لولا شذاً من نشركم ينشق
لولا شذاً من نشركم ينشق / ما حنّ نحو المُهتم المُعرق
ولا صبا في الصبح نحو الصبا / ولا ثارت شجوه الأينق
ما للربوع بعدكم بهجة / ولا لروض ناضر رونق
أنتم معانيها فإن غبتموا / فليس فيها حسن يُرمق
لولاكم ما هاجني بارق / ولا شجاني بالحمى أبرق
ولا لوى لي عنقاً في الفلا / عيسٌ إذا جدّ السرى العنق
ما عرّض الحادي بذكراكم / إل اوسمعي نحوه يسبق
ولا سرى ركبٌ إلى أرضكم / إلا تلاه قلبي الشيّق
فُكّوا أسيراً لكمُ مُوثقاً / عليه في حفظ الهوى موثق
فؤاده قيّده حبّكم / وجسمه بين الورى مطلق
قد كنت من قبل النوى إن جرى / فراقكم في خاطري أفرق
وكنت نُصباً لعيني فهل / طيفُ خيال منكمُ يطرق
أحببتكم طفلاً وقد أخلقت / شبيبتي والود لا يخلق
أنّي أشوب الآن صفو الهوى / وعارضي قد شاب والمفرق
يليق بي صبري على حكمكم / ولكن العطف بكم اليق
هل عائد لي والمُنى ضلّةٌ / ظلٌ وورد سائغ ريّق
يا أرض نعمان ووادي مِنى / والخيف لو أن المنى تصدق
وهل بذاك الشعب لي وقفةً / في حرم أنواره تُشرق
وربّة الستر لنا تُجلتلى / وعوُد وصلي مثمرٌ مورق
وأكبر الآمال لو ضمّني / بسفح سلع مربع مونق
فبالقباب البيض لي مطلب / عرف الرضا من تربه يُنشق
محجب بالعزّ لا بالظُبا / به سناه لا القنا مُحدق
تقطع بالأشواق أرواحُنا / إليه ما لا تقطع السبّق
حاز كنوز الفضل بالمصطفى / ذاك الجناب العطر المشرق
وكلّ فجٍّ أرجٍ بالتقى / فإنه من طيبه يعبق
أتى بدين قيّم واضحٍ / بين ضلال وهدى يَفُرق
يَنمى ويزداد ودينُ العدى / أئمة الزيغ به تمحق
كذلك الحق إذا ما علا / على محالٍ باطل يزهق
طوى الطباق السبع حتى انتهى / إلى مقام قطّ لا يُلحق
قام مقاماً لودنا غيره / منه لأضحى بالسنا يُحرق
وعاد ليلاً وأساريره / بنظرةٍ قدسيةٍ تُبرق
يا ويل من كذبه بعد ما / كان أميناً فيهم يصدق
لو لم يقل إني رسول أما / شاهدُه في وجهه يَنطق
سبحان من صوّره صورةً / أكمل معناها الذي يَخلق
كأن فاه باسماً ناطقاً / بجوهر الغوّاص مستحدق
فالشفة الياقوت والؤلؤ ال / رطب الثمين الثغر والمنطق
جبينه الصبحُ ومن فوقه / الفرع الدجى والفلك المفرق
كأنما قد صيغ من فضّة / بنانه والكفّ والمرفق
وخصّه بالخُلُق المرتضى / سمحٌ حليم خاشع مُشفق
يسمو ويعلوها بهاء إذا / ما قال والتوقير إذ يطرق
كان على الأعداء ذا قوّة / وبالذي يبغي الهُدى يَرفق
في صلب نوح كان مستودعاً / فهو على الأمواج لا يغرق
وصلب إبراهيم من أجله / له ضرام النار لا تحرق
وكان من معجزه أن غدا / ماء رواً من كفه يدفق
كما حوى كفّاه تمراً به / أشبع جيشاً ضمّه الخندق
ومرود الدوسيّ فأعجب له / إذ زودت من تمره الأوسق
فرسانه أخنت على فارسٍ / فزال عنها التاج والمنطق
وجاهه متصلٌ بعد ما / يصعق بالنفخة من يصعق
غداً له الحوض وفي كفّه / لواء حمدٍ شاملٍ يخفق
وهو شفيع منقذ في غدٍ / مَن بالخطايا في لظىً موثق
يا من له في منصّات العُلى / وفي البرايا نسبٌ مُعرق
وتعرف الخضراء آثاره / وتعرف الغبراء والمشرق
ووصفُه يعجز عن حصره / نظماً ونثراً ماهرٌ مُفلق
قد مسني الضرّ وما لي سوى / جاهك أسباب بها أعلق
كن لي مجيراً في زمانٍ به / قوارع أسهمها ترشق
واسأل لي الرحمن روحاً إذا / ضمّ عظامي برزخ ضيّق
ورحمةً توصلني جنّة / لبأسها الفاخر استبرق
لا زال في ربعك أملاكه / سبعون ألفاً حوله تحدق
تهدي إلى تربك طول المدى / توافحُ المسك به تفتق