المجموع : 91
المُلكُ بَينَ يَدَيكَ في إِقبالِهِ
المُلكُ بَينَ يَدَيكَ في إِقبالِهِ / عَوَّذتُ مُلكَكَ بِالنَبِيِّ وَآلِهِ
حُرٌّ وَأَنتَ الحُرُّ في تاريخِهِ / سَمحٌ وَأَنتَ السَمحُ في أَقيالِهِ
فيضا عَلى الأَوطانِ مِن حُرِيَّةٍ / فَكِلاكُما المُفتَكُّ مِن أَغلالِهِ
سَعِدَت بِعَهدِكُما المُبارَكِ أُمَّةٌ / رَقَّت لِحالِكِ حِقبَةً وَلِحالِهِ
يَفديكَ نَصرانِيُّهُ بِصَليبِهِ / وَالمُنتَمي لِمُحَمَّدٍ بِهِلالِهِ
وَفَتى الدُروزِ عَلى الحُزونِ بِشَيخِهِ / وَالمَوسَوِيُّ عَلى السُهولِ بِمالِهِ
صَدَقوا الخَليفَةَ طاعَةً وَمَحَبَّةً / وَتَمَسَّكوا بِالطُهرِ مِن أَذيالِهِ
يَجِدونَ دَولَتَكَ الَّتي سَعِدوا بِها / مِن رَحمَةِ المَولى وَمِن أَفضالِهِ
جَدَّدتَ عَهدَ الراشِدينَ بِسيرَةٍ / نَسَجَ الرَشادُ لَها عَلى مِنوالِهِ
بُنِيَت عَلى الشورى كَصالِحِ حُكمِهِم / وَعَلى حَياةِ الرَأيِ وَاِستِقلالِهِ
حَقٌّ أَعَزَّ بِكَ المُهَيمِنُ نَصرَهُ / وَالحَقُّ مَنصورٌ عَلى خُذّالِهِ
شَرُّ الحُكومَةِ أَن يُساسَ بِواحِدٍ / في المُلكِ أَقوامٌ عِدادُ رِمالِهِ
مُلكٌ تُشاطِرُهُ مَيامِنَ حالِهِ / وَتَرى بِإِذنِ اللَهِ حُسنَ مَآلِهِ
أَخَذَت حُكومَتُكَ الأَمانَ لِظَبيَهِ / في مُقفِراتِ البيدِ مِن رِئبالِهِ
مَكَّنتَ لِلدُستورِ فيهِ وَحُزتَهُ / تاجاً لِوَجهِكَ فَوقَ تاجِ جَلالِهِ
فَكَأَنَّكَ الفاروقُ في كُرسِيِّهِ / نَعِمَت شُعوبُ الأَرضِ تَحتَ ظِلالِهِ
أَو أَنتَ مِثلُ أَبي تُرابٍ يُتَّقى / وَيَهابُهُ الأَملاكُ في أَسمالِهِ
عَهدُ النَبِيِّ هُوَ السَماحَةُ وَالرِضى / بِمُحَمَّدٍ أَولى وَسَمحِ خِلالِهِ
بِالحَقِّ يَحمِلُهُ الإِمامُ وَبِالهُدى / في حاضِرِ الدُستورِ وَاِستِقبالِهِ
يابنَ الخَواقينِ الثَلاثينَ الأُلى / قَد جَمَّلوا الإِسلامَ فَوقَ جَمالِهِ
المُبلِغينَ الدينَ ذُروَةَ سَعدِهِ / الرافِعينَ المُلكَ أَوجَ كَمالِهِ
الموطِئينَ مِنَ المَمالِكِ خَيلَهُم / ما لَم يَفُز إِسكَندَرٌ بِوِصالِهِ
في عَدلِ فاتِحِهِم وَقانونِيِّهِم / ما يَحتَذي الخُلَفاءُ حَذوَ مِثالِهِ
أَمّا الخِلافَةُ فَهيَ حائِطُ بَيتِكُم / حَتّى يُبينَ الحَشرُ عَن أَهوالِهِ
أُخِذَت بِحَدِّ المَشرَفِيِّ وَحازَها / لَكُمُ القَنا بِقِصارِهِ وَطِوالِهِ
لا تَسمَعوا لِلمُرجِفينَ وَجَهلِهِم / فَمُصيبَةُ الإِسلامِ مِن جُهّالِهِ
طَمَعُ القَريبِ أَوِ البَعيدِ بِنَيلِها / طَمَعُ الفَتى مِن دَهرِهِ بِمَحالِهِ
ما الذِئبُ مُجتَرِئاً عَلى لَيثِ الشَرى / في الغالِبِ مُعتَدِياً عَلى أَشبالِهِ
بِأَضَلَّ عَقلاً وَهيَ في أَيمانِكُم / مِمَّن يُحاوِلُ أَخذَها بِشِمالِهِ
رَضِيَ المُهَيمِنُ وَالمَسيحُ وَأَحمَدٌ / عَن جَيشِكَ الفادي وَعَن أَبطالِهِ
الهازِئينَ مِنَ الثَرى بِسُهولِهِ / الدائِسينَ عَلى رُؤوسِ جِبالِهِ
القاتِلينَ عَدُوَّهَم في حِصنِهِ / بِالرَأيِ وَالتَدبيرِ قَبلَ قِتالِهِ
الآخِذينَ الحُصنَ عَزَّ سَبيلُهُ / مِثلَ السُها أَو في اِمتِناعِ مَنالِهِ
المُعرِضينَ وَلَو بِساحَةِ يَلدِزٍ / في الحَربِ عَن عِرضِ العَدُوِّ وَمالِهِ
القارِئينَ عَلى عَلِيٍّ عِلمُها / وَعَلى الغُزاةِ المُتَّقينَ رِجالِهِ
المُلكُ زُلزِلَ في فُروقٍ ساعَةً / كانوا لَهُ الأَوتادَ في زِلزالِهِ
لَولا اِنتِظامُ قُلوبِهِم كَكُفوفِهِم / لَنَثَرتُ دَمعي اليَومَ في أَطلالِهِ
وَالمَرءُ لَيسَ بِصادِقٍ في قَولِهِ / حَتّى يُؤَيِّدَ قَولَهُ بِفِعالِهِ
وَالشَعبُ إِن رامَ الحَياةَ كَبيرَةً / خاضَ الغِمارَ دَماً إِلى آمالِهِ
شُكرُ المَمالِكِ لِلسَخِيِّ بِروحِهِ / لا لِلسَخِيِّ بِقيلِهِ أَو قالِهِ
إيهٍ فُروقُ الحُسنِ نَجوى هائِمٍ / يَسمو إِلَيكَ بِجَدِّهِ وَبِخالِهِ
أَخرَجتِ لِلعُربِ الفِصاحِ بَيانَهُ / قَبَساً يُضيءُ الشَرقَ مِثلَ كَمالِهِ
لَم تُكثِرِ الحَمراءُ مِن نُظَرائِهِ / نَسلاً وَلا بَغدادُ مِن أَمثالِهِ
جَعَلَ الإِلَهُ خَيالَهُ قَيسَ الهَوى / وَجُعِلتِ لَيلى فِتنَةً لِخَيالِهِ
في كُلِّ عامٍ أَنتِ نُزهَةُ روحِهِ / وَنَعيمُ مُهجَتِهِ وَراحَةُ بالِهِ
يَغشاكِ قَد حَنَّت إِلَيكِ مَطِيُّهُ / وَيَؤوبُ وَالأَشواقُ مِلءُ رِحالِهِ
أَفراحُهُ لَمّا رَآكِ طَليقَةً / أَفراحُ يوسُفَ يَومَ حَلِّ عِقالِهِ
وَسُرورُهُ بِكِ مِن قُيودِكِ حُرَّةً / كَسُرورِ قَيسٍ بِاِنفِلاتِ غَزالِهِ
اللَهُ صاغَكِ جَنَّتَينِ لِخَلقِهِ / مَحفوفَتَينِ بِأَنعُمٍ لِعِيالِهِ
لَو أَنَّ لِلَّهِ اِتِّخاذَ خَميلَةٍ / ما اِختارَ غَيرَكَ رَوضَةً لِجَلالِهِ
فَكَأَنَّما الصِفَتانِ في حُسنَيهِما / ديباجَتا خَدٍّ يَتيهُ بِخالِهِ
وَكَأَنَّما البُوسفورُ حَوضُ مُحَمَّدٍ / وَسَطَ الجِنانِ وَهُنَّ في إِجلالِهِ
وَكَأَنَّ شاهِقَةَ القُصورِ حِيالَهُ / حُجُراتُ طَهَ في الجِنانِ وَآلِهِ
وَكَأَنَّ عيدَكِ عيدُها لَمّا مَشى / فيها البَشيرُ بِبِشرِهِ وَجَمالِهِ
تيهي بِعيدِكِ في المَمالِكِ وَاِسلَمي / في السِلمِ لِلآلافِ مِن أَمثالِهِ
وَاِستَقبِلي عَهدَ الرَشادِ مُجَمَّلاً / بِمَحاسِنِ الدُستورِ في اِستِهلالِهِ
دارُ السَعادَةِ أَنتِ ذَلِكَ بابُها / شُلَّت يَدٌ مُدَّت إِلى إِقفالِهِ
أَيّامُكُم أَم عَهدُ إِسماعيلا
أَيّامُكُم أَم عَهدُ إِسماعيلا / أَم أَنتَ فِرعَونٌ يَسوسُ النيلا
أَم حاكِمٌ في أَرضِ مِصرَ بِأَمرِهِ / لا سائِلاً أَبَداً وَلا مَسؤولا
يا مالِكاً رِقَّ الرِقابِ بِبَأسِهِ / هَلّا اِتَّخَذتَ إِلى القُلوبِ سَبيلا
لَمّا رَحَلتَ عَنِ البِلادِ تَشَهَّدَت / فَكَأَنَّكَ الداءُ العَياءُ رَحيلا
أَوسَعتَنا يَومَ الوَداعِ إِهانَةً / أَدَبٌ لَعَمرُكَ لا يُصيبُ مَثيلا
هَلّا بَدا لَكَ أَن تُجامِلَ بَعدَ ما / صاغَ الرَئيسُ لَكَ الثَنا إِكليلا
اُنظُر إِلى أَدَبِ الرَئيسِ وَلُطفِهِ / تَجِدِ الرَئيسَ مُهَذَّباً وَنَبيلا
في مَلعَبٍ لِلمُضحِكاتِ مُشَيَّدٍ / مَثَّلتَ فيهِ المُبكِياتِ فُصولا
شَهِدَ الحُسَينُ عَلَيهِ لَعنَ أُصولِهِ / وَيُصَدَّرُ الأَعمى بِهِ تَطفيلا
جُبنٌ أَقَلَّ وَحَطَّ مِن قَدرَيهِما / وَالمَرءُ إِن يَجبُن يَعِش مَرذولا
لَمّا ذَكَرتُ بِهِ البِلادَ وَأَهلَها / مَثَّلتَ دَورَ مَماتِها تَمثيلا
أَنذَرتَنا رِقّاً يَدومُ وَذِلَّةً / تَبقى رِحالاً لا تَرى تَحويلا
أَحَسِبتَ أَنَّ اللَهَ دونَكَ قُدرَةً / لا يَملُكُ التَغييرَ وَالتَبديلا
اللَهُ يَحكُمُ في المُلوكِ وَلَم تَكُن / دُوَلٌ تُنازِعُهُ القُوى لِتَدولا
فِرعَونُ قَبلَكَ كانَ أَعظَمَ سَطوَةً / وَأَعَزَّ بَينَ العالَمينَ قَبيلا
اليَومَ أَخلَفَتِ الوُعودَ حُكومَةٌ / كُنّا نَظُنُّ عُهودَها الإِنجيلا
دَخَلَت عَلى حُكمِ الوِدادِ وَشَرعِهِ / مِصراً فَكانَت كَالسُلالِ دُخولا
هَدَمَت مَعالِمَها وَهَدَّت رُكنَها / وَأَضاعَتِ اِستِقلالَها المَأمولا
قالوا جَلَبتَ لَنا الرَفاهَةَ وَالغِنى / جَحَدوا الإِلَهَ وَصُنعَهُ وَالنيلا
كَم مِنَّةٍ مَوهومَةٍ أَتبَعتَها / مِنّا عَلى الفَطِنِ الخَبيرِ ثَقيلا
في كُلِّ تَقريرٍ تَقولُ خَلَقتُكُم / أَفَهَل تَرى تَقريرَكَ التَنزيلا
هَل مِن نَداكَ عَلى المَدارِسِ أَنَّها / تَذَرُ العُلومَ وَتَأخُذُ الفُوتبولا
أَم مِن صِيانَتِكَ القَضاءَ بِمِصرَ أَن / تَأتي بِقاضي دِنشِوايَ وَكيلا
أَم هَل يَعُدُّ لَكَ الإِضاعَةَ مِنَّةً / جَيشٌ كَجَيشِ الهِندِ باتَ ذَليلا
اُنظُر إِلى فِتيانِهِ ما شَأنُهُم / أَوَ لَيسَ شَأناً في الجُيوشِ ضَئيلا
حَرَّمتُهُم أَن يَبلُغوا رُتَبَ العُلا / وَرَفَعتَ قَومَكَ فَوقَهُم تَفضيلا
فَإِذا تَطَلَّعَتِ الجُيوشُ وَأَمَّلَت / مُستَقبَلاً لا يَملِكوا التَأميلا
مِن بَعدِ ما زَفّوا لِإِدوَردَ العُلا / فَتحاً عَريضاً في البِلادِ طَويلا
لَو كُنتُ مِن جُمرِ الثِيابِ عَبَدتُكُم / مِن دونِ عيسى مُحسِناً وَمُنيلا
أَو كُنتُ بَعضَ الإِنكِليزَ قَبِلتُكُم / مَلِكاً أُقَطِّعُ كَفَّهُ تَقبيلا
