القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الشَّريف المُرتَضى الكل
المجموع : 32
يَهون عندكُمُ أنّي بكم أَرِقُ
يَهون عندكُمُ أنّي بكم أَرِقُ / وأنّ دمعاً على الخدّين يستبقُ
وأنّ دَيْناً عليكمْ لا قضاءَ له / وأنّ رَهْناً عليكمْ تائِهٌ غَلِقُ
وكيف ينفعنا صدقُ الحديثِ وقد / قبلتُمُ قول أقوامٍ وما صدقوا
وهلْ دنُوُّكُمُ مُسلٍ ونحن إذا / كنّا جميعاً بطولِ الصَّدِّ نفترقُ
كلُّ المودّةِ زورٌ غيرَ وُدِّكُمُ / وكلُّ حبٍّ سوى حبّي لكمْ مَلَقُ
يا صاحِبَيَّ اِمتِحاني من عيونكما / فأنّ لِي مُقْلَةً إنسانُها غَرِقُ
واِستَوضحا هل حمولُ الحيِّ زائلةٌ / والرَّكْبُ عن جَنَباتِ الحيِّ منطلقُ
وفي الحدوج الّتي حفّ القَطينُ بها / ظبْيٌ بما شاء من أَلبابنا عَلِقُ
ودِدْتُ منه وَقد حَفّ الوشاةُ بنا / أنّا بعِلّةِ قرْبِ البينِ نعتنِقُ
قُل للّذي بات محروماً يُثبّطُهُ / عن مطمحِ العزِّ منه الرُّعْبُ والشَّفَقُ
يرعى الهشيمَ مُلِظّاً قعرَ أوديةٍ / غرثَى المسالكِ لا ماءٌ ولا ورقُ
إنّي علقتُ بفخر الملكِ في زمنٍ / ما كان لِي منه في الأقوامِ مُعتَلِقُ
مردّدٌ كلَّ يومٍ في مواهبِهِ / متوَّجٌ منه بالنعماءِ مُنْتَطِقُ
يا صَفْونا في زمانٍ كلُّهُ كَدَرٌ / وفجرَنا في زمانٍ كلُّه غَسَقُ
وحامِلَ العِبْء كلّتْ دونه مُنَنٌ / وقائدَ الجيشِ ضاقتْ دونه الطُّرُقُ
ورابطَ الجأْشِ والأبطالُ هائبةٌ / والهامُ بين أنابيب القنا فَلِقُ
في موقفٍ حَرِجٍ يُلقَى السّلاحُ به / والقِرْنُ من ضيقه بالقرن معتنقُ
قد كان قبلك قومٌ لا جميل لهمْ / كأنّهمْ من خمول الذّكرِ ما خُلِقوا
فوتُ الأمانِيَ ما شادوا ولا كرموا / نُكْدُ السّحائبِ ما اِنهلّوا ولا بَرِقوا
فَما نَفَقنا عَليهم من غَباوَتهمْ / وما علينا بشيءٍ منهُمُ نفقوا
وأين قبلك يا فخرَ الملوك فتىً / مُستَجْمَعٌ فيه هذا الخَلْقُ والخُلُقُ
ومَنْ إذا دخل الجبّارُ حضرتَهُ / يزداد عزّاً إذا ذَلّتْ له العُنُقُ
وأيُّ مُخْتَرِقٍ يُضحِي وَلَيس بهِ / إلى الفضيلةِ منك النَّصُّ والعَنَقُ
وأيُّ مُقصىً عن المعروف ليس له / مُصْطَبحٌ بين ما تُولِي ومُغْتَبَقُ
شِعْبٌ به لذوي الأنضاء مُرتَبَعُ / وجانبٌ فيه للمحروم مُرتَزَقُ
مُستَمْطَرُ الجود لا فقرٌ ولا جَهَدٌ / ومُستجارٌ فلا خوفٌ ولا فَرَقُ
ومشهدٌ ليس فيه من هوىً جَنَفٌ / ولا يُطاشُ به طيشٌ ولا خُرُقُ
لا يألف الحِقْدُ مَغْنىً من مساكنِهِ / ولا يُلَبِّثُ في أبياتِهِ الحَنَقُ
قد قلتُ للقومِ لم يخشوا صَريمَتَهُ / وربّما خاب بغياً بعضُ مَنْ يَثِقُ
حذارِ من غَفَلاتِ اللّيث يَخْدَرُ في / رأي العيونِ وفي تاموره النَّزَقُ
يُغضِي كأنَّ عليه من كرىً سِنَةً / وإنّما حشُوه التّسهيدُ والأَرَقُ
ولا تراه وإنْ طال المِطالُ به / إلّا مُكِبّاً على الأوصال يعترِقُ
أوْ مِن ضئيلٍ كجُثمانِ الفظيعِ له / في كلّ ما ذَرَّ نجمٌ أوْ هوى صَعِقُ
أُرَيْقِطٌ غيرَ أرفاغٍ نَجَوْنَ كما / مسّ الفتى من نواحي جلده البَهَقُ
تراه في القيظِ مُلتفّاً بسَخْبَرَةٍ / كأنّما هو في تدويره طبَقُ
فاِفخَرْ فما الفخرُ إِلّا ما خُصصتَ به / وفخرُ غَيرك مكذوبٌ ومُختَلَقُ
فالمجدُ وَقْفٌ على دارٍ حللتَ بها / وما عداك فشيءٌ منك مُستَرَقُ
وَاِسعَدْ بِذا العيد والتّحويلِ إنّهما / توافقا والسّعودُ الغُرُّ تتَّفقُ
عيدانِ هذا به فِطْرُ الصّيامِ وذا / زار البسيطةَ فيه الوابلُ الغَدَقُ
وقتٌ به السّعدُ مقرونٌ ومُلتبسٌ / وطالعٌ وَسْطَه التوفيقُ مُرتِفقُ
وليلةٌ صقل التحويلُ صبغتَها / فإنّما هي للسَّاري بها فَلَقُ
ومن رأى قبل أنْ ضوّأتَ ظُلمَتَهُ / ليلاً له في الدّآدي منظرٌ يَقَقُ
ضاقَ القَريضُ عن اِستيفاء فضلك يا / ربَّ القريض وعَيَّتْ ألسُنٌ ذُلُقُ
وإنّما نشكر النُّعمى وإِنْ عظمتْ / فكم أُناسٍ بما أُولُوهُ ما نطقوا
فَاِسلَمْ ودُمْ فزِنادُ الملك وارِيةٌ / وكلُّ مختلفٍ في الخلقِ مُتّسِقُ
وعشْ كما شئتَ عمراً ما لنائبةٍ / به محالٌ ولا فيه لها طُرُقُ
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ
ما كان عندي والرِّكابُ مُناخةٌ / قبلَ التّفرّقِ أنّني أُستاقُ
إن كان يومُ البينِ شتّت شملَنا / فخلالَه قُبَلٌ لنا وعناقُ
لا تطمعوا في الصَّبر منّى بعدكمْ / فلَقَلّما تتصبَّر العشّاقُ
لأَنتُمُ آلُ خير النَّاسِ كلِّهِمُ
لأَنتُمُ آلُ خير النَّاسِ كلِّهِمُ / المنهلُ العَذْبُ والمستوردُ الغَدَقُ
وليس للّهِ دينٌ غير حبّكُمُ / ولا إليه سواكمْ وحدَكمْ طُرُقُ
وَإِنْ يَكُن من رسول اللَّه غيركُمُ / سوى الوجود فأنتمْ عنده الحدَقُ
رُزِقتُمُ الشّرفَ الأعلى وقومُكُمُ / فيهمْ غضابٌ عليكمْ كيف ما رُزقوا
وأنتمُ في شديداتِ الورى عُصُرٌ / وفي سواد الدّياجي أنتمُ الفَلَقُ
ما للرّسول سوى أولادكمْ وَلَدٌ / ولا لنَشْرٍ له إلّا بكمْ عَبَقُ
فَأَنتمُ في قُلوب النَّاس كلّهمُ / السَّمْتُ نقصده والحبلُ نَعْتَلِقُ
هل يَستوي عند ذي عينٍ رُبىً ورُبىً / أو الصّباح على الأوتادِ والغَسَقُ
وُدّي عليه مقيمٌ لا بَراحَ له / من الزَّمان ورَهْني عندكم عَلِقُ
وثقتُ منكمُ بأن تستوهبوا زَلَلِي / عند الحساب وحسبي مَنْ به أثقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ
ما للخيالِ ببطن مَرٍّ يطرقُ / أنّى وليس له هنالك مَطْرَقُ
زار الهجودَ وَلم يَنَلْهُ ولا اِهتدى / منّا إليه مُسهَّدٌ ومؤرَّقُ
لو كان حقّاً زار في وَضَحِ الضُّحى / فالزَّوْرُ وَهْناً كاذبٌ لا يصدقُ
