القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو حَيّان الأندَلـُسي الكل
المجموع : 17
عَلِقتُهُ شادِناً أَخا صِغَرٍ
عَلِقتُهُ شادِناً أَخا صِغَرٍ / بُنَيَّ عِزٍّ مُدَلَّلاً نَزِقا
غِرّاً صَغيراً إِذا شَكَوتُ لَهُ / اِحمَرَّ وَجهاً وَرقَّدَ الحَدَقا
فَأُبصرُ الشَمسَ كَللت شَفَقاً / وَانظرُ الظَبيَ مُتلِعاً عُنُقا
ظبيَ كِناسٍ ظباهُ قَد فَتَكَت / شَمسَ ضُحاءٍ عَلى قَضيبِ نَقا
لَقد رَماني بِسَهم أَعينهِ / فَعُلِّقَ القَلبُ مِنهُ ما عَلِقا
وَجداً شَديداً لَو أَنَّ أيسرَهُ / صادَفَ صَخراً أَصمَّ لانفَلَقا
أَظَلُّ طولَ الزَمانِ مفتكراً / أَهكذا كُلُّ مُغرَمٍ عشقا
فَمُهجَتي وَالأَسى قَد اِجتَمَعا / وَمُقلَتي وَالكَرى قَد اِفتَرَقا
يا لَيتَ حُبّي وَهجرَه اِختَلَفا / وَلَيتَ قَلبي وَوَصلَه اِتَّفَقا
انظُر تُشاهِد ضِدَّينِ قَد جُمِعا / قَلباً حَريقاً وَمَدمَعاً غَرِقا
لا أَنثَني الدهرَ عَن محبَّتِهِ / لَو قُطّعَ القَلبُ في الهَوى فِرقا
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً
وَنُبِّئتُ مَن أَهواهُ قَيَّد أَدهَماً / صَمَودا وَلَكن إِن مَشى هُوَ ناطِقُ
أَيا عَجَباً هَذا الحَديدُ يُحِبُّهُ / عَلى قُسوَةٍ فيهِ فَكَيفَ الخَلائِقُ
أَمِن حارةِ البَرقيَّةِ التاجَ بارِقٌ / وَناجاكَ طَيفٌ في الدُجُنَّةِ طارِقُ
تَشوقُكَ رُؤياها فَهَل أَنتَ ناظِرٌ / وَيَعبِقُ رَيّاها فَهَل أَنتَ ناشِقُ
مَطالِعُ أَقمارٍ وَغابُ ضراغِمٍ / تُشَدُّ عَلى الحرصانِ مِنها المَناطِقُ
وَمَسرَحُ غِزلانٍ وَمَسرى أَهِلَّةٍ / لَهُنَّ مَراعٍ في الحَشا وَمَشارِقُ
تَجُرّ قُدودُ العِينِ فيها ذَوابِلاً / وَتَجري خُيولٌ للتَصابي سَوابِقُ
تَمَلَّكني بِالحارةِ الأَحورُ الَّذي / غَدا ساكِناً بِالقَلبِ وَالقَلبُ خافِقُ
غَزالٌ رَخيمُ الدَلِّ أَحوَرُ أَهيفٌ / غَريبُ جَمالٍ فائِقُ الحُسنِ رائِقُ
كَأَنَّ مِن البِلَّورِ قَد صيغَ جِيدُهُ / وَقَد صُبِغت مِن وَجنَتَيهِ الشَقائِقُ
وَمِن لَدنِ عِطفَيهِ وَسَهمِ لِحاظِهِ / يَهِف إِلى قَتلي رَشيقٌ وَراشِقُ
وَمِن دَمِ قَلبي في تورُّدِ خَدِّهِ / وَلاعجِ أَشواقي شَهيدٌ وَسائِقُ
مَليحٌ مَصونُ الحسنِ عَما يَشينُهُ / وَقَد زانَ حُسنَ الخَلقِ مِنهُ الخَلائِقُ
وَلي زَمَنٌ أَهواهُ وَالقَلبُ كاتِمٌ / فَهَل هُوَ يَدري أَنَّني فيهِ عاشِقُ
وَلا وَصلَ مِنهُ غَير خِلسَةِ ناظِرٍ / أُسارِقُهُ إِن لاحَ فيمَن يُسارِقُ
لِساني كَتومٌ لِلهَوى وَجَوارِحي / بِحُبِّ الَّذي قَد حَلَّ فيها نَواطِقُ
وَلَم أنسَهُ إِذ قالَ يَوماً مُجاوِباً / لِمَن قالَ هَذا الحسنُ مَولاي فائِقُ
لأَحسنُ شَيءٍ فيّ عَيناي إِنَّها / سهامٌ روامٍ للقُلوبِ رَوامِقُ
أَيا مَلِكَ الأَتراكِ إِن قُلوبَنا / إِلَيكَ صَوادٍ في هَواكَ صَوادِقُ
فَمُنَّ عَلَيها وَانقَعَنَّ غَليلَها / بِوَصلٍ فَإِنَّ الوَصلَ للهَجرِ ماحِقُ
تَلافَ تَلافَ العاشِقين فَإِنَّهُم / لَهُم أَنفسٌ ذابَت وَدَمعٌ يُسابِقُ
وَأَسمرٌ قابَلهُ أَسمرُ
وَأَسمرٌ قابَلهُ أَسمرُ / كِلاهُما قَلبي بِهِ عُلِّقا
لاحا هِلالينِ وَفاحا لَنا / مِسكينِ وَاهتزّا قَضيبَي نَقا
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ
أَعَين حَياتي وَالَّذي بِبَقائِهِ / بَقائي لَقَد أَصبَحت نَحوَك شَيِّقا
أَقَمتَ بِقَلبي غَيرَ أَنَّ لِمُقلَتي / بِرُؤيتكَ الحَظَّ الَّذي يُذهِبُ الشَقا
وَما كانَ ظَنّي أَنك الدَهرَ تارِكي / وَلَو أَنَّني أَصبحتُ بَينَ الوَرى لَقا
لَطائفُ مَعنىً في العِيان ولَم تَكُن / لِتُدرك إلا بِالتَزاوُرِ وَاللِقا
مَضَت أَسابيع للوَعد الَّذي سَبَقا
مَضَت أَسابيع للوَعد الَّذي سَبَقا / وَأَصبَحَ القَلبُ مِن إِنجازِهِ فَرِقا
فَهَل كِتاب أَبي بشرٍ يُبشِّرُنا / فَنَقضي القَصدَ مِنهُ كَيفَ ما اِتَفَقا
يا أحسنَ الناسِ في خَلقٍ وفي خُلُقٍ / خصصتَ بِالأحسَنَينِ الخَلقَ والخُلقا
طلعت بدراً بِآفاقِ السعودِ على / هذا الأنام فجلّى نورك الغسقا
وقمتَ بالعَدلِ في وَقتٍ لقد قعدَت / فيهِ الرجالُ فَأوضَحت الهُدى طُرقا
إنَّ المناصبَ قَد ألقَت مقالِدَها / إِلى عُلاكَ فَلاقَت سَيداً نَطِقا
وكلُّ ما صِرتَ فيهِ فَهو دونكم / ونحن نرجو مزيد الخيرِ مُتَّسِقا
لأنتَ أكرم مَن يُرجى لِمُعضِلَةٍ / ما البَحرُ ملتَطِماً ما الغيثُ مندفِقا
وَلَيسَ جودك مقصوداً على أحدٍ / بل أنتَ كالغَيثِ عَمَّ الترب والزَّلَقا
إِنَّ الجَميلَ إِذا يُسدى لِشاكرِهِ / يَنمو ثَناءً وَعَرفاً عاطِراً عَبِقا
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً
وَيَوماً قَطَعناه سُروراً وَلَذَّةً / نُجاذِبُ أَطرافَ الحَديثِ المُنَمَقِ
ندامى وَفاءٍ لا جَفاءَ لَديهمُ / مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ
قَد ارتَضعوا كَأسَ الوفاقِ فَلا تَرى / خِلافاً لَدَيهم في فَعالٍ وَمَنطِقِ
صَفَفنا حَوالي بُركَةٍ راق ماؤُها / وَرَقَّ كَأَخلاقٍ لَنا لَم تُرَنَّقِ
سَبَحنا بِها عَوماً فَغارَت لِسِبحنا / إوَزٌ فَفاتَتنا تَصيحُ وَتَلتَقي
وَناعورةٌ تَحكي بِطولِ بُكائها / وَرَنَّتِها صَبّا كَثيرَ التَشَوُّقِ
لَئِن ضاقَ مِنها الجفنُ مِن عَبَراتها / فَأَضلاعُها عَن دَمعِها لَم تُضَيَّقِ
بَكَت فَأَرَتنا الدَهرَ يَضحكُ إِذ بَكَت / وَناحَت فَأَزرَت بِالحَمامِ المطَوَّقِ
وَقَد ضَمَّنا وَسطَ الرِياضِ مُكَعَّبٌ / كَطَوقٍ بِجيدٍ أَو كَتاجٍ بِمِفرَقِ
تُطالِعنا الشَمسُ المُنيرةُ لَحظَها / مسارقةً مِنها تَطلُّع شَيِّقِ
وَتُلقي عَلَينا مِن شَبابيكِ نورها / شُعاعاً يحاكي نَقشَ بُردٍ مُنمَّقِ
إِذا ما التقَى بالماءِ مِنها شُعاعُها / تَأَلَّق بِالحِيطانِ أَيّ تَأَلُّقِ
فَيَرقُصُ مِنها الظِلُّ في جُدراتها / إِذا الماءُ أَضحى بِالصبا ذا تَرقرُقِ
وَغابَت فَباتَ البدرُ يَحرُسُنا لَها / رَقيباً عَلَينا مِن حذارِ التفرُّقِ
لَئن جُذِبَت قَسراً إِلى نَحو مَغرِبٍ / فَعَمّا قَليلٍ سَوفَ تَبدو بِمشرِقِ
فَيا عَجَباً للنَيِرينِ تَشوّقا / إِلَينا وَمن نَهواهُ لَم يَتَشَوَّقِ
وَلا عَجَبٌ وَالشكلُ يَشتاقُ شَكلَهُ / وَيُضحي بِهِ وَجداً شَديدَ التَعلُّقِ
لَنا مَجلِسٌ فيهِ نَدامى كَأَنَّما / سُقُوا بِكُؤوسِ الودِّ غَيرِ المُرَنَّقِ
كَواكبُ أَضحى في الأَثير مَقَرُّها / وَللشرفِ الأَعلى تَسيرُ وَتَرتَقي
إِذا نَفحةٌ قُدسِيَّةٌ شَرَفِيَّةٌ / تَهبُّ شَمَمنا عَرفَ مِسكٍ مُفَتَّقِ
وَمَهما تَنازَعنا كُؤوسَ حَديثِها / سَكِرنا بِأَشهى مِن رَحيقٍ مُعَتَّقِ