أَو كُنتُ عُضواً في الكُلوبِ مَلَأتُهُ / أَسَفاً لِفُرقَتِكُم بُكاً وَعَويلا
أَو كُنتُ قِسّيساً يَهيمُ مُبَشِّراً / رَتَّلتُ آيَةَ مَدحِكُم تَرتيلا
أَو كُنتُ صَرّافاً بِلُندُنَ دائِناً / أَعطَيتُكُم عَن طيبَةٍ تَحويلا
أَو كُنتُ تَيمَسَكُم مَلَأتُ صَحائِفي / مَدحاً يُرَدَّدُ في الوَرى مَوصولا
أَو كُنتُ في مِصرٍ نَزيلاً جاهِداً / سَبَّحتُ بِاِسمِكِ بُكرَةً وَأَصيلا
أَو كُنتُ سِريوناً حَلَفتُ بِأَنَّكُم / أَنتُم حَوَيتُمُ بِالقَناةِ الجيلا
ما كانَ مِن عَقَباتِها وَصِعابِها / ذَلَّلتُموهُ بِعَزمِكُم تَذليلا
عَهدُ الفِرَنجِ وَأَنتَ تَعلَمُ عَهدَهُم / لا يَبخَسونَ المُحسِنينَ فَتيلا
فَاِرحَل بِحِفظِ اللَهِ جَلَّ صَنيعُهُ / مُستَعفِياً إِن شِئتَ أَو مَعزولا
وَاِحمِل بِساقِكَ رَبطَةً في لُندُنٍ / وَاِخلِف هُناكَ غِرايَ أَو كَمبيلا
أَو شاطِرِ المُلكَ العَظيمَ بِلادَهُ / وَسُسِ المَمالِكَ عَرضَها وَالطولا
إِنّا تَمَنَّينا عَلى اللَهِ المُنى / وَاللَهُ كانَ بِنَيلِهِنَّ كَفيلا
مَن سَبَّ دينَ مُحَمَّدٍ فَمُحَمَّدٌ / مُتَمَكِّنٌ عَنّا الإِلَهُ رَسولا
صَدّاحُ يا مَلِكَ الكَنا
صَدّاحُ يا مَلِكَ الكَنا / رِ وَيا أَميرَ البُلبُلِ
قَد فُزتُ مِنكَ بِمَعبَدٍ / وَرُزِقتُ قُربَ الموصِلي
وَأُتيحَ لي داودُ مِز / ماراً وَحُسنَ تَرَتُّلِ
فَوقَ الأَسِرَّةِ وَالمَنا / بِرِ قَطُّ لَم تَتَرَجَّلِ
تَهتَزُّ كَالدينارِ في / مُرتَجِّ لَحظِ الأَحوَلِ
وَإِذا خَطَرتَ عَلى المَلا / عِبِ لَم تَدَع لِمُمَثِّلِ
وَلَكَ اِبتِداءاتُ الفَرَز / دَقِ في مَقاطِعِ جَروَلِ
وَلَقَد تَخِذتَ مِنَ الضُحى / صُفرَ الغَلائِلِ وَالحَلي
وَرَوَيتَ في بيضِ القَلا / نِسِ عَن عَذارى الهَيكَلِ
يا لَيتَ شِعرِيَ يا أَسي / رُ شَجٍ فُؤادُكَ أَم خَلي
وَحَليفُ سُهدٍ أَم تَنا / مُ اللَيلَ حَتّى يَنجَلي
بِالرُغمِ مِنّي ما تُعا / لِجُ في النُحاسِ المُقفَلِ
حِرصي عَلَيكَ هَوىً وَمَن / يُحرِز ثَميناً يَبخَلِ
وَالشُحُّ تُحدِثُهُ الضَرو / رَةُ في الجَوادِ المُجزِلِ
أَنا إِن جَعَلتُكَ في نُضا / رٍ بِالحَريرِ مُجَلَّلِ
وَلَفَفتُهُ في سَوسَنٍ / وَحَفَفتُهُ بِقُرُنفُلِ
وَحَرَقتُ أَزكى العودِ حَو / لَيهِ وَأَغلى الصَدنَلِ
وَحَمَلتُهُ فَوقَ العُيو / نِ وَفَوقَ رَأسِ الجَدوَلِ
وَدَعَوتُ كُلَّ أَغَرَّ في / مُلكِ الطُيورِ مُحَجَّلِ
فَأَتَتكَ بَينَ مُطارِحٍ / وَمُحَبِّذٍ وَمُدَلِّلِ
وَأَمَرتَ بِاِبني فَاِلتَقا / كَ بِوَجهِهِ المُتَهَلِّلِ
بِيَمينِهِ فالوذَجٌ / لَم يُهدَ لِلمُتَوَكِّلِ
وَزُجاجَةٌ مِن فِضَّةٍ / مَملوءَةٌ مِن سَلسَلِ
ما كُنتُ يا صَدّاحُ عِن / دَكَ بِالكَريمِ المُفضَلِ
شَهدُ الحَياةِ مَشوبَةً / بِالرِقِّ مِثلُ الحَنظَلِ
وَالقَيدُ لَو كانَ الجُما / نُ مُنَظَّماً لَم يُحمَلِ
يا طَيرُ لَولا أَن يَقو / لوا جُنَّ قُلتُ تَعَقَّلِ
اِسمَع فَرُبَّ مُفَصِّلٍ / لَكَ لَم يُفِدكَ كَمُجمِلِ
صَبراً لِما تَشقى بِهِ / أَو ما بَدا لَكَ فَاِفعَلِ
أَنتَ اِبنُ رَأيٍ لِلطَبي / عَةِ فيكَ غَيرِ مُبَدَّلِ
أَبَداً مَروعٌ بِالإِسا / رِ مُهَدَّدٌ بِالمَقتَلِ
إِن طِرتَ عَن كَنَفي وَقَع / تَ عَلى النُسورِ الجُهَّلِ
يا طَيرُ وَالأَمثالُ تُض / رَبُ لِلَّبيبِ الأَمثَلِ
دُنياكَ مِن عاداتِها / أَلّا تَكونَ لِأَعزَلِ
أَو لِلغَبِيِّ وَإِن تَعَل / لَلَ بِالزَمانِ المُقبِلِ
جُعِلَت لِحُرٍّ يُبتَلى / في ذي الحَياةِ وَيَبتَلي
يَرمي وَيُرمى في جِها / دِ العَيشِ غَيرَ مُغَفَّلِ
مُستَجمِعٍ كَاللَيثِ إِن / يُجهَل عَلَيهِ يَجهَلِ
أَسَمِعتَ بِالحَكَمَينِ في ال / إِسلامِ يَومَ الجَندَلِ
في الفِتنَةِ الكُبرى وَلَو / لا حِكمَةٌ لَم تُشعَلِ
رَضِيَ الصَحابَةُ يَومَ ذَ / لِكَ بِالكِتابِ المُنزَلِ
وَهُمُ المَصابيحُ الرُوا / ةُ عَنِ النَبِيِّ المُرسَلِ
قالوا الكِتابُ وَقامَ كُل / لُ مُفَسِّرٍ وَمُوَوِّلِ
حَتّى إِذا وَسِعَت مُعا / وِيَةً وَضاقَ بِها عَلي
رَجَعوا لِظُلمٍ كَالطَبا / ئِعِ في النُفوسِ مُؤَصَّلِ
نَزَلوا عَلى حُكمِ القَوِي / يِ وَعِندَ رَأيِ الأَحيَلِ
صَدّاحُ حَقٌّ ما أَقو / لُ حَفِلتَ أَم لَم تَحفَلِ
جاوَرتَ أَندى رَوضَةٍ / وَحَلَلتَ أَكرَمَ مَنزِلِ
بَينَ الحَفاوَةِ مِن حُسَي / نٍ وَالرِعايَةِ مِن عَلي
وَحَنانِ آمِنَةٍ كَأُم / مِكَ في صِباكَ الأَوَّلِ
صِح بِالصَباحِ وَبَشِّرِ ال / أَبناءَ بِالمُستَقبَلِ
وَاِسأَل لِمِصرَ عِنايَةً / تَأبى وَتَهبُطُ مِن عَلِ
قُل رَبَّنا اِفتَح رَحمَةً / وَالخَيرُ مِنكَ فَأَرسِلِ
أَدرِك كِنانَتَكَ الكَري / مَةَ رَبَّنا وَتَقَبَّلِ
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا / كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي / يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ / عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ / وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً / صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا
أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً / وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا
وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً / فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا
عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا / عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا
وَاليَومَ أَصبَحَتا بِحالِ طُفولَةٍ / في العِلمِ تَلتَمِسانِهِ تَطفيلا
مِن مَشرِقِ الأَرضِ الشَموسُ تَظاهَرَت / ما بالُ مَغرِبِها عَلَيهِ أُديلا
يا أَرضُ مُذ فَقَدَ المُعَلِّمُ نَفسَهُ / بَينَ الشُموسِ وَبَينَ شَرقِكِ حيلا
ذَهَبَ الَّذينَ حَمَوا حَقيقَةَ عِلمِهِم / وَاِستَعذَبوا فيها العَذابَ وَبيلا
في عالَمٍ صَحِبَ الحَياةَ مُقَيَّداً / بِالفَردِ مَخزوماً بِهِ مَغلولا
صَرَعَتهُ دُنيا المُستَبِدِّ كَما هَوَت / مِن ضَربَةِ الشَمسِ الرُؤوسُ ذُهولا
سُقراطُ أَعطى الكَأسَ وَهيَ مَنِيَّةٌ / شَفَتَي مُحِبٍّ يَشتَهي التَقبيلا
عَرَضوا الحَياةَ عَلَيهِ وَهيَ غَباوَةٌ / فَأَبى وَآثَرَ أَن يَموتَ نَبيلا
إِنَّ الشَجاعَةَ في القُلوبِ كَثيرَةٌ / وَوَجَدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا
إِنَّ الَّذي خَلَقَ الحَقيقَةَ عَلقَماً / لَم يُخلِ مِن أَهلِ الحَقيقَةِ جيلا
وَلَرُبَّما قَتَلَ الغَرامُ رِجالَها / قُتِلَ الغَرامُ كَمِ اِستَباحَ قَتيلا
أَوَكُلُّ مَن حامى عَنِ الحَقِّ اِقتَنى / عِندَ السَوادِ ضَغائِناً وَذُحولا
لَو كُنتُ أَعتَقِدُ الصَليبَ وَخَطبُهُ / لَأَقَمتُ مِن صَلبِ المَسيحِ دَليلا
أَمُعَلِّمي الوادي وَساسَةَ نَشئِهِ / وَالطابِعينَ شَبابَهُ المَأمولا
وَالحامِلينَ إِذا دُعوا لِيُعَلِّموا / عِبءَ الأَمانَةِ فادِحاً مَسؤولا
كانَت لَنا قَدَمٌ إِلَيهِ خَفيفَةٌ / وَرِمَت بِدَنلوبٍ فَكانَ الفيلا
حَتّى رَأَينا مِصرَ تَخطو إِصبَعاً / في العِلمِ إِن مَشَتِ المَمالِكُ ميلا
تِلكَ الكُفورُ وَحَشوُها أُمِّيَّةٌ / مِن عَهدِ خوفو لا تَرَ القِنديلا
تَجِدُ الَّذينَ بَنى المِسَلَّةَ جَدُّهُم / لا يُحسِنونَ لِإِبرَةٍ تَشكيلا
وَيُدَلَّلونَ إِذا أُريدَ قِيادُهُم / كَالبُهمِ تَأنَسُ إِذ تَرى التَدليلا
يَتلو الرِجالُ عَلَيهُمُ شَهَواتِهِم / فَالناجِحونَ أَلَدُّهُم تَرتيلا
الجَهلُ لا تَحيا عَلَيهِ جَماعَةٌ / كَيفَ الحَياةُ عَلى يَدَي عِزريلا
وَاللَهِ لَولا أَلسُنٌ وَقَرائِحٌ / دارَت عَلى فِطَنِ الشَبابِ شَمولا
وَتَعَهَّدَت مِن أَربَعينَ نُفوسَهُم / تَغزو القُنوطَ وَتَغرِسُ التَأميلا
عَرَفَت مَواضِعَ جَدبِهِم فَتَتابَعَت / كَالعَينِ فَيضاً وَالغَمامِ مَسيلا
تُسدي الجَميلَ إِلى البِلادِ وَتَستَحي / مِن أَن تُكافَأَ بِالثَناءِ جَميلا
