المجموع : 49
أهاجها حادي المطي فمالَها
أهاجها حادي المطي فمالَها / ولم يَهجْ لمَّا حدا أمثالَها
فهل عرفت يا هذيمُ ما بها / وما الَّذي أورثها بلبالها
غنَّى لها برامةٍ والمنحنى / وبالديار ذاكراً أطلالها
وما درى أيَّ جوىً أثاره / وعبرة بذكره أسالها
ذكّرها مناخها برامة / فكان ذكر رامة خيالها
ذكرها مراعياً من شيحها / ووردها من مائها زلالها
ذاقت نميراً في العُذَيب ماءه / وقد أُذيقَتْ بعده وبالَها
لو كانَ غير وجدها عقالها / بدار ميٍّ أطلقت عقالها
تسأل عن أحبابها دوارساً / من الرسوم لم تجب سؤالها
وكلَّما عاد لها عيد الهوى / هيَّج منها عيده بلبالها
تالله تنفك وقد تظنّها / لما بها من الضَّنى خيالها
حريصة على لقاء أوجُهٍ / غالى بها صرف النوى واغتالها
هي الظعون قوَّضت خيامها / وأزعجت يوم النوى جمالها
وأوقدت في قلب كل مغرمٍ / نيران وجد تضرم اشتعالها
وقاطعتنا بالنوى مواصلاً / لو أنصفت ما قطعت وصالها
وعن يمين الجزع شرقيّ الحمى / متى أراني ناشقاً شمالها
بيوت حيّ أحكموا ضيوفها / وحذَّروا عدوها نزالها
وللمغزال دونها ملاعب / لو اقتنصت مرة غزالها
وقد رمتني عينها نبالها / فما وقتني أدرُعي نبالها
إنِّي لأهوى مجتنى معسولها / وأختشي من قدّها عسّالها
تلك ربوع كنت في رباعها / طوع هواها عاصياً عذالها
فيا سَقت تلك الربوع ديمةٌ / تصبُّ من صوب الحيا سجالها
ساحبة على الحمى سحابها / تجر في دياره أذيالها
قد قطبت طلقها وبشّرت / من شام بالغيث العميم خالها
من مثقلات المزن ما إن جلجلت / بالرعد إلاَّ وضعت أثقالها
شاكرة آثارها منها لها / إدبارها بالريّ أو إقبالها
وربّ ليلٍ أطبقت ظلماؤه / بحيث لا يهدى امرؤ خلالها
قلقلت في الموقرات في السرى / حتَّى لقد كدت أرى كلالها
ولست أنفكّ ولي مآرب / أرجو إذا أرفعت أن أنالها
تحملني لابن النبيّ ناقة / إنْ بلغته بَلغت آمالها
فإنَّ إبراهيم حيث يَمَّمتْ / كانَ مناها إن يكن مآلها
تكاد من وفر نوال فضله / تطمع أن يبلغها محالها
نفسٌ له زكيّةٌ عارفة / بالغة بدركها كمالها
وتستمدّ العارفون فيضها / وترتجيها جاهها ومالها
لو لم في الأرض من أمثاله / زلزلت الأرض إذاً زلزالها
إذا دعا الله لكشف حادث / أهالها أمَّنها أحوالها
هو الشفاء لعضال أمَّة / يبرئ من أدوائها عضالها
واتخذته المسلمون إنْ دَعت / ضراعها لله وابتهالها
من النجوم المشرقات بالهدى / المدحضات بالهدى ضلالها
ما برحوا في الأرض بين خلقه / أقطابها الأنجاب أو إبدالها
إذا دعوا إلى الجميل أسرعوا / ولن ترى لغيره استعجالها
واقتحموها عقبات أزمة / إلى علىً توقَّلوا حبالها
هم الغيوث ابتدروا نوالها / هم الليوث ابتدروا نزالها
قائلة فاعلة بقولها / سابقة أفعالُها أقوالَها
إن قربت من الأعادي قرَّبت / إلى الهدى همتهم آجالها
هم الذين ذلّلوا صعابها / هم الذين دوَّخوا أقيالها
وحرَّموا من ربهم حرامَها / وحَلَّلوا بأمره جلالها
بحر من العلم طمى خضمه / وارد كل وارد نوالها
سل ما تشاء عن عويص مشكل / فإنَّه لموضح إشكالها
أين الأعادي من علوِّ قدره / إنّ طاولته في المعالي طالها
لو رام أعلى بُغيةٍ يرومها / ولو غدت مثل النجوم نالها
تسكرنا عذوبة من لفظه / إذا أدار لفظه جريالها
له التصانيف التي كأنَّها / تروي بحسن صبّها جمالها
رقّت حواشيها فلو قرأتها / على الغصون مرةً آمالها
مثل السماء بالسناء والسنا / قد طلعت خلاله خلالها
كم حجة أوردها قاطعة / وحكمة في كلمات قالها
خذها إليك سيّدي مقطوعة / واجعل رضاك سيّدي إيصالها
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا / وجسمٌ كخصرِك يشكو النحولا
وأضناه حبُّكِ حتّى اغتدى / كما تبصرين ضعيفاً نحيلا
فرفقاً به إنَّه في هواك / على حالة في الهوى لن تحولا
يبيت بطرْفٍ كثير السهاد / فلم يذق الغمض إلاَّ قليلا
وشوّقه البرق جنح الدُّجى / وندب الحمامة ليلاً هديلا
فأصبح يشكو حريق الفؤاد / ويقذف من مقلتيه سيولا
وتسكرني نسمات الشمال / فأغدو كأَنّي سُقيت الشمولا
وكم شرب الصب من عبرة / بذكر الأحبَّة دهراً طويلا
فما بلَّ فيها غليل الحشا / وكيف تبلّ الدموع الغليلا
قتلتم أحبَّتنا المستهام / وكم راح مثل المعنّى قتيلا
وروَّضتموا روض هذا الهوى / وربع التصبّر أمسى محيلا
ولمَّا أخذتم بترحالكم / أخذتم فؤاديَ أخذاً وبيلا
غداةَ استقلَّت حُداة الظعون / تجوب المهامه ميلاً فميلا
فهلاَّ بعثتم إلينا النسيمَ / فكانَ النسيمُ إلينا رسولا
بَخِلْتُم بطيف يزور المحبّ / وما كنت أعهد فيكم بخيلا
سددتم سبيل خيال الكرى / فما وجد الطيف نحوي سبيلا
قفا يا خليليَّ دون الغُوَير / ولا يتركنَّ الخليل الخليلا
لنقضي حقوق ديار عفت / ونبكي الديار فنسقي الطلولا
وكانتْ بروجاً لتلك البدور / فيا ليتها لم تلاق الأُفولا
فيا دارنا لا عداك الحيا / وجرَّت عليكِ الغوادي ذيولا
لعينيك قد ذلَّ أختَ المها / فهان وكانَ عزيزاً جليلا
إلى كم أداري وأرضي الوشاة / وأسمعُ في الحبِّ قالاً وقيلا
لقد لامني في هواك العذولُ / وألقى على السمعِ قولاً ثقيلا
فضلَّ العذولُ ضلالاً بعيداً / وحاول أمراً غدا مستحيلا
إذا المرءُ ضلَّ سبيل الغنى / فأنوار عثمان تهدي السبيلا
إلى بذل نائله المستفاد / نؤمُّ إليه قبيلاً قبيلا
متى أنكرت فضله الحاسدون / أقامت عليه المعالي دليلا
وإن حلَّ نائله موطناً / ينادي الهنا بالعناء الرحيلا
سريع الإِجابة سؤّاله / وما زالَ في كلِّ خيرٍ عجولا
نما فرعُه إذ زكا أصلُه / فطاب فروعاً وطابَ أُصولا
وفيه نمتْ روضات المكرمات / ولم يرد عود الأماني ذبولا
وقد رفع الفضل بعد الخمول / فلا شهد الفضل فيه الخمولا
وجدَّ فنالَ بما قد سعى / مقاماً عليًّا ومجداً أثيلا
ولِم لا ينال العُلى ماجد / يمدُّ إلى المجد باعاً طويلا
ولما استظلَّ به الخائفون / رأوه لذلك ظلاًّ ظليلا
أخو البأس يمنع صرف الزمان / ويعطي المقلّ عطاءً جزيلا
يُنيل وإن لامه الَّلائمون / ومن يمنع الغيث أن لا ينيلا
تعشَّقْتُ علويَّ فضل العلوم / فما تبتغي بالمعالي بديلا
لقد جئت في معجزات الكمال / وها أنت تعيي بهنَّ الفحولا
وحيَّرت فيها فهوم الرجال / فأبهتَّ فيما أتيت العقولا
عزائمك الكاشفات الكروب / تكاد الجبال بها أن تزولا
ولله من هِمَمٍ في عُلاك / تعيد الحزون سريعاً سهولا
فلو رمت قلع الرَّواسي بها / أعدت الرَّواسي كثيباً مهيلا
وأفنت يمينك جمع الحطام / لكي تستحقَّ الثناء الجميلا
وأبقيت في الدهر ذكراً حميداً / تذاكره الناس جيلاً فجيلا
بخطّك صيَّرت طرف العُلى / كحيلاً وخدّ الأماني أسيلا
أتى بقوافٍ إليك العُبَيْدُ / تجول بمدحك عرضاً وطولا
أجزني عليها الرضا بالقبول / فأقصى المنى أن أنال القبولا
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي
هاج القرامُ وهيَّجا بلبالي / بَرْقٌ يمانيٌّ وريحُ شمال
وترنم الورقاء في أفنانها / ما زاد هذا الصب غير خبال
وأُشيمُ من برقِ الغُوَير لوامعاً / فإخاله تبسام ذات الخال
زعم المفنِّد أنْ سلوت غرامها / زوراً وما خطر السلوّ ببالي
ما بال أحداق المها من يعرب / فتكت بغير صوارم ونصال
يرمين في المهج الهوى فتظنها / ترمي القلوب بنافذات نبال
هيف من الغيد الحسان سوانح / من كل داء يا أميم عضال
لله ما فعل الغرام بأهله / والحب في أهليه ذو أفعال
ولقد أقول لأبلج لا أهتدي / إلاَّ بصبح جبينه لضلال
أبلى هواك حشاشتي وأذابها / لولاك ما أصبحت بالي البال
بالله يا مؤذي الفؤاد بلومه / جَدّ الغرام فلا تمل لجدالي
حمّلتني ما لا أُطيق وإنَّما / حُمّلتُ أثقالاً على أثقالي
كيف احتيالك في سلوّ متيّم / أعْيَتْ عليه حيلة المحتال
إنّي أحِنُّ إلى مراشف ألعسٍ / تغني مذاقتها عن الجريال
ويشوقني زمن غصبت سروره / رغماً على الأنكاد والأنكال
أيام نتّخذ المَسرَّة مغنماً / فنبيت نرفل في برود وصال
ومليكة الأفراح تبرز بيننا / قد كُلِّلَت تيجانها بلال
يسعى بها أحوى أغنُّ مهفهفٌ / فترى الغزالة في يمين غزال
ويحضّنا داعي السرور على طلاً / زفت على الندمان بالأرطال
ألهو فيطرب مسمعي من غادة / نغم الحليّ ورنة الخلخال
وألذّ ما يلقى الخليع سويعة / خفيت عن الرقباء والعذال
أيامها مرّت ولا ندري بها / فكأنها مرّت مرور خيال
أين الأحبّة بعد أسنمة اللّوى / قد حال من بعد الأحبّة حالي
سارتْ ظُعونهم وما أدَّت لنا / حقًّا على الأَزماع والترحال
أَقمار أَفلاك الجمال تغيَّبت / بعد الطلوع على حدوج جمال
وما كنت أدري لا دريت بأنَّه / هول الوداع نهاية الأَهوال
وجهلت يا لمياء قتل ذوي الهوى / حتَّى بليت بحبِّكِ القتَّال
سكان وجرة والعذيب وبارق / تحريمكم للوصل غير حلال
أنتم أسرتم قلب كلّ متيّم / بلحاظ أحوى مائل لملال
أو يطلقون من الأسار عصابة / غلّتهم الأَشواق في أَغلال
ما جرّدت فينا صوارمها النوى / إلاَّ لقطع حبالهم وحبالي
أسفي على عمرٍ تقضَّى شطره / في خيبة المسعى إلى الآمال
وبنات أفكار لنا عربيَّة / رخصت لدى الأَعاجم وهي غوالي
يا هذه أينَ الذين عهدتهم / آساد معترك وغيث نوال
عجباً لمثلي أنْ يقيم بمواطنٍ / متشابهِ الأَشراف بالأَنذال
تقذى نواظره بأوجه معشر / لا يعثرون بصالح الأَعمال
وَلِعَت بهم أيامهم من دوننا / ما أولعَ الأيامَ بالجهَّال
لولا خبال الدهر ما نال الفنى / في الناس ذو بَلَهٍ به وخبال
هم كالبحور الزاخرات وإنَّني / لم أنتفع من وردهم ببلال
ذهب الملوك الباذلات أكفّهم / بذل الغمام بعارض هطال
حتَّى عفت أطلال كلّ فضيلة / فليبك من يبكي على الأَطلال
وأرى النقيصة شأن كلّ مبجلٍ / فكمال فضل المرء غير كمال
وكأنَّما الأيام آلت حلفة / أن لا أرى في الدهر غير نكال
وأنا الَّذي حَلَّيْتُ أجياد العُلى / بعقود ألفاظي ودُرّ مقالي
إنْ كنت من حلل الفضائل ناسجاً / أبرادها فانسج على منوالي
ما فضل أبناء الزَّمان فضيلتي / كلاّ ولا أمثالهم أمثالي
إنَّا لنسمع بالكرام فأين هم / هيهات ما هم غير لمع الآلِ
لولا وجود ابن الجميل وجوده / قلت الزَّمان من الأكارم خالي
قرم لراحته وشدَّة عزمه / جود السحاب وصولة الرئبال
يعطي ولم يُسأل نداه وهكذا / يعطي الكريم ولو بغير سؤال
وأحق خلق الله بالمدح امرؤ / كثرت عطاياه من الإِقلال
خوَّاض ملحمة الأُمور بهمَّةٍ / جالت سوابقها بكلِّ مجال
ضربت به الأَمثال في عزماتها / حتَّى غدا مثلاً من الأَمثال
لا زالَ يُطلِعُ في سموات العُلى / أقمار مجدٍ أو نجوم خلال
خُلُقٌ يمازجه الندى فطلاهما / كالرَّاح مازجها غير زلال
يفتر عن وبل المكارم مثلما / يفتر عن وطفاء برق الخال