مُحادَثةٌ تَسبِي العُقولَ وَصورة / تَمامٌ فَبُغيا سامِعٍ أَو مُحَدِّقِ
حَوى شرفُ الدينِ المَكارمَ كُلَّها / فَقُل ما تَشا فيهِ مِن الخَيرِ تَصدُقِ
لَقَد جُبِلَت مِنهُ السَجايا عَلى فَتىً / أَمَدَّ بِإِحسانٍ وَأَوفى بِموثَقِ
يُقيِّدُ آمالاً بِمالٍ مُسَرَّحٍ / وَيَجمَعُ خِلّانا بجُودٍ مُفَرَّقِ
وَيُشفِقُ أَن يَلقى صَديقاً مُعاتِباً / وَلَيسَ عَلى جَمعٍ لِمالٍ بِمُشفِقِ
يَزيدُ عَلى الإِقلالِ مِنهُ سَماحَةً / وَيُغضي حَياءً عَن سَفاهَةِ أَخرقِ
فَلَيسَ الَّذي يُؤذِي عِداهُ بِمنجَحٍ / لَدَيهِ وَلا باغي جَداهُ بِمخفِقِ
وَنِسبتُهُ للقُدسِ أَيَّةُ نِسبَةٍ / تَدُلُّ عَلى التَطهيرِ مِن كُلِّ موبِقِ
إِمامَتُهُ في العلمِ ثابِتَةٌ لَنا / بنصٍّ وَإِجماعٍ ورَأيِ المُدَقِّقِ
تُناجيهِ نَفسٌ بِالعلومِ وَغَيرُهُ / يَلوذُ بِتَجميعِ الكَلامِ المُلَفَّقِ
وَقَد نُقِشَت كُلُّ العُلومِ بِصَدرِهِ / فَأكرِم بِحبرٍ نَيِّرِ النَفسِ مُشرِقِ
وَقابَل مِنها الجنسُ مرآةُ عَقلهِ / فَمثل فيها كُلَّ نَوعٍ مُحقَّقِ
بَديهَتُهُ أَعيَت رَوِيَّةَ غَيرِهِ / وَفكرَتُهُ قَد أَعجَزَت كُلَّ مُفلقِ
بَنانٌ بِهِ يَبدو البَيانُ مُوشَّعا / بِمُظلِم نَقشٍ وَسطَ نَيرٍ مُهَرَّقِ
بِنظمٍ كَزُهرٍ في المَجرة سُبَّحٍ / وَنَثرٍ كَزَهرٍ غبَّ أَو كَف مُغدِقِ
وَذِهنٍ كَأَنَّ النارَ مِنهُ تَوَقَّدَت / فَلَولا نَداهُ كانَ من يَدنُ يُحرَقِ
وَجُودٍ كَأنَّ السُحبَ مِنهُ تَعَلَّمَت / فَلولا ذكاء كانَ مَن يُعطَ يَغرَقِ
رَسا فَكَأنَّ الطَودَ يَحكي ثَباتَهُ / همى فَكَأنَّ الجودَ بِالبَحرِ مُلتَقِ
إِذا عَصَتِ الناس القَوافي فَإِنها / تُطاوِعُهُ فيما يَشاءُ فَينتَقي
وَإِن راجَعَ الناسُ الدَفاتِرَ لَم يَكُن / يُراجعُ إِلا فِكرهُ ذا التَدفُقِ
وَإِن أَصلَدُوا يَوماً زِناداً فَإِنَّهُ / لَيُوري بِها نارَ الذَكاءِ المُحَرِّقِ
فَلا مُشكلٌ إِلا بَدا غَيرَ مُشكِلٍ / وَلا مُغلَقٌ إِلا غَدا غَيرَ مُغلَقِ
فَصيحُ مَقالٍ حينَ يَخرَسُ قسُّهُم / فَسيحُ مَجالٍ إِن يَحِلُّوا بِمأزِقِ
يَسهِّل ما قَد كانَ حَزنا وَطالَما / أَجَدَّت لَنا آدابُهُ كُلَّ مُخلَقِ
إِذا تُلِيَت في الناسِ آيُّ محمدٍ / تَرى كُلَّ ذي سَمعٍ مَتى يُصغِ يُطرِقِ
وَيَأتي مِن النَظمِ البَديعِ بِمُعجزٍ / يَطيحُ لَدَيهِ نَظم كُلِّ مُخرِّقِ
وَكانَ ابنُ مُوسانا عليٌّ مُؤيداً / أَتى بشذورٍ لحنَ كَالجَوهَرِ النَقي
وَأَبدَعَها في العالمينَ فَرائِداً / جَمَعنَ إِلى الإِبداعِ حُسنَ التَأنُّقِ
وَكانَ بِها نَقصٌ فَجاءَ مُكمِّلا / لِذاكَ ابنُ موسى بِالكَلامِ المطَبَّقِ
تَشابَه نَظماً إِذ حَكاه كَأَنَّهُ / جَريرٌ وَقَد بارى نِظامَ الفَرَزدَقِ
فَإِن لا يُكنهُ فَهوَ لا شَكَّ صِنوُهُ / لقي في هَوى لَيلى كمثلِ الَّذي لَقي
أَقاما لَها في الذهنِ أَبدَعَ صورَةٍ / لَطيفةِ مَعنىً رائِقِ اللَفظِ مونقِ
وَقَد حَجباها ضِنَّةً أَن يَنالَها / فَتى غَيرُ أَهلٍ للندى وَالتَصدقِ
وَكَم أَرِقا فيها التِذاذاً وَأَرَّقا / وَمَن يَعشَقَن لَيلى يُؤرِّق وَيأرقِ
وَما اِدَّعيا فيها وَلَكن كِلاهُما / سُقي مِن هَوىً لَيلاً بِراحٍ مُوَرّقِ
فراقَ لَها وَقتٌ وَقَد لاحَ نورُها / مِن أَندلسٍ لِلقُدسِ تَسري وَتَرتقي
