المجموع : 15
سَكَنَ الْفُؤَادُ وَجَفَّتِ الآمَاقُ
سَكَنَ الْفُؤَادُ وَجَفَّتِ الآمَاقُ / وَمَضَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا الأَشْوَاقُ
وَنَزَعْتُ عَنْ نَزَقِ الشَّبِيبَةِ وَالصِّبَا / بَعْدَ الْمَشِيبِ وَلِلشَّبَابِ نِزَاقُ
لا الدَّارُ دَارٌ بَعْدَ مَا رَحَلَ الصِّبَا / عَنِّي وَلا تِلْكَ الرِّفَاقُ رِفَاقُ
وَلَقَدْ جَرَيْتُ مَعَ الْغَوَايَةِ وَالصِّبَا / جَرْيَ الْكُمَيْتِ وَلِلْغَرَامِ سِبَاقُ
وَلَبِسْتُ هَذَا الدَّهْرَ مِنْ أَطْرَافِهِ / وَنَزَعْتُهُ وَقَمِيصُهُ أَخْلاقُ
فَإِذَا الشَّبَابُ وَدِيعَةٌ وَإِذَا الْفَتَى / هَدْيٌّ لِفَاغِرَةِ الْمَنُونِ يُسَاقُ
لِلَّهِ أَيَّامٌ لَنَا مَعْرُوفَةٌ / سَبَقَتْ وَلَيْسَ لِسَبْقِهِنَّ لحَاقُ
حَيْثُ الصِّبَا نَهْبٌ وَسَلْسَالُ الْهَوَى / عَذْبٌ وَآنِيَةُ السُّرُورِ دِهَاقُ
فِي جَنَّةٍ خَضْرَاءَ وَرْدُ خُدُودِهَا / زَاهٍ وَغَيْثُ مُدَامِهَا غَيْدَاقُ
سَفَرَتْ بِهَا الأَقْمَارُ مِنْ أَطْوَاقِهَا / وَتَجَمَّعَتْ بِفِنَائِهَا الْعُشَّاقُ
فَالنُّطْقُ جَهْرٌ وَالتَّحِيَّةُ قُبْلَةٌ / بَيْنَ الأَحِبَّةِ وَالسَّلامُ عِنَاقُ
لا يَسْأَمُونَ اللَّهْوَ بَيْنَ مَلاعِبٍ / قَدْ قَامَ فِيهَا لِلْخَلاعَةِ سَاقُ
يَفْتَنُّ عَقْلُ الْمَرْءِ فِي تَصْوِيرِهَا / وَتَحَارُ فِي تَمْثِيلِهَا الأَحْدَاقُ
فَعَلَى الْمُرُوجِ مِنَ الْخَمَائِلِ رَفْرَفٌ / وَعَلَى الْخَمَائِلِ لِلْغُيُومِ رُوَاقُ
بَعَثَ الرَّبِيعُ لَهُنَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ / فَسَمَتْ طِبَاقٌ فَوْقَهُنَّ طِبَاقُ
دُنْيَا نَعِيمٍ لا بَقَاءَ لِحُسْنِهَا / وَنَعِيمُ دُنْيَا مَا لَهَا مِيثَاقُ
فَلَقَدْ مَضَى ذَاكَ الزَّمَانُ بِحُسْنِهِ / وَسَمَا إِلَيَّ الْهَمُّ وَالإِيرَاقُ
وَغَدَوْتُ حَرَّانَ الْفُؤَادِ كَأَنَّمَا / ضَاقَتْ عَلَيَّ بِرُحْبِهَا الآفَاقُ
نَفِسَتْ عَلَيَّ بَنُو الزَّمَانِ شَمَائِلِي / فَلَهُمْ بِذَلِكَ خِفَّةٌ وَنِزَاقُ
حَسِبُوا التَّحَوُّلَ فِي الطِّبَاعِ خَلِيقَةً / وَتَحَوُّلُ الأَخْلاقِ لَيْسَ يُطَاقُ
تَاللَّهِ أَهْدَأُ أَوْ تَقُومُ قِيَامَةٌ / فِيهَا الدِّمَاءُ عَلَى الدِّمَاءِ تُرَاقُ
تَرْتَدُّ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي سَتَرَاتِهَا / وَيَضِلُّ فِي هَبَوَاتِهَا الإِشْرَاقُ
شَعْوَاءُ تَلْتَهِمُ الْفَضَاءَ وَيَرْتَقِي / مِنْهَا عَلَى حُبُكِ السَّمَاءِ نِطَاقُ
أَنَا لا أَقَرُّ عَلَىالْقَبِيحِ مَهَابَةً / إِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْقَبِيحِ نِفَاقُ
قَلْبِي عَلَى ثِقَةٍ وَنَفْسِي حُرَّةٌ / تَأْبَى الدَّنِيَّ وَصَارِمِي ذَلَّاقُ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ فُرْقَةَ رُوحِهِ / أَوَ لَيْسَ عَاقِبَةُ الْحَيَاةِ فِرَاقُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ وَهْيَ فِي أَثْوابِهَا / إِنْ لَمْ تَكُنْ شَامٌ فَتِلْكَ عِرَاقُ
لا خَيْرَ فِي عَيْشِ الْجَبَانِ يَحُوطُهُ / مِنْ جَانِبَيهِ الذُّلُّ وَالإِمْلاقُ
عَابُوا عَلَيَّ حَمِيَّتِي وَنِكَايَتِي / وَالنَّارُ لَيْسَ يَعِيبُهَا الإِحْرَاقُ
فَاضْرَحْهُمُ ضَرْحَ الْعُيُونِ قَذَاتَهَا / وَحَذَارِ لا تَعْلَقْ بِكَ الْعُلَّاقُ
فَالنَّاسُ أَشْبَاهٌ وَشَتَّى بَيْنَهُمْ / تَدْنُو الْجُسُومُ وَتَبْعُدُ الأَخْلاقُ
فَاعْرِفْهُمُ وَاحْذَرْ تَشَابُهَ أَمْرِهِمْ / لا تَسْتَوِي الأَغْلالُ وَالأَطْوَاقُ
لا تَحْسَبَنَّ الرِّفْقَ يَنْزِعُ غِلَّهُمْ / الشَّرُّ دَاءٌ مَا لَهُ إِفْرَاقُ
شَرُوا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَاغْتَرَّهُمْ / لِينُ الْحَيَاةِ وَمَاؤُهَا الرَّقرَاقُ
فَتَرَى الْفَتَى مِنْهُمْ كَأَنَّ بِرَأْسِهِ / نَزْغَ الْجُنُونِ فَلَيْسَ فِيهِ لَيَاقُ
مُتَلَوِّنُ الأَخْلاقِ بَيْنَ عَشِيرِهِ / جَهْلاً كَمَا يَتَلَوَّنُ الشِّقْرَاقُ
لَهِجٌ بِعَارِيَةِ الْحَيَاةِ وَمَا دَرَى / أَنَّ الْحَيَاةَ إِلَى الْمَنُونِ مَسَاقُ
لَوْ كَانَ يَسْلَمُ فِي الزَّمَانِ مِنَ الرَّدَى / حَيٌّ لَعَاشَ بِجَوِّهِ السَّيْذَاقُ
أَرْبَى عَلَى شِمْرَاخِ أَرْعَنَ بَاذِخٍ / سَامٍ لَهُ فَوْقَ السَّحَائِبِ طَاقُ
نَهْمَانُ يَعْتَلِقُ الْقَطَا بِمَخَالِبٍ / حُجْنٍ لَهُنَّ بِوَقْعِهَا تَصْعَاقُ
لا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْجَنَاحُ وَطَرْفُهُ / مُتَقَلِّبٌ يَسْمُو بِهِ الإِرْشَاقُ
بَيْنَا كَذَلِكَ إِذْ أَصَابَ عِصَابَةً / لِلطَّيْرِ أَرْسَلَهَا صَدَىً مِحْرَاقُ