وعن المروءة وهي شيمة ذاته / ما حال عند تقلّب الأَحوال
يحمي النزيل بنفسه وبماله / يسخو بها كسخائه بالمال
والخوف يوم الطعن من وشك الردى / كالخوف يوم البذل من إقلال
إنَّ الشجاعة والسَّماحة حلَّتا / منه بأفضل سيِّد مفصال
يرتاح للمعروف إذ هو أهله / فيهش للإِنعام والإِفضال
مثل الجبال الرَّاسيات حلومه / أمنَ الأنام به من الزلزال
عوّل عليه في الشدائد كلّها / واسأل فثَمَّ محل كلّ سؤال
حيث المحاسن قُسِّمت أشطارها / فيه على الأَقوال والأَفعال
ومهذب سبق المقال بفعله / حيث الفعال نتيجة الأَقوال
ولطالما وعد العفاة فبادرت / يمناه الحسنى على استعجال
ويمدّها بيضاءَ يهطلُ وبلها / ويسيل شامل برها السيال
يعطي ولا منٌّ ويجزي بالذي / هو أهله وينيل كلّ منال
سامٍ إذا ما قست فيه غيره / قست الهضاب بشامخات جبال
قيل تعاظم كالرَّواسي شأنه / وكذاك شأن السَّادة الأَقيال
عزّت أبوَّته وجلَّ فنفسه / في العزِّ ذات أُبوَّة وجلال
يمّم ذرى عبد الغنيّ فإنَّه / لمناخ مجد أو محطّ رحال
آل الجميل وأهله ومحلّه / سادوا البريَّة في جميل خصال
الصائنون من الخطوب نزيلهم / والباذلون نفايس الأَموال
فغلت نفوسهم ببذل مكارم / للوفد ترخص كلّ شيء غال
فترى على طول المدى أيَّامهم / يومين يوم ندى ويوم نزال
يا من سرت عنه سباق محامد / تجتاب بين دكادك ورمال
فَسَرَت كما تسري نسايمها الصبا / عبقت بطيب نوافج وغوالي
عن روضة غنَّاء باكرها الحيا / فوهت بقطر الصيّب المنهال
ولقد قربت من المعالي قربك ال / داني من العافين بالإِيصال
فبعدت عن قرب الدنيَّة في الدنى / بعد المكارم من يد الأَرذال
وترفَّعت بك شيمة علويَّة / لم ترضَ إلاَّ بالمحلِّ العالي
سبق الكرام الأَوَّلين فقولنا / سبق الأُلى هذا المجلّي التالي
ممَّن يذلّ لديه صعب خطوبها / بأساً ويبطل غيلة المغتال
فكأنَّ حدَّة عزمه صمصامه ال / ماضي وفيصل عضبه الفصَّال
طلاّب شأو الفخر بين الورى / في المجد بين صوارمٍ وعوالي
والمجد يطلب في شفير مهنَّد / ماضي الغرار وأسمرٍ عسَّال
والفخر في فضل الفتى وكماله / والعزّ صهوة أشقرٍ صهَّال
لك منطقٌ يشفي القلوب كأَنَّه / بُرْءٌ من الأَسقام والإِعلال
ومناقب كست القوافي بردة / في الحسن ترفل أيّما إرفال
أضحى يغرِّد فيك مطرب مدحها / لا بالعقيق ولا بذات الضال
فاقبل من الدَّاعي قصيدة شعره / لأعدها من جملة الإِقبال
فعليك يا فخر الوجود معوَّلي / وإليك من دون الأنام مآلي
لولا علاقتنا بمدحك سيِّدي / لتعلَّقت آمالنا بمحال
فاغنم إذَنْ أجر الصّيام ولم تزلْ / تهنا بعَوْرِ العيد من شوال
للهِ دَرّ أبي داود من رجلٍ
للهِ دَرّ أبي داود من رجلٍ / يَسْتَنزل العُصْمَ من مُستَعْصَم القُلَلِ
لو رامَ قلع الجبال الشمِّ ما تركت / عزائمٌ فيه يوم الرَّوع من جَبَل
له من الله في سِلْمٍ ومُعْتَرَك / بأسُ الحديد وجُود العارض الهطل
شيخٌ حماها بفتيان إذا زأروا / تخوَّفتْهم أُسودُ الغيل بالغِيل
حفَّتْ به من بني نجد أُغَيْلِمَةٌ / أعدَّهم لنزول الحادث الجلل
إذا دعاهم أبو داود يومئذٍ / جاؤوا إليه بلا مَهلٍ على عجل
المدْرِكونَ بعون الله ما طلبوا / والفائزون بما يرجون من أَمل
كم فتكةٍ لسليمان بهم فتكَتْ / وما تقول بفتكِ الفارس البطل
لقد قضى اللهُ بالنصر العزيزِ له / فيما قضاه من التقدير في الأَزل
واللهُ أعطاهُ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / الصدقَ بالقولِ والإِخلاص بالعمل
جاءَ الصريخُ إليه يستجير به / مستنجداً منه بالخطّية الذيل
فجهَّز الجيشَ والظلماءُ عاكفةٌ / والرعد والبرق ذو ومض وذو زجل
سرى إلى القوم في ليلٍ يَضِلُّ به / سِربُ القطا وجبان القوم في الكلل
بحيث لا يهتدي الهادي بلا سُبُلاً / يَهديهم الرأيُ منها أوضحَ السبل
فوارسٌ بلَغَتْ مجدٌ بهم شرفاً / يسمو وفي غير طعن الرُّمح لم ينل
فأدْرَكتْ من عِداكم كلَّ ما طلَبَتْ / فصار يُضربُ فيها اليوم بالمثل
وصبَّحتهم ببيض الهند عاديةً / فأصْبحَتْ وهي حمرُ الحلّ والحلل
قتلٌ وأسرٌ وإطلاقٌ يُمَنُّ به / على العدوِّ وإرسال بلا رَسل
فكان عيدٌ من الأَعياد سُرَّ به / أهلُ الحفيظة من حافٍ ومنتعل
إذ يُحشَرُ الناس في ذاكَ النهار ضحًى / والخيل قد أقْبَلَتْ بالشاء والإِبل
هذا هو الفخر لا كأسٌ تُدار على / شرب ولا نغمُ الأَوتار بالغزل
فليهنك الظفرُ العالي الَّذي انقلبت / به أعاديك بعد الخزي بالفشل
وقُرَّ عَيناً فدتك الناس في ولد / يحيي المناقب من آبائك الأوَل
فأرَّخوه وقالوا يومَ مولده / يَقُرُّ عَينَ سليمان الزهير علي
عَدِّ عنْ مَنْ لجَّ في قالٍ وقيلِ
عَدِّ عنْ مَنْ لجَّ في قالٍ وقيلِ / أنا لا أصغي إلى قول العذولِ
وأعِدْ لي ذكر مَن صَحَّ الهوى / منه بالطَّرق وبالجسم العليل
فَقَدْ الصّبرَ مع الوَجد فما / لاذ بالصبر عن الوجه الجميل
من قدودٍ طَعَنَتْ طعنَ القنا / ولحاظٍ فتكتَ فتك النصول
دنفٌ لولا تباريحُ الجوى / ما قضى الوجد عليه بالنحول
كلّما شام سنا بارقه / جَدّ جدّ الوجد بالدمع الهمول
إنَّ ما أضرِمَ في أحشائه / من خليلٍ في الهوى نار الخليل
وإذا هبَّت به ريحُ صَبا / راح يستشفي عليلٌ بعليل
كَبِدٌ حرّى ودمعٌ واكفٌ / فهو ما بين حريق وسيول
لو تراه إذ نأتْ أحبابه / تَطَأ الأرض بوخد وذميل
لا تسل عن ما جرى كيف جرى / سائل الدمع على الخدّ الأسيل
أيّ يومٍ يوم سارت عيسُهم / ودعا داعي نواهم بالرحيل
وتراني بعدهم أشكو الأسى / لبقايا من رسوم وطلول
وبرسم الدار من أطلالهم / ما بجسمي من سقام ونحول
بخلوا بالوصل لما أعرضوا / ومن البلوى نوال من بخيل
ليت شعري ولَكم أشكو إلى / باردِ الرِّيقة من حر الغليل
لا أرى المحنة كالحبّ ولا / كالهوى للصبّ من داء قتول
بأبي من أخَذَت أحداقه / مهجة الوامق بالأخذ الوبيل
وشفائي قُربُ من أسْقَمَني / بسقام الطرف والخصر النحيل
هل علمتم أنَّ أحداق المها / خلقت حينئذٍ سحرَ العقول
يا دياراً لأحباءٍ نَأت / ألناءٍ عنك يوماً من وصول
كانَ روض العيش فيها يانعاً / قبل أن آذَنَ عودي بالذبول
بمدامٍ أشرقَتْ أقداحها / بزغت كالشمس في ثوب الأصيل
وشَدَت وَرقاء في أفنانها / أوتِيَت عِلماً بموسيقى الهديل
حبذا اللّهو وأيام الصبا / وشمال وكؤوس من شمول
وندامى نظمَتهم ساعةٌ / وَقَعتْ منا بأحضان القبول
علِّلاني بعدها من عودها / بمرام غير مرجو الحصول
إذ مضت وهي قصيرات المدى / فلها طال بكائي وعويلي
جَهِل اللائم ما بي ورأى / أنْ يفيد العلم نصحاً من جهول
لا ينال الحمد في مدحي له / من يعد الفضل من نوع الفضول
وأراني والحجى من أربي / في عريض الجاه ذي الباع الطويل
كلّما أنظمها قافيةً / تنظم الإحسان في قول مقول
وعلى خِفَّتها في وزنها / تطأ الحساد بالقول الثقيل
بالغ في كلِّ يوم مَرَّ بي / من أبي عيسى نوالاً من مُنيل
لا يريني العيش إلاَّ رغداً / في نعيم من جميل ابن الجميل
ينظر النجم إلى عليائه / نظر المعجب بالطرف الكليل
يرتقيها درجات في العُلى / فترى الحاسد منها في نزول
قصرت عن شأوه حساده / وانثنى عنهم بباع مستطيل
نُسِبَ الجود إلى راحته / نسبة السحر إلى الطرف الكحيل
وروى نائله عن سيبه / ما روى الريَّ عن الغيث الهطول
كاد أن تمزجه رقّته / بنسيم من صَبا نجدٍ بليلِ
أيُّها الآخذ عن آبائه / سُنَنَ المعروف بالفعل الجميل
مكرماتٌ جئتُ للناس بها / عَجَزَتْ عنها فحول من فحول
هذه الناس الَّتي في عصرنا / ما رأينا لك فيهم من مثيل
شرفٌ أوضَحُ من شمس الضحى / ليس يحتاج سناها لدليل
إن هَزَزْناك هَزَزنا صارماً / يفلق الهام بريًّا من فلول
أسأل الله لك العزَّ الَّذي / كانَ من أشرف آمالي وسولي
دائِمَ النعمة منهلَّ الحيا / مورد الظامي بعذب سلسبيل
فلنعمائِك عندي أثرٌ / أثَرَ الوابل في الروض المحيل
لو شكرت الدهر ما خَوَّلتني / لا أفي حقَّ كثير من قليل
إنَّما أنتُم غيوثٌ في الندى / وإذا كانت وغىً آساد غيل
نجباءٌ من كرام نجُبٍ / والكرام النجب من هذا القبيل
ألبَسوني الفخر في مدحي لهم / وكَسَوْني كلَّ فضفاض الذيول
وأرَوني العزَّ خفضاً عيشه / والردى أهونُ من عيش الذليل
زيَّنوا شعري بذكرى مجدهم / في أعاريضِ فعيل وفعول
إنَّهم فضلٌ وبأسٌ وندى / زينة الافرند للسيف الصقيل
وزكَتْ أعراقُهُم منذ نَمَت / بفروع زاكيات وأصول
في سبيل الله ما قد أنْفَقوا / لليتامى ولأبناء السبيل
أنفَقوا أموالهم وادَّخروا / حسنات الذكر في المجد الأثيل
تخلق الدهر وتكسو جدّة / وتعيد الذكر جيلاً بعد جيل
يا نجوماً أشرَقَتْ في أفقنا / لا رماكِ الله يوماً بالأفول
أنتمُ الكنز الَّذي أدخره / للملمّات من الخطب الجليل
وإليكم ينتهي لي أمَلٌ / كاد أنْ يطمِعَني بالمستحيل
كم وكم لي فيكم من مِدَحٍ / رفعت ذكري بكم بعد الخمول
فمتى أغدو إلى إحسانكم / إنَّما أغدو إلى ظلٍّ ظليل
لم أزل أحظى لديكم بالغنى / والعطاءِ الجمِّ والمال الجزيل
سَطا بحُسام مقلته وَصالا
سَطا بحُسام مقلته وَصالا / كأنّي جئتُ أسألُه الوِصالا
وجار على المتيَّم في جفاه / وأجرى أدْمُعَ الصبّ انهمالا
ومهما ازددت بين يديه ذلاً / يَزد عزًّا ويتبعه دلالا
حكى البدرَ التمام له مُحَيًّا / وشابه قدُّه الغصنَ اعتدالا
وأذَّنَ حُسْنُه للوجد فيه / فشاهدنا بوجنته بلالا
بقلبي نار خدٍّ قد تلظَّتْ / فتورث في جوانحي اشتعالا
وفي جسمي سقام عيون خشف / عدت منها لي الداء العضالا
وما أنسى بذات الرمث عهداً / مضى لكن حسبناه خيالا
زماناً لم نحاذر فيه واشٍ / ولم نسمع لعذال مقالا
وكم قد زارني رشأ غرير / فأرشفني على ظمأٍ زلالا
وعهدي ليله أبداً قصير / فلما سار من أهواه طالا
وأنَّى يرتجي الَّلاحي سلُوِّي / وقد ذابت حشاشتي انسلالا
أيهديني عن الأَشواق لاحٍ / وما قد زادني إلاَّ ضلالا
فلا تسألْ وقيت الشرّ دمعاً / إذا ما لاح برق الحيف سالا
أَحَلَّتْ سربُ ذاك الربع قتلي / ولم يك قبلهن دمي حلالا
ولو أبصَرتَ إذ رحلوا فؤادي / رأيت الصبر يتّبع الجمالا
ألا لله ما فعلتْ بقلبي / جفون لم تخل إلاَّ نصالا
وربٍّ قد كسا الأَحباب حسناً / كساني من صبابتها انتحالا
وإنِّي في الغرام وفي التصابي / كمثل محمَّدٍ حزت الكمالا
فتًى في العلم والإِكرام بحرٌ / وكانَ وروده عذباً زلالا
له عزم حكى الشمّ الرَّواسي / وخُلقٌ قد حكى الرِّيح الشمالا
ومرتاح إلى الإِكرام طبعاً / ولا يحوي لبذل المال مالا
أحبّ الناس في الدنيا لديه / فتًى أبدى لنائله السؤالا
ويهوى المكرمات بكلِّ آنٍ / ولن نلقى به عنها ملالا
