المجموع : 19
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا
شممت تربك لا زلفى ولا ملقا / وسرت قصدك لا خبّاً و لا مَذَقا
وما وجدت إلى لقياك منعطفا / إلا إليك ولا ألفيت مفتَرَقاً
كنت الطريق إلى هاوٍ تنازعه / نفس تسدّ عليه دونَها الطُّرُقا
و كان قلبي إلى رؤياك باصرتي / حتى اتهمت عليك العينَ والحدقا
شممت تربك أستاف الصبا مرحا / والشمل مؤتلفاً والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلدا / لكن كمن يتشهّى وجه من عَشِقا
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما / فجر على الغد من أمسيهما انبثقا
ما تعجبون أمِن مهدين قد جمعا / أم توأمين على عهديهما اتفقا
أم صامدين يرُبّان المصير معا / حبّاً ويقتسمان الأمن والفَرَقا
يهدهدان لساناً واحداً ودماً / صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
أقسمت بالأمة استوصى بها قدر / خيراً ولاءم منها الخَلْقَ والخُلُقا
من قال أن ليس من معنى للفظتها / بلا دمشق وبغداد فقد صدقا
فلا رَعى الله يوماً دسّ بينهما / وقيعةً ورعى يوميهما ووقى
يا جِلَّقَ الشام والأعوامُ تجمع لي / سبعاً وسبعين ما التاما ولا افترقا
ما كان لي منهما يومان عشتهما / إلا وبالسؤر من كأسيهما شَرَقا
يعاودان نفاراً كلما اصطحبا / وينسيان هوى كانا قد اغتبقا
ورحت أطفو على موجيهما قلقاً / أكاد أحسد مرءاً فيهما غرقا
يا للشباب يغار الحلم من شِرَةٍ / به وتحسد فيه الحِنكَةُ النَّزَقا
وللبساطة ما أغلى كنائزَها / قارونُ يُرخِصُ فيها التبرَ والورِقا
تلم كأسي ومن أهوى وخاطرتي / وما تجيش وبيتَ الشعر والوَرَقا
أيام نعكف بالحسنى على سمر / نساقط اللغو فيه كيفما اتفقا
إذ مسكة الربوات الخضر توسعنا / بما تفتق من أنسامها عَبَقا
إذ تسقط الهامةُ الإصباح يرقصنا / وقاسِيونُ علينا ينشر الشفقا
نرعى الأصيل لداجي الليل يسلمنا / ومن كوى خَفِراتٍ نرقُبُ الغسقا
ومن كوى خفرات تستجد رؤى / نشوانة عن رؤى مملولة نسقا
آهٍ على الحُلْوِ في مرٍّ نغَصُّ به / تفطَّرا عَسلًا في السم واصطفقا
يا جلق الشام إنا خلقة عجب / لم يدر ما سرها إلا الذي خلقا
معذبون وجنات النعيم بنا / وعاطشون ونَمْري الجَوْنةَ الغَدَقا
وزاحفون بأجسام نوابضها / تستام ذَروةَ عِلِّيينَ مرتَفَقا
إنا لنخنق في الأعناق غربتنا / حتى تمورَ على أحداقِنا حُرُقا
نغني الحياة ونستغني كأن لنا / رأد الضحى غلة والصبح والفلقا
يا جلق الشام كم من مطمح خلس / للمرء في غفلة من دهره سرقا
وآخر سلّ من أنياب ذي لبد / وآخرٍ تحت أقدام له سحقا
دامٍ صراع أخي شجوٍ وما خلقا / من الهموم تعنّيه وما اختلقا
يسعى إلى مطمح حانت ولادته / في حين يحمل شلواً مطمحاً شنقا
حران حيران أقوى في مصامدة / على السكوت وخير منه إن نطقا
كذاك كل الذين استودعوا مثُلاً / كذاك كل الذين استرهنوا غلقا
كذاك كان وما ينفك ذو كلف / بمن تعبد في الدنيا أو انعتقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة / ولمّة والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي / ثلج ووجهي عظم كاد أو عرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة / دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموّجين ظلال الذكريات هوى / وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا
فخراً دمشق تقاسمنا مراهقة / واليوم نقتسم الآلام والرهقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت / سبائك الذهب الغالي فما احترقا
على المدى والعروق الطهر يرفدنا / نسغ الحياة بديلاً عن دم هرقا
وعند أعوادك الخضراءِ بهجتُها / كالسِّنديانة مهما اسَّاقطتْ ورقا
يا حافظ العهد يا طلاع ألوية / تناهبت حلبات العز مستبقا
تزلزلت تحته أرض فما صعقا / وازخرفت حوله دنيا فما انزلقا
ألقى بزقومها الموبي لمرتخصٍ / وعاف للمتهاوي وردها الطَّرَقا
ياحاضن الفكر خلاقاً كأن به / من نسج زهر الربا موشيَّةً أَنَقا
لك القوافي وما وشَّت مطارِفُها / تُهدى وما استن مهديها وما اعتلقا
عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها
عاطفات الحبِّ ما أبْدَعَها / هذّبتْ طبعي وصفَّتْ خُلُقي
حُرَقٌ تملاء روحي رقةٍ / أنا لا أُنكِرُ فضلِ الحُرَق
أنا باهَيْتُ في الهوى / لا بشوقي أين من لم يَشْتَق
ثق بأن القلبَ لا تشغَلُهُ / ذكرياتٌ غيرُ ذكراك ثق
لستَ تدري بالذي قاسيتُهُ / كيف تدري طعمَ ما لم تَذُق
لم تدعْ مِنّيَ إلا رَمَقاً / وفداءٌ لك حتى رمقي
مُصبحي في الحزن لا أكرهُهُ / إنما أطيبُ منه مَغْبَقي
إن هذا الشعر يشجي نقلُهُ / كيف لو تسمعُه من منطقي
ربّ بيتٍ كسرت نبرته / زفرات أخذت في مخنقي
أنا ما عشت على دين الهوى / فهواكم بَيْعةٌ في عنقي
خلِّ النديم فما يكون رحيقُهُ
خلِّ النديم فما يكون رحيقُهُ / وأدر لَماك إذا غفا إبريقُهُ
لم يُصبني كأسُ النديم وخمرُهُ / لو دام لي ثغر الحبيب وريقه
أن تحمِ عن أهل الهوى كأس اللَّمى / فالخمرُ أجود ما يكون عتيقه
حاشا لعهدك بعد ما عوذتَه / بدقيق خصرك أن يُحَلَّ وثيقه
عين تؤرقها عدتك قروحها / وحشاً تؤججه عداك حريقه
حمّل فؤادي ما تشاء يُطق به / إلاّ جفاكَ فذاك لست أطُيقه
ما نسبة الخَصرْ النحيف مع الحشا / فهل استُعير من الوشاح خفوقه
أنا ليس لي عنه غنى فلو ارتضى / دينَ المسيح فانني بِطْريقه
لا أدّعي هجر الخيال وإنما / أرَّقْتُ اجفاني فَسُد َّ طريقه
طرف تنازعه هوىً ومهابة / هذاك يجذِ به وذاك يعوقه
أم كيف يسلو عنك نشوان ومِن / كأس الغرام صَبوحهُ وغَبوقه
قالوا : نَزالِ . فقلت : هل يخشى الوغى / قلبي واسمر قده معشوقه
كذَب الوُشاة فما يزال كعهده / رَغم الصدود يشوقني وأشوقه
ما راق في عيني سواه ولا انثني / شئ سواي عن الأنام يروقه
بالرغم مني بعد طول تواصل / أرضى بطيف منك عز طُروقه
وقف البيان عليكما فتغزُ لي / بك والثناء إلى " علي " أسوقه
ما أبعدَ الشأوين هذا إن يضيق / منه الحشا فبذا يُفَرَّج ضيقه
دع عنك من كعبٍ وحاتِم إنما / للّجود معنى عنده تحقيقه
المجد ما روجت فيه بضائعاً / للمكرُمات فما عُكاظُ وسوقه
نسب زهت بابي الجواد فروعُه / وإلى محمدِ ينتمين عروقه
ذو عزمة مشهورة لو طاردت / شُهْبَ السما ما عاقه عَيُّوقه
صال العدى فقست صلود صفاته / وسرى الندى فاهتز منه وريقه
لو يدَّعي الحساد شأوك في العلى / لعريق مجدك يُستَذمُّ عريقه
أنعم بليلتك التي قضَيتها / والبدرُ من بين السُّتور شروقه
لله أيُ رِتاج باب رمتَه / حتى استُبيح بهجمة مغلوقه
عجباً لقلبٍ بالوصال تروعه / ودمٍ بلا ذنب هناك تُريقه
لي فيك صوغٌ للبلاغة لو خلا / جيدُ الفتاة لزانها منسوقه
أرفدتُه لك لا كبائر سلعة / لكن كما هنّا الصديق صديقه
دُمتم على مر الزمان مباهيا / بكمُ وأخطي جمعكم تفريقه
أسفا تبيت رباك وهي مدرّة