فَسَمَا فَحَلَّقَ فَاسْتَدَارَ فَصَكَّهَا / بِمُذَرَّبٍ تَمْكُو لَهُ الأَعْنَاقُ
تَسْمُو فَيَتْبَعُهَا فَتَهْوِي وَهْوَ فِي / آثَارِهَا مَرَّ الشِّهَابِ حِرَاقُ
مَذْعُورَةٌ تَبْغِي الْفِرَارَ مِنَ الرَّدَى / إِنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَنُونِ وَثَاقُ
حَتَّى إِذَا فَتَرَتْ وَحَطَّ بِهَا الْوَنَى / سَقَطَتْ فَلَيْسَ لِنَفْسِهَا أَرْمَاقُ
فَأَتَى فَمَزَّقَهَا كَمَا حَكَمَ الرَّدَى / وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَرَّةً إِزْهَاقُ
أَفَذَاكَ أَمْ ضِرْغَامُ خِيسٍ مُدْهِسٌ / تَنْجَابُ عَنْ أَنْيَابِهِ الأَشْدَاقُ
مَنَعَ الطَّرِيقَ فَمَا تَجُوسُ خِلالَهُ / فِي سَيْرِهَا الطُّرَّاقُ وَالْمُرَّاقُ
غَضْبَانُ يَضْرِبُ ذَيْلَهُ وَيَلُفُّهُ / مِنْ جَانِبَيْهِ كَأَنَّهُ مِخْرَاقُ
عَصَفَتْ عَلَيْهِ النَّائِجَاتُ وَخَابَ مِنْ / هَامِ الْوُحُوشِ لَهُ حَشاً وَصِفَاقُ
فَسَمَا فَأَبْصَرَ رَاعِيَيْنِ تَخَلَّفَا / بِالْعِيرِ تَصْدَحُ بَيْنَهُنَّ نِيَاقُ
فَأَجَمَّ قُوَّتَهُ وَشَدَّ بِوَثْبَةٍ / صُمُّ الصُّخُورِ لِوَقْعِهَا أَفْلاقُ
حَتَّى إِذا اعْتَرَضَ الرِّحَالَ إِذَا بِهَا / يَقِظٌ تَلِينُ لِكَفِّهِ الأَرْزَاقُ
مُتَقَلِّدٌ سَيْفَاً تَرِفُّ مُتُونُهُ / رَفَّ الْمَصَابِحِ شَفَّهُنَّ لِيَاقُ
فَتَصَاوَلا حَتَّى إِذَا مَا اسْتَنْفَدَا / مَا كَانَ عِنْدَهُمَا وَضَاقَ خِنَاقُ
هَمَّا بِبَعْضِهِمَا فَمَاتَا مِيتَةً / لَهُمَا بِهَا حَتَّى الْمَعَادِ وِفَاقُ
أَمْ أَرْقَشٌ مَرِسٌ يَسِيلُ كَأَنَّهُ / بَيْنَ الْخَمَائِلِ جَدْوَلٌ دَفَّاقُ
يَتَنَاذَرُ الرَّاقُونَ سُمَّ لُعَابِهِ / رُعْباً فَلَيْسَ لِمَسِّهِ دِرْيَاقُ
تَسِمُ الظَّلامَ ذُبَالَتَانِ بِرَأْسِهِ / تَقِدَان لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَطْبَاقُ
يَسْرِي فَيَقْتَحِمُ السِّرَارَ وَيَرْتَمِي / بِسَنَاهُمَا الْمُتَنَبِّلُ الْمِرْشَاقُ
تَرَكَ الْوُحُوشُ لَهُ الْفَلاةَ وَأَوْغَلَتْ / طَلَبَ النَّجَاةِ فَجَمْعُها أَحْذَاقُ
حَتَّى إِذَا ظَنَّ الظُّنُونَ بِنَفْسِهِ / تِيهاً بِهَا وَخَلَتْ لَهُ الأَعْمَاقُ
أَنْحَى فَأَقْصَدَهُ الزَّمَانُ بِسَهْمِهِ / إِنَّ الزَّمَانَ لَنَابِلٌ مِيفَاقُ
حِكَمٌ تَحَيَّرَتِ الْبَرِيَّةُ دُونَهَا / وَتَنَازَعَتْ أَسْبَابَهَا الْحُذَّاقُ
فَاسْمَعْ فَمَا كُلُّ الْكَلامِ بِطَيِّبٍ / وَلِكُلِّ قَوْلٍ فِي السَّمَاعِ مَذَاقُ
نَزَلَ الْكَلامُ إِلَيَّ مِنْ شُرُفَاتِهِ / وَتَمَثَّلَتْ بِحَدِيثِيَ الآفَاقُ
عُودِي بِوَصْلٍ أَوْ خُذِي مَا بَقِي
عُودِي بِوَصْلٍ أَوْ خُذِي مَا بَقِي / فَقَدْ تَدَاعَى الْقَلْبُ مِمَّا لَقِي
أَيُّ فُؤَادٍ بِكِ لَمْ يَعْلَقِ / وَأَنْتِ صِنْوُ الْقَمَرِ الْمُشْرِقِ
عَلَّمْتِنِي الذُّلَّ وَكُنْتُ امْرأً / أَفْعَلُ مَا شِئْتُ وَلا أَتَّقِي
فَارْحَمْ فُؤَاداً أَنْتَ أَبْلَيْتَهُ / وَمُقْلَةً لَوْلاكَ لَمْ تَأْرَقِ
لَمْ أَدْرِ حَتَّامَ أُقَاسِي الْجَوَى / يَا وَيْحَ قَلْبِي مِنْكَ مَاذَا لَقِي
إِذَا تَذَكَّرْتُكَ فِي خَلْوَةٍ / هَوَتْ بِدَمْعِي زَفْرَةٌ تَرْتَقِي
تَاللَّهِ مَا أَنْصَفَ مَنْ لامَنِي / فِيكَ وَهَلْ لَوْمٌ عَلَى مُشْفِقِ
وَكَيْفَ لا أَعْشَقُ مَنْ حُسْنُهُ / يَدْعُو إِلَى الصَّبْوَةِ قَلْبَ التَّقِي
لَكَ الْجَمَالُ التِّمُّ دُونَ الْوَرَى / وَلَيْسَ لِلْبَدْرِ سِوَى رَوْنَقِ
فَاعْطِفْ عَلَى قَلْبٍ بِهِ لَوْعَةٌ / يَنْزُو لَهَا فِي الصَّدْرِ كَالزِّئْبَقِ
يَكَادُ يَرْفَضُّ هَوىً كُلَّمَا / لاحَ لَهُ الْبَرْقُ مِنَ الأَبْرَقِ
حِمىً بِهِ مَا شِئْتَ مِنْ صَبْوَةٍ / لَوْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَفِي أَوْ يَقِي
حَاطَتْ بِهِ الْفُرْسانُ حُورَ الْمَها / يَا مَنْ رَأَى الرَّبْرَبَ فِي الفَيْلَقِ
مِنْ كُلِّ هَيْفَاءَ كَخُوطِ الْقَنَا / بِلَحْظَةٍ كَاللَّهْذَمِ الأَزْرَقِ
تَخْطِرُ فِي الْفَيْنَانِ مِنْ فَرْعِهَا / فَهْيَ عَلَى التَّمْثِيلِ كَالْبَيْرَقِ
أَرْنُو إِلَيْهَا وَهْيَ فِي شَأْنِهَا / كَنَظْرَةِ الْعَانِي إِلَى الْمُطْلَقِ
فَمَا تَرَانِي صَانِعاً وَهْيَ لا / تَسْمَعُ مَا أَسْرُدُ مِنْ مَنْطِقِي
يَا رَبَّةَ الْقُرْطَقِ هَلْ نَظْرَةٌ / أَحْيَا بِهَا يَا رَبَّةَ الْقُرْطَقِ
إِنْ كَانَ يُرْضِيكِ ذَهَابُ الَّذِي / أَبْقَيْتِ مِنِّي فَخُذِي مَا بَقِي
لَمْ تُبْقِ مِنِّي صَدَمَاتُ الْهَوَى / غَيْرَ صَدىً بَيْنَ حَشاً مُحْرَقِ
