المجموع : 4
أهوِنْ بما يُبكي عيون الباكي
أهوِنْ بما يُبكي عيون الباكي / إن كان ما يبكيه غير نواكِ
يا مصر لا أنساك ما طال المدى / وإخال ما في الناس من ينساكِ
لله اثنا عشر عاماً قد مضت / ألحق وازرني بها وهواك
اشتاق أخواني بينك وإنما / يشتاق من صافاك من صافاك
قد كان لي ذكر بأرضك سالف / لا النيل بجهلهُ ولا هرماك
أيام انطقني واسمعك الصبا / وغدوتُ طيرك إذ غدوت أراكي
وإذا الإله قضى بوصلك بعدذا / فلا مسحن وجهي ببعض ثراك
علم الزمان قلاه ليس يذلني / فسعى يحاول ذلتي بقلاك
ولئن حييت على نواك فإنما / أحيا لآمالي بأن ألقاك
وأرى كبيرات الخطوب صغيرة / وأرى هلاكي لا أخاف هلاكي
وتخاذل الأنصال عني زادني / عزماً فجد مع الزمان عراكي
زادت تباريحي فزدت تطرباً / وشكا سواي فعبت وجد الشاكي
لو أن من شدوا قيودي حاولوا / يوماً فكاكي ما رضيت فكاكي
قد سرّك الدهر العجيب وساءني / فضحكت أنت وبت وحدي الباكي
الهاك بعدي بالجديد من المنى / يا ليت ألهاني كما ألهاك
وتفنن الشعراء فيك فأبدعوا / لو كنتُ حاضر أمرهم لكفاك
يأتيك مني ما تجدد خاطر / شعر يكاد به يرف هواك
أجنيه من روض الشبيبة ناضراً / هذا جناي وأنت كيف جناك
إن كان هذا الصوت بحّ بكبرة / فلطالما بشبابه غنّاك
أو كان قد أمسى اليراع مثلما / فسينبري وسكونه لحراك
يا عرش نسل الشمس في عليائهم / سامي الكواكب في السماء وحاكي
هل في البرية مثل نيلك منهل / أم في البرية من ربى كرباك
أنت التي آخاك منذ مناوس / قلب الشجاع وحجة السفاك
وورثت نجدتها التي ثأرت بها / إيزس أمك أوزريس أباك
الناس قد كلفوا بحبك كلهم / وتنازعوك ومن حواك حواك
أمسى صعيدك جنة لملوكهم / وغدت سماؤك جنة الأملاك
تالله أعجزهم نظيرك في الثرى / فليطلبوه هناك في الأفلاك
أجبْ فالشعب داعيه دعاكا
أجبْ فالشعب داعيه دعاكا / وأسقط من معاليه أخاكا
وأجزل من حباك الملك شكراً / فقد رحم البلاد بما حباكا
تنزلْ من سمائك وأبدُ فينا / ودع أبصارنا هذي تراكا
ألا طال الحنين إليك شوقاً / كفانا من فراقك ما كفاكا
ثلاثون انقضت وثلاث أخرى / بكاء الشعب فيها من بكاكا
وآواك الزمان لدارٍ حزن / يجمجم سورها عنهُ نداكا
فكنت تحس من بُعد ضناهُ / وكان يحس من بعد ضناكا
وكنت وكان خطبكما سواء / رماهُ المستبد كما رماكا
ولو كنت الخؤون حظيت منهُ / ولو كان الوفيّ رعى أباكا
نقيضك شيمةً وأخو أصلاً / براه الله ليس كما براكا
عزاء أيها النافي الرعايا / ولا تجزع فخالقهم نفاكا
حرمت كراك أعواماً طوالاً / وليتك بعد ذا تلقى كراكا
فما أنا شامت بك حين تُنكى / كمن شمتوا ولكن ذا بذاكا
تفارقك السعادة لا لعود / وقد شاعت خطاها في خطاكا
فدع صرحاً أقمت به زماناً / وقل يا صرح ليست لمن بناكا
ستذكرني طيورك حين تشدو / وتذكر خطرتي فيها رباكا
