القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 9
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ
يا حالِمينَ بِمَجدِ مصرَ الزائِلِ / هَيهاتَ تَبني ركنَهُ يَدُ عاطِلِ
وَضَح الهُدى وَالقَوم بَينَ أَخي كَرى / لا يَستَفيق وَبَينَ صاحٍ غافِلِ
قُل لِلَّذي طَلَبَ المَعالِيَ قاعِداً / لا مَجدَ في الدُنيا لِغَيرِ العامِلِ
بَنَتِ الشُعوبُ عَلى الصِناعَةِ عزَّها / فَالنَجمُ يَرمقُه بِعَينِ الذاهِلِ
دَعَموا الحَضارَةَ بِالعُقولِ وَصَيَّروا / مَدنيَّةَ الأَسلافِ زُخرفَ باطِلِ
تَرَكوا الزهادَة في الحَياةِ لِعاجِزٍ / راضٍ مِن الدُنيا بِعَيشِ الخامِلِ
وَتَراءَتِ الدُنيا لَهُم في جِدِّها / إِذ نَحنُ نَرميها بِعَينِ الهازِلِ
خَلَقُوا مِن العَدَم الوُجودَ وَأَوشَكوا / أَن يَجعلوا لِلصَخرِ عَقلَ العاقِلِ
وَاِستَنبَئُوا الأَكوانَ عَن أَسرارِها / لَم يَسألوا عَنها سُطورَ أَوائِلِ
خَضَعت لِأَمرِهمُ البِحارُ فَأُثقِلت / مِن سُفنِهم بِمدائِن وَمَعاقِلِ
تَجري وَمَوجُ اليَمِّ يَصخب حَولَها / مَرَّ الكَريم عَلى سِفاهِ الجاهِلِ
وَعَلوا سراة الريحِ فَوقَ مَناطِدٍ / نَظَرت لَها الأَفلاكُ نَظرَةَ واجِلِ
كَم ذاقَ في الأَسفارِ قَبلَهُم الوَرى / مِن شُقَّةٍ بَعُدَت وَهَول هائِلِ
فَتدارَكتها آيةٌ مِن عِلمِهم / جَعَلت رِحابَ الأَرضِ كِفَّةَ حابِلِ
تركت بعيدَ الدارِ مِثلَ قَرِيبِها / وَأَخا النَوى في نَأيهِ كمواصِلِ
لَو أَسعَفوا قَيساً وَقَد أَزِفَ النَوى / لَم يَبكِ لَيلاهُ بُكاءَ الثاكِلِ
فيمَ الفخارُ إِذا الشُعوبُ تَفاضَلت / أَبِذِلَّةٍ تُزرى وَجَهلٍ قاتِلِ
لا تَذكروا ما شَيَّدَت أَسلافُكُم / مِن كُلِّ صَرح كَاليفاعِ الماثِلِ
لَولا جُهودُ الغَربِ حُجِّبَ علمُها / وَتَشابَه المَسئولُ فيهِ بِسائِلِ
زَخَرت نَوادي لَهوِكُم بِمَجالسٍ / مَوصولَةٍ غَدواتُها بِأَصائِلِ
لِلنَّردِ وَالشطرنج فيها ضَجَّةٌ / فَتَخالُها قَد بُدِّلَت بِمَعامِلِ
وَتمدُّها بِالعاطِلين مَدارِسٌ / تَهمي بِسَيلٍ مِن بَنيها هاطِلِ
ضاقَت رحابُ الأَرضِ وَهيَ فَسيحَةٌ / عَنهُم وَضاقَ بِهم ذِراعُ العائِلِ
أَلقَوا عَلى دُورِ الحُكومَةِ عبأهم / حَتّى شَكا الإِعياءَ جُهدُ الحامِلِ
مَن فاتَهُ عَيشُ الوَظائِفِ بَينها / فَنصيبُهُ في العَيشِ خَيبَةُ آمِلِ
وَخلت مَتاجركم وَأَقفر سُوقُكُم / مِن سِلعَةٍ إِلّا طَعامَ الآكِلِ
فَعَلامَ نُزهَى بِالثيابِ وَما لَنا / في صُنعِها يَدُ ناسِجٍ أَوغازِلِ
أَيَجرُّ ذَيلَ الفخرِ غِرٌّ ما لَهُ / في ثَوبِهِ حَتّى أَداة الغاسِلِ
وَإِذا امرُؤٌ حَذَق الصِناعَة منكمو / غالَى بِسلعَتِهِ غلوَ الباخِلِ
يَشكو الكَسادَ وقَد جَناه خلقهُ / طَمَعٌ يَلجُّ بِهِ ووعدُ الماطِلِ
وَتَرى سراةَ القَومِ في لَذّاتِهم / يَسخُو شَحيحُهم سَخاءَ الباذِلِ
وَإِذا البِلادُ دَعتهمُو لِمُصابِها / فَدعاء مَخذولٍ أَهابَ بِخاذِلِ
كَم ذا تُؤَدِّبُنا الخطوبُ بِنُصحِها / وَكَأَنَّ صَوتَ النصحِ صَوتُ العاذِلِ
وَنصيح بِالمَجدِ القَديم وَلا أَرى / صَيحاتِنا إِلّا تَثاؤُبَ كاسِلِ
فَتَجَرَّعُوا عُقبى البَطالَةِ مَورِداً / رَنقَ المَشارِبِ لا يَسُوغُ لِناهِلِ
لا تَظلموا صَرفَ اللَيالي إِنَّما / سَبَح الوَرى وَوَقفتمُو بِالساحِلِ
وَالبُؤسُ في الدُنيا جَنى لذَّاتِها / لا نَقض في حُكمِ الزَمانِ العادِلِ
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي
عَلِّلِينا بِالأَماني وَاِنجَلي / وَعِدينا بِالتَداني وَاِمطُلي
وَإِذا لَم تُسعِدي الشاكي بِما / يَرتَجيهِ أَسعِدي بِالأَمَلِ
كَم سَأَلنا وَقَنِعنا أَنَّنا / نَأمَلُ البَذلَ وَإِن لَم تَبذلي
وَرَضينا مِنكِ لَو أَجدى الرِضا / بِتَمنِّي الوَصلِ إِن لَم تَصِلي
فَاسأليهِ مَرّةً ما سُقمُه / حَسبُ مَن أَسقَمتِهِ أَن تَسأَلي
حَسبُهُ عِلمُك عَنهُ أَنَّهُ / مَسَّهُ الحُبُّ بِداء مُعضِلِ
حَسبُهُ الظَنُّ إِذا لَم تُوقِني / أَنَّهُ حُمِّلَ ما لَم يحمَلِ
أَخطِري وَهمَك فيهِ مَرّةً / خَطرَةَ الشَجوِ عَلى بالِ الخَلي
وَالمَحيهِ لَمحَ بَرقٍ خُلَّبٍ / يُطمِعُ الصادي وَإِن لَم يُسبِلِ
آهِ لَو أَصغَيت لِي أَشكو الَّذي / شَفَّ جِسمي آه لَو أَصغَيتِ لي
رُبَّ يَومٍ قُلتُ أَشكو فَرَنَت / نَظرَ العَطفِ وَإِن لَم تَفعَلِ
لَم تَكد تَعطِفُ حَتّى رَدَّها / عَن حَديثِ العَطفِ صَمتُ الخَجَلِ
وَجَرى بَينَ يَديها مَدمعي / فاتِحاً أَبوابَ قَلبٍ مُقفَلِ
فَأَجالت عَبرَةً تُمسكُها / خَشيَةَ الواشي فَلَم تَنهَملِ
لَستُ أَخشى عاذِلاً مِن غَيرِها / إِنَّ تِيهَ الغِيدِ أَقوى العُذَّلِ
لَيسَ في قَلبي لعَذلٍ مَوضِعٌ / أَنا عَن عَذلِهم في شُغُلِ
خُلِقَ الحُسنُ سَلاماً فَاِبسُطي / ظلَّه الوارِفَ رَحبَ المَنزلِ
لَم يَكُن سَيفاً تَصُولين بِهِ / نَزِقَ الحَدِّ رَهيبَ المُنصُلِ
لِمَ تُدعى أَسهُماً قاتِلَةً / فِتنَةُ الحُسنِ بِتِلك المُقَلِ
إِنَّما الحُسنُ حَياةٌ وَحَياً / فَاِبعَثي المَيتَ بِهِ لا تَقتُليِ
هُوَ ذاكَ المنهلُ الصافي فَلا / تَمنَعي الظامئَ صَفوَ المَنهلِ
إِنَّهُ مِن رَحمَةِ اللَهِ فَلا / تَجعَلي الجَنّةَ نارَ المُصطَلِي
لَكِ عَرشُ الحُسنِ فاِقضي حَقَّه / وَاِستَديمي مُلكَه أَن تَعدِلي
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا
فَرغَ القَلبُ مِن عَسى وَلَعَلَّا / فَسَلامٌ عَلى غَرامٍ تَوَلّى
وَخَلا لِلهَوى الجَديدِ فُؤادٌ / مَرحَباً بِالهَوى الجَديد وَأَهلا
لَيتَ شِعري هَل المُنى فيهِ تَدنُو / فَكَفاني ما ذُقتُ في الحُبِّ قَبلا
يا لقَلبٍ ما قَرَّ حَتّى تَداعى / وَلِدَمعٍ ما غاضَ حَتّى اِستَهَلا
فَدعِي يا حَبيبةَ الأَمسِ قَلبي / لِوصُولٍ تَجزي المَودَّةَ مِثلا
تَعرفُ الصَبَّ كَيفَ يَقتلُهُ الحُبُّ / فَرقَّت وَلَم تَزِد فيهِ قَتلا
لَم تُطِع فيهِ عاذِلاً وَإِذا ما / صدقَ الحُبُّ لَم يُطع فيهِ عَذلا
وَإِذا ما بَذلتُ غالِيَ حُبٍّ / بَذَلَت مِن فُؤادِها الحُبَّ أَغلى
وَإِذا ما نَما هَواها بِقَلبٍ / لَم تُمِته بِالصَدِّ تِيهاً وَدَلا
لا كَتِلك الَّتي إِذا نَبتَ الحُبُّ / بِقَلب أَذوَتهُ ضَنّاً وَبُخلا
تَحسَبُ الصَدَّ وَالجَفاءَ يَزيدانِ / فُؤادي بِها غَراماً وَشُغلا
ما دَرَت أَنّ صَدَّها وَطَّنَ القَل / بَ عَلى طُولِ بُعدِها فَتَسَلّى
فَاطويا ذِكرَ ذَلِكَ العَهد عَنّي / نَهِلَ القَلبُ بِالسُلوِّ وَعَلا
إِيه يا جفنُ كَم تُساهِدُ نَجمَ ال / لَيلِ حَتّى مَلِلتَ وَالنجمُ مَلا
إِيهِ يا لَيلُ كَم حَمَلتَ مِن الشَكوى / وَبَثِّ الشُجونِ ما شَقَّ حَملا
فَأَطلتَ المُقامَ تَرثي لِحُزني / وَحَشَدتَ النُجومَ حَولي أَهلا
كَم تُؤاسِ المَحزونَ بِالدَمعِ حَتّى / تَدَعَ الزَهرَ بِالنَدى مُخضَلا
فَكِلانا راثٍ لِبثِّ أَخِيه / وَكِلانا عَن عَهدِهِ ما تَخلّى