لَقَد بطَنَ الأَمرُ الَّذي هُوَ ظاهر / لِليلى فَأَصبت ذا السَعادةِ وَالشَقِي
فَكَم مُعسِرٍ قَد آيَسَتهُ وَلَم يَصِل / وَكَم مذهَب قَد فَلَّسَته وَمُورِقِ
رَأى قَمراً قَد صارَ شَمساً فَغَرَّهُ / تنقُّلُ لَونٍ في صَفاءٍ وَرونقِ
وَما ذاكَ إِلا حُمرةُ الخجلِ الَّتي / تَزولُ عَلى قُربٍ بسَيرٍ وَمَيلَقِ
وَما أَنا في لَيلى وَلا ابني وَلا ابنُهُ / نَظيرَ عليٍّ أَو محمدٍ التَقِي
عليٌّ لَهُ شِبهٌ بِخُلق محمدٍ / أَخُوه بِلا شَكٍّ سُقي فَضلَ ما سُقِي
وَإِنَّ عَليّاً مِن محمدٍ الرَضِي / كَهارونَ مِن مُوسى حَديث المنطقِ
وَكَم مِن يَدٍ بَيضاءَ جاءَ لَنا بِها / فَأَغنى ابنُ موسى كُلَّ أَغبرَ مُملِقِ
أَيا دَوحَةَ الفَضلِ الَّتي طابَ أَصلُها / وَمَدَّت عَلَينا ظِلَّ فَينان مُورِقِ
لَقَد عَمَّ مِنكَ الجودُّ ناساً وَخَصَّني / فَها أَنا عَن تَقييدِهِ غَيرُ مُطلَقِ
يَظُنُّ الأُلى قَد عاصَروكَ بِأَنهم / حَكَوك لَقَد خابَت ظُنون المُصدِّقِ
وَما ثمدٌ بادي الحَصاةِ بِمُشبِهٍ / لِبَحرٍ زَخورٍ بِالمَعارفِ مُتأَقِ
فَذاكَ دَعِيٌ في المَعارفِ جاهِلٌ / وَذو نَسَبٍ بَينَ الأَفاضِلِ مُلصَقِ
يَرى البُخلَ مَدحاً وَالتَرافُعَ رِفعَةً / فَأَحسِن بِهِ مِن أَشدَقٍ مُتَفَيهِقِ
أَما لاحَظُوا مِنكَ التَواضُعَ شيمَةً / وَسُحبَ النَدى كَالعارِضِ المُتأَلِّقِ
وَردت النَدى زُرقَ الحمامِ وَحلَّقوا / عَلَيهِ وَما ذو الوَردِ مثلَ المُحَلِّقِ
فَخُذ مِن نَصيرٍ مدحَةً في محمَّدٍ / وَدَع قَولَ أَعشى في جِفانِ المُحَلّقِ
أَنفتُ عَلى صَحبي بِمَدحِي لَكم وَقَد / أَنِفتُ لَهُم عَن مَدحِ كُلِّ مُرهقِ
أَتَتني المَعاني العُقمُ وَالكَلِمُ العُلى / وَجاشَت بِصَدري فَيلَقاً بَعدَ فَيلَقِ
فَفَكَّرتُ وَهناً أَيُّها أَنا ناظِمٌ / وَسامرتُها أَختارُ مِنها وَأَنتَقِي
أجانِبُ وَحشِيّاً كَثيفاً سَماعُهُ / وَأَجنُبُ إِنسِيّاً لَطيفَ التَرَفُقِ
إِذا ما مَضى بَيتٌ تَلاهُ نَظيرُهُ / سَريعاً وَإِن لَم أَدعُ آخرَ يَلحَقِ
فَلا الفِكرُ مَكدودٌ وَلا الشعرُ غامِضٌ / وَلَكنَّهُ كَالبَحرِ إِن يطمُ يَفهَقِ
كَأنَّ القَوافِي قَد عَلِمنَ بِمَن لَهُ / يُنَظّمنَ فَانثالَت وَمَن يَقوَ يَسبُقِ
بَرَزنَ لَنا دُرّاً نثيراً وَإِنَّما / يَزينُ اللآلي النظم بَعدَ التَفَرُّقِ
أَجَدتُ نِظامَ الشعرِ حَتّى كَأَنَّني / لِجودَتِهِ مِن بَحرِ عِلمِكَ أستَقِي
وَما جادَ هَذا النُطقُ إِلا لأَنَّهُ / تَضمَّنَ أَوصافَ الجَوادِ المنطقِ
وَإِني وَإهدائي لَكَ النظمَ كَالَّذي / يَجيءُ برَشحٍ نَحوَ ذا ماء مُغرِقِ
برَوعي أَضحى روحُ قُدسِكَ نافِثا / وَبِالروح مني نَحوَ عَلياكَ قَد رقِي
لَحا اللَهُ دَهراً لَم يَنَل فيهِ فاضِلٌ / مِن الخَيرِ إِلا فَضلَ عَيشٍ مُرَمَّقِ
زَمانٌ بِهِ يَطفُو الأَسافلُ مثلَما / بِهِ يرسُبُ الأَعلَونَ أَهلُ التَحقُّقِ
وَمازالَ دستُ المُلكِ نَحوَكَ شَيِّقا / وَتُكسى مساوي كُلِّ أَنوَكِ مُطبِقِ
أَمثلُكَ تَعرى مِن مَحاسنِهِ العُلى / وَحقٌّ لَهُ مَن يَعدَمِ الكفو يسبِقِ
أَما إِنَّهُ لَو كُنتَ كاتبَ سرِّهِ / لأَصبَحَ ذا وشيٍ بَديعٍ مُحَقَّقِ
وَعبَّرَ عَن فَحواه أَفصحُ عالمٍ / بِموجَزِ لَفظٍ أَو بِمُسهَبِ مَنطِقِ