ما كانَ دَنلوبٌ وَلا تَعليمُهُ / عِندَ الشَدائِدِ يُغنِيانِ فَتيلا
رَبّوا عَلى الإِنصافِ فِتيانَ الحِمى / تَجِدوهُمُ كَهفَ الحُقوقِ كُهولا
فَهوَ الَّذي يَبني الطِباعَ قَويمَةً / وَهوَ الَّذي يَبني النُفوسَ عُدولا
وَيُقيمُ مَنطِقَ كُلِّ أَعوَجِ مَنطِقٍ / وَيُريهِ رَأياً في الأُمورِ أَصيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ لَم يَكُن عَدلاً مَشى / روحُ العَدالَةِ في الشَبابِ ضَئيلا
وَإِذا المُعَلِّمُ ساءَ لَحظَ بَصيرَةٍ / جاءَت عَلى يَدِهِ البَصائِرُ حولا
وَإِذا أَتى الإِرشادُ مِن سَبَبِ الهَوى / وَمِنَ الغُرورِ فَسَمِّهِ التَضليلا
وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم / فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا
إِنّي لَأَعذُرُكُم وَأَحسَبُ عِبئَكُم / مِن بَينِ أَعباءِ الرِجالِ ثَقيلا
وَجَدَ المُساعِدَ غَيرُكُم وَحُرِمتُمُ / في مِصرَ عَونَ الأُمَّهاتِ جَليلا
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً / رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن / هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما / وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا
إِنَّ اليَتيمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ / أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا
مِصرٌ إِذا ما راجَعَت أَيّامَها / لَم تَلقَ لِلسَبتِ العَظيمِ مَثيلا
البَرلَمانُ غَداً يُمَدُّ رُواقُهُ / ظِلّاً عَلى الوادي السَعيدِ ظَليلا
نَرجو إِذا التَعليمُ حَرَّكَ شَجوَهُ / أَلّا يَكونَ عَلى البِلادِ بَخيلا
قُل لِلشَبابِ اليَومَ بورِكَ غَرسُكُم / دَنَتِ القُطوفُ وَذُلِّلَت تَذليلا
حَيّوا مِنَ الشُهَداءِ كُلَّ مُغَيَّبٍ / وَضَعوا عَلى أَحجارِهِ إِكليلا
لِيَكونَ حَظُّ الحَيِّ مِن شُكرانِكُم / جَمّاً وَحَظُّ المَيتِ مِنهُ جَزيلا
لا يَلمَسُ الدُستورُ فيكُم روحَهُ / حَتّى يَرى جُندِيَّهُ المَجهولا
ناشَدتُكُم تِلكَ الدِماءَ زَكِيَّةً / لا تَبعَثوا لِلبَرلَمانِ جَهولا
فَليَسأَلَنَّ عَنِ الأَرائِكِ سائِلٌ / أَحَمَلنَ فَضلاً أَم حَمَلنَ فُضولا
إِن أَنتَ أَطلَعتَ المُمَثِّلَ ناقِصاً / لَم تَلقَ عِندَ كَمالِهِ التَمثيلا
فَاِدعوا لَها أَهلَ الأَمانَةِ وَاِجعَلوا / لِأولى البَصائِرِ مِنهُمُ التَفضيلا
إِنَّ المُقَصِّرَ قَد يَحولُ وَلَن تَرى / لِجَهالَةِ الطَبعِ الغَبِيِّ مُحيلا
فَلَرُبَّ قَولٍ في الرِجالِ سَمِعتُمُ / ثُمَّ اِنقَضى فَكَأَنَّهُ ما قيلا
وَلَكَم نَصَرتُم بِالكَرامَةِ وَالهَوى / مَن كانَ عِندَكُمُ هُوَ المَخذولا
كَرَمٌ وَصَفحٌ في الشَبابِ وَطالَما / كَرُمَ الشَبابُ شَمائِلاً وَمُيولا
قوموا اِجمَعوا شَعبَ الأُبُوَّةِ وَاِرفَعوا / صَوتَ الشَبابِ مُحَبَّباً مَقبولا
ما أَبعَدَ الغاياتِ إِلّا أَنَّني / أَجِدُ الثَباتَ لَكُم بِهِنَّ كَفيلا
فَكِلوا إِلى اللَهِ النَجاحَ وَثابِروا / فَاللَهُ خَيرٌ كافِلاً وَوَكيلا
قِف بِالمَمالِكِ وَاِنظُر دَولَةَ المالِ
قِف بِالمَمالِكِ وَاِنظُر دَولَةَ المالِ / وَاِذكُر رِجالاً أَدالوها بِإِجمالِ
وَاِنقُل رُكابَ القَوافي في جَوانِبِها / لا في جَوانِبِ رَسمِ المَنزِلِ البالي
ما هَيكَلُ الهَرَمِ الجيزِيِّ مِن ذَهَبٍ / في العَينِ أَزيَنَ مِن بُنيانِها الحالي
عَلا بِها الحِرصُ أَركاناً وَأَخرَجَها / عَلى مِثالٍ مِنَ الدُنيا وَمِنوالِ
فيها الشَقاءُ لِقَومٍ وَالنَعيمُ لَهُم / وَبُؤسُ ساعٍ وَنُعمى قاعِدٍ سالي
وَالمالُ مُذ كانَ تِمثالٌ يُطافُ بِهِ / وَالناسُ مُذ خُلِقوا عُبّادُ تِمثالِ
إِذا جَفا الدورَ فَاِنعَ النازِلينَ بِها / أَوِ المَمالِكَ فَاِندُبها كَأَطلالِ
يا طالِباً لِمَعالي المُلكِ مُجتَهِداً / خُذها مِنَ العِلمِ أَو خُذها مِنَ المالِ
بِالعِلمِ وَالمالِ يَبني الناسُ مُلكَهُمُ / لمَ يُبنَ مُلكٌ عَلى جَهلٍ وَإِقلالِ
سَراةَ مِصرَ عَهِدناكُم إِذا بُسِطَت / يَدُ الدُعاءِ سِراعاً غَيرَ بُخّالِ
تَبَيَّنَ الصِدقُ مِن بَينِ الأُمورِ لَكُمُ / فَاِمضوا إِلى الماءِ لا تُلووا عَلى الآلِ
لا يَذهَبِ الدَهرُ بَينَ التُرَّهاتِ بِكُم / وَبَينَ زَهرٍ مِنَ الأَحلامِ قَتّالِ
هاتوا الرِجالَ وَهاتوا المالَ وَاِحتَشِدوا / رَأياً لِرَأيٍ وَمِثقالاً لِمِثقالِ
هَذا هُوَ الحَجَرُ الدُرِّيُّ بَينَكُمُ / فَاِبنوا بِناءَ قُرَيشٍ بَيتَها العالي
دارٌ إِذا نَزَلَت فيها وَدائِعُكُم / أَودَعتُمُ الحَبَّ أَرضاً ذاتَ إِغلالِ
آمالُ مِصرَ إِلَيها طالَما طَمَحَت / هَل تَبخَلونَ عَلى مِصرَ بِآمالِ
فَاِبنوا عَلى بَرَكاتِ اللَهِ وَاِغتَنِموا / ما هَيَّأَ اللَهُ مِن حَظٍّ وَإِقبالِ
العامُ أَقبَلَ قُم نُحَيِّ هِلالا
العامُ أَقبَلَ قُم نُحَيِّ هِلالا / كَالتاجِ في هامِ الوُجودِ جَلالا
طُغرى كِتابِ الكائِناتِ لِقارِئٍ / يَزِنُ الكَلامَ وَيَقدُرُ الأَقوالا
مَلَكَ السَماءَ فَكانَ في كُرسِيِّهِ / بَينَ المَلائِكِ وَالمُلوكِ مِثالا
تَتَنافَسُ الآمالُ فيهِ كَأَنَّهُ / ثَغرُ العِنايَةِ ضاحَكَ الآمالا
وَالشَمسُ تُزلِفُ عيدَها وَتَزُفُّهُ / بُشرى بِمَطلَعِهِ السَعيدِ وَفالا
عيدُ المَسيحِ وَعيدُ أَحمَدَ أَقبَلا / يَتَبارَيانِ وَضاءَةً وَجَمالا
ميلادُ إِحسانٍ وَهِجرَةُ سُؤدَدٍ / قَد غَيَّرا وَجهَ البَسيطَةِ حالا
قُم لِلهِلالِ قِيامَ مُحتَفِلٍ بِهِ / أَثنى وَبالَغَ في الثَناءِ وَغالى
نورُ السَبيلِ هَدى لِكُلِّ فَضيلَةٍ / يَهدي الحَكيمُ لَها وَسَنَّ خِلالا
ما بَينَ مَولِدِهِ وَبَينَ بُلوغِهِ / مَلَأَ الحَياةَ مَآثِراً وَفِعالا
مُتَواضِعٌ وَاللَهُ شَرَّفَ قَدرَهُ / بِالشَمسِ نِدّاً وَالكَواكِبِ آلا
مُتَوَدِّدٌ عِندَ الكَمالِ تَخالُهُ / في راحَتَيكَ وَعَزَّ ذاكَ مَنالا
وافٍ لِجارَةِ بَيتِهِ يَرعى لَها / عَهدَ السَمَوأَلِ عُروَةٌ وَحِبالا
عَونُ السُراةِ عَلى تَصاريفِ النَوى / أَمِنوا عَلَيهِ وَحشَةً وَضَلالا
وَيُصانُ مِن سِرِّ الصَبابَةِ عِندَهُ / ما باتَ عِندَ الأَكثَرينَ مُذالا
وَيُشَكُّ فيهِ فَلا يُكَلِّفُ نَفسَهُ / غَيرَ التَرَفُّعِ وَالوَقارِ نِضالا
ساءَت ظُنونُ الناسِ حَتّى أَحدَثوا / لِلشَكِّ في النورِ المُبينِ مَجالا
وَالظَنُّ يَأخُذُ في ضَميرِكَ مَأخَذاً / حَتّى يُريكَ المُستَقيمَ مُحالا
وَمِنَ العَجائِبِ عِندَ قِمَّةِ مَجدِهِ / رامَ المَزيدَ فَجَدَّ فيهِ فَنالا
يَطوي إِلى الأَوجِ السَماواتِ العُلا / وَيَشُدُّ في طَلَبِ الكَمالِ رِحالا
وَيَفُلُّ مِن هوجِ الرِياحِ عَزائِماً / وَيَدُكُّ مِن مَوجِ البِحارِ جِبالا
وَيُضيءُ أَثناءَ الخَمائِلِ وَالرُبى / حَتّى تَرى أَسحارَها آصالا
وَيَجولُ في زُهرِ الرِياضِ كَأَنَّهُ / صَيبُ الرَبيعِ مَشى بِهِنَّ وَجالا
أُمَمَ الهِلالِ مَقالَةً مِن صادِقٍ / وَالصِدقُ أَليَقُ بِالرِجالِ مَقالا
مُتَلَطِّفٍ في النُصحِ غَيرِ مُجادِلٍ / وَالنُصحُ أَضيَعُ ما يَكونُ جِدالا
مِن عادَةِ الإِسلامِ يَرفَعُ عامِلاً / وَيُسَوِّدُ المِقدامَ وَالفَعّالا
ظَلَمَتهُ أَلسِنَةٌ تُؤاخِذُهُ بِكُم / وَظَلَمتُموهُ مُفَرِّطينَ كَسالى
هَذا هِلالُكُمُ تَكَفَّلَ بِالهُدى / هَل تَعلَمونَ مَعَ الهِلالِ ضَلالا
سَرَتِ الحَضارَةُ حُقبَةً في ضَوئِهِ / وَمَشى الزَمانُ بِنورِهِ مُختالا
وَبَنى لَهُ العَرَبُ الأَجاوِدُ دَولَةً / كَالشَمسِ عَرشاً وَالنُجومِ رِجالا
رَفَعوا لَهُ فَوقَ السِماكِ دَعائِماً / مِن عِلمِهِم وَمِنَ البَيانِ طِوالا
اللَهُ جَلَّ ثَناؤُهُ بِلِسانِهِم / خَلَقَ البَيانَ وَعَلَّمَ الأَمثالا
وَتَخَيَّرَ الأَخلاقَ أَحسَنَها لَهُم / وَمَكارِمُ الأَخلاقِ مِنهُ تَعالى
كَالرُسلِ عَزماً وَالمَلائِكِ رَحمَةً / وَالأُسدِ بَأساً وَالغُيوثِ نَوالا
عَدَلوا فَكانوا الغَيثَ وَقعاً كُلَّما / ذَهَبوا يَميناً في الوَرى وَشَمالا