إِيهِ يا دَمعُ كَم تَفيضُ لِذِكرى / لَمحَةٍ لَن تَرى لَها الدَهرَ ظِلا
ذَهَبَت كَالحَبابِ أَو مِثلَما جَف / فَفَ حَرُّ الشُعاعِ في الرَوضِ طَلا
وَمَضَت كَالخَيالِ في غَفوَةِ العُم / رِ فَهلا عَزَّيتَ قَلبَكَ هَلا
إِيهِ قَلبي كَم فرقَةٍ ذُقتَ حَتّى / كِدتَ تَسلُو الهَوى فِراقاً وَوَصلا
غَيرَ أَنَّ الهَوى حَياةٌ لِقَلبٍ / غُرِسَ الحُبُّ فيهِ مُذ كانَ طِفلا
إِن قَلباً لَم يُحيِهِ الحُبُّ مَيتٌ / لا تَرَى فيهِ لِلحياةِ مَحَلا
وَإِذا الشِعرُ لَم يُفِضهُ غَرامٌ / يَصهَرُ النَفسَ بِالجَوى كانَ هَزلا
فَأَعِزّي بِصادِق الحُبِّ شِعري / كَم أَهنتُ القَريضَ في حُبِّ مَن لا
وَأَفيضي عَلَيَّ صَفواً مِنَ الحُب / بِ أُفِضهُ صَفواً مِن الشِعرِ جَزلا
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ
ذِكرى إِذا حالَ مَوتٌ بَينَنا تَصِلُ / ما تَنقَضي لَكَ حَتّى يَنقَضي الأَجَلُ
تُعِيدُ لِي مِن زَمانِ الوُدِّ ناضِرَهُ / فِيها الحَديثُ وَفيها المَجلِسُ الحَفِلُ
أَرى فُؤادَكَ في مِرآتِها مَرِحاً / وَأَلمَحُ الوَجهَ فيهِ البشرُ وَالجَذَلُ
فيها حَياتُكَ لا مَوتٌ وَلا هَرَمٌ / فيها زَمانُ الصِبا وَالعُمرُ مُقتَبِلُ
يا لَيتَ خالِقَ هَذا المَوتِ فَرَّقَنا / في البَدءِ ما وَصلُ ما بِالمَوتِ يَنفَصِلُ
وَما اِشتِهاؤُكَ وُدّاً حُزنُ آخِرِه / يُنسيكَ ما أَفرحت أَيامُهُ الأُوَلُ
دَع الهُيامَ بِما تَبلى مَحاسِنُهُ / يَمضي وَتَخلُفُه الأَحزانُ وَالعِلَلُ
عَيبُ الجَمالِ بلاهُ بَعدَ جِدَّتِهِ / يا لَيتَ عُشّاقَه قَبلَ الهَوى عَقَلُوا
فاِملأ فُؤادَكَ مِن يَأسٍ تُرِحهُ بِه / أَشقى نُفوسَ الوَرى شَيءٌ هُوَ الأَمَلُ
في الذِّكرَياتِ وَفاءٌ أَستَعِيضُ بِه / عَمَّن فَقَدتُ وَوُدٌّ لَيسَ يَنتَقِلُ
كَأَنَّكَ اليَومَ بِالحِلمِيَّتَين عَلى / ما قَد تَعَوَّدت لا خُلفٌ وَلا مَلَلُ
تَظَلُّ بَينَ وُفُودِ الزائِرينَ بِها / وَفدٌ يَحِلُّ وَوَفدٌ بَعدُ يَرتَحِلُ
مُستَعذَبَ المَزحِ تَلهُو غَيرَ مُنتَقِصٍ / أَخاً وَإِن بِانَ مِنهُ الغِشُّ وَالدَّخَلُ
تُصفي إِخاءَكَ مَن عَقُّوا وَمَن حَفِظُوا / وَتَمنَحُ الودَّ مَن ضَنُّوا وَمَن بَذَلُوا
وَكَم جَزَوا ودَّكَ الغالي عُقُوقَهُمُ / فَلَم تُبالِ بِما قالُوا وَما فَعَلُوا
وَما نَدِمتَ عَلى غَرسٍ بَدَأتَ بِهِ / بَل زِدتَه الرِيَّ تُحيِيه فَما خَجِلُوا
ما زِلتَ تُكرِمُ فيهم كلَّما لَؤُمُوا / نَفساً وَتَسمُو مَقالاً كلَّما سَفَلُوا
تَجزِي إِساءَتَهُم أَضعافَها صِلَةً / كَأَنَّما نَفَثَت في قَلبِكَ الرُّسُلُ
سَرَت أَفاعِيهمُ بِالسُمِّ فَاِنقَلَبَت / في زَهرِ وُدِّكَ نَحلاً جَنيُها عَسَلُ
إِذا الحقُودُ أَرادَت قَلبَهُ وَطَناً / ضَلَّت سُراها وَسُدَّت نَحوَهُ السُبُلُ
كَم سائِلٍ رَيَّه عَن فَقدِهِ عِوَضاً / لَو أَنصَفُوا وُدَّكَ المفقودَ ما سَأَلُوا
وَكُلُّ ماضٍ لَهُ مِن فَقدِهِ بَدَلٌ / إِلا الوَفاءَ فَما مِن فَقدِهِ بَدَلُ
وَكُلُّ رزءٍ وَإِن جَلَّ المُصابُ بِهِ / إِلّا مُصابَكَ بِالإِخوانِ مُحتَمَلُ
يا دَولَةً بِجَلالِ الخُلقِ حافِلَةً / أَهَكَذا تَنطَوي في أَوجِها الدُّوَلُ
وَراحِلاً وُدُّهُ في القَلبِ مُتَّصِلٌ / حَبلُ البُكاءِ عَلَيكَ الدَهرَ مُتَّصِلُ
قَد كانَ حَظُّكَ وَثاباً فَأَقعَدَهُ / صَراحَةٌ بِكَ فيها يُضرَبُ المَثَلُ
كَأَنَّ قَلبَكَ أُفق الشَمسِ مُنبَعِثٌ / في رَوعَةِ النُورِ مِنهُ القَولُ وَالعَمَلُ
