المجموع : 16
نهضتْ من كلِّ أوبٍ تلتقي
نهضتْ من كلِّ أوبٍ تلتقي / فاحذروها يا بَنِي المصطلقِ
إحذروها غارةً ملمومةً / يَتّقِي أهوالَها مَن يتقي
لا تظنّوا جمعَكم كُفؤاً لها / حينَ تَمضِي في العجاجِ المُطبقِ
سرِّحوا الجيشَ وكُفُّوا إنّها / مَصرعُ الجيش وحَتفُ الفيلقِ
نعق الحارثُ يدعوكم إلى / أن تبيدوا ليته لم يَنعَقِ
لا يغرَّنْكم رَسُولٌ جاءكم / مُبغض القلب محب المنطقِ
يا رسول الصدق ماذا جمعوا / لذوي البأسِ وأهلِ المصدقِ
الأُلَى تَتَّسِعُ السُّبلُ بهم / للمنايا في المجالِ الضيّقِ
يخفق النصرُ على أعلامِهِم / إن تَرَدَّى كلُّ جيشٍ مُخفقِ
ما يبالون المنايا النُّكر في / مُرعدٍ من هولها أو مُبْرِق
لأبي بكرٍ وسعدٍ نظرةٌ / بعد أخرى كالشُّواظِ المُحرقِ
في اللّوائَيْنِ ضياءٌ منهما / واضحُ المطلعِ طَلقُ المَشرِقِ
وعلى الفاروقِ من إيمانه / ما على صَمصامِهِ من رونقِ
وعليٌّ وابن عمّارٍ هما / عُدَّةُ الحربِ لهولِ المأزق
يترامى القائدُ الأعلى بهم / في عُبابٍ للمنايا مُغرِق
جاش فيه كلُّ زخَّارِ القُوى / يرتقِي من لُجّهِ ما يَرتَقي
خيرُ خلقِ اللَّهِ في شِكَّتهِ / يمتطي خيرَ العِتاقِ السُبَّقِ
سُحِرَ القومُ ومن آياتِهِ / رُقيةُ السِّحْرِ وَطِبُّ الأولق
نزل الذكرُ عليه فانطوى / مُصحفُ الحِبْرِ وسِفْرُ البطرقِ
وَسِعَ الكُتْبَ جميعاً وَوَعَى / مِن سَناها كلَّ معنىً مونِقِ
علّم الدنيا الهدى فيما مضى / وهو خيرٌ هادياً فيما بقي
عربيٌّ فتحت آياتُهُ / كلَّ بابٍ للمعاني مُغلَقِ
في أَسالِيبَ حِسَانٍ غَضَّةٍ / وفُنُونٍ حُرّةٍ لم تُطْرَقِ
نَفَحاتُ الحقِّ في أبهى الحلى / من رياحين البيانِ المورِقِ
نهض الفاروقُ يدعوهم إلى / مِلّةِ الخيرِ دُعاءَ المُشفِقِ
فأبى القومُ وقالوا دينُنا / إنْ نَدَعْهُ لِسواهُ نَفْسُق
ومشى جاسوسُهم يبغِي الأذى / فمشى عِزريلُه في المفرق
قيل أسلِمْ قال لا فاحتقبتْ / نَفسُه إثمَ الغويِّ الأحمق
يا أبا بَرَّةَ ليس البرُّ أن / تتولّى فاتّئدْ واستوثِقِ
أفَمن يعتِقُ من رِقِّ الهوى / أنفُسَ النّاسِ كمن لم يُعتَق
يا أبا برَّةَ لا تَأْبَ الهدى / وبمن حولكَ فارأفْ وارفق
قلتُم الحربُ وقتلاها وما / هِي بالأمرِ الأحبِّ الأخلق
وتوالى النَّبلُ يَهمِي صَوْبُهُ / فَوَقَ صوبٍ من نجيعٍ مُهرَق
إذ يَقُولُ اللَّهُ في عليائِهِ / لرسولِ اللَّهِ سَدِّدْ وارشُقِ
قادةٌ ما صادفوا أكفاءَهم / وجنودٌ مِثلُها لم يُخلَقِ
ذُعِرَ الجمعُ فلو أنّ القطا / طار في آثارِهِ لم يَلحقِ
صَدَّ عن ظمأى العوالِي ولَوى / كلَّ صَبٍّ في المواضِي شَيِّق
فُجِعُوا في النَّهبِ والسَّبْيِ معاً / وسُقُوا أَسْوَأَ شِرْبِ المُسْتَقِي
نَعِمَتْ بَرَّةُ ماذا تشتكِي / من أسىً بَرْحٍ وهمٍّ مُقلِقِ
يا ابنَةَ الحارِثِ طِيبي وانعمي / أيُّ رزقٍ صالحٍ لم تُرزَقي
ذاك جوُّ المجدِ وضّاحُ السَّنا / حَلِّقي ما شئتِ فيهِ حَلِّقي
اصطفاكِ اللَّهُ فيمن يَصطَفي / وانتقَى بَيتَكِ فيما ينتقي
واحتوى التَّاجُ المحلَّى دُرَّةً / منكِ مَن يلمحْ سناها يُطرِق
فارقي أسرَ ابن قيسٍ واشكري / يا ابنةَ الحارثِ فضلَ المُطلِقِ
اللُّبابِ المحضِ من رُسلِ الهدى / منذ كانوا والصَّميمِ المُعرقِ
حَطَّ عنكِ الإصْرَ بَرَّاً ورثى / لك من ضُرٍّ شديدٍ مُرهقِ
وَرَعى حقَّكِ لا يبغِي سوى / أن تكوني بالمحلِّ الأليق
أقبلَ الحارثُ يحدو إبْلَهُ / وبهِ من طولِ هَمٍّ ما بِهِ
سيّدُ القومِ يُريد ابنتَه / ويَرومُ الذَّبَّ عن أحسابِه
قال ويحي كيف تُسْبَى بَرَّةٌ / وأبو بَرَّةَ في أثوابِهِ
حُرَّةٌ من حُرَّةٍ أنجبها / ونماها نابِهٌ من نابِهِ
إِبِلي سِيري وأُمِّي يثرباً / واطلبي ليثَ الوغَى في غابِهِ
شَرَفي آبَى عليه وابنتي / أفتدي منه ومن أصحابِهِ
ساقَهَا إلا بَعِيْرَيْنِ هما / من صفايا المالِ أو صُيَّابِهِ
غُودِرَا في جانبِ الوادي وما / يَجلِبُ الأمرَ سوى أسبابهِ
قال دعها يا رعاكَ اللهُ لي / وَاشْفِ هذا القلبَ من أوصابِهِ
إنّها بنتي التي ربَّيتُها / في حِمَى العزِّ وفي محْرَابِهِ
أعطنيها وتَقبَّلْ ما معي / من فداءٍ جَلَّ عن أضرابِهِ
قال بل أحدثتَ أمراً لم تَخَفْ / سُوءَ ما يَغشَى الفتى من عابِهِ
غَابَ عن ذَوْدِكَ ما استبقيتَهُ / لك في الوادي وفي أعشابِهِ
يا أبا بَرَّةَ إنّي لأرى / مَوضِعَ العَوْدَيْنِ في أنقابِهِ
قال أسلمتُ وما أدنى الهدى / يا رسولَ اللَّهِ من طُلابِهِ
وَضَحَ الحقُّ فما من حُجَّةٍ / لغبيِّ القلبِ أو مُرتابِهِ
إنّهُ للّهِ فضلٌ ما له / غَيْرُ من يُؤْثِرُ من أحبابِهِ
نكص الشِّركَ على أعقابِهِ / وَهَوَى القائِمُ من أنصابِهِ
يا رسولَ اللّهِ لا كان امرؤٌ / لم يَكُنْ دِينُكَ من آدابِهِ
شرفُ الأخلاقِ من أحكامِهِ / والتُّقَى والبِرُّ من آدابِهِ
أنت نِعْمَ الصِّهرُ مجداً وَسناً / إن طلبنا المجدَ في أقطابِهِ
جِئتَ بالخيرِ بشيراً لم تَزَلْ / تصدعُ الأغلاقَ عن أبوابِهِ
تلك بنتي دخلت فيهِ معي / ما خشينا المنعَ من حُجّابِهِ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ / وكيفَ يلقَّى النجاةَ الغريقْ
مَشَى البأسُ في هَوْلِهِ المستطير / له لَهَبٌ ساطِعٌ كالحريقْ
مَشَى ترجفُ الأرضُ من حولِهِ / فأين الفِرارُ وهل من مُطِيقْ
ثَقيفُ ادْخُلِي الحصن لا تهلكي / ويا عَبْدَ ليل لماذا النَّعيقْ
دَعا خالدٌ يَسْتَفِزُّ الرجال / فكان فَريقُكَ شَرَّ الفرِيقْ
وكنت عليهم شهيداً بما / يُعابُ العدوُّ به والصّديقْ
يَضيقُ على العاجزينَ الفضاء / وَيَرْحَبُ بالقادِرينَ المضيقْ