وكانَ نداه للعافين وصلاً / وكانَ على أعاديه وبالا
كساهُ الله تاجاً من فخارٍ / وألبسه المهابة والجلالا
فلو زالتْ جبال الله عنها / لكانَ وقاره فيها جبالا
نديّ الكفّ راحته غمام / فلو لمس الحصى فيها لسالا
وما بخلتْ له أبداً يمينٌ / وما عَرَفَ المواعد والمطالا
همامٌ لو يروم الأُفق نيلاً / بباعٍ من عزائمه لنالا
ويؤذن بشرُه بسحاب جود / وكان تبسم الكرماء خالا
لقد نلنا به صعب الأَماني / فلم نعرف بساحته المحالا
وحبر العلم بل بحر غزير / أجلّ الناس في الدُّنيا نوالا
بدا منه محيّا ثم نور / فأمسى في ذوي الآمال فالا
ومدَّ يمينه في البسط يوماً / فأغمرنا عطاءاً واتِّصالا
حباهُ اللهُ في حسن السجايا / وتلك عطيَّة الباري تعالى
خلالٌ كالصوارم مرهفات / أجادتها محاسنه الصقالا
فإن قلنا لدى الدُّنيا جميل / عنينا حسن خلقك والخصالا
أتحصي المادحون له كمالاً / ومن ذا عدّ في الأرض الرمالا
وما غالتْ بك المُدَّاحُ حَمْداً / إذا ما فيك أطنَبَ ثمَّ غالى
أعوذ ببأسه من كلِّ خطبٍ / فقد أضحى على الدُّنيا عقالا
وعزم يقهر الأَعداء قهراً / وإنْ لم تلتق منه قتالا
فلو طاولنَه السُّمر العوالي / على نيل المرام إذنْ لطالا
وقد كمل العلوم وكلّ فخر / وقد زان المفاخر والكمالا
وما هو غير بدر في المعالي / فلا عجب إذا نالَ الكمالا
فلو شاهدت في التقرير منه / بياناً خلته السحر الحلالا
يهدي الله فيه الخلق رشداً / وفيه يكشف الله الضلالا
ولم يترك لأهل الفخر فخراً / ولم يترك لذي قولٍ مقالا
فما خابت ظنون أخي مرامٍ / أصارك في مطالبه مآلا
فخذها سيِّدي منها قصيداً / وصيّر لي رضاك بها نوالا
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا / فليجرّد الحُسامَ الصقيلا
جعل السيف ضامناً وكفيلاً / بالمعالي لمن أراد كفيلا
في ظلال السيوف أيّ مقيلٍ / لبني المجد فاتَّخذه مقيلا
وإذا ما سلكت ثم سبيلاً / فاجعل السيف هادياً ودليلا
عرَّفتكم حوادث الدهر أمراً / كانَ من قبل هذه مجهولا
كشفت عن ضمائر تضمر الغدر / وتبدي وفاءها المستحيلا
وإذا لم تجد خليلاً وفيًّا / فاعلم أنَّ الحسام أوفى خليلا
طالما عرّف الزَّمان بقومٍ / بدَّلتهم خطوبه تبديلا
لا تبلّ الغليل ما عشت منهم / أو يبلّ الصَّمصام فيهم غليلا
وإذا لم يكن لحلمك أهل / فمن الحلم أن تكون جهولا
لا أرى فعلك الجميل بمن لم / يرع عهداً من الجميل جميلا
رضي الله عنك أغضبت قوماً / ما أرادوا غير الفساد حصولا
فلبئس القوم الذين أرادوا / بك من سائر الأنام بديلا
وسَعَوْا في خرابها فاستفادوا / أملاً خائباً وعوناً خذولا
ويميناً لو يملكوها علينا / تركوها معالماً وطلولا
إنَّما حاولوا أمانيَّ نفسٍ / حَمَلَتهم إذ ذاكَ عبئاً ثقيلا
ربَّما غرَّت المطامع قوماً / غادرت منهم العزيز ذليلا
أمَّلوا والمحال ما أمَّلوه / سؤدداً عنك فيهم لن يحولا
لم ينالوا ما نلتَ من رفعة القدر / ولو جيء بالجيوش قبيلا
أجمَعوا أمْرَهُم ولله أمرٌ / كانَ من فوق أمرهم مفعولا
ثمَّ لمَّا جاؤوا إليكم سراعاً / نزلوا عن مرابض الأُسد ميلا
فعبرتم نهر المجرَّة مُخلين / مكاناً لهم عريضاً طويلا
نزلوا منزل الشيوخ وتأبى / شفرة السَّيف أن يكونوا نزولا
ثمَّ لم يلبثوا خلافك في الدَّار / كما يشتهون إلاَّ قليلا
رحلتها عنهم سيوفٌ حداد / ورجالٌ تعيي الرجال الفحولا
إنْ تصادم بها قواعد رضوى / أوشكت في صدامهم أن تزولا
بذلت نفسها لديك ورامتْ / منك في بذلها الرضا والقبولا
كلَّما استلَّت المهنّدة البيض / أسالت من الدّماء سيولا
فتركت الأَعداء ترتقبُ الموت / من الرعب بكرةً وأصيلا
وملأَت الأَقطار بالخيل والرَّجل / صليلاً مريعة وصهيلا
إنَّ يوماً عبرت فيه عليهم / كانَ يوماً على العداة مهولا
يوم ضاقَ الرَّحب الفسيح عليها / فتنادت عنك الرَّحيل الرَّحيلا
هربوا قبل أن بروا صولة اللَّي / ث وإن يشهروا دماً مطولا
يومَ كانَ الفرار أهونَ من أنْ / تستبيح السُّيوف منها قتيلا
ذلَّ من لا يرى المنيَّة عزًّا / في سبيل العُلى وعاشَ ذليلا
لو أقاموا فيها ولو بعض يوم / لأخذت الأَعداء أخذاً وبيلا
ولأكثرت فيهم القتل والسَّبْ / يَ ومثّلتهم بها تمثيلا
وتركت النساء ثكلى أيامى / تكثر النَّوح بعدهم والعويلا
إنَّ لله حكمةً حيّرت فيك / حلوماً سليمةً وعقولا
بلغتك الأَقدار ما كنت تبغيه / وكفَّت عدوّك المخذولا
وشفيت الصدور منَّا فقلنا / صحّ جسم العُلى وكانَ عليلا
أيَّد الله فارس بن عجيل / مثل ما أيَّد الإِله عجيلا
وبما رحمةٌ من الله حلَّت / بلغ اليوم آمل مأمولا
أمِنَ الخائفون في ظلِّ قومٍ / منع الخطب بأسه أن يصولا
عاد للملك حافظاً ومن الل / هُ على الناس ستره المسبولا
كلَّما كرَّ كرَّةً بعد أُخرى / بعث الرُّعب في القلوب رسولا
ما ثناه عن المكارم ثانٍ / وأبى أن يرى الكريم بخيلا
يقتفي إثْرَ جَدِّه وأبيهِ / وكذا تتبع الفروع الأُصولا
فهنيئاً لكم معارج للمجد / شباباً تسمونها وكهولا
رفعة في العلاء أورثتموها / من قديم الزَّمان جيلاً فجيلا
والمعالي لا ترتضي حيث شاءت / غير أكفائها الكرام بعولا
إنَّ أسلافكم إذا خطبوها / جعلوا مهرها قناً ونصولا
قد بذلتم من النضار سيولاً / وجررتم من الفخار ذيولا
لا تنال العداة منكم مراماً / أفيرجون للنجوم وصولا
كيفَ تدنو منكم وأنتمْ أُسودٌ / ما اتَّخذتم غير الأَسنَّة غيلا
فإذا ما ادَّعيتم الفخر يوماً / فكفى بالقنا شهوداً عدولا
قد خلقتم صبابة في المعالي / صبوة الصّبّ ما أطاعَ العذولا
فانتشيتم وللهوى نشوات / فكأَنّي بكم سقيتم شمولا
لا برحتم مناهلاً ترد العا / فون من عذبِ وردها سلسبيلا
وبقيتم مدى الزَّمان وأبقيتم / حديثاً عن بأسكم منقولا
قَدِمتَ قدومَ الخير من بعد غيبةٍ
قَدِمتَ قدومَ الخير من بعد غيبةٍ / كما غابَ بدرٌ ثمَّ أشْرَقَ وانْجلى
وأقبلتَ إقبالَ السَّعادة كلّها / علينا فحيَّا الله وجهك مقبلا
فكنت كصوب المزن صادفَ ممحلاً / وكنَّا بك الظمآن صادفَ منهلا
وشِمْنا سنا برقِ المنى غير خلَّبٍ / تهلَّلَ يمري العارض المتهلّلا
تنقَّلتَ من دارٍ لدارٍ تنقُّلاً / ومن عادة الأَقمار أنْ تنتقلا
وجئتَ إلى بغداد تكشفُ ما بها / من الضُّرِّ حتَّى ترجع الحال أولا
فأهلاً وسهلاً ما أقمتَ ومرحباً / عزيزاً بأكناف المعالي مبجَّلا
بأصدق من وافى من الرّوم لهجة / ومن بعث السلطان عيناً وأرسلا
أمينٌ على العمال تخذلُ ظالماً / وتنصر مظلوماً وتنقذ مبتلى
فقلنا غداةَ استبشر النَّاس كلُّهم / عسى هذه الأَحوال أنْ تتبدَّلا
وفي ضمن لحن القول لولا موانعٌ / دقائق لا تخفى على من تأمَّلا
وكم فرج لله من بعد شدَّةٍ / تعللنا فيه الأَماني تعلُّلا
فنحنُ وأنْ لم يُحسن الكشف حالنا / شتتاً خرقاء واهية الكلا
ومن نظر الأَشياء نظرةَ عارفٍ / رآها لديه مجملاً ومفصَّلا
وحسبُ الفتى ذي اللُّبِّ متن إشارة / يرى شرحها لو كانَ شرحاً مطوَّلا
وما اختصَّك السُّلطان إلاَّ لعلمه / بأنَّك لن تُرشى ولن تتبرطلا
فمن فضله والله يجزي بفضله / علينا أميرَ المؤمنين تفضّلا
لتذهب عنَّا البغيَ جيئة راشد / ونحمد فيه آملاً ومؤمَّلا
وننتظر العقبى فإنَّ وراءها / من اللُّطف ما يحظى به سائرُ الملا
فلا زالَ ظلُّ الله يأتي بعدله / وما ولي الأَحكام إلاَّ ليعدلا
ولم أرَ مثل الفضل يرفع أهْلَه / ولا حلية كالصدق في القول من حُلى
فقل ما تشا والقول في ما تقوله / جليٌّ ويأبى الله أن تتقوَّلا
ودمْ وابقَ واسلمْ ترتقي كلّ منصبٍ / إلى قلّة العلياء تعلو وتوقلا
أُقَلِّبُ طرفي ولا أرى غيرَ منظرٍ
أُقَلِّبُ طرفي ولا أرى غيرَ منظرٍ / متى تختبرهُ كانَ أَلأَمَ مَخْبَرِ
فلم أدرِ والأيامُ ذاتُ تغيُّر / أيذهبُ عمري هكذا بين معشر
مجالسهم عافَ الكريمَ حُلُولُها /
أَسِفتُ على من ليسَ يرجى العودة / وكانَ يُرى عوناً على كلِّ شدَّة
قضى الله أن يقضي بأقرب مدَّة / وأبقى وحيداً لا أرى ذا مودَّة
من النَّاس لا عاش الزَّمان ملولُها /
إذا الحرُّ في بغداد أصبحَ مُبتلى / وعاشَ عزيزُ القوم فيها مذلَّلا
فلا عجبٌ إنْ رمتُ عنها تحوُّلا / وكيفَ أرى بغداد للحرّ منزلا
إذا كانَ مفريَّ الأديم نزيلها /
لقد كنت لم أحْفِل بأَيَّام عرسها / ولم يتبدَّل شهمها بأخسّها
فكيفَ بها إنْ سادها غيرُ جنسها / ويسطو على آسادها ابنُ عرسها
ويرقى على هام السماك ضئيلها /
عَجِبتُ لندبٍ ثابت الجأش مفضلِ / يرى بدلاً من أرضه بمبدّل
ولم يك عن دار الهوان بمعزل / فما منزل فيه الهوان بمنزل
وفي الأرض للحرِّ الكريم بديلها /
سأركلها يا سعد كلّ معدَّة / أجوبُ عليها شدَّة بعد شدَّة
وإن مت ألفي البيد موتة وحدة / فلَلْموتُ خيرٌ أن أُقيمَ ببلدة
يفوق بها الصيد الكرام ذليلها /
فكم قرصتني من عدًى بقوارص / هوابط من أرض المساوي شواخص
ولاقيت صعب المرتقى غير ناكص / وأصعب ما ألقى رئاسة ناقص
مساويه إن عُدَّت كثيرٌ قليلها /
أُنَبّهُ طرفَ الحظّ والحظّ راقد / وأنهض للعلياء والجدّ قاعد
وأنَّى أَسُودُ اليوم والدهر فاسد / وما سادَ في أرض العراقين ماجد
من النَّاس إلاَّ فَدْمُها ورذيلها /
بلاد بقوم قد سَعَوْا في خرابها / فليس شرابٌ يرتجى من سرابها
ولا لكريمِ منزلٍ في رحابها / فسر عن بلادٍ طوّحت لا ترى بها
مقيل كريم للعثار مقيلها /
فليس عليها بعد هذا مُعَوَّلُ / ولا عندها للآملين مؤمَّل
فيالك دار قد نبت بيَ منزل / بها الجود مذمومٌ بها الحرّ مهملُ
بها الشّحّ محمودٌ فهل لي بديلها /
وَرُبَّ أخٍ للمجد في المجد آلفُ / له في ربوع الأَلأَمين مواقفُ
أقولُ له والقول كالسُّمِّ زاعف / ألا يا شقيق النفس عندي صحائفُ
لقومٍ لئامٍ هل لديك قبولها /
صحائف ذي غيظ على الدهر واجب / عليها طوى قسراً جوانح حاقد
وأن لما يبدي لساني وساعدي / سأنشرها والهندوانيّ شاهدي
وأذكرها والسمهريُّ وكيلها /
فمن مبلغٌ عنِّي كلاماً مُلَخَّصاً / أهان به عرض اللئيم وأرخصا
أُناساً يعيشُ الحرُّ فيهم منغَّصاً / ولي كلمات فيه تصدعُ الحصا
إذا حكّموا العضب اليماني أقولها /
فكم مهمهٍ قفرٍ طَوَيْتُ مشافها / بها كلّ هول لم يزل متشابها
وواجهني ما لم يكنْ لي مواجه / عفا الله عنِّي كم أجوب مهامها
من الأرض يستفّ التُّراب دليلها /
طويت قيافيها ذهاباً وجيَّةً / أكانَ عناءً طيّها أم بليَّةً
كمن يبتغيها مُنيةً أو منيَّة / لعلِّي أُلاقي عصبةً عبشميَّةً
فروع مناجيبٍ كرام أُصولها /
إذا نطقوا بالقول فالقول مُفْلِقٌ / وإنْ حاولوا مجداً فعزم محلّق
لهم أرج لم يكتَتَم فهو معبق / ينم بهم مجد رفيع ومنطق