زرتَ الّذين توهّموها زَوْرَةً / ومضيتَ لمّا خفتَ أن يتحققوا
وقرُبتَ قرباً عاد وهو تبعُّدٌ / ووصلتَ وصلاً آب وهو تفرُّقُ
وَخَدعتَ إلّا أنَّ كلَّ خديعةٍ / رَوَّتْ صدى كَلِفٍ يُحبّ ويعشِقُ
ما كان عندي والرّقادُ مجانبٌ / لجفونِ عيني أنّ طَيْفَكَ يطرُقُ
كَيفَ اِهتَدى والبعدُ منّا واسعٌ / لرحالنا هذا العَناقُ الضيّقُ
أم كيف طاف مُسَلَّمٌ بمكلَّمٍ / أم كيف عاج على الأسير المطلقُ
ومُجَدَّلٍ بيد الكَلالِ كأنّه / في الرِّيِّ يُصبح بالمُدامِ ويَغبُقُ
أمسى موسّده وقد سكن الكرى / في مُقلتيه ساعدٌ أو مِرْفَقُ
وإذا ترفّعت الحدوجُ فقل لما / واراه عنّا الوَشْيُ والإستبرقُ
حتّى متى عطشانُكمْ لا يرتوي / من مائكمْ ومريضُكمْ لا يُفرقُ
لم تعرفوا شوقاً فلم تأووا لمن / يُضحِي ويُمسِي نحوكم يتشوّقُ
أقسمتُ بالبيتِ العتيق تزورهُ / بالشّاحطين من الرّجال الأينُقُ
لمّا أتوه خائفين تشبّثوا / بستاره ليجُيرهم وتعلّقوا
والقومُ في وادي مِنىً فمجرّدٌ / أو لابسٌ ومُلَبِّدٌ ومُحَلِّقُ
والبُدنُ يُهرَق ثَمَّ من أوداجها / ما لم يكن لولا العبادةُ يُهرَقُ
والموقِفَين ومن تراه فيهما / يرنو إلى عفو الإله ويرمُقُ
لبسوا الهجير محرّقين جلودهمْ / من خوف نارٍ في الجحيم تُحرِّقُ
إنّ الّذين أعدّهمْ من عنصري / وبهمْ إذا فاخرتُ يوماً أعلقُ
شَجعوا فمِنْسَرُهمْ يروّع جَحْفَلاً / ووحيدُهمْ يومَ الكريهةِ فَيْلَقُ
ولهمْ إذا جمدتْ أكفٌّ في ندىً / أو في وغىً أيد هناك تَدَفَّقُ
قلْ للّذين تطامحوا أنْ يفخروا / بمفاخرٍ ببنائهمْ لا تَعْلِقُ
غُضّوا اللِّحاظَ فقد عَلَتْ تَلْعاتِكمْ / في مفخرٍ منّا الجبالُ الشُّهَّقُ
وإذا تسابقت الجيادُ إلى مدىً / أو غايةٍ أخذ الرّهانَ السُّبِّقُ
ولنا وليس لكم سوى الثَّمْدِ الّذي / لم يروِ ظمآناً بُحورٌ فُهَّقُ
كم ذا نكصتمْ عن طلابِ فضيلةٍ / أنا من جوانبها أخُبُّ وأَعنِقُ
وفررتُمُ ووقفتُ في ملمومةٍ / فيها القنا بيد الطّعانِ تُدَقَّقُ
وخرستُمُ ونطقتُ في النّادي الّذي / يُعطَى المقادَةَ فيه مَن هو أنطقُ
ورُزقتُ لمّا أن سعيتُ إلى العُلا / فاِسعوا كما أنّي سعيتُ لتُرزقوا
وفريتُ لمّا أنْ خلقتُ فما لكمْ / والفَريُ ناءٍ عنكُمُ أن تخلقوا
والنّاسُ في الدنيا إذا جرّبتَهمْ / إِمّا هباءٌ أو سرابٌ يبرقُ
إمّا صديقٌ كالعدوِّ تقاعداً / عن نصرتي أو فالعدوّ المُحْنَقُ
لا مَخبَرٌ يُرضِي القلوبَ ولا لهمْ / مرأَى به ترضى النّواظرُ يُونِقُ
في كلِّ يومٍ لِي ديارُ أخوَّةٍ / تخلو وشملُ مودّةٍ يتفرّقُ
والقلبُ منّي بالكروبِ مُقَلْقَلٌ / والجلدُ منّي بالنّيوبِ مُمَزَّقُ
وعَرِيتُ من ورق الإخاءِ وطالما / كانت غصوني بالأخوّةِ تورقُ
فاليوم ما لِي من خليلٍ أرتَضي / منه الإِخاءَ ولا صديقٌ يصدقُ
أعطاهُمُ زمنٌ مضى فتجمّعوا / واِبتزّهمْ زمنٌ أتى فتفرّقوا
فلقد قطعتُ العمرَ في قومٍ لهمْ / في كلّ مكرُمةٍ جبينٌ مشرقُ
وعليهمُ من كلّ ما زان الفتى / في العين أو في القلب منّا رَوْنَقُ
ما فيهمُ إلّا مُحَلّىً بالعُلا / ومَسَوَّرٌ ومتوّجٌ ومطوَّقُ
وتراهُمُ سامين في طرقِ العُلا / فإذا رأوْ سُبْلَ العضيهة أطرقوا
فالآن والسّبعون تعطِفُ صَعْدَتِي / وتُرِثُّ مِنّي ما تشاءُ وتُخلِقُ
وتألّقتْ لِي لِمَّةٌ كان الهوى / كلّ الهوى إنْ لم تكنْ تتألّقُ
واِسودّ منّي كلُّ ما هو أبيضٌ / بالرّغمِ لمّا اِبيضّ منّي المَفْرقُ
طوّحتُ بين معاشرٍ ما فيهمُ / خُلُقٌ ولا خَلْقٌ يُحَبُّ ويومَقُ
من دونهمْ أبداً لكلّ فضيلةٍ / سَترٌ وبابٌ للكريمةِ مغلقُ
فالظّنّ فيهمْ للجميل مكذِّبٌ / والظّنّ فيهمْ للقبيح مصدّقُ
فَإِلامَ يرمينِي بسهمٍ صائبٍ / مَن ليس لِي منهم إليه مفوِّقُ
فَعلى الّذين مَضوا وعينِي بعدهمْ / تجري وقَلبي نحوهم يتشوّقُ
منّي التحيّةُ غدوةً وعشيّةً / ووكيفُ منخرقِ العَزالِي مُغْدقُ
وعلى مساكنهمْ وإنْ سكنوا الثّرى ال / أَرَجُ الذكيُّ أو النّسيمُ الأعبقُ
دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ
دَعِ الهَوى يَتبعه الأخرقُ / لا صبوةَ اليومَ ولا مَعْشَقُ
ولا دموعٌ خَلْفَ مستوفِزٍ / تجري ولا قلبٌ له يخفقُ
ولو درى أهلُ الهوى بالّذي / جَنَى الهوى من قبل لم يعشِقوا
يا جَمْلُ لا أبصرني بعدها / أرنو إليه وجهُكِ المُشرِقُ
لو لم أُعرّضْ للهوى مهجتي / ما كان قلبي بالهوى يُسْرَقُ
لا فرعُكِ الفاحمُ يقتادني / ولا اِطّبانِي غُصنُك المورقُ
كنت أسيراً بالهوى عانياً / فالآن قلبي من هوىً مطلقُ
سَلْوانُ تجتاز به دائباً / روائحُ الحبِّ فلا يَعبقُ
فمَنْ يكن من حبّكمْ مُثْرِياً / فإنّنِي من بينهمْ مُمْلِقُ
لا طَرَقَ الطّيفُ الّذي كان مِنْ / أكبر همّي أنّه يطرُقُ
حَدَّثَ قلبي وهْوَ طوعُ الهوى / محدّثٌ باللّيل لا يصدقُ
وكيف لولا أنّه باطلٌ / يسري ولا سارتْ به الأيْنُقُ
زار وما زار سوى ذكرِهِ / وبيننا داوِيَّةٌ سَمْلَقُ
غرّاءُ لا يُمسي بِأَرجائِها / إلّا ظَليمٌ خلفه نِقْنِقُ
لَولا مَطِيٌّ كَسفينٍ بها / لكان مَن يركبها يَفْرَقُ
مَن عاذري مِن زَمنٍ كلّما / طلبتُ منه راحةً أَخفِقُ
يخصّ بالضّرّاءِ أحرارَه / ويَرزقُ السَّرّاءَ من يَرزقُ
صحبتُه أعوجَ لا ينثنِي / ومعجلاً بالشّرِّ لا يرفقُ
طوراً هو الموسعُ أقطارَه / وتارة أخرى هو الضيّقُ
لو أنّني أُنفقُ عِرْضِي به / كنتُ عليه أبداً أَنفُقُ
عزّ الفتى يكظِمُ حاجاتهِ / والنّاسُ مُستثرٍ ومسترزقُ
فما يبالِي حاقرٌ للمنى / جِيدَ اللّوى أم سُقِىَ الأبرقُ
وكلّما هوّم في سَبْسَبٍ / وَسَّدهُ السَّاعدُ والمِرفقُ
