المجموع : 7
أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا
أعِدْ نَظرةً تُبصِرْ صَنيعَ هَواكا / وزِدْ فِكْرةً تُنْشِرْ صَريعَ نَواكا
ودَعْ عنك ذِكْري باللّسانِ فإنّني / أَغارُ مِنَ اسْمي أن يُقَبِّلَ فاكا
صَعُبْتَ مَراماً أن تُرينِيكَ يَقظةٌ / فَمن لي بَعْينٍ في المنامِ تَراكا
أراكَ ابْنَ نَعْشٍ في سَمائك عِزّةً / فليتَك تَرضَى أن أكونَ سُهاكا
بطَرْفِك تُهدي وهْو سَيفٌ تَحِيَّتي / أأزمعْتَ فَتْكاً بالمُحِبِّ عَساكا
أَسيرُ هوىً تُهوي إليه بصارمٍ / فإن كان يُرضى قَتْلُه فَهَناك
لِنَفْسِك تَغْدو ضائراً إن قَتلْتَه / لأنّك لو أبقَيْتَه لَفداكا
فحتّامَ يا قَلْبي تَمَلُّ تَقاضياً / غريمَ غرامٍ لو يَشاءُ قَضاكا
بروحيَ قلبي أَصبحَ الرَّهْنَ عنْدَه / فلستُ مُطيقاً ما حَيِيتُ فَكاكا
أيا ملكاً لم أَدّخِرْ عنه غايةً / من الوُدِّ قُلْ لي لِمْ حُرِمْتُ رضاكا
أتُنكِرُ إعزازي مكانَكَ جاهداً / وتَجْحَدُ إحساني إليك تُراكا
ذكَرتُك في مَدْحِ الوزيرِ مُشَبِبّاً / فحَسْبُك هذا مَفْخَراً وكفاكا
وأنشَدْتُ من مَنْظومِ وَصْفي لمَجده / شَبائهَ ما ضمَّتْ به شَفتاكا
فيا شِعْرُ لولا عَطْفةٌ منه أَدركَتْ / لقد كنتَ سَطْراً والزّمانُ مَحاكا
أتى عَدْلُ نُوشَروانَ من بَعْدِ فَتْرةٍ / فكان لأَرْماقِ العبادِ مِساكا
وأَدرَكَ عصْرَ الصّاحبِ العالِم الوَرى / فلاَقوا لمُلْكِ الأرضِ منه مِلاكا
نظَمْتَ نظامَ المُلْكِ عِقْدَ فضائلٍ / جَلالُك فيه للعيون جَلاكا
إذا ما أُميطَ الحُجْبُ عنكَ لجِلْسةٍ / تَناهَب أَفواهُ المُلوكِ ثَراكا
طَلعْتَ هُماماً ذا عِقابٍ ونائلٍ / فخافَك كُلُّ منهمُ ورَجاكا
وكم قامَ يَبغي شَأْوَ عَلْياكَ حاسِدٌ / فقالَ الزّمانُ اقْعُدْ فلستَ هُناكا
بكَى القَطْرُ لمّا جُدْتَ خَوْفَ افتضاحه / فَمن زاعِمٌ أنّ الغَمامَ حكاكا
وعلَّم شُهْبَ اللّيلِ أن تَهْدِيَ الوَرى / إذا اعتكَر الظّلماءُ نارُ قِراكا
وأفْرَسُ خَلْقِ اللهِ يومَ حَفيظةٍ / شُجاعٌ بمِلْءِ العَيْنِ منه رآكا
ثَبتَّ ثباتَ القَطْبِ في كُلِّ مَأزِقٍ / أَدار على هامِ البُغاةِ رَحاكا
على حينَ أطْرافُ الأسِنّةِ في الوغَى / لدى الطّعْنِ تَحكي ألسُناً تَتَشاكى
تُذيبُ قلوبَ الأسْدِ من قَبْلِ جَلْبها / يَراعُك في آجامِها وقَناكا
أجِلْ فيه يا دَستَ الوزارةِ نَظْرةً / تَرى السّعْدَ واشكُرْ إذ بلَغتَ مُناكا
وهل كنتَ إلاّ للجلالةِ مَرْكباً / مُنَى أنفَسِ القَومِ امْتطاءُ قَراكا
ولا عجَبٌ فيما مضَى أن تَنكّسَتْ / مَعاشرُ شَتّى في رُقِيِّ ذُراكا
فقد كان كُلُّ مِن حَضيضٍ بوثْبةٍ / من الجهلِ يَبْغي أن يَنالَ سُكاكا