وينبي عن الخيل العتاق صهيلها /
لقد طالما قد بِتُّ أطوي وأنطَوي / علة مضضٍ أمسَتْ على الضَّيم تحتوي
فيا سعد قلْ لي إنْ نصحت فأرعوي / متى يلثم اللبات رمحي وترتوي
سيوفٌ بأَعناق اللئام صليلها /
أَحِنُّ إلى يومٍ عبوسٍ عصبصبِ / يبلّ غليلي منجب وابن منجب
فيا ليت شعري هل أراني بموكب / وحولي رجال من معدٍّ ويعرب
مصاليت للحرب العوان قبيلها /
شفاء لنفسي يا أُميمة حشرجت / أو السَّاعة الخشنا إلى الأمر أحوجت
فهل مثل آساد الشرى حين هيّجت / إذا أوقدوا للحرب ناراً تأجَّجت
مجامرها والبيض تدمى نصولها /
كهولٌ وشبَّانٌ كماة بأيّهم / ظفرنا رأينا كهلهم كفتيّهم
حماةٌ بماضيهم وفي سمهريِّهم / وبالسُّمر تحني البيض شبَّان حيِّهم
وبالبيض تحمي السُّمر قسراً كهولها /
من القومِ ما زالت تطبّق سحبهم / وفي عدم الجدوى تفارط صوبهم
كرامٌ بيوم الجدب يُعرَفُ خصبهم / يهشون للعافي إذا ضاقَ رحبهم
وجوهاً كأسياف يضيء صقيلها /
نماهم أبٌ عالي الجناب سميذع / وعن أصل زاكي العنصرين تفرَّعوا
فإن يدَّعوا العلياء كانَ كما ادَّعوا / إلى خندقٍ ينمى علاهم إذا دُعوا
ومن خير أقيالٍ إذا عُدَّ قيلها /
فمن لي بأبياتٍ يروقك وصفها / يُهان معاديها ويُكرَمُ ضيفها
بحيث العُلى والعزُّ ممَّا يحضّها / وما العزّ إلاَّ في بيوتٍ تلفّها
عذارى وأبكارُ المطيّ حمولها /
تلمّ بها إنْ داهمتها ملمّة / رجال مساعيها إلى المجد جمَّةٌ
وإن هي زمَّتها على السَّير أزمةٌ / تحفّ بها من آل وائل غِلْمَةٌ
لهم صولة في الحربِ عال تليلها /
وإنِّي لأشكو عصبةً ما تطأطأت / لرشد وإنْ تُدعَ إلى الرشد أبطأت
لها الويل قد خَطَّت ضلالاً وأخطأت / إلى الله أشكو عصبة قد تواطأت
على دَخَنٍ بغياً فضَلَّت عقولها /
إلامَ المعالي يملك الرذل رقّها / ويمنعها من ظلمه مستحقّها
ألا دعوةٌ للمجد نَوْفُ صدقها / ألا غيرةٌ تقضي المنازل حقَّها
وتوقظ وسنان التراب خيولها /
عوادي بميدان الوغى لمفاخر / بكلِّ نزاريّ على الموت صابر
إذا أَقْبَلَتْ من كلِّ عوجاء ضامر / عليها رجال من نزارٍ وعامر
مطاعين في الهيجا كريم قتيلها /
إذا نحنُ لم نحْمَدْ بحالِ ذهابنا / إلى شرِّ جيلٍ شرّهم قد أنابنا
فَلِمْ نعاني حزننا واكتئابنا / كفى حزناً أنَّا نعنى ركابنا
إلى معشرٍ من جيل يافث جيلها /
تركت ديار اللَّهوِ والعقل تابعي / وبدَّلْتُ سكناها بسكنى المرابع
وما غرَّني في الكون برق المطامع / إذا كانت العلياء حشو مسامعي
يريني المعالي سفحها وطلولها /
لقد خابَ مسعاها إليهم وبئسَ ما / تقحّمتْ الأَمرَ الخطير تقحّما
تروح رواءً ترتمي أيَّ مرتمى / فترجع حَسْرى ظلّعاً شفَّها الظَّما
فيا ليتها ضَلَّتْ وساءَ سبيلها /
لئن كانَ صحبي كلُّ أروع يجتري / على كلِّ ليث في الكريهة قَسوَر
ترفَّعْتُ عن رذل الصفات مصعّر / فلا ألوي للأَنذال جيدي ومعشري
بهاليل مستن المنايا نزولها /
إذا لم يكن ظلٌّ خليًّا من الأَذى / تلَذَّذْتُ في حَرِّ الهجير تلذُّذا
وبدَّلتُ هذا بعد أن عفته بذا / رعى الله نفسي لم ترد مورد القذى
وتصدى وفي ظلِّ الهجير ظليلها /
يرى المجدَ مجداً من أغار وأنجدا / ولم يُبْق في جَوْب الفدافد فدفدا
إلى أن شكته البيد راح أو اغتدى / ومن رام مجداً دونه جرع الرَّدى
شكته الفيافي وعرها وسهولها /
رجال المعاني بالمعالي منالها / مناها إذا ما حانَ يوماً نزالها
هي المجد أو ما يعجب المجد حالها / وما المجد إلاَّ دولة ورجالها
أُسودُ الوغى والسمهريَّة غيلها /
ديار بها نيطت عليَّ تمائمي / وكان العُلى إذ ذاك عبدي وخادمي
فكيف أرى في اللَّهو لمعة شائم / إذا أَبْرَقَتْ في السّفح صوب الغنائم
وشاقَ لعينِ الناظرين همولها /
يذكرني ذاك العهاد معاهدا / يروقك مرآه إذا كنت رائدا
فكنْ لي على صوْب الدموع مساعدا / متى سمعت أُذناك منِّي رواعدا
تصوب عَزاليها وتهمي سيولها /
ذكرتُ زماناً قد مضى في رحابها / سقته عيون المزن حين انسكابها
لقد شاقني ظبيُ الكناس الَّذي بها / فكم مرَّة في بعدها واقترابها
تشافت من الأرض الجراز محولها /
فأنبتَتِ الخضراءُ محمرَّ وَرْدها / وفاخرت البيداء في وشي بردها
ولما طغت في جَزرها بعد مدِّها / سقى كلَّ أرضٍ صوبها فوق حدِّها
ورواحها عقبى النسيم بليلها /
فيا ليت شعري هل أرى بعد دارها / من العنبر الورديّ مَوْقِدَ نارها
وهل ناشقٌ من رندها وعرارها / على أنَّها مع قربها من مزارها
تلوحُ لعيني في البعاد تلولها /
قضيت بها عيشاً على الرغمِ ناعما / أرى صادحاً في صفحتيه وباغما
فيوقظ من كانَ في الطيف حالما / ولم يستمع فيها عذولاً ولائما
إذا كانت الورقاء فيه عذولها /
فكم راكب فوق الكُمَيْتِ وسابقِ / بحَلبَة مجراه غدا غيرَ لاحق
إذا لمعت في اللَّيل لمعة بارق / يذرّ عليه بالسنا ضوء شارق
كما ذرَّه مصباحها وفتيلها /
فكن مسعدي يا سعد حين انقضائها / متى نفرت جيرانها من فنائها
وأقْفَرَ ذاك المنحنى من ظبائها / وحلَّ سوادٌ في مكان ضيائها
وما أُعْطِيَتْ عند التوسُّل سولها /
فما العيش إلاَّ مُنْيَةٌ أو مَنِيَّة / به النفس ترضى وهي فيه حريَّة
فهذي برود نسجها سندسيَّة / وما النفس إلاَّ فطرة جوهريَّة
يروق لديها بالفعال جميلها /
ففيها يكون المرء شهماً معظما / لدى كلّ من لاقاه بغدو مُكَرَّما
فهذا تراه بالفخار معمَّما / إذا المرء لم يجعل حلاها تحلّما
فقد خابَ مسعاها وضلَّ مقيلها /
فألطف آثار الحبيب طلولها / وأنفسُ أطرار السيوف نصولها
فهذي المزايا قلَّ من قد يقولها / وأحسن أخلاق الرجال عقولها
وأحسن أنواع النياق فحولها /
كمال الفتى يحلو بحسن صفاته / فيزهو لدى الأَبصار لطف سماته
يفوق الفتى أقرانه في هباته / وهل يقبل الإِنسان نقصاً لذاته
إذا كانَ أنوار الرجال عقولها /
فلا العرض من هذا الفتى بمدنَّس / إذا حلَّ في ناد بخيرٍ مؤسَّسِ
وهذا الَّذي قد فازَ في كلِّ أنفَس / فكم أثْمَرَتْ بالمجد أغصانُ أنفسِ
إذا ما زكت أعراقها وأُصولها /
يُؤَرِّقُني في ذكرهم حين يعرض / نسيمُ الصَّبا يسري أو البرق يومضُ
أحبَّةَ قلبي صدُّوا وأعرضوا / ويوحشني من بالرَّصافة قوّضوا
ولي عبرات في الديار أجيلها /
أرى جاهلاً قد نال في جهله المنى / كذا عالماً عانى على علمهِ العَنا
وذلك من جور الزَّمان وما جنى / ومن نكد الأيام أَنْ يُحرَمَ الغنى
كريمٌ ويحظى بالثراء بخيلها /
أراني وأنياقي لإلفٍ وصاحبي / إلى جانب أصبو وتصبو لجانب
فما بالنا لم نتَّفق في المذاهب / تَحِنُّ إلى أرض العراق ركائبي
وصحبي بأرض الشام طابَ مقيلها /
فهل تسمح الأيام لي برجوعها / فأحظى بأحبابٍ كرامٍ جميعها
لقد عاقني عنها نوًى بنزوعها / وأخَّرني عن جلّق وربوعها
علائق قد أعيا البخاتي حمولها /
لقد عادت الأيام تزهو بوصلها / وإشراق محياها وأبيض فعلِها
تذكَّرتها والعين غرقى بوبلها / وعاوَدَني ذكرى دمشق وأهلها
بكاء حمامات شجاني هديلها /
شجتني وما قلب الشّجيِّ كقلبها / ولم تحكِ من عينيّ منهلّ صوبها
فما برحت من شجوها أو لجّها / تردِّد ألحاناً كأَنَّ الَّذي بها
من الوجد ما بي والدموع أُذيلها /
منازل أشواقي ومنشا علاقتي / وسكر صباباتي بها وإفاقتي
حَلَفْتُ يميناً صادقاً جهد طاقتي / لئن بلَّغتني رمل يبرين ناقتي
عليَّ حرام ظهرها ومشيلها /
ولم أنسَ لا أنسِيتُ في كلِّ ضامر / وقوفي على ربع الظمياء داثر
بحسرةِ ملهوفٍ وصفقة خاسر / وكم لي على جيرون وقفة حائر
له عبرات أغْرَقَتْهُ سيولها /
ألَمْ تنظرِ الأَرزاء كيفَ تعدَّدَتْ / وساعدت النحسَ الشّقيَّ وأسعدت
قعدنا وقامت أرذلونا فسُوِّدَتْ / وكم باسقاتٍ بالرّصافة أقعدت
على عجزها حيث استطال فسيلها /
لقد نالها دنياً دنيٌّ تجبَّرا / فتاهَ على أشرافها وتكبَّرا
وكانَ أذلَّ العالمين وأحقرا / لحى اللهُ دنياً نالها أحقرُ الورى
وتاهَ على القومِ الكرام فسولها /
لعلَّ خطوباً قد أساءَت تسرُّني / عواقبها حتَّى أراها بأعيُني
وإنِّي على وهني لما قد أمضَّني / سأحمل أعباء الخطوب وإنَّني
لأنتظر العقبى وربِّي كفيلها /
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح / قّ على علمك الأَنام عيالُ
رضي الله عنك أوْضَحتَ للنا / س منار الهُدى فبادَ الضلال
قد ملأت الدُّنيا بعلمك حتَّى / نلت بالعلم غايةً لا تنال
كلَّما قالت الأَئمَّة قولاً / فإلى ما تقول أنتَ المآل
إنَّما أنتَ قدوة الكلّ بالكلِّ / وعنك التفضيل والإِجمال
رحمةُ الله لم تزل تتوالى / ما توالى الغدوُّ ولآصال
شمِلَتْ حضرةً مقدَّسةً فيك / وقبراً عليك منك جلال
فبأبوابها تناخُ المطايا / وبأفنانها تُحَطُّ الرِّحال
فاز من زارها ومن حلَّ فيها / وعليه الخضوع والإِذلال
يا مفيضاً من روحه نفحات / منك يستوهب الكمال كمال
سار بالشَّوق قاصداً من فروقٍ / وإليك المسير والانتقال
زورة تمحق الذنوب وفيها / للمنيبين منحة ونوال
عن خلوصٍ وعن ثبات اعتقاد / أوقَفَتْه ببابك الآمال
ودعاه إليك وهو بعيد / سفر عن بلاده وارتحال
لم تعقْه فدافد وحزون / وقفار مهولة وجبال
فطوى في مسيرة الأرض طيًّا / حين وافى وما اعتراه ملال
إنْ يصادفْ منك القبول فقد / فازَ وثَمَّ الإِسعاد والإِقبال
لم يَخِبْ لآملٌ بما يرتجيه / وله فيك عِزَّةٌ واتّصال
أنت قطب في عالم العلم منه / تستمدّ الأَقطاب والأَبدال
بك في العالمين يرحمنا اللَّ / هُ وعنَّا تخفّف الأَثقال
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى / وجُفونٍ تَصوب بالدَّمع وبْلا
كلَّما لاح بارق هاج وجد / وجرى مدمعٌ له واستهلاّ
مغرم لا يعي الملامة في الح / بِّ ولا يرعوي فيقبل عذلا
ما يفيد المشوق يا سَعْدُ أمسى / مُكثِراً من بكائه أو مقلاّ
صَرَعَتْه العيون نُجلاً وهل تص / رع إلاَّ عيونها الغيد نجلا
وسَقَتْه كأسَ الغرام وما كا / نَ ليشفي الغرام عَلاً ونَهلا
ما يعاني من الصبابة صَبٌّ / كانَ قبل الهوى عزيزاً فذلاّ
قد أذلَّ الغرامُ كلَّ عزيز / والهوى يترك الأَعزّ الأَذلاّ
وبنفسي مهفهف العطف أحوى / حرَّم الله من دمي ما استحلاّ
قل لأحبابنا وهل يجمع الده / ر على بعدهم من الدار شملا
ما تسلَّيت في سواكم ومن لي / بفؤاد في غيركم يتسلَّى
فرَّق الدهر بيننا بالتَّنائي / وقضى بالنَّوى وما كانَ عدلا
علِّلونا منكُم ولو بخيالٍ / يهتدي طيفه فيطرق ليلا
فعسى المهجة الَّتي أظْمَأَتْها / زفرةُ الوجد بعدكم أن تُبَلاّ
إنَّ وُرْقاً ناحت على الغصن شجواً / أنا منها بذلك النَّوح أولى
وشجتنا بنوحها حين ناحت / فكأَنَّ الورقاء إذ ذاك ثكلى
ذكَّرتني وربَّما هيَّج الذِكرُ / زماناً مضى وعصراً تولَّى
