القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 16
قالت تعال فقلت لبيكِ
قالت تعال فقلت لبيكِ / هيهات أعصي أمر عينيك
أنا يا حبيبة طائر الأيك / لم لا أغني في ذراعيك
أفديك مقبلة على جزع / بسطت إليَّ يمين مرتجف
وبها ارتعاشة طائر فزع / من قلبها تسري إلى كتفي
شحبت كلون المغرب الباكي / وتألقت كالنجم عيناها
فتلفتت كحبيس أشراك / وحكى اضطراب الموج نهداها
وأخذت أدفئ بردها بفمي / لو تنفعنَّ حرارة القبل
قلتُ اهدئي لم ثورة الندم / كفَّاك ترتجفان يا أملي
وجذبتها بذراعها نمشي / نمشي وما ندري لنا غرضا
إلفان قد فرا من العش / يتبادلان سعادة ورضا
يا لحظة ما كان أسعدها / وهناءة ما كان أعظمها
مر الغريب فباعدت يدها / وخلا الطريق فقربت فمها
مرت بنا سيارة ومضت / فضاحة خطافة النور
كشفت لعينينا وقد ومضت / ظلين معتنقين في السور
ضحكت لظلينا وقد عجبت / مما يخال فؤاد مذعور
وكأن ضحكتها وقد طربت / قطرات ماء فوق بلور
عوذتها من شر أمسية / تعيا بها وتضل أبصار
وكواكب ليست بمجدية / ظلم مكدسة وأحجار
عثرت بها فرفعتها بيدي / جسماً يكاد يشف في الظلم
ويرف مثل الزهر وهو ندي / ويخف مثل عرائس الحلم
وكأنني مما يسوء خلي / وحياتيَ انجابت حوالكها
أرمي الطريق بناظري رجل / وأنا لها طفل أضاحكها
ملكتها الدنيا بما وسعت / وأنا أهامسها بأسراري
وأسرها بحكاية وقعت / ورواية من نسج أفكاري
وإذا الطريق يسير منعطفا / وإذا رياح تضرب السدفا
وكأن منها منذرا هتفا / بلغ المسير نهاية فقِفا
يا توأما من صدري انتزعا / يا من دعا قلبي له فسعى
لم أيها الداعي هواك دعا / والدهر يأبى أن نظل مَعا
انظر ذراعيَّ اللذين هما / قد طوقاك مخافة البين
أقسم بأنك عائد لهما / إني لممدود الذراعين
كل الورى يدعون حبك
كل الورى يدعون حبك / أنا الوحيد الذي أحبك
صدرك فيه اضطراب شوق / يقرع قرع العباب جنبك
فكيف تخلي به مكاني / وتسكن الغادرين قلبك
لما اعتنقنا على اشتياق / لمست بالساعدين خطبك
تعال لا تعتذر لذنب / بقدر حبي غفرت ذنبك
طال على المتعب الطريق / بلا حبيب ولا صديق
قد بعد الشاطئ المرجى / والموج لا يرحم الغريق
في واضح النور جنح ليل / وفي الرحاب الفساح ضيق
يا أرجوان الغروب مهلا / ولتئد أيها العقيق
صبغت عمري فصرت أمشي / على دمائي التي أريق
يا مسرحاً والفصول تترى / عليه ما لي بك اغترار
فلا بخير ولا بشر / ولا طوال ولا قصار
ما خنت عهدي لمن تولى / كلا ولا خانني اصطبار
أين الليالي التي تسر / بلا لقاء ولا مزار
كم قلت ذا مشهد يمر / ولم أقل إنه ستار
إن كان للمشجيات رسمٌ / إني تمثالها المقام
بلا دموع ولا شكاةٍ / قد جمد الدمع والكلام
يا طالب الحزن في المآقي / لا تنشد الدمع في الرخام
وخذه من أخرس مرير / من شفه دمعها سجام
فهل فمٌ قد بكى بكائي / من ذا رأى دمعةَ ابتسام
أنا لا أظل وكل شي
أنا لا أظل وكل شي / ء مستمد من جلالك
في قاتم محلولك / سدّت علي به المسالك