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ الْحُبِّ ذَا تُدْرَأ / أَقْتَحِمُ الْهَوْلَ وَلَمْ أَفْرَقِ
فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ عَدِيمَ الْقُوَى / يَسْبِقُنِي الذَّرُّ وَلَمْ أَلْحَقِ
وَالْحُبُّ مَلْكٌ نافِذٌ حُكْمُهُ / مِنْ مَغْرِبِ الأَرْضِ إِلَى الْمَشْرِقِ
فَلْيَقُلِ الْعَاذِلُ مَا شَاءَهُ / فَالْعِشْقُ دَأْبُ الشَّاعِرِ الْمُفْلِقِ
لَوْ لَمْ أَكُنْ ذَا شِيمَةٍ حُرَّةٍ / لَمْ أَقْرِضِ الشِّعْرَ وَلَمْ أَعْشَقِ
أَيُّ قَلْبٍ عَلَى صُدُودِكَ يَبْقَى
أَيُّ قَلْبٍ عَلَى صُدُودِكَ يَبْقَى / أَوَ لَمْ يَكْفِ أَنَّنِي ذُبْتُ عِشْقَا
لَمْ تَدَعْ مِنِّيَ الصَّبَابَةُ إِلَّا / شَبَحاً شَفَّهُ السَّقَامُ فَدَقَّا
وَدُمُوعاً أَسَالَهَا الْوَجْدُ حَتَّى / غَلَبَتْ أَدْمُعَ الْغَمَامَةِ سَبْقَا
فَتَصَدَّقْ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ تَشْفِي / دَاءَ قَلْبٍ مِنَ الْغَرَامِ مُلَقَّى
كَانَ أَبْقَى مِنْهُ الْغَرَامُ قَلِيلاً / فَأَذَابَ الصُّدُودُ مَا قَدْ تَبَقَّى
لا تَسَلْنِي عَنْ بَعْضِ مَا أَنَا فِيهِ / مِنْ غَرَامٍ فَلَسْتُ أَمْلِكُ نُطقَا
سَلْ إِذَا شِئْتَ أَنْجُمَ اللَّيْلِ عَنِّي / فَهْيَ أَدْرَى بِكُلِّ مَا بِتُّ أَلْقَى
نَفَسٌ لا يَبِينُ ضَعْفَاً وَجِسْمٌ / سَارَ فِيهِ الضَّنَى فَأَصْبَحَ مُلْقَى
فَتَرَفَّقْ بِمُهْجَةٍ شَفَّهَا الْوَجْ / دُ فَذَابَتْ وَأَدْمُعٍ لَيْسَ تَرْقَا
إِنْ يَكُنْ دَأْبُكَ الصُّدُودَ فَقَلْبِي / عَنْكَ رَاضٍ وَإِنْ غَدَا بِكَ يَشْقَى
فَعَلَيْكَ السَّلامُ مِنِّي فَإِنِّي / مُتُّ شَوْقاً وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
أَلَيْلَى مَا لِقَلْبِكِ لَيْسَ يَرْثِي
أَلَيْلَى مَا لِقَلْبِكِ لَيْسَ يَرْثِي / لِمَا أَلْقَاهُ مِنْ أَلَمِ الْفِرَاقِ
كَتَمْتُ هَوَاكِ حَتَّى نَمَّ دَمْعِي / وَذَابَتْ مُهْجَتِي مِمَّا أُلاقِي
وَرَقَّتْ لِي قُلوُبُ النَّاسِ حَتَّى / بَكَى لِي كُلُّ سَاقٍ فَوْقَ سَاقِ
تَلُومِيني عَلَى عَبَراتِ عَيْنِي / وَلَوْلا الْحُبُّ لَمْ تَجْرِ الْمَآقِي
وَمِنْ عَجَبِ الْهَوَى يَا لَيْلُ أَنِّي / فَنِيتُ صَبابَةً وَهَوَاكِ بَاقِي
وَمَا إِنْ عِشْتُ بَعْدَ الْبَيْنِ إِلَّا / لِمَا أَرْجُوهُ مِنْ وَشْكِ التَّلاقِي
وَلَوْلا أَنَّنِي فِي قَيْدِ سُقْمٍ / لَطِرتُ إِلَيْكِ مِنْ فَرْطِ اشْتِيَاقِي
رَبِّ خُذْ لِي مِن الْعُيُونِ بِحَقِّي
رَبِّ خُذْ لِي مِن الْعُيُونِ بِحَقِّي / وَأَجِرْنِي مِنْ ظَالِمٍ لَيْسَ يَبْقِي
قَدْ تَوَقَّيْتُ مَا اسْتَطَعْتُ مِنَ الْحُبْ / بِ وَلَكِنْ مَاذَا يَرُدُّ التَّوَقِّي
وَتَرَفَّقْتُ بِالْفُؤَادِ وَلَكِنْ / غَلَبَتْ لَوْعَةُ الصَّبَابَةِ رِفْقِي
لا تَلُمْنِي عَلَى الهَوَى فَغُمُوضُ ال / حَقِّ عُذْرٌ يَرُدُّ كُلَّ مُحِقِّ
سَلْ دمُوعِي فَهُنَّ يُنْبِئْنَ عَمَّا / فِي ضَمِيرِي وَيَعْتَرِفْنَ بِصِدقِي
كَيْفَ لِي بِالنَّجَاةِ مِنْ شَرَكِ الْحُبْ / بِ سَلِيماً وَالْحُبُّ مَالِكُ رِقِّي
قَدْ تَلَقَّيْتُ لَوْعَتِي مِنْ عُيُونٍ / عَلَّمَتْنِي دَرْسَ الْهَوَى بِالتَّلَقِّي
وَرَشَوْتُ الْهَوَى بِلُؤْلُؤِ دَمْعِي / وَالرُّشَا وُصْلَةٌ لِنَيْلِ التَّرَقِّي
فَلَعَلِّي أَفُوزُ يَوْماً بِوَصْلٍ / أَتَوَلَّى بِهِ إِمَارَةَ عِشْقِ
هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي
هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي / يَشْفِي عَلِيلاً أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ
قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً / حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي
حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي / يَا وَيْحَ نَفْسِيَ مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ
أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرَاً وَهْيَ جَازِعَةٌ / وَالصَّبْرُ فِي الحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتَاقِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ / وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وَإِطْرَاقِي
أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقَاً / فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي
تَقَلَّدَتْ مِنْ جُمَانِ الشَّهْبِ مِنْطَقَةً / مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرِ مِقْلاقِ
كَأَنَّ نَجْمَ الثُّرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ / دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ
يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ / وَلا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ
وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأَوْرَاقِ فِي حُلَلٍ / مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ
يَا حَبَّذَا نَسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ / يَسْرِي عَلَى جَدْوَلٍ بِالْمَاءِ دَفَّاقِ
بَلْ حَبَّذَا دَوْحَةٌ تَدْعُوالْهَدِيلَ بِهَا / عِنْدَ الصَّبَاحِ قَمَارِيٌّ بِأَطْوَاقِ
مَرْعَى جِيَادِي ومَأْوَى جِيرَتِي وَحِمَى / قَوْمِي وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي
أَصْبُو إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ وَيُعْجِبُنِي / أَنِّي أَعِيشُ بِهَا فِي ثَوْبِ إِمْلاقِ
وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارَاً قَدْ تَرَكْتُ بِهَا / أَهْلاً كِرَاماً لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي
إِذَا تَذَكَّرْتُ أَيَّامَاً بِهِمْ سَلَفَتْ / تَحَدَّرَتْ بِغُرُوبِ الدَّمْعِ آمَاقِي
فَيَا بَرِيدَ الصَّبَا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي / أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِي وَمِيثَاقِي
وَإِنْ مَرَرْتَ عَلَى الْمِقْيَاسِ فَاهْدِ لَهُ / مِنِّي تَحِيَّةَ نَفْسٍ ذَاتِ أَعْلاقِ
وَأَنْتَ يَا طَائِرَاً يَبْكِي عَلَى فَنَنٍ / نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ
أَذْكَرْتَنِي مَا مَضَى وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ / بِمِصْرَ وَالْحَرْبُ لَمْ تَنْهَضْ عَلَى سَاقِ
أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحاً / فِي فِتْيَةٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ
فَيَا لَهَا ذُكْرَةً شَبَّ الْغَرَامُ بِهَا / نَاراً سَرَتْ بَيْنَ أَرْدَانِي وَأَطْوَاقِي
عَصْرٌ تَوَلَّى وَأَبْقَى في الْفُؤَادِ هَوىً / يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ
وَالْمَرْءُ طَوْعُ اللَّيَالِي فِي تَصَرُّفِهَا / لا يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ
عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ / وَمَا عَلَيَّ إِذَا ضَنَّتْ بِرَقْرَاقِ
فَلا يَعِبْنِي حسُودٌ أَنْ جَرَى قَدَرٌ / فَلَيْسَ لِي غَيْرُ مَا يَقْضِيهِ خَلَّاقِي
أَسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَوْلَىً لا يَخِيبُ لَهُ / رَاجٍ عَلَى الدَّهْرِ وَالْمَوْلَى هُوَ الْوَاقِي
وَهَوَّنَ الْخَطْبَ عِنْدِي أَنَّنِي رَجُلٌ / لاقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِئٍ لاقِي
يَا قَلْبُ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُ قَدَرٌ / يَجْرِي عَلَى الْمَرْءِ مِنْ أَسْرٍ وَإِطْلاقِ
لا بُدَّ لِلضِّيقِ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ فَرَجٍ / وَكُلُّ دَاجِيَةٍ يَومَاً لإِشْرَاقِ
دَعَانِي إِلَى غَيِّ الصِّبَا بَعْدَ مَا مَضَى
دَعَانِي إِلَى غَيِّ الصِّبَا بَعْدَ مَا مَضَى / مَكَانٌ كَفِرْدَوْسِ الْجِنَانِ أَنِيقُ
فَسِيحُ مَجَالِ الْعَينِ أَمَّا غَدِيرُهُ / فَطَامٍ وَأَمَّا غُصْنُهُ فَرَشِيقُ
كَسَا أَرْضَهُ ثَوْبَاً مِنَ الظِّلِّ بَاسِقٌ / مِنَ الأَيْكِ فَيْنَانُ السَّرَاةِ وَرِيقُ
سَمَتْ صُعُداً أَفْنَانُهُ فَكَأَنَّمَا / لَهَا عِنْدَ إِحْدَى النَّيِّرَاتِ عَشِيقُ
يَمُدُّ شُعَاعُ الشَّمْسِ فِي حَجَراتِهَا / سَلاسِلَ مِنْ نُورٍ لَهُنَّ بَرِيقُ
وَيَشْدُو بِهَا الْقُمْرِيُّ حَتَّى كَأَنَّهُ / أَخُو صَبْوَةٍ أَوْ دَبَّ فِيهِ رَحِيقُ
تَمُرُّ طُيُورُ المَاءِ فِيها عَصَائِباً / كَرَكْبٍ عِجَالٍ ضَمَّهُنَّ طَرِيقُ
إِذَا أَبْصَرَتْ زُرْقَ الْمَوَارِدِ رَفْرَفَتْ / عَلَيْهَا فَطَافٍ فَوْقَهَا وَغَرِيقُ
غَدَوْنَا لَهُ وَالْفَجْرُ يَنْصَاحُ ضَوْؤُهُ / فَيَنْمُو وَأَقْطَارُ الظِّلامِ تَضِيقُ
وَلِلطَّيرِ فِي مَهْدِ الأَرَاكَةِ رَنَّةٌ / وَلِلطَّلِّ فِي ثَغْرِ الأَقَاحَةِ رِيقُ
مَلاعِبُ زَانَتْهَا الرِّفَاقُ وَلَمْ يَكُنْ / لِيَحْسُنَ لَهْوٌ لَمْ يَزِنْهُ رَفِيقُ
وَمَنْزِلُ أُنْسٍ قَدْ عَقَدْنَا بِجَوِّهِ / رَتَائِمَ لَهْوٍ عَقْدُهُنَّ وَثِيقُ
جَمَعْنَا بِهِ الأَشْتَاتَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ / وَمَا كُلُّ يَوْمٍ بِالسُّرُورِ حَقِيقُ
وَغَنَّى لَنَا شَادٍ أَغَنُّ مُقَرْطَقٌ / رَفِيقٌ بِجَسِّ الْمِلْهَيَاتِ لَبِيقُ
