المجموع : 15
يا مَنْ سَبا ريّاهُ عَرْفُ الصِّبا
يا مَنْ سَبا ريّاهُ عَرْفُ الصِّبا / وذرَّ من أزرارهِ شارِقُ
ذَرْنِي وعينيكَ أُسائِلْهُما / بأيَّ ذنبٍ قُتِلَ الوامق
تاللهِ ما أَمْلِكُ نجوايَ يا / مملوكُ والدمعُ به ناطق
أنَّى لمثلي فيكَ كَتْمُ الهوى / والدمعُ سَكْبٌ والحشا خافق
يا كوكباً بهرَ الكواكبَ بهجة
يا كوكباً بهرَ الكواكبَ بهجة / والزهرَ نشْراً والصباحَ شروقاً
بالأمس ضَمَّتْنا وإياكَ المنى / يوماً أَضَفتَ إلى الصَّبوح غَبوقا
نازعتُ إخواني بعذر عاقني / دوني من العَذب الزلالِ رحيقا
فانعمْ بعودة ذلك الأنسِ الذي / ولَّى وقد تركَ الفؤادَ مَشُوقا
أإخوانَنا والموتُ قد حال دونَنا
أإخوانَنا والموتُ قد حال دونَنا / وللموتِ حكمٌ نافذٌ في الخلائقِ
سبقتكمُ للموتِ والعمرُ ظِنَّةٌ / وأعلمُ أنَّ الكلَّ لا بدَّ لاحقي
بعيشكمُ أو باضطجاعيَ في الثَّرى / ألم تَكُ في صَفْوٍ من الودِّ رائق
فمن مرَّ بي فليمضِ بي مُترَحِّماً / ولا يكُ مَنْسِيّاً وفاءُ الأصادق
وعشيّةٍ لبستْ رداءَ شقيقِ
وعشيّةٍ لبستْ رداءَ شقيقِ / تُزْهى بلونٍ للخدود أَنيق
أبقتْ بها الشمسُ المنيرةُ مثلما / أبقى الحياءُ بوجنةِ المعشوقِ
لو أستطيعُ شربتُها كلفاً بها / وعدلتُ فيها عن كؤوس رحيق
قُل لِلتي نُظِمَ الفَريدُ بِجيدِها
قُل لِلتي نُظِمَ الفَريدُ بِجيدِها / مِن فَيضِ دَمعي مِنكِ فَوقَ تَراقِ
هانَت دُموعُ العَينِ أَن نُقِلَت إلى / تِلكَ السَواكِبُ مِن غُروبِ مَآقِ
أَتَرى مُخَصّرَها أُعيرَ سِوارَها / والجيدَ لؤلؤَ ثَغرِها البرّاقِ
فتطوَّقتْ مِنْ ثغرها بقلادةٍ / وتوشَّحَتْ مِنْ حَلْيِها بِنطاقِ
بأبي في الحبِّ معسولُ اللَّمى
بأبي في الحبِّ معسولُ اللَّمى / عنبريُّ النَّشرِ ريميُّ الحَدَقْ
فاترُ الطرفِ غريرٌ فاتنٌ / بارعُ الوصفِ منيرٌ كالفَلَقْ
يفضحُ البدرَ كمالاً إنْ بدا / والدُّمى العُفْرَ جَمالاً إنْ رَمَقْ
أطلعتْ خجلتُهُ في خدِّهِ / شَفَقَاً في فَلَقٍ تحتَ غَسَقْ
ويومِ أُنسٍ راقنا أصيلُهُ
ويومِ أُنسٍ راقنا أصيلُهُ / بنهرِ روضٍ سُندُسيِّ الورقِ
لما توارتْ بالحجابِ شمسُهُ / وأبدرتْ ساعاتُهُ بالغَسَقِ
أطلَّ من أُفْقِ السماءِ كوكبٌ / على الخليجِ واضحُ التألُّقِ
والنهرُ صافٍ ماؤُهُ مُفَضَّضٌ / والنجمُ فيه كذبالٍ مُشْرِقِ