تَأَخرتَ عَن تَطلابِ ذاكَ تَقدُّما / سَعدتَ بِهِ إِذ كانَ غَيرُكَ قَد شَقِي
وَما العِزُّ إِلا في الفَراغِ عَن الدُنى / وَما الذُلُّ إِلا في التَساوي بِأَخرقِ
وَتُفاحَةٍ تَحوي ثَلاثَ شَمائِلٍ
وَتُفاحَةٍ تَحوي ثَلاثَ شَمائِلٍ / أَتَتنِيَ مِن ريمٍ بِسهميهِ راشِقِ
فَحُمرةُ خَدَّيهِ وَخَمرةُ ريقِهِ / وَرائِحَةٌ كَالمِسكِ فاحَ لِناشِقِ
بَدَت عَجَباً فيها احمرارٌ وَصفرةٌ / كَخجلةِ مَعشُوقٍ لِنَظرَةِ عاشِقِ
لَزِمتُ اِنفِرادي إِذ قَطَعتُ العَلائِقا
لَزِمتُ اِنفِرادي إِذ قَطَعتُ العَلائِقا / وَجالَستُ مِن ذاتي الصَديقَ الموافقا
وَآنَسني فكري لِبُعدي عَن الوَرى / فَلَست إِلى شَيءٍ سِوى العلمِ تائِقا
أَرى يَقظَتي تُبدي لَطائفَ حكمةٍ / وَفي هجعتي وَهناً أشيم البَوارِقا
بَوارقَ في صُحفٍ مِن العلمِ اجتلي / مُشاهَدةً مِنها المَعاني الدَقائِقا
فأختالُ مِنها في رِياضٍ أَنيقَةٍ / وَأَقطفُ مِنها الزهرَ أَنورَ فائِقا
إِذا أَحجمَت أَذهانُ قَومٍ عَن الَّذي / يُعاطَونَ كانَ الذّهن لي فيهِ سابِقا
وَإِن يَشرَبوا طَرقاً لتكدير ذهنِهِم / شَرِبتُ أَنا صَفواً إِلى العينِ رائِقا
وَأَنقُدُ ما قَد بَهرَجُوا مِن كَلامهم / كَأنَّ بِذهني عِندَ ذاكُم مَيالِقا
وَمَن يُؤتَ فَهماً في القُرآنِ فَإِنَّهُ / يَفتحُ مِنهُ بِالذَكاءِ المَغالِقا
وَيَنشَقُ مِن ريّاه عَرفَ أَزاهرٍ / تَرى الجوَّ مِنها حينَ تَأرج عابِقا
وَيُدرِك بِالفكرِ المُصيبِ لَطائِفاً / تَرى اللَفظَ لِلمَعنى بِهِنَّ مُطابِقا
وَيَزدادُ بِالتَكرارِ فيهِ لَذاذةً / كَما لُكتَ مَعسولاً مِن الحُلوِ صادِقا
مُجيري كِتابُ اللَه يَومِي وَإِنَّهُ / هَجيري إِذا ما اللَيلُ أظلَم غاسِقا
كِتابٌ بِلِسنِ العُربِ أَوحاه جارياً / عَلى نَهجِهم لَم يَعدُ عَنهُم طَرائِقا
وَمَن يَجعل القُرآنَ نَصباً لِعينهِ / يَنَل خَيرَ مَأمولٍ وَيَأمن بَوائِقا
أَرى الناسَ أَشتاتاً فَبَعضٌ مُعارِضٌ / لِبَعض يخالُ الحَقَّ في فيهِ ناطِقا
وَما اِفتَرَقوا إِلا لعجزِ فُهومِهم / وَلَو أَدرَكوا لَم يُبصِروا فيهِ فارِقا
وَإقليدُه حَقاً هُوَ النَحوُ فاقصِدن / لتَحصيلِهِ إِن كُنتَ للعلمِ عاشِقا
عَلى قدرِ تَحصيلِ الفَتى فيهِ فَهمُه / فَأَقلِل وَأَكثِر وَاصِلاً أَو مُفارِقا
وَدَع عَنكَ تَقليدَ الرِجالِ فَإِنَّما / يُقَلِّدُهم مَن كانَ أَنوكَ مائِقا
وَلا تعدُ عَن كَشّافِ شَيخ زَمَخشَرٍ / وَكاشِف بِهِ باغي الكراماتِ خارِقا
فَكَم بكر مَعنىً عَزَّ مِنها اِفتِراعُها / لَها ذهنُهُ الوقّادُ أَصبَحَ فاتِقا
كَساها مِن اللَفظِ البَديعِ مَلابِساً / فَجرَّت ذُيولاً للفَخارِ سَوامِقا
لَقَد غاصَ في بَحرٍ فَأَبدى جَواهِراً / وَلَولا اعتيادُ السبحِ قَد كانَ غارِقا
وَراضَ لَهُ في العلمِ نَفساً نَفيسَةً / فَقادَت لَهُ آبي المَقادَةِ آبِقا
وَكَشَّفَ بِالكَشّافِ لا خابَ سَعيُهُ / مُغَطّى خَبيّاتٍ تَبَدَّت حَقائِقا
وَلَكنَّهُ فيهِ مَجالٌ لِناقِدٍ / وَزَلاتُ سَوءٍ قَد أَخَذنَ المَخانِقا
فَيثبِتُ مَوضوعَ الأَحاديثِ جاهِلاً / وَيَعزُو إِلى المَعصومِ ما لَيسَ لائِقا
وَيَشتِم أَعلامَ الأَئِمَةِ ضَلَّةً / وَلا سِيما أَن أَولَجُوه المَضايِقا