وليس الخليقُ بحرِّ الجلاد / غَداةَ التَّنادي كغيرِ الخَليقْ
رَمَوْا بالسّهامِ ولو أنصفوا / رَمَوْا بالطُّلَى كلَّ عَضْبٍ ذَلِيقْ
حِراصٌ على الأنفُسِ الهالكات / وذلك منهم خَبالٌ وَمُوقْ
ضِعافُ القلوبِ قُعودٌ جُمودُ / يخافون كلَّ سَفوحِ دَفُوقْ
وما يَسْتَوِي الهِبْرِزِيُّ الجَسُور / غَداةَ الوَغى والهَيُوبُ الفَروقْ
رَأَوْا عَجباً من عَتادِ الحروب / تَذوق الحصونُ به ما تَذُوقْ
رَماهُمْ فَتاهَا بدبّابَتَينْ / فيا لَك من فَارسِيٍّ لَبيقْ
رَميْتَ الأُلى حَبَسَ الفاتحون / بموتٍ حبيسٍ وبأسٍ طليق
وَزِدْتَ فقلت اضربوا الكافرين / وَعلّمتهم صنعةَ المنجنيقْ
تَظَلُّ الحجارةُ مقذوفةً / يُشيّعها من مكانٍ سَحِيقْ
ونُودُوا إلينا فمن جاءنا / مَنَنَّا عليه بِعَهْدٍ وَثيقْ
فأقبلَ منهم بُغاةُ الأمان / فكلٌّ مُخلَّى وكلٌّ عَتِيقْ
لهم مَنزلُ الضّيفِ في المسلمين / رُعاةِ العهودِ حُماةِ الحُقوقْ
عُيَيْنَةُ ما قلت للمشركين / وهل يَقتني الحمدَ إلا الصَّدُوقْ
كذبتَ النبيَّ فقلتَ المحال / وجئتَ من الأمرِ ما لا يليقْ
وأزلفْتَها توبةً تبتغي / بها الخيرَ والخيرُ نِعْمَ الرفيقْ
تبيَّنْ عيينةُ عُقْبَى الأمور / لعلَّكَ تعقلُ أو تَستفيقْ
سيأتي بهم رَبّهم مُسلمين / فما من ضلالٍ ولا من فُسوقْ
ولو شاءَ لاجْتثَّهم أجمعين / فبادت أصولٌ وجفّتْ عُروقْ
يقولُ الفوارسُ كيف الرحيل / وما شَرِقَتْ بالدِّماءِ الحُلوقْ
رُوَيداً رُوَيداً جُنودَ النبيِّ / فقد ينفعُ الناسَ ما لا يَروقْ
وللهِ ما شَاءَ فيما يسوق / من الحادثاتِ وفيما يَعوْقْ
أَبَوْا أن يقعدوا والجيشُ يُزجَى
أَبَوْا أن يقعدوا والجيشُ يُزجَى / فَيُوشِكُ أن يكونَ له انْطِلاقُ
وليس لهم سِوَى القُرآنِ يُتلَى / فلا خَيْلٌ ولا إبلٌ تُساقُ
فَلاذوا بالنبيِّ وناشدُوه / لِيَحْمِلَهُمْ فَضاقَ بهم وضاقوا
تَوَلَّوْا تَسْتَهِلُّ على لِحاهُمْ / دُموعٌ مِلءَ أعينهِم تُراقُ
أتُعْوِزُهُمْ لَدَى الزَّحفِ المطايا / ويَسْبِقُهم إلى اللهِ الرِّفاقُ
فَرَقَّ لهم من الغازِينَ قَومٌ / رُمُوا مِنهم بخطبٍ لا يُطاقُ
وَجَاءَوا بالرَّواحِلِ فاستراحوا / مِنَ الهمِّ المُبرِّحِ واسْتفاقوا
أمَنْ يَهديهِ إيمانُ وَتَقْوىً / كمن يُردِيه غِشٌّ أو نِفاقُ
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ / تُضِيءُ النَّقْعَ لِلجُرْدِ العِتاقِ
لقد غَرَّ الهُنَيْدُ بني جُذَامٍ / فما للقومِ مِمّا جَرَّ واقِ
دَعَا سُفهاءَهُم فَمشُوا إليه / وما التفَّتْ لهم ساقٌ بساقِ
لصوصٌ ما يُبالونَ الدنَايا / إذا عَقَدوا العزائمَ لاِنْطِلاَقِ
أحاطَ بِدحيةٍ مِنهم أُناسٌ / تَعُدُّهُم الذّئابُ مِن الرِّفاقِ
مَضوا بِحبَاءِ قَيْصَرَ وَهْوَ جَمٌّ / فما منه لَدَى الكلبيِّ باقِ
أَتى مُستَصرِخاً فأصابَ مَوْلىً / يُغيثُ صَريخَهُ ممّا يُلاقي
وما لمحمدٍ كُفْؤٌ إذا ما / سَقَى الأبطالَ كأسَ الموتِ ساقِ
دَعَا زَيْداً فأقبلَ في جُنودٍ / تَبيتُ إلى الملاحمِ في اشْتِيَاقِ
إلى حِسْمَى فما للداءِ حَسْمٌ / إذا لم تَرْقِهِ بدمٍ مُراقِ
إليهِ يا ابنَ حارثةٍ إليه / فَثَمَّ البغيُ مُمتَدُّ الرُواقِ
لِدحيةَ حَقُّهُ والسّيفُ ماضٍ / وما لِبَنِي جُذَامٍ من إباقِ
عَبيدُ الشِّركِ أَوْثَقَهُمْ فَقَرُّوا / بِدارِ الهُونِ يا لَكَ من وَثاقِ
ألا إنّ الهُنَيْدَ أُديلَ منه / فهل وَجَدَ الرَّدَى عَذْبَ المذاقِ
وهل نَظَرَ ابْنَهُ لمّا تَرَدَّى / وَعَايَنَ روعةَ الموتِ الذُّعاقِ
تَوالى القومُ في الهيجاءِ صَرْعَى / كأن سِرَاعَهُمْ خَيْلُ السّباقِ
فأهلاً بالشَّوِيِّ تُساقُ نَهْباً / وأهلاً بالجِمالِ وبالنِّياقِ
ويا ويحَ الحلائلِ والذَّرارِي / تُعانِي البَرْحَ من أَلَمِ الفِراقِ
أتى النفرُ الأماجدُ من ضَبِيبٍ / وقد شدَّ البلاءُ عُرَى الخِناقِ
فقال إمامُهُم إنّا جميعاً / مِنَ الدينِ القويمِ على وِفَاقِ
هُوَ الإسلامُ يَجمعُنا فَلَسْنَا / بحمدِ اللهِ من أهلِ الشِّقاقِ
ألا اكْشِفْ ما بنا يا زيدُ عَنَّا / فليسَ بِمُستطاعٍ أو مُطاقِ
وجاء من الكتابِ ببيِّناتٍ / فما يُرمَى بكفرٍ أو نِفاقِ
وسارَ إلى رسولِ اللهِ منهم / بُغاةُ الخيرِ والكَرَمِ الدُّفَاقِ
فقال إلى السريّةِ يا ابنَ عَمّي / فأنْ تَلحقْ فَنِعْمَ أخو اللِّحاقِ
وذَا سَيْفِي فَخُذْهُ دَليلَ صدقٍ / فيا لكَ من دليلٍ ذي ائتلاقِ
مَضَى أَمرُ النبيِّ فيا لخطبٍ / تَكشَّفَ ليلُهُ بعد اطّراقِ
أَيُنْصَرُ كلُّ لصٍ من جُذَامٍ / وَيُقْهَرُ رافعُ السَّبعِ الطِّباقِ
تَعالَى اللهُ لا يَرْقَى إليهِ / من العالِينَ فَوْقَ الأرضِ رَاقِ
بَنِي المُلَوَّحِ لا حَامٍ ولا واقِ
بَنِي المُلَوَّحِ لا حَامٍ ولا واقِ / طَافَ الرَّدَى وتَلاقَى الشَّرْبُ والسَّاقِي
أتتكُمُ المرهفاتُ البِيضُ زائرةً / فاستقبلوها بهاماتٍ وأعناقِ
مشى بها غالبٌ في غيرِ ما وَهَنٍ / يَلُفُّ للحربِ آفاقاً بآفاقِ
رَمَتْ به هِمَمُ الإيمانِ مُمعنةً / فالشِّرْكُ يَرجُفُ من خوفٍ وإشفاقِ
ما خطبُ هذا الذي لاقَتْ فوارسُهُ / عِندَ القديدِ أيَمضِي غير مُعتاقِ
كلا فإن يَكُ حقّاً ما يقولُ فما / فيما يُريدُونَ من ظُلمٍ وإرهاقِ
يُقيمُ حتى يَعودوا ثم يَصحبُهُم / إلى الرسولِ على عهدٍ وميثاقِ
وإن يكن كاذباً فالسَّيفُ صاحبُهُ / والسَّيفُ صاحبُ صدقٍ غيرِ مَذَّاقِ
جاءوا الكَدِيدَ فما يَغْفَى رَبِيئَتُهُم / والنّومُ يلهو بأجفانٍ وأحداقِ
ولاح باللّيلِ فوقَ التَّلِّ مَنظرُهُ / لساهرٍ قام من ذُعرٍ على سَاقِ