إن لم تضعني في سنا / ك حمدت حظي في ظلالك
إن لم تضعني في يمي / نك فالتفت لي في شمالك
الرأي رأيك ليس في ال / أوقاف شيء غير ذلك
يا أحكم الحكماء لا / يفتى وفي الأوقاف مالك
تَشُكِّين في حبي لك الحقُّ إنني
تَشُكِّين في حبي لك الحقُّ إنني / جديرٌ بهذا الظُّلم والريبِ والشكِّ
خليقٌ بأن تَنسَي هواي فتنطوي / سعادةُ أيامي التي ذُقتُها منكِ
إذا أنا لم أذكُركِ في كل لحظةٍ / وقصّرتُ لم أسأل ثوانِيها عنك
إذا أنا لم أبذُل شجايَ وعَبرَتي / على كل وقتٍ ضائعٍ كنتُ لا أبكي
فلا حبَّ عندي أستلذُّ به الجوى / بما فيه من سقمٍ وما فيه من ضنك
أليلايَ حُبِّي فيك حُبُّ مُوَحِّدٍ / تَنَزَّهَ عن ريبٍ وجلَّ عن الشِّرك
تَبَقَّى بقاءَ القلب يَنبِضُ دائماً / وليسَ لسلوانٍ وليس إلى تَرك
قضيتَ العمر تذكر لي
قضيتَ العمر تذكر لي / وأذكر في الهوى جرحك
فقم نسخر من الأَمَلِ / ومن أعماقنا نضحك
وقم نسخر من الدنيا / وقم نَلهُ مع اللاهي
طويتُ صحيفة الأمس / فَدَعها في يد الله
هي الدنيا كما كانت / وماذا ينفع الوعظ
وما عتبت ولا خانت / ولكن خانك الحظّ
أردنا الجاه والذهبا / فلم يتلطَّف المولى
وهذا العمر قد ذهبا / وأحسن ما به ولّى
صيّركَ الحسن أميرَ الوجود
صيّركَ الحسن أميرَ الوجود / والشعر من درّاته كَلَّلَك
مستلهماً منك معاني الخلود / فكل تاجٍ في العلى منك لك
فَنَاهِبٌ برق الثنايا العذاب / وسارقٌ ياقوتةً من فمك
وكل تغريد الهوى والشباب / أغنيّةٌ حامت على مبسمك
وذلك الماس الرفيع السنا / والجوهر الغالي الذي صِدتُهُ
أرفع من فكر الورى مَعدِنا / وكل فضلي أنني صُغتُهُ
لا فكر لي عشتُ على فكرتك / أقبس ما أقبس من غُرَّتك
ودمعتي تقتات من عبرتك / فانظر بمرآتي إلى صورتك
أشقانيَ الحبُّ وقلبي سعيد / يَعُدُّ هذا الدمع من أنعمك
أجزلُ ما كافأ هذا الشهيد / بلوغُه المجد على سُلَّمك
لا شيء من يوم النَّوى منقذي / إني امرؤٌ عنك وشيك المسير
وأنت باقٍ والجمال الذي / غنّى به شعري ليومي الأخير
انظر إلى آيات هذا الجمال / ترتدُّ عنها عاديات البلى
عاجزةَ الباع ويأبى الزوال / لوردةٍ من عَدن أن تذبلا
للأنفس الظمأى إِليك التفات / ولهفةٌ ملءَ اللّحاظ الجياع
ولي التفاتٌ لسري الصّفات / واللؤلؤِ اللّماح خلف القناع
قلبي مع الناس وفكري شَرود / في عالمٍ رَحب بعيد الشِّعاب
عيني على سرٍّ وراء الوجود / وبغيتي عرشٌ وراء السحاب
كم طرت بي واجتزت سور الضباب / والضوء ملء القلب مِلء الرحاب
وعدت بي للأرض أرض السَّراب / والليل جهمٌ كجناح الغراب
أريتَني الغيب الذي لا يُرى / كشفتَ لي ما لا يراه البصر
ثم انحدرنا نستشفُّ الثرى / علّ وراء التُّرب سرَّ السفر
صدري وسادٌ زاخرٌ بالحنان / تصوُّري أعجب ما في الزمان
موج على لُجَّته خافقان / قَرَّا على أرجوحةٍ من أمان
كمركب في البحر يومَ اغتراب / ما أبعد المحنة بعد اقتراب
هيهات يُنجِي من شطوط العذاب / إلا عبابٌ دافقٌ في عباب