وَيُسهِبُ في المَعنى الوَجيزِ دَلالَةً / بِتَكثير أَلفاظٍ تُسمّى الشَقاشِقا
يقَوِّل فيها اللَه ما لَيسَ قائِلاً / وَكانَ مُحِبّاً في الخَطابَةِ وَامِقا
وَيُخطئ في تَركيبهِ لكلامِهِ / فلَيسَ لما قَد رَكَّبوه مُوافِقا
وَيَنسُب إِبداءَ المَعاني لِنَفسِهِ / لِيُوهِمَ أَغماراً وَإِن كانَ سارِقا
وَيُخطئ في فَهمِ القُرانِ لأَنَّهُ / يُجَوِّزُ إِعرابا أَبى أَن يُطابِقا
وَكَم بَينَ مَن يُؤتى البيان سَليقَةً / وَآخرَ عاناهُ فَما هُوَ لاحِقا
وَيَحتال لِلأَلفاظِ حَتّى يُديرَها / لِمذهبِ سوءٍ فيهِ أَصبَحَ مارِقا
فَيا خُسرَهُ شَيخاً تَخرَّقَ صِيتُهُ / مَغاربَ تَخريق الصَبا وَمشارِقا
لَئِن لَم تَدارَكه مِن اللَهِ رَحمَةٌ / لَسَوفَ يُرى للكافِرينَ مَرافِقا
يا مَن يُوالي عَلَينا دائِماً وَرَقا
يا مَن يُوالي عَلَينا دائِماً وَرَقا / هَلا بَعَثتَ لَنا في طَيِّها وَرِقا
إِن كانَ أَعجَزَكُم مِن فَقرِكم وَرِقٌ / فَلَيسَ تعجزُ أَن تُهدي لَنا وَرَقا
مَن كانَ في خدمَةِ المَلك الهُمامِ يَكُن / ذا هِمَّةٍ وَيَجد نَحوَ النَدى طرُقا
هَذي مَمازَحةٌ لَيسَت مُطالَبَةً / تُقضى بِصَفوِ ودادٍ لَم يَكُن رَنِقا
بَخِلتَ حَتّى بِالوَرَق
بَخِلتَ حَتّى بِالوَرَق / عَلى كَئيبٍ ذي قَلَق
بِأَيِّ شَيءٍ جُدتَ قَد / أَمسَكتَ لي بِهِ الرَمَق
يا بَدر تمٍّ قَد بَدا / في جنحِ لَيلٍ قَد غَسَق
وَيا غَزالاً نافِراً / يسبي الأسودَ بِالحدَق
وَيا قَضيباً مائِساً / قَلبي بِهِ قَد اِعتلَق
الطُف بِمَن يَحلو لَهُ / فيكَ العَذاب وَالأَرَق
كاتمِ سِرٍ لَم يَفه / يَوماً بِكُم وَلا نَطَق
ما إِن رَأَيتُ عاشِقاً / مثلي في الحُبِّ صَدَق
جَمَعتَ ضِدَّينِ مَعاً / ناراً وَماءً قَد دَفَق
فَالقَلبُ مني في حَرَق / وَالعَينُ مني في غَرَق
وَلي عَلى ذا أَزمُنٌ / سُنونَ سَبعٌ في نَسَق
أقنعُ مِن حَديثكُم / وَأنسِكُم بِما اِتَّفَق
سَأَلت سَليلَ الجودِ أَمراً فَما اِنقَضى
سَأَلت سَليلَ الجودِ أَمراً فَما اِنقَضى / نَهاريَ حَتّى صِرتُ في رَوض جِلَّقِ
فَأَقطِفُ مِن تُفّاحِهِ وَسَفَرجَلٍ / جَنِيٍّ وَكُمثرى لِعَينيَ مُونِقِ
كَريمٌ مَتى تَسألهُ شَيئاً فَإِنَّهُ / يَجودُ وَيُعطي ما تَشاءُ وَيَنتَقِي
وَلَو لَم تَسلهُ جادَ بَدءاً فَإِنَّما / مَكارِمُهُم خَلقٌ بِغَيرِ تَخَلُقِ
بَنونَ لآباءٍ كِرامٍ وَسادةٍ / مَدائحُهم تُروى بِغَربٍ وَمَشرِقِ
وَإِنَّ جَلالَ الدينِ قاضي قُضاتِنا / لخَيرُ إِمامٍ في الفَضائِلِ مُعرِقِ
يَعلِّمُ جُهالاً بِبَحثٍ مُدَقَّقٍ / وَيَجمَعُ أُمَّالاً بِجودٍ مُفَرَّقِ
وَكائِن لَهُ عِندي أَيادي جَمَّةً / بِغَيرِ حُلاها الدَهرَ لَم أَتَطَرَّقِ
وَكَم دَولَةٍ صاحَبتُها ناصِريةٍ / وَعاشَرتُ جَمعاً مِن رَحيبٍ وَمُرتَقِي
وَلَم يَسمحُوا يَوماً بِشَيءٍ وَلَم أَكُن / لأَسأل رِفداً مِن غَبِيٍّ مُمَخرَقِ
إِلى أَن طَما البَحرُ الخِضَمُّ فَعَمَّنا / بِتَيّارِ جُودٍ مِنهُ في الفَضلِ مُغرِقِ
عَلى بَهجَةِ الأَيّامِ مِنهُ جَلالَةٌ / فَلا زالَ في حِفظٍ مِن اللَهِ ما بَقِي
يا راقِداً وَتَباشيرُ الصَباحِ بَدَت
يا راقِداً وَتَباشيرُ الصَباحِ بَدَت / عَهدي بِطَرفِكَ لا يَعدوهُ تَأريقُ
مَحا ظَلامَ الدُجى نورُ الصَباحِ وَقَد / جَرى بِثَغرِ الأَقاحي للنَدى رِيقُ
