تَقَدَّمُوا / لا يَرفُض الإِكرامَ إِلّا الأَلأَمُ
لا تَحتَقِر قَدرَ امرئٍ ذي فَضلِ / وَاصبُب عَلى يَديهِ ماءَ الغَسلِ
فَلَيسَ في ذَلِكَ مِن صَغارِ / لا سِيَّما إِن كُنتَ رَبَّ الدارِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ / تَظهَرُ بِالمُؤاكِلِ
فَاِدعُ إِلى الطَعامِ / أَحَقَّ بِالإِكرامِ
لا تَدعُوَنَّ فاسِقا / وَلا امرَأً مِنافِقا
وَلا كَثيرَ الصَخَبِ / وَلا حَليفَ الكَذِبِ
لا تَبتَغِ المُطاوَلَه / بِهِ وَلا المُفاضَلَه
وَاِبغِ بِهِ الإِكراما / وَصِل بِهِ الأَرحاما
فَإِنَّما المَوائِدُ / غايتُها التَوادُدُ
تُكثِرُ فيكَ الراغِبا / وَتَستَميلُ الصاحِبا
وَإِن تَكُن ذا نُبلِ / وَأَدَبٍ وَفَضلِ
فَاِدعُ فَتىً مُلَبِّيا / لا تَدعُوَنّ آبِيا
وَإِن دُعِيتَ فَأَجِب / وَلا تَقُل إِني نَصِب
وَلَبِّ مَن يَدعُوكا / مَهما يَكُن مَفلوكا
لا فَرق في القِياسِ / عِندي بَينَ الناسِ
لا فَرقَ بَينَ مُوسِرِ / فيما أَرى وَمُعسِرِ
فَكَم غَنِيٍّ باخِلِ / وَكَم فَقيرٍ باذِلِ
وَضَنَّ بِالإِكرامِ / بُخلاً عَلى اللِئامِ
فَإِنَّما اللَئيمُ / يُفسِدُهُ التَكرِيمُ
يأكُلُ ما تُقَدِّمُ / إِلَيهِ ثُمَّ يَنقِمُ
يُكثر في المَذَمَّه / وَلا يُراعي حُرمَه
إِيّاكَ وَالتَصَدُرا / إِذا الطَعامُ اِستُحضِرا
فَإِنَّما الصُدُورُ / يُعقُبها نُفُورُ
وَدَع لِرَبِّ المَنزِلِ / تَرتيبَ أَهل المحفِلِ
لا تَعتَرِض ما يَفعَلُه / فَذاكَ شَيءٌ تَجهَلُه
لَعَلَّ ذاكَ الصَدرا / بِهِ سِواكَ أَحرى
إِيّاكَ وَالتَضيِيقا / تُؤذى بِهِ الصَدِيقا
وَاِفسَح إِذا قيلَ اِفسَحِ / وَلا تَقُل لَم أَبرَحِ
وَاِغضُض مِن المَقالِ / وَاِحذَر مِنَ الجِدالِ
فَإِنَّما المُؤاكَلَه / تُفسِدُها المُجادَلَه
وَإِن تَكُن ذا أَدَبِ / فَلا تَكُن ذا غَضَبِ
تَقومُ وَسطَ القَومِ / تَرمي سِهامَ اللَومِ
حَتّى يَكُفَّ الآكلُ / وَلا يُسِيغَ الناهِلُ
وَذاكَ شَيءٌ يَكثُرُ / في عَصرِنا لا يُنكَرُ
وَاحذَر مِن الإصغاءِ / لِحُجرةِ النِساءِ
وَاِجلِس بَعيداً عَنها / لا تَقرَبَنَّ مِنها