ملأتُ كأسي وانتظرت النديم / فما لساقي الرُّوح لا يُقبل
شوقي جحيمٌ وانتظاري جحيم / أقلُّ ما في لفحِهِ يقتل
أنت كريم الودّ حُلو الوفاء / فما الذي عَاقَكَ هذا المساء
وما الذي أخَّر هذا اللقاء / وحرَّم النبع وصدَّ الظِماء
أذمّ هذا الوقت في بُطئِهِ / آخرهُ يعثُر في بَدئِهِ
لله ما أحمل من عِبئِهِ / وما يُعاني القلب من رُزئِهِ
تدقُّ فيه ساعةٌ لا تدور / وإن تَدُر فهو صراعُ اللُّغوب
رنينُها يُقلق صُمَّ الصدور / وطَرقُها يقرع باب القلوب
يا ذاهباً لم يَشفِ مني الغليل / ما أسرع العقربَ عند الرحيل
هتفتُ قف لم يبق إلا القليل / وكل حيٍّ سائرٌ في سبيل
يومٌ تولّى أو ظلامٌ سجا / كلاهما بالقرب منك انتصار
أأحمد اليوم تلاه الدُّجى / أم أحمد الليل تلاه النهار
إن نَوَّر النجم به مرَّةً / فإن إشراقَك لي مرّتان
وكيف يُبقى الشكُّ لي حيرةً / ولي على برج المنى نجمتان
فهذه تلمع في خاطري / مِلءُ دمي إشراقُها والبهاء
وهذه تُومِئُ للساهر / والليلُ صافٍ وأديم السماء
وهذه تجلو كثيف الغيوم / وهذه تَدرَأُ عني الهموم
وتَمحق الحزن وتَأسُو الكلوم / فما الذي أجرَى دموع النجوم
هيهات أنسى دُرَّة الأنجم / إِليَّ من آفاقها ترتمي
وفي جريحٍ أعزلٍ تحتمي / من أي هولٍ هي لم تعلمِ
إنَّ ضلوعاً تحتمي في ضلوع / مقادرٌ ليس بها من رجوع
أخلدُ أصفاد الجوى والنزوع / هوى الحزانى وعناق الدموع
رضيت بالدهر على ما جَنَى / وأُبتُ بالحكمة بعد الجنون
ومرّ يومي هادئاً ساكناً / وأيُّ شيءٍ خادع كالسكون
أرنو إلى الصحراء حيث الرمال / نامت كأنَّ اللفح فيها ظلال
يا ليت لي والدهر حالٌ وحال / من وقدة الإِحساس بعض الكلال
فأقبلُ الدنيا على حالها / مسلِّماً بالغدر في آلها
وراضياً عنها بأغلالها / محتملاً وطأة أثقالها
الرُّعبُ سيَّان بها والأمان / والحسن زادٌ سائغٌ للزمان
والوهم في حالاتها كالعِيان / والحبُّ والكره بها توأمان
وَدِدتُ لو قلبي كهذي القفار / أصمُّ لا يسمع ما في الديار
أعمى عن الليل بها والنهار / وددت لو قلبي كهذي القفار
وددتُ لو عنديَ جهل الثرى / تَعمُر أو تُقفر هذي البيوت
غفلان لا يعنيه أمرٌ جرى / أيُولَد الحيُّ بها أم يموت
وليلةٍ تمضي وأخرى وما / جئتَ فهل ألهاك عني أحد
ما ضاء من ليلاتنا أظلما / والسبت خَدَّاعٌ بها كالأحد
يمتلئ السطح على ضيقه / والوقت عندي كانفساح الأبد
حسدته والقلبُ في ضيقه / أنا الذي لم أدرِ طعم الحسد
وذلك الجاز وهذا النغم / منتقلاً بين الرضا والألم
يحمل لي طيف خيالٍ قَدِم / تراه عيني في ثنايا حُلُم
في واحةٍِ يرسو عليها الغريب / فكلُّ ما فيها لديه غريب
وهكذا الدنيا خداعٌ عجيب / إذا خلت أيامها من حبيب
وهكذا يومٌ ويومٌ سواه / ينكرها القلب الصَّبور الحمول
وهكذا يذهب طِيب الحياه / بين التمنّي واعتذار الرسول
هنا مِهاد الحب هل تذكرين / وها هنا بالأمس طاب السمر
وتلك أحلام الهوى والسنين / يحملها التَّيار فوق النَّهَر