بلى سيؤمّك الأقوام بعدي / وكنتُ حميت دونهم حماكا
نعم عبد الحميد أندب زماناً / تولى ليس يحمدهُ سواكا
تولى بين أبكار حسان / تعلّق في غدائرها نهاكا
جعلت فداءها الدنيا جميعاً / ومذ ملّكتها جعلت فداكا
وطال سراك في ليل التصابي / وقد أصبحت لم يحمد سراكا
لمن ركبٌ أعدّ هناك ليلاً / يصفّر للنوى هذا نواكا
مكانك فيه ليس مكان ملك / ولكن أنت تحمل ما أتاكا
ستعلم منهُ أنّ النفي مرٌّ / كذلك كنت تنفي من عصاكا
فما نهل بماء فروق يروي / وما أروى الدم الجاري صداكا
بربك هل علمت مجيء يوم / تزفك فيه غالية عداكا
وهل أمّلت أنك سوف تمسي / غداء معاشر كانوا غداكا
ستحيا في سلانيك زماناً / فتحسد فيه عن بعد أخاكا
وتعلم أنّ ملكاً يرتضيه / وليت به ولكن ما ارتضاكا
فإن غشي الكرم جفنيك ليلاً / وعادك تحت طيته أساكا
تمثل في المنام لديك ناسٌ / نخبّر عن دمائهم يداكا
رماهم بالأفول دجاك لما / تبدوا كالكواكب في دجاك
سقيت الغيث يا مثوى مراد / ودمعي قبل ذلك قد سقاكا
خلا القصران ما بهما مقيم / هنا ضيف وضائفه هناكا
يا فتنة جعل الله القلوب لها
يا فتنة جعل الله القلوب لها / مسخرات تعالى الله باريك
لقد تنزهت عن شبه وعن مثل / فليس غيرك بين الناس يحكيك
إني لأرضى بموتي لو رضيت به / لكن أخاف فموتي سوف يبكيك
مكانك الأفق فما أنزلك
مكانك الأفق فما أنزلك / بدلت عنه الأرض أم بدلك
يا ملك الله أيرضى الملك / ملك الثرى من بعد ملك الفلك
كلا فلن تألف هذا الأنام / خلقت من نور وهم من ظلام
أين جناحاك متى فارقاك / قد سقطا في الارض أم في السماك
لو صدقاك الود مازايلاك / بل صعدا للأفق واستصحباك
أنك للأولى بذاك المقام / مثلك لا يهنأ فوق الرغام
من عندنا يفهم هذا الجمال / أي امرئ يهوى صفات الكمال
انت خيال نعم الخيال / حذار لا تدخل قلوب الرجال
تلك قلوب دهرها في اضرام / كأنها موقدة بالأثام
إن تؤت خيراً بينهم يحسدوك / وإن تجد بالفضل لا يحمدوك
دانيتهم لكنهم أبعدوك / لو صرت رب القوم لم يعبدوك
أف لخلق ليس فيه كرام / هل كرم يسكن هذي العظام
تبقى لياليك وتفنى المنى / بين الهموم الكثر بين الضنى
ويلي فكم تحمل هذا العنا / كم تشتكي أنت وأبكي أنا
قد نفد الدمع فهل للغمام / كمدمعي إن زاد فيه الهيام
تفتن لكن لست أدري الفتن / كذاك يؤذي كل شيء حسن
بهذه الروح وهذا البدن / تلقى من الناس سهام ضغن
لله ما أظلم تلك السهام / ألم تصب غير فؤاد الغرام
تغفر جرم الناس إن اجرموا / وتحمل الظلم ولا تظلم
قد غنموا منك ولا تغنم / منهم ولو تعلم ما أعلم
خاصمتهم عدلاً وإن الخصام / أعدل ما يحبو الكرام اللئام
ابكيك أم أرثيك هل نافع / دمع ونوح والقضا واقع
هذا شقاء ما له دافع / إسمع فإن الله لي سامع
قل أيها الأرض عليك السلام / تحية بالدمع لا بالكلام