صَراحَةٌ كَم سَقَتكَ المرَّ صُحبَتُها / وَلَم يَنَل مِنكَ فيها عَذلُ مَن عَذَلُوا
آثَرتَها وَظَلِلتَ العُمرَ مُغتَبِطاً / بِنَقصِ حَظِّكَ حِينَ الخُلقُ مُكتَمِلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ
ذِكرى عَلى صِدقِ الوَفاءِ دَليلُ / يَمضي بِها جيلٌ وَيُقبِلُ جِيلُ
تَتَوارَثُ الأَيّامُ طِيبَ حَدِيثِها / الدَّهر يَسمَع وَالفَعالُ يَقُولُ
وَلِذي المَواهِبِ وارِثانِ فَعَصرُه / يَرِثُ الثَناء وَلِلبَنين فُضُولُ
وَلَهُ حياتانِ الأَخيرةُ مِنهُما / في الذكرِ وَالأُولى إِلَيهِ سَبيلُ
لا تَبكِ مَن قَد عاشَ عُمراً واحِداً / إِنَّ التُرابَ عَلى التُرابِ مَهيلُ
هَل عاشَ أَو هَل ماتَ لا تَسأل بِهِ / فَمَماتُهُ بِحَياتِهِ مَوصُولُ
ما زادَ عَن تَعَبِ الوِلادِ لأُمّهِ / وَالناسِ وَهوَ إِلى الثَرى مَحمولُ
وَمِنَ البَليَّةِ أَنَّ أَكثَرَ مَن تَرى / في الناسِ ذاكَ العائِشُ المَثكُولُ
فاملأ مَوازِينَ الزَمانِ فَلَن تَرى / في الناسِ مِيزانَ الزَمانِ يَميلُ
تَقضي العُصورُ عَلى الرِجالِ بِحُكمِها / وَالباقِياتُ الصالِحاتُ عُدُولُ
تَيمورُ إِن نَفقِد حَديثَك بَينَنا / فَصَداهُ في أُفقِ الزَمانِ يَجُولُ
مُتَنَقِّلاً بَينَ العُصورِ كَأَنَّهُ / تاجٌ عَلى الأَيّام أَو إِكليلُ
عرفَت نَفاسَتهُ العُصورُ فَبالَغَت / حِرصاً عَلَيهِ وَلِلعُصورِ عُقولُ
فُجِعَت بِكَ الفُصحى فَجيعَةَ أَهلِها / بِكَيانِهم حِينَ العَزاءُ قَليلُ
قَد كُنتَ مُعجَمها الَّذي ما فاتَهُ / لا في القَديم وَلا الجَديد فَتيلُ
صُحُفٌ بِآثارِ العُصور زَواخِرٌ / فِيها لِكُلِّ دَقيقَةٍ تَفصيلُ
لَم تَروِ عَن جِيلٍ خَلا إِلّا سَما / مِن حُسنِ نَقلِكَ ذَلِكَ المَنقُولُ
لا يَدَّعِ الأَدَبَ الصَميمَ عِصابَةٌ / جَهِلَت قَدِيمَ العُربِ وَهو أَصيلُ
شَنّوا عَلى أَدَبِ العُروبَةِ غارَةً / شَعواءَ قائدُ جَيشِها مَخذُولُ
أَمضى سِلاحهمُ السِبابُ وَإِنَّهُ / سَيفٌ عَلى مَن سَلَّهُ مَسلُولُ
عُصَبٌ يُؤَلِّفُها العقوقُ فَجَيشُهُم / في غَيرِ مَيدانِ الجِهادِ يَصُولُ
مِن كُلِّ أَلكَنَ نابِغٍ في عِيِّهِ / لَهِجٍ بِدَعوى العِلمِ وَهوَ جَهُولُ
وَيَكادُ يَرشَحُ عَقلُهُ أُمِّيَّةً / حَتّى عَلَيهِ يُشكِلُ التَشكيلُ
إِن رامَ شِعراً لَم يُقِم مِيزانَه / وَرَوِيُّه قَيدٌ عَلَيهِ ثَقِيلُ
أَو رامَ نَثراً عَيَّ دُونَ مُرادِهِ / لَفظٌ يَطُول وَما بِهِ مَعقُولُ
وَإِذا يُتَرجِمُ كانَ في تَعقيدِهِ / قَبرٌ بِهِ المَعنى البَريءُ قَتيلُ
كَم كاتِبٍ في الغَربِ شَوَّه فَنَّه / عَيُّ اللِسانِ عَلى البَيانِ دَخيلُ
لا نَجحَدُ الغَربيَّ سِحرَ بَيانِهِ / لَكنَّ سُوءَ العَقلِ عَنهُ يُحيلُ
سُفَراءُ سوءٍ باعَدَت ما بَينَنا / وَلَربَّما جَلبَ الشقاقَ رَسُولُ
مَن لَم يُقَوِّم بِالقَديمِ لِسانَه / فَبَيانُه مَهما يجده صَهيلُ
كنزٌ مِن الأَدَبِ الرَفيع مُضَيَّعٌ / يُعشى النَواظِرَ درُّهُ المَجهولُ
يا خُسرَ بائِعِهِ بِزُخرُفِ غَيرِهِ / خَزَفٌ مِن الدُرِّ اليَتيمِ بَديلُ
كَم عَبقريٍّ لَو نَشَرنا فَضلَه / في الغَربِ مَسَّ الغَربَ مِنهُ ذُهُولُ
وَلَو انَّهُم نَفَذُوا لِسِحر بَيانِهِ / عَكَفُوا عَلَيهِ كَأَنَّهُ الإِنجيلُ
هَذا المَعرِّي وَهوَ فَردٌ واحِدٌ / ماذا سَمِعنا الغَربَ عَنهُ يَقولُ
سَل مُشكِلاتِ العُربِ في آدابِهم / مَن عالِمُ الفُصحى مَن المسئولُ