وَالعَدلُ في الدُولاتِ أُسٌّ ثابِتٌ / يُفني الزَمانَ وَيُنفِدُ الأَجيالا
أَيّامَ كانَ الناسُ في جَهَلاتِهِم / مِثلَ البَهائِمِ أُرسِلَت إِرسالا
مِن جَهلِهِم بِالدينِ وَالدُنيا مَعاً / عَبَدوا الأَصَمَّ وَأَلَّهوا التِمثالا
ضَلّوا عُقولاً بَعدَ عِرفانِ الهُدى / وَالعَقلُ إِن هُوَ ضَلَّ كانَ عِقالا
حَتّى إِذا اِنقَسَموا تَقَوَّضَ مُلكُهُم / وَالمُلكُ إِن بَطُلَ التَعاوُنُ زالا
لَو أَنَّ أَبطالَ الحُروبِ تَفَرَّقوا / غَلَبَ الجَبانُ عَلى القَنا الأَبطالا
غالِ في قيمَةِ اِبنِ بُطرُسَ غالي
غالِ في قيمَةِ اِبنِ بُطرُسَ غالي / عَلِمَ اللَهُ لَيسَ في الحَقِّ غالي
نَحتَفي بِالأَديبِ وَالحَقُّ يَقضي / وَجَلالُ الأَخلاقِ وَالأَعمالِ
أَدَبُ الأَكثَرينَ قَولٌ وَهَذا / أَدَبٌ في النُفوسِ وَالأَفعالِ
يُظهِرُ المَدحُ رَونَقَ الرَجُلِ الما / جِدِ كَالسَيفِ يَزدَهي بِالصِقالِ
رُبَّ مَدحٍ أَذاعَ في الناسِ فَضلاً / وَأَتاهُمُ بِقُدرَةٍ وَمِثالِ
وَثَناءٍ عَلى فَتى عَمَّ قَوماً / قيمَةُ العِقدِ حُسنُ بَعضِ اللَآلي
إِنَّما يَقدُرُ الكِرامُ كَريمٌ / وَيُقيمُ الرِجالُ وَزنَ الرِجالِ
وَإِذا عَظَّمَ البِلادَ بَنوها / أَنَزَلتُهُم مَنازِلَ الإِجلالِ
تَوَّجَت هامَهُم كَما تَوَّجوها / بِكَريمٍ مِنَ الثَناءِ وَغالي
إِنَّما واصِفٌ بِناءٌ مِنَ الأَخ / لاقِ في دَولَةِ المَشارِقِ عالي
وَنَجيبٌ مُهَذَّبٌ مِن نَجيبٍ / هَذَّبَتهُ تَجارِبُ الأَحوالِ
واهِبُ المالِ وَالشَبابِ لِما يَن / فَعُ لا لِلهَوى وَلا لِلضَلالِ
وَمُذيقُ العُقولِ في الغَربِ مِمّا / عَصَرَ العُربُ في السِنينَ الخَوالي
في كِتابٍ حَوى المَحاسِنَ في الشِع / رِ وَأَوعى جَوائِزَ الأَمثالِ
مِن صِفاتٍ كَأَنَّها العَينُ صِدقاً / في أَداءِ الوُجوهِ وَالأَشكالِ
وَنَسيبٌ تُحاذِرُ الغيدُ مِنهُ / شَرَكَ الحُسنِ أَو شِباكَ الدَلالِ
وَنِظامٍ كَأَنَّهُ فَلَكُ اللَي / لِ إِذا لاحَ وَهوَ بِالزُهرِ حالي
وَبَيانٍ كَما تَجَلّىعَلى الرُس / لِ تَجَلّى عَلى رُعاةِ الضالِ
ما عِلمُنا لِغَيرِهِم مِن لِسانٍ / زالَ أَهلوهُ وَهوَ في إِقبالِ
بَلِيَت هاشِمٌ وَبادَت نِزارٌ / وَاللِسانُ المُبينُ لَيسَ بِبالي
كُلَّما هَمَّ مَجدُهُ بِزَوالٍ / قامَ فَحلُ فَحالَ دونَ الزَوالِ
يا بَني مِصرَ لَم أَقُل أُمَّةَ ال / قِبطِ فَهَذا تَشَبُّثٌ بِمُحالِ
وَاِحتِيالٌ عَلى خَيالٍ مِنَ المَج / دِ وَدَعوى مِنَ العِراضِ الطِوالِ
إِنَّما نَحنُ مُسلِمينَ وَقِبطاً / أُمَّةٌ وُحِّدَت عَلى الأَجيالِ
سَبَقَ النيلُ بِالأُبُوَّةِ فينا / فَهوَ أَصلُ وَآدَمُ الجَدُّ تالي
نَحنُ مِن طينِهِ الكَريمِ عَلى اللَ / هِ وَمِن مائِهِ القَراحِ الزُلالِ
مَرَّ ما مَرَّ مِن قُرونٍ عَلَينا / رُسَّفاً في القُيودِ وَالأَغلالِ
وَاِنقَضى الدَهرُ بَينَ زَغرَدَةِ العُر / سِ وَحَثوِ التُرابِ وَالإِعوالِ
ما تَحَلّى بِكُم يَسوعُ وَلا كُن / نا لِطَهَ وَدينِهِ بِجَمالِ
وَتُضاعُ البِلادُ بِالقَومِ عَنها / وَتُضاعُ الأُمورُ بِالإِهمالِ
يا شَبابَ الدِيارِ مِصرُ إِلَيكُم / وَلِواءُ العَرينِ لِلأَشبالِ
كُلَّما رُوِّعَت بِشُبهَةِ بَأسٍ / جَعَلَتكُم مَعاقِلَ الآمالِ
هَيِّؤوها لِما يَليقُ بِمَنفٍ / وَكَريمِ الآثارِ وَالأَطلالِ
وَاِنهَضوا نَهضَةَ الشُعوبِ لِدُنيا / وَحَياةٍ كَبيرَةِ الأَشغالِ
وَإِلى اللَهِ مَن مَشى بِصَليبٍ / في يَدَيهِ وَمَن مَشى بِهِلالِ
لَنا صاحِبٌ قَد مُسَّ إِلّا بَقِيَّةٌ
لَنا صاحِبٌ قَد مُسَّ إِلّا بَقِيَّةٌ / فَلَيسَ بِمَجنونٍ وَلَيسَ بِعاقِلِ
لَهُ قَدَمٌ لا تَستَقِرُّ بِمَوضِعٍ / كَما يَتَنَزّى في الحَصى غَيرُ ناعِلِ
إِذا ما بَدا في مَجلِسٍ ظُنَّ حافِلاً / مِنَ الصَخَبِ العالي وَلَيسَ بِحافِلِ
وَيُمطِرُنا مِن لَفظِهِ كُلَّ جامِدٍ / وَيُمطِرُنا مِن رَيلِهِ شَرَّ سائِلِ
وَيُلقي عَلى السُمّارِ كَفّاً دِعابُها / كَعَضَّةِ بَردٍ في نَواحي المَفاصِلِ
مَحجوبُ إِن جِئتَ الحِجا
مَحجوبُ إِن جِئتَ الحِجا / زَ وَفي جَوانِحِكَ الهَوى لَه
شَوقاً وَحُبّاً بِالرَسو / لِ وَآلِهِ أَزكى سُلالَه
فَلَمَحتَ نَضرَةَ بانِهِ / وَشَمَمتَ كَالرَيحانِ ضالَه
وَعَلى العَتيقِ مَشَيتَ تَن / ظُرُ فيهِ دَمعَكَ وَاِنهِمالَه
وَمَضى السُرى بِكَ حَيثُ كا / نَ الروحُ يَسري وَالرِسالَه
وَبَلَغتَ بَيتاً بِالحِجا / زِ يُبارِكُ الباري حِيالَه
اللَهُ فيهِ جَلا الحَرا / مَ لِخَلقِهِ وَجَلا حَلالَه
فَهُناكَ طِبُّ الروحِ طِب / بُ العالَمينَ مِنَ الجَهالَه
وَهُناكَ أَطلالُ الفَصا / حَةِ وَالبَلاغَةِ وَالنَبالَه
وَهُناكَ أَزكى مَسجِدٍ / أَزكى البَرِيَّةِ قَد مَشى لَه
وَهُناكَ عُذرِيُّ الهَوى / وَحَديثُ قَيسٍ وَالغَزالَه
وَهُناكَ مُجري الخَيلِ يَج / ري في أَعِنَّتِها خَيالَه
وَهُناكَ مَن جَمَعَ السَما / حَةَ وَالرَجاحَةَ وَالبَسالَه
وَهُناكَ خَيَّمَتِ النُهى / وَالعِلمُ قَد أَلقى رِحالَه
وَهُناكَ سَرحُ حَضارَةٍ / اللَهُ فَيَّأَنا ظِلالَه
إِنَّ الحُسَينَ اِبنَ الحُسَي / نِ أَميرَ مَكَّةَ وَالإِيالَه
قَمَرُ الحَجيجِ إِذا بَدا / دارُ الحَجيجِ عَلَيهِ هالَه
أَنتَ العَليلُ فَلُذ بِهِ / مُستَشفِياً وَاِغنَم نَوالَه
لا طِبَّ إِلّا جَدُّهُ / شافي العُقولِ مِنَ الضَلالَه
قَبِّل ثَراهُ وَقُل لَهُ / عَنّي وَبالِغ في المَقالَه
أَنا يا اِبنَ أَحمَدَ بَعدَ مَد / حي في أَبيكَ بِخَيرِ حالَه
أَنا في حِمى الهادي أَبي / كَ أُحِبُّهُ وَأُجِلُّ آلَه
شَوقي إِلَيكَ عَلى النَوى / شَوقُ الضَريرِ إِلى الغَزالَه
يا اِبنَ المُلوكِ الراشِدي / نَ الصالِحينَ أُلي العَدالَه
إِن كانَ بِالمُلكِ الجَلا / لَةُ فَالنَبِيُّ لَكُم جَلالَه
أَوَلَيسَ جَدُّكُمُ الَّذي / بَلَغَ الوُجودَ بِهِ كَمالَه
إِلى حُسَينٍ حاكِمِ القَنالِ
إِلى حُسَينٍ حاكِمِ القَنالِ / مِثالِ حُسنِ الخُلقِ في الرِجالِ
أُهدي سَلاماً طَيِّباً كَخُلقِهِ / مَع اِحتِرامٍ هُوَ بَعضُ حَقِّهِ
وَأَحفَظُ العَهدَ لَهُ عَلى النَوى / وَالصِدقَ في الوُدِّ لَهُ وَفي الهَوى
وَبَعدُ فَالمَعروفُ بَينَ الصَحبِ / أَنَّ التَهادي مِن دَواعي الحُبِّ
وَعِندَكَ الزَهرُ وَعِندي الشِعرُ / كِلاهُما فيما يُقالُ نَدرُ
وَقَد سَمِعتُ عَنكَ مِن ثِقاتِ / أَنَّكَ أَنتَ مَلِكُ النَباتِ
زَهرُكَ لَيسَ لِلزُهورِ رَونَقُهُ / تَكادُ مِن فَرطِ اِعتِناءٍ تَخلُقُهُ
ما نَظَرَت مِثلَكَ عَينُ النَرجِسِ / بَعدَ مُلوكِ الظُرفِ في الأَندَلُسِ
وَلي مِنَ الحَدائِقِ الغَنّاءِ / رَوضٌ عَلى المَطَرِيَّةِ الفَيحاءِ
أَتَيتُ أَستَهدي لَها وَأَسأَلُ / وَأَرتَضي النَزرُ وَلا أُثَقِّلُ
عَشرَ شُجَيراتٍ مِنَ الغَوالي / تَندُرُ إِلّا في رِياضِ الوالي
تَزكو وَتَزهو في الشِتا وَالصَيفِ / وَتَجمَعُ الأَلوانَ مِثلَ الطَيفِ
تُرسِلُها مُؤَمِّناً عَلَيها / إِن هَلَكَت لِيَ الحَقُّ في مِثلَيها
وَالحَقُّ في الخُرطومِ أَيضاً حَقّي / وَالدَرسُ لِلخادِمِ كَيفَ يَسقي
وَبَعدَ هَذا لي عَلَيكَ زَورَه / لِكَي تَدورَ حَولَ رَوضِيَ دَورَه
فَإِن فَعَلتَ فَالقَوافي تَفعَلُ / ما هُوَ مِن فِعلِ الزُهورِ أَجمَلُ
فَما رَأَيتُ في حَياتي أَزيَنا / لِلمَرءِ بَينَ الناسِ مِن حُسنِ الثَنا
فَدَتكَ الجَوانِحُ مِن نازِلٍ
فَدَتكَ الجَوانِحُ مِن نازِلٍ / وَأَهلاً بِطَيفِكَ مِن واصِلِ
بَذَلتَ لَهُ الجَفنَ دونَ الكَرى / وَمَن بِالكَرى لِلشَجِيِ الباذِلِ
وَقُلتُ أَراكَ بِرُغمِ العَذول / فَنابَ السُهادُ عَنِ العاذِلِ
فَوَيحَ المُتَيَّمِ حَتّى الخَيالُ / إِذا زارَ لَم يَخلُ مِن حائِلِ
يَحِنُّ إِلَيكَ ضُلوعٌ عَفَت / مِنَ البَينِ في جَسَدٍ ناحِلِ
وَقَلبٌ جَوٍ عِندَها خافِقٌ / تَعَلَّقَ بِالسَنَدِ المائِلِ
وَمِن عَبَثِ العِشقِ بِالعاشِقين / حَنينُ القَتيلِ إِلى القاتِلِ
غَفِلتُ عَنِ الكَأسِ حَتّى طَغَت / وَلي أَدَبٌ لَيسَ بِالغافِلِ