وذا لم يزَلْ من رِفْعةٍ مُتَدّرِجاً / إلى رِفْعةٍ حتّى سَرَى فأَتاكا
فتىً هو كالنّجمِ العديمِ سُكونُه / وليس تُحِسُّ العَينُ منه حَراكا
فإن تَكُ فاتَتْهمْ فكم من طَريدةٍ / من الوَحشِ هذا يَطَّبيهِ وذَاكا
تَقنّصها ذو الجَدّ أخْذاً بكَفّه / وخابَتْ رجالٌ ناصِبونَ شِباكا
فأصبَحْتُما كُفْؤَينِ نالا تَواصُلاً / وقَرَّب سَعْدٌ من نَواهُ نَواكا
ولمّا رأَى السّلطانُ أنّك صارِمٌ / له اللهُ كَي تُفْني عِداهُ نَضاكا
رأى خِلَلاً تَشريفَه معَ عزِّه / فأَوْلاكَها للصّونِ حينَ بلاكا
فللّهِ عَيْنا مَن رآكَ وقد بَدا / سَناؤكَ مُجْتاباً لها وسَناكا
قَميصٌ من التِّبْرِ المُضاعَفِ نَسجُه / عَلْوتَ ذُرا الأفلاكِ وهْو عَلاكا
فلا تِبْرَ إلاّ هانَ حينَ حوَيْتَه / فَناقَضَ حتّى عَزَّ حينَ حَواكا
وتاجٌ تعالَى عن سَمِيّك عَقْدُه / لدِينِ هُدىً لم يَعْنِه وعَناكا
تَتَوَّجَهُ عاليِ سريرٍ تَرى له / قَوائمَ تُمطَى فَرقَداً وسِماكا
من الخيل سبّاق حكى كلَّ سُنبُك / يقلبُ فَهماً والسراة مداكا
يُقالُ له يا طِرْفُ لا طَرْفَ للورَى / يَنالُ إذا خَفّتْ خُطاكَ مَداكا
سَحابُ النّدَى مُلْقي عِنانِك سائراً / ومَطلعُ شَمسِ المَكرُماتِ مَطاكا
بغُرّةِ مَن في السّرجِ عن كُلِّ غُرّةٍ / غَنِيتُ وتَحجيلٍ يُذيلُ شَواكا
فإن تكُ خَلخالَ اللُّجَينِ حُرمْتَه / فقد عُوِّضَت طَوقَ النُّضارِ طُلاكا
فلمّا بدَتْ تلك المواكبُ طُلّعاً / وفيها النّدى والبَأْسُ مُكتَنِفاكا
وفي غَيمِ نَقعٍ أنت كالشَّمسِ حَشْوَه / تُنيرُ ونَثْرُ التِّبرِ قَطْرُ حَياكا
بُروقٌ منَ الأعلام تَتبَعُ خَفْقَها / رُعودٌ من الكُوساتِ سايرَتاكا
رأى الفلَكُ الدّوّارُ انّك فُقتَه / وخافَ عليه أن تَصُبَّ سُطاكا
فَرصَّع في تُرسٍ هلالاً وأنجُماً / وأغمدَ شَمساً في دُجىً ورَشاكا
فللّهِ سَيفٌ قال يا رأْيَ صاحبي / أَعِنِّي فأمضَى من ظُبايَ ظُباكا
وإن كان منه في القِرابِ مُهنّدٌ / إذا قَدَّ طَوداً لم تَخَلْه أَحاكا
وألويةٌ منهنّ صَقْرانِ أوفْيَا / على علَمَيْ رُمحَيْنِ فارْتبآكا
وليسا سوى النَّسْرَيْنِ من أُفُقَيْهما / لِحُبّهما نَيْلَ العُلا تَبِعاكا
فما بلَغا إلاّ تُراباً تَدوسُه / جيادُك لا أرضاً خطَتْ قَدماكا
وداعٍ بأعْلَى صَوته كُلَّ سامعٍ / إلى عَدْلك المأْمولِ مثْل نَداكا
يُراوِحُ ضَرباً نَوبةً بعد نَوْبةٍ / على غَيرِ ذَنْبٍ في مَنيعِ ذُراكا
ومَلْكٍ منَ الأقلامِ لكنْ سَريرُه / بَنانُك يَحْمي باللِّسانِ حِماكا
ويُفْرَشُ كافوراً ومَفرِقُ رأسِه / به المسْكُ من طولِ التَضَمُّخ صاكا
وصَفراءُ سَوداءُ الضّميرِ كأنّها / حَسودٌ يُجِنُّ القلبُ منه قِلاكا