سَل مُشكِلاتِ الشَرقِ في تاريخِهِ / مَن غَير تَيمورٍ بِهنَّ كَفيلُ
عِلمٌ يزيِّنهُ الحَياءُ وَلَن تَرى / ذا العِلم عَن سنَنِ الحَياءِ يَميلُ
آلامُنا في مِصرَ لَو حقَّقتَها / رَجَعت إِلى أَنَّ الحَياءَ قَليلُ
وَإِذا الجِدالُ اِحتَدَّ لَم يَجمح بِهِ / نَزَقٌ فَلا شَتمٌ وَلا تَجهيلُ
يُغضي على سَفهِ السَفيهِ تَكَرُّماً / إِن الكَريمَ عَنِ الأَذى مَشغولُ
وَإِذا جَزَيتَ أُولي السَفاهَةِ بِالَّذي / قالُوا فَأَنتَ لِمَن جَزَيتَ مَثِيلُ
دينٌ إِلى دُنيا وَعلمٌ زانَهُ / خُلُقٌ نَمتهُ إِلى الفروعِ أُصُولُ
نِعَمٌ تَزيدُ عَلى الثَناءِ وَإِن غَلا / ويقِلُّ عَنها الشُكرُ وَهوَ جَزيلُ
لَيسَ مِن الفَضائِل
لَيسَ مِن الفَضائِل / أَشبَهُ بِالرَذائِل
كَرَغبَةِ الإِنسانِ / في كَثرَةِ الإِخوانِ
يَقُولُ مَن لا يَعلَمُ / لا تُكثِرَنّ مِنهُمُ
عَلَيكَ بِالإِقلالِ / تَعِش رَخِيَّ البالِ
فَإِنَّما الأَحزانُ / تَجلُبُها الإِخوانُ
فَمَن يَعِش وَحِيداً / مِنهُم يَعِش سَعيدا
مقالُ مَن لَم يُنصِفِ / وَرَأيُ مَن لَم يَعرِفِ
فَإِنّ مَن يُقِلُّ / مِن صَحبِهِ يَذِلُّ
وَآيَةُ الإِجحافِ / زُهدُكَ في الأُلّافِ
فَكَثرَةُ الإِخوانِ / أَمنٌ مِنَ الزَمانِ
هُم رُكنُكَ الشَديدُ / وَسَهمُكَ السَديدُ
حِرزٌ مِنَ النَوائِبِ / وَجُنَّةُ المَصائِبِ
عَلامَةُ الآدابِ / زِيادَةُ الأَصحابِ
فَإِنَّهُ لا يُصحَبُ / إِلّا الخَلاقُ الطَيِّبُ
ولَيسَ لِلأَراذِلِ / في الناسِ مِن مُواصِلِ
عَلَيكَ بِالإِحسانِ / تُحَفّ بِالأَخدانِ
فَهُم قَطاً ظِماءُ / يَسقُط حَيثُ الماءُ
وَإِن سُئِلتَ الودّا / مِنكَ فَأَظهر زُهدا
فَلَيسَ كُلُّ راغِبِ / يَحفَظُ عَهدَ الصاحِبِ
لا تُدمِن الإِقبالا / وَاتَّقِ الابتِذالا
فَإِنَّما المُقارَبَه / آخرُها مُجانَبَه
وَكَثرَةُ الوِصالِ / داعِيَةُ المَلالِ
وَإِنَّما الإِنسانُ / مُخاتِلٌ خَوّانُ
يَدنُو إِلى مَن يَبعُدُ / وَيَصطَفي مَن يَزهَدُ
وَإِن تَكُن جَليسا / فَلا تَكُن رَئِيسا
إِيّاكَ وَالتَكلِيفا / لِتَخدَعَ الأَلِيفا
دَليلُ حُسنِ الأُلفَه / إِلقاءُ عِبءِ الكُلفه
فآيَةُ الخِداعِ / تَكَلُّفُ الطِباعِ
فَإِنّ ذا لَونَينِ / مَن لَبِسَ الحالَينِ
لَيسَ لَهُ وَفاءُ / فَإِنَّهُ حِرباءُ
مُصاحِبي لَعَلَّه / أَحسَنُ مِنهُ العُزلَه
وَأَكثَرُ الإِخوانِ / في ذلِكَ الزَمانِ
مُصاحِبٌ لِمالِ / يَرغَبُ في النَوالِ
أَو راهِبٌ تَوَعُّدا / يُظهِرُ لِي تَوَدُّدا
لَكِنَّما الصَديق / وَالصاحِبُ الرَفِيقُ
مَن كانَ لي مُؤاسِيا / إِذا رَآني شاكِيا
وَمَن رَعى إِخائي / في البُؤسِ وَالرَخاءِ
لَم يُدنِهِ يَساري / وَيُقصِهِ إِعساري
وَعَهدُهُ جَديدُ / إِن رَثَّتِ العُهُودُ
وَغايَةُ الإِخاءِ / وَالصِدقِ في الوَلاء
مَن وَصَل الإِخوانا / لا يَبتَغي شُكرانا
غَيرَ رِضاءٍ مِنهُمُ / فَاللَهُ يَجزي عَنهُمُ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ / وَلا تعلِّمه لِغَيرِ أَهلِهِ
تُضِيعُهُ كَغارِس النَرجِيل / ضَلالَةً مِنهُ بِأَرضِ النِيل
وَاِبخل بِهِ حَتّى تُصيبَ المَوضِعا / ضَنّاً بِفَضلِ العِلمِ أَن يُضَيَّعا
ما كُلُّ مَوطِنٍ يَطيبُ البَذلُ / كَم مَوطِنٍ يَحسُنُ فيهِ البُخلُ
وَإِنَّهُ لَيسَ مِن الإِنعامِ / تَقليدُكَ اللُؤلُؤَ لِلأَنعامِ
أَخسَرُ من أَبصَرتَ في الحَياةِ / مَن جادَ بِالسُقيا عَلى المَواتِ