إِذَا مَدَّ مِنْ صَوْتٍ وَرَجَّعَ أَقْبَلَتْ / عَلَيْنَا وُجُوهُ الْعَيْشِ وَهْوَ رَقِيقُ
فَيَا حُسْنَهُ مِنْ مَنْزِلٍ لَمْ يَطُفْ بِهِ / غَويٌّ وَلَمْ يَحْلُلْ حِمَاهُ لَصِيقُ
أَقَمْنَا بِهِ يَوْماً طَلِيقاً وَلَيْلَةً / دُجَاهَا بِلأْلاءِ الْمُدَامِ طَلِيقُ
فَلَمَّا اتَّعَدْنَا لِلرَّوَاحِ تَرَوَّعَتْ / قُلُوبُ النَّدَامَى وَالْمُحِبُّ شَفِيقُ
فَلِلَّهِ قَلْبٌ بِالْفِرَاقِ مُرَوَّعٌ / حَزينٌ وَجَفْنٌ بِالدُّمُوعِ شَرِيقُ
وَقَالَ لِيَ الْخُلَّانُ صِفْ حُسْنَ يَوْمِنَا / فَأَنْتَ بِنَجْدِيِّ الْكَلامِ خَلِيقُ
فَرَوَّيْتُ شَيْئَاً ثُمَّ جِئْتُ بِمَنْطِقٍ / ذَكِيٍّ يَفُوقُ الْمِسْكَ وَهْوَ فَتِيقُ
وَكَيْفَ يَغُبُّ الْقَوْلُ عَنِّي وَفِي فَمِي / لِسَانٌ كَغَرْبِ الْمَشْرَفِيِّ ذَلِيقُ
لِأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ
لِأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ / وَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ خِبٌّ مُنَافِقُ
بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ صَادِقَاً / فَأَيْنَ لَعَمْرِي الأَكْرَمُونَ الأَصَادِقُ
أُحَاوِلُ أَمْرَاً قَصَّرَتْ دُونَهُ النُّهَى / وَشَابَتْ وَلَمْ تَبْلُغْ مَدَاهُ الْمَفَارِقُ
وَأَعْظَمُ مَا تَرْجُوهُ مَا لا تَنَالُهُ / وَأَكْثَرُ مَنْ تَلْقَاهُ مَنْ لا يُوَافِقُ
وَمَا كُلُّ مَنْ حَدَّ الرَّوِيَّةَ حَازِمٌ / وَلا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّوِيَّةَ فَارِقُ
أَضَعْتُ زَمَانِي بَيْنَ قَوْمٍ لَوَ انَّ لِي / بِهِمْ غَيْرَهُمْ مَا أَرْهَقَتْنِي الْبَوائِقُ
فَإِنْ أَكُ مُلْقَى الرَّحْلِ فِيهِمْ فَإِنَّنِي / لَهُمْ بِالْخِلالِ الصَّالِحَاتِ مُفَارِقُ
مَعَاشِرُ سَادُوا بِالنِّفَاقِ وَمَا لَهُمْ / أُصُولٌ أَظَلَّتْهَا فُرُوعٌ بَوَاسِقُ
فَأَعْلَمُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ جَاهِلٌ / وَأَتْقَاهُمُ عِنْدَ الْعَفَافَةِ فَاسِقُ
طَلاقَةُ وَجْهٍ تَحْتَهَا الْغَيْظُ كَاشِرٌ / وَنَغْمَةُ وُدٍّ بَيْنَهَا الْغَدْرُ نَاعِقُ
وَأَخْلاقُ صِبْيَانٍ إِذَا ما بَلَوْتَهُمْ / عَلِمْتَ بِأَنَّ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ نَافِقُ
تَعَلَّمْتُ كَظْمَ الْغَيظِ فِيهِمْ وَإِنَّهُ / لَحِلْمٌ وَلَكِنْ لِلْحَفِيظَةِ مَاحِقُ
دَعَوْنِي إِلَى الْجُلَّى فَقُمْتُ مُبَادِراً / وَإِنِّي إِلَى أَمْثَالِ تِلْكَ لَسَابِقُ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الْجِدُّ سَاقُوا حُمُولَهُمْ / إِلَى حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَادٍ وَسَائِقُ
فَلا رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً بَاعَ دِينَهُ / بِدُنْيَا سِوَاهُ وَهْوَ لِلْحَقِّ رَامِقُ
عَلَى أَنَّنِي حَذَّرْتُهُمْ غِبَّ أَمْرِهِمْ / وَأَنْذَرْتُهُمْ لَوْ كَانَ يَفْقَهُ مَائِقُ
وَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا عَنِ الشَّرِّ تَغْنَمُوا / فَلِلشَّرِّ يَوْمٌ لا مَحَالَةَ مَاحِقُ
فَظَنُّوا بِقَوْلِي غَيْرَ مَا فِي يَقِينِهِ / عَلَى أَنَّنِي فِي كُلِّ مَا قُلْتُ صَادِقُ
فَهَلْ عَلِمُوا أَنِّي صَدَعْتُ بِحُجَّتِي / وَقَدْ ظَهَرَتْ بَعْدَ الْخَفَاءِ الْحَقَائِقُ
فَتَبَّاً لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ لَيْسَ فِيهِمُ / رَشِيدٌ وَلا مِنْهُمْ خَلِيلٌ مُصَادِقُ
ظَنَنْتُ بِهِمْ خَيْرَاً فَأُبْتُ بِحَسْرَةٍ / لَهَا شَجَنٌ بَيْنَ الْجَوَانِحِ لاصِقُ
فَيَا لَيْتَنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي وَلَمْ أَكُنْ / زَعِيمَاً وَعَاقَتْنِي لِذَاكَ الْعَوائِقُ
وَيَا لَيْتَنِي أَصْبَحْتُ فِي رَأْسِ شَاهِقٍ / وَلَمْ أَرَ مَا آلَتْ إِلَيهِ الْوَثَائِقُ
هُمْ عَرَّضُونِي لِلْقَنَا ثُمَّ أَعْرَضُوا / سِرَاعاً وَلَمْ يَطْرُقْ مِنَ الشَّرِّ طَارِقُ
وَقَدْ أَقْسَمُوا أَلَّا يَزُولُوا فَمَا بَدَا / سَنَا الْفَجْرِ إِلَّا وَالنِّسَاءُ طَوَالِقُ
مَضَوا غَيْرَ مَعْذُورِينَ لا النَّقْعُ سَاطِعٌ / وَلا الْبِيضُ فِي أَيْدِي الْكُمَاةِ دَوَالِقُ
وَلَكِنْ دَعَتْهُمْ نَبْأَةٌ فَتَفَرَّقُوا / كَمَا انْقَضَّ في سِرْبٍ مِنَ الطَّيْرِ بَاشِقُ
فَكَمْ آبِقٍ تَلْقَاهُ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ / وَكَمْ واقِفٍ تَلْقَاهُ وَالْعَقْلُ آبِقُ
إِذَا أَبْصَرُوا شَخْصَاً يَقُولُونَ جَحْفَلٌ / وَجُبْنُ الْفَتَى سَيْفٌ لِعَيْنَيْهِ بَارِقُ