وهوى مربع لظمياءَ أقوى / تسحب المزن في مغانيه ذيلا
فسقى ملعبَ الغزال وميضٌ / من هطول يسقي رذاذاً وهطلا
أفأشفي الجوى بآرام رَبْعٍ / صحَّ فيه نسيمه واعتلاّ
رُبَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروق / زار وهناً فقلت أهلاً وسهلا
نوَّلتني الأَحلامُ منه الأَماني / وانقضى عهده وما نلت نيلا
إذ تصدَّى لمغرم مات صدَّا / وتولَّى حرّ الغرام وولَّى
زائراً كالسَّراب لاحَ لصادٍ / قبل أن يذهب الظماء اضمحلاّ
واللَّيالي تريك كلّ عجيبٍ / وتزيد الخطوب بالشَّهم عقلا
وإذا ما محت أعاجيب شكلٍ / أثْبَتَت من عجائب الدهر شكلا
قد أكلت الزَّمان حلواً ومرًّا / وشربت الأيام خمراً وخلاّ
وأَبَتْ لي أُبوَّتي إنْ أُداري / معْشراً من مدارك الفضل غفلا
لا أُداري ولا أُمالي ولا أش / هدُ زوراً ولا أُبدِّلُ نقلا
قد كفاني ربِّي استماحة قومٍ / أشربوا في الصُّدور غِلاًّ وبخلا
بأبي القاسمِ الَّذي طابَ في النَّا / س نِجاراً وطابَ فرعاً وأصلا
وإذا عَدَّدَتْ بنيها المعالي / كانَ أعلى بني المعالي محلاّ
فخر آل الزهير والجبل الباذخ / أضحى على الجبال مُطلاّ
ظلَّ من يستظلّ بظلٍّ / لا عدمناه في الأَماجد ظِلاّ
كلَّ يومٍ وكلَّ آنٍ لديه / يجتدي سائل ويبلغ سؤلا
بأبي وافر العطايا إذا ما / أكثرَ النَّيل بالعطاء استقلاّ
وعيال ذوو العقول عليه / في أُمور تدقّ فهماً وعقلا
عصمة للأفكار من خطأ الرأ / ي وهادٍ للفكر من أن يضلاّ
نوَّر الله منك قلباً ذكيًّا / ظُلَمُ الشَّكّ فيه لا شكَّ تجلى
غادر المحل في أياديه خصباً / في زمان يغادر الخصب محلا
كم أيادٍ تلك الأَيادي أفاضت / وأسالت من وابل الجود سيلا
سابق من يجيء بالفضل بَعْداً / لاحقٌ بالجميل من كانَ قبلا
شَهِدَ اللهُ والأنام جميعاً / أنَّه الصَّارم الَّذي لن يُفلاّ
إنْ تُجرِّده كاشفاً لِمُلِمٍّ / فكما جرَّدَت يمينك نصلا
وعلى ما يلوح لي منه مرأًى / قَرَأَ المجدُ سَطْرَه واستملاّ
يا حُساماً هززته مشرفيًّا / صَقَلَتْهُ قيْنَ المروءة صقلا
مِن جليلٍ أعزَّك الله في العا / لم قدراً سما فعزَّ وجلاّ
أيّ نادٍ ولم يكنْ لك فيه / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
قد حكيت الشّمّ الرَّواسي وقاراً / وثباتاً في الحادثات ونبلا
وبنات الأَفكار لم ترضَ إلاَّ / كُفؤها من أكارم النَّاس بعلا
أيُّها المُنعم المؤمَّل للفضل / حباك الإِله ما دمت فضلا
أَلْبَسَتْني نعماك من قبل هذا / جِدَّةً من مفاخر ليس تبلى
كلّ يومٍ تراك عيناي عيدٌ / عند مثلي ولا أرى لك مثلا
فإذا قلتُ في ثنائك قولاً / قيلَ لي أنتَ أصدق النَّاس قولا
فبما نعمةٍ عليَّ وفضلٍ / أثقَلَتْني أيديك بالشُّكر حملا
لا يزال العيد الَّذي أنتَ فيه / عائداً بالسُّرور حَوْلاً فَحَوْلا
هذه يا صاحِ أوقاتُ الهنا
هذه يا صاحِ أوقاتُ الهنا / وبلوغ النفس أقصى الأَملِ
جَمَعَتْ من كلِّ شيءٍ أحسنا / لذَّةً في غيرها لم تكمُلِ
فخذا من عيشنا صفوَتَهُ / بكؤوسِ الرَّاح والسَّاقي مليح
بين روضٍ آخذٍ زينَته / ولسانِ البَمِّ والزِّير فصيحْ
ضَرَّجَ الوَردُ بها وجنَتَه / والشَّقيقُ الغضّ إذ ذاك جريحْ
تحسبُ النرجسَ فيها أعيُنا / شاخصات نحونا بالمقَلِ
مال غصنُ البان تيهاً وانثنى / في هواها مَيَلانَ الثمِلِ
مرْبَعٌ للَّهْو منْذُ انتظما / أطْرَبَ الأَنْفُسَ في رَوْح وراحْ
ما بكاه القطر إلاَّ ابتسما / لبكاهُ بثغور من أقاحْ
وَشَدَتْ في الدَّوح وَرقاء الحمى / ما على الوَرقاء في الشَّدو جناحْ
مغرمٌ ليس له عنه غنى / حين يُملي رجزاً في زَجَل
وَلَقد أصغى إليها أذناً / فشَجَتْ قلبَ الخلي دونَ المَلي
زادَنا لحن الأَغاني طَرَباً / خبراً يطرِبُنا عَنْ وَتَرِ
والأَماني بلغَتْنا أرَباً / فَقَضَيْناها إذَنْ بالوطرِ
ونَظَرنا فقَضَيْنا عجباً / تطلع الشَّمس بكفّ القمرِ
في ليالٍ أظْفَرتنا بالمنى / وكؤوسِ الرَّاح فيها تنجلي
تُذْهِب الهمَّ وتنفي الحزنا / بنشاطٍ مُطْلَقٍ من كَسَلِ
بحياة الطاس والكاس عليكْ / نَزِّه المجلسَ من كلِّ ثقيلْ
وتحكَّم إنَّما الأَمرُ إليك / ولكَ الحكمُ ومن هذا القبيلْ
كيف لا والكأس تسقى من يديكْ / ما على المحسن فيها من سبيلْ
ولكَ الله حفيظاً ولنا / حيثما كنتَ وما شئتَ افعلِ
واجرِ حكمَ الحبّ فينا وبنا / أنْتَ مرضيٌّ وإنْ لم تَعْدِلِ
حبذا مجلِسُنا من مجلسِ / جامعٌ كلَّ غريبٍ وعجيب
نغمُ العودِ وشعر الأخرس / ومحبٌ مستهامٌ وحبيب
يتعاطون حياةَ الأنفسِ / في بديع اللفظ والمعنى الغريب
بابليّ السحر معسول الجنى / أين هذا مشتيارِ العسَلِ
وإذا مرَّ نسيمٌ بيننا / قلتُ هذا ويحكم من غَزَلي
آهُ ممَّن ساءني في نُسْكِهِ / ويَراني حاملاً عِبءَ الذُّنوب
قد عَرَفنا زَيْفَه في سبكه / فإذا كلُّ مزاياه عيوبْ
قال لي تُبْتُ وذا من إفكه / أنا لا والله لا أرضى أتوبْ
عن مليحٍ صَرَّحَتْ عنه الكنى / توبة في حبّه لم تُقْبَلِ
وإذا ساءَ غيورٌ أحْسَنا / بحميّا رشفاتِ القبلِ
أتْرُكِ المغبَقَ والمصطَبحا / زَمنَ الوردِ وأيَّامَ الرَّبيعْ
بعدَ أنْ أغدو بها منشرحاً / كيف أصغي لعذولي وأطيعْ
إنْ أطع في تركها من نصحا / فلقَدْ جئت لعمري بشنيعْ
فأدِرْها وانتَهب لي زمناً / بحلول الشمسِ برج الحملِ
وأرخني إنَّما ألقى العنا / من خليلٍ مغرم بالعذلِ
أجْتلي الكاساتِ تَهوي أنجما / ولها فينا طلوعٌ ومغيبْ
وأرى أوقاتها مغتنماً / وإليها رحتُ ألهو وأطيبْ
لم أُضِعْها فرصةً لا سيما / في ختانِ الغُرِّ أبناءِ النقيبْ
عَلَويّ الأصلِ عُلويّ الثنا / سيّد السادات مولانا علي
الرفيعُ القدرِ والعالي البنا / مستهلّ الوبل عذب المنهلِ
ابنُ بازِ الله عبد القادر / عَلَم الشرقِ وسلطانُ الرّجالْ
لم يزالوا طاهراً من طاهرِ / فَهُمُ الطهْرُ على أحسنِ حال
وهُمُ في كلّ وقت حاضر / في جمالٍ مستفاضٍ وجلالْ
يلْحظونَ السَّعد يَغْشون السَّنا / يَلْبَسون الفخرَ أسنى الحُلَلِ
لهم التشبيهُ في هذي الدُّنا / ملَّةُ الإسلام بينَ المللِ
لأُوَيقاتِ زمانٍ الاعتدال / قدْ تَحَرَّيْتُم وما أحراكُمُ
لختان النُّجبِ البيضِ الفعال / الميامينِ وما أدراكُمُ
فلَقَد أرَّخه العَبدُ فقال / آلَ بيت المصطفى بشراكمُ
بختانٍ في سرورٍ وهَنا / دائمٍ بالوصلِ لَمْ يَنْفَصل
وبحمدِ الله قد نلنا المنى / وظفرنا منكُم بالأَملِ
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا
عفَتِ المنازلُ رقَّةً ونُحولا / فاحبس بها هذي المطيَّ قليلا
وأرِق دموعك إنَّما هي لوعةٌ / بعثَتْ إليك من الدموع سيولا
وابكِ المعالم ما استطعتَ فربَّما / بلَّ البكاء من الفؤاد غليلا
واستجدِ ما سمح السَّحاب بمائه / إنْ كانَ طرفك يا هذيم بخيلا
يا ناق ما لَكِ كلَّما ذُكِرَ الغضا / جاذَبْتِ أنفاسَ النسيم عليلا
إنَّ الَّذين عهدت في أجزاعها / أمست ظعوناً للنوى وحمولا
جُمَلٌ من العبرات يوم وداعهم / فصَّلتها لفراقهم تفصيلا
وكأَنَّ دمعَ الصّبّ صَوبُ غمامةٍ / يسقي رسوماً نُحَّلاً وطلولا
يا منزلَ الأَحباب أينَ أحبَّة / سارت بهم قبّ البطون ذميلا
راحوا وراحَ رداء كلّ مفارق / تلك الوجوه بدمعه مبلولا
ومضت ركائبهم تُقِلُّ جآذراً / يألَفْنَ من بيضِ الصَّوارم غيلا
عرضت لنا والدَّمع يسبق بعضه / بعضاً كما شاءَ الغرام مسيلا
ويلاه من فتكات أحداق المها / مَلأَتْ قلوبَ العاشقين نصولا
لولا العيون النجل لم تلقَ امرأً / يشكو الجراح ولا دماً مطلولا
يا أختَ أمِّ الخشف كيف تركته / يوم الغميم متيَّماً متبولا
أورَدْتَه ماءَ العيون صبابةً / ومَنَعْتَ خَمرَ رضابكَ المَعْسولا
هلاّ بعثتَ له الخيالَ لعلَّه / يرتاح في سِنَة الكرى تخييلا
وكَّلْت بالدّنف الضنى لك شاهداً / وكفى بذلك شاهداً ووكيلا
ولقد علمت ولا إخالُك جاهلاً / إنَّ العذولَ بهنَّ كانَ جهولا
ما لاحَ ذيَّاك الجمال لعاذلٍ / إلاَّ وكانَ العاذل المعذولا
ضَلَّ العذولُ وما هدى فيما هذى / بلْ زادني بدعائه تضليلا
كيف السبيل إلى التصابي بعدما / قد قاربَ الغصنُ الرَّطيبُ ذبولا
أسفاً على أيَّام عمر تنقضي / كَدَراً وتذهب بالمنى تأميلا
وبنات أفكارٍ لنا عربيَّةٍ / لا يرتضين سوى الكرام بعولا
وإذا نهضتُ إلى الَّتي أنا طالب / في الدَّهر أقعدني الزَّمان خمولا
سأروع بالبين المطيّ ولم أبَلْ / أذهَبْنَ كدًّا أمْ فَقَدنَ قفولا
وأُغادر النجب الكرائم في السّرى / تغري حزوناً أقفَرَتْ وسهولا
لا تعذليني يا أُميم على النَّوى / فلَقَدْ عزَمْتُ عن العراق رحيلا
ما بين قومك من إذا أمَّلْته / ألفيت ثمَّةَ نائلاً ومنيلا
وتقاصرت همم الرجال وأصبَحتْ / فيهم رياض الآملين محولا
تأبى المروءة أن تراني واقفاً / في موقفٍ يَدَعُ العزيز ذليلا
أو أنَّني أرضى الهوان وأبتغي / بالعزّ لا عاش الذَّليل بديلا
صبراً على هذا الزَّمان فإنَّه / زمَن يُعَدُّ الفضل فيه فضولا
لولا جميلُ أبي جميل ما رأت / عيناي وجه الصَّبر فيه جميلا
أهدي إليه قلائداً بمديحه / كشفت قناع جمالها المسبولا
فأخال ما يطربنه بنشيدها / كانت صليلاً في الوغى وصهيلا
ويميل من كرم الطباع كأنّما / شرِبَتْ شمائله المدام شمولا
ذو همَّة بَعُدَتْ فكان كأَنَّه / يبغي بها فوق السَّماء حلولا
لو لم يكنْ في الأرض من أعلامها / كادَتْ تميل بأهلها لتزولا
الصادق العزمات إن ريعت به / الأَخطار قطع حبلها الموصولا
لا آمن الحدثان إلاَّ أن أرى / بجوار ذيَّاك الجناب نزولا
إنِّي اختبرت جنابَهُ فوجدْتُهُ / ظِلاًّ بهاجرة الخطوب ظليلا
وإذا تَغَيَّرتِ الحوادث بامرئ / لا يقبل التغييرَ والتبديلا
قَصرت بنو العلياء عن عليائه / ولوَ انَّها تحكي الشوامخ طولا
كم شاهد الجبَّار من سطوته / يوماً يروع به الزَّمان مهولا
في موطنٍ لم يتَّخذ غير القنا / والمشرفيَّة صاحباً وخليلا
إنَّ شيمَ شيَم الغيث أو مضَى برقه / أو ريع كانَ الصارم المسلولا
وإذا أتيتَ إلى مناهل فضله / لتنال من إحسانه ما نيلا
تلقى قؤولاً ما هنالك فاعلاً / يا قلَّ ما كانَ القؤول فعولا
وإذا مضى كرماً على أمواله / كانَ القضاء بأمره مفعولا
ما زال برًّا بالعُفاة ومسعفاً / بل مسرعاً بالمكرمات عجولا
وإذا سألتُ مكارماً من ماجد / ما كانَ غير نوالك المسؤولا
ولقد هَزَزْتُكَ للجميل فخِلْتَني / أنِّي أهزُّ مهنَّداً مصقولا
تالله ما عُرِفَ السَّبيل إلى الغنى / حتَّى وَجَدْتُ إلى عُلاك سبيلا
وإذا سألتُ سواكَ كنت كأنَّني / أبغي لذاتك في الأنام مثيلا
قسماً بمجدك وهو أعظم مقسمٍ / يستخدم التعظيم والتبجيلا