والقمر الفضيُّ بين الغيوم / يخفق كالمنديل عند الوداع
يا حسرتا هل صوَّرته الهموم / كالزورق الغارق إلا شراع
قد جلَّلته غيمةٌ عابرة / تسحب أذيال الأسى والندم
وأغرقته موجةٌ غامرة / فأطبق الصمت وَرَانَ العدم
ضممت أضلاعي على نعشه / فلم يزل فيها لهاوٍ شعاع
لأي غورٍ زال عن عرشه / وغاص في اللجِّ إلى أيِّ قاع
أرثي لحظّ الأُفق وهو الذي / يرمقني بالنظرة الساخره
وتهرب الأنجم هذي وَذِي / ويجثم الليل على القاهره
ويزحف الكون على خاطري / كأنه في مقلة الساهر
سَدٌّ من الرُّعب بلا آخر / يعبُّ عبَّ الأبد الزاخر
وفي ظلال الموت موتِ الوجود / وخلفَ أطلال البِلى والهمود
وبين أنفاس الرَّدى والخمود / وتحت سُحبٍ عابساتٍ وسود
تدفعني عاصفةٌ عاتيه / تقصف من خلفي وقُدَّاميه
قد مزّقت روحي وآماليه / وقرَّبت لي طرَف الهاويه
تلمع في الظلمة أحداقها / قد رحَّبَت باليأس أعماقها
شافيةُ النفس وترياقها / مشتاقةٌ أقبل مشتاقها
قد كان لي عندك عزُّ الذليل / وكان للآمال ومضٌ ضئيل
يلمع في ظَنِّيَ قبل الرحيل / فانطفأ النور ومات القليل
فداك يا جاهلةً ما بيه / قلبي وأنفاسي الحِرار الظِّماء
وكيف أنسى ليلتي الداميه / ولهفتي أَلهَثُ خلف القطار
وعودتي أجرع كأس الحياة / مُعاقِراً سُمَّ الفناء البطيء
أُنكِرُ أو أفزع ممن أراه / سيان من يذهب أو من يجيء
وليلةٍ فاضت بوسواسها / تعجب من إلفَين بين البَشَر
ذلك يعدو خلف أنفاسها / وهذه تتبع سير القمر
تتبعه بين الرُّبى والشِّعاب / تتبعه يسري خلال السحاب
كم هلَّلت وهو يضيء الرِّحاب / والتفتَت محسورةً حين غاب
وذلك الطفل اللهيف الغيور / في فَلَكٍ من ضوء ليلى يدور
يقفو خطاها وهي بين الطيور / لها جناحان مراحٌ ونور
كزورقٍ يعبر بحر الوجود / له شراعان ولحظٌ شَرُود
كم شرَّقا أو غرَّبا في صعود / وارتفعا حتى كأن لن يعود
ليلى ارجعي إني شقيّ كئيب / أهتف مفقودَ الهُدَى والقرار
يا هاته الأوطان إني غريب / وعالمي ليس هنا يا ديار
تركتني وحدي وخلَّفتني / أرزح تحت المُبكيات الثِّقال
أنكرتِ ميثاقي وأنكرتني / أَكُلُّ ماضينا وليد الخيال
فرغت من أحلامه وانطوى / بِمُرِّهِ وارتحتُ من عذبه
الأمرُ ما شئت فذنب الهوى / على الذي يكفر يوماً به
كان إلى الله سبيلي وما / كان إلى الإِيمان دَربٌ سواه
وكان في جُرح الهوى بلسما / وكان عندي منحة من إله
مهما تكن ناري فإنّ الجحيم / أرأفُ بي من ظلم هذا البعاد
وربّ همّ مُقعِدٍ أو مقيم / قد لطَّفَته نسمات الوداد
فخفَّت النار وقرَّ الهشيم / وعاودتني الذِّكَرُ الغابره
والنيل يجري هادئاً والنسيم / معربدٌ في الخُصَل الثائره
كم تهتف الأيام خانت فَخُن / ويح حياتي إن تَخُن أمسها
إن هنتُ هذا عهدها لم يَهُن / ولا لياليها وإن تنسها
تُهيبُ بي الفرصةُ قبل الفوات / ويعرض الصَّيد فلا أقنصُ
إني امرؤ زادي على الذكريات / وما غلا عندي لا يرخصُ
ومطلب في العمر ولَّى وفات / وكان همِّي أنه لا يفوت