وَالبُخلُ بِالعلمِ عَلى مَن يُثمِرُ / بِهِ نَباتُ العِلمِ ظُلمٌ أَكبَرُ
مَن ضَنَّ بِالعِلمِ عَلى الجُهالِ / أَبخَلُ ممَّن ضَنَّ بِالأمالِ
فَإِنَّهُ مَن ضَنَّ بِالإِنفاقِ / مِن مالِهِ يَخشى مِن الإِملاقِ
وَالعِلمُ لا يَنقُصُهُ التَكَرُّمُ / بِهِ وَلا يَزيدُهُ التَكَتُّمُ
فَاِستَبقِ فَضلَ العِلم بِالتَعليمِ / وَزَكِّ غَرسَ الفَهمِ بِالتَفَهيمِ
وَكُن بِمَن عَلَّمتَه رَؤوفا / لِكَي يَرى مِنكَ أَبَاً عَطُوفا
وَلا تَسلهُ فَهمَ ما لا يُفهَمُ / وَلا تَقُد بِالعُنفِ من تُعلمُ
الصَعبُ بِالشِدَّةِ لا يُقادُ / فَاِرفُق بِهِ يسلس لَكَ القِيادُ
وَحَلِّه بِحِليَةِ الكَمال / فَإِنَّها عَونٌ عَلى المَعالي
وَنَقِّهِ مِن دَرَنِ الصِفاتِ / وَاِملأ فُؤادَهُ مِن العِظاتِ
عَوِّدهُ خُلق الودِّ وَالتَعاوُنِ / فَالمَرءُ لا يبلُغُ بِالتَهاوُنِ
جَمِّله قَبلَ العِلم بِالآدابِ / وَاللِين في السُؤال وَالجَوابِ
فَإِنَّهُ صَحيفَةٌ بَيضاءُ / يَكتُبُ فيها المَرءُ ما يَشاءُ
قَد يُحمَدُ الجَهلُ مَع التَأديبِ / لا خَيرَ في عِلمٍ بِلا تَهذِيبِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ بِالقَواعِدِ / يُعليكَ إِن لَم تَعلُ بِالمَحامِدِ
وَاِعمَل بِما أَنتَ إِلَيهِ تُرشِدُ / وَانتهِ عَمّا أَنتَ عَنهُ تُبعِدُ
لا تَحم وِرداً أَنتَ مِنهُ ناهِلُ / وَلا تُحَلِّهِ وَأَنتَ عاطِلُ
وَاِنصَحهُ بِالتَعرِيض في الخِطاب / فَإِنَّهُ أَروَضُ لِلصعابِ
لا تُظهرَن لِلصِحابِ عَيبَه / فَإِنَّهُ يَهتِك حُجبَ الهَيبَه
فَلا أَرى في كَشفِهِ اِنتِصاحا / لَكِنَّني أَرى بِهِ اِفتِضاحا
وَلَيسَ هَذا مِن سِماتِ الفَضلِ / بَل إِنَّهُ خرقٌ وَسُوءُ فِعلِ
يَزيدُهُ حِرصاً عَلى الإِصرارِ / وَإِنَّهُ داعِيَةُ النِفارِ
وَاِرفُق بِهِ وَلا تَكُن شَتّاما / وَلا تَقُدهُ لِلهُدى إِلزاما
فَإِنَّها مِن صِفَةِ الأَميرِ / لا مِن صِفاتِ الواعِظِ المُشِيرِ
مِما حَفِظناهُ مِن الكَلامِ / وَما رَوَيناهُ عَن الأَعلامِ
أَحبُّ شَيءٍ لِلفَتى ما يُمنَعُ / مِنهُ فَلا يَزالُ فيهِ يَطمَعُ
جَمِّلهُ بِالتَسديدِ في المَقالِ / وَلا تُعَنِّفُه عَلى سُؤال
وَرَوِّه مَحاسِنَ الأَشعارِ / وَمُلَحَ الأَخبارِ وَالآثارِ
وَذكرَ ما مَضى مِن العُصُورِ / وَمن خَلا في سالِفِ الدُهورِ
فَإِنَّهُ أَشحَذُ لِلطِباعِ / وَإِنَّهُ أَبلَغُ في الإِمتاعِ
وَاِذكُر لَهُ طَرائِفَ الآدابِ / فَإِنَّها تَفكهةُ الأَلبابِ
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ الدُروسِ / فَإِنَّها أَخمَدُ لِلنُفوس
وَاِقرَأ لَهُ أَحسَنَ ما يُقالُ / وَلا تَقُل في هَذِهِ أَقوالُ
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الإِنصافِ / إِضاعَةُ الأَعمارِ في خِلافِ
عُمرُ الفَتى تُخلِقُه اللَيالي / فَلا تُضِع عُمرَك في ضلالِ
لا تَبغِ بِالعِلمِ اِكتِسابَ المالِ / فَإِنَّهُ نَفائِسُ الجُهّالِ
وَأَزهَد الناس عُلا وَقَدرا / من عَلَّم العِلمَ وَيَبغي أَجرا
عَلِّمهُ لا تَبغِ بِهِ جَزاء / وَلا تَرُم حَمداً وَلا ثَناءَ
وَاِتَّقِ سُوءَ المَنِّ بِالتَعليمِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ اللَئِيمِ
لا تَبغِ بِالتَعليم ذُخرَ الجاهِ / فَإِنَّما الذُخرُ رضاءُ اللَهِ
وَنَزِّهِ العِلم عَن السَوءاتِ / وَخدمةِ المُلوكِ وَالوُلاةِ
أَكرمهُ عِندَ الناسِ حَتّى تُكرَما / لا تَتَّخِذهُ لِلحُطامِ سُلَّما