رَمَى بِسهمَيْنِ لم يُخْطِئ له نَظَرٌ / ولم يُجاوِزْهُ في نَزْعٍ وإغراقِ
انْزَعْهُما ابنَ مكيثٍ لا تَكُنْ جَزِعاً / ولا تُرَعْ لِدَمٍ في اللهِ مُهرَاقِ
ويا سيوفَ رَسولِ اللهِ لا تَدَعِي / للعاكِفينَ على الأصنامِ من بَاقِ
النّازِلينَ وَراءَ الحقِّ منزلةً / ما اختارَها غيرُ فُجّارٍ وَفُسّاقِ
ما يُنكِرُونَ من الدِّينِ الذي كرهوا / هل جاءَ إلا بآدابٍ وأخلاقِ
دِينُ السجايا العُلَى تَمضِي بهم صُعُداً / ما تستطِيعُ مَدَاها هِمَّةُ الرّاقِي
دِينٌ هو الغُلُّ يَنْهَى كلَّ مُبَتدِعٍ / يرمي النُّفُوسَ بأغلالٍ وأطواقِ
لا يَحبسُ النَّفسَ إلا حينَ يُطلقُها / وليس يَظلِم في حَبْسٍ وإطلاقِ
بَنِي الملوَّحِ رُدُّوا مِن غَوايَتِكم / فالحقُّ ذُو وَضَحٍ بادٍ وإشراقِ
هو الشِّفَاءُ لأداوءِ النّفوسِ إذا / حَارَ الطبيبُ وأَمْسَى رَهْنَ إخفاقِ
أتَصْدِفُونَ عَنِ المُثلى وقد هَتَفَتْ / بها الدُّعاةُ فَلَبَّى كلُّ سَبَّاقِ
لولا العَمَى مَا اقْتَدَيْتُمْ في ضَلاَلَتِكُم / بمعشرٍ من قُريشٍ غيرِ حُذّاقِ
والنّاسُ من زُعماءِ السُّوءِ في خَبَلٍ / يُؤذِي الطبيبَ ويُعيي حِكمةَ الرَّاقِي
يا وَيْلَكُم إن رَضِيْتُمْ جَوْفَ مُظلِمَةٍ / مَسْجُورةٍ ذاتِ أطواءٍ وأعماقِ
ماذا صنعتم بخيلِ اللهِ حين دعا / يَسْتَصرِخُ الحيَّ منكم كلُّ نَعَّاقِ
طارت بكم غارةٌ حَرَّى فأطفأها / وَادي قَدِيدٍ بِسَيْلٍ منه دَفَّاقِ
لا تنكروا وقضاءُ اللهِ يُرسِلُهُ / ما كانَ من دَهَشٍ جَمٍّ وإطراقِ
أعظِمْ بها آيةً لولا جَهالَتُكُمْ / كانت لخيرِ البرايا خيرَ مِصدَاقِ
سيقتْ لِنُصْرَتِهِ الأقدارُ تَمنَعُكُم / أن تُدرِكُوا جُنْدَهُ من كلِّ مُنْساقِ
وأنتَ يا أيّها المُزْجي مَطِيَّتهُ / إلى الرسولِ يُوالي سَيْرَ مُشتاقِ
أصبتَ من نِعمةِ الإسلامِ كَنْزَ هُدَىً / أغناكَ ربُّكَ منه بَعْدَ إملاقِ
فَاسْعَدْ برزقِكَ وَاشْكُرْ مَن حَبَاكَ به / سُبحانَهُ مِن عظيمِ الفَضْلِ رزَّاقِ
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا
أَمّا يَنهى دُعاةَ السوءِ عَنّا / طَويلُ هَوادَةٍ وَجَميلُ رِفقِ
رُوَيداً مَعشَرَ العادينَ إِنّا / نَطَقنا بِالنَصيحَةِ خَيرَ نُطقِ
وَنَعلَمُ أَن شَعبَ النيلِ طُرّاً / عَلَينا بِالرَجاءِ الحَقِّ يُلقى
لِمِصرَ قُلوبُنا وَلَها هَوانا / عَلى الحالَينِ مَحضاً غَيرَ مَذقِ
لَها ما تَأخُذُ الدُنيا وَتُعطي / وَما تُغني حَوادِثُها وَتُبقي
أَنَحنُ الجاهِلونَ كَما زَعَمتُم / مَعاذَ اللَهُ مِن جَهلٍ وَحُمقِ
أَنَحنُ الخائِنونَ كَما اِدَّعَيتُم / بِأَيَّةِ شيمَةٍ وَبِأَيِّ خُلقِ
زَعَمتُم أَنَّنا طُلّابُ مالٍ / كَذَبتُم إِنَّنا طُلّابُ حَقِّ
وَما مَلَكَت يَدي في الدَهرِ إِلّا / يَراعَ أَمانَةٍ وَلِسانَ صِدقِ
ثَراءُ ذَوي النُهى أَوفى ثَراءً / وَرِزقُ الصالِحاتِ أَجَلُّ رِزقِ
تَوَقَّينا الشَماتَةَ مِن أُناسٍ / ذَوي ضَغنٍ فَما نَفَعَ التَوَقّي
خُذوها كَالصَواعِقِ أَنذَرتكُم / بِرَعدٍ مِن زَواجِرِها وَبَرقِ
تُدَمِّرُ ما بَنيتُم مِن صُروحٍ / تَطيرُ لِهَولِها مِن كُلِّ شقِّ
صُروحُ مُضَلَّلينَ تَعاوَرَتكُم / بُناةُ السوءِ خَلقاً بَعدَ خَلقِ
أَبادَت كُلَّ مَعرِفَةٍ وَفَنٍّ / وَأَفنَت كُلَّ مَقدِرَةٍ وَحِذقِ
هَوَت شُرُفاتُها العُليا وَشاهَت / وُجوهُ القَومِ من سودٍ وَزُرقِ
أَسوءُ سَريرَةٍ وَخَبالُ قَلبٍ / وَلُؤمُ غَريزَةٍ وَفَسادُ عِرقِ
نَعوذُ بِرَبِّنا مِن كُلِّ سوءٍ / وَنَبرَأُ مِن مَعَرَّةِ كُلِّ رِقِّ
هَل ليمَ نَضوُ صَبابَةٍ فَأَفاقا
هَل ليمَ نَضوُ صَبابَةٍ فَأَفاقا / أَم سيمَ صَبراً في الهَوى فَأَطاقا
ما أَتعَبَ اللُوّامَ إن مَلَكَ الهَوى / رِقَّ القُلوبِ وَطَوَّقَ الأَعناقا
حَشَدوا المَلاوِمَ وَاِنبَرى بِلِوائِهِ / يُزجي العُهودَ وَيَحشُدُ الأَشواقا
أَولى الفَوارِس بِاللِواءِ مُجاهِدٌ / يُردي الوُشاةَ وَيَنصُرُ العُشّاقا
عَرَفَ الهَوى حَرباً فَكَرَّ مُغامِراً / فيهِ وَراحَ مُبادِراً سَبّاقا
مَنَعَ الذِمارَ مَنازِلاً وَأَحِبَّةً / وَحَمى الحَقيقَةَ جيرَةً وَرِفاقا
طُف بِالحُماةِ فَهَل تَرى ذا نَجدَةٍ / إِلّا بِحَيثُ تَرى الدَمَ المُهراقا
وَالمَجدُ يَعرِفُهُ بِطيبِ مَذاقِهِ / مَن يَستَطيبُ المَوتَ فيهِ مَذاقا
وَأَرى العُلى تَأبى عَلى خُطّابِها / حَتّى يَكونَ لَه النُفوسُ صَداقا
لَيسَ الَّذي أَخَذَ الحَياةَ بِحَقِّها / مِثلَ الَّذي أَخَذَ الحَياةَ نِفاقا
يُزجي التَصَنُّعَ وَالرِياءَ بِضاعَةً / تُغري التِجارَ وَتَزدَهي الأَسواقا
حَتّى إِذا وَضَحَ اليَقينُ تَسَلَّلوا / عُصَباً تَروعُ العاصِفاتِ إِباقا
إِنَّ الغِوايَةَ لِلرِجالِ تِجارَةً / تَلِدُ البَوارَ وَتورِثُ الإِخفاقا
وَلَقَد رَأَيتُ فَما رَأَيتُ كَمُدَّعٍ / يَرجو بِأَحرارِ الرِجالِ لَحاقا
يَنسى أَباهُ وَلَو يُطاوِعهُ الثَرى / لَسَعى إِلى ساداتِهِ مُشتاقا
يَأتي وَيَذهَبُ في ظِلالِ قُصورِهِم / لا يَشتَكي عَنَتاً وَلا إِرهاقا
لَيسوا كَمَن مَلَكَ النُفوسَ فَسامَها / سوءَ العَذابِ وَغالَها اِستِرقاقا
هَزَّ الجَناحَ يُريدُ دارَةَ قَشعَمٍ / مَلَكَ الجِواءَ وَظَلَّلَ الآفاقا
تَدَعُ النُسورُ لَهُ بَعيدَ مَطارِها / وَتَحيدُ عَن هَبَواتِهِ إِشفاقا
اللَهُ بارَكَ في البُناةِ فَزادَهُم / مَجداً وَزادَ جَلالَهُم إِشراقا
مِن كُلِّ مِقدامٍ يُقيمُ لِجيلِهِ / شَرَفاً يَمُدُّ عَلى النُجومَ رُواقا
وَلَرُبَّ مَغلولِ العَزيمَةِ يَشتَكي / في كُلِّ عِضوٍ رِبقَةً وَوثاقا
