غداً في سَماءِ الْعبْقَرِيَّةِ نلتقي
غداً في سَماءِ الْعبْقَرِيَّةِ نلتقي / وتجتمع الأَنْدَادُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ
وَنذكر عيْشاً كالأزاَهِر لم يَطُلْ / وَوُدّاً كَمشْمُولِ الرَّحيقِ الْمُصَفقِ
وَنَضْحك من آمالِنا كيف أنَّها / أَصَاخَتْ إلى وَعْدِ الزَّمان المُلَفِّقِ
ونَسْبَحُ في أنْهَارِ عَدْنٍ كأنَّما / سَرَائِرُنَا مِن مائِها المُتَدَفِّق
ونَخْتَرِق الأجْواءَ بَيْنَ مُدَوِّمٍ / يَمَدُّ جَنَاحَيْهِ وبين مُصَفِّقِ
ذَكَرْتُ أَحِبَّائي وقَدْ سَارَ رَكْبُهُمْ / إلى غير آفاقٍ على غير أَيْنُقِ
أُودِّعهم ما بَيْنَ لَوْعَةِ وَاجدٍ / تَطِيرُ به الذِّكْرَى وَزفْرَةِ مُشْفِق
وَأَبْعَثُ في الصَّحْراء أَنَّاتِ شَيِّقِ / وهَلْ تَسْمعَ الصَّحراء أَنَّاتِ شَيِّقِ
تعلقتُ بالحَدْبائِ حَيْرانَ وَالِهاً / وكيْف ومَاذَا نافِعي من تعلُّقِي
لَمَسْتُ فلم أَلْمِسْ سوى أَرْيَحِيَّةٍ / من النورِ لُفَّتْ في رِدَاءٍ مُخَلَّقِ
أَتُدْفَنُ في الأرض الكنوزُ وفوقها / خَلاَءٌ إلى لأْلائِهَا جِدُّ مُمْلِقِ
ويَمْضِي الْحِجَا مَا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ / كَلَمْحَةِ طَرْفٍ أَو كَوَمْضَةِ مُبْرِق
يضيق فضاءُ الأرض عن هِمَّةِ الفَتى / ويُجمَعُ في لَحْدٍ من الأرض ضيِّقِ
تَبَابٌ لهذا الدَّهْرِ مَاذَا يُرِيدُه / وأَيّ جديدٍ عنده لم يُمَزّقِ
يُصَدِّعُ من أَعْلاَمِنَا كلَّ راسخٍ / ويُطفِىءُ من أَنْوَارِنَا كلَّ مُشْرِقِ
هُوَ الموُتُ مَا أَغْنَى اسمه عَنْ صِفَاتِه / وعن كل ألْوَانِ الكلام المُنَمَّقِ
رَمَتْنِي عَوادِيه فإِن قلتُ إِنَّهَا / مَضَتْ بِأَمانِيِّ الحياة فَصَدِّقِ
أَأَحمدُ أين الأمْسُ والأمسُ لم يَعُدْ / سِوىَ ذِكرياتٍ للخيال المُؤَرِّقِ
كَأَني أراكَ اليومَ تخطُبُ صَائِلاً / وتَهْدِرُ تَهْدَارَ الْفَنيقِ المُشَقْشِقِ
تُنَافِحُ عن بِنْتِ الصَّحارِي مُشَمِّراً / وتَفْتَحُ مِن أسْرَارِهَا كُلَّ مُعْلَقِ
مَضَى حَارِسُ الفُصْحى فَخَلَّده اسْمُه / كما خلَّد الأَعْشى حَديثَ الْمُحَلَّقِ
فَقدْنَا به زَيْنَ الْفَوَارِسِ إِن رَمَى / أَصَابَ وإِنْ يُرْخِ الْعِنَانَيْنِ يَسْبِقِ
فَقُلْ للَّذِي يَسْمُو لذَيْلِ غُبارِهِ / ظَلمْتَ العِتَاقَ الشَّيْظَمِيَّاتِ فَارفُقِ