عِرْضٌ جديدٌ لا ينال البِلى / منه وثوبٌ مُنهَجٌ مُخلَقُ
وربّما نال الفتى وادعاً / ما لم ينله المزعَجُ المُقْلَقُ
ودون نيلِ المرءِ أوطارَه / فتقٌ على الأيّامِ لا يُرتَقُ
وكلُّ شيءٍ راقنا حسنهُ / فهْوَ سرابٌ في الضحى يبرقُ
وحبُّ هذي الدّارِ خوّانةً / داءٌ دويٌّ ما له مُفرِقُ
أين الأُلى حلّو قِلالَ العُلا / فُمزِّقوا من بعد أن مَزَّقوا
كأنّهمْ من بعد أن غرّبوا / لم يطلعوا قطّ ولم يشرقوا
داسوا بأقدامهم شُمَّخاً / تُرامُ بالأيدي ولا تُلْحَقُ
وكلَّ نجمٍ بالدّجَى ساطعٍ / يرميه نحو المغربِ المشرقُ
كأنّه من قَبَسٍ جذوَةٌ / أو عن لهيبٍ خلفه يُفتَقُ
كم أوضعوا في طُرُقاتِ العُلا / وحلّقوا في العزّ إذْ حلّقوا
حتّى إذا حان بلوغُ المَدى / قِيدوا إلى المكروه أو سُوِّقوا
طاحوا إلى الموتِ وكم طائحٍ / لم يُغنِ عنه حَذِرٌ مُشفِقُ
نحن أناسٌ لطِلابِ العُلا / نخُبُّ في الأيّامِ أو نَعْنِقُ
ما خَلقَ اللَّه لَنا مُشبهاً / في غابر الدّهرِ ولا يخلُقُ
كم رام أن يصعد أطوادَنا / بَواذِخاً قومٌ فلم يرتقوا
أَو يَلحقوا ما اِمتدَّ من شَأْوِنا / في طلب العزّ فلم يلحقوا
قد قلت للقوم وكم طامعٍ / يُصبِحُ بالباطل أو يغبُقُ
أين من البَوْغاءِ أسماكُنا / ومن ثِمادٍ بحرُنا المُفْهَقُ
في الغاب والغابُ مجازٌ لكمْ / ليثٌ بلا عذر الكرى يُطرِقُ
في كفّه مثلُ حِدادِ المُدى / يفرِي بها الجلدَ ولا تَخْلِقُ
يَغتالُ طولَ البعد إرقالُه / فَمُنْجِدٌ إنْ شاء أو مُعْرِقُ
فكم صريعٍ عنده للرّدَى / وكم نجيعٍ حوله يُهرقُ
كأنّما خيط على غضبةٍ / فهوَ مغيظٌ أبداً مُحنَقُ
خلّوا الّتي سكّانُها معشرٌ / هُمُ بها من غيرهمْ ألْيَقُ
قناتُهمْ في المجد لا تُرتَقَى / وجُردُهم في الجود لا تُسبَقُ
قومٌ إذا ما سنحوا في الوغى / سالوا دماً أو قدحوا أحرقوا
بكلِّ مشحوذِ الظُّبا أبيضٍ / وأسمرٍ يعلو به أزرقُ
لا باسلٌ يشبهه ناكِلٌ / ولا صميمٌ مثلُه مُلْحَقُ
ولا سواءٌ عند ذي إِرْبَةٍ / باطنُ رجلِ المرءِ والمَفْرقُ
وقد زلقتُم في مطافٍ له / بابٌ إلى العزّ ولم يزلقوا
وخلتُمُ أنّ العُلا نُهْزَةٌ / يعلقها بالكفّ مَن يَعْلِقُ
حتّى رأيناها بأيديكُمُ / تزِلُّ أو تَزلقُ أو تَمْرُقُ
ودونكمْ من لؤمِ أفعالكمْ / بابٌ إلى ساحاتها مُغلَقُ
إنّ أناساً طلبوا حُوَّماً / وِرْداً شربنا صفوَه ما سُقوا
لَيسوا منَ الفخرِ ولا عنده / ولا لهمْ في رَبْعِه مَطْرَقُ
إنْ سُئلوا في مَغْرَمٍ بَخَّلوا / أو جُمعوا في معركٍ فُرِّقوا
وليس يجري أبداً في الورى / إلّا بِما ساءَهمُ المنطقُ
قل لرواةِ الشّعر جوبوا بها / فجّاً من الإحسانِ لا يُطرَقُ
كأنّها في ربوةٍ روضةٌ / أو من شبابٍ ناعمٍ رَيِّقُ
صِينتْ عن اللّين على أنّها / غانٍ بها الإشراقُ والرَّوْنَقُ
فكم أُناسِ بقيتْ منهُمُ / محاسنُ الشِّعر وما أنْ بقوا
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ
تَراءت لنا بالأبرَقَيْن بُروقُ / شُروقٌ لأفقٍ غابَ عنه شُروقُ
كأنّ نجومَ الليل دُرٌّ وبينها / تلألؤ إيماضِ الوميضِ بروقُ
وَما خلتُ إلّا الوَرْسَ في الأفقِ إنّه / متى لم يَكُنْهُ الورس فَهْوَ خَلوقُ
كأنّ نجيعاً خالط الجوَّ أو جَرَتْ / لنا بين أثناء الغمامِ رحيقُ
يلوح ويخفى ثم يدنو وينتئي / ويوسع من مجراه ثمّ يضيقُ
فما خفقتْ إِلّا كذاك جوانحٌ / ولا نبضتْ إلّا كذاك عروقُ
وشوّقنِي إيماضُه نحو أوجهٍ / لهنّ سناءٌ والمشوقُ مشوقُ
ودون اللّوى ظبْيٌ له كلُّ ما هوى / عَلوقٌ بحبّاتِ القلوب لَصوقُ
له حكمُهُ منّي ومن دون عَطفه / عليَّ غزيرُ اللُّجَّتين عميقُ
وأولَعُ بالبُقيا عليه وما له / إلى جانب البُقيا عليَّ طريقُ
وما وَعدُهُ إلّا اِختلاجةُ خُلَّبٍ / وَإِلّا سرابٌ بالفلاةِ خَفوقُ
فمن لستُ مودوداً إليه أودّه / وَمَن ليس مشتاقاً إليَّ يشوقُ
وإنّي على مَن لا هوادَة عنده / ولا شَفَقٌ منه عليَّ شفيقُ
فيا داءَ قلبي ما أراك تُغِبُّنِي / ويا سُكرَ قلبي ما أراك تفيقُ
بنفسِيَ من ودّعتُه يومَ ضارجٍ / وجَفنِيَ من فيضِ الدّموعِ غريقُ
وكلّفنِي من ثِقْلِ يومِ وداعِهِ / بلابلَ لا يسطيعهنَّ مطيقُ
يُغِلْنَ اِعتزامَ المرءِ وهْوَ مصمّمٌ / ويَهْدِمْنَ ركن الصّبر وهو وثيقُ
وليلةَ بِتْنا وهو حانٍ على الهوى / بعيدُ النّوى شَحْطَ الأذاة سحيقُ
وقد ضلَّ فيه الكاشحون وقُطّعتْ / عوائقُ كانت قبل ذاك تعوقُ
ونحن كما شاء العدوّ فإنّه / شَجٍ بالّذي نهوى وشاء صديقُ
فعَرْفُ الوصالِ يومَ ذاك مُنَشَّرٌ / وعذبُ المُنى صِرْفٌ هناك مَذوقٌ
فَلم تَك إلّا عفّةٌ ونزاهةٌ / وَإِلّا اِشتكاءٌ للغرامِ رقيقُ
وَإِلّا اِنتجاءٌ بالهوى وتحدّثٌ / صقيلُ حواشي الطُّرَّتين أنيقُ
عليه من الجاديّ فَغْمةُ نَشرةٍ / وَفيهِ ذكيُّ المَنْدَلِيِّ سَحيقُ
فَما زالَ منّا ظامئُ الحبِّ ناقعاً / إلى أن تبدّتْ للصّباحِ فتوقُ
وَأَقبل مَوْشِيَّ القميص إذا بدا / وكلّ أسيرٍ بالظّلام طليقُ
يقوِّض أطنابَ الدّياجي كأنّما / ترحّل من بعض الدّيار فريقُ
فَما هو إلّا قُرحةٌ لدُجُنَّةٍ / وَإلّا فَرأسٌ للظّلامِ حليقُ
وَشُرِّد بِالبطحاءِ حتّى كأنّه / بِكارُ فلاةٍ راعهنَّ فنيقُ
فإن لم يكن ثغرُ الدُّجى متبسّماً / فسيفُك يا أُفقَ الصّباحِ ذَلوقُ
وإن لم يكن هذا الصّباح بعينه / فجانبُ شرق الرّكب فيه حريقُ
فلم يبقَ للسّاري سُرىً في لبانةٍ / ولا لِطَروقٍ للرِّحالِ طُروقُ
شاقك البرقُ اليماني
شاقك البرقُ اليماني / ي دجىً فيما يشوقُ
صبغ الأفقَ فقلنا / عَنْدَمٌ ذا أم خَلوقُ