فالمُزنُ تَبكي وَزَهرُ الرَوضِ مُبتسِمٌ / وَالراحُ في نَشّها للروحِ تطريق
وَالغُصنُ نَشوان تَثنيهِ وَتَعطِفُهُ / هباتُ مِسكٍ لَها في الجَوِّ تَخريقُ
فَاحلُل بِدَيرٍ بِهِ دار السُرور عَلى / خُمصانَةٍ صانَها في الحِفظِ بِطرِيقُ
قَد كانَ بالجانِبِ الغَربيّ نَشأتها / وَالآنَ قَد هاجَهُ للشَرقِ تَشريقُ
مَفارِقاً مِنهُ ظَبياً في كَنيسَتِهِ / مُعرّضا أَن يَصيدَ الظَبيَ سِرِّيقُ
عَجماءُ يُفصِحُ بِالرومِيِّ مَنطِقُها / شَمّاءُ عزٍّ نَماها الملكُ إِفريقُ
خَطَّت يَدُ الأَمرِ في تَكوين صورتِها / شَكلاً بَديعاً تَناهى فيهِ تَوريقُ
ماءُ الشَبيبةِ يَندى مِن غضارَتِها / لَولا التَماسُكُ نالَ الجسمُ تَغريقُ
كَأَنَّ مَبسِمَها ميمٌ وَناظِرَها / صادٌ عَلَيها لِنونِ الحُسنِ تَعريقُ
وَالبَدرُ مِن حَسَدٍ وَالظَبيُ مِن كَمَد / ذابا فَكلٌّ إِلَيها مِنهُ تَزريقُ
فاشرب وَهُنِّيتَ مِن راح وَريقَتِها / خمرَين دَنّاهما فوها وَإِبريقُ
تنالُ سُكرينِ مِن بَردِ الرُضابِ وَمِن / حَرِّ المُدامِ فَتبريدٌ وَتَحريقُ
وَاجمَع لَذيذَ مَسرّاتٍ بِراهِبَةٍ / جاءَتكَ طَوعا فَحُكمُ الدَهرِ تَفريقُ
إِذا أَنا أَودِعتُ التُرابَ فَلَن تَرى
إِذا أَنا أَودِعتُ التُرابَ فَلَن تَرى / كَمثليَ نَحويّا أَحدَّ وَأَحذَقا
وَأَنقلَ أَحكاماً وَأَكثرَ شاهِداً / وَألزمَ تَنقاداً وَأَحسنَ مُنتَقى
وَأَلخَصَ لَفظاً زالَ عَنهُ فضولُهُ / وَأَغوصَ مَعنىً كانَ أَعيى المُدَقِّقا
وَأَنثَر للزُهرِ اللآلي بَلاغةً / وَأَنظمَ للزُهرِ الدَراري تَأنُّقا
مَضى لي في التَحصيلِ سَبعون حِجَّةً / نَهاراً وَلَيلاً جامِعاً ما تَفَرَّقا
فَأَخرَجتُ بِالبَحرِ المُحيطِ لآلئاً / نظمتُ بِهِ عِقداً بِهِ الدَهرُ طُوِّقا
حَشدتُ بِهِ أَقوالَ كُل مُفَسِّرٍ / وَأَخرَجتُ مِن ذهني لِنَقدي مَيلقا
سَبرتُ بِهِ ما بَهرَجُوا وَانتقَدتُهُ / وَألقيتُ ما قَد كانَ زيغاً منمَّقا
وَأَخلَصتُهُ صَفواً صَحائفَ حِكمَةٍ / بِها أُنسُ مَن قَد كانَ للحقِّ شَيِّقا
وَأنقَ ذا العقلِ السَليمِ رآؤُهُ / وَلَولا اِنتقادِهِ لَما كانَ مُونِقا
وَلا فَخرَ بَل لِلَّهِ حَمديَ دائِماً / وَشُكري عَلى ما كانَ لي مِنهُ وَفَّقا
وَلَما ذَوى علمُ الكِتابِ بِعَصرِنا / تَعهَّدتُهُ حَتّى لأَصبَحَ مُورِقا
وَقَد ماتَ أَشياخ الأُلى يَقرؤونَهُ / وَخُلِّفتُ فَرداً كانَ لي بَعدهم بَقا
فَأَقرأتُهُ لِلناسِ مُوضِحَ مُشكِلٍ / وَفاتحَ بابٍ مِنهُ قَد كانَ مُغلَقا
تَفرَّدتُ في الدُنيا بِإقرائِهِ فَمَن / يَكُن يَدَّعي فيهِ فَليسَ مُصَدِّقا
وَجَرَّدتُ أَحكامَ الكِتابِ بِلَفظِهِ / وَتَرتيبِهِ فَالتاج بَدراً قَد أَشرَقا
فَمن ينقل الأَحكامَ مِنهُ كَأَنَّما / تُشافِهُهُ الأَعرابُ مَعنىً وَمَنطِقا
سَقى اللَهُ قَبراً سيبويهِ ثَوى بِهِ / مُلِثَّ الغَوادي ريقاً ثُمَ رَيِّقا
وَبَوَّأهُ دارَ المَقامَةِ في غَدٍ / بِما كانَ أَسدى مِن عُلومٍ وَحَقَّقا
وَتَعليقَةُ الصَفّارِ شَرحاً يجِلُّ ما / لَهُ قَد حَوى لَخَّصتُ تَلخيصَ ذي اِنتِقا
وَسميته الأَسفارَ مَع طرَرٍ حَوَت / مسائلَ لَيسَت في سِواهُنَّ تلتَقى
وَأَحييتُ تَسهيلَ الفَوائدِ إِذ غَدا / مَواتا طَريحا بَينَ كُتبِ الوَرى لقا