ما أَرخَصَ العِلمَ لَدى الأَنامِ / في عَصرِنا كَطَلَبِ الحُطامِ
وَإِنّ أَولى الناسِ بِاتِّباعِ / من طَهَّرَ العِلمَ عَن الأَطماعِ
فَاِرفَع بِهِ قَدرَك عَما يُصغِرُه / وَلا تُهِنهُ عِندَ مَن لا يُكبِرُه
وَالبَس لَهُ تَرفّعَ المُلوكِ / تَعلُ بِهِ لا ضَعَةَ الصُعلوكِ
وَاِنصَح بِما تَراهُ غَيرَ كاتِمِ / لا تَخشَ في الحَق مَلامَ اللائِمِ
فَإِنَّما أَنتَ أَمينُ الخالِق / في أَرضِهِ فَانصح وَلا تُنافِق
سِر في الوَرى بِسيرَةِ الأَمينِ / لا تَشتَرِ الدُنيا بِبَيع الدينِ
فَإِنّ أَضيعَ الوَرى لِخَيرِهِ / من باعَ أخراهُ بِدُنيا غَيرِهِ
لا تَزدَهيكَ زينَةُ الحَياةِ / فَكُلُّ مَجموعٍ إِلى شَتاتِ
وَكُلُّ نِعمَةٍ إِلى زَوالِ / لا بُدَّ لِلظِّلِّ مِن اِنتِقالِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ / تَعرفهُ إِن كُنتَ بِه ذا جَهلِ
خُلق الفَتى يَظهَرُ في الطَعامِ / كَما يَبِينُ اللُبُّ في الكَلامِ
مَهما يَكُن مِن خُلُقٍ يُخفيهِ / فَإِنَّهُ في أَكلِهِ يُبديهِ
وَهَذِهِ آدابُهُ في شِعري / فَصَّلتُها كُلُؤلُؤٍ في نَحرِ
فَاِعمَل بِها إِن كُنتَ ذا كَمالِ / تُكرَمُ في الحِلِّ وَفي التَّرحالِ
دُونَكَ غَسلَ اليَدِ قَبلَ الأَكلِ / لا يَهنَأُ الأَكلُ بَغَيرِ غَسلِ
وَكَثِّرِ الأَيدي عَلى الطَعامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
إِن لَم تَجد مُشارِكاً في أَكلِك / فَكثِّرِ الأَيدي وَلَو مِن أَهلِك
إِنَّ يَدَ اللَهِ مَع الجَماعَه / وَخَيرُ ما تَعلو بِهِ القَناعَه
شَرُّ الوَرى مَن أَكلُهُ بِمَعزِلِ / ذاكَ وَضِيعُ القَدرِ مَهما يَعتَلي
حَذارِ الاتِكاءَ حِينَ تَأكُلُ / وَاِعمَل كَما كانَ النَبيُّ يَعمَلُ
وَلا تُغيِّر هَيئَة الجُلوسِ / وَلا تَكُن في الأَكلِ ذا عُبُوسِ
إِيّاكَ وَالتَبديلَ في المَكانِ / فَإِنَّها مِن خِفَّةِ الإِنسانِ
إِيّاكَ وَالأَكلَ عَلى سَبيلِ / وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في الفُضولِ
فَإِنَّما الفُضولُ في الطَعامِ / عِندي كَالفُضولِ في الكَلامِ
وَإِن دَعَوتَ الصَحبَ نَحوَ دارِك / فَلا تُمِلَّ القَومَ بِاِنتِظارِك
لا تَذكرِ البِطنَةَ عِندَ الأَكلِ / فَإِنَّ هَذا غايَةٌ في البُخلِ
وَلا تَقُل رُبَّ طَعامٍ يُهلِكُ / وَرغِّب القَومَ إِذا ما أَمسَكوا
وَكَرِّر القَولَ عَلى الإِخوانِ / وَاِحذَر مِن التَرغيبِ بِالإِيمانِ
فَإِنَّهُ مِن غُررِ المَكارِمِ / أَن تَذكرَ العَظيمَ في العَظائِمِ
وَحاذِر الصَمتَ عَلى الطَعامِ / فَإِنَّها مِن سيرَةِ الأَعجامِ
لا تَلتَمِس غَير الَّذي يَليكا / فَإِن هَذا خُلُقٌ يُعلِيكا
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ مِما يَبعُدُ / عَنكَ فَهَذا خُلُقٌ لا يُحمَدُ
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ حَتّى تَشبَعا / كَم لُقمَةٍ عادَت سِماماً مُنقَعا
إِيّاكَ وَالإِفراط في التَقَنُّعِ / فَإِنَّهُ ضَربٌ مِن التَصَنُّعِ
وَإِن تَكُن بِالمكرُماتِ تُوصَفُ / فَلا تَسِر إِلا عَلى ما يُعرَفُ
لا تُحوج الصاحِبَ لانتِقادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
لا تَسبِق القَومَ إِلى طَعامِ / فَإِنَّهُ مِن جَشَعِ اللِئامِ
لا تَتَبعِ اللُقمَةَ غَير فاحِصِ / فَإِنَّ هَذا مِن فعالِ الناقِصِ
وَغُضَّ عَنهُم طَرفَكَ اِستحياء / وَلا تَقُل هَل يَشرَبونَ ماء