لا يَستَطيعُ سِوى المَقالِ وَلا يَرى / أَحَدٌ بِما يَهذي بِهِ مِصداقا
أَسدى وَشَيَّدَ ما اِستَطاعَ وَإِنَّما / أَسدى المِدادَ وَشَيَّدَ الأَوراقا
في كُلِّ حَرفٍ مَسجدٌ أَو مَلجَأٌ / يُعيي الدُهاةَ وَيُعجِزُ الحُذّاقا
لَو شاءَ لِلسَبعِ الطِباقِ زِيادَةً / لَأَقامَ عَشراً فَوقَهُنَّ طِباقا
لَيسَ الأُلى حَمَلوا النُفوسَ كَريمَةً / مِثلَ الأُلى حَمَلوا الوُجوهَ صِفاقا
وُدُّ البِلادِ لِمَن يَقومُ بِحَقِّها / وَلِمَن يُقيمُ لِقَومِهِ الأَخلاقا
صَريعُ هَوىً أَفَقتَ وَما أَفاقا
صَريعُ هَوىً أَفَقتَ وَما أَفاقا / وَنِمتَ وَباتَ يَستَبكي الرِفاقا
أَعَن أَمرِ الوُشاةِ قَتَلتَ نَفساً / تَساقَطُ حَسرَةً وَدَماً مُراقا
أَدِر رَأيَيكَ في نَشَواتِ حُبٍّ / أَدَرتَ بِهِ الأَسى كَأساً دِهاقا
أَتَصحو مِن خُمارِ الحُبِّ دوني / وَأَهذي فيكِ وَجداً وَاِشتِياقا
وَضَعتَ الكَأسَ حينَ رَفَعتُ كَأسي / أَعُبُّ هَوىً كَرِهتُ لَهُ مَذاقا
تَكَلَّفتُ المُحالَ لَعَلَّ قَلبي / يُجاذِبُكَ السُلُوَّ فَما أَطاقا
وَدَعوى الحُبِّ في الأَقوامِ زورٌ / إِذا لَم يَشرَبوا السُمَّ الذُّعاقا
فَلا تَرضَ المَوَدَّةَ مِن أُناسٍ / إِذا كانَت مَوَدَّتُهُم نِفاقا
بَلَوتُ المُدَّعينَ بَلاءَ صِدقٍ / فَلا أَدَباً وَجَدتُ وَلا خَلاقا
دُعاةُ الشَرِّ يَتَّفقونَ فيهِ / وَلا يَرجونَ في الخَيرِ اِتِّفاقا
إِذا كانَ الهَوى دَلَفوا سِراعاً / وَإِن كانَ الهُدى رَكِبوا الإِباقا
كَأَنَّ بهِم غَداةَ يُقالُ سيروا / إِلى العَلياءِ قَيداً أَو وِثاقا
أَسارى في قُيودِ الجَهلِ تَأبى / لَهُم أَخلاقُهُم مِنها اِنطِلاقا
لَبئِسَ القَومُ ما مَنَعوا ذِماراً / وَلا رَفَعوا لِصالِحَةٍ رُواقا
أَلَستَ تَرى مَجالَ الجِدِّ فيهِم / عَلى سَعَةِ الجَوانِبِ كَيفَ ضاقا
أَضاعوا الشَعبَ حينَ تَواكَلوهُ / وَساموهُ التَفَرُّقَ وَالشِقاقا
وَلَو أَنّي وَلَيتُ الأَمرَ فيهِ / جَعَلتُ مَكانَهُ السَبعَ الطِباقا
وَلَكِنّي اِمرُؤٌ لا شَيءَ عِندي / سِوى قَلَمٍ يَذوبُ لَهُ اِحتِراقا
وَما تُغني بَناتُ الشِعرِ شَيئاً / إِذا ما الشَرُّ بِالأَقوامِ حاقا
أَرى فَساداً وَشَرّاً ضاعَ بَينَهُما
أَرى فَساداً وَشَرّاً ضاعَ بَينَهُما / أَمرُ العِبادِ فَلا دينٌ وَلا خُلُقُ
سَيلٌ تَدافَعَ بِالآثامِ زاخِرُهُ / ما قُلتُ أَمسَكَ إِلّا اِنسابَ يَندَفِقُ
نالَ النُفوسَ فَمُبتَلٌّ يُقالُ لَهُ / ناجٍ وَآخَرُ في لُجّاتِهِ غَرِقُ
الدَهرُ مُغتَسِلٌ مِن ذَنبِهِ بِدَمٍ / وَالأَرضُ بِالنارِ ذاتِ الهَولِ تَحتَرِقُ
قَومٌ إِذا ما دَعا داعي الهُدى نَكَصوا / فَإِن أَهابَ بِهِم داعي العَمى اِستَبَقوا
لَم يَبقَ مِن مُحكَمِ التَنزيلِ بَينَهُمو / إِلّا المِدادُ تَراهُ العَينُ وَالوَرَقُ
ضاقَت بِهِم طُرُقُ المَعروفِ وَاِتَّسَعَت / ما بَينَ أَظهُرِهِم لِلمُنكَرِ الطُرُقُ
ضَجَّ الصَباحُ لِما لاقَت طَلائِعُهُ / مِن سوءِ أَعمالِهِم وَاِستَعبَرَ الغَسَقُ
لَم يَفسُقِ القَومُ غالَتهُم خَبائِثُهُم / في الذاهِبينَ مِنَ الأَقوامِ ما فَسَقوا
ماتوا مِنَ الجُبنِ وَاِشتَدَّت إِغارَتُهُم / عَلى الإِلَهِ فَلا جُبنٌ وَلا فَرَقُ
هُم حارَبوهُ وَما خافوا عُقوبَتَهُ / حَتّى رَماهُم فَأَمسى القَومُ قَد صَعِقوا
أَذاقَهُم مَضَضَ البَلوى وَجَرَّعَهُم / مِنَ الهَوانِ ذَنوباً ماؤُهُ دَفِقُ
يا لِلمَغارِمِ تَرمي كُلَّ ذي نَشَبٍ / بِفادِحٍ يَتَلَوّى تَحتَهُ العُنُقُ
وَلِلمُكوسِ تِباعاً لا مَرَدَّ لَها / إِن خابَ مُزدَرعٌ أَو جَفَّ مُرتَزقُ
يَأتي الحَصادُ فَيَمضي الغاصِبونَ بِما / عافَ الجَرادُ وَأَبقى الدودُ وَالعَلَقُ
راحوا بِطاناً وَباتَت مِصرُ طاوِيَةً / غَرثى تُشَدُّ عَلى أَحشائِها النُطُقُ
لَم يَبقَ مِنها وَإِن ظَنّوا الظُنونَ بِها / إِلّا الذَماءُ يُعاني المَوتَ وَالرَمَقُ
عَجِبتُ لِلقوتِ يُعيي القَومَ تَحمِلُهُم / أَرضٌ تَدَفَّقَ فيها النيلُ وَالعَرَقُ
ما يَهدَأونَ وَما يَنفَكُّ كادِحُهُم / مُشَرَّداً في طِلابِ العَيشِ يَنطَلِقُ
فِرعَونُ أَكرَمُ عَهداً في سِياسَتِهِ / مِن مُستَبِدّينَ لَولا الظُلمُ ما خُلِقوا
قالوا غَوَيتُم فَجِئناكُم لِنُرشِدَكُم / ثُمَّ الجَلاءُ فَما بَرّوا وَلا صَدَقوا
صَوتُ الأَباطيلِ في أَفياءِ دَولَتِهِم / عالٍ يَصيحُ وَصَوتُ الحَقِّ مُختَنِقُ
رَثَّ الجَديدانِ وَاِستَرخى لَهُم طِوَلٌ / مِنَ المَظالِمِ لا رَثٌّ وَلا خَلَقُ
ما يَنقَضي نَسَقٌ مِن سوءِ رِعيَتِهِم / إِلّا تَجَدَّدَ فينا بَعدَهُ نَسَقُ
طالَ المُقامُ فَإِن بِتنا عَلى قَلَقٍ / فَالدَهرُ مُضَّطرِبٌ مِن ظُلمِهِم قَلِقُ
ظَنّوا القُلوبَ تُواليهِم وَغَرَّهُمو / رِضى الذَليلِ وَقَولُ الزورِ وَالمَلَقُ
يا لَيتَ شِعري أَجُنُّ القَومُ أَم زَعَموا / أَنَّ المَوَدَّةَ مِن أَسمائِها الحَنَقُ
ما كُنتُ أَخشى لِأَهلِ الظُلمِ غائِلَةً / لَوِ اِتَّفَقنا وَلَكِن كَيفَ نَتَّفِقُ
مَتى أَرى الأَمرَ بَعدَ الصَدعِ مُلتَئِماً / وَالقَومَ لا شِيَعٌ شَتّى وَلا فِرَقُ
وَيحَ الكنانَةِ أَمسَت مِن تَفَرُّقِهِم / حَيرى الرَجاءِ فَما تَدري بِمَن تَثِقُ
كُلٌّ لَهُ مَذهَبٌ يَرجو الفَلاحَ بِهِ / وَالحَقُّ يَعرِفُهُ ذو الفِطنَةِ اللَبِقُ
سَيَعلَمُ القَومُ عُقبى الخائِنينَ وَما / جَنى الغُرورُ وَجَرَّ الجَهلُ وَالخَرَقُ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ
صَبوحُ دَمٍ يُساجِلُهُ غَبوقُ / وَلَيلُ رَدىً يُواصِلُهُ شُروقُ
لَقَد طالَت مُعاقَرَةُ المَنايا / فَما تَصحو السُيوفُ وَما تَفيقُ
إِذا وَصَفوا حُمَيّاها لِقَومٍ / تَخاذَلَتِ المَفاصِلُ وَالعُروقُ
وَما تَدري السُقاةُ بِأَيِّ كَأسٍ / تَطوفُ وَأَيَّ ذي طَرَبٍ تَشوقُ
تَرى شُرّابَها صَرعى إِذا ما / تَحَسَّتها الحَلاقِمُ وَالحُلوقُ
كَأَنَّ الأَرضَ والِهَةً تَوالَت / فَجائِعُها وَأَعوَزَها الشَفيقُ
تَتابَعَ ما يَحِلُّ بِساكِنيها / مِنَ النُوَبِ الثِقالِ وَما يَحيقُ
كَأَنَّ جَميعَ أَهليها تِجارٌ / وَكُلَّ بِلادِها لِلمَوتِ سوقُ
لَقَد هَدَّ المَمالِكَ ما تُعاني / مِنَ القَدرِ المُتاحِ وَما تَذوقُ
حُروبٌ يَستَغيثُ البَغيُ مِنها / وَيَنبو الإِثمُ عَنها وَالفُسوقُ
تُداسُ بِها الشَرائِعُ وَالوَصايا / وَتُنتَهَكُ المَحارِمُ وَالحُقوقُ
تَفَنَّنَ في المَهالِكِ موقِدوها / وَبَعضُ تَفَنُّنِ الحُذّاقِ موقُ
تَرَدَّى البِرُّ وَالإيمانُ فيها / وَضَجَّ الكُفرُ مِنها وَالعُقوقُ
فَما يَرضى إِلَهُ الناسِ عَنها / وَلا يَرضى يَغوثُ وَلا يَعوقُ
إِذا اِبتَدَرَت أَجادِلُها مَطاراً / أَسَفَّ النَسرُ وَاِنحَطَّ الأَنوقُ
إِذا دانَت مَكانَ النَجمِ هاجَت / وَساوِسُهُ وَلَجَّ بِهِ الخُفوقُ
تَبيتُ لَهُ الفَراقِدُ جازِعاتٍ / إِذا هَتَكَ الظَلامُ لَها بَريقُ
يَهيجُ خِبالَها تَأويبُ طَيفٍ / يُخالُ لَهُ لِمامٌ أَو طُروقُ
إِذا اِبتَدَرَ السُرى مِنها فَريقٌ / تَعَثَّرَ في مَساريهِ فَريقُ
غَمائِمُ لُحنَ مِن بيضٍ وَسودٍ / تُريقُ مِنَ المَنايا ما تُريقُ
تَصُبُّ المَوتَ أَحمَرَ لا قَضاءٌ / يُدافِعُهُ وَلا قَدَرٌ يَعوقُ
سِهامُ وَغىً تُسَدِّدُها عُقولٌ / لَها في كُلِّ غامِضَةٍ مُروقُ
تُباري الجِنَّ في الإِبداعِ آناً / تُحاكيها وَآوِنَةً تَفوقُ
إِذا الأَسبابُ كانَت واهِياتٍ / دَعَت فَأَجابَها السَبَبُ الوَثيقُ
جَرَت طَلقاً فَجاءَت سابِقاتٍ / وَجاءَ وَراءَها الأَمَدُ السَحيقُ
وَأُخرى تَنفُثُ الأَهوالَ يَجري / بِمَقذوفاتِها القَدَرُ الطَليقُ
تَرُدُّ حَقائِقَ الزلزالِ وَهماً / وَتُبطِلُ ما اِدَّعاهُ المَنجَنيقُ
لَقَد حَمَلَ الرَدى المُجتاحُ مِنها / وَمِن أَهوالِها ما لا يُطيقُ
إِذا قَذَفَت فَمِلءُ الجَوِّ رُعبٌ / وَمِلءُ الأَرضِ مَوتٌ أَو حَريقُ
تُتابِعُ لُجَّتَينِ دَماً وَناراً / سَلامُ الناسِ بَينَهُما غَريقُ
يَهُمُّ إِلَيهِ وَيلُسُنُ حينَ يُدعى / وَقَد سُدَّ الطَريقُ فَلا طَريقُ
حَماهُ مِنَ القَياصِرِ كُلُّ غازٍ / يَسوقُ مِنَ الفَيالِقِ ما يَسوقُ
يُعَبِّئُها وَيُنفِذُها سِراعاً / تُراعُ لَها العَواصِفُ وَالبُروقُ
إِذا ضاقَت فِجاجُ الأرضِ عَنها / سَمَت في الجَوِّ فَاِنفَرَجَ المَضيقُ
وَفي الدَأماءِ داءٌ مُستَكِنٌّ / وَجُرحٌ في جَوانِحِها عَميقُ
إذا الأُسطولُ أَحدَثَ فيهِ رَتقاً / تَوالَت في جَوانِبِهِ الفُتوقُ
تَطيرُ مَدائِنُ النيرانِ مِنهُ / وَتَهوي الفُلكُ فيهِ وَالوُسوقُ
يَخيبُ الحُوَّلُ المَرجُوُّ فيهِ / وَيَهلَكُ عِندَهُ الآسي اللَبيقُ
أَصابَ بِشَرِّهِ الدُنيا جَميعاً / فَما تَصفو الحَياةُ وَما تَروقُ
تَفاقَمَتِ الخُطوبُ فَلا رَجاءٌ / وَأَخلَفِتِ الظُنونُ فَلا وُثوقُ
تُطالِعُنا السُنون مُرَوِّعاتٍ / وَنَحنُ إِلى أَهِلَّتِها نَتوقُ
يَمُرُّ العَهدُ بَعدَ العَهدِ شَرّاً / فَأَينَ الخَيرُ وَالعَهدُ الأَنيَقُ
نَوائِبُ رُوِّعَ التَنزيلُ مِنها / وَضَجَّ القَبرُ وَالبَيتُ العَتيقُ
أَيُقدَرُ لِلمَمالِكِ ما تَمَنّى / وَقَد عَلِقَت بَني الدُنيا عَلوقُ
أَمَضَّ قُلوبَنا داءٌ دَخيلٌ / وَهُمٌّ في جَوانِحِنا لَصيقُ
وَبَرَّحَ بِالتَرائِبِ مُستَطيرٌ / يُعاوِدُهُ التَمَيُّزُ وَالشَهيقُ
وَجَفَ الريقُ حَتّى وَدَّ قَومٌ / لَوَ اَنَّ السُمَّ في اللَهَواتِ ريقُ
بِنا مِن ضارِبِ الحِدثانِ ما لا / يَطيقُ مَضاءَهُ العَضبُ الذَليقُ
كَأَنَّ جِراحَهُ في كُلِّ قَلبٍ / شِفاهٌ لِلمَنِيَّةِ أَو شُدوقُ
رُوَيدَ البومِ وَالغِربانِ فينا / أَما يَفنى النَعيبُ وَلا النَعيقُ
أَكُلُّ غَدِيَّةٍ بِالسوءِ داعٍ / وَكُلُّ عَشِيَّةٍ لِلشَرِّ بوقُ
وَدَدنا لِلنَواعِبِ لَو عَمينا / وَسُدَّت مِن مَسامِعِنا الخُروقُ
يُكَذِّبُ ما نَخافُ مِنَ البَلايا / رَجاءُ اللَهِ وَالأَمَلُ الصَدوقُ
وَيَعلو الحَقُّ بَينَ مُهَوِّلاتٍ / مِنَ الأَنباءِ باطِلُها زَهوقُ
أَقولُ لِجازِعِ الأَقوامِ صَبراً / فَإِنَّ الصَبرَ بِالعاني خَليقُ
إِذا فَدَحَت خُطوبُ الدَهرِ يَوماً / فَنِعمَ العَونُ فيها وَالرَفيقُ
رُوَيدَكَ إِنَّ رَيبَ الدَهرِ حَتمٌ / وَإِنَّ الشَرَّ في الدُنيا عَريقُ
لَعَلَّ اللَهَ يُدرِكُنا بِغَوثٍ / يُبَدِّلُ ما يَروعُ بِما يَروقُ
لَهُ الآلاءُ سابِغَةً وَمِنهُ / خَفِيُّ اللُطفِ وَالصُنعُ الرَقيقُ
يُريدُ فَتَرعَوي النَكَباتُ عَنّا / وَتَزدَجِرُ الخُطوبُ وَتَستَفيقُ
نُؤَمِّلُ ما يَليقُ بِهِ وَنَشكو / إِلَيهِ مِنَ الأَذى ما لا يَليقُ
يا أَيُّها القَومُ ماذا في حَقائِبِكُم
يا أَيُّها القَومُ ماذا في حَقائِبِكُم / إِنّي أَرى الشَعبَ قَد أَودى بِهِ القَلَقُ
جِئتُم إِلَينا فَباتَت مِصرُ راجِفَةً / مِمّا حَمَلتُم وَكانَ النيلُ يَحتَرِقُ
أَيَعلَمُ القَومُ أَنّا لا حُلومَ لَنا / أَم يَجهَلُ الوَفدُ أَنّا لَيسَ نَتَّفِقُ
لَقَد أَقاموا طَويلاً بَينَ أَظهُرِنا / فَما وَثِقنا بِهِ يَوماً وَلا وَثِقوا
شَدّوا العِصابَ وَرَدّوا رَأيَ ساسَتِهِم / إِنَّ السِياسَةَ مِنها الجَهلُ وَالخَرَقُ