كأن فجراً ضاحكاً فيَّ مات / وملءُ نفسي مغربٌ لا يموت
في السَّأم الحيِّ الذي لا يَبيد / والأملِ الطاغي بأن ترجعي
أجدِّدُ العيش وما من جديد / وأدّعي السّلوان ما أدّعي
كم خانني الحظ ولا أنثني / أقضي زماني كلَّه في لعل
وتُقسم المرآة لي أنني / رَقَّعتُ بالآمال ثوب الأجل
قد فاتني الصيف وخان الربيع / وكان همّي كلًُّه في الخريف
وما شكاتي حين شملي جميع / وأنت لي أيكٌ وظلٌّ وريف
والآن قد مزّق عندي القناع / موتُ الأباطيل وزحف الشتاء
وبدَّد الوهم وفضَّ الخداع / بَردُ المنايا وشحوب الفناء
وَأسِفَ القلبُ لكنزي الذي / غَصَّت به أفئدة الحُسَّدِ
صحوت من وهمي ولا كنز لي / قد صَفِرت منها ومنه يدي
أين زمانٌ مُكتسٍ يومُه / بالحبِّ مَوشِيٌّ بحُلم الغد
من هاته الأيام محرومةً / عريانةَ الآمال والموعد
قد قتل الدهرُ هنائي كما / ماتت بثغري ضحكات السعيد
وربما رقَّ زمانٌ قسا / فانعطف الجافي ولان الحديد
محقّق الآمال أو واعدٌ / بفرحةٍ يوم لقاء وعيد
فإن يَعدِني ثار شكِّي به / كأنما وعد الليالي وعيد
واأسفاً هذا سجلٌّ كُتِب / خَطَّتهُ كفُّ القدَر المحتجب
ففيم عَودِي لقديم الحِقَب / وفيم تَسألي عمَّا ذهب
ضاقت بنا مصرُ وضقنا بها / وكلُّ سهلٍ فوقها اليوم ضاق
وضاقت الدنيا على رحبها / أين نداماي وأين الرفاق
كفٌّ تَلُمُّ العمر والعُمر راح / وقبضةٌ تجمع شمل الرياح
لا حَبَبٌ باقٍ ولا ظل راح / ليلٌ تولَّى وتولَّى صباح
هذا نهار مات يا لَلنَّهار / كل مساءٍ مصرعٌ وانهيار
مال جدار النون بعد انحدار / وغابت الشمس وراء الجدار
وذا مساءٌ صبغته الهموم / بلونها القاني وهذي غيوم
تحوم والظلمة فيها تحوم / تبسط مهداً ليّناً للنجوم
كأن ثوباً في السماء احترق / فلم يزل حتى استحال الأفق
ظلّ دخان أو بقايا رمق / ولم يعُد إلا ذيولُ الشفق
وتزحف الظلماء زحف المُغير / حاجبة ما دونها كالسِّتار
وكل حيٍّ وادعٌ أو قرير / ما اختلف الشأن ولا الحظ دار
العيش أمرٌ تافهٌ والمنون / والحكمةُ الكبرى بها كالجنون
وهكذا نمضي وتمضي السنون / وهكذا دارت رحاها الطحون
في شَجِّها حيناً وفي طَعنِها / سينقضي العمرُ وأين الفرار
وثورةُ الشاكين من طحنها / نوحُ الشظايا وعتابُ الغُبار
يا حبيبَ الروح يا روحَ الأماني
يا حبيبَ الروح يا روحَ الأماني / لستَ تدري عطش الروح إليكا
وحنيني في أنين غير فاني / للرَّدى أشربه من مقلتيكا
آه من ساعة بثٍّ وشجون / ولقاء لم يكن لي في حساب
وحديثٍ لم يدر لي في الظنون / يا طويلَ الهجر يا مُرَّ الغياب
حلّ يا ساحر صفوٌ وسلام / بعد فتك البين بالقلب الغريب
ودنا روضٌ وظلٌّ وغمام / بعد فتك النار بالعمر الجديب
مرَّت الساعة كالحلم السعيد / ومشت نشوتها مشي الرحيق
ذهبَ العمر وذا عمرٌ جديد / عشته من فمك الحلو الرقيق
مرّتِ الساعة والليل دنا / والهوى الصامت يغدو ويروح
وتلاشت واختفت أجسادنا / واعتنقنا في الدُّجى روحاً بروح
تسمع الشعر وشعري منك لك / وبالهامك أبدعتُ الرويّ