تحمله خَوْدٌ لدى لبَّتها / خَوْفَ الصِّبا تحتَ قناعٍ أزرق
أيُّها الراكبُ المخبُّ لِتُبْلِغْ
أيُّها الراكبُ المخبُّ لِتُبْلِغْ / ركبَ سُعْدَى تحيةً من مشوقِ
ذا جوىً ناصبٍ ودمعٍ خضيبٍ / وحشاً ذائبٍ وقلبٍ خفوق
مزج الدرَّ طرفُهُ بعقيق / مذ أناخوا ركابَهُم بالعقيق
وتولَّتْ جمالُهم بجَمالٍ / من دُمى الرَّملِ في القباب أنيق
فإذا أُبْتَ فاتَّخذه نديماً / بصَبوحٍ من ذكرهمْ وغبوق
حسبُ مستنشقٍ من الطيبِ ريّاً / هم وحسبي حديثهمْ من رحيق
زارتكَ من رِقْبةِ الواشي على فَرَقِ
زارتكَ من رِقْبةِ الواشي على فَرَقِ / حتى تبدَّى وميضُ المرْهَفِ الذَّلِقِ
فخفَّض الجأش منها أن ملكتُ يدَيْ / نهرٍ يَغصُّ به الواشون منْ شَرَق
سكَّنتها بعد ما جالتْ مدامِعُها / بمقلتيها فِرِنْداً في ظُبا الحدق
فأقبلتْ بين صمتٍ من خلاخلها / وبين نُطْقِ وشاحٍ جائلٍ قلق
وأرسلتْ منْ مثنّى فرعها غَسقاً / في ليلةٍ أرسلتْ فرعاً مِنَ الغسق
تبدو هلالاً ويبدو حَليُها شُهُباً / فما يُفرَّقُ بين الأرضِ والأفُق
غازلْتها والدجى الغربيبُ قد خُلعتْ / منه على وجنتيها حلةُ الشَّفق
حتى تقلَّصَ ظلُّ الليلِ وانفجرتْ / للفجرِ فيه ينابيعٌ من الفلق
فدرّعت ساريات المزنِ تُسعِدُني / عندَ الفراقِ بدمعٍ واكفٍ غَرِق
إني بلوتُ زماني في تقلُّبهِ / فإنْ تَثِقْ بصروفِ الدهرِ لا أَثِقِ
سَلني أُخَبِّرْك عنها إنَّ مَوْردَها / لم يصفُ للحرِّ إلا عادَ ذا رَنَقِ
أنا الذي ظلَّ بالأحداثِ مشتملاً / بينَ الأنام اشتمالَ السيف بالعلَقِ
وعارياً من حظوظٍ في شبيبتِهِ / وكم قضيبٍ ندٍ عارٍ من الورقِ
أَنَّى ينوءُ زماني بالذي اقترَحَتْ / نفسي وما خُلُقُ الأيامِ من خلقي
لن يستقرَّ بمن يهوى الهوى قلَقٌ / حتى تبيتَ مطاياه على قلق
أدري وكلُّ أمورٍ لا يروِّحها / من الذميلِ السُّرى إلا إلى العَنَق
حتى أرى نقصَ حظي إذ غدا سبباً / إلى النوى من أيادي الدهر في عنقي
أَشاقكَ إذ غنَّى الحمامُ المطوَّقُ
أَشاقكَ إذ غنَّى الحمامُ المطوَّقُ / ولمحُ سناً من بارقٍ يتألَّقُ
سرى موْهِناً تزْجي الصِّبا غيمَ أُفْقِهِ / وقد أَضحَكَ الروضَ الحيا المتدفق
كما ابتسمتْ رقراقةُ الخدِّ غادةٌ / لأجفانِ صبٍّ دَمْعُها يترقرقُ
عرتني فألحاظُ الجفونِ جآذرٌ / تُطاعِنُ قلبي والجوانحُ مأزِقُ
وغادةِ إنسٍ أدلجتْ لزيارةٍ / وثوبُ الدجى بالزاهرات مُنَمَّق