عديمةُ حَلْيٍ إذ هيَ الحَلْيُ كلُّها / على أَنّها تُعتَدُّ بَعضَ حُلاكا
لعَمْري لقد أَعلَى مَنارَكَ هِمّةٌ / فلا ماجدٌ إلاّ اقتدَى بِهُداكا
وما أَنت إلا للسّلاطينِ كعْبةٌ / من الشّرفِ اللهُ العظيمُ بَناكا
ليعلَمَ مُهدي كُسوةٍ لك أنّه / هو المُكتسي للفَخْرِ حينَ كَساكا
ولم يَك تَشريفُ الملوكِ منَ العُلا / بمُبْتكرٍ حتّى يُقالَ زَهاكا
فمن قبلُ في تَشريفك اللهُ بالغَتْ / عناياتُه حتّى كبَتْنَ عِداكا
فَقمّصَك الدّينَ المَصونَ بُرودُه / ورَدّاكَ مَصقولاً رِداءَ تُقاكا
وأمطاكَ ظَهْراً للعَلاء منُاصباً / نُجومَ الدُّجَى لم يَقْتَعِدْه سِواكا
وقلّد َسيَف الرأْيِ صَدرَك فاغتدَى / سلاحُ فتوحِ الأرضِ عندَك شاكا
وآتاك للتّقْوى مِجَنَّ كَلاءةٍ / إذا أرسلَ الباغي السِّهامَ وَقاكا
وأعلامَ ذِكْرٍ سائرٍ وسُرادِقاً / منَ العزِّ أَلْقَى حُجبَه وَحماكا
ومَدْحاً على أبوابك الدَّهرَ ضارباً / له نُوَباً لا يَنْقطعْنَ دِراكا
فهُنِّئْتَ تَشريفَيْنِ تَشريفَ عادةٍ / به المَجلسُ الأعلَى الغداةَ حَباكا
وتَشريفَ تَحقيقٍ منَ اللهِ سابقاً / خُصصْتَ به لم تَمتلِكْه أُلاكا
أَجَرَّك ذَيْلاً في المَجَرّةِ رافلاً / وخَطَّتْ سُموّاً في السَّماءِ خُطاكا
ولا شَكَّ أنّ البدْرَ في الأُفْقِ درْهمٌ / من النّثْرِ باقٍ في طَريقِ عُلاكا
أعدْتَ حياةَ الفَضْلِ قبلَ مَعادِه / سَماحاً فجازَى الأكرَمينَ جَزاكا
وما زال تَأْميلي يُسافرُ في الوَرى / فقال له ناديكَ ألْقِ عَصاكا
وقال ولم يَكْذِبْ ليَ الحَظُّ إنّما / غَناؤك في أَيّامه وغِناكا
فدَتْكَ نُفوسُ الحاسدِينَ من الورَى / وإن هي قَلّتْ أن تكونَ فِداكا
وحُيِّيَ فَرعٌ للعلاء نَمَيْتَه / وحُيِّيَ أَصْلٌ للعَلاءِ نَماكا
ووالَى كما يَهوَى وَليُّكَ دهرُه / وآخَى كما شاء الزَّمانُ أَخاكا
بَقيتَ يقولُ السّيفُ للقلَمِ استَمعْ / دُعايَ لمَن أهدَى مَضاءَ شَباكا
أَتبكي بيُمناهُ وأضحَكُ دائماً / ألا لا انْقَضي ضحْكي له وبُكاكا
فدُمْ في اللّيالي خالداً يا ابْنَ خالد / خَصيباً لروّادِ النَّوالِ رُباكا
يُرَى لك وَصْفاً في ظِلالِ سَعادةٍ / معَ النِّعَمِ اسْمٌ نَوَّلوهُ أَباكا
هُمْ نازلونَ بقلبي أيّةً سَلكوا
هُمْ نازلونَ بقلبي أيّةً سَلكوا / لو أَنّهمْ رفَقُوا يوماً بمَنْ مَلَكوا
ساقوا فُؤادي وأبقَوا في الحَشا حُرَقاً / للهِ ما أَخَذوا منّي وما تَركوا
لمّا بكَوا لا بكَوا والرَّكْبُ مُرتحلٌ / من لَوعةٍ ضحكَ الواشونَ لا ضَحِكوا
زَمُّوا وقد سَفَكوا دَمعي ركائبَهمْ / فكدْتُ أُغرِقُ ما زمُّوا بما سَفَكوا
وراعَني يومَ تَشْييعي هَوادجَهمْ / والعيسُ من عَجَلِ في السّيْرِ تَبتَرِك