أم غدا كاليَمَنِ اليو / مَ به هذا العقيقُ
وشككنا وهو بالأف / قِ عَلوقٌ وشَروقُ
هَل أُطيرَ اللّيلُ حتّى / حان للشّمسِ شُروقُ
أم بطاحُ الشّجرِ الغَرْ / بيِّ في الدَّوِّ حريقُ
والمطايا كالحنايا / غالها البعدُ السَّحيقُ
وجَليدُ الرّكبِ يوماً / ثَمِلٌ لا يستفيقُ
من رآه قال هذا / قد سرَتْ فيه الرّحيقُ
وعلى العِيسِ وركبُ ال / عِيسِ في البيد طريقُ
شاحطُ القُطرين ناءٍ / عائر اللُّجِّ عميقُ
والفتى من ركب الهَوْ / لَ ولم يدرِ الرّفيقُ
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه
حللتَ بنا واللّيل مُرْخٍ سُدولَه / فألّا وضوءُ الصّبحِ للعين مُشرِقُ
وزِدْتَ مِطالاً عن لقاء مُصَحَّحٍ / وأوْسَعَنا منك اللّقاءُ المُزَوّقُ
فأَحْبِبْ به من طارقٍ بعد هَدْأَةٍ / على نَشوةِ الأحلامِ لو كان يصدقُ
ولمّا تفرّقنا ولم يكُ بيننا / هُنالك لولا النّومُ إلّا التفرُّقُ
تطايَرَ وصلٌ غرّنا فكأنّه / رداءٌ سحيقٌ أو مُلاءٌ مُشَبْرَقُ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ
ألَمَّ خيالٌ من أُمَيْمَةَ طارقٌ / ومن دونَ مسراه اللّوى والأبارِقُ
ألمّ بنا لم ندر كيف لِمامُهُ / وقد طالما عاقته عنّا العوائقُ
فلّلهِ ما أولَى الكرى في دُجُنَّةٍ / جَفَتْها الدّراري طُلَّعٌ وبوارقُ
نَعِمْنا به حتى كأنّ لقاءنا / وَما هو إلّا غايةُ الزُّورِ صادقُ
فما زارني في اللّيل إلّا وصبحُنا / تُسَلُّ علينا منه بِيضٌ ذَوالِقُ
فَكيفَ اِرتَضيتَ اللّيلَ واللّيلُ مُلْبِسٌ / تَضِلُّ به عنّا وعنك الحقائقُ
تُخيّل لِي قُرْباً وأنتَ بنجوةٍ / وتوهمني وصْلاً وأنت المفارقُ
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا
لا تحذر البيضَ الصّوارمَ والقنا / واِحذرْ بجُهدك ما يقول المنطقُ
يبقى الكلامُ وكلُّ كَلْمٍ مؤلمٍ / يمحوه ليلٌ أو نهارٌ مشرقُ
والقولُ إمّا كان في عِرْضِ الفتى / كذباً فكم كذب الرّجال وصدّقوا
قل للّذي جمع التِّلادَ وعنده / أنّ التِّلادَ ثَنِيَّةٌ لا تُطْرَقُ
إنّ الحِمامَ لِمَا نَظَمْتَ مُشتِّتٌ / ولما جمعتَ مبدّدٌ ومفرّقُ
والمالُ بعد الموتِ من خُزّانِهِ / شِلْوٌ على أيدي الرّجالِ يُمزَّقُ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ
أمُرُّ على الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / وقلبي بمن فيها رهينٌ معلّقُ
وَأَقريهمُ منّي السّلامَ وبيننا / رِتَاجٌ ومسدولٌ من الترب مُطبَقُ
ولو أنّنِي أنصفتُ مَنْ في ترابها / لما رحتُ عنه مُطلقاً وهو موثَقُ
وأنّ له منّي قليلاً جوانحٌ / خَفَقْنَ وعينٌ بالدّموع تَرَقْرَقُ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ
أقِلْنِيَ ربّي بالّذين اِصطفيتَهُمْ / وقلتَ لنا هم خيرُ مَنْ أنَا خالقُ
وإنْ كنتُ قد قصّرتُ سعياً إلى التُّقى / فإنّي بهمْ إنْ شئتَ عندك لاحقُ
هُمُ أنقذوا لمّا فَزِعتُ إليهمُ / وقد صَمّمت نحوي النُّيوبُ العوارقُ
وهم جَذَبوا ضَبْعي إليهمْ من الأذى / وقد طرقتْ بابي الخطوبُ الطّوارقُ
ولولاهُمُ ما نلتُ في الدِّينِ حُظوَةً / وَلا اِتّسَعَتْ فيه عليَّ المضائقُ
ولا سيّرتْ فضلي إليها مغاربٌ / ولا طَيَّرَتْهُ بينهنّ مشارقُ
ولا صَيّرتْ قلبي من النّاسِ كلّهمْ / لَها وَطَناً تأوي إليه الحقائقُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ
أفي كلّ يومٍ لي حميمٌ أفارقُهُ / وخِلٌّ نآنِي ما نَبَتْ بي خَلائِقُهْ
ومُضطجِعٌ في ريبِ دهرٍ مُسَلَّطٍ / تُطالعني في كلّ فجٍّ طوارقُهْ
ومُلتَفِتٌ في إثْرِ ماضٍ مُغَرِّبٍ / تراماهُ أجراعُ الرّدى وأبارقُهْ
فثَلْمٌ على ثَلْمٍ وزُرْءٌ مضاعفٌ / على فتقِ رُزْءٍ ضلّ بالدّهرِ راتقُهْ
مصائبُ لو أُنزِلْنَ بالشّمسِ لم تُنِرْ / وَبالبدر لم تُمْدَدْ بليلٍ سُرادِقُهْ
فمُعْتَبَطٌ خولِسْتُهُ ومؤجَّلٌ / تلبّث حتّى خِلتنِي لا أُفارقُهْ
تجافَى الرّدى عنه فلمّا أمِنْتُهُ / سقانِيَ فيه مُرَّ ما أنا ذائِقُهْ
فسُرَّ به قلبي فغال مسَرَّتِي / زمانٌ ظلومٌ للسّرورِ يسارقُهْ
أرى يومَه يومي وأشعرُ فقدَه / بأنّي وإنْ طال التّلَوُّمُ لاحقُهْ
وكم صاحبٍ عُلِّقْتُهُ فتقطّعَتْ / بأيدي المنايا من يديَّ علائقُهْ
وكيف صفاءُ العيش للمرء بعدما / تغيّبَ عنه رَهْطُهُ وأصادِقُهْ
فللّهِ أعوادٌ حَمَلْنَ عشيّةً / خبِيئةَ بيتٍ لا يرى السّوءَ طارقُهْ
على الكرمِ الفَضْفاضِ لُطَّتْ ستورُهُ / وبالبرِّ والمعروفِ سُدَّتْ مخارقُهْ
وَليسَ بهِ إلّا العفافُ وما اِنطَوَتْ / على غير ما يُرضي الإلهَ نمارِقُهْ
قيامُ سوادِ اللّيل يَندى ظلامُهُ / وصومُ بياضِ اليومِ تُحمى ودائِقُهْ
فدَتْني كما شاءتْ وما شئتُ أنّها / فَدَتْنِي ولا كانَ الّذي حُمَّ سابقُهْ
وَلَو أَنّني أَنصَفتُها من رعايتي / وقابلتُه رُزءاً بما هو لائقُهْ
لأكرعتُ نفسي بعدها مَكرعَ الرّدى / تصابحه حزناً لها وتغابقُهْ
سقى جَدَثاً أصبحت فيه مُجَلْجلٌ / رواعدُهُ ما تنجلي وبوارقُهْ
يُطيحُ الصَّدا الدّفَّاعُ منه وتَرْتوي / مغاربُهُ من فيضه ومشارقُهْ
لئِن غبتِ عن عيني فربّ مُغيَّبٍ / يروحُ وأبصارُ القلوبِ روامقُهْ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ
أَلا جنِّبا قلبي الأذى لا يُطيقُهُ / وقولوا له إذْ ضلّ أين طريقُهُ
فما الشّوقُ والأشجانُ إلّا صَبوحُهُ / وما الهمُّ والأحزانُ إلّا غَبوقُهُ
فإنْ أنتما لم تُسعداه بعبرةٍ / فلا تُنكرا إن سحّ بالدّمعِ مُوقُهُ
طوَى الموتُ أهلي بد طيِّ أصادِقي / ولمّا يُقِمْ مَن بانَ عنه صديقُهُ