وَأَوضَحتُ مِنهُ مُشكِلاً وَاِنتَقَدتُهُ / وَزِدتُ فَأَضحى نيِّر الوَجهِ مُشرِقا
عَلى حينِ لَم يَجسر عَلى بَحثهِ امرُؤٌ / سِوايَ وَلَم يَقربهُ غَرباً وَمَشرِقا
بِهِ نُسِخت كُتبُ النحاةِ وَأُهمِلت / فَلَستَ تَرى يَوماً عَليهِنَّ رَونَقا
لأَظلَمَ إيضاحٌ وَأَقصوا مُقَرِّباً / كَذا جُمَلٌ مَعهُ المُفَصَّلُ مُزِّقا
وَقانونُ عِيسى وَالفُصُولُ وَنَظمُها / وَنَظمُ ابنُ مالٍ ما أَرَدَّ وَأَقلَقا
وَكافيّةُ ابنِ الحاجبِ اِحتجبَت فَما / تُرى وَهيَ نَزرٌ ما أَقلَّ وَأَغلَقا
وَأنشأتُ للتسهيلِ شَرحاً وَالارتشا / فِ نَشأً غَريبَ الوَضعِ بِالعَقلِ طُبِّقا
وَنَخَّلتُ مِن شَرحِ ابنِ مالِكٍ الَّذي / وَقَفنا لَهُ شَرحاً لَطيفا مُلَفَّقا
فَكَمَّلتُ بِالتَكميل ما كانَ ناقِصاً / فَغرَّب هَذا الشَرحُ عَنّا وَشَرَّقا
وَتَذكِرَتي كَم قَد حَوَت مِن فَضائِلٍ / شَواهدَ نَحوٍ مَع مَسائلَ تُنتَقى
وَلَقد قَنعتُ مِن المَليحِ بِأُنسِهِ
وَلَقد قَنعتُ مِن المَليحِ بِأُنسِهِ / وَحَديثِهِ لا لَثمِهِ وَعِناقِهِ
إِنّي أَخافُ ذِكرَ ما لا تَشتَهي / حَذَراً عَلى قَلبي أَليمَ فراقِهِ
رَشَأٌ لَهُ بَينَ الجَوانحِ مَرتَعٌ / قمرٌ يَفوقُ البَدرَ في آفاقِهِ
نَزرُ الكَلامِ حياؤه قَد صانَهُ / وَصلاحُهُ يَحميهِ مِن عُشاقِهِ
حلوٌ بَديعُ الحُسنِ مَع خُلُقٍ رَضِي / وَمَكارِمٍ دَلَّت عَلى أَعراقِهِ
عَيني وَقَلبي قُيِّدا بِجمالِهِ /
فَالعينُ تَستجليه نوراً ساطِعاً / وَالنَفسُ تَستحليهِ في أَخلاقِهِ
قَد فاحَ مِنها أَريجُ المِسكِ لِلناشِق
قَد فاحَ مِنها أَريجُ المِسكِ لِلناشِق / وَفوَّقَت عَينُها سَهماً لَنا راشِق
يا وَيحَ صَبٍّ بعيدِ المُلتَقى عاشِق / كَأَنّما قَلبُه في مِخلَبِ الباشِق
ذابَ قَلبي لِحادثٍ طَرَقَه
ذابَ قَلبي لِحادثٍ طَرَقَه / حينَ قالوا ماتَ الفَتى صَدَقَه
وَجَرَت مُقلَتي عَلَيهِ دَماً / فَهيَ صارَت في دَمعِها غَرِقَه
لَهفَ نَفسي عَلَيهِ مِن رجُلٍ / كَأنَّ رَبّي مِن فِطنَةٍ خَلَقَه
ذو ذَكاءٍ يَحكي ذُكاءَ سَناً / وَحياءٍ مِنهُ نَدى حَدَقَه
وَاعتناءٍ بِالنَحو مشتغلٌ / لِخَفاياه في النُقول ثِقَه
حينَ زانَ العِذارُ وَجنَتَهُ / وَكَساها رَيحانَةً وَرَقَه
وَبَدا بَين صَحبهِ قَمراً / وَأَضاءَت أَنوارُه أفُقَه
وَغَدا بَينَ أَهلِهِ عَلَما / شَرَّفَ اللَهُ باسمِهِ فِرَقَه
جا إِلَيهِ مِن رَبِّهِ قَدَرٌ / وَسَقاه حِمامَهُ رَنِقَه
أَنا مَع صاحبيه في أَلمٍ / وَأَسىً وَالقُلوب محترِقَه
صاحَبوني ثَلاثَةٌ نَسقاً / في اجتهادٍ سنينَ مُتَّسِقَه
في كِتابِ التَسهيلِ بحثهُم / أَيُّ بَحثٍ فيهِ غَدوا طَبقَه
فَمَضى واحدٌ لطيَّتِهِ / كانَ في الخَيرِ سالِكاً طُرُقَه
لَم يُؤخَّر عَن هالِكٍ أَجل / إِنَّ ذا عمرهُ الَّذي رُزِقَه
إِن يَكُن جسمُهُ ثَوى جَدَثاً / فإلى عَدنِ روحُه سَبقَه
في نَعيمٍ وَفي مَقرِّ عُلىً / بَينَ حورٍ لَهُنَّ فيهِ مِقَه
قَدَّسَ اللَهُ سِرَّ تُربَتِهِ / وَسَقاهُ مِن سُحبِهِ غَدقَه
بَدرُ تَمٍّ لَهُ عَلى الخَد خالٌ
بَدرُ تَمٍّ لَهُ عَلى الخَد خالٌ / في اِحمرار يَنشَقُّ مِنهُ الشَقيق
كتب الحُسن بِالمحقق مَعنا / هُ وَلَكن عِذارَه تَعليقُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025