أنت يا معجزة الحسن ملك / كل لفظ منك شعرٌ قُدُسيّ
راجعتنا في جلال وسكوت / وتوالت صور الماضي الحزين
كيف يبلى يا حبيبي أو يموت / ما طبعناه على قلب السنين
كيف يفنى ما كتبناه بنار / وخططناه بسهد ودموع
يشهد الليل عليه والنهار / والشهيد المتواري في الضلوع
التقت أرواحنا في ساحةٍ / كغريبين استراحا من سَفر
وحططنا رحلنا في واحةٍ / زادُنا فيها الأماني والذكر
وتساءلت عن الماضي وهل / حسنت دنياي في غير ظلالك
يا حبيبي أين أمضي من خجل / وفؤادي أين يمضي من سؤالك
شدّ ما يخجلني جهد المُقِل / مِن شبابٍ ضاع أو من نور عينِ
يتمشى السقم في قلب الأجل / وأراني لك ما وفّيتُ دَيني
أنا شاديك ولحني لك وحدك / فاقضِ ما ترضاه في يومي وأمسي
درجَ الدهرُ وما أذكر بعدك / غير أيامك يا توأم نفسي
وأنا الطائرُ قلبي ما صبا / لسوى غصنك والوكر القديم
ما تبدّلنا ولا حال الصّبا / والهوى الطاهر والودّ الكريم
لم تَزَل ذكراه من بالي وبالك / كيف ينسى القلبُ أحلامَ صباه
قد صحت عيني على فجرِ جمالك / كيف يُنسى الفجرُ يا فجر الحياه
أقبل بموكبك الأغَر
أقبل بموكبك الأغَر / ما أظمأَ الأبصارَ لك
العين بعدك يا قمر / عمياءُ والدنيا حلَك
تمضي وراءَ سحابة / تحنو عليك وتلثُمك
وأنا رهين كآبة / بخواطري أتوهَّمك
كن حيث شئت فما أنا / إلا معنَّى بالمحال
أغدو لقدسك بالمنى / وأزور عرشك بالخيالِ
وأقول صبراً كلَّما / عزَّ الفكاك على الأسير
روحي وروحك ربما / طابا عناقاً في الأثير
مهما تسامى موضعُك / وعلا مكانك في الوجود
فأنا خيالك أتبعُك / ظمآن أرشف ما تجود
قمرَ الأماني يا قمر / إني بهمٍّ مسقمِ
أنت الشفاء المدَّخر / فاسكب ضياءك في دمي
أفرغ خلودك في الشباب / واخلع على قلبي الصفاء
أسفاً لعمر كالحباب / والكأس فائضة شقاء
خذني إليك ونجّني / مما أُعاني في الثرى
قدحي ترنَّق فاسقني / قدح الشعاع مطهّر
واهاً لأحلامٍ طوال / وأنا وأنتَ بمعزلِ
نَعلو على قمم الجبال / ونرى العوالم من عَلِ
ما كان أقصر هذه من زورة
ما كان أقصر هذه من زورة / ما أشبعتنا من بشاشة نازك
كلا ولا رَوى النهى من زهرةٍ / بالطهر تفصح عن سمات ملائك
إنا حمدنا لليالي / قد قرَّبتنا من سنيّ سمائك
إن كان أسعدنا الزمان بساعةٍ / فكأنها أبد الخلود حيالك
يا أم مَن تستصرخين من الذي
يا أم مَن تستصرخين من الذي / قدح اللظى الموّار في عينيكِ
يا أم هل تمشين نحو النار أم / فتح الوغى ومشى الجحيم إليك
ما حلَّ بالحرية الحمراء هل / سال الدم القاني على قدميك
يا ويلها من صرخة مجنونة / ضجت لها الآفاق من شفتيك
لا تجزعي يوم الفداء فكلنا / مهج تحلق كالنسور عليك
فتلفتي تجدي عرينك عامراً / وتسمّعي كم قائل لبيك
وقف الشباب فداء محراب الحمى / وتجمّع الأشبال بين يديك
والصقر تاجك تاج فرعون الذي / جعل الشموس الزهر في كفيك
والمجد تاجك والسهى لك موطن / والشهب والأقمار في نعليك