فثُكلٌ على ثُكْلٍ ورُزْءٌ يسوقُهُ / إلى الكَبِدِ الحَرَّى عليه سَؤوقُهُ
وَما المَرءُ إِلّا عرضةٌ لمصيبةٍ / فطوراً بنوهُ ثم طوراً شقيقُهُ
وَما الدّهرُ إلّا تَرْحَةٌ بعد فرحةٍ / فلا كان منه بِرُّهُ وعقوقُهُ
أتاني من الطّرّاقِ ما يَقرحُ الحَشا / وكم طارقٍ لي لا يُوَدُّ طُرُوقُهُ
وقالوا معزُّ الدّينِ تاه به الرّدى / وسُدَّ به في وَسْطِ قاعٍ خُروقُهُ
فأَلْهَبَ خوفاً ليس يخبو حريقُهُ / وأعقب سكراً ليس يصحو مُفيقُهُ
وذاك ذهابٌ ليس يدنو إيابُهُ / وَوَشكُ غروبٍ ليس يُرجى شُروقُهُ
كأنّي وقد فارقتُهُ شِعْبُ منزلٍ / تحمّل عنه راغمين فريقُهُ
وإِلّا فصَدْيانٌ على ظهر قفرةٍ / وَما ماؤه إلّا السّرابُ ورِيقُهُ
فَليسَ الّذي تَجري به العينُ ماؤها / ولكنّه ماءُ الحياةِ أُريقُهُ
فمنْ لسرير الملك يركب متنَهُ / فيعلو به إِشرافُهُ وسُموقُهُ
ومَنْ لصفيحِ الهند يُنْثَرُ حولَه / فديغُ رؤوسٍ في الوغى وفليقُهُ
ومَنْ للقنا تحمرّ منه ترائبٌ / كأنّ خَلوقَ المعرسات خَلوقُهُ
ومَنْ للجيادِ الضُّمَّرِ القُودِ قادَها / إلى موقفٍ دَحْضُ المقامِ زليقُهُ
ومَنْ يحمل العِبْءَ الرّزينَ تكرّماً / إذا كَلَّ عن حَمْلِ الثّقيلِ مُطيقُهُ
ومَنْ لثغور الملك يرتُقُ فتقَها / إِذا اِلتاث ثَغْرٌ أو تراءَتْ فتوقُهُ
فتىً كان رنّاتِ السّيوفِ سَماعُهُ / وفيضَ نجيع الذّابلاتِ رحيقُهُ
وَلَم تُلفِهِ إِلّا وَفوق فَقارِهِ / جَليلُ الّذي يَقتادنا ودقيقُهُ
وقد علم الأملاك أنّك فُتَّهُمْ / وإلّا فقلْ مَن ذا الّذي لا تفوتُهُ
فإن نزلوا في الفخر هضباً رفيعةً / فمنزلُك الأعلى من الفخرِ نِيقُهُ
وأنّك من قومٍ كفى الخطبَ بأسُهمْ / وقامتْ بهمْ في معظم الأمر سوقُهُ
إذا ما جرى منهم كريمٌ إلى ندىً / مضى لم يَعُقْهُ دونه ما يَعوقُهُ
وفيهمْ شعابُ الملك تجري وعندهمْ / إذا وَشَجَتْ أغصانُه وعروقُهُ
وإن تنكُص الأقدامُ جُبناً فما لهمْ / إلى المجدِ إلّا شَدُّهُ وعنيقُهُ
قَضى اللَّهُ لِي من بعدك الحزنَ والأسى / وليسَ بمردودٍ قضاءٌ يسوقُهُ
وما كنتُ أخشى أنْ تَبِيتَ وبيننا / بعيدُ المدا شَحْطُ المزارِ سحيقُهُ
وأنِّيَ موفورٌ وأنتَ مُحَمَّلٌ / بثِقْلِ الثَّرى ما لا أراك تُطيقُهُ
يُفيقُ الرّجالُ الشّاربون من الكَرى / وسكرك من خمر الرّدى لا تُفيقُهُ
ولِمْ لا أقيك السّوءَ يوماً وطالما / وقيتَ من الأمر الذُّعاف مَذوقُهُ
ولمّا عرانِي ما عرانِيَ واِلتَوى / عليَّ أخٌ فيما عرا وشقيقُهُ
تشمّرتَ لِي حتَّى أضاء ظلامُهُ / وطاوعَ عاصيه وأرحَبَ ضيقُهُ
فَإنْ تمضِ فالأنواءُ تمضي وإِنْ تَغِبْ / فقد غاب عنّا من زمانٍ أنيقُهُ
وإن تَعْرَ منّا اليومَ فالغصنُ يُغتَدى / وريقاً زماناً ثُمّ يَعْرى وريقُهُ
فما لفؤادي بعد يومك بهجةٌ / ولا شاق قلبي بعده ما يشوقُهُ
ولا لسلوٍّ خَطْرَةٌ في جوانحي / ولا لجفوني طعمُ يومٍ أذوقُهُ
سلامٌ على قبرٍ حَلَلْتَ ترابَه / وهبّ عليه من نسيمٍ رقيقُهُ
وَمِن حوله وَشيُ الرّياض مُنَشَّرٌ / وفيه من المسك الذّكيّ فتيقُهُ
فإنْ ضاقت الأرضُ الفضا بعد فقده / فقد وسعته تربةٌ لا تضيقُهُ
مررنا عليه منشئين لقبره / غمامَ دموعٍ والحنينُ يسوقُهُ
ومِن قلّةِ الإنصافِ عيشيَ بعده / وفي الكفّ منّي لو أردتُ لُحوقهُ
قرّبا مِنِّيَ القِلاصَ العِتاقا
قرّبا مِنِّيَ القِلاصَ العِتاقا / وخذاها رحلةً وفراقا
ودعا عنّي أنّي حليمٌ / ربّ أمرٍ ضقتُ عنه وضاقا
عصفتْ بِي عنكما عاصفاتٌ / ويقيمُ المرءُ فيما أطاقا
لستُ أرضى منكما برفيقٍ / حسبُ نفسي قد سئمتُ الرّفاقا
موثِقاً كنتُ حياءً وحِلْماً / فاِتركاني قد قطعتُ الوَثاقا
لا سقى اللَّهُ شِعابَ خلافٍ / لم أُصِبْ قطُّ بهنّ وِفاقا
وإذا البرقُ حداهُ رُكامٌ / فَحماهُ اللَّه تلك البِراقا
ليس قلبي يا خليليَّ مِنِّي / إن نزا شوقاً إليها وتاقا
غيرَ هذا الحيّ عُلّق وُدِّي / وسواه هاج قلبي وشاقا
كلَّ يومٍ في صَفاتي ثلومٌ / سوف تقيك ردىً أن تُذاقا
وَاِعتِراقُ النَّحْضِ من عارِقيهِ / جَعَلَ العِرْقَ سريعاً عُراقا
أعِراقٌ أنتَ فيه أميمٌ / فَاِتَّخذْ غيرَ العراقِ عراقا
إنّ بالزَّوْراءِ دارَ أُناسٍ / أُنْشَقُ الشّرَّ بها وأُساقى
سَجَنونا بَينهمْ ثمّ نادوا / لا تروموا من يدينا أَباقا
عجّل اللّه فراقِيَ قوماً / تركوني لا أذمّ الفراقا
أنَا في كلّ وَقاحِ المُحَيَّا / لا يريك الوُدَّ إلّا نفاقا
إنْ كبا عن تَلْعَةٍ للمخازي / نزع العِرقُ به فَتَراقى
معشرٌ إنْ خُبِروا فغصونٌ / حَسُنَتْ مرأىً ومَرّت مَذاقا
كلّما زِدتُهُمُ من جميلٍ / زدتُهمْ مَقْلِيَةً وشِقاقا
وإذا عاتبتُهمْ أوسعوني / كلماتٍ أوسعوها اِختِلافا
نَتَلاقى وسقامُ قلوبٍ / لا نداويه بأنْ نتلاقى
أمِنَ الأشجانِ كنتُ خَلِيّاً / حين حادِي الذَّوْدِ زَمّ وساقا
قاد قلبي منهُمُ أحْوَذِىٌّ / رشّحوهُ ليقودَ النِّياقا
قلْ لمنْ عانقني ثمّ ولّى / سوف أحيا لا ألذُّ العِناقا
عَجِبَ الرّكبُ ضُحىً يوم بانوا / كيف لم نَزِدْ هوىً واِشتياقا
ثمّ قالوا نحن نعتدّ عذراً / إنْ تفرّقْنا وعشتَ فُواقا
قد أفاق الواجدون وملّوا / والّذي يهواكُمُ ما أفاقا
ليس عندي لسواكم خَلاقٌ / فَاِجعَلوا عِندكمْ لي خَلاقا
نَحنُ قَومٌ في ذُرا باسقاتٍ / ضرب العزُّ عليها رِواقا
نَقْتَنِي إمّا رماحاً طِوالاً / للأعادي أو سيوفاً رقاقا
في خيامٍ للقِرى ماثلاتٍ / ربطتْ أطنابُهنَّ العِتاقا
وإذا ما جُلْتَ حول فِناءٍ / فاقَ مَنْ نُؤْويه منّا ففاقا
لم تَجدْ إلّا مَجرّاً لرمحٍ / أو نجيعاً من عدوٍّ مُراقا