سِترانِ سِتْرٌ عنِ الأقمارِ مُنفَرِجٌ / يُبدي وآخرُ للعُشّاق مُنهَتِك
ثُمّ انثَنَيْنا وما من راحلٍ أَثَرُ / إلا خيالٌ برَحْلي في الدُّجَى سَدِك
أَضُمُّ جَفني عليه حينَ يَطْرُقُنُي / كما يُضَمُّ على وَحشيَّةٍ شَرَك
ما روضةٌ أَضحكَتْ صُبحاً مبَاسِمَها / دُموعُ قَطْرٍ عليها اللَّيلَ تَنسفِك
فالنّرجِسُ الغَضّ عَينٌ كلُّها نَظَرٌ / والأُقحوانةُ ثَغرٌ كُلُّه ضَحِك
وللشّقائقِ زِيٌّ وسْطَها عَجبٌ / إذا تمايَلْنَ والأرواحُ تأتَفِك
حُمْرُ الثِّيِابِ تُطيرُ الرّيحُ شائلةً / أَذْيالَها وهْيَ بالأَزْرارِ تَمتَسِك
إذا الصَّبا نَبَّهَتْ أحداقَها سحَراً / حَسِبْتَ مِسْكاً على الآفاقِ يَنْفَرِك
أَنَمَّ طِيباً وحَلْياً من ترائِبها / إذا اعتَنقْنا وخَيلُ اللّيلِ تَعتَرك
وللسّماءِ نطاقٌ من كَواكِبها / عُقدْنَ منه على أعطافها حُبُك
قد أشْعَلَ الشّيْبُ رأسي للبِلى عَجِلاً / والشّمعُ عند اشْتعالِ الرّأسِ يَنْسبك
فإن يَكُنْ راعَها من لَونهِ يَقَقٌ / فطالما راقَها من قَبْلِه حَلَك
عَرفْتُ دهري وأهليه ببادرتي / من قَبلِ أن نَجّذَتْني فِيهمُ الحُنَك
فلا حَسائكَ في صَدري على أَحدٍ / منهم ولا لَهمُ في مَضْجَعي حَسَك
ولا أُغَرُّ ببِشرٍ في وجُوهِهمُ / وربّما غَرَّ حَبٍّ تحته شَبَك
سارتْ مطايا رجائي فيهمُ فغدَتْ / رَزْحَي من اليأسِ حتّى ما بها حَرَك
أُنيخُها ضَلّةً منهمْ إلى عُصَبٍ / حاشا الكرامَ إذا سِيلو النّدى وَعِكوا
ويَتركُ الحِلْمُ منّا لُدَّ ألسِنةٍ / وهُنّ كاللُّجمِ في الأفواهِ تَنعلِك
ورُبَّ طائفةٍ لم يكظِموا فشكَوْا / أقلَّ شيءٍ كما لم يكْرُموا فَشُكُوا
إلاّ تكُنْ مُسكةٌ للمالِ مُقنعةٌ / فالعقلُ والصّبرُ عندي منهما مُسَك
حتّى متَى وإلى كم يا زمانُ أَرى / منك الخطوبَ بجَنْبي وهْي تَنعرِك
أَبعْدَ عدلِ نظامِ المُلكِ تَحمِلُ لي / ذَحْلاً وخلْفَك منه ثائرٌ مَحِك
أَغَرُّ لا مَجدُه المَحسودُ مُشتَرَكٌ / كَلاّ ولا مالُه في الجودِ مُشترَك
فَمجدُه خالصاً دونَ الأنامِ له / ومالُه خالصاً للوَفْدِ مُمْتَلَك
يا مُتعِباً نفسَه في أن يُساجِلَه / أينَ السّماكُ إذا قايَسْتَ والسَّمك
دَعُوا الوِزارةَ عنكمْ تَربَحوا نَصَباً / فالحَبلُ في الدُّرّ مِمّا ليس يَنْسَلِك
وَرِثْتُمُ يا بَني إسحاقَ مَنْصبَها / فما لغَيرِكمُ في إرثِكم شِرَك
أنتمْ فَرازينُ هذا الدَّسْت نَعلَمُكُمْ / وهمْ بَياذِقُه إن صُفَّ مُعتَرَك
فما تَفرْزنَ منهم بَيذَقٌ أبداً / إلاّ غدا رأسُه في التُّرْبِ يَنمَعِك
كم رامَ أن يتَعاطى ذاك غيُركمُ / فخاضَه تائهٌ في الغَىِّ مُنهَمِك
وقام بالأمرِ لكنْ قائمٌ عجَبٌ / كما تُريكَ خيالَ القائمِ البِرَك