تُمازحُ أَبناءَ السُّرى بضيائها / فتوهمُ بالإصباحِ منْ باتَ يطرُقُ
نعمتُ بها حتى أنارَ سنا الضُّحى / وشابَ بنورِ الصبح لليلِ مَفْرِق
فمن مبلغٌ عهدَ السرورِ تحيَّةً / يُشابُ بها ذكرُ الحبيب فتعبق
ربَّ حمَّامٍ تلَظّى
ربَّ حمَّامٍ تلَظّى / كتلظي كلِّ وامقْ
ثمّ أذرى عبراتٍ / صَوْبُها بالوجد ناطقْ
فغدا منِّي ومنهُ / عاشقٌ في جوفِ عاشقْ
ركبٌ يجوبون الفلا بنجائبٍ
ركبٌ يجوبون الفلا بنجائبٍ / عُنِيَتْ بنصٍّ دائمٍ وعنيقِ
فحثثتُها والحيُّ قد نزلوا منىً / ذكرَ الحجيجِ لياليَ التشريق
تسري بكلِّ فتىً كأنَّ رداءَهْ / خَضِلاً بأدْمُعُهِ رداءُ غريق
يتنازعون على الرحالِ حديثَهُمُ / كتنازعِ الندماءِ كأسَ رحيق
رُمْدُ العيونِ كأنما عبراتُهُمْ / دُرٌّ تحَدَّرَ من فُصوص عقيق
غفرتُ للأيامِ ذنبَ الفراقْ
غفرتُ للأيامِ ذنبَ الفراقْ / أنْ فزتُ من توديعهمْ بالعناقْ
ما أَنسَ لا أنسَ لهم وَقْفَةً / كالشهدِ والعلقمِ عندَ المذاق
مزجتُ فيها درَّ أسلاكهم / إذ أزفَ البين بدرِّ المآق
ساروا وقلبي بين أظعانهمْ / فلينشدوهُ بين تلكَ الرفاق
لا مرحباً بالبرقِ ما لم يكنْ / تسقي عزاليه رسومَ البُراق
حيثُ القبابُ البيضُ مضروبةٌ / تحرسُها سُمْرٌ وبيضٌ رقاق
تحملُ في أثنائها غادةً / يحملُ منها القلبُ ما لا يطاق
حاليةً تبسمُ عن مبسمٍ / كمثلِ ما قُلِّد منها التَّراق
من شَفَقِ الليلِ لها وجنةٌ / أو من دمٍ باللحظِ منها يراق
ضعيفةٌ طرفاً وخصراً فما / يُطيقُ ذا اللحظَ ولا ذا النِّطاق
تاهت على البانِ بأعْطافها / وعَيَّرَتْ بدرَ الدُّجى بالمُحاقْ
وأرسلتْ فَرْعَاً غدا لَوْنُهُ / كحالِ مَنْ يُحْرَمُ منها التَّلاق
أَعادتِ الصبحَ ليلةً / حتى تَوَهَّمْتُ صَبوحي اغتباق
سقى ديارَ الحيِّ بالمنحنى / من سَبَلِ المُزْنِ أو الدمعِ ساق
كم ليلةٍ لي بعقيقِ الحمى / قَصَّرتها باللثم والاعتناق
ما ادَّرَعَ الليلُ بظلمائه / حتى كساه الصبحُ منه رُواقْ
فانجفلت أنجمه فاشتكى / للبعضِ منها البعضُ وَشْكَ الفراق
أما الثريَّا فنَوى رأسها / يركضُ نحو الغربِ ركضَ السباق
وطار في إثرِ غرابِ الدُّجى / نسرُ النجومِ الزُّهرِ يبغي اللحاق
وانتبَه الصبحُ بُعَيْدَ الكرى / كذي هوىً مِن غَشيَةٍ قد أَفاق
ورجَّع المُكَّاءُ تَحْنِينَهُ / حتى حسِبناهُ حليفَ اشتياق