ونَمَتْنا من قريشٍ بُدورٌ / طالعاتٌ لا تُخاف مُحاقا
لَبِسوا المَجدَ فإمّا رداءً / سحبوا هُدّابه أو نِطاقا
قد خَلَوْنا بعدكُمُ بالمعالي / نتعاطاها كؤوساً دِهاقا
لم يَعُقْنا عن بلوغ الأماني / في المعالِي ما ثناكمْ وعاقا
عجّ هذا الدّهرُ يا قومُ منّي / كعجيجِ الفحلِ أمَّ الخِفاقا
كلّما ثبّطنِي عن مرامٍ / زادنِي ضنّاً به واِعتِلاقا
إنّ للدّنيا حِبالَ غرورٍ / فاِختَرقها تنجُ منها اِختراقا
مَن أراد العزَّ فيها مقيماً / فلْيُبِتْها كلَّ يومٍ طلاقا
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا
لمن ضَرَمٌ أعلى اليَفاعِ تعلّقا / تألَّقَ حتّى لم يجد متألِّقا
إخالُ بهِ يخفى ويبدو مكانه / وينأى ويدنو في دجى اللّيلِ أوْلَقا
كأنّ شموساً طالعاتٍ خلالَه / وإلّا وَرِيساً من مُلاءٍ تمزّقا
ذكرتُ به عصراً تصرّم طيّباً / وعيشاً سرقناه بوَجْرَةَ مُشرِقا
وريّانَ من خمر الكرى طولَ ليلِهِ / يهون عليه أنْ أبِيتَ مؤرّقا
ويحرمنا منه النّوالَ تجنّباً / ويُعرِضُ عنّا بالوصال تعشّقا
وَشنباءَ تستدعي العَزوفَ إلى الصِّبا / فَيعلقها السّالِي الّذي ما تعلّقا
تضِنُّ على الظّامي إليها بريقِها / وإنْ هي سَقَّتهُ الأراكَ المُخَلَّقا
وَلمّا اِلتَقينا للوداعِ رَقَتْ لها / دموعٌ ودمعي يوم ذلك ما رَقا
ولمّا مررنا بالظّباءِ عشيّةً / علَوْن النَّقا وَهْناً بأوفى من النَّقَا
سفرن فأبدلن الدّياجِيَ بالضُّحى / وأجريْنَ من تلك العشيّات رَوْنقا
فَمِسْنَ غصوناً واِطّلَعْن أهِلَّةً / وفُحْنَ عبيراً أو سُلافاً معتّقا
وعيّرْنَنِي شيباً سيُكسَيْنَ مِثلَهُ / وَمن ضلّ عن أيدي الرّدى شاب مَفْرقا
وهل تاركٌ للمرء يوماً شبابَه / صباحٌ وإمساءٌ ومنأى ومُلْتَقى
فقلْ للعِدا كَمْ ذا الطّماحُ إلى الّذي / علا قبلكمْ نحو السّماءِ مُحلِّقا
أَراحَكُمُ ذاك الّذي لِيَ مُتعِبٌ / وَنوّمكمْ ذاك الّذي لِيَ أرّقا
وَلَستمْ سواءٌ واِمرؤٌ في مُلِمَّةٍ / خمدتُمْ بها خوفَ الحِذارِ وأشرقا
وَلَم يَقْرِها إِلّا الصّفيحَ مُثلَّماً / وإلّا الوَشيجَ بالطِّعانِ مُدَقّقا
وشهّاقةً ترنو نجيعاً كأنّما / خرقتَ به نَوْءَ الحيَا فتخرّقا
فتحتُ لهمْ قعراً عميقاً كأنّنِي / فتحتُ بها باباً إلى الموتِ مُغْلَقا
تحكّكتُمُ منه بصلِّ تنوفةٍ / ثوى لا يذوق الماءَ فيمنْ تذوّقا
يَرُمُّ وما إرْمامُهُ لمخافةٍ / ويُخشَى الرّدى ممّنْ أرمَّ وأطْرَقا
يمُجُّ سِماماً من فروجِ نُيوبِهِ / متى ما رقاها القومُ صَمَّتْ عن الرُّقى
وبحرُ النّدى يَمُّ الرَّدى لمُرِيغِهِ / إِذا صابَ أغنى أو إذا صَبَّ أغرقا
وليثاً ترى في كلّ يومٍ بجنبه / لصرعاه أعضاداً قُطعن وأسؤقا
شديدَ القُوى إنْ غالبَ القِرْنَ غاله / وَإِنْ طلبَ الأمر الّذي فات ألحقا
وإن هاجه يوماً كَمِيٌّ رأيتَهُ / مُكِبّاً على أوصالِهِ مُتَعَرِّقا
فَفخراً بنِي فِهْرٍ بأنِّيَ منكُمُ / إذا عِيق عن عليائها مَن تعوّقا
تطولون بِي قوماً كما طُلتُ معشراً / بكمْ سابقاً في حَلْبَةِ المجدِ سُبَّقا
وكنتُ لكمْ يوم التّخاصمِ منطقاً / فصيحاً وفي يوم التَّجالد مَرْفِقا
وَلَمّا اِدّعيُتمْ أنّكمْ سادةُ الورى / وألصقتُمُ بالمجد كنتُ المصدَّقا
ولم تخفقوا لمّا طلبتمْ نجابتي / وكم طالبٍ هذي النّجابةَ أخفقا
وما كان ثوبُ الرَّوْعِ يوماً عليكُمُ / وفي كفِّيَ العَضْبُ اليَمانِيُّ ضيّقا
خذوا الفخرَ موفوراً صحيحاً أديمُهُ / وخلّوا لمن شاء الفخارَ المُشَبْرَقا
وَلمّا بنيتُمْ ذُرْوَةَ المجد والنّدى / هزأتُمْ بقومٍ يبتنون الخَوَرْنَقا
وحرّقتُمُ بالطّعنٍ ناراً غزيرَةً / فأنسيتُمُ مَن كان يُدعى المُحرِّقا
وحلّقتُمُ في شامخاتٍ من العُلا / فأخزيتُمُ مَن كان يُدعى المُحَلَّقا
وودّ رجالٌ أنّنِي لم أفُتْهُمُ / تماماً وأفضالاً ومجداً ومُرتَقى
وأَنِّيَ ما حُزتُ الفخارَ مغرِّباً / كما حزتُهُ دون الأنامِ مشرّقا
وأنِّيَ ما أنصبتُ في طرقِ العُلا / قلوباً وأجساماً وخيلاً وأينُقا
فَلا تَغضبوا من سابقٍ بَلَغ المَدا / وَلوموا الّذي لم يُعْطَ سَبْقاً فيسبقا
ولم أرَ مِن بعد الكمال بناظري / مِنَ النّاسِ إلّا مُغضَباً بِيَ مُحنَقا
وَماذا عَلى الرّاقي إلى قُلَلِ الذرا / ذُرا المجدِ بلْ مَن لم ينلها ولا اِرتَقى
فكم أنا مُزْجٍ كلَّ يومٍ قصيدةً / ومُهدٍ إِلى راوٍ كلاماً مُنَمَّقا
وليس بشافٍ داءَ قلبِيَ مِقْوَلي / وإنْ كان مرهوبَ الشّباةِ مُذَلَّقا
ما قرّبوا إِلّا لبينٍ نوقا
ما قرّبوا إِلّا لبينٍ نوقا / فاِحبِسْ دموعاً قد أصَبْنَ طريقا
رحلوا فليس ترى على آثارهمْ / إلّا دُموعاً ذُرَّفاً وغريقا
وأسيرَ شَجْوٍ لا يُطيق فراقهمْ / يبكي وقد شَحَطَ الخليطُ طليقا
طَرَقَ الخيالُ ولم يكن قبل النّوى / هذا الخيالُ لنا هناك طَروقا
لم أدرِ ما هو غيرَ أنّ طُروقَه / أغرى بشائقةِ القلوبِ مشوقا
يا ضَرَّةَ القَمَرين لِمْ ذوّقْتِنِي / ما لم يكن لولا هواكِ مذوقا
لو كنتِ ريحاً كنتِ نَشْرَ لَطيمةٍ / أو كنتِ وقتاً كنتِ منه شُروقا
وعجبتُ من قلبٍ يودّك بعدما / أضرمتِ بالهجرانِ فيه حريقا
إنْ كنتِ آمنةَ الفراق فإنّنِي / ما زلتُ من يومِ الفراقِ فَروقا
رحنا نعلِّلُ بالوداعِ مطيقةً / ما لم أكن للثِّقْلِ منه مطيقا
وَرأيتُ مدمَعها يجود بلؤلؤٍ / فيعود من ورد الخدود عقيقا
ذهب الشّبابُ وكم مضى من فائتٍ / لا نستطيع له الغداةَ لحوقا
ما كانَ إلّا العيشَ قُضِّيَ فاِنقَضى / بالرّغمِ أو ماءَ الحياةِ أُريقا
فَلو اِنّني خُيِّرتُ يوماً خُلَّتِي / ما كنتُ إلّا للشّباب صديقا