وَشَفَّت وَما شَفَّ مِنّي الضَميرُ / وَأَينَ الجَمادُ مِنَ العاقِلِ
يَظَلُّ نَديمي يُسقى بِها / وَيَشرَبُ مِن خُلُقي الفاضِلِ
أُبِدِّدُها كَرَماً كُلَّما / بَدَت لِيَ كَالذَهَبِ السائِلِ
لامَ فيكُم عَذولُهُ وَأَطالا
لامَ فيكُم عَذولُهُ وَأَطالا / كَم إِلى كَم يُعالِجُ العُذّالا
كُلَّ يَومٍ لَهُم أَحاديثُ لَومٍ / بَدَأَت راحَةً وَعادَت مَلالا
بَعَثتُ ذِكرَكُم فَجاءَت خِفافاً / وَاِقتَضَت هَجرَكُم فَراحَت ثِقالا
أَيُّها المُنكِرُ الغَرامَ عَلَينا / حَسبُكَ اللَهُ قَد جَحَدتَ الجَمالا
آيَةُ الحُسنِ لِلقُلوبِ تَجَلَّت / كَيفَ لا تَعشَقُ العُيونُ اِمتِثالا
لَكَ نُصحي وَما عَلَيكَ جِدالي / آفَةُ النُصحِ أَن يَكونَ جِدالا
وَهَبِ الرُشدَ أَنَّني أَنا أَسلو / ما مِنَ العَقلِ أَن تَرومَ مُحالا
باتَ المُعَنّى وَالدُجى يَبتَلي
باتَ المُعَنّى وَالدُجى يَبتَلي / وَالبَرحُ لا وانٍ وَما مُنجَلي
وَالشُهبُ في كُلِّ سَبيلٍ لَهُ / بِمَوقِفِ اللُوّامِ وَالعُذَّلِ
إِذا رَعاها ساهِياً ساهِراً / رَعَينَهُ بِالحَدَقِ الغُفَّلِ
يا لَيلُ قَد جُرتَ وَلَم تَعدِلِ / ما أَنتَ يا أَسوَدُ إِلّا خَلي
تَاللَهِ لَو حُكِّمَت في الصُبحِ أَن / تَفعَلَ أَحجَمتَ فَلَم تَفعَلِ
أَو شِمتَ سَيفاً في جُيوشِ الضُحى / ما كُنتَ لِلأَعداءِ ما أَنتَ لي
أَبيتُ أُسقى وَيُديرُ الجَوى / وَالكَأسُ لا تَفنى وَلا تَمتَلي
الخَدُّ مِن دَمعي وَمِن فَيضِهِ / يَشرَبُ مِن عَينٍ وَمِن جَدوَلِ
وَالشَوقُ نارٌ في رَمادِ الأَسى / وَالفِكرُ يُذكي وَالحَشا يَصطَلي
وَالقَلبُ قَوّامٌ عَلى أَضلُعي / كَأَنَّهُ الناقوسُ في الهَيكَلِ
حَياةٌ ما نُريدُ لَها زِيالا
حَياةٌ ما نُريدُ لَها زِيالا / وَدُنيا لا نَوَدُّ لَها اِنتِقالا
وَعَيشٌ في أُصولِ المَوتِ سَمٌّ / عُصارَتُهُ وَإِن بَسَطَ الظِلالا
وَأَيّامٌ تَطيرُ بِنا سَحاباً / وَإِن خيلَت تَدِبُّ بِنا نِمالا
نُريها في الضَميرِ هَوىً وَحُبّاً / وَنُسمِعُها التَبرُّمَ وَالمَلالا
قِصارٌ حينَ نَجري اللَهوَ فيها / طِوالٌ حينَ نَقطَعُها فِعالا
وَلَم تَضُقِ الحَياةُ بِنا وَلَكِن / زِحامُ السوءِ ضَيَّقَها مَجالا
وَلَم تَقتُل بِراحَتِها بَنيها / وَلَكِن سابَقوا المَوتَ اِقتِتالا
وَلَو زادَ الحَياةَ الناسُ سَعياً / وَإِخلاصاً لَزادَتهُم جَمالا
كَأنَّ اللَهَ إِذ قَسَمَ المَعالي / لِأَهلِ الواجِبِ اِدَّخَرَ الكَمالا
تَرى جِدّاً وَلَستَ تَرى عَلَيهِم / وُلوعاً بِالصَغائِرِ وَاِشتِغالا
وَلَيسوا أَرغَدَ الأَحياءِ عَيشاً / وَلَكِن أَنعَمَ الأَحياءِ بالا
إِذا فَعَلوا فَخَيرُ الناسِ فِعلاً / وَإِن قالوا فَأَكرَمُهُم مَقالا
وَإِن سَأَلَتهُمو الأَوطانُ أَعطَوا / دَماً حُرّاً وَأَبناءً وَمالا
بَني البَلَدِ الشَقيقِ عَزاءَ جارٍ / أَهابَ بِدَمعِهِ شَجَنٌ فَسالا
قَضى بِالأَمسِ لِلأَبطالِ حَقّاً / وَأَضحى اليَومَ بِالشُهَداءِ غالي
يُعَظِّمُ كُلَّ جُهدٍ عَبقَرِيٍّ / أَكانَ السِلمَ أَم كانَ القِتالا
وَما زِلنا إِذا دَهَتِ الرَزايا / كَأَرحَمِ ما يَكونُ البَيتُ آلا
وَقَد أَنسى الإِساءَةَ مِن حَسودٍ / وَلا أَنسى الصَنيعَةَ وَالفِعالا
ذَكَرتُ المِهرَجانَ وَقَد تَجَلّى / وَوَفدَ المَشرِقَينِ وَقَد تَوالى
وَداري بَينَ أَعراسِ القَوافي / وَقَد جُلِيَت سَماءً لا تُعالى
تَسَلَّلَ في الزِحامِ إِلَيَّ نِضوٌ / مِنَ الأَحرارِ تَحسَبُهُ خَيالا
رَسولُ الصابِرينَ أَلَمَّ وَهناً / وَبَلَّغَني التَحِيَّةَ وَالسُؤالا
دَنا مِنّي فَناوَلَني كِتاباً / أَحَسَّت راحَتايَ لَهُ جَلالا
وَجَدتُ دَمَ الأُسودِ عَلَيهِ مِسكاً / وَكانَ الأَصلُ في المِسكِ الغَزالا
كَأَنَّ أَسامِيَ الأَبطالِ فيهِ / حَوامِمٌ عَلى رِقٍّ تَتالى
رُواةُ قَصائِدي قَد رَتَّلوها / وَغَنَّوها الأَسِنَّةَ وَالنِصالا
إِذا رَكَزوا القَنا اِنتَقَلوا إِلَيها / فَكانَت في الخِيامِ لَهُم نِقالا
بَني سورِيَّةَ اِلتَئِموا كَيَومٍ / خَرَجتُم تَطلُبونَ بِهِ النِزالا
سَلو الحُرِيَّةَ الزَهراءَ عَنّا / وَعَنكُم هَل أَذاقَتنا الوِصالا
وَهَل نِلنا كِلانا اليَومَ إِلّا / عَراقيبَ المَواعِدِ وَالمِطالا
عَرَفتُم مَهرَها فَمَهَرتُموها دَماً / صَبَغَ السَباسِبَ وَالدِغالا
وَقُمتُم دونَها حَتّى خَضَبتُم / هَوادِجَها الشَريفَةَ وَالحِجالا
دَعوا في الناسِ مَفتوناً جَباناً / يَقولُ الحَربُ قَد كانَت وَبالا
أَيُطلَبُ حَقَّهُم بِالروحِ قَومٌ / فَتَسمَعُ قائِلاً رَكِبوا الضَلالا
وَكونوا حائِطاً لا صَدعَ فيهِ / وَصَفّاً لا يُرَقَّعُ بِالكَسالى
وَعيشوا في ظِلالِ السِلمِ كَدّاً / فَلَيسَ السِلمُ عَجزاً وَاِتِّكالا
وَلَكِن أَبَعدَ اليَومَينِ مَرمىً / وَخَيرَهُما لَكُم نُصحاً وَآلا
وَلَيسَ الحَربُ مَركَبَ كُلِّ يَومٍ / وَلا الدَمُ كُلَّ آوِنَةٍ حَلالا
سَأَذكُرُ ما حَييتُ جِدارَ قَبرٍ / بِظاهِرِ جِلَّقَ رَكِبَ الرِمالا
مُقيمٌ ما أَقامَت مَيسَلونٌ / يَذكُرُ مَصرَعَ الأُسُدِ الشِبالا
لَقَد أَوحى إِلَيَّ بِما شَجاني / كَما توحي القُبورُ إِلى الثَكالى
تَغَيَّبَ عَظمَةُ العَظَماتِ فيهِ / وَأَوَّلُ سَيِّدٍ لَقِيَ النِبالا
كَأَنَّ بُناتَهُ رَفَعوا مَناراً / مِنَ الإِخلاصِ أَو نَصَبوا مِثالا
سِراجُ الحَقِّ في ثَبَجِ الصَحارى / تَهابُ العاصِفاتُ لَهُ ذُبالا
تَرى نورَ العَقيدَةِ في ثَراهُ / وَتَنشَقُ في جَوانِبِهِ الخِلالا
مَشى وَمَشَت فَيالِقُ مِن فَرَنسا / تَجُرُّ مَطارِفَ الظَفَرِ اِختِيالا
مَلَأنَ الجَوَّ أَسلِحَةً خِفاقاً / وَوَجهَ الأَرضِ أَسلِحَةً ثِقالا
وَأَرسَلنَ الرِياحَ عَلَيهِ ناراً / فَما حَفَلَ الجَنوبُ وَلا الشَمالا
سَلوهُ هَل تَرَجَّلَ في هُبوبٍ / مِنَ النيرانِ أَرجَلَتِ الجِبالا
أَقامَ نَهارَهُ يُلقي وَيَلقى / فَلَمّا زالَ قُرصُ الشَمسِ زالا
وَصاحَ نَرى بِهِ قَيدَ المَنايا / وَلَستَ تَرى الشَكيمَ وَلا الشِكالا
فَكُفِّنَ بِالصَوارِمِ وَالعَوالي / وَغُيِّبَ حَيثُ جالَ وَحَيثُ صالا
إِذا مَرَّت بِهِ الأَجيالُ تَترى / سَمِعتَ لَها أَزيزاً وَاِبتِهالا
تَعَلَّقَ في ضَمائِرِهِم صَليباً / وَحَلَّقَ في سَرائِرِهِم هِلالا
جَعَلتُ حُلاها وَتِمثالَها
جَعَلتُ حُلاها وَتِمثالَها / عُيونَ القَوافي وَأَمثالَها
وَأَرسَلتُها في سَماءِ الخَيالِ / تَجُرُّ عَلى النَجمِ أَذيالَها
وَإِنّي لِغِرّيدُ هَذي البِطاحِ / تَغَذّى جَناها وَسَلسالَها
تَرى مِصرَ كَعبَةَ أَشعارِهِ / وَكُلِّ مُعَلَّقَةٍ قالَها
وَتَلمَحُ بَينَ بُيوتِ القَصيد / حِجالَ العَروسِ وَأَحجالَها
أَدارَ النَسيبَ إِلى حُبِّها / وَوَلّى المَدائِحَ إِجلالَها
أَرَنَّ بِغابِرِها العَبقَرِيُّ / وَغَنّى بِمِثلِ البُكا حالَها
وَيَروي الوَقائِعَ في شِعرِهِ / يَروضُ عَلى البَأسِ أَطفالَها
وَما لَمَحوا بَعدُ ماءَ السُيوف / فَما ضَرَّ لَو لَمَحوا آلَها
وَيَومٍ ظَليلِ الضُحى مِن بَشنَسَ / أَفاءَ عَلى مِصرَ آمالَها
رَوى ظُلُّهُ عَن شَبابِ الزَمانِ / رَفيفَ الحَواشي وَإِخضالَها
مَشَت مِصرُ فيهِ تُعيدُ العُصورَ / وَيَغمُرُ ذِكرُ الصِبا بالَها
وَتَعرِضُ في المِهرَجانِ العَظيمِ / ضُحاها الخَوالي وَآصالَها
وَأَقبَلَ رَمسيسُ جَمَّ الجَلالِ / سَنِيَّ المَواكِبِ مُختالَها
وَما دانَ إِلّا بِشورى الأُمورِ / وَلا اِختالَ كِبراً وَلا اِستالَها
فَحَيّا بِأَبلَجَ مِثلِ الصِباحِ / وُجوهَ البِلادِ وَأَرسالَها
وَأَوما إِلى ظُلُماتِ القُرونِ / فَشَقَّ عَنِ الفَنِّ أَسدالَها
فَمَن يُبلِغُ الكَرنَكَ الأَقصُرِيَّ / وَيُنبِئُ طَيبَةَ أَطلالَها
وَيُسمِعُ ثَمَّ بِوادي المُلوكِ / مُلوكَ الدِيارِ وَأَقيالَها
وَكُلَّ مُخَلَّدَةٍ في الدُمى / هُنالِكَ لَم نُحصِ أَحوالَها
عَلَيها مِنَ الوَحيِ ديباجَةٌ / أَلَحَّ الزَمانُ فَما اِزدالَها
تَكادُ وَإِن هِيَ لَم تَتَّصِل / بِروحٍ تُحَرِّكُ أَوصالَها