حتّى أُعيدَتْ إلى ذي مِرَّةٍ يَقِظٍ / من الّذين إذا هَمّوا بها فَتكوا
أما تَرى ما رأى السُّلطانُ مُرتَضياً / في مُلكِه كُلُّ ما يأتي وَيتَّرك
ألقَى إليك الّذي ألقَى أبوه إلى / أبيكَ في المُلْكِ والأحوالُ تَشتَرِك
فلا يَزلْ مُمْتَعاً كُلٌّ بصاحبِه / ولا تَزلْ هذه الأنسابُ تَشتَبِك
فلم يُصادِفْ وزيرٌ مثلَه مَلِكاً / ولم يُصادِفْ وزيراً مثلَه مَلِك
في دَسْتِه قَمرٌ في دِرعهِ أَسد / في حَفْلِه مَلِكٌ في سرِّه مَلَك
إذا عَددْنا سِنيهِ فهْو مُقتَبِلٌ / وإنْ ذكرْنا حِجاهُ فهْو مُحتَنِك
تَظلُّ في كَفّه الأقلامُ من كَرَمٍ / للنّاسِ أسخَى منَ الأحلامِ تَنشبِك
تَسعَى له مثْلما يَسعَى الزّمانُ لها / كُلٌّ بهامَته ماشٍ له حَرِك
جَذْلانُ يَرْمي العِدا بالخيلِ عاديةً / مُشيحةً فوقَها الأبطالُ والشِّكَك
يَظلُّ يَنفَحُ من أعراضِهم عَبَقٌ / وللحديدِ على أثوابِهم سَهَك
كأنّ أوجُهَهمْ والرَّوعُ يَبذُلُها / عِزّاً دَنانيرُ لم تُنقَشْ لها سِكَك
من كُلِّ أَزْهرَ مثْل النّجمِ يَحملُه / طَودٌ له اللّيلُ مِسْكٌ والضُّحَى مَسَكُ
حتّى رأَوْها أُسوداً ما بِها عَزَلٌ / تُزيرُ فوق جبالٍ ما بها صَكَك
طرَقْنَ حيَّ العدا في عُقْرِ دارِهمُ / والنّومُ مْلء ُجُفونِ القَومِ لو تُرِكوا
والطَّعنُ يَنسِجُ أشطانَ القنا ظُلَلاً / تُلقَى على فُرَجِ الحُجْبِ الّتي هَتَكوا
إلى ذُراكَ قِوامَ الدِّينِ سارَ بنا / خُوصٌ كما اصطَفَّ من نَخْلِ القُرَى سِكَك
مُدَّتْ على اسْمِكَ أطرافُ الحبالِ لها / وأُغْشِيَتْ أُخْريَاتُ الأرحُلِ الوُرك
وثَوَّروهُنّ أدْنَى خَطْوِها سَفَرٌ / شَوقاً إليك وأبطا مَرِّها رَتَك
تَسْري طَوالبَ أيديها بأرْجُلِها / مَدَّ اللّيالي فلا فَوْتٌ ولا دَرَك
حتّى تَرى مَلِكاً تَشْفَى برَؤْيتِه / من الزّمانِ صُدوراً كلُّها حَسَك
يَحُطُّ قوماً ويَعلو آخَرونَ به / كما يُديرُ نُجومَ اللّيلةِ الفَلَك
اليومَ عاش نظامُ المُلْكِ ثانيةً / وكم مَعاشر عاشوا بعدَ ما هَلَكوا
فاللهَ نَسألُ أن يُبقيكَ ما بَقيَتْ / آثارُه فَهْي حَبْلٌ ليس يَنْبَتِك
وهاكَها تُوقرُ الحُسّادَ من كَمَدٍ / كأنّما هيَ في أسماعهمْ سِكَك
قَوافياً بدويّاتٍ وما بعَثَتْ / بها من البَدْوِ لا عُرْضٌ ولا أَرَك
جاءتْ بهنّ يدٌ بيضاءُ فانتظمَتْ / زُهْراً تَلقَّفُ للأقوامِ ما أَفِكوا
زُفّتْ إلى أحمدَ المحمودِ واجتنَبتْ / قَوماً إذا خَطَبوا أبكارَها فُرِكوا
يا مُدرِكاً رُتَباً ما بعدَ ذِرْوتِها / إلاّ الدّوامُ فَدُمْ للمَجْدِ تَدَّرك
سِحْرٌ من الشِّعْرِ أعجَزْتُ الفُحولَ به / وأعجزَتْنيَ حتّى بِعْتُها الرَّمَك
لمّا دُفِعْتُ إلى دَهْرٍ تَنمّرَ لي / برائعاتٍ فأَمْرِي بينها لَبِك