لو كنتَ في الأُمم المواضي لم تكنْ / إلاَّ نبيًّا فيهم ورسولا
إنَّ الَّذي أعطاك بين عباده / قدراً يجلّ عن النظير جليلا
أعطاك من كرم الشَّمائل ما به / جُعِلَتْ ذكاء على النهار دليلا
أطلَعْتَ من تلك المكارم أنجُماً / لم تَرْضَ ما أفل النجوم أُفولا
عَلِقَتْ بك الآمال من دون الورى / يوماً فأدْرَكَ آملٌ مأمولا
ورجوتُ ما ترجى لكلِّ ملمَّةٍ / فوجَدْتُ جودك بالعطاء كفيلا
ولك اليد البيضاء حيث بسطتها / تهب العطاء الوفر منك جزيلا
ولوَ انَّني استسقيت وابل دِيمَةٍ / لم تُغنيني عن راحتيك فتيلا
هي مَوْرِدٌ للآملين ومنهل / دعني أفوزُ بلثمها تقبيلا
فلأنشُرنَّ عليك غُرَّ قصائدي / ولأشكرنَّك بكرةً وأصيلا
ومن الثناء عليك في أمثالها / لم يَبْقَ قولٌ فيك إلاَّ قيلا
عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ
عليكَ دُموعُ العَين لا زال تَنْهَلُّ / وَوَجْدي بكم وَجْدَ المفارقِ لا يَسْلو
وها أنا من فقدانكم ما دَجا ليل / أبيتُ ولي وَجْدٌ حرارته تعلو
ودمعٌ لي في عارضي عارض هطلُ /
شُغِلْتُ بهذا الوجد قلباً مجدَّدا / ولم أرَ لي من شاغل الدَّمع منقذا
إلامَ أُعاني ما أُعانيه من أذى / وأطوي على جمرٍ وأُغْضي على قذى
وأُشغِلُ أعضائي وقلبي له شغلُ /
أُقضِّي نهاري في عسى ولربَّما / وأبكي عليكم كلّ آونةٍ دَما
وإنِّي وعيشٍ فيكم قد تصرَّما / إذا اللَّيل وافى ضِقْتُ ذرعاً إلى الحمى
وفاضت شؤون ليس يعقِلُها عَقْلُ /
شَجاني حَديثٌ بالبَوار مُصَرِّحُ / وأوْضَحَ لي حالَ الرُّصافةِ مُوضح
فمن ثَمَّ إنْ يُفضِحْ وللشوقِ مفصح / حَداني إلى الزَّوراء شوق مبرِّح
فلماذا الَّذي حَدَّثَتْ عن حالها سهل /
وقالوا نَبَتْ لكنْ بأرباب فضلها / وجارَتْ على أشرافها بعد عدلها
فقلتُ ولا مأوًى إلى غير ظلّها / إذا ما نبت دارُ السلام بأهلها
فلا جبلٌ يؤوي الكرام ولا سهل /
على ما أُصيبَت من عظيم مصابها / وما آذَنَتْ أحداثها بخرابها
فلا ظِلَّ إلاَّ في فسيح رحابها / وإنْ قَلُصَ الظلّ الَّذي في جنابها
فأين من الرَّمضاء في غيرها ظلّ /
أَيُعْرَفُ خفضُ العيش إلاَّ بخفضها / وفيض النمير العذب إلاَّ بفيضها
لئنْ أجْدَبَتْ يوماً فهل مثل روضها / وإنْ نَضِبَ الماء النمير بأرضها
فأيّ شراب في سواها لنا يحلو /
رعى الله ماضي عَهديَ المتقادمِ / ببغدادَ في رغدٍ منَ العَيش ناعمِ
وفي الكرخِ جاد الكرخ صوبُ الغمائمِ / ديارٌ بها نيطَتْ عليَّ تمائمي
قديماً ولي فيها نما الفرع والأَصلُ /
يكلِّفُني عنها النَّوى فوقَ طاقتي / فسُكري بتذكاري بها وإفاقتي
منازلُ أحبابي ومنشا علاقتي / بها سَكني في رَبعها الخصب ناقتي
بها جَملي يرغو بها قِيمتي تغلو /
تَذكَّرْتُ أحباباً لأيَّامِ جَمعها / ولم يَصْدَعِ البينُ المشتُّ بصَدْعها
فآهاً على وصلي لها بعد قطعها / ألا ليتَ شعري هل أراني بربعها
مقيماً وبالأَحباب يجتمع الشمل /
عفا ربعها من رَسْمِه وطلوله / وأضحى هشيماً روضها بمحوله
فيا هلْ يروِّيها الحيا بهموله / وهل روضها يخضرُّ بعد ذبوله
ويهمي على أوراقه الوبل والطّلّ /
لقد شاقني منها كرامٌ أماجدُ / مشاهِدُهم للعالمين مقاصِدُ
فهلْ أنا في تلك المقاعد قاعد / وهل أنا في يوم العروبة قاصد
لحضرة بازٍ شأنها الفصلُ والوصلُ /
وهل أنا يوماً ظافرٌ بمقاصِدي / فمكرمُ أحبابي ومكبتُ حاسِدي
وأجري مع الإِخوان مجرى عوائدي / وهلْ كلّ يوم لاثم كفَّ والدي
أبي مصطفى ذي همَّة أبداً تعلو /
وهلْ علماءٌ طبَّقَ الأرض علمُهُمْ / وحَيَّرَ أفهام البريَّةِ فَهْمُهُمْ
تَقَرّ بهم عيني وينجاب غمّهم / وهل أدباء الجانبين يضمّهم
وإيَّاي طاقٌ نقله الأَدب الجزل /
فأَغدو ولا كانَ التفرُّق لاقيا / وجُوهاً عليها قد بَلَلْتُ المآقيا
بطاقٍ رقى فيمن حواه المراقيا / وذلك طاقُ الشّهم لا زال باقيا
له العَقْد في أرجائه وله الحلّ /
وهل يُرِيَنِّي مُصبِحاً كلّ منجب / وخوَّاض أغمارِ الخطوب مجرّب
وكلّ فتًى عذب الكلام مهذّب / وهل يرينّي ذاهباً بعد مغرب
لتكيّة شيخِ العصرِ مَن جَوْرُه العَدل /
بناها لأشياخٍ قرارة عِزِّهم / وصَدَّرَهم فيها ولاذَ بحرزهم
وإنْ كانَ لم يفقه إشارة رمزهم / ففيها صدورٌ لازموه لعجزهم
وما ظعنوا بالسير عنه وقد كلّوا /
بَلَوّنا سراها بعد إصرام حبلها / فكان من البلوى تعذُّرُ مثلها
ديارٌ عَرَفنا بعدها كنه فضلها / سلام على تلك الديار وأهلها
فهم في فؤادي دائماً أينما حلّوا /
يَروقُ لعَيْني أنْ تكونَ جلاءها / وتشتاقُ نفسي أرضَها وسماءها
ومن قال أسلو ماءها وهواءها / فوالله لا أسلو هواها وماءها
إذا كانَ قلبي عندها فمتى أسلو /
أحبَّتَنا مِنِّي السلامُ عليكمُ / إذا نُشِرَتْ صحفُ الغرام لديكمُ
أحبَّتنا والدهرُ أبعد عنكمُ / أحِبَّتنا هلْ من وُصولٍ إليكمُ
فقد تعبت بيني وبينكم الرسل /
تناءيت عنكم والهوى فيكم معي / كأنْ لم أكنْ منكم بمرأىً ومسمع
وقد طالَ بُعدي عن دياري وأربعي / ألا هِمَّةٌ تُرجى ووصلٌ مُرجّعي
لديكم إذا شئتم به اتصل الحبل /
أحِبَّتنا أصبو إلى حسن قولكم / وإنْ ذُقْتُ فيه المُرَّ من حُلو عذلكم
أحِنُّ لمغناكم وسامي محلكم / وإنّي بناديكم على سوء فعلكم
أرى أبداً عندي مرارته تحلو /
سألتُ إلهاً لم أخِبْ بسؤاله / بلوغَ المنى من فضله ونواله
وأدعو دعاءَ العيد عند ابتهاله / وأسأل ربي بالنبيّ وآله
يسهّل عَودي نحوكم وله الفضل /
سقاكِ الحيا من أَرْبُعٍ وطلولِ
سقاكِ الحيا من أَرْبُعٍ وطلولِ / وحَيًّاك منه عارضٌ بهَطولِ
وجادَ عليكِ الغيثُ كلَّ عشيَّةٍ / تسيل الرُّبا من صوبه بسيول
عفا رسمُ دارٍ غيَّرَ النَّأْيُ عهدها / فطالَ بكائي عندها وعويلي
وقفتُ بها أستنزفُ العينَ ماءهَا / بمُنْسَكِبٍ من مدمعي وهمول
وأشكو غليلَ الوجد في عَرَصَاتها / وما لي فيها ما يبلُّ غليلي
إلامَ أُداري مهجةً شفَّها الهوى / بريَّا صباً من حاجرٍ وقبول
وأكتمُ وجدي عن وُشاتي وعُذَّلي / وأُخفي الجوى عن صاحبي وخليلي
وقد عَلِمَ الواشون بالحبِّ أنَّني / أطعْتُ غرامي إذ عَصَيْت عذولي
أَلا مَن لقلبٍ لا يقرُّ من الجوى / وجَفْنٍ لتسكابِ الدُّموع مذيل
وما هاجني إلاَّ وميضٌ أشِيمه / كما لاحَ من ماضي الغرار صقيل
يذكِّرني ما لستُ أنساه في الغضا / هبوبَ شمالٍ في مدار شمول
فواهاً لأيَّام قَضَيْتُ ومربعٍ / سَحَبْت عليه بالسّرور ذيولي
وصهباءَ يسقيها مليحٌ تَلَذُّ لي / بأحوى غضيض الناظرين كحيل
وقد نظمَتْ فيها الحبابُ كواكباً / وزَرَّتْ عليها الشمس ثوبَ أصيل
فهل يرجع الماضي من العيش في الحمى / ويخضرُّ عُود اللَّهو بعد ذبول
أَحِنّ إلى عهد الشَّباب وطيبه / وحَيٍّ بأحناء الضلوع نزول
مصارع عشَّاقٍ ومغنى صبابة / وكم في الحمى من مصرعٍ لقتيل
أَحِبَّتنا هلْ من رسولٍ إليكم / وهل مبلغ عنِّي الغرام رسولي
جَفَوتم فأكثرتم جفاكم على النوى / ألا فاسمحوا من نيلكم بقليل
فعندي من الأَشواق ما لو أبُثُّه / عَرَفْتُم بأشراكِ الفتون حصولي
ذُهِلْتُ بكم عَن غيركم بغَرامِكم / وفيكم لعَمري حَيْرتي وذُهُولي
سأَطلبُ أسباب العُلى ولوَ انَّها / بأَنياب آسادٍ ربضنَ بغيل
ولستُ بناءٍ عن منًى وركائبي / ضوامنُ في إزعاجها بوصول
أُسَيِّرها ما بينَ شرقٍ ومغربٍ / وما بينَ وَخْدٍ مزعجٍ وذميل
وإنِّي وإنْ لم آمن الدهر خطبه / وما أَمنَ الأَيَّام غير جهول
وأنهضُ أحياناً إلى ما يريبني / وإنْ غَرَّ بعض الجاهلين خمولي
حمول لأعباء الخطوب بأسرها / ولكنَّني للضيم غير حمول
وما ذلَّ في الدُّنيا عزيزٌ بنفسه / ولا عاشَ حرُّ القوم عيش ذليل
ترفَّعْتُ عن قوم زهدتُ بودّهم / وما هُمْ بأمثالي لا بشكولي
وحاولْتُ عزّ النَّفس بالصَّدّ عنهم / وما كنتُ إلاَّ في أعزّ قبيل
وما سرَّني إلاَّ جميل محمَّد / وليسَ جميلٌ بعد آل جميل
تظلَّلْتُ من بين الأنام بظلِّه / فأصْبِحْتُ في ظلٍّ لديه ظليل
ظفرتُ بهم غرَّ الوجوه أماجداً / بكلِّ جليل القدر وابن جليل
يخبّر سيماهم بغرِّ وجوههم / إذا بَزَغَتْ عن مجده بأَثيل
ويُشْرِقُ من لألاء صبح جبينهم / شموسُ معالٍ لم تُرَعْ بأفول
لئنْ أتَتِ الدُّنيا بأمثال غيرهم / فهيهات أنْ تأتي لهم بمثيل
فمن برِّهم نيلي مكارم برّهم / فأكرمْ به من نائلٍ ومنيل
مناجيبُ لم يدنس من اللُّؤم عرضهم / ولا عَلِقَتْ أُمٌّ لهم ببخيل
فروعٌ تسامت للمعالي وأفْرَعَتْ / بطيبِ فروعٍ قد زكَتْ بأُصول
يُصيخون للدَّاعي إلى كشف ضرّهِ / لدى كلِّ خطبٍ في الخطوب مهول
فمنْ كلِّ سمَّاعٍ مجيبٍ إلى النَّدى / سريع إلى الفعل الجميل عَجول
وكمْ نازل مثلي بساحة حيِّهم / أَقامَ ولم يُؤْذنْ له برحيل
أَراشوا بني عبد الغنيّ جناحَه / فأثرى بمالٍ ما هناك جزيل
وأصْبَحَ ذا جاهٍ عزيزٍ بجاههم / عريضٍ على عرض الزَّمان طويل
شكرتهُم شكر الرياض يدُ الحيا / بأصدقِ قالٍ بالثناءِ وقيل
وأثْنَتْ عليهمْ بالجميل عوالمٌ / فمن مقصرٍ في مدحِهِم ومطيل
وما زالَ لي من جود كفِّ محمَّد / رواءُ غليل أو شفاءُ عليل
فتًى شغلَ الدُّنيا بحُسن ثنائه / وقامَ له بالفضل ألْفُ دليل
من القوم يهديهم إلى ما يسرُّهم / مداركُ أفكار لهم وعقول
سليل المعالي وابنها ونِجارها / فبُورِك من زاكٍ زكا وسليل
ظفرت به دون الأنام بماجدٍ / قؤولٍ بما قالَ الكرام فعول
ألا بأبي من قد هداني لبرّه / وأوْضَحَ في نَهْجِ العلاء سبيلي
تقال لديه في المكاره عَثْرتي / وفي ظلِّه عند الهجير مقيلي
أرى جُمَل الإِحسان والخير كلَّه / مفصَّلة في ذاتكم بفصول
رفعْتُمْ برغم الحاسدين مكانتي / فمنزلتي فوقَ السُّها ونزولي
إذا غبتُ عنكم أُبتُ من بعد غيبتي / وكانَ إليكم أوْبَتي وقفولي
سَموْتُم بحمد الله أبناء عصرِكم / وكنتُمْ بهذا الجيل أكرم جيل
رعى الله من يرعى الوداد وأهْلَهُ / وليسَ له فيه تلوُّن غول
إليكم بني عبد الغني قصيدةً / من الشّعر تحكي دقَّتي ونحولي
أُبشِّر بالإِقبال نفسي وبالمنى / إذا وَقَعَتْ من لطفكمْ بقبول
وَعَدْتنَّ طَرفي بالخيالِ وِصالا
وَعَدْتنَّ طَرفي بالخيالِ وِصالا / وإنجازُكُنَّ الوَعْد كانَ مطالا
وإنِّي لأرضى بالأَماني تَعِلَّةً / وأَقنعُ ما كانَ الوصال خيالا
فبتُّ أُذيلُ الدمع ينهلُّ صَوْبَه / وما زال دمع المستهام مذالا
وفي القلب من نار الجوى ما يذيبه / كأَنَّ به ممَّا أَجِنُّ ذبالا
ولي كبِدٌ حرَّى تَودُّ لوَ انَّها / تصادف من ريّ الحبيب بلالا
وأنتِ شِفائي يا أُميمُ وإنَّني / أُعالِجُ داءً في هواكِ عضالا
فليتك يوم الجزع كنتِ عليمةً / بما قلتُ للاّحي عليكِ وقالا
ويومٍ كحَرِّ القلبِ من أَلم النوى / تَفَيَّأْتُ من سُمر الرِّماح ظلالا