وَما الفَنُّ إِلّا الصَريحُ الجَميلُ / إِذا خالَطَ النَفسَ أَوحى لَها
وَما هُوَ إِلّا جَمالُ العُقولِ / إِذا هِيَ أَولَتهُ إِجمالَها
لَقَد بَعَثَ اللَهُ عَهدَ الفُنونِ / وَأَخرَجَتِ الأَرضُ مَثّالَها
تَعالَوا نَرى كَيفَ سَوّى الصَفاةَ / فَتاةً تُلَملِمُ سِربالَها
دَنَت مِن أَبي الهَولِ مَشيَ الرَؤومِ / إِلى مُقعَدٍ هاجَ بَلبالَها
وَقَد جابَ في سَكَراتِ الكَرى / عُروضَ اللَيالي وَأَطوالَها
وَأَلقى عَلى الرَملِ أَرواقَهُ / وَأَرسى عَلى الأَرضِ أَثقالَها
يُخالُ لِإِطراقِهِ في الرِملِ / سَطيحَ العُصورِ وَرَمّالَها
فَقالَت تَحَرَّك فَهمَ الجَماد / كَأَنَّ الجَمادَ وَعى قالَها
فَهَل سَكَبَت في تَجاليدِهِ / شُعاعَ الحَياةِ وَسَيّالَها
أَتَذكُرُ إِذ غَضِبَت كَاللُباةِ / وَلَمَّت مِنَ الغيلِ أَشبالَها
وَأَلقَت بِهِم في غِمارِ الخُطوبِ / فَخاضوا الخُطوبَ وَأَهوالَها
وَثاروا فَجُنَّ جُنونُ الرِياحِ / وَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها
وَباتَ تَلَمُّسُهُم شَيخَهُم / حَديثَ الشُعوبِ وَأَشغالَها
وَمَن ذا رَأى غابَةً كافَحَت / فَرَدَّت مِن الأَسرِ رِئبالَها
وَأَهيَبُ ما كانَ يَأسُ الشُعوبِ / إِذا سَلَّحَ الحَقُّ أَعزالَها
فُوادُ اِرفَعِ السِترَ عَن نَهضَةٍ / تَقَدَّمَ جَدُّكَ أَبطالَها
وَرُبَّ اِمرِئٍ لَم تَلِدهُ البِلادُ / نَماها وَنَبَّهَ أَنسالَها
وَلَيسَ اللَآلِئُ مِلكَ البُحورِ / وَلَكِنَّها مِلكُ مَن نالَها
وَما كَعَلِيٍّ وَلا جيلِهِ / إِذا عَرَضَت مِصرُ أَجيالَها
بَنَوا دَولَةً مِن بَناتِ الأَسِنَّ / ةِ لَم يَشهَدِ النيلُ أَمثالَها
لَئِن جَلَّلَ البَحرَ أُسطولُها / لَقَد لَبِسَ البَرُّ قِسطالَها
فأَمّا أَبوكَ فَدُنيا الحَضا / رَةِ لَو سالَمَ الدَهرُ إِقبالَها
تَخَيَّر إِفريقيا تاجَهُ / وَرَكَّبَ في التاجِ صومالَها
رِكابُكَ يا اِبنَ المُعِزِّ الغُيوثُ / وَيَفضُلنَ في الخَيرِ مِنوالَها
إِذا سِرنَ في الأَرضِ نَسَّينَها / رِكابَ السَماءِ وَأَفضالَها
فَلَم تَبرِحِ القَصرَ إِلّا شَفيتَ / جُدوبَ العُقولِ وَإِمحالَها
لَقَد رَكَّبَ اللهُ في ساعِدَيكَ / يَمينَ الجُدودِ وَشيمالَها
تَخُطُّ وَتَبني صُروحَ العُلومِ / وَتَفتَحُ لِلشَرقِ أَقفالَها
أَحَيثُ تَلوحُ المُنى تَأفُلُ
أَحَيثُ تَلوحُ المُنى تَأفُلُ / كَفى عِظَةً أَيُّها المَنزِلُ
حَكَيتَ الحَياةَ وَحالاتِها / فَهَلّا تَخَطَّيتَ ما تَنقُلُ
أَمِن جُنحِ لَيلٍ إِلى فَجرِهِ / حِمىً يَزدَهي وَحِمىً يَعطُلُ
وَذَلِكَ يوحِشُ مِن رَبَّةٍ / وَذَلِكَ مِن رَبَّةٍ يَأهَلُ
أَجابَ النَعيُّ لَدَيكَ البَشيرَ / وَذاقَ بِكَأسَيهِما المَحفِلُ
وَأَطرَقَ بَينَهُما والِدٌ / أَخو تَرحَةٍ لَيلُهُ أَليَلُ
يَفيءُ إِلى العَقلِ في أَمرِهِ / وَلَكِنَّهُ القَلبُ لا يَعقِلُ
تَهاوَت عَنِ الوَردِ أَغصانُهُ / وَطارَ عَنِ البَيضَةِ البُلبُلُ
وَراحَت حَياةٌ وَجاءَت حَياة / وَأَظهَرَ قُدرَتَهُ المُبدِلُ
وَما غَيرُ مَن قَد أَتى مُدبِرٌ / وَلا غَيرُ مَن قَد مَضى مُقبِلُ
كَأَنّي بِسامي هَلوُعِ الفُؤادِ / إِذا أَسمَعَت هَمسَةٌ يَعجَلُ
يَرى قَدَراً يَأمُلُ اللُطفَ فيهِ / وَعادي الرَدى دونَ ما يَأمُلُ
يُضيءُ لِضيفانِهِ بِشرُهُ / وَبَينَ الضُلوعِ الغَضى المُشعَلُ
وَيُقريهُمُ الأُنسَ في مَنزِلٍ / وَيَجمَعُهُ وَالأَسى مَنزِلُ
فَمِن غادَةٍ في مَجالي الزِفافِ / إِلى غادَةٍ داؤُها مُعضِلُ
وَذي في نَفاسَتِها تَنطَوي / وَذي في نَفائِسِها تَرفُلُ
تَقَسَّمَ بَينَهُما قَلبُهُ / وَخانَتهُ عَيناهُ وَالأَرجُلُ
فَيا نَكَدَ الحُرِّ هَل تَنقَضي / وَيا فَرَحَ الحُرِّ هَل تَكمُلُ
وَيا صَبرَ سامي بَلَغتَ المَدى / وَيا قَلبَهُ السَهلَ كَم تَحمِلُ
لَقَد زُدتَ مِن رِقَّةٍ كَالصِراطِ / وَدونَ صَلابَتِكَ الجَندَلُ
يَمُرُّ عَلَيكَ خَليطُ الخُطوبِ / وَيَجتازُكَ الخِفُّ وَالمُثقَلُ
وَيا رَجُلَ الحِلمِ خُذ بِالرِضى / فَذَلِكَ مِن مُتَّقٍ أَجمَلُ
أَتَحسَبُ شَهِدا إِناءَ الزَمانِ / وَطينَتُهُ الصابُ وَالحَنظَلُ
وَما كانَ مِن مُرِّهِ يَعتَلي / وَما كانَ مِن حُلوِهِ يَسفُلُ
وَأَنتَ الَّذي شَرِبَ المُترَعاتِ / فَأَيُّ البَواقي بِهِ تَحفِلُ
أَفي ذا الجَلالِ وَفي ذا الوَقارِ / تُخيفُكَ ضَرّاءُ أَو تُذهِلُ
أَلَم تَكُنِ المُلكَ في عِزِّهِ / وَباعُكَ مِن باعِهِ أَطوَلُ
وَقَولُكَ مِن فَوقِ قَولِ الرِجالِ / وَفِعلُكَ مِن فِعلِهِم أَنبَلُ
سَتَعرِفُ دُنياكَ مَن ساوَمَت / وَأَن وَقارَكَ لا يُبذَلُ
كَأَنَّكَ شَمشونُ هَذي الحَياةِ / وَكُلُّ حَوادِثِها هَيَكلُ
اُنظُر إِلى الأَقمارِ كَيفَ تَزولُ
اُنظُر إِلى الأَقمارِ كَيفَ تَزولُ / وَإِلى وُجوهِ السَعدِ كَيفَ تَحولُ
وَإِلى الجِبالِ الشُمِّ كَيفَ يُميلُها / عادي الرَدى بِإِشارَةٍ فَتَميلُ
وَإِلى الرِياحِ تَخِرُّ دونَ قَرارِها / صَرعى عَلَيهِنَّ التُرابُ مَهيلُ
وَإِلى النُسورِ تَقاسَرَت أَعمارُها / وَالعَهدُ في عُمرِ النُسورِ يَطولُ
في كُلِّ مَنزِلَةٍ وَكُلِّ سَمِيَّةٍ / قَمَرٌ مِنَ الغُرِّ السُماةِ قَتيلُ
يَهوي القَضاءُ بِها فَما مِن عاصِمٍ / هَيهاتَ لَيسَ مِنَ القَضاءِ مُقيلُ
فَتحُ السَماءِ وَنورُها سَكَنا الثَرى / فَالأَرضُ وَلهى وَالسَماءُ ثَكولُ
سِر في الهَواءِ وَلُذ بِناصِيَةِ السُها / المَوتُ لا يَخفى عَلَيهِ سَبيلُ
وَاِركَب جَناحَ النَسرِ لا يَعصِمكَ مِن / نَسرٍ يُرَفرِفُ فيهِ عِزرائيلُ
وَلِكُلِّ نَفسٍ ساعَةٌ مَن لَم يَمُت / فيها عَزيزاً ماتَ وَهوَ ذَليلُ
أَإِلى الحَياةِ سَكَنتَ وَهيَ مَصارِعٌ / وَإِلى الأَماني يَسكَنُ المَسلولُ
لا تَحفَلَنَّ بِبُؤسِها وَنَعيمِها / نُعمى الحَياةِ وَبُؤسُها تَضليلُ
ما بَينَ نَضرَتِها وَبَينَ ذُبولِها / عُمرُ الوُرودِ وَإِنَّهُ لَقَليلُ
هَذا بَشيرُ الأَمسِ أَصبَحَ ناعِياً / كَالحُلمِ جاءَ بِضِدِّهِ التَأويلُ
يَجري مِنَ العَبَراتِ حَولَ حَديثِهِ / ما كانَ مِن فَرَحٍ عَلَيهِ يَسيلُ
وَلَرُبَّ أَعراسٍ خَبَأنَ مَأتَماً / كَالرُقطِ في ظِلِّ الرِياضِ تَقيلُ
يا أَيُّها الشُهَداءُ لَن يُنسى لَكُم / فَتحٌ أَغَرُّ عَلى السَماءِ جَميلُ
وَالمَجدُ في الدُنيا لِأَوَّلِ مُبتَنٍ / وَلِمَن شُيِّدَ بَعدَهُ فَيُطيلُ
لَولا نُفوسٌ زُلنَ في سُبُلِ العُلا / لَم يَهدِ فيها السالِكينَ دَليلُ
وَالناسُ باذِلُ روحِهِ أَو مالِهِ / أَو عِلمِهِ وَالآخَرونَ فُضولُ
وَالنَصرُ غُرَّتُهُ الطَلائِعُ في الوَغى / وَالتابِعونَ مِنَ الخَميسِ حُجولُ
كَم أَلفُ ميلٍ نَحوَ مِصرَ قَطَعتُم / فيمَ الوُقوفُ وَدونَ مِصرٍ ميلُ
طوروسُ تَحتَكِمُ ضَئيلٌ طَرفُهُ / لَمّا طَلَعتُم في السَحابِ كَليلُ
تَرخونَ لِلريحِ العِنانَ وَإِنَّها / لَكُم عَلى طُغيانِها لَذَلولُ
اِثنَينِ اِثرَ اِثنَينِ لَم يَخطُر لَكُم / أَنَّ المَنِيَّةَ ثالِثٌ وَزَميلُ
وَمِنَ العَجائِبِ في زَمانِكَ أَن يَفي / لَكَ في الحَياةِ وَفي المَماتِ خَليلُ
لَو كانَ يُفدى هالِكٌ لَفَداكُمُ / في الجَوِّ نَسرٌ بِالحَياةِ بَخيلُ
أَيُّ الغُزاةِ أُلي الشَهادَةِ قَبلَكُم / عَرضُ السَماءِ ضَريحُهُم وَالطولُ
يَغدو عَلَيكُم بِالتَحِيَّةِ أَهلُها / وَيُرَفرِفُ التَسبيحُ وَالتَهليلُ
إِدريسُ فَوقَ يَمينِهِ رَيحانَةٌ / وَيَسوعُ فَوقَ يَمينهِ إِكليلُ
في عالَمٍ سُكّانُهُ أَنفاسُهُم / طيبٌ وَهَمسُ حَديثِهِم إِنجيلُ
إِنّي أَخافُ عَلى السَماءِ مِنَ الأَذى / في يَومِ يُفسِدُ في السَماءِ الجيلُ
كانَت مُطَهَّرَةَ الأَديمِ نَقِيَّةً / لا آدَمٌ فيها وَلا قابيلُ
يَتَوَجَّهُ العاني إِلى رَحَماتِها / وَيَرى بِها بَرقَ الرَجاءِ عَليلُ
وَيُشيرُ بِالرَأسِ المُكَلَّلِ نَحوَها / شَيخٌ وَبِاللَحظِ البَريءِ بَتولُ
وَاليَومَ لِلشَهَواتِ فيها وَالهَوى / سَيلٌ وَلِلدَمِ وَالدُموعِ مَسيلُ