العَقْلُ فيه عِقالٌ والسُّدادُ سُدىً / والفَضْلُ فيه فُضولٌ والنُّهى نَهِك
قد بِعْتُ طِرْفي وهذا مِطْرَفِي وغداً / أَبيعُه ولِطَرْفِي أدمُعٌ سُفُك
مَدْحي الملوكَ وأكْلي الكَفَّ مُقتنعاً / هذا لعَمرُكَ في أيّامكمْ هُتَك
فاسمَعْ مقالي رعاكَ اللهُ من مَلكٍ / واعْدِلْ فعَبْدُك دهري ظالمٌ مَعِك
طال المُقامُ ونالَ الصّبرُ غايتَه / وتاهَ في أمره حَيرانُ مُرتبِك
فاعْطِفْ فإنّ حِمَى العلياء مُنْتَهَبٌ / إن لم تُغِثْ وحَريمَ المجدِ مُنْتَهِك
وأْمُرْ بها بِدَراً يُنحَرنَ تامِكةً / كما يُقرَّبُ عند المَوسمِ النُّسك
واعْدُدْ بكفَّيك أعياداً مُعاودَةً / ما دام جُنحُ الدُّجَى بالصُّبحِ يَحتبِك
أشاكرٌ أنا للأيّامِ أمْ شاكِ
أشاكرٌ أنا للأيّامِ أمْ شاكِ / فقد أَرى صَرْفَها يا نَفْسُ عَنّاكِ
أدناكِ من بلدٍ فيه البَديعُ ومن / لُقياهُ أقصاكِ ظُلْماً حينَ أدْناك
فليس عندَكِ من آثارِه أثَرٌ / إلا مقالةَ راوٍ عنه أو حاك
ولو غدَوْتِ بهذا منه قانعةً / لما حدا نحوَه الحادي مَطاياك
بل إنّما أنتِ يا نَفْسي مُقصِّرةٌ / فلِمْ تُطيلينَ للأيّام شَكْواك
لِمْ لستِ تَلقَيْنَ قَصْداً مَن على يدِه / أضحَتْ أيادي مُلوكِ الأرضِ تَلْقاك
وقد رأيتُكِ لمّا مَسَّه ألَمٌ / لم تَكْتَحِل بالكَرى يا عَينُ جَفْناك
وقَلَّ منّا لَوَ أنّا مِن مَحبَّتِه / يا وطْأةً في الثّرى منه فدَيْناك
حاشاهُ أن تُصبِحَ الأيّامُ خاليةً / منه كما أنتِ يا أيّامُ حاشاك
وما إخالُكِ يا دُنْيا بمُنكرةٍ / أَن كنتِ من قبلُ عُطْلاً وهْو حَلاّك
لمّا غدا عِقْدُ آدابٍ به انْتظمَتْ / أشتاتُها جعلَتْه تاجَ أمْلاكِ
له يَدٌ تُعمِلُ الأفلاكَ دائرةً / فلا اعْتَراها بسُوءٍ دَوُْر أفلاك
كم قد كَساكِ نِطاقَ الشُّهْبِ أنمُلهُ / وكم إذا شاء يا أفلاكُ أعْراك
ولم يَشُدَّ بخَصْرٍ منكِ مَنطِقةً / إلاّ لكَي تَخدُمي ما عِشتِ مَوْلاك
لا تَبْلُ منه بَنانٌ من لَطافتِه / كم قد أجدَّكِ للرّائي وأبْلاك
له العلومُ لعَمْري والعُلُوُّ معاً / يَحْويهِما خاطِرٌ رقّاهُ إيّاك
كم صافحَتْ كفُّه من مَرّة لك يا / كفَّ الثُّريّا وإنْ لم تَرضَ علْياك
رُزِقْتَ يا نجمُ منه لَمسةً عَرَضتْ / وكنتَ كَفَّ دُجىً سَوداءَ إذْ ذاك
فما أَظُنُّكَ إلاّ أنّه كَرماً / بالنُّورِ من يَدِه البَيْضاءِ أعْداك
يا مَن يُلاقي جُيوشَ اللّيلِ طارِقةً / إذا غزا بسِلاحِ للنُّهَى شاك
أعِنْ على مَشْهدٍ أصبحْتَ ثانيَه / جُوداً بمُسْعدِ عُبّادٍ ونُسّاك
ذي جزعَةٍ سِلْكُها ماءٌ إذا انخَرطَتْ / فيهِ تَتابعَ مَوْصولاً بأَسْلاك
يَبكي بدَمعٍ مُعارٍ وهْو مِن كَرَمٍ / يُعيرُ مَن شاءَ طَرْفَ السّاهرِ الباكي