ولقد ذكرتُ على تقادم عهده / عيشاً لنا بالأنْعَمين أنيقا
وإذا تراءَتْنِي عيونُ ظبائهمْ / كنتُ الفتى المرموقَ والمَوْموقا
ومرشّفِ الشّفتين زار مخاطراً / حتّى شقاني من يديه الرِّيقا
ما إِنْ يبالي مَنْ تذوّق عَذْبَهُ / وهوَ المُنى أنْ لا يذوق رحيقا
ومرنّحين من الكلالِ كأنّهمْ / كرعوا سُلافَ البابِليّ عتيقا
ركبوا قلائصَ كالنّعائمِ خرّقَتْ / عنها الظّلامَ بوَخْدِها تَخرِيقا
يَقطَعن أجوازَ الفَلا كمعابِلٍ / يمرُقن عن جَفْنِ القِسيِّ مُروقا
حتّى بدا وَضَحٌ كُغرّةِ شادِخٍ / أو بارقٌ يحدو إليك بُروقا
فكأنّه للمبصرين ذُبالةٌ / عَلِقَتْ ببادرةِ الزّنادِ علوقا
ولقد فخرتُ بمعشرٍ لمّا اِعتلَوْا / لم يرتَضوا النَّسْرين والعَيّوقا
ملكوا الفخارَ فما ترى مِن بعدهمْ / إلّا اِفتخاراً منهُمُ مسروقا
النّاحرين إذا الرّياحُ تناوحتْ / للنّازلين فنيقةً وفنيقا
أكل الضّيوفُ لحومَها ولطالما / أكل السُّرى دَمَكاً بها وعنيقا
والمُسبلين على الصّديق مَبَرَّةً / والممطرين على العدوّ عقوقا
والمُحرجين فضاءَ مَن ناواهُمُ / والمرحبين على الوليّ مضيقا
وإذا جروا طَلَقاً إلى شأْو العُلا / تركوا سَبوقَ معاشرٍ مسبوقا
قومٌ إذا شهدوا الوغى ملأوا الوغَى / بالضّرب هاماً للكماةِ فليقا
وإذا سرحتَ الطّرفَ لم تَرَ فيهمُ / إلّا نَجيعاً بالطّعانِ دفيقا
ومتى دعوتَهُمُ ليومِ عظيمةٍ / جاؤوا صباحاً مشرقاً وشُروقا
تركوا المعاذرَ للجبان وحلّقوا / في شامخٍ عالي الرَّجا تحليقا
وَإِذا الكرامُ لدَى فخارٍ خُصِّلوا / كانوا كرامَ ثرىً وكانوا النِّيقا
مِن كلِّ أبلجَ كالهلال تخاله / عَضْباً صقيلَ الطُّرَّتين ذَلوقا
قد قلتُ للمتولّعين ببأسهمْ / والفاتقين إلى البَوارِ فتوقا
إيّاكُمُ أنْ تركبوا من سخطهمْ / بحراً غزيرَ اللُّجَّتين عميقا
وَأَنا الّذي ما زلتُ من جَنَفِ الرّدى / رُكناً لأبناءِ الحِذار وثيقا
أقرِي الّذي ذادوه عن باب القِرى / وأعيدُ محرومَ الغِنى مرزوقا
والضّربُ يهتك جانباً متستّراً / والطّعْنُ يفتُقُ جانباً مرتوقا
واليومُ ليس ترى به متحكِّماً / إلّا حديدَ الشَّفرَتين رقيقا
يَفرِي الترائبَ والطُّلى وكأنّه / لَطَخَ الكميَّ بما أسال خَلوقا
وعصائبٌ دبّوا إلى خُططِ العُلا / فرأوا مجازَ اللَّهْدِ آنَ خَليقا
وتقوّضوا من غير أن يتلوّموا / مثلَ الغمامِ إذا أصاب خريقا
للمجدِ أجلابٌ وليس نراكُمُ / أبداً لأجلابِ الأماجد سوقا
لا مُدَّ فيه لكمْ فكيف أراكُمُ / كَذِبَ المُنى أن تأخذوه وُسُوقا
خلّوا الفخارَ لمعشرٍ ما فيهمُ / إلّا الّذي اِتَّخذ الحسامَ رفيقا
وَإِذا مَضى قُدُماً يُريغ عظيمةً / لَم تلقَه عمّا يروم مَعوقا
مُستَشهِدٌ أبداً لنَجْدة بأسه / ثَلْمَ الحسامِ وعاملاً مدقوقا
وجماجماً يهبطن عن نثر الظُّبا / خللَ العجاج وأذرُعاً أو سوقا
وله إذا جمد الكرامُ عن الندى / مالٌ يهانُ ندىً وعِرْضٌ يوقى
مَنْ مُنصِفِي من حكم أعوجَ جائرٍ / أَعْيَتْ نعوتُ خصاله المنطيقا
أعلاَ السّفيه وحطَّ أهلَ رزانةٍ / فكأنّه جعل اللِّبابةَ مُوقا
ما ضرّ مَنْ صحّتْ عهودُ حِفاظِهِ / أنْ كان بعضُ قميصِه مخروقا
فَدع اِمرءاً طلب الغِنى بمذلَّةٍ / سُلِبَ الرّشادَ وخُولِس التّوفيقا
جمع النُّضارَ إلى النُّضارِ ولم يخفْ / من دهره التّمزيقَ والتّفريقا
أين الأُلى طلعوا النِّجادَ مهابةً / وتسنّموا فلك النّجومِ سُموقا
الرّافعين مع السّماءِ رؤوسهمْ / والضاربين إلى البحور عروقا
بادوا كَما اِقترحَ الحِمامُ ومزّقَتْ / أيدي البلى أشلاءهمْ تمزيقا
فهُمُ بأجداثِ القبور كأنّهمْ / كلأٌ هشيما بالرّياح سحيقا
فَمتى أَردتَ العزَّ فَاِجعلْ رُسْلَه / إمّا سيوفاً أو رماحاً روقا
وَاِبسطْ إلى الإعطاءِ راحةَ واهبٍ / لا يعرف التّقتيرَ والتَّرنيقا
وَاِتركْ لِمَن طلب الغِنى دنياهُمُ / وحُطامَها وأُجاجَها المَطروقا
وَكُن الّذي تَرك السؤالَ لأهلِه / وأقامَ من سُكرِ الطِّلاب مُفيقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا
أَروني اِمرءاً من قبضةِ الدّهرِ مارقا / ومن ليس يوماً للمنيّةِ ذائقا
هو الموتُ ركّاضٌ إلى كلّ مهجةٍ / يُكِلُّ مطايانا ويُعيي السّوابقا
فإنْ هو ولّى هارباً فهو فائتٌ / وإنْ كان يوماً طالباً كان لاحقا
فكم ذا تغول النّائباتُ نفوسَنا / وتستلب الأهلين ثمّ الأصادقا
وكم ذا نُعير المُطمعات عيونَنا / ونُدنِي إلى ريح الغرورِ المناشقا
ونعشق في دار الفَناءِ مواطناً / يعرّين منّا لم يكنّ معاشقا
ونشتاق إمّا قالياً أو مقاطعاً / فيا شائقاً لِي ما أضرّك شائقاً
ولو أنّني وفّيت حقَّ تجاربي / قطعتُ من الدّهرِ العَثورِ العلائقا
نُطاح إلى الأجداثِ في كلّ ليلةٍ / ونوسِدُ في قَفْرِ التّراب المرافقا
فيا خبراً أذرى العيونَ جوامداً / وأبقى القلوبَ السّاكناتِ خوافقا
أتاني طَروقاً وهو غيرُ مُحبَّبٍ / وَكَم جاء ما لا تَشتهي النّفسُ طارقا
وددتُ وداداً أنّه غير صادقٍ / وكم قاتلٍ ما كنتُ أهواه صادقا
أصابك من سهم الرّدى ما أصابني / وكان لجلدي قبل جلدك خارقا
ولو أنّنِي حُمّلتُ ثِقْلَك كلَّه / حملتُ عَلوقاً بالّذي كنتُ عالقا
فإن يَكُ غصنٌ من غصونك ذاوياً / قد أبقت الأيّامُ أصلَك باسقا
وإن يَكُ نجمٌ غار بعد طلوعه / فقد ملأتْ منك الشّموسُ المشارقا
أزال الرَّدى منّا على الرّغم تَلْعَةً / وأبقى لنا منك الجبالَ الشَّواهقا
وما ضرّ والسِّربالُ باقٍ على الفتى / إذا شعَّثَثْ منه اللّيالِي البنائقا
وفيك وفي صِنْوٍ له عوضٌ به / إذا نحن أنْصَفْنا الخُطوبَ الطّوارقا