أُسُودٌ لَدَى الأَبْيَاتِ بَيْنَ نسَائِهِمْ / وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ الْهيَاجِ نَقَانِقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ بِقَائِمِ سَيْفِهِ / فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ تُحْمَى الْحَقَائِقُ
إِنَّ ابْنَ آدَمَ ذُو طَبَائِعَ أَرْبَعٍ
إِنَّ ابْنَ آدَمَ ذُو طَبَائِعَ أَرْبَعٍ / مَجْمُوعَةِ الأَجْزَاءِ فِي أَخْلاقِهِ
تَبْدُو فَوَاعِلُهَا عَلَى حَرَكَاتِهِ / فِي بَطْشِهِ وَسُكُونِهِ وَنِزَاقِهِ
فَإِذَا تَغَلَّبَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى / أَقْرَانِهِ أَدَّى إِلَى إِقْلاقِهِ
بَيْنَا تَرَاهُ كَالزُّلالِ لَطَافَةً / أَلْفَيْتَهُ كَالنَّارِ فِي إِحْرَاقِهِ
أَوْ كَالتُّرَابِ يَهِيلُ مِنْ عَقَدَاتِهِ / أَوْ كَالْهَوَاءِ يَجُولُ فِي آفَاقِهِ
فَإِذَا تَعَادَلَ جَمْعُهَا وَتَوَازَنَتْ / حَرَكَاتُهَا كَانَتْ دَلِيلَ وِفَاقِهِ
وَالْمَرْءُ مَهْمَا كَانَ فِي أَفْعَالِهِ / لا يَنْتَهِي إِلَّا إِلَى أَعْرَاقِهِ
أَضِنُّ بِصَاحِبِي وَأَذُودُ عَنْهُ
أَضِنُّ بِصَاحِبِي وَأَذُودُ عَنْهُ / وَأَمْنَحُهُ السَّوِيَّةَ فِي الْحُقُوقِ
وَإِنْ غَدَرَ الزَّمَانُ بِهِ فَإِنِّي / أَقُومُ بِنَصْرِهِ فِعْلَ الصَّدِيقِ
إِذَا مَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْفَعْ أَخَاهُ / عَلَى الْحَالَيْنِ فِي سَعَةٍ وَضِيقِ
فَدَعْهُ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ / فَخَيْرٌ مِنْهُ إِخْوَانُ الطَّرِيقِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا / لِيَدْفَعَ ضَيْمَاً فَهْوَ بِالذُّلِّ أَخْلَقُ
وَمَنْ شَهِدَ الْهَيْجَاءَ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ / يَذُودُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَهْوَ أَحْمَقُ
اُكْتُمْ ضَمِيرَكَ مِنْ عَدُوِّكَ جَاهِداً
اُكْتُمْ ضَمِيرَكَ مِنْ عَدُوِّكَ جَاهِداً / وَحَذَارِ لا تُطْلِعْ عَلَيْهِ رَفِيقَا
فَلَرُبَّمَا انْقَلَبَ الصَّدِيقُ مُعَادِياً / وَلَرُبَّمَا رَجَعَ الْعَدُوُّ صَدِيقَا
تَرَنَّمْ بِأَشْعَارِي وَدَعْ كُلَّ مَنْطِقٍ
تَرَنَّمْ بِأَشْعَارِي وَدَعْ كُلَّ مَنْطِقٍ / فَمَا بَعْدَ قَوْلِي مِنْ بَلاغٍ لِمُفْلِقِ
هُوَ الْعَسَلُ الْمَاذِيُّ طَوْرَاً وَتَارَةً / يَثُورُ الشَّجَا مِنْهُ مَكَانَ الْمُخَنَّقِ
يُغَنِّي بِهِ شَادٍ وَيَحْدُو رِكَابَهُ / بِهِ كُلُّ حَادٍ بَيْنَ بَيْدَاءَ سَمْلَقِ
فَطَوْرَاً تَرَاهُ زَهْرَةً بَيْنَ مَجْلِسٍ / وَطَوْرَاً تَرَاهُ لَهْذَماً بَيْنَ فَيْلَقِ
وَمَا كَلَفِي بِالشِّعْرِ إِلَّا لأَنَّهُ / مَنَارٌ لِسَارٍ أَوْ نَكَالٌ لأَحْمَقِ
عَلِقْتُ بِهِ طِفْلاً وَشِبْتُ وَلَمْ يَزَلْ / شَدِيدَاً بِأَهْدَابِ الْكَلامِ تَعَلُّقِي
إِذَا قُلْتُ بَيْتَاً سَارَ فِي الدَّهْرِ ذِكْرُهُ / مَسِيرَ الْحَيَا مَا بَيْنَ غَرْبٍ وَمَشْرِقِ
يَهِيمُ بِهِ رَبُّ الْحُسَامِ حَمَاسَةً / وَتَلْهُو بِهِ ذَاتُ الْوِشَاحِ الْمُنَمَّقِ
بَلَغْتُ بِشِعْرِي مَا أَرَدْتُ فَلَمْ أَدَعْ / بَدَائِعَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
فَهَذَا نَمِيرُ الشِّعْرِ فَاقْصِدْ حِيَاضَهُ / لِتَرْوَى وَهَذَا مُرْتَقَى الْفَضْلِ فَارْتَقِ
سَلِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ إِنْ كَانَ يَنْطِقُ
سَلِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ إِنْ كَانَ يَنْطِقُ / وَكَيْفَ يُحِيرُ الْقَوْلَ أَخْرَسُ مُطْرِقُ
نُسائِلُهُ عَنْ شَأْنِهِ وَهُوَ صَامِتٌ / وَنَخْبُرُ مَا فِي نَفْسِهِ وَهْوَ مُطْبَقُ
فَلا سِرُّهُ يَبْدُو وَلا نَحْنُ نَرْعَوِي / وَلا شَأْوُهُ يَدْنُو وَلا نَحْنُ نَلْحَقُ
وَكَيْفَ تَنَالُ النَّفْسُ مِنْهُ لُبَانَةً / وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ عَنِ الظَّنِّ أَسْحَقُ
فَضَاءٌ يَرُدُّ الْعَيْنَ حَسْرَى وَمَسْرَحٌ / يَقُصُّ جَنَاحَ الْفِكْرِ وَهْوَ مُحَلِّقُ
أَقَامَ عَلَى رَغْمِ الْفَنَاءِ وَكُلُّ مَا / تَرَاهُ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ يَنْفُقُ
فَكَمْ ثَلَّ عَرْشَاً وَاسْتَبَاحَ قَبِيلَةً / وَفَرَّقَ جَمْعَاً وَهْوَ لا يَتَفَرَّقُ
تَحَسَّى مَرَارَاتِ الْكُبُودِ فَلَمْ تَزَلْ / بِهِ صِبْغَةٌ مِنْ لَوْنِهَا فَهْوَ أَزْرَقُ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ يَدْأَبَانِ وَأَنْجُمٌ / تَغِيبُ إِلَى مِيقَاتِهَا ثُمَّ تَشْرُقُ