لا يَعبَثِ اليَومَ بِاِستِقلالِكُم أَحَدٌ / وَلا يَغُرَّكُمُ التَضليلُ وَالمَلَقُ
ضُمّوا القُوى حَولَهُ لا تَذهَبوا شِيَعاً / فَما لَكُم بَعدَهُ في العَيشِ مُرتَفَقُ
أَما تَمُضُّكُمُ الأَحكامُ جائِرَةً / وَلا تَعَضُّكُمُ الأَغلالُ وَالرَبَقُ
ماذا جَنى الوَفدُ إِلّا ما يُقالُ لَكُم / اللَهُ أَكبَرُ جَدَّ الأَمرُ فَاِستَبِقوا
الدَهرُ يَنظُرُ وَالأَجيالُ شاهِدَةٌ / وَالحُكمُ لِلَهِ لا خَوفٌ وَلا فَرَقُ
لا تَظلِموا مِصرَ إِنَّ البِرَّ آيَتُهُ / أَلّا يُرَوِّعُها ظُلمٌ وَلا رَهَقُ
هَل عَقَّ مَنبِتَهُ أَو خانَ أُمَّتَهُ / إِلّا اِمرُؤٌ مالَهُ دينٌ وَلا خُلُقُ
اِستَعبَدَ المالُ قَوماً لَو يُقالُ لَهُم / خوضوا إِلَيهِ عَذابَ اللَهِ لَاِنطَلَقوا
هُمُ الأَئِمَّةُ مِن زُهدٍ وَمَن وَرَعٍ / لَو كانَ يَنخَدِعُ العَرّافَةُ اللَبِقُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَن يَقضي القَضاءُ لَنا / يَوماً فَتَختَلِفُ الأَهواءُ وَالطُرُقُ
طالَ اللَجاجُ وَأَمسى الناسُ قَد تَبِعوا / سُبلَ الخِلافِ فَمُنشَقٌّ وَمُفتَرِقُ
لا يَدَّعِ القَومُ أَنّا أُمَّةٌ هَمَلٌ / فَلا وَرَبِّكَ ما بَرّوا وَلا صَدَقوا
سَيَتبَعُ الجِدَّ مَن لا يَستَفيدُ لَهُ / وَيَعرِفُ الحَقَّ مَن يَهذي وَيَختَلِقُ
صَبراً عَلى قَومِنا حَتّى يَثوبَ لَهُم / مِن عازِبِ الحِلمِ ما أَلوى بِهِ النَزَقُ
أَرى العَدلَ دعوى يُعجِبُ الناسَ حُسنُها
أَرى العَدلَ دعوى يُعجِبُ الناسَ حُسنُها / وَيَخدَعُهُم عَنها الحَديثُ المُلَفَّقُ
أَكاذيبُ يُزجيها الفَتى وَهوَ عالِمٌ / إِذا ما اِدَّعاها أَنَّهُ لَيسَ يَصدُقُ
فَشا الظُلمُ بَينَ الناسِ وَاِعتَزَّ أَهلُهُ / وَباتَ ضَعيفُ القَومِ يُؤذَى وَيُرهَقُ
خَلِيّاً مِنَ الأَعوانِ يُغصَبُ حَقُّهُ / فَيُغضي وَيُرمى بِالهَوانِ فَيُطرِقُ
إِذا اِستَصرَخَ الأَقوامَ يَرجو غِياثَهُم / رَأى جَمعَهُم مِن حَولِهِ يَتَفَرَّقُ
رَأَيتُ مُلوكَ الناسِ لا يُنصِفونَهُم / وَخَيرُ المُلوكِ المُنصِفُ المُتَرَفِّقُ
يُقيمونَ صَرحَ الظُلمِ في كُلِّ أُمَّةٍ / إِذا مَلَكوا وَالعَدلُ بِالمُلكِ أَخلَقُ
ثَوى العَدلُ في الفاروقِ وَاِنجابَ ظِلُّهُ / غَداةَ اِنطَوَت أَعلامُهُ وَهيَ تَخفَقُ
إِمامٌ أَظَلَّ الأَرضَ وارِفُ عَدلِهِ / وَجَلَّلَها مِنهُ جَمالٌ وَرَونَقُ
هَداهُ إِلى المَعروفِ دينٌ يُضيئُهُ / مِنَ الذِكرِ ذي الآياتِ أَبلَجُ مُشرِقُ
وَنَفسٌ لَها في كُلِّ عَلياءَ مَوقِفٌ / تَزِلُّ النُفوسُ الشُمُّ عَنهُ وَتَزلَقُ
دَعاها إِلى ما يُكسِبُ المَجدَ وَالعُلا / وَرِضوانَ رَبِّ الناسِ داعٍ مُوَفَّقُ
بَنى قُبَّةَ الإِسلامِ بِالعَدلِ عالِياً / وَبِالبَأسِ جَمّاً حَولَها يَتَحَرَّقُ
فَهَذا لَها سورٌ يَروعُ مُنيفُهُ / وَهَذا لَها حِصنٌ مَنيعٌ وَخَندَقُ
إِذا رامَهُ الأَعداءُ أَخزى لِواءَهُم / لِواءٌ يُحَيّيهِ مِنَ النَصرِ فَيلَقُ
لَهُم حَولَ جُندِ اللَهِ في كُلِّ مَأزِقٍ / فُلولُ السَرايا وَاللِواءُ المُمَزَّقُ
فَما زالَ حَتّى دانَ لِلَهِ مَغرَبٌ / وَما زالَ حَتّى دانَ لِلَهِ مَشرِقُ
ثَوَت أُمَمُ الإِسلامِ مِن بَعدِما مَضى / تُراعُ بِأَهوالِ الخُطوبِ وَتُصعَقُ
تَفانَت مَواليها وَطاحَ حُماتُها / كَما طاحَ مُرفَضُّ الحَصى يَتَفَلَّقُ
تَحَكَّمَ فيها القاسِطونَ فَأَصبَحَت / تُقادُ بِأَسبابِ الهَوانِ وَتُوثَقُ
عَسى العِزُّ أَن يَعتادَها وَلَعَلَّها / تُفَكُّ مِنَ الأَغلالِ يَوماً وَتُطلَقُ
فَتَستَنُّ مِن سُبلِ المَفاخِرِ ما عَفا / وَتُدرِكُ ديناً ضاقَ مِنهُ المُخَنَّقُ
فَلا القَلبُ في آثارِهِ يَصطَلي الجَوى / وَلا الدَمعُ في أَطلالِهِ يَتَرَقرَقُ
أَلا إِنَّهُ المَعروفُ وَالخَيرُ كُلُّهُ / أَخافُ عَلَيهِ أَن يَضيعَ وَأُشفِقُ
أعِدِ البناءَ وجدّدِ الميثاقا
أعِدِ البناءَ وجدّدِ الميثاقا / وخُذِ السّبيلَ مُبادِراً سبّاقا
جَدَّ النّضالُ ومن ورائك فتيةٌ / تَهبُ النُّفوسَ وتَبذلُ الأعلاقا
عَقدتْ بآياتِ الكتابِ عُهودَها / فاعقدْ عليها من سَناهُ نطاقا
إن كنتَ يوماً بانياً ومُجنِّداً / فَابْنِ العُقول وجنِّدِ الأخلاقا
أوَ ليس منكم من رَمَى بعهودكم / ومضَى يُريد بآخرين لِحاقا
يجدُ القيامَ على الحقوقِ مجانةً / ويرى الوفاءَ خديعةً ونفاقا
مَذِلُ المذاهبِ في الرجالِ مَلولُها / ما سِيمَ خُطّةَ ماجدٍ فأطاقا
إن كنتَ تبغي العِلمَ عند ثِقاتِهِ / فَسَلِ التِّجارَ وحدّثِ الأسواقا
جَمحَ الهَوى بمساومينَ أذلَّةٍ / ركبوا البَوارَ وبايعوا الإخفاقا
أجعلتموهم للحفاظِ جُنودَكم / وزعمتموهم إخوةً ورفاقا
لمّا أهابت مصرُ تسألُ مَن لها / كانوا عُقوقاً كلُّهم وإباقا
لولا دفاعُ أوليِ الحميَّةِ أعولت / جَزَعاً وضَجَّ حُماتُها إشفاقا
الحقُّ أضيعُ ما يكون إذا الهوى / ملكَ النُّفوسَ وصرَّفَ الأعناقا
والخَلقُ ليس يَهابُهم في حرمةٍ / من لا يهابُ الواحدَ الخلّاقا
إن كنتَ مُتَّخِذاً لنفسك عُدّةً / فَادْعُ الهُداةَ وشاورِ الحُذّاقا
ودَعِ المضلّلَ والمُخاتِلَ إنّنا / ضِقنا بتضليل الدعاةِ خِناقا
لولا المروءةُ وَهْيَ من أخلاقِنا / مَلأَ العِدَى بحديثنا الآفاقا
أنت الرّئيسُ هَداكَ ربُّكَ خُطّةً / بيضاءَ زِدتَ ضِياءَها إشراقا
لمّا طلعتَ ومصرُ حائرةُ الخُطى / جَعلَ الهُدى قَدَماً لمصرَ وساقا
سِرْ باللّواءِ يَدَعْ لجندِكَ شِلْوَهُ / مَنْ ظَنَّ أنّ مجالَها قد ضاقا