ولا يُرى قائلاً إلاّ وفي فَمِه / ماءٌ مقالَ صَدوقٍ غيرِ أَفّاك
يَنوبُ عن كلِّ شَمسٍ إنْ هي احتجَبتْ / مَنابَ ذي ناظرٍ للحُجْبِ هَتّاك
مُلْقىً بأرضٍ وأخبارُ السّماءِ له / إن لم يَزُغْ مُدْرَكاتٌ أيَّ إدْراك
خِلْوٌ إذا اللّيلُ من تحتِ النّجومِ بَدا / كَسُودِ أغْرِبةٍ في بيضِ أشْراك
لكنْ يَبيتُ أخا شَجْوٍ إذا انتقَبَتْ / بعارِضٍ مُسبَلٍ للدَّمْع سَفّاك
فحُزْ مَحامِدَ تَبقَى في الزَّمانِ به / فأنت من مَعشَرٍ للحَمْدِ مُلاّك
ما كنتُ تارِكَ شُكْري وحدَه كرَماً / فلستُ للأجرِ معْ شُكري بتَرّاك
إن كنتُ قِستُكَ بالأقوامِ في خُلُقٍ / فإنّما قِستُ تَوحيداً بإشراك
فاصْبِرْ على كُلَفِ الإخوانِ إن سَنَحَتْ / كَصبرِ أَرْوعَ بالأقرانِ فَتّاك
لا تَحسبَنّ اجْتناءَ المجدِ مُحتقَراً / إنّ العُلا وَردُه ما بَينَ أَشْواك
إنّ الجِنانَ هَدِيٌّ أنت خاطبُها / ومَهْرُها عَمَلٌ من عامِلٍ زاك
عَداكَ الحادثاتُ إلى عِداكا
عَداكَ الحادثاتُ إلى عِداكا / فما للنّاسِ مَعنىً ما عَداكا
ولا بَرَحَ المُصادِقُ والمُعادي / إذا ما نابَ نائبةٌ فِداكا
فأنتَ سنَنْتَ للنّاسِ المَعالي / وإن لم يَبلُغوا فيهما مَداكا
إذا نظَر الملوكُ إليكَ يَوماً / رأَوْك لأمْرِ مُلكِهمُ مِلاكا
فإن يَكُ مُلكُهمْ أمسَى سَماءً / فَرَأْيُكَ لم يَزْل فيها سِماكا
خُلقْتَ منَ العُلا والمجدِ حتّى / تَضمّنتِ الفضائلَ بُرْدَتاكا
فلو كان العُلا والمجدُ شَخصاً / يَراهُ النّاظرونَ لكنتَ ذاكا
نَصُدُّ عنِ الغمائمِ هاطلاتٍ / إذا مطَر الوفودَ غَمامتاكا
ونَسمَعُ عن كرامِ النّاسِ ذكْراً / ونَنظرُ ما نَرَى أحداً سِواكا
فلا نَعْبا بأنْ سَخِطَ اللّيالي / وأهلُوها إذا حُزنا رِضاكا
لقد مَرِضتْ لنا الآمالُ حتّى / شَفاها اللهُ لمّا أن شَفاكا
فلا حُرِمَ السَّناءَ بكَ المعالي / ولا خلَتِ المَمالكُ من سَناك
فما اكتحلَتْ بوَجهِ السَّعْدِ يَوماً / من الدُّنيا سوى عَينٍ تَراكا
تَقسَّمتِ الوُفودُ غداةَ سارَتْ / وخَيلُ الدَّهرِ تَعترِكُ اعْتراكا
فسار الطّارقاتُ إلى الأعادي / وسار الطّارِقونَ إلى ذُراكا
بنو الدّهرِ العُفاةُ لديكَ لكنْ / بَناتُ الدّهرِ تَقصِدُ مَن قَلاكا
مَنِ استَكْفاكَ أمرَهمُ كفيلٌ / إذا راب الزّمانُ بما كَفاكا
لك المَعروفُ دونَ النّاسِ مُلْكٌ / يَداكَ بصِدقِ ذلكَ شاهِداكا
ولمّا صارَ حَمدُ النّاسِ وحْشاً / نَصبتَ من الجميلِ له شِباكا
أرى الإمساكَ من عاداتِ قَومٍ / وما اعتادَتْ سوى بَسْطٍ يَداكا
فأعجَبُ كيف مَعْ تلك السَّجايا / أطاقَ بكفِّك القلَمُ امتِساكا
لدِيوانَيْ حسابِكُمُ وشِعْري / أرَى في الرَّعْيِ للذِّمَمِ اشْتِراكا