تَرِفُّ كَزَهْرٍ طَوَّحَتْهُ عَوَاصِفٌ / بِلُجَّةِ مَاءٍ فَهْوَ يَطْفُو وَيَغْرَقُ
سَوَابِحُ لا تَنْفَكُّ تَجْرِي لِغَايَةٍ / يُقَصِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ الْمُتَعَمِّقُ
فَيَا أَيُّهَا السَّارِي عَلَى غَيْرِ هُدْيَةٍ / رُوَيْدَاً فَإِنَّ الْبَابَ دُونَكَ مُغْلَقُ
أَتَحْسَبُ أَنَّ الظَّنَّ يُدْرِكُ بَعْضَ مَا / تُحَاوِلُهُ وَالظَّنُّ لِلْمَرْءِ مُوبِقُ
وَكَيْفَ يَنَالُ الْحِسُّ وَهْوَ مُحَدَّدٌ / سَرِيرَةَ غَيْبٍ دُونَهَا الْحِسُّ يَصْعَقُ
فَلا تَتَّبِعْ رَيْبَ الظُّنُونِ فَكُلُّ مَا / تَصَوَّرَهُ الإِنْسَانُ وَهْمٌ مُلَفَّقُ
وَلا تَحْسَبَنَّ الْحَدْسَ يُدْرِكُ مَا نَأَى / فَمَا كُلَّ حِينٍ قَائِفُ الْحَدْسِ يَصْدُقُ
وَأَيْنَ مِنَ الْمَخْلُوقِ إِدْرَاكُ حِكْمَةٍ / بِهَا يُنْشِئُ اللَّهُ الْقُرُونَ وَيَمْحَقُ
فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ حَالَةَ نَفْسِهِ / كَفَاهُ وَلَكِنَّ ابْنَ آدَمَ أَخْرَقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْلِكْ بَوَادِرَ وَهْمِهِ / عَنِ الْقَوْلِ فِي مَا لَمْ يُفِدْ فَهْوَ أَحْمَقُ
فَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا فَإِنَّ نَعِيمَهَا / يَزُولُ وَمَلْبُوسُ الْجَدِيدَيْنِ يَخْلُقُ
فَإِنْ هِيَ أَعْطَتْكَ اللّيَانَ فَإِنَّهَا / سَتَخْشُنُ مِنْ بَعْدِ اللّيَانِ وَتَخْرُقُ
فَلا وُدُّهَا يَبْقَى وَلا صَفْوُ عَيْشِهَا / يَدُومُ وَلا مَوْعُودُها يَتَحَقَّقُ
فَكَمْ أَخْلَفَتْ وَعْدَاً وَمَلَّتْ صَحَابَةً / وَخَانَتْ وَفِيَّاً فَهْيَ بَلْهَاءُ تَنْزَقُ
وَكَيْفَ يَعِيشُ الدَّهْرَ خِلْواً مِنَ الأَسَى / سَقِيمٌ يُغَادَى بِالْهُمومِ وَيُطْرَقُ
لَعَمْرُ أَبِي إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ صَفَتْ / مَسَافَةَ يَوْمٍ فَهْوَ صَفْوٌ مُرَنَّقُ
فَفِيمَ يَوَدُّ الْمَرْءُ طُولَ حَيَاتِهِ / وَفِي طُولِهَا شَمْلُ الْهَنَاءِ مُفَرَّقُ
وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا مُسْتَعِدٌ لِوَثْبَةٍ / فَحِذْرَكَ مِنْهُ فَهُوَ غَضْبَانُ مُطْرِقُ
كَأَنَّ هِلالَ الأُفْقِ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ / عَلَيْنَا بِهِ وَالنَّجْمَ سَهْمٌ مُفَوَّقُ
أَبَادَ بَنِيهِ ظَالِمَاً غَيْرَ رَاحِمٍ / فَيَا عَجَبَاً مِنْ وَالِدٍ لَيْسَ يُشْفِقُ
فَلا تَبْتَئِسْ بِالأَمْرِ تَخْشَى وُقُوعَهُ / فَقَدْ يَأْمَنُ الإِنْسَانُ مِنْ حَيثُ يَفْرَقُ
فَمَا كُلُّ مَا تَهْوَاهُ يَأْتِيكَ بِالْمُنَى / وَلا كُلُّ مَا تَخْشَاهُ فِي الْدَّهْرِ يَطْرُقُ
وَكُنْ وَاثِقَاً بِاللَّهِ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ / فَلَلَّهُ أَوْلَى بِالْعِبَادِ وَأَرْفَقُ
أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ
أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ / أَضَاءَتْ لَنَا وَهْنَاً سَمَاوَةَ بَارِقِ
لَوَى الرَّكْبُ أَعْنَاقَاً إِلَيْهَا خَوَاضِعَاً / بِزَفْرَةِ مَحْزُونٍ وَنَظْرَةِ وَامِقِ
وَفِي حَرَكَاتِ الْبَرقِ لِلشَّوْقِ آيَةٌ / تَدُلُّ عَلَى مَا جَنَّهُ كُلُّ عَاشِقِ
تَفُضُّ جُفُوناً عَنْ دُمُوعٍ سَوَائِلٍ / وَتَفْرِي صُدُورَاً عَنْ قُلُوبٍ خَوَافِقِ
وَكَيْفَ يَعِي سِرَّ الْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ / وَيَعْرِفُ مَعْنَى الشَّوْقِ مَنْ لَمْ يُفَارِقِ
لَعَمْرُ الْهَوَى إِنِّي لَدُنْ شَفَّنِي النَّوَى / لَفِي وَلَهٍ مِنْ سَوْرَةِ الْوَجْدِ مَاحِقِ
كَفَى بِمُقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً / نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلائِقِ
وَمَنْ رَامَ نَيْلَ الْعِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى / لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ رَنَّقْنَ مَشْرَبِي / وَثَلَّمْنَ حَدِّي بِالْخُطُوبِ الطَّوَارِقِ
فَمَا غَيَّرَتْنِي مِحْنَةٌ عَنْ خَلِيقَتِي / وَلا حَوَّلَتْنِي خُدْعَةٌ عَنْ طَرَائِقِي
وَلَكِنَّنِي بَاقٍ عَلَى مَا يَسُرُّنِي / وَيُغْضِبُ أَعْدَائِي وَيُرْضِي أَصَادِقي
فَحَسْرَةُ بُعْدِي عَنْ حَبِيبٍ مُصَادِقٍ / كَفَرْحَةِ بُعْدِي عَنْ عَدُوٍّ مُمَاذِقِ
فَتِلْكَ بِهَذِي وَالنَّجَاةُ غَنِيمَةٌ / مِنَ النَّاسِ وَالدُّنْيَا مَكِيدَةُ حَاذِقِ
أَلا أَيُّهَا الزَّارِي عَلَيَّ بِجَهْلِهِ / وَلَمْ يَدْرِ أَنِّي دُرَّةٌ فِي الْمَفَارِقِ
تَعَزَّ عَنِ الْعَلْيَاءِ بِاللُّؤْمِ وَاعْتَزِلْ / فَإِنَّ الْعُلا لَيْسَتْ بِلَغْوِ الْمَنَاطِقِ