يا مصر أنت الكون والدنيا معاً / وعظائم الأجيال في تاجيك
لا تُدمني نظراً إليّ فوالذي
لا تُدمني نظراً إليّ فوالذي / جعل الهوى قَدراً على كفيكِ
ما تلتقي عيني بعينك لحظةً / إلا رأيت صباي في عينيك
أبعث الآن اعتذاري وأنا
أبعث الآن اعتذاري وأنا / حاضر بالقلب والروح معك
لك ظل مقتفٍ في خاطِري / حيثما سرت مضى فاتبعك
أنا لا أومن بالبعد ولا / أحسب المقدور مني نزعك
أنت لا تبرح عيني فلذا / لا تراني اليوم فيمن ودّعك
هل تأمرينَ فأفتدِي وأقيكِ
هل تأمرينَ فأفتدِي وأقيكِ / لو كان فوق الروحِ ما يفديكِ
أمسيتُ أقلَقَ راقدٍ في مضجعٍ / وكذلكَ يمسي مَن يفكِّرُ فيكِ
مستعرضاً صوَرَ الهوى وفصولَه / من كلِّ ثاوٍ في النهى متروكِ
من محزنٍ مشجٍ ومن مستنهضٍ / جبلاً وَهَى من عزميَ المدكوكِ
وقديمِ سرٍّ في هواكِ كتمتُه / أبداً وآخرَ ظاهرٍ مهتوكِ
ولَرُبَّ آمالٍ عليكِ حبستُها / وخشيتُ لو تبدو قِتَالَ ذويكِ
كالطيرِ لو كانت تطيرُ لأسرعت / ظمآنةً نحو الحياة بفيكِ
أطلقتُها وفككتُ عنها قيدَها / حتى بلغتُكِ بالمنى المفكوكِ
فدنوتُ حتى إذ ضممتُكِ باكياً / وجعلتُ حولك هالةً تحميكِ
فإذا الخيالُ مكذَّبٌ وإِذا الفؤا / دُ معذَّبٌ عبثت به أيديكِ
ولقد مرضتِ فرحتُ أشقَى ذاكرٍ / يبكي لأجلكِ كلما ذكروكِ
جندُ السقامِ وتلك جندُك في الهوى / من أيّ عهدٍ أصبحت تغزوكِ
يا زهرتي لم أدرِ هل عَرَقُ الضنى / هذا عليكِ أم الندَى يعلوكِ
ولقد ظمئتِ فكدتُ أبذلُ مدمعي / لو كنتُ أعلم أنه يرويكِ
ووددت لو أنَّ الحياةَ تحولت / ماءً وإني ماءها أسقيكِ
لكنَّ تلك حياةَ صبٍّ بائسٍ / عَرَفَ الردى مما يكابدُ فيكِ
ملئت بكاء فاستحالت مُرّةً / فغدت كمثلِ الدمعِ لا تغنيكِ
رفقاً بمهجتي التي تدرينها / قفراً رماه الحظُّ من واديكِ
وَضَعَت بساحتِكِ الرجاءَ وأقسمت / بالحبِّ والإِخلاصِ لا تعدوكِ
لا تقل عندَ رحيلك
لا تقل عندَ رحيلك / أسعدَ اللهُ مساءَك
أيُّ سعدٍ لخليلِك / شيَّعَ الروحَ وراءَك
إِن تُقِم عندي ظلامي / يستَحِل ليلِي ضياء
منكَ لو كانت تباع / أشتريهَا بالحياه
أنا أهواكَ وإن لم
أنا أهواكَ وإن لم / تقضِ لي يوماً ديونَك
لا أبالِي خُنتَني أم / غيَّرَ البعدُ يمينَك
أيها الطائرُ عنّي / طرتَ عمَّن لن يخونك
كلَّما عدت ترى القي / د وتلقاني سجينَك
فاسأَلِ الأيامَ هل قد / ضنَّتِ الأيامُ دونَك
كم مَحاني السقمُ والهج / رُ ولم أمح ظنونَك
صاحَ جرحي بك صدِّق / أيها الرامي طعينَك
عندَما استرحمتُ كفي / كَ وقبَّلتُ عيونَك
ذَهَبَ الشبابُ فجئتِ بعد ذهابِه
ذَهَبَ الشبابُ فجئتِ بعد ذهابِه / تذكينَ ما أطفأتِه بيديكِ
لتكاد تلفحني النسائم كلما / حمَّلتُها حُرَق الغرام لديكِ
ألفى لها وهجاً على خديكِ / وأرى لها جمراً على شفتيكِ
لا تُدمِني نظراً إليَّ فو الذي / جَعَلَ الهوى قَدَراً على كفيكِ
ما تلتقي عيني بعينِكِ لحظةً / إلا رأيتُ صبايَ في عينيكِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025