أرأيتَ إذ يَصفُ الحياةَ لقومِه / مَن ليس يَعرفُ للحياةِ مذاقا
أرأيتَ إذ يسقيِ الأساةُ بلادهم / كأساً من الموتِ الزُّؤام دِهاقا
أرأيت ما صَنَعَ الدُّهاةُ بأمَّةٍ / صاغوا لها الأغلالَ والأطواقا
هَشَّتْ إلى النَّعشِ المُقامِ حِيالَها / لمّا رأتْهُ مُزَخْرَفاً بَرّاقا
هُزّ اللواءَ فما لقومِكَ نُصرةٌ / حتّى تَهُزَّ لِواءَكَ الخفّاقا
اصدَعْ قُيودَ بني الكنانةِ إنّها / لا تبتغي أسراً ولا استرقاقا
جَدِّدوا الذّكرى لأهلِ المشرقِ
جَدِّدوا الذّكرى لأهلِ المشرقِ / وصِفوا المجدَ لشعبٍ شيِّقِِ
يَعشَقُ المجدَ فإنْ لجّتْ بهِ / لَوْعةُ الوَجدِ تَنحَّى يتَّقي
عَلِّموهُ كيف يقضِي حَقَّهُ / نابِهَ الموقفِ حُرَّ المَصدقِ
وأَرُوهُ السُّبْلَ ناراً ودماً / مَن يَهَبْ فيها المنايا يُصعَقِ
مزِّقوا الأوهامَ عنه إنّه / لَيظُنُّ السُّبْلَ من إسْتَبرقِ
لا وربّي ما لشعبٍ رازحٍ / من سبيلٍ في الشُّعوبِ السُّبَّقِ
تلك أشلاءُ الضحايا عندها / أصدقُ الأنباءِ للمُستوثقِ
في سبيلِ السُّؤدُدِ الصّافي دَمٌ / لا يُصافي الدّمُ إن لم يُهرَقِ
هو في الإشراقِ كالنُّور الذي / سالَ في بدرٍ ويومَ الخندقِ
وهو في الطِّيبِ وفي الطُّهر معاً / عَبَقُ الفِردوسِ للمُستنِشقِ
يا شهيدَ النّيلِ لو ناجيتَهُ / لَشفاهُ منكَ عَذْبُ المنطقِ
شَاقهُ الصَّوتُ البعيدُ المُرتَمى / والمقامُ الكِسْرَويُّ الرَّونَقِ
وشَجاهُ أن يرى صَمْصَامهُ / غيرَ وضّاحِ السَّنا في المأزِق
جاشَتِ الأحداثُ تَسْتَقْصِي المدى / وَارتْمَتْ من كلِّ صَوْبٍ تلتقي
فاقشعرَّتْ مِصرُ من أهوالِها / وتمنَّتْ أنّها لم تُخْلقِ
وأرى الشَّعبَ على أُرجوحةٍ / تارةً تهوِي وأخرى ترتقي
سائلِ الأحزابَ ماذا عندها / غير تَرجافٍ وهمٍّ مقلقِ
وتأمّلْ هل ترى اليومَ سِوَى / دَولةٍ فوضى وحُكمٍ أخرقِ
فات نِيرُونَ رجالٌ رُزِقوا / من فنون الظُّلمِ ما لم يُرزقِ
لو جرى فرعونُ أو هامانُه / يتعاطى شأوَهم لم يَلْحَقِ
سجنوا الدُّستورَ طفلاً ناعماً / واستبدّوا بالسّجين الموثَقِ
لا جرى النّيلُ على الوادي ولا / بُوركَ الشَّعبُ إذا لم يُطلقِ
تلك ذكرى النيلِ للنّفسِ التي / عَكَفَ النّيلُ عليها يستقي
وهي عَيْنٌ من حَياةٍ عَذبةٍ / في يَفاعِ من سناءٍ مُشرقِ
لا يذوقُ الموتَ من يطعَمُها / فَاصْبَحِ القومَ بها ثمَّ اغْبِقِ
واعْرِفِ الخُلدَ فإن أدركته / فابتهِجْ منهُ بِمُلكٍ مُونِقِ
والْبَسِ التَّاجَ رفيعاً يزدهي / من ذوي التِّيجانِ أعلى مَفْرقِ
إن تَحرَّيْتَ اللُّبابَ المُنتقَى / فاجعلِ الأخلاقَ ممّا تنتقي
هي تيجانُ القويِّ المُزْدَهِي / وَهْيَ أكفانُ الضّعيفِ المُرهَقِ
فَزِعَتْ مِصرُ إلى أبطالها / فالبَسِ النَّقْعَ وسرْ في الفيلقِ
سائلِ القومَ أما من غضبةٍ / لِذمامٍ صادقٍ أو مَوْثِقِ
لا أرى النّجدةَ إلا في الأُلى / هُمْ أولو العهدِ الأبرِّ الأَصدقِ
ننصُرُ اللهَ ونحمِي أُمّةً / نحن منها في الصَّميمِ المُعرقِ
هِمَّةُ المِقدَامِ مِن آلائها / وبَيانُ العبقريِّ المُفلِقِ
يا مالِكاً عَنَتِ الوجوهُ لِعزّهِ
يا مالِكاً عَنَتِ الوجوهُ لِعزّهِ / وتَواضعتْ لجِلالهِ الأَعناقُ
تأتي فتعثرُ بالطُّبولِ وربّما / عثرت بها وبركبكَ الأبواقُ
وإذا رَحلتَ لآخرين مَطيّةً / فَرِحالُها الأسماعُ والأحداقُ
أَوَ كلّما ذَهبتْ رِكابُكَ أو أَتتْ / رَجفَ الزّمانُ وضجّتِ الآفاقُ
هَفتِ الجُموعُ ولو أَذِنْتَ لِغيرِها / طارت إليك الدُّورُ والأسواقُ
تلك الحفاوةُ لو أفادَ تصنُّعٌ / وأعزَّ شأنَ الحاكمين نِفاقُ
لو كنتَ في غيرِ الكنانةِ ما احْتَفتْ / إلا بكَ الأغلالُ والأطواقُ
لَكَ من مَساوِي الحُكم كلُّ كبيرةٍ / رِيعَتْ لها الأقلامُ والأوراقُ
الظُّلمُ دِينٌ والتعسُّفُ شِرعةٌ / والغَدْرُ عَهدٌ والهَوى ميثاقُ
يُدْلي إليك المجرمون بِمالِهِم / والله ينظرُ والدّمُ المُهراقُ
مُثْرٍ يَدوسُ على الرُّؤوسِ ومُعدَمٌ / يُودِي بِثابتِ حقِّهِ الإملاقُ
يَدعوكَ ذُو الرّكنِ الضَّعيفِ لنصرهِ / فتنوءُ آونةً وتهوِي السّاقُ
وإذا الوُلاةُ إلى الولائِم أَمْعَنوا / رَكضاً فأنت الأَبلجُ السبَّاقُ
أنت العليمُ فَصِفْ لنا حُكمَ الهَوى / وتَوجُّعَ الوِجدانِ كيفَ يُطاقُ
خَصمان يَعصفُ بالمضاجعِ منكما / تحت الظّلامِ تَغضُّبٌ وشِقاقُ
سكنت قُلوبُ الصّالحين وما ارْعَوى / فوق الحَشِيَّةِ قلبُكَ الخفّاقُ
يَنْفِي دبيبَ النومِ حين تَحسُّهُ / همٌّ يثورُ ولوعةٌ تنساقُ
قد كان ذلك ثمّ ثابَ إليكما / بعد الخصام تآلفٌ ووِفاقُ
وإذا تتابعتِ الذُّنوبُ على امرءٍ / سكنت إليها النّفسُ والأخلاقُ
شرُّ الشُّعوبِ من الحياةِ مكانةً / شعبٌ بأيدي الجاهلين يُساقُ
الحكمُ عند المصلحين كفايةٌ / والعُرْفُ عند ذوي النُّهَى استحقاقُ
وأرى النّفاقَ من الشُّعوبِ سجيّةً / يعيا بِمُعضلِ دائها الحُذّاقُ
جُنَّ المُنافِقُ بالحياةِ وما درى / أنّ الحياةَ يُفِيضُها الخلّاقُ
مَلكَ الخلائقَ أجمعين وقُدِّرتْ / بِيَمينهِ الأقسامُ والأرزاقُ
وأفاضَ من عدلٍ ومن حُرِّيَّةٍ / فيهم فلا ظُلمٌ ولا اسْتِرقاقُ
لا تسبقِِ النّفسُ الأبيَّةُ حِينَها / يوماً ولا يعتاقها الإشفاقُ
تبدو القيودُ فتقشعرُّ جُلودُنا / والجهلُ قيدٌ مُحكَمٌ ووثاقُ
مِنْ هَيْبَةٍ يُغضي القريضُ ويُطرِقُ
مِنْ هَيْبَةٍ يُغضي القريضُ ويُطرِقُ / وَيميلُ فيكَ إلى السُّكوتِ المنطقُ
إئذنْ يَفِضْ هذا البيانُ فإنّه / ممّا يُفيضُ بَيانُكَ المُتَدَفِّقُ
ما في النّوابِغِ من لبيبٍ حاذقٍ / إلا وأنتَ ألبُّ منه وأحذقُ