في روضةٍ علَّم أغصانُها / أهلَ الهوى العذريِّ كيف العناق
هبّتْ به ريحُ الصِّبا سُحْرةً / فالتفَّتِ الأشجارُ ساقاً بساق
تلك الليالي أعْقَبَتْ بعد ما / أحمدْتُها عيشاً بوشكِ الفراق
حدائقُ الحسنِ تُغْري السُّهْدَ بالحدَقِ
حدائقُ الحسنِ تُغْري السُّهْدَ بالحدَقِ / فالعينُ متْرَعَةُ الأجفانِ منْ أَرَقِ
أشيمُ للبرقِ منْ مسراهمُ قَبَساً / والليلُ يَسْحَبُ أذيالاً من الغَسَق
حتى استهلَّ الغمامُ الجَوْد مُنْسَكِباً / بوادقٍ من مُلِثِّ القَطْرِ مُنْدَفَقِ
في روضةٍ قد ثَنَتْ أَعطافها سَحَراً / يُفَضُّ منها ختامُ الزَّهْرِ عن عَبَق
ترنو الحمائمُ منها في ذُرى قُضُبٍ / تَخْتالُ مائسةً في سُنْدُسِ الورق
كمْ قد عَهِدْنا بها من ليلةٍ قَصُرَتْ / وإن نأى كلكلُ الظلما عن الفلق
إذا ابتغيتُ كؤوسَ الراحِ مُتْرَعةً / أَوْمَتْ إليَّ يدُ الأصباحِ بالشفق
يديرُها البدرُ صِرْفاً فوقَ راحتِهِ / والشمسُ تطلعُ منْ يُمناه في أفق
ثم انبرى مائلاً للوصلِ ذو ضمرٍ / في لؤلؤ من نفيس الدرِّ متَّسقِ
يا مَن غدا لحسامِ البغي منتضياً / يستثبتُ الصَّرم حتى عادَ ذا رنق
والبغي ما زال في الحساد مكتملاً / يبدو لمختبرٍ في الخَلْقِ والخُلق
لا تنكرنَّ بديعَ النظمِ منْ أدبي / فالدرُّ ليس بمكنونٍ على الفلق
ولتحذرِ الرشقَ من سهمٍ عرضتَ له / منْ يزحمِ البحرَ لا يأمنْ مِنَ الغرق
ما أنت مدركُ شأوي إنْ سعيت له / ليس التبخترُ كالإرقال في الطرق
ولا المؤمّل في مضمارِ حَلْبَتِهِ / مؤملاً للمجليِّ السبق في طَلق
وقد تُشَبَّهُ أحياناً بذي أدبٍ / ما لم يحاددكَ عذب اللفظ في نسق
والأوسُ في فَلَوَاتِ البيدِ مفترسٌ / فإنْ يَصُلْ ليثُ غابٍ مات من فرق
فلا تمدّنَّ باعَ العُجْبِ إنَّ لها / عُقبى تؤجِّجُ نارَ الضَّغْنِ والحنق
دعاكَ خليلٌ والأصيلُ كأنَّه
دعاكَ خليلٌ والأصيلُ كأنَّه / عليلٌ يقضي مدة الرَّمَق الباقي
إلى شطِّ منسابٍ كأنك ماؤه / صفاءَ ضميرٍ أو عذوبةَ أخلاق
ومهوى جناحٍ للصبا يمسحُ الربى / خفيَّ الخوافي والقوادمِ خفَّاق
على حينِ راحَ البرقُ في الجو مغمداً / ظباهُ ودمعُ المزنِ من جفنه راق
وقد حان مني للرياضِ التفاتةٌ / حبستُ بها كأسي قليلاً عن الساقي
على سطحِ خيرٍّ ذكرتُكَ فانثنى / يميلُ بأعناقٍ ويرنو بأحداق
فَصِلْ زهراتٍ منه هذا كأنَّها / وقد خَضِلَت قطْراً محاجرُ عشَّاق