إِذا ما رَمَى عِنْدَ الجِدَالِ عَبَاءَهُ / رَمَاكَ بِسَيْلٍ يَقْذِفُ الصَّخْرَ مُغْرِقِ
فجانِبْ إذا كُنتَ الحِكيمَ سُؤَالَهُ / وَأَطْرِقْ إلى آرائِهِ ثُمَّ أَطْرِقِ
أَأَحْمَدُ إِنْ تَمْرُرْ بِوَالي فَحَيِّه / وَبَلِّغْه أَشْوَاقَ الفُؤادِ المُحَرَّقِ
طَويناه صيَّادَ الأَوابدِ لَمْ يَدَعْ / عَزِيزاً عَلَى الأفْهامِ غَيْر مُوَثقِ
لَهُ نَظْرَةٌ لم يحتَمِلْ وَقعَ سِحْرِهَا / غريبُ ابن حُجْرٍ أَو عَوِيصُ الفَرَزْدَقِ
أَحَاطَ بآثار الْخلِيلِ بْنَ أَحْمَدٍ / إِحاطَةَ فيَّاضِ البَيَانِ مُدَقِّقِ
إذا مَسَّ بالكَفِّ الجبينَ تدافَعَتْ / جُيُوشُ المعانِي فَيْلقاً إِثْرَ فَيْلَقِ
ويوماً مع الإِسكندريّ رأيته / يُجاذِبهُ فَضْلَ الْحَدِيثِ المشَقَّقِ
فَهَذَا يَرَى فِي لَفْظَةٍ غَيرَ مَا يَرى / أَخوه ويختارُ الدليلَ وَيَنْتَقي
فقلت أرى ليثاً وليثاً تَجَمَّعَا / وأَشْدَقَ مِلءَ العَيْنِ يَمْشِي لأَشْدَقِ
وأَعْجَبَنِي رأيٌ سَلِيمٌ وَمَنْطِقٌ / يَصُولُ على رأيٍ سليمٍ ومَنْطِقِ
وقد لوَّحتْ أيْدِيهِمَا فكأنّها / إِشاراتُ راياتِ تروحُ وتَلتَقي
ولم أَرَ في لفْظَيْهِمَا نَبْرَ عَائِبٍ / ولم أَرَ في عَيْنَيْهِمَا لَمْحَ مُحْنَقِ
فقلتُ هِيَ الفُصْحَى بِخَيرٍ وَإِنَّهَا / بأَمثالِ هَذَيْن الْحَفيَّيْنِ تَرْتَقي
وَلَمْ أَنْسَ نَلِّينُو وقَدْ جَاء فَيْصَلاً / بِحُجَّةِ بَحَّاثٍ وَرَأْيِ مُحَقِّقِ
وَفِكْرٍ لهُ مِنْ فطْرَةِ الرُّومِ دِقَّةٌ / ومِنْ نَفَحاتِ العُرْبِ حُسْنُ تَأَلُقِ
يُنَسِّقُ علم الأوّلين مُجاهِداً / ولاَ خَيْرَ في عِلْمٍ إذَا لَمْ يُنَسَّقِ
تَقَاسَمَهُ غَرْبٌ وشَرْقٌ فَأَلَّفَتْ / مَنَاقِبُهُ ما بَيْنَ غَرْبٍ ومَشْرِقِ
فَدَعْ ما يُغَطِّي الرّأس واسْمَعْه لا تجِدْ / سِوَى عَرَبِيٍ في العُرُوبَة مُعْرِقِ
إِذا صَالَ ألْقَآ الرُّمحَ كُلُّ مُنَازِلٍ / وإِن هو دَوّى سَفّ كلُّ مُحَلِّقِ
عَشقْناه وَضَّاحَ الْخَلاَئِقِ مُخْلِصاً / وَمَنْ يَكُ وضّاحَ الخلائق يُعْشَقِ
فَيَا مَجْمَعَ الفُصْحى عَزَاءً فَكُلُّنَا / إلَى الشاطِىءِ المَوْعُودِ ركّابُ زَوْرَقِ
وما عَقِمَتْ أُمُّ اللُّغَاتِ ولا خَلَتْ / خَمائِلُها منْ سَجْعِ كلِّ مُطَوَّقِ