أَضحَت وَمِن سُفُنِ الجَواءِ طَوائِفٌ / فيها وَمِن خَيلِ الهَواءِ رَعيلُ
وَأُزيلَ هَيكَلُها المَصونُ وَسِرُّهُ / وَالدَهرُ لِلسِرِّ المَصونِ مُذيلُ
هَلِعَت دِمَشقُ وَأَقبَلَت في أَهلِها / مَلهوفَةً لَم تَدرِ كَيفَ تَقولُ
مَشَتِ الشُجونُ بِها وَعَمَّ غِياطَها / بَينَ الجَداوِلِ وَالعُيونِ ذُبولُ
في كُلِّ سَهلٍ أَنَّةٌ وَمَناحَةٌ / وَبِكُلِّ حَزنٍ رَنَّةٌ وَعَويلُ
وَكَأَنَّما نُعِيَت أُمَيَّةُ كُلُّها / لِلمَسجِدِ الأَمَوِيِّ فَهوَ طُلولُ
خَضَعَت لَكُم فيهِ الصُفوفُ وَأُزلِفَت / لَكُمُ الصَلاةُ وَقُرِّبَ التَرتيلُ
مِن كُلِّ نَعشٍ كَالثُرَيّا مَجدُهُ / في الأَرضِ عالٍ وَالسَماءِ أَصيلُ
فيهِ شَهيدٌ بِالكِتابِ مُكَفَّنٌ / بِمَدامِعِ الروحِ الأَمينِ غَسيلُ
أَعوادُهُ بَينَ الرِجالِ وَأَصلُهُ / بَينَ السُهى وَالمُشتَري مَحمولُ
يَمشي الجُنودُ بِهِ وَلَولا أَنَّهُم / أَولى بِذاكَ مَشى بِهِ جِبريلُ
حَتّى نَزَلتُم بُقعَةً فيها الهَوى / مِن قَبلُ ثاوٍ وَالسَماحُ نَزيلُ
عَظُمَت وَجَلَّ ضَريحُ يوسُفَ فَوقَها / حَتّى كَأَنَّ المَيتَ فيهِ رَسولُ
شِعري إِذا جُبتَ البِحارَ ثَلاثَةً / وَحَواكَ ظِلٌّ في فُروقَ ظَليلُ
وَتَداوَلَتكَ عِصابَةٌ عَرَبِيَّةٌ / بَينَ المَآذِنِ وَالقِلاعِ نُزولُ
وَبَلَغتَ مِن بابِ الخِلافَةِ سُدَّةً / لِسُتورِها التَمسيحُ وَالتَقبيلُ
قُل لِلإِمامِ مُحَمَّدٍ وَلِآلِهِ / صَبرُ العِظامِ عَلى العَظيمِ جَميلُ
تِلكَ الخُطوبُ وَقَد حَمَلتُم شَطرَها / ناءَ الفُراتُ بِشَطرِها وَالنيلُ
إِن تَفقِدوا الآسادَ أَو أَشبالَها / فَالغابُ مِن أَمثالِها مَأهولُ
صَبراً فَأَجرُ المُسلِمينَ وَأَجرُكُم / عِندَ الإِلَهِ وَإِنَّهُ لَجَزيلُ
يا مَن خِلافَتُهُ الرَضِيَّةُ عِصمَةٌ / لِلحَقِّ أَنتَ بِأَن يُحَقَّ كَفيلُ
وَاللَهُ يَعلَمُ أَنَّ في خُلَفائِهِ / عَدلاً يُقيمُ المُلكَ حينَ يَميلُ
وَالعَدلُ يَرفَعُ لِلمَمالِكِ حائِطاً / لا الجَيشُ يَرفَعُهُ وَلا الأُسطولُ
هَذا مَقامٌ أَنتَ فيهِ مُحَمَّدٌ / وَالرِفقُ عِندَ مُحَمَّدٍ مَأمولُ
بِاللَهِ بِالإِسلامِ بِالجُرحِ الَّذي / ما اِنفَكَّ في جَنبِ الهِلالِ يَسيلُ
إِلّا حَلَلتَ عَنِ السَجينِ وَثاقَهُ / إِنَّ الوِثاقَ عَلى الأُسودِ ثَقيلُ
أَيَقولُ واشٍ أَو يُرَدِّدُ شامِتٌ / صِنديدُ بُرقَةَ موثَقٌ مَكبولُ
هُوَ مِن سُيوفِكَ أَغمَدوهُ لِريبَةٍ / ما كانَ يُغمَدُ سَيفُكَ المَسلولُ
فَاِذكُر أَميرَ المُؤمِنينَ بَلاءَهُ / وَاِستَبقِهِ إِنَّ السُيوفَ قَليلُ
ما بَينَ دَمعي المُسبَلِ
ما بَينَ دَمعي المُسبَلِ / عَهدٌ وَبَينَ ثَرى عَلي
عَهدُ البَقيعِ وَساكِني / هِ عَلى الحَيا المُتَهَدِّلِ
وَالدَمعُ مِروَحَةُ الحَزي / نِ وَراحَةُ المُتَمَلمِلِ
نَمضي وَيَلحَقُ مَن سُلا / في الغابِرينَ بِمَن سُلي
كَم مِن تُرابٍ بِالدُمو / عِ عَلى الزَمانِ مُبَلَّلِ
كَالقَبرِ ما لَم يَبلَ في / هِ مِنَ العِظامِ وَما بَلي
رَيّانُ مِن مَجدٍ يَعِز / زُ عَلى القُصورِ مُوَثَّلِ
أَمسَت جَوانِبُهُ قَرا / راً لِلنُجومِ الأُفَّلِ
وَحَديثُهُم مِسكُ النَدِي / يِ وَعَنبَرٌ في المَحفِلِ
قُل لِلنَعيِّ هَتَكتَ دَم / عَ الصابِرِ المُتَجَمِّلِ
المُلتَقي الأَحداثَ إِن / نَزَلَت كَأَن لَم تَنزِلِ
حَمَلَ الأَسى بِأَبي الفُتو / حِ عَلَيَّ ما لَم أَحمِلِ
حَتّى ذَهِلتُ وَمَن يَذُق / فَقدَ الأَحِبَّةِ يَذهَلِ
فَعَتِبتُ في رُكنِ القَضا / ءِ عَلى القَضاءِ المُنزَلِ
لَهَفي عَلى ذاكَ الشَبا / بِ وَذاكَ المُستَقبَلِ
وَعَلى المَعارِفِ إِذ خَلَت / مِن رُكنِها وَالمَوئِلِ
وَعَلى شَمائِلَ كَالرُبى / بَينَ الصَبا وَالجَدوَلِ
وَحَياءِ وَجهٍ يُؤ / ثَرُ عَن يَسوعَ المُرسَلِ
يا راوِياً تَحتَ الصَفي / حِ مِنَ الكَرى وَالجَندَلِ
وَمُسَربَلاً حُلَلَ الوِزا / رَةِ باتَ غَيرَ مُسَربَلِ
وَمُوَسَّداً حُفَرَ الثَرى / بَعدَ البِناءِ الأَطوَلِ
إِنّي اِلتَفَتُّ إِلى الشَبا / بِ الغابِرِ المُتَمَثِّلِ
وَوَقَفتُ ما بَينَ المُحَق / قَقِ فيهِ وَالمُتَخَيَّلِ
فَرَأَيتُ أَيّاماً عَجِل / نَ وَلَيتَها لَم تَعجَلِ
كانَت مُوَطَّأَةَ المِها / دِ لَنا عِذابَ المَنهَلِ
ذَهَبَت كَحُلمٍ بَيدَ أَن / نَ الحُلمَ لَم يَتَأَوَّلِ
إِذ نَحنُ في ظِلِّ الشَبا / بِ الوارِفِ المُتَهَدِلِ
جارانِ في دارِ النَوى / مُتَقابِلانِ بِمَنزِلِ
أَيكي وَأَيكُكَ ضاحِكا / نِ عَلى خَمائِلِ مونبِلي
وَالدَرسُ يَجمَعُني بِأَف / ضَلِ طالِبٍ وَمُحَصِّلِ
أَيّامَ تَبذُلُ في سَبي / لِ العِلمِ ما لَم يُبذَلِ
غَضَّ الشَبابُ فَكَيفَ كُن / تَ عَنِ الشَبابِ بِمَعزِلِ
وَإِذا دَعاكَ إِلى الهَوى / داعي الصِبا لَم تَحفِلِ
وَلَوِ اِطَّلَعتَ عَلى الحَيا / ةِ فَعَلتَ ما لَم يُفعَلِ
لَم يَدرِ إِلّا اللَهُ ما / خَبَّأَت لَكَ الدُنيا وَلي
تَجري بِنا لِمُفَتَّحٍ / بَينَ الغُيوبِ وَمُقفَلِ
حَتّى تَبَدَّلنا وَذا / كَ العَهدُ لَم يَتَبَدَّلِ
هاتيكَ أَيّامُ الشَبا / بِ المُحسِنِ المُتَفَضِّلِ
مَن فاتَهُ ظِلُّ الشَبي / بَةِ عاشَ غَيرَ مُظَلَّلِ
يا راحِلاً أَخلى الدِيا / رَ وَفَضلُهُ لَم يَرحَلِ
تَتَحَمَّلُ الآمالُ إِث / رَ شَبابِهِ المُتَحَمِّلِ
مَشَتِ الشَبيبَةُ جَحفَلاً / تَبكي لِواءَ الجَحفَلِ
فَاِنظُر سَريرَكَ هَل جَرى / فَوقَ الدُموعِ الهُطَّلِ
اللَهُ في وَطَنٍ ضَعي / فِ الرُكنِ واهي المَعقِلِ
وَأَبٍ وَراءَكَ حُزنُهُ / لِنَواكَ حُزنُ المُثكَلِ
يَهَبُ الضِياعَ العامِرا / تِ لِمَن يَرُدُّ لَهُ عَلي
لَيسَ الغَنِيُّ مِنَ البَرِيَّ / ةِ غَيرَ ذي البالِ الخَلي
وَنَجيبَةٍ بَينَ العَقا / ئِلِ هَمُّها لا يَنسَلي
دَخَلَت مَنازِلَها المَنو / نُ عَلى الجَريءِ المُشبِلِ
كَسَرَت جَناحَ مُنَعَّمٍ / وَرَمَت فُوادَ مُدَلَّلِ
فَكَأَنَّ آلَكَ مِن شَجٍ / وَمُتَيَّمٍ وَمُرَمَّلِ
آلُ الحُسَينِ بِكَربُلا / في كُربَةٍ لا تَنجَلي
خَلَعَ الشَبابَ عَلى القَنا / وَبَذَلتَهُ لِلمُعضِلِ
وَالسَيفُ أَرحَمُ قاتِلاً / مِن عِلَّةٍ في مَقتَلِ
فَاِذهَب كَما ذَهَبَ الحُسَي / نُ إِلى الجِوارِ الأَفضَلِ
فَكِلاكُما زَينُ الشَبا / بِ بِجَنَّةِ اللَهِ العَلي
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ
مَمالِكُ الشَرقِ أَم أَدارِسُ أَطلالِ / وَتِلكَ دولاتُهُ أَم رَسمُها البالي
أَصابَها الدَهرُ إِلّا في مَآثِرِها / وَالدَهرُ بِالناسِ مِن حالٍ إِلى حالِ
وَصارَ ما نَتَغَنّى مِن مَحاسِنِها / حَديثُ ذي مِحنَةٍ عَن صَفوِهِ الخالي
إِذا حَفا الحَقُّ أَرضاً هانَ جانِبُها / كَأَنَّها غابَةٌ مِن غَيرِ رِئبالِ
وَإِن تَحَكَّمَ فيها الجَهلُ أَسلَمَها / لِفاتِكٍ مِن عَوادي الذُلِّ قَتّالِ
نَوابِغَ الشَرقِ هُزّوهُ لَعَلَّ بِهِ / مِنَ اللَيالي جُمودَ اليائِسِ السالي
إِن تَنفُخوا فيهِ مِن روحِ البَيانِ وَمِن / حَقيقَةِ العِلمِ يَنهَض بَعدَ إِعضالِ
لا تَجعَلوا الدينَ بابَ الشَرِّ بَينَكُمُ / وَلا مَحَلَّ مُباهاةٍ وَإِدلالِ
ما الدينُ إِلّا تُراثُ الناسِ قَبلَكُمُ / كُلُّ اِمرِئٍ لِأَبيهِ تابِعٌ تالي
لَيسَ الغُلُوُّ أَميناً في مَشورَتِهِ / مَناهِجُ الرُشدِ قَد تَخفى عَلى الغالي
لا تَطلُبوا حَقَّكُم بَغياً وَلا ضَلَفاً / ما أَبعَدَ الحَقَّ عَن باغٍ وَمُختالِ
وَلا يَضيعَنَّ بِالإِهمالِ جانِبُهُ / فَرُبَّ مَصلَحَةٍ ضاعَت بِإِهمالِ
كَم هِمَّةٍ دَفَعَت جيلاً ذُرا شَرَفٍ / وَنَومَةٍ هَدَمَت بُنيانَ أَجيالِ
وَالعِلمُ في فَضلِهِ أَو في مَفاخِرِهِ / رُكنُ المَمالِكِ صَدرُ الدَولَةِ الحالي
إِذا مَشَت أُمَّةٌ في العالَمينَ بِهِ / أَبى لَها اللَهُ أَن تَمشي بِأَغلالِ
يَقِلُّ لِلعِلمِ عِندَ العارِفينَ بِهِ / ما تَقدِرُ النَفسُ مِن حُبٍّ وَإِجلالِ
فَقِف عَلى أَهلِهِ وَاِطلُب جَواهِرَهُ / كَناقِدٍ مُمعِنٍ في كَفِّ لَآلِ
فَالعِلمُ يَفعَلُ في الأَرواحِ فاسِدُهُ / ما لَيسَ يَفعَلُ فيها طِبُّ دَجّالِ