إن يَلْبسِ الشعرُ الجمالَ مُنوَّراً / عَبِقاً فَأنتَ جَمالُهُ والرّونقُ
والقولُ مُستلَبُ المحاسنِ عاطلٌ / حتّى يقولَ العبقريُّ المُفلِقُ
رُضْتَ الأوابدَ لي أقودُ صِعابَها / ورضيتني إنّي إذن لَمُوَفَّقُ
هي مِدحتي انطلقتْ إليك مَشُوقةً / والسُّبلُ تَسطعُ والمنازلُ تَعبَقُ
أنت المجالُ الرَّحبُ تُعتصَرُ القُوَى / فيه وتُمتَحَنُ العِتاقُ السُّبَّقُ
حسّانُ مُنبَهِرٌ وكعبٌ عاجزٌ / والشّاعر الجعديُّ عانٍ مُوثَقُ
أطمعتَهم فتنازعوا فيك المدى / وأبَيْتَ فانقلبوا وكلٌّ مُخفِقُ
لي عُذرُهم ما أنتَ من عِدَةِ المُنَى / إلا وراءَ مخيلةٍ ما تَصدُقُ
أنتَ احتملتَ الأمرَ تَنصدِعُ القُوى / ممّا يَشُقُّ على النُّفوسِ وتَصعَقُ
وسننتَ للمُتعسِّفينَ سبيلَهم / مُتبلِّجاً سمحاً يُضِيءُ ويُشرِقُ
يمشي الهُدَى فيه على يَدِكَ التي / هِيَ للهُدَى عَضُدٌ أبرُّ ومِرفقُ
ذُعِرَتْ قُريشٌ هل يُبَدِّلُ دينَها / رَجلٌ ضَعيفٌ في العشيرةِ مُملِقُ
لا المالُ يَنصرُه ولا هُوَ إنْ دعا / خَفَقَ اللِّواءُ له وخَفَّ الفيلقُ
ينهَى عن الأصنامِ وَهْي بموضعٍ / تُمْحَى حَوالَيْهِ النُّفوسُ وتُمحَقُ
المالُ والعِرضُ المُمنَّع سُورُه / والمجدُ والشَّرف الصَّميمُ المُعرِقُ
مِنْ وَصْفِه الأُسْدُ الضَّوارِي تَدَّعي / والخيلُ تَصْهَلُ والقواضِبُ تَبْرُقُ
الحقُّ أقبلَ في لواءِ إمامهِ / والحقُّ أوْلىَ أن يسودَ وأَخْلَقُ
يرمِي به سُودَ الغياهبِ ساطعاً / تَنْجَابُ حول سَناهُ أو تَتشقَّقُ
حَارَ الظّلامُ فما يلوذُ بجانبٍ / إلا يُحِيطُ به الضّياءُ ويُحدِقُ
الوحيُ مُطَّرِدٌ وبأسُ مُحمَّدٍ / جارٍ إلى غاياتهِ لا يُلحَقُ
لا الضّعفُ يأخذُ مِنْ قُواه ولا الوَنَى / بِأولئكَ الهِمَمِ الدَّوائبِ يَعْلَقُ
بَغْيُ الأُلىَ خَذَلُوه مِن أنصارِه / والبَغيُ نَصرٌ للهُداةِ مُحقَّقُ
زَعَموا الأذَى مّما يَفُلُّ مَضاءَه / فمضى البلاءُ بهِ وجَدَّ المَصْدَقُ
يأوِي إلى النَّفَرِ الضّعافِ وإنّه / لأشدُّ منهم في النِّضالِ وأوثقُ
هُمْ في حِمَى الوَحْيِ المُنزَّلِ صخرةٌ / تُعيي الدُّهاةَ وجذوةٌ تتحرَّقُ
وَهَبوا لربِّهمُ النُّفوسَ كريمةً / لا تُفتدَى منه ولا هي تُعتَقُ
المؤمنون الثّابتون على الهُدَى / والأرضُ ترجُفُ والشّوامخُ تَخفِقُ
رُزِقُوا اليقينَ فلا ذليلٌ ضارعٌ / يَطوِي الجناحَ ولا جَبانٌ مُشفِقُ
جُندُ النبيِّ إذا تقدَّمَ أقبلوا / والموتُ يَفزَعُ والمصارعُ تَفْرُقُ
صدعوا بِناءَ الشركِ تحت لوائهِ / فَهَوى وطار لِواؤُه يتمزَّقُ
إنّ الذي جَعلَ الرّسالةَ رحمةً / لم يَرْحَمِ الدَّمَ في الغَواية يُهرَقُ
بعث الرَّسُولَ مُعَلِّماً ومُهذِّباً / يبنِي الحياةَ جَديدةً يتأنَّقُ
يَتَخيّرُ الأخلاقَ يَنظمُ حُسْنَها / في كلِّ رُكنٍ قائمٍ ويُنَسِّقُ
عَفَتِ الرُّسومُ وأخلَقتْ فأقامها / شمّاءَ لا تعفو ولا هيَ تَخْلُقُ
قُدسِيَّةَ الأرجاءِ ما بِرحابِها / عَنَتٌ ولا فيها مكانٌ ضَيِّقُ
تَسَعُ الممالِكَ والشُّعوبَ بأسرها / وتفيضُ خيراً ما بَقِينَ وما بَقُوا
عَرفتْ لحاجاتِ العُصورِ مَكانَها / فَلِكُلِّ عَصرٍ سُؤلُه والمَرْفِقُ
مَنَعتْ مَغالِقُها الشرُّورَ وما بها / للخيرِ والمعروفِ بابٌ مُغلَقُ
فيها لِدُنيا العالمين مَثابةٌ / لولا التَّباعدُ والهوى المُتفرِّقُ
المُصلِحُ الأعلى أتمَّ نِظامَها / فانْظُرْ أَينقُضُهُ الغبيُّ الأَخرقُ
أَوْفىَ على الدُّنيا وملءُ فِجاجِها / بَغيٌ يُزلزِلُها وظُلمٌ مُوبِقُ
والنّاسُ فوضَى في البلادِ يغرُّهم / دِينٌ من الخَبلِ المُضِلِّ مُلفَّقُ
النّفسُ مُغلقَةٌ على أوهامِها / والعقلُ مُضطَهدٌ يُضامُ ويُرهقُ
سَجَدوا لما صَنعوا فأين حُلومُهم / ولِمَنْ جِباهٌ بالمهانةِ تُلصَقُ
أهيَ التي رَفعوا وظنّوا أنّهم / قومٌ لهم فوق السِّماكِ مُحلَّقُ
مَن يَدَّعِي شرفَ الحياةِ لمعشرٍ / كَفَروا بمن يَهبُ الحياةَ ويَخلُقُ
إن تَنْبُ مكّةُ بالرسول فما نبا / عَزْمٌ تُهَدُّ به الصِّعابُ وتُسحَقُ
كذبَ الطُّغاةُ أَيُرجفون بقتلهِ / والوَحْيُ سُورٌ والملائكُ خَنْدقُ
وَرَدَ المدينةَ زاخراً فجرى بها / آذِيُّةُ وطما العُبابُ المُغْرِقُ
بَطلٌ تَوسّعَ في ميادينِ الوغَى / لمّا تضايقَ عن مَداهُ المأزِقُ
ساسَ الحوادثَ والنُّفوسَ فتارةً / يَقِصُ الرقابَ وتارةً يترفَّقُ
يدعو إلى الحُسنَى فإن جَمَع الهوَى / فالسّيفُ مَسنونُ الغِرارِ مُذَلَّقُ
يَرمِي العوانَ بكلِّ أغلبَ باسلٍ / يهفو إلى غَمَراتِها يَتشوَّقُ
لمسَ العُروشَ فما يزال يَهزُّها / ذُعرٌ يطوفُ بها وهَمٌّ مُقلِقُ
صَدعتْ قُوى الإسلامِ شامخَ عِزِّها / فإذا المُلوكُ أذلّةٌ تَتملَّقُ
وإذا الممالكُ ما يُهلِّلُ مَغرِبٌ / إلا استجاب له وكبَّر مَشرِقُ
هذا تُراثُ المسلمينَ فبعضُه / يُزجَى علانيةً وبعضٌ يُسرَقُ
عَجزَ الحماةُ فنائمٌ مُتقلِّبٌ / فوق الحشيّةِ أو مَغيظٌ مُحنَقُ
القومُ صُمٌّ في السّلاحِ وَقومُنا / مُستصرخٌ يَعوِي وآخرُ ينعقُ
إن كنتَ ذا حقٍّ فَخُذْهُ بِقوَّةٍ / الحقُّ يخذلُهُ الضَّعيفُ فَيزهَقُ
لغةُ السُّيوفِ تَحُلُّ كلَّ قضيّةٍ / فَدَعِ الكلامَ لجاهلٍ يتشدَّقُ
وكُنِ اللّبيبَ فليس من كَلِماتِها / شَرْعٌ يُداسُ ولا نِظامٌ يُخْرَقُ
الخيلُ والرَّهَجُ المُثارُ حُروفُها / والنّارُ والدّمُ والبلاءُ المُطبِقُ
فَتّشتُ ما بين السُّطورِ فلم أَجِدْ / أنّ الأُسودَ بِصَيْدِها تتصدَّقُ
أرأيتَ أبطالَ الكِفاحِ وما جَنَى / أملٌ بأجنحةِ الرّياحِ مُعلَّقُ
لا يَأْسَ من نَفحاتِ ربّكَ إنّني / لأرى السّنا خَلَلَ الدُّجَى يتألَّقُ