مَعاشيَ هاهُنا ما زالَ يُجْرَى / ومَدحُكَ هكذا يُتْلَى هُناكا
فما في أمرِ إدراري مَعابٌ / ولا دُرَري إذا جُعِلَتْ حُلاكا
أُنَظَمُهنَّ أشعاراً رِقاقاً / إذا ما غَيرُها أضحَى رِكاكا
وما شُكري لمِا أَولَيْتَ إلاَّ / رَهينٌ ما أُطيقُ له فَكاكا
إذا طلَب الحسودُ لدَيكَ شَأْوي / نهَتْه عن مُطاولتي نُهاكا
وكيف أخافُ للواشي مَقالاً / وقد عُقدَتْ على طَوْدٍ حُباكا
إلى المَولَى الصِّفيّ سَرتْ رِكابي / وحَسْبُك بالصَّفيِّ إذا اصْطَفاكا
وَليُّ الدَّولةِ الحاكي نَداهُ / وَليَّ المُزْنِ والقَطْرَ الدَّراكا
لتَهنِكَ كَعبةٌ زارتْكَ شَوقاً / إليك ورَّفهَتْ كَرماً خُطاكا
ودَوحةُ سُؤْدَدٍ تَدعوكَ فَرْعاً / فَزادَ اللهُ مَفْخَرَ مَن نَماكا
أتَتْ بك أوّلاً وأتتْ أخيراً / تَزورُكَ بعدَ ما شَطَّتْ نَواكا
بمَقْدَمكَ اعْتراها من سُرورٍ / مُشابِهُ ما بمَقْدَمها اعْترَاكا
لكَ البُشرَى بها ولَها قديماً / لقد عَظُمَتْ وجَلّتْ بُشرَياكا
طَرِبتُ لجَمْع شَملك بَعْدَ لأْيٍ / لَعلّك جامعٌ شَمْلي كَذاكا
أرى لي طِيّةً عَرُضَتْ وطالَتْ / وليسَ مَطيّتي إلاّ نَداكا
ولي وَطَنٌ ولي وَطَرٌ جَميعاً / سَيُدْني لي بَعيدَهُما جَداكا
وسَوقُ الرّاحتَيْنِ إليّ سَهْلٌ / عليكَ إذا استَهلتْ راحتاكا
أَحِنُّ إلى السُّرَى وَعلَيَّ قَيْدٌ / منَ التَّعويقِ يَمنَعُني الحَراكا
فحُلَّ عِقالَ نِضْوٍ من رَجائي / يَسِرْ بي من ديارِكمُ ابْتِراكا
وأيّاً ما حلَلْتُ فلي لسانٌ / مَلئٌ بالثّناء على عُلاكا
فحيثُ نزلْتُهُ يَأْتيكَ شُكْري / على بُعْدٍ وتَأْتيني لُهاكا
وما مَدْحي وإنْ خطبَتْه قَومٌ / سوى عَبَقٍ بثَوبِ عُلاكَ صاكا
فلا يَزلِ الزّمانُ بكُلِّ حال / يُطيعُك صَرْفُهُ في مَن عَصاكا
رأيتُك في يَدِ الإقبالِ سَيْفاً / فلا شامَتْكَ كَفُّ من انْتَضاكا
ولا لَقّاكَ مَن تَرجوهُ يأساً / فإنّكَ لستَ تُؤْيسُ مَن رَجاكا
تَحِنُّ إلى شَرقيِّ نَعْمانَ ناقتي
تَحِنُّ إلى شَرقيِّ نَعْمانَ ناقتي / وَمسْرحُها الأدنَى بجَرْعاءِ مالِكِ
ولو أنّها تَشكو عِقالي حلَلْتُها / ولكنّها مَعقولةٌ بعِقالك
أُصبِّحُهمْ في مَعشري لِقراعِهمْ / وأطْرُقُهُمْ مُستأثِراً بوِصالك
ولم يَشْكُ قلبي قَطُّ صِدْقَ قِتالهِمْ / ولكنّه يَشكو أليمَ قِتالك
لا بأْسَ وإن أذَبْتُ قلبي بِهَواكْ
لا بأْسَ وإن أذَبْتُ قلبي بِهَواكْ / القلبُ ومَن سلَبتْه القلبَ فِداكْ
وَلَّيْتَ وقلتَ أنعَمَ اللهُ مَساكْ / مَولايَ وهل يَنعَمُ مَن ليس يَراك
حَسْبُكَ منّي يا فتىً خِلْعةً
حَسْبُكَ منّي يا فتىً خِلْعةً / أُمسكُ عن نَشْرِ مَساويكا
في طَيلساني لا تكُنْ طامعاً / طَيُّ لساني عنكَ يَكْفيكا