وَرُبَّ صاحِبِ دَرسٍ لَو وَقَفتَ بِهِ / رَأَيتَ شِبهَ عَليمٍ بَينَ جُهّالِ
وَتَسبِقُ الشَمسَ في الأَمصارِ حِكمَتُهُ / إِلى كَهولٍ وَشُبّانٍ وَأَطفالِ
زَيدانُ إِنّي مَعَ الدُنيا كَعَهدِكَ لي / رَضِيَ الصَديقِ مُقيلُ الحاسِدِ القالي
لي دَولَةُ الشِعرِ دونَ العَصرِ وائِلَةٌ / مَفاخِري حِكَمي فيها وَأَمثالي
إِن تَمشِ لِلخَيرِ أَو لِلشَرِّ بي قَدَمٌ / أُشَمِّرُ الذَيلَ أَو أَعثُر بِأَذيالي
وَإِن لَقيتُ اِبنَ أُنثى لي عَلَيهِ يَدٌ / جَحَدتُ في جَنبِ فَضلِ اللَهِ أَفضالي
وَأَشكُرُ الصُنعَ في سِرّي وَفي عَلَني / إِنَّ الصَنائِعَ تَزكو عِندَ أَمثالي
وَأَترُكُ الغَيبَ لِلَّهِ العَليمِ بِهِ / إِنَّ الغُيوبَ صَناديقٌ بِأَقفالِ
كَأُرغُنِ الدَيرِ إِكثاري وَمَوقِعُهُ / وَكَالأَذانِ عَلى الأَسماعِ إِقلالي
رَثَيتُ قَبلَكَ أَحباباً فُجِعتُ بِهِم / وَرُحتُ مِن فُرقَةِ الأَحبابِ يُرثى لي
وَما عَلِمتُ رَفيقاً غَيرَ مُؤتَمَنٍ / كَالمَوتِ لِلمَرءِ في حِلٍّ وَتِرحالِ
أَرَحتَ بالَك مِن دُنيا بِلا خُلُقٍ / أَلَيسَ في المَوتِ أَقصى راحَةَ البالِ
طالَت عَلَيكَ عَوادي الدَهرِ في خَشِنٍ / مِنَ التُرابِ مَعَ الأَيّامِ مُنهالِ
لَم نَأتِهِ بِأَخٍ في العَيشِ بَعدَ أَخٍ / إِلّا تَرَكنا رُفاتاً عِندَ غِربالِ
لا يَنفَعُ النَفسَ فيهِ وَهيَ حائِرَةٌ / إِلّا زَكاةُ النُهى وَالجاهِ وَالمالِ
ما تَصنَعِ اليَومَ مِن خَيرٍ تَجِدهُ غَداً / الخَيرُ وَالشَرُّ مِثقالٌ بِمِثقالِ
قَد أَكمَلَ اللَهُ ذَيّاكَ الهِلالَ لَنا / فَلا رَأى الدَهرَ نَقصاً بَعدَ إِكمالِ
وَلا يَزَل في نُفوسِ القارِئينَ لَهُ / كَرامَةُ الصُحُفِ الأُولى عَلى التالي
فيهِ الرَوائِعُ مِن عِلمٍ وَمِن أَدَبٍ / وَمِن وَقائِعِ أَيّامٍ وَأَحوالِ
وَفيهِ هِمَّةُ نَفسٍ زانَها خُلُقٌ / هُما لِباغي المَعالي خَيرُ مِنوالِ
عَلَّمتَ كُلَّ نَؤومٍ في الرِجالِ بِهِ / أَنَّ الحَياةَ بِآمالٍ وَأَعمالِ
ما كانَ مِن دُوَلِ الإِسلامِ مُنصَرِماً / صَوَّرتَهُ كُلَّ أَيّامٍ بِتِمثالِ
نَرى بِهِ القَومَ في عِزٍّ وَفي ضَعَةٍ / وَالمُلكَ ما بَينَ إِدبارٍ وَإِقبالِ
وَما عَرَضتَ عَلى الأَلبابِ فاكِهَةً / كَالعِلمِ تُبرِزُهُ في أَحسَنِ القالِ
وَضَعتَ خَيرَ رِواياتِ الحَياةِ فَضَع / رِوايَةَ المَوتِ في أُسلوبِها العالي
وَصِف لَنا كَيفَ تَجفو الروحُ هَيكَلَها / وَيَستَبِدُّ البِلى بِالهَيكَلِ الخالي
وَهَل تَحِنُّ إِلَيهِ بَعدَ فُرقَتِهِ / كَما يَحِنُّ إِلى أَوطانِهِ الجالي
هِضابُ لُبنانَ مِن مَنعاتِكَ اِضطَرَبَت / كَأَنَّ لُبنانَ مَرمِيٌّ بِزِلزالِ
كَذَلِكَ الأَرضُ تَبكي فَقدَ عالِمِها / كَالأُمِّ تَبكي ذَهابَ النافِعِ الغالي
أَلا في سَبيلِ اللَهِ ذاكَ الدَمُ الغالي
أَلا في سَبيلِ اللَهِ ذاكَ الدَمُ الغالي / وَلِلمَجدِ ما أَبقى مِنَ المَثَلِ العالي
وَبَعضُ المَنايا هِمَّةٌ مِن وَرائِها / حَياةٌ لِأَقوامٍ وَدُنيا لِأَجيالِ
أَعَينَيَّ جودا بِالدُموعِ عَلى دَمٍ / كَريمِ المُصَفّى مِن شَبابٍ وَآمالِ
تَناهَت بِهِ الأَحداثُ مِن غُربَةِ النَوى / إِلى حادِثٍ مِن غُربَةِ الدَهرِ قَتّالِ
جَرى أُرجُوانِيّاً كُمَيتاً مُشَعشَعاً / بِأَبيَضَ مِن غِسلِ المَلائِكِ سَلسالِ
وَلاذَ بِقُضبانِ الحَديدِ شَهيدُهُ / فَعادَت رَفيفاً مِن عُيونٍ وَأَطلالِ
سَلامٌ عَلَيهِ في الحَياةِ وَهامِداً / وَفي العُصُرِ الخالي وَفي العالَمِ التالي
خَليلَيَّ قوما في رُبى الغَربِ وَاِسقِيا / رَياحينَ هامٍ في التُرابِ وَأَوصالِ
مِنَ الناعِماتِ الراوِياتِ مِنَ الصِبا / ذَوَت بَينَ حِلٍّ في البِلادِ وَتَرحالِ
نَعاها لَنا الناعي فَمالَ عَلى أَبٍ / هَلوعٍ وَأُمٍّ بِالكِنانَةِ مِثكالِ
طَوى الغَربَ نَحوَ الشَرقِ يَعدو سُلَيكُهُ / بِمُضطَرِبٍ في البَرِّ وَالبَحرِ مِرقالِ
يُسِرُّ إِلى النَفسِ الأَسى غَيرَ هامِسٍ / وَيُلقي عَلى القَلبِ الشَجى غَيرَ قَوّالِ
سَماءُ الحِمى بِالشاطِئينِ وَأَرضُهُ / مَناحَةُ أَقمارٍ وَمَأتَمُ أَشبالِ
تُرى الريحُ تَدري ما الَّذي قَد أَعادَها / بِساطاً وَلَكِن مِن حَديدٍ وَأَثقالِ
يُقِلُّ مِنَ الفِتيانِ أَشبالَ غابَةٍ / غُداةً عَلى الأَخطارِ رُكّابَ أَهوالِ
ثَنَتهُ العَوادي دونَ أودينَ فَاِنثَنى / بِآخَرَ مِن دُهمِ المَقاديرِ ذَيّالِ
قَدِ اِعتَنَقا تَحتَ الدُخانِ كَما اِلتَقى / كَمِيّانِ في داجٍ مِن النَقعِ مُنجالِ
فَسُبحانَ مَن يَرمي الحَديدَ وَبَأسَهُ / عَلى ناعِمٍ غَضٍّ مِنَ الزَهرِ مِنهالِ
وَمَن يَأخُذُ السارينَ بِالفَجرِ طالِعاً / طُلوعَ المَنايا مِن زَنِيّاتِ آجالِ
وَمَن يَجعَلُ الأَسفارَ لِلناسِ هِمَّةً / إِلى سَفَرٍ يَنوونَهُ غَيرَ قُفّالِ
فَيا ناقِليهِم لَو تَرَكتُم رُفاتَهُم / أَقامَ يَتيماً في حِراسَةِ لَئآلِ
وَبَينَ غَريبالدي وَكافورَ مَضجَعٌ / لَنُزّاعِ أَمصارٍ عَلى الحَقِّ نُزّالِ
فَهَل عَطَفَتكُم رَنَّةُ الأَهلِ وَالحِمى / وَضَجَّةُ أَترابٍ عَلَيهِم وَأَمثالِ
لَئِن فاتَ مِصراً أَن يَموتوا بِأَرضِها / لَقَد ظَفِروا بِالبَعثِ مِن تُربِها الغالي
وَما شَغَلَتهُم عَن هَواها قِيامَةٌ / إِذا اِعتَلَّ رَهنُ المَحبِسَينِ بِأَشغالِ
حَمَلتُم مِنَ الغَربِ الشُموسَ لِمَشرِقٍ / تَلَقّى سَناها مُظلِماً كاسِفِ البالِ
عَواثِرَ لَم تَبلُغ صِباها وَلَم تَنَل / مَداها وَلَم توصَل ضُحاها بِآصالِ
يُطافُ بِهِم نَعشاً فَنَعشاً كَأَنَّهُم / مَصاحِفُ لَم يَعلُ المُصَلّي عَلى التالي
تَوابيتُ في الأَعناقِ تَترى زَكِيَّةً / كَتابوتِ موسى في مَناكِبِ إِسرالِ
مُلَفَّفَةً في حُلَّةٍ شَفَقِيَّةٍ / هِلالِيَّةٍ مِن رايَةِ النيلِ تِمثالِ
أَظَلَّ جَلالُ العِلمِ وَالمَوتِ وَفدَها / فَلَم تُلقَ إِلّا في خُشوعٍ وَإِجلالِ
تُفارِقُ داراً مِن غُرورٍ وَباطِلٍ / إِلى مَنزِلٍ مِن جيرَةِ الحَقِّ مِحلالِ
فَيا حَلبَةً رَفَّت عَلى البَحرِ حِليَةً / وَهَزَّت بِها حُلوانُ أَعطافَ مُختالِ
جَرَت بَينَ إيماضِ العَواصِمِ بِالضُحى / وَبَينَ اِبتِسامِ الثَغرِ بِالمَوكِبِ الحالي
كَثيرَةَ باغي السَبقِ لَم يُرَ مِثلُها / عَلى عَهدِ إِسماعيلَ ذي الطولِ وَالنالِ
لَكِ اللَهُ هَذا الخَطبُ في الوَهمِ لَم يَقَع / وَتِلكَ المَنايا لَم يَكُنَّ عَلى بالِ
بَلى كُلُّ ذي نَفسٍ أَخو المَوتِ وَاِبنُهُ / وَإِن جَرَّ أَذيالَ الحَداثَةِ وَالخالِ
وَلَيسَ عَجيباً أَن يَموتَ أَخو الصِبا / وَلَكِن عَجيبٌ عَيشُهُ عيشَةَ السالي
وَكُلُّ شَبابٍ أَو مَشيبٍ رَهينَةٌ / بِمُعتَرِضٍ مِن حادِثِ الدَهرِ مُغتالِ
وَما الشَيبُ مِن خَيلِ العُلا فَاِركَبِ الصِبا / إِلى المَجدِ تَركَب مَتنَ أَقدَرِ جَوّالِ
يَسُنُّ الشَبابُ البَأسَ وَالجودَ لِلفَتى / إِذا الشَيبُ سَنَّ البُخلَ بِالنَفسِ وَالمالِ
وَيا نَشَأَ النيلِ الكَريمِ عَزاءَكُم / وَلا تَذكروا الأَقدارَ إِلّا بِإِجمالِ
فَهَذا هُوَ الحَقُّ الَّذي لا يَرُدُّهُ / تَأَفُّفُ قالٍ أَو تَلَطُّفُ مُحتالُ
عَلَيكُم لِواءَ العِلمِ فَالفَوزُ تَحتَهُ / وَلَيسَ إِذا الأَعلامُ خانَت بِخَذّالِ
إِذا مالَ صَفٌّ فَاِخلُفوهُ بِآخَرٍ / وَصَولِ مَساعٍ لا مَلولٍ وَلا آلِ
وَلا يَصلُحُ الفِتيانُ لا عِلمَ عِندَهُم / وَلا يَجمَعونَ الأَمرَ أَنصافَ جُهّالِ
وَلَيسَ لَهُم زادٌ إِذا ما تَزَوَّدوا / بَياناً جُزافَ الكَيلِ كَالحَشَفِ البالي
إِذا جَزِعَ الفِتيانُ في وَقعِ حادِثٍ / فَمَن لِجَليلِ الأَمرِ أَو مُعضِلِ الحالِ
وَلَولا مَعانٍ في الفِدى لَم تُعانِهِ / نُفوسُ الحَوارِيّينَ أَو مُهَجُ الآلِ
فَغَنّوا بِهاتيكَ المَصارِعِ بَينَكُم / تَرَنُّمَ أَبطالٍ بِأَيّامِ أَبطالِ
أَلَستُم بَني القَومِ الَّذينَ تَكَبَّروا / عَلى الضَرَباتِ السَبعِ في الأَبَدِ الخالي
رُدِدتُم إِلى فِرعَونَ جَدّاً وَرُبَّما / رَجَعتُم لِعَمٍّ في القَبائِلِ أَو خالِ