فَمَا أَنَا مِمَّنْ تَقْبَلُ الضَّيْمَ نَفْسُهُ / وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ كُلُّ مَائِقِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ لِمَا فِيهِ مَجْدُهُ / قَضَى وَهْوَ كَلٌّ فِي خُدُورِ الْعَوَاتِقِ
وَأَيُّ حَيَاةٍ لاِمْرِئٍ إِنْ تَنَكَّرَتْ / لَهُ الْحَالُ لَمْ يَعْقِدْ سُيُورَ الْمَنَاطِقِ
فَمَا قُذُفَاتُ الْعِزِّ إِلَّا لِمَاجِدٍ / إِذَا هَمَّ جَلَّى عَزْمُهُ كُلَّ غَاسِقِ
يَقُولُ أُنَاسٌ إِنَّنِي ثُرْتُ خَالِعاً / وَتِلْكَ هَنَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَلائِقِي
وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالْعَدْلِ طَالِبَاً / رِضَا اللَّهِ وَاسْتَنْهَضْتُ أَهْلَ الْحَقَائِقِ
أَمَرْتُ بِمَعْرُوفٍ وَأَنْكَرْتُ مُنْكَراً / وَذَلِكَ حُكْمٌ فِي رِقَابِ الْخَلائِقِ
فَإِنْ كَانَ عِصْيَاناً قِيَامِي فَإِنَّنِي / أَرَدْتُ بِعِصْيَانِي إِطَاعَةَ خَالِقِي
وَهَلْ دَعْوَةُ الشُّورَى عَلَيَّ غَضَاضَةٌ / وَفِيهَا لِمَنْ يَبْغِي الْهُدَى كُلُّ فَارِقِ
بَلَى إِنَّها فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ / عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْ مَسُوقٍ وَسَائِقِ
وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَرْءُ حُرَّاً مُهَذَّباً / وَيَرْضَى بِمَا يَأْتِي بِهِ كُلُّ فَاسِقِ
فَإِنْ نَافَقَ الأَقْوَامُ فِي الدِّينِ غَدْرَةً / فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ غَيْرُ مُنَافِقِ
عَلَى أَنَّنِي لَمْ آلُ نُصْحَاً لِمَعْشَرٍ / أَبَى غَدْرُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا قَوْلَ صَادِقِ
رَأَوْا أَنْ يَسُوسُوا النَّاسَ قَهْرَاً فَأَسْرَعُوا / إِلَى نَقْضِ مَا شَادَتْهُ أَيْدِي الْوَثَائِقِ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الظُّلْمُ قَامَتْ عِصَابَةٌ / مِنَ الْجُنْدِ تَسْعَى تَحْتَ ظِلِّ الْخَوَافِقِ
وَشَايَعَهُمْ أَهْلُ الْبِلادِ فَأَقْبَلُوا / إِلَيْهِمْ سِرَاعاً بَيْنَ آتٍ وَلاحِقِ
يَرُومُونَ مِنْ مَوْلَى الْبِلادِ نَفَاذَ مَا / تَأَلَّاهُ مِنْ وَعْدٍ إِلَى النَّاسِ صَادِقِ
فَلَمَّا أَبَى الْحُكَّامُ إِلَّا تَمَادِيَاً / وَحَالَ طِلابُ الْحَقِّ دُونَ التَّوَافُقِ
أُنَاسٌ شَرَوْا خِزْيَ الضَّلالَةِ بِالْهُدَى / نِفَاقاً وَبَاعُوا الدِّينَ مِنْهُم بِدَانِقِ
فَجَاؤُوا إِلَيْهِمْ يَنْصُرُونَ ضَلالَهُمْ / بِخُدْعَةِ مُغْتَالٍ وَحِيلَةِ سَارِقِ
فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا فِي الْبِلادِ وَأَيْقَنُوا / بِعَجْزِ الْمُحَامِي دُونَهَا وَالْموَاثِقِ
أَقَامُوا وَقَالُوا تِلْكَ يَا قَوْمُ أَرْضُنَا / وَمَا أَحَدٌ مِنَّا لَهَا بِمُفَارِقِ
وَعَاثُوا بِهَا يَنْفُونَ مَنْ خِيفَ بِأْسُهُ / عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ تِلْكَ إِحْدَى الْبَوائِقِ
وَأَصْبَحَ وَادِي النَّيلِ نَهْبَاً وَأَصْبَحَتْ / إِمَارَتُهُ الْقَعْسَاءُ نُهْزَةَ مَارِقِ
فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فَلا تَسَلْ / سِوَايَ فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْحَقَائِقِ
فَيَا مِصْرُ مَدَّ اللهُ ظِلَّكِ وَارْتَوَى / ثَرَاكِ بِسَلْسَالٍ مِنَ النِّيلِ دَافِقِ
وَلا بَرِحَتْ تَمْتَارُ مِنْكِ يَدُ الصِّبَا / أَرِيجَاً يُدَاوِي عَرْفُهُ كُلَّ نَاشِقِ
فَأَنْتِ حِمَى قَوْمِي وَمَشْعَبُ أُسْرَتِي / وَمَلْعَبُ أَتْرَابِي وَمَجْرَى سَوَابِقِي
بِلادٌ بِهَا حَلَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي / وَنَاطَ نِجَادَ الْمَشْرَفِيِّ بِعَاتِقِي
إِذَا صَاغَهَا بَهْزَارُ فِكْرِي تَصَوَّرَتْ / لِعَيْنِي فِي زِيٍّ مِنَ الْحُسْنِ رَائِقِ
تَرَكْتُ بِهَا أَهْلاً كِرَاماً وَجِيرَةً / لَهُمْ جِيرَةٌ تَعْتَادُنِي كُلَّ شَارِقِ
هَجَرْتُ لَذِيذَ الْعَيْشِ بَعْدَ فِراقِهِمْ / وَوَدَّعْتُ رَيْعَانَ الشَّبَابِ الْغُرانِقِ
فَهَلْ تَسْمَحُ الأَيَّامُ لِي بِلِقَائِهِمْ / وَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا مَشُوقٌ بِشَائِقِ
لَعَمْرِي لَقَدْ طَالَ النَّوَى وَتَقَطَّعَتْ / وَسَائِلُ كَانَتْ قَبْلُ شَتَّى الْمَوَاثِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ سَاءَتْ صُرُوفُهَا / فَإِنِّي بِفَضْلِ اللهِ أَوَّلُ وَاثِقِ
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ / وَيَرْجِعُ لِلأَوْطَانِ كُلُّ مُفَارِقِ