ببيداء لا تُهدى القطا في فجاجها / ولا وطئت فيها السَّماءُ رمالا
فآنَسَني فيها ادِّكارُكَ والأَسى / يحضُّ عليك الدَّمعَ أنْ يتوالى
ولم أَنْسَ إدلاج الرفاق بليلةٍ / يَضِلُّ بها النجم السبيلَ ضلالا
وقد سام فيها النوق سلوانها الغضا / ألا لا تَسُمْهُنَّ السلوَّ ألا لا
نَهَضْنَ بنا في المنجبات خفائفاً / تَحمَّلنَ أعباءَ الهموم ثقالا
فظلَّتْ ترامى بالرِّجال تَوَقُّصاً / وتَنْحَطُّ من تحت الرِّجال كلالا
ولم تَدْرِ من فتيان عدنان أنَّها / حَمَلْنَ رِجالاً أمْ حَمَلْنَ جبالا
إذا ذَكَرَتْ في الأَبرقين مُناخَها / كما هِجْتَ في البيد القفار رئالا
أَما وفناءِ البيت يسمو ومن سعى / إليه وقد حثَّ المطيَّ عجالا
لئنْ بلَّغَتْني ما أُحاوِلُ ناقتي / وَرَدْتُ بها ماءَ العُذَيب زلالا
ونَشَّقْتُها رنْدَ الحمى وعَرارَهُ / يَضوعان ما مرَّ النَّسيمُ شمالا
ودارٍ أناخَ الركب فيها مطيَّهم / فكانت لهم تلك الرسوم عقالا
فظَلَّ بها سعدٌ يكرُّ بطرفه / إليها ويسقيها الدُّموع سجالا
تُسائِلُ رسمَ الدَّار عن أُمَّ سالمٍ / فهلاَّ أَفادتك الدِّيار سؤالا
ألا بأبي سِرْباً تَنافَرُ عينُه / يميناً على رغم الهوى وشمالا
فما لمحت عيني بعدُ غزالةً / ولا اقتنص اللَّيث الهصور غزالا
وما بالكنَّ اليوم إذ شابَ مفرقي / وأصبحَ حظِّي عندكنَّ وبالا
هجرتنَّني هجر الشَّبيبة بعدما / أَظَلَّ بها ظلُّ الشَّباب وزالا
وقد كانَ منكنَّ الصُّدود على الهوى / دَلالاً فأَمسى صدُّكنَّ ملالا
مضى زَمَنٌ يا قلبُ ليس براجعٍ / نَعِمْتُ به قبلَ المشيبِ وصالا
فلا تطلبنَّ الماضيات تصرَّمَتْ / فليس بحالٍ أنْ تسُرّك حالا
وإنَّكَ إنْ حاوَلْتَ حرًّا تصيبه / تطلَّبْتَ من هذا الزَّمان محالا
أَقِمْ في ذُرا عبد الغنيّ وإنْ تَشأْ / فسَرِّحْ إليه أنيقاً وحمالا
فما لبني الحاجات عن فضله غنًى / وحَسْبُ الأَماني موئلاً ومآلا
متى تقصر الأَيدي عن الجود والنَّدى / وجَدْتَ أَياديه الطوال طوالا
إباءٌ يضيم الضَّيم وهو ممنّع / ويَصْفَعُ من ريب الزَّمان قذالا
فلو أنْصَفَتْه الأنجُم الزهر قبَّلَتْ / وحقّك أقداماً له ونعالا
عليك به طوداً من المجد باذخاً / وكم طاول المجد الأَثيل فطالا
بأَصدق من أَلقى المقالة لهجة / إليك وأَعلى من رأَيت فعالا
رحيب فناء العزّ ما ضاقَ ذرعه / إذا ضاقَ ذرعاً غيره ومجالا
وما ولدت أُمُّ اللَّيالي بمثله / وإنَّ اللَّيالي لو نَظَرْتَ حبالى
من القوم كانوا والحوادث جمَّة / سُيوفاً حِداداً أُرْهِفَتْ ونصالا
يكفُّون للرزء المبرِّحِ أيدياً / إذا جالَ يوماً بالخطوب وصالا
تبارك من أعطاه بالنَّاس رأفةً / يرقّ بها سبحانه وتعالى
فيا طالباً يمَّمتُه فبلغته / لأَبلغ جاهاً من لَدُنْه ومالا
فأَقبلَ إقبال السَّحاب بجوده / عليَّ فأمرى ماءه وأسالا
وإنِّي إذا قلتُ القريضَ بمدحه / لأصدقُ من قال القريض مقالا
مغيثي إذا قلَّ المغيثُ وناصري / وإنْ عَثَر الجدُّ العثور أقالا
لسانك والعضب اليمانيّ واحدٌ / إذا أقصرت عنه الفحول أطالا
وما لك ندٌّ فيهم غير أنَّني / رأيتُ لك البدرَ المنير مثالا
وتلك سجاياك الَّتي أنتَ نِلتَها / لقد أُبْعِدَتْ عن حاسديك منالا
تغيَّرتِ الدُّنيا وقد حال حالها / وما غيَّرتْ منك الحوادثُ جالا
ومن ذا الَّذي يُرجى سواك ويتَّقى / نزالاً لعمري تارةً ونوالا
لديك أبا محمود نلتمس الغنى / جميعاً ولم نبرح عليك عيالا
وما نحن إلاَّ من نوالك سيِّدي / كما أُمطِر الربعُ المحيلُ فسالا
ومنك ولم تبخل وإنَّك قادرٌ / تَمنَّى الدراري أنْ تكون خصالا
إذا هتف الدَّاعي باسمِكَ فلتكن / لملتمسٍ يبغي جميلك فالا
ملأْتَ قلوب العارفين بأسْرِها / جَلالاً وعين الناظرين جمالا
إليكَ ولا منٌّ عليك قوافياً / إذا أُمْلِيَتْ للبان طال ومالا
ولي فيك من حُرّ الكلام وصفْوِه / قصائدُ تروي عن علاك خلالا
فكانت على جيد الزَّمان قلائداً / تلوح وفي بعض القلوب نبالا
تريك مراء القول فيما تقوله / حراماً وسحرَ البابليّ حلالا
كادَ أنْ يَقضي سَقاماً ونحولا
كادَ أنْ يَقضي سَقاماً ونحولا / إذ عصى في طاعة الحبّ العذولا
دنفٌ لولا هواكم ما شكا / كَبداً حرَّى ولا جسماً نحيلا
علم العاذل ما لاقى بكم / يوم أَزْمَعْتُم وإنْ كانَ جهولا
من صباباتٍ أَذابَتْه أسًى / وغرام أَهرَقَ الدَّمع همولا
وصبابات الهوى قد سَوَّلَتْ / لدموعي في جفاكم أن تسيلا
لا أرى الصَّبر جميلاً عنكم / ومحال أن أرى الصبر جميلا
قد ذكرناكم على شحط النوى / فانثنينا عند ذاك الذكر ميلا
يا لها ذكرىٍ أهاجت لوعة / أخَذَتْ منِّي الحشا أخذاً وبيلا
هبَّتِ الإرواح من أحيائكم / فانتشقناها شمالاً وقبولا
فكأنَّا بالصّبا حينئذٍ / قد شربناها من الراح شمولا
يا رفيقيّ وهل من مُسْعدٍ / لعليل يشتكي طرفاً عليلا
بلّ كُميّه من الدَّمع وما / بلّ من أحشائه الدَّمع غليلا
لامني العاذل جهلاً بالهوى / وغدا الناصر في الحبّ خذولا
أنا لولا شغفي فيكم لما / وَجَدَ الّلاحي إلى العذل سبيلا
ما على اللاّئم من مستغرم / يعشق السالف والخدَّ الأسيلا
راح يُلقي لقيَ السُّوءِ على / مَسْمَعي في عذله قولاً ثقيلا
ليتني قبل الهوى لم أتّخِذْ / ساحر الطرف من السرب خليلا
لست أدري إذ رَنَتْ ألحاظهم / ألِحاظاً أرْهَفوها أم نصولا
ظعن الحيُّ وأضحى حبُّهم / يسأل الأرْسُمَ عنهم والطلولا
ليت شعري أين سارت عيسُهم / تقطعُ البيداء وَخْداً وذميلا
ويعاني ما يعاني بعدَهُم / زفرةَ الأشواق والحزنَ الطويلا
ساهرُ المقلة في الوجد فما / يطعم الغمض به إلاَّ قليلا
أمَروا بالصبر عنهم ولكم / لُذْتُ بالصَّبر فما أغنى فتيلا
صاحبي أَنت خبيرٌ بالهوى / أترى مثل الهوى داءً قتولا
عارضٌ منن عَبرة أهرقْتُها / روَّضَتْ رَوْضَ جوىً كانَ محيلا
إن أردْتُم راحة الروح بكم / فابعثوا الريح إلى روحي سبيلا
وأعِدْها مرَّةً ثانيةً / يا نسيماً هيّج الوجد بليلا
عَلِمَ الله بأنِّي شاعر / لم أقل زوراً ولم أمْدَحْ بخيلا
قد كفاني الله في ألطافه / بأبي عيسى نوالاً ومنيلا
بالزكيِّ الطاهر الشَّهْمِ الَّذي / طابَ في النَّاس فروعاً وأُصولا
من يُنيلُ النَّيْل من إحسانه / والعطاءُ الجمَّ والمال الجزيلا
وإذا ما لفحت هاجرةٌ / كانَ من رمضائها ظلاًّ ظليلا
واضح الفخر ومن هذا الَّذي / يبتغي يوماً على الشَّمس دليلا
من فتىً فيه وفي آبائه / كلّ ما قد قيل في الأنجاب قيلا
أنْجَبُ العالم أمًّا وأباً / وأعزُّ النَّاس في النَّاس قبيلا
إنَّما آل جميل غُرَّةٌ / أُلْهِموا المعروف والفعلَ الجميلا
وَرِثوها عن أبيهم شيَماً / تبلُغ العلياء والمجد الأثيلا
قد أحَلَّتْهم نفوسٌ شَرُفَتْ / بمكان الأنجم الزهر حلولا
قل لمن يزعم أن يُشْبِهَهُم / لم تَنَلْ بالزعم شيئاً مستحيلا
وبروحي من يهين المال في / جوده الوافي ومن يحمي النزيلا
وإذا ما هزّه مستنجدٌ / بعُلاهُ هزَّه عضباً صقيلا
طاول الشمّ الرواسي في العلى / وجديرٌ في علاه أن يطولا
وإذا ما سُئِل الفضل اغتدى / مُبلِغاً من كلّ من يًسألُ سولا
لم أزل حتَّى أوارى في الثرى / مقصراً فيهم ثنائي ومطيلا
أورِثوها كابراً عن كابرٍ / مكرُماتٍ لم تزل جيلاً فجيلا
نَجَموا بعد أبيهم أنجماً / لا أراهم بعد إشراقٍ أُفولا
خَلَفٌ عن سالفٍ أخْلَفَهُم / للندى بحراً وللوفد مقيلا
كلُّ فردٍ يلبس الدهر به / غرراً تُشْرِقُ فيه وحجولا
مظهرٌ من صنعه منقبة / حيَّر الأفكار فيها والعقولا
أبدعوا في مكرماتٍ منهم / فَعَلت آياتُها فيهم فصولا
سَلْهم الفضل فهم أهل له / وسواهم يحسب الفضل فضولا
وارتقت أنواءهم ممطرةً / لا ندىً نزراً ولا وعداً مطولا
ضَمِنَتْ آمالُنا إحسانهم / وتضمَّنْ ولا ريب الحصولا
يا بني عبد الغنيّ العزّ لي / في معاليكم وما كنتُ ذليلا
كُلَّما ألْبَسْتُ شعري مدحكم / سحبَ الشعر من الفخر ذيولا
مَلَكْتَ فؤادَ صبِّك في جَمالِك
مَلَكْتَ فؤادَ صبِّك في جَمالِك / فلا تُضْنِ مُحبّك في دلالِك
كئيبٌ من جفونك في سقام / فَعالِجهُ وإلاّ فهو هالك
يرومُ وصالكَ الدَّنفُ المعنى / ولو أنَّ المنيَّة في وصالك
تحرِّمُ وَصْل من يهواك ظُلماً / وتَبْخَلُ فيه حتَّى في خيالك
وما ينسى لك المشتاق ذكراً / أَيَخْطر ذكرها يوماً ببالك
لقد ضاقت مذاهبُه عليه / وسُدَّتْ دون وِجْهَتِه المسالك
مَلِلْتُ وما مَلِلْتَ عن التجافي / فَلِمْ لا مِلتَ يوماً عن ملالك
فيا ظَبي الصَّريم وأنت ريمٌ / لكم قُنِصَتْ أُسودٌ في حبالك
وإنَّك إنْ حَكَيْتَ الصّبحَ فَرقاً / حكى حظِّي الشَّقيّ سواد خالك
أقولُ لعاذلٍ بهواك يلحو / أَصَمَّ الله سمعي عن مقالك
وبين الوجد والسوان بعد / كما بين اتّصالك وانفصالك
تحلُّ دَماً من العاني حراماً / فهَلاَّ كانَ وَصلُك من حلالك
وهَبْنا من زكاة الحسن وَصلاً / أما تجب الزَّكاة على جمالك
وإنَّا في هواك كما ترانا / عطاشى لا تُؤَمِّلنا ببالك
يُؤَمِّلنا المنى فيك المنايا / ويُوقعُنا غرامك في المهالك
وما طمع النُّفوس سوى تلاقٍ / وقد أطْعَمْتُ نفسي في نوالك
منعتَ ورودَ ذاك الثَّغر عنِّي / فواظمأ الفؤاد إلى زلالك
أَرَبْعَ المالكيّة بعد ليلى / ضلالاً إنْ صَبَوْتُ لغير وصالك
سُقيتَ الرّيَّ من ديَم الغوادي / تجرُّ ذيولهنَّ على رمالك
أُقاسي من ظبائك ما أُقاسي / وأعظمُ ما أُكابد من غزالك
ويا قلباً يذوبُ عليك وجداً / أرى هذا الغرام على وبالك
يحمِّلك الهوى حملاً ثقيلاً / وما احتملت قلوبٌ كاحتمالك
ألا فانشد بذات الضَّال قلبي / فعهدي أنَّه أضحى هنالك
ولا تسلك بنا سبل اللَّواحي / فإنِّي في سبيلك غير سالك
لقد أَرْشَدتَ بل أضْلَلْتَ فيه / فلم أعرف رشادك من ضلالك
شجيتُ وأَنتَ من وجدي خليٌّ / وها حالي ثكلتك غير حالك
فلا تَحْتَلْ على صَبري بشيءٍ / من العجز اتَّكلْت على احتيالك
ولا تعذل أخا دنفٍ عليه / متى يصغي لقيلك أو لقالك
يزين صباح ذاك الفرق منه / بأَسْوَدَ من سواد اللَّيل حالك
وما لك بالغرام وأَنتَ عدل / تجورُ على المحبِّ مع اعتدالك
أَيَمْلِكُ بالهوى رقِّي وإنِّي / شهاب الدِّين لي بالفضل مالك
أمحمود الفضائل والسَّجايا / حَمِدْتُ من الأَنام على فعالك
لقد أُوتيتَ غاية كلّ فضلٍ / بخوضك في العلوم وباشتغالك
إذا افتخرت بنو آلٍ بآلٍ / ففخر الدِّين أَنت وفخر آلك
وأعجبُ ما نشاهد في أحاجي / بديهتك العجيبةُ وارتجالك
وكم أخْرَسْتَ منطيقاً بلفظٍ / فأفصحَ عن عُلاك لسانُ حالك
وفي مرآك للأَبصار وحيٌ / ينبِّئُنا فديتُك عن جلالك
وتصقع بالبلاغة والمعاني / أَشدّ على عدوِّك من نبالك