فَإِنَّ مِن أَخبارِ مَن قَد سَلَفا / أَن امرأً واكلَ بَعضَ الخُلفا
فَأَبصرَ الأَميرُ بَعضَ الشَعَرِ / في لُقمَةِ الفَتى فَقالَ اِنتَظِرِ
إِنّي أَرى وَسطَ الطَعامِ شَعَرا / فَنَحِّهِ فَإِنَّ فيهِ ضَرَرا
قالَ لَهُ الفَتى أَأَنتَ ناظِرُ / إِليَّ إِنّي لِلطَعامِ هاجرُ
أَتَنظُرُ الشَعرةَ في طَعامي / أَفضل مِن طَعامِكُم صِيامي
كَيفَ تَرى اللُقمَةَ فيها شَعرَه / لَيسَ الكَريمُ مَن يُحِدُّ نَظره
فَقالَ فَاستُرها وَكُن لِي غافِرا / لَيسَ الكَريمُ لِلمُساوي ناشِرا
وَهَكَذا المَرءُ إِذا ما كَرُما / تَراهُ يَخشى أَن يُقالَ لؤُما
إِيّاكَ أَن تَذكُرَ ما يُستَقذَرُ / فَإِنَّهُ مِنَ الكَريمِ مُنكَرُ
إِيّاكَ وَالإِمساكَ عَن طَعامِ / إِن كانَ يَدعُو الصَحبَ لِلقِيامِ
شاركهُمو وَلا تَشِذّ عَنهمُو / فَإِن شَبِعتَ فَاِعتَذِر إِلَيهمو
وَلا تُقَدِّر ثَمَناً لِلأَكلِ / وَلا تَقُل يَأكل هَذا مِثلي
إِيّاكَ وَالسُعالَ وَالبُصاقا / وَاِحذَر عَلى الخِوانِ الارتِفاقا
وَاِغسِل يَدَيكَ بَعدَ الانتِهاءِ / وَقَدِّمِ الأَفضَلَ عِندَ الماءِ
لا تَرفضنَّ مِنهُمو تَقدِيما / إِن قَدَّمُوكَ بَينَهُم تَكرِيما
قَد قيلَ في أَمثالِ مَن تَقَدَّمُوا / لا يَرفُض الإِكرامَ إِلّا الأَلأَمُ
لا تَحتَقِر قَدرَ امرئٍ ذي فَضلِ / وَاصبُب عَلى يَديهِ ماءَ الغَسلِ
فَلَيسَ في ذَلِكَ مِن صَغارِ / لا سِيَّما إِن كُنتَ رَبَّ الدارِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ / تَظهَرُ بِالمُؤاكِلِ
فَاِدعُ إِلى الطَعامِ / أَحَقَّ بِالإِكرامِ
لا تَدعُوَنَّ فاسِقا / وَلا امرَأً مِنافِقا
وَلا كَثيرَ الصَخَبِ / وَلا حَليفَ الكَذِبِ
لا تَبتَغِ المُطاوَلَه / بِهِ وَلا المُفاضَلَه
وَاِبغِ بِهِ الإِكراما / وَصِل بِهِ الأَرحاما
فَإِنَّما المَوائِدُ / غايتُها التَوادُدُ
تُكثِرُ فيكَ الراغِبا / وَتَستَميلُ الصاحِبا
وَإِن تَكُن ذا نُبلِ / وَأَدَبٍ وَفَضلِ
فَاِدعُ فَتىً مُلَبِّيا / لا تَدعُوَنّ آبِيا
وَإِن دُعِيتَ فَأَجِب / وَلا تَقُل إِني نَصِب
وَلَبِّ مَن يَدعُوكا / مَهما يَكُن مَفلوكا
لا فَرق في القِياسِ / عِندي بَينَ الناسِ
لا فَرقَ بَينَ مُوسِرِ / فيما أَرى وَمُعسِرِ
فَكَم غَنِيٍّ باخِلِ / وَكَم فَقيرٍ باذِلِ
وَضَنَّ بِالإِكرامِ / بُخلاً عَلى اللِئامِ
فَإِنَّما اللَئيمُ / يُفسِدُهُ التَكرِيمُ
يأكُلُ ما تُقَدِّمُ / إِلَيهِ ثُمَّ يَنقِمُ
يُكثر في المَذَمَّه / وَلا يُراعي حُرمَه
إِيّاكَ وَالتَصَدُرا / إِذا الطَعامُ اِستُحضِرا
فَإِنَّما الصُدُورُ / يُعقُبها نُفُورُ
وَدَع لِرَبِّ المَنزِلِ / تَرتيبَ أَهل المحفِلِ
لا تَعتَرِض ما يَفعَلُه / فَذاكَ شَيءٌ تَجهَلُه
لَعَلَّ ذاكَ الصَدرا / بِهِ سِواكَ أَحرى
إِيّاكَ وَالتَضيِيقا / تُؤذى بِهِ الصَدِيقا
وَاِفسَح إِذا قيلَ اِفسَحِ / وَلا تَقُل لَم أَبرَحِ
وَاِغضُض مِن المَقالِ / وَاِحذَر مِنَ الجِدالِ
فَإِنَّما المُؤاكَلَه / تُفسِدُها المُجادَلَه
وَإِن تَكُن ذا أَدَبِ / فَلا تَكُن ذا غَضَبِ
تَقومُ وَسطَ القَومِ / تَرمي سِهامَ اللَومِ
حَتّى يَكُفَّ الآكلُ / وَلا يُسِيغَ الناهِلُ
وَذاكَ شَيءٌ يَكثُرُ / في عَصرِنا لا يُنكَرُ
وَاحذَر مِن الإصغاءِ / لِحُجرةِ النِساءِ
وَاِجلِس بَعيداً عَنها / لا تَقرَبَنَّ مِنها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025