وساء به مَن سرّنا بمكانه / وأفناه مَن أعطاه بالأمس رازقا
حُرمناهُ حظّاً بعد أنْ أخذتْ لنا / على حظّنا منك اللَّيالي المواثقا
وما كنتُ أخشى أنْ يَسُدَّ به الرّدى / فُروجَ الليالي دوننا والمخارقا
وأنْ يحجبَ الصُّفّاحُ بيني وبينه / ويودعه وسْطَ العَراءِ الشّقائقا
فيا أيّها ذا العادلُ المُقْرَمُ الّذي / رضيناه خلْقاً كاملاً وخلائقا
تَعَزَّ عن الماضي ردىً بثوابه / وَكُن بالّذي يَجزِي على الصَّبرِ واثقا
فليس لمخلوقٍ وإن عضَّه الرّدى / فضاق ذراعاً أنْ يعارض خالقا
يا طَلَلَ الحيّ بذاتِ النَّقا
يا طَلَلَ الحيّ بذاتِ النَّقا / مَن أسهر العينين أو أرّقا
قد آن والحرمانُ من وصلكمْ / حَظِّيَ أن أُعطى وأنْ أُرزقا
كم قد رأت عينِيَ في حبّكمْ / وجهاً مضيئاً نورُه مشرقا
يَحِقُّ لمّا أنْ رأتْ حسنَه / عينِيَ أنْ أهوى وأنْ أعشَقا
كم أخْلَقَ الحبُّ وحبّي لكمْ / ما رثّ بالدَّهرِ وما أخلقا
قد طرق الطّيفُ الّذي لم يكن / في الظنّ أن يأتِيَ أو يطرقا
كم ذا تعدَّى نحونا سَبْسَباً / وكم تخطّى نحونا سَمْلَقا
مَهامِهٌ لو جابها نِقْنِقٌ / يسري إلينا أعْيَت النِّقْنِقا
خُيِّلَ لِي نيلُ المُنى في الكرى / فكنتُ منه الخائبَ المُخفِقا
أَرجو منَ اللّيلةِ طولاً كما / أخشى بياضَ الصّبحِ أن يُشرِقا
بتُّ أسيراً في يمين المُنى / أفْرَقُ من دائِيَ أن أفْرَقا
ومُسْتَرَقّاً بالهوى رقّةً / يخاف طولَ الدّهر أن يُعتَقا
فقل لمن خبّرني بالّذي / أهوى سُقيتَ المُسْبِل المغْدَقا
لا فُضّ من فيك وجُنِّبْتَ أنْ / تَظما إلى الرِّيِّ وأنْ تَشْرَقا
فد كنتُ أخشى مِيتتِي قبلَه / فجنّب اللّهُ الّذي يُتَّقى
فَالحمدُ للَّه عَلى ما كفى / وَالشّكر للَّه على ما وقى
وَالدّهرُ لا تَخشاه إلّا إذا / كنتَ به الأسكنَ الأوثَقا
أفنَى اليَمَانين وكم شيّدوا / قصراً وكم أعلَوْا لنا جَوْسَقا
إنْ كان أعلا زمنٌ معشراً / فَهوَ الّذي نَكّس مَن حَلَّقا
وودّ مَن حُطَّ على رأسه / بعد التّرقّي أنّه ما اِرتقى
يا راضياً بالأمسِ عن معشرٍ / كيفَ اِستحلتَ المُغضَبَ المُحنَقا
وخارقاً من قبلُ رَتْقاً له / وفارياً من قبل أن يَخْلُقا
ما كان مَن يأخذُ كلَّ الّذي / أَعطاهُ إلّا العابثَ الأخْرَقا
لو كنت أملك للأقدار واقيةً
لو كنت أملك للأقدار واقيةً / دفعتُ عنك أبا الخطّاب ما طرقا
إنّ الزّمانَ ولا عَدْوَى على زمنٍ / سقانِيَ المُرَّ مِن فقدِيك حين سقى
كم ذا كسيتَ غصوناً وهي ذاويةٌ / الماءَ من جاهك المبسوط والورقا
وكم أجَرْتَ بلا مَنٍّ ولا كدرٍ / مستمسكاً بك في خوفٍ ومُعْتَلِقا
قد نال قومٌ وحلّوا كلَّ عاليةٍ / ومثلَ ما نلته في النّاسِ ما اِتّفقا
وما ذخرتَ سوى حَمْدٍ ومَكرُمةٍ / وإنّما يذخرون العين والوَرَقا
حكمتَ في الدّهرِ لا رزقاً أصبتَ به / والأمرُ بعدك في الدنيا لمن رُزقا
فلم تعرِّجْ على لهوٍ ولا لَعِبٍ / ولا بعثتَ إلى حاجاتك المَلَقا
سُستَ الملوكَ وودّ القومُ أنّهُمُ / ساسوا وما بلغوا تلك المُنى السُّوَقا
وإنّما كنتَ باباً للملوك ومذْ / ذُقتَ الرّدى سُدّ ذاك الباب واِنغلقا
وما تركتَ من الدّنيا وزينتها / مِن بعدِ فقدك إلّا رَثَّها الخَلَقا
وحالكٍ شَحِبِ القُطرين مُلتبسٍ / أَطلعتَ فيه برأيٍ واضحٍ فَلَقا
وموقفٍ حَرِجِ الأرجاءِ قمتَ به / والبَيْضُ تنثرها ما بينهما فِلَقا
طَعنتَ بالرّأي فيه والقنا قَصِدٌ / والطَّعنُ يفتقُ بالأجساد ما اِرتَتقا
فقد رأوا منك ماذا كنتَ تعملهُ / في ضالعٍ شذّ أو في مارقٍ مَرَقا
ناموا عن الملك إِهمالاً لنصرتِهِ / وأنت تكرع فيه وحدَك الأَرَقا
صدقتَ في نصره حتَّى أقمتَ له / دِعامَه والفتى في الأمر مَن صدقا
يا حِلْفَ قصرٍ مشيدٍ فوق نُمْرُقةٍ / على الأريكة قد أصبحتَ حِلْفَ نَقا
ويا مبيناً على الأطواد من عِظَمٍ / كَيفَ اِرتَضيت بوَهدٍ هَبْطَةٍ نَفَقا
راموا لِحاقك في علياءَ شاهقةٍ / وهل ترى لمحلّ النَّجمِ مَن لحقا
وثِقتُ فيك بما لم أخشَ نَبْوَتَه / وطالما عاد بالإخفاقِ مَن وثقا
وطالما كنتَ لي في كلّ مُعضلةٍ / حصناً حصيناً وماءً بارداً غَدَقا
فأىُّ عينٍ عليك الدّمعَ ما قَطرتْ / وأيُّ قلبٍ بنار الهمِّ ما اِحترقا
ولو نظرتَ إلينا بعد فُرقتنا / رَأيتَ منّا الّذي رتّقتَ مُنفتِقا
أَعزِزْ عليَّ بِأن تُضحِي على شَحَطٍ / منّا ورهنُك في كفِّ الرّدى غُلِقا
وأنْ يراك فريداً وسْطَ مُقفرةٍ / مَن لو خطرتَ له لاقى الرَّدى فرَقا
إنْ تُمسِ مرتفقاً بالتّربِ جَنْدَلَةً / فطالما كنت بالعَيّوقِ مرتفقا
وإنْ لمستَ الثَّرى مَيْتاً فما رضيت / منك التَّرائبُ ديباجاً ولا سَرَقا
وإنْ سكنتَ مُصيخاً للرّدى فبِما / أصبحتَ من قبل أعلا ناطقٍ نطقا
وإنْ أقمتَ مقاماً واحداً فبما / شَنَنْتَ نحو المعالي النَّصَّ والعَنقا
وإنْ مضيتَ فماضٍ خلَّفَتْ يدُه / فينا الجميلَ الّذي لَم يمضِ واِنطلقا
فَما لَنا صِحّةٌ من بعد مصرعهِ / ولا دواءٌ لشاكٍ يمسِكُ الرَّمَقا
ولم يكن غيرَ نجمٍ غاب من أفقٍ / وغيرَ سَجْلٍ جلالٍ للورى دَفَقا
وقد مضى مالكُ الرِّبْقاتِ قاطبةً / فاِنسوا بمصرعه مَن يملك الرِّبَقا
فلا لقيتَ من الضَّرّاءِ لاقيةً / ولا سقاك البِلى طَرْقاً ولا رَنِقا
اِذهبْ فزادك إنعامٌ ملكتَ به / رِقَّ الرّجال وقد زوّدتني حُرَقا
ولا يزلْ جَدَثٌ أُسكِنْتَ ساحتَه / ملآنَ ريّانَ مِن وَكْفِ الحَيَا عَبِقا
وإنْ مررتُ على قبرٍ حللتَ به / لَوَيتُ بعد اِجتِيازي نحوك العُنُقا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025