فيا فرع النّبوَّة طِبْتَ أصلاً / ثمار الفضل تُجنى من كمالك
ظَفِرنا من نَداك بما نرجّي / على أَنْ ما ظَفِرنا في مثالك
وحسْبُك أَنتَ أَشرفُ من عليها / تشَرَّفَتِ البسيطةُ في نعالك
وكم لله من سيفٍ صقيلٍ / بجوهره العناية في صقالك
لنا من اسمكَ المحمود فأْلٌ / يخبِّرُ سائليك بسعد فالك
وما أنا قائلٌ بنداك وبلٌ / لأنّ الوَبْلَ نوعٌ من بلالك
إذا الأَيَّام يوماً أظمأَتْنا / وَرَدْنا من يمينك أو شمالك
وإنْ بارَزْتَ بالبرهان قوماً / تحامى من يرومك في نزالك
وكلٌّ منهمُ وله مجالٌ / فما جالت جميعاً في مجالك
تُجيبُ إذا سُئِلْتَ بكلِّ فنٍّ / وتعجزهم جواباً عن سؤالك
وإنَّك أَكثر العلماء علماً / ولستَ أَقلَّهم إلاَّ بمالك
نعم هم في معاليهم رجال / ولكنْ لم يكونوا من رجالك
كمالُكَ لا يُرام إليه نَقْصٌ / وأينَ البَدْرُ تمًّا من كمالك
وما تحكي البدورُ التِّمُّ إلاَّ / بوجهك وارتفاعك وانتقالك
سجاياك الجميلة خبَّرتنا / بأنَّ الحُسن معنى من خصالك
خلالٌ كلُّها كرمٌ وجودٌ / تجمَّعَتِ المكارم في خلالك
وما في النَّاس من تَلْقاهُ إلاَّ / ويَسْأَلُ من عُلومِكَ أو نوالك
وتولي في جميلك كلَّ شخصٍ / كأَنَّ الخَلْقَ صارت من عيالك
لقد أَمَّنْتَني خَوْفَ اللَّيالي / وإنِّي إنْ بقيت ففي خلالك
تعالى قَدْرُكَ العالي مَحلاًّ / وعندي أنَّ قَدْرك فوق ذلك
وصَفْتُك بالفضائل والمعالي / ولم تِكُ سيِّدي إلاَّ كذلك
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ
هَلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ / وسأَلْتَه مُسْتكشفاً عن حالِهِ
أَودى بمهجته هواك ولم يَدَعْ / منه الضَّنى إلاَّ رسوم خياله
الله في كبد تذوب ومدمع / أهرَقْتَ صَوْبَ مصُونه ومذاله
وحشاشة تورى عليك وناظر / ممَّن دعا لوبالها ووباله
أتظُنُّه يسلو هواك على النَّوى / تالله ما خطر السُّلُوُّ بباله
عذراً إليك فلو بدا لك ما به / ما كنتَ إلاَّ أنتَ من عذَّاله
وَيْلي من الحيِّ المراق له دمي / في غاب ضيغمه كناس غزاله
هذا يصول بطرفه وبقَدِّه / صولات ذاك برمحه ونصاله
من كلِّ معتقل قناة قوامه / والطَّعنُ كلُّ الطَّعنِ من عسَّاله
رامٍ يسدِّدُ سَهْمَه ويريشه / أَحشايَ من أَغراض وقع نباله
مرَّت ممسَّكة الصّبا فتنفَّست / عن ورد وجنته ومسكة خاله
ولكم جرى بيني وبين رضابه / ما كانَ عند السكر من جرياله
لا تعذلنَّ على الهوى أهل الهوى / ودع المشوق كما علمت بحاله
أمَّا رحيل تصبُّري وتجلُّدي / فغداةَ جدّ الرّكب في ترحاله
إنْ تنشدا قلبي وعهدكما به / صاع العزيز فإنَّه برحاله
يا أيُّها الحادي أما بك رأْفةً / بالرّكب منحطّ القوى لكلاله
عجت المطيّ لمنزلٍ مستوبلٍ / حتَّى وَقَفْتُ به على أطلاله
ولقد سأَلتَ فما أجابك رَبْعه / فعلامَ تُكثِرُ بعدَها بسؤاله
سحب النَّسيمُ على ثراك إذا سرى / أرَجاً يفوح المسك من أذياله
يا دارَنا وسقاك من صوب الحيا / ما إنْ يصوب الرّيَّ صبّ سجاله
سقياً لعهدك بالغميم وإنْ مضى / وتصرَّمَتْ أوقاته بظلاله
قد كنتُ أَعلمُ أنَّ عيشك لم يدم / وبَصُرْتُ قبل دوامه بزواله
قستُ الأُمور بمثلها فعَرَفْتُها / ولقد يُقاس الشَّيء في أمثاله
وتَقَلُّبي في النائبات أباحني / نَظَراً إلى غاياته ومآله
أنَّى تفوزُ بما تُحاولُ همَّتي / والدَّهر مُلْتَفِتٌ إلى أنذاله
وأَرى المُهذَّبَ في الزَّمان معذَّباً / في النَّاس في أقواله وفعاله
لا كانَ هذا الدَّهر من مُتمرِّدٍ / ماذا يلاقي الحرُّ من أهواله
سَعِدَ الشَّقيُّ بعيشه في جهله / وأخو الكمال معذَّبٌ بكماله
وأنا الَّذي قهر الزَّمان بصبره / جلداً على الأَرزاء من أنكاله
ما زلت ندب الأَكرمين وإنْ يكنْ / قلَّ الكريمُ النَّدبُ في أجياله
لله دَرُّ أبي جميل إنَّه / بَهَرَ العقول جميلُهُ بجماله
جَبَلٌ منيعٌ لا منال لفخره / قَصُرَتْ يد الآمال دون مناله
لا تعدلنَّ به الأَنام بأَسرِها / شتَّان بين تلوله وجباله
فَلَكٌ تَدورُ به شموسُ مناقبٍ / يُشْرِقْنَ بين جماله وجلاله
فَسَلِ النُّجومَ الزّهرَ وهي طوالعٌ / هلْ كُنَّ غير خلاله وخصاله
متوقّلٌ جبل الأُبوَّة لم يزلْ / في القُلَّة القعساء وطء نعاله
فمَضَتْ عزائمه على آماله / وقَضَتْ مكارمه على أمواله
طود توقّره الحلومُ وباذخٌ / لا يطمع الحدثان في زلزاله
حسبُ المكارم أنَّه من أَهْلِها / من بعد أَصحاب النّبيّ وآله
أَصْبَحْتُ أَعذر من يتيه بمدحه / عذر المليح بتيهه ودلاله
فكأَنَّما اغْتَبَقَ القريضُ بذكره / كأْس الشّمول تَرَقْرَقَتْ بشماله
يرتاح للجدوى فيطرب أَنْ يُرى / وَهَّاب غرّ المال قبل سؤاله
وإذا انتقدت بني الزَّمان وَجَدْتَه / رَجُلَ الزَّمان وواحداً برجاله
هو شرعة الظَّامي إذا اتَّقَدَ الظَّما / أَظما ولم أَفْقِدْ نَميرَ زلاله
وأنا الغريقُ من الجميل بزاخر / يكفي القليل النزر من أوشاله
في كلِّ ليلٍ حالكٍ من حادث / إنِّي لمرتقبٌ طلوع هلاله
لا غروَ أَنْ أُكفى به عن غيره / هَلْ كنتُ إلاَّ من أقلِّ عياله
فكأَنَّه للناس أجمَعِها أَبٌ / يحنو لرأْفته على أطفاله
ولقد أَقولُ لمنْ أراد نِضالَه / ما أَنتَ يومَ الرَّوع من أبطاله
في كلّ معترك لمشتجر القنا / ضاقت فسيحاتُ الخُطا بمجاله
كالعارضِ المنهلِّ يومَ نواله / والصَّارم المنسلّ يوم نزاله
بأَبي القَؤول الفاعل القرم الَّذي / تجنى ثمار الصّدق من أقواله
إنِّي نَعِمْتُ بجاهه وبماله / تَعسَ البخيل بجاهه وبماله
شَمِلَتْني الأَلطاف منه بساعةٍ / قبَّلْتُ ظهرَ يمينه وشماله
لا زالَ يُقْبِلُ بالعطاء عليَّ من / أفضاله أبداً ومن إقباله
متتابع النعماء جلَّ مآربي / فيه ومعظم ثروتي من ماله
ومحمِّلي بالفضل شكراً سرَّني / أنِّي أكونُ اليوم من حمَّاله
عقلَ القريض لسانه عن غيره / ورأى لساني فيه حلَّ عقاله
والفضل يعرفه ذووه وإنَّما / عَرفَ الفتى من كانَ من أشكاله
نسجت يداه من الثناء ملابساً / لا تنسج الدُّنيا على منواله
بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ
بَخِلْتَ وما طرفي عليك بخيلُ / وربَّ نوالٍ لا يراه منيلُ
وحرَّمت أن يروى بريقك ظامئٌ / فليسَ إلى ماء العُذَيب سبيل
وأظلمُ من يجني على الصّبّ في الهوى / مليٌّ لوى دين الغرام مطول
ويا كثر ما نوَّلت بالوعد نائلاً / وإنَّ كثير الغانيات قليل
أعيدي إلى عينيَّ يا ميُّ نظرةً / يبلّ بها من عاشقيك غليل
وجودي بطيف منك قد حالَ بينَه / وبيني حزون للنَّوى وسهول
فعندي إلى ذاك الخيال الَّذي سرى / هوًى يستميل الشَّوق حيثُ يميل
وليلٌ كحظِّي في هواك سهرته / فطالَ وليلُ العاشقين طويل
يؤرِّقني فيه تألُّقُ بارقٍ / كما اسْتلَّ ماضي الشّفرتين صقيل
بداجٌ كثير الشُّهب تحسبُ أنَّها / تقطّع زنجيَّ الظَّلام نصول
يذكِّرني تبسامك البرق موهناً / فللدمع منه سائل ومسيل
أراني علامات الورود وَميضه / وما لي إليه يا أُميم وصول
وما ينفع الظَّامي صداه بنظرة / إلى الماء ما منه لديه حصول
خليليَّ هل يؤدَّى دمٌ قد أطلَّه / بمقلته أحوى أغَنُّ كحيل
رماني بعينيه غزالٌ له الحشى / على النَّأي لا ظلّ الأَراك مقيل
عشيَّة أودى بي الهوى وأرابني / من الرّكب إذ حثَّ المطيَّ رحيل
برُغميَ فارقتُ الذين أُحبّهم / فلي أنَّةٌ من بعدهم وعويل
وما تركوا إلاَّ بقيَّة عبرة / برقرقها وجدي بهم فتسيل
تُذيلُ دموعاً في الدِّيار أُريقها / نجومٌ لها في الغاربين أُفول
غداة وقفنا والنياق كأَنَّها / مرزَّأَةٌ ممَّا تحنّ ثكول
فأنكرت أطلالاً لميٍّ عرفتها / وإنِّي على علمي بها لجهول
نسيمُ الصَّبا ذكَّرتني نشوة الصّبا / فهل أنتَ من ليلى الغداة رسول
تَنَسَّمتَ معتلاً فلم أدرِ أيّنا / بظلِّ نسيمات الغُوَير عليل
متى أَترك النوق الهجان كأَنَّها / لها كلَّما ضلَّ الدَّليل دليل
واتَّخذ البيد القفار أخِلَّةً / ولكن روضي بالعراق محيل
ولو كنت ممَّن يشرب الماءَ بالقذى / رويت وفي ريّ الذليل غليل
عن النَّاس في عبد الغني لي الغنى / وكلّ صنيع ابن الجميل جميل
كريمٌ فأمَّا العيش في مثل ظلِّه / فرغدٌ وأمَّا ظلّه فظليل
قريبٌ إلى الحُسنى فلم يرَ مثلُه / سريع إلى الفعل الجميل عجول
من الصّيد سبَّاق المقال بفعله / وقلَّ قؤولٌ في الأَنام فعول
سأُنزِلُ آمالي بساحة باسلٍ / وما ضيمَ يوماً في حماه نزيل
به افتخرت بغداد وانْسَحَبتْ لها / من الفخرِ في قطر العراق ذيول
علاقته بالمجد مُذْ كانَ يافعاً / علاقة صبٍّ ما ثناه عذول
غَذَتْه به أُمُّ المعالي لبانَها / وطابتْ فروعٌ قد زكتْ وأُصول
فما اقتَحم الأَهوال إلاَّ خطيرةً / تجلّ وما يلقى الجليلَ جليل
ولا راعه روعٌ فلانت قناته / فلا مسَّ هاتيك القناة ذبول
أرى كلّ ضرَّاء شكوناه ضرّها / يزايلها في بأسه فتزول
على ما به من شدَّة البأس لم يزلْ / يذوب علينا رقَّةً ويسيل
ترقُّ لنا تلك الشَّمائل مثلما / ترقُّ شمال أو تروق شمول
يحنُّ إلى يومٌ يُثير غبارَه / صليل كما تهوى العُلى وصهيل
يُدير رَحاها حيثُ دارت مثارة / شروبٌ لأبطال الرِّجال أَكول
إذا صَعُبَتْ دهياءُ في الأَمرِ قادها / بأَمر مطاعِ الأَمرِ وهي ذلول
يقينا صروف النَّائبات كأَنَّه / لنا جبلٌ والعالمين تلول
ولولاه لم يخمد من الشّرّ ناره / ولا سالَ للباغي النوال سيول
لك الله أمَّا أنتَ فالخير كلّه / وأنتَ به لي ضامنٌ وكفيل
أنَلْتَ بنا نوَّلت كلّ مؤَمِّلٍ / فعَلَّمْتَ صوب المُزن كيفَ ينيل
وإنَّا على يأس النَّدى ورجائه / لنا منك رجَّافُ العشي هطول
وما فيك ما تعطي مَلالاً ولا قلىً / وغيرك إنْ سيمَ العطاء ملول
ولم تَتَحوَّل عن خلائقك الَّتي / جُبِلْتَ عليها والزمان يُحيل
فيا ليت شعري والخطوب مُلِمَّةٌ / وما بك عنِّي في الخطوب غفول
إلامَ أحثُّ الجدَّ والجدُّ عاثر / وأُرْهِفُ حدَّ العزمِ وهو كليل
وأطلبُ في زعمي من الدهر حاجةً / زماني بها حاشا علاك بخيل
وكيف يريني الدهر ما استحقُّه / وفضلي لدى هذا الزمان فضول
إذا نَهَضتْ بي همَّةٌ قَعُدَتْ بها / على مضضٍ فيما أراه خمول
وعندي قوافٍ لا يدنِّسُ عِرْضَها / لئيمٌ ولا يشقى بهنَّ نبيل
ظوامئُ يطلبنَ الرَّواء بمهمهٍ / تطوف على أكفائها وتجول
تَجنَّبَتِ القومَ اللئامَ فلم تبل / أعانَ معين أمْ أراب خذول
متى اعْتَرَضْهم بالأَماني ضلَّةً / ثناها وجيف عنهم وذميل
فما أوْلَعَ الأَيَّام في جهلائها / وفي النَّاس أشباه لها وشكول
ولو أنَّها تصغي لعتبي أذقتُها / وبال حديث في العتاب يطول
وما تنفع العُتبى وما ثمَّ منصف / أَقول له ما أَشتهي ويقول