أسفا تبيت رباك وهي مدرّة / للرزق رهن الفقر والاملاق
خدعوك إذ سمّوا قيودك حلية / ما أسبه الاصفاد بالأطواق
لك في العراق جوانح ملهوفة / تشكو الذي تشكينه وتلاقي
أني شآمي إذا نسب الهوى / وإذا نسبت لموطن فعراقي
ويذيع منك البرق كامن لوعتي / فيدي على قلبي من الاشفاق
رقت طباع بنيك فهي إذا انبرت / سألت كصفو نميرك الرقراق
كم في الجوانح لي إليهم زفرة / كمنت ليوم تزاور وتلاقي
ورسائل برقية مهزوزة / اسلاكها من قلبي الخفاق
أما الهوى فدليله شرقي متى / ذكروا رباك بدمعي المهراق
أرقت أجفاني فلو راودتها / غمضاً لما طاوعن في الاطباق
قالوا : دمشق فقلت : غاية الربى / قالوا : لذاك تطاول الاناق
أبن الشام سلام صب واجد / يهدي إليكم أكرم الأعلاق
يهفو إليكم لوعة لا مدَّعي / ما أهون الدعوى على العشاق
أنا ما بكيت الشعر ذل وإنما / أبكي الشعور يباع في الأسواق
أنا للتجاذب نقطة إن سَّرني / لقياكم ساء العراق فراقي
ما كان أصفى ما أسال من الهوى / هذا اليراع بهذه الأوراق
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ / وللحزنِ اصطباحٌ واغتباقُ
مضى " فرْعَوْنُ " لم تَفقِدْهُ مصرٌ / ولا " هارونُ " حنَّ له العراق
أُديف " الرافدان " فلن يرادا / ولا " بردى" من البلوى يُذاق
وكيف يَلَذُّ للوُرّادِ ماءٌ / عليهِ من بنيهِ دمٌ يُراق
ثباتاً يا دِمَشقُ على الرزايا / وتوطيناً وإن ضاق الخناق
وفوزاً بالسِّباق وليس أمراً / غريباً أن يكونَ لكِ السباق
دمشقُ وأنتِ غانيةٌ عروسٌ / أمشتبك الحرابِ لكِ الصََّداق؟
أذنباً تحسبون على البرايا / إذا ما ضويقوا يوماً فضاقوا
بعين اللهِ ما لقيتْ شعوب / لحد السيف مكرهةً تُساق
عجافاً أُطلقت ترعى ولكن / معاهدة القويّ لها وَثاق
وعيقَتْ مُذْ بَغَتْ حقاً مضاعا / وساموها الدمار فلمْ يُعاقوا
ذروا هذي الشعوبَ وما اشتهته / مذاقُهُمُ لهمُ ولكم مذاق
تحررتِ البلادُ سوى بلادٍ / ذُيولٍ شانهن الالتحاق
أبابُ الله يُفتح للبرايا / وعن هذي البلاد به انغلاق
وكيف تسير مطلقةً بلادٌ / عليها من احابيلٍ نطاق
فيا وطني ومن ذكراك روحي / إذا ما الروحُ أحرجها السياق
أُشاق إلى رُباكَ وأيُّ حرٍّ / أقَلَّتهُ رُباك ولا يُشاق
ويا جوَّ العراقِ وكنت قبلاً / مداواةُ المراض بك انتشاق
لقد خَبُثَتْ الأنفاسُ حتى / لروحي منك بالروح اختناق
على " مدنية " زهرت وفاقا / سلامٌ كلما ذُكرَ الوفاق
تولى أسّها الباني اعتناء / وشيد ذِكْرَها الحَسَنَ اتفاق
أُشاق لها اذا عنَّت خيامٌ / وأذكرها اذا حنَّت نِياق
تغشتها النزاهةُ لم تَشُبْها / أساليبٌ كِذابٌ واختلاق
كما شيّدتُمُ شِدْنا وزِدنا / ولكن ما لقينا لم تلاقوا
وما سِيانِ بالرفق امتلاكٌ / لمملكة وبالسيف امتشاق
سلوا التاريخَ عن شمس أُديلت / وعن قمر تَعاوَرَهُ المحاق
هل الأيامُ غيّرتِ السجايا / وهل خَشُنَتْ طباعُهُمُ الرِقاق
وهل إفريقيا شهِدت سَراةً / بها كالعرب مذ عُبِرَ الزُّقاق
غداةَ البحر تملِكه سفينٌ / لنا والبر تحرُسُهُ عتاق
و " طارقُ " ملؤُهُ نارٌ تَلَظَّى / وحشوُ دروعِه سمٌّ ذُعاق
بأنْدَلُسٍ لنا عرشٌ وتاجٌ / هوى بهما التخاذلُ والنفاق
هما شيئان ما اجتمعا لشعبٍ / فاما الملكُ فيهِ أو الشقاق
أولئك مَعشرٌ سَكرِوا زماناً / وناحُوا ملكَهُم لما أفاقوا
فانْ كُتِبَ الفراقُ لنا فصبراً / على كل الورى كُتِبَ الفراق
لنا شوق إذا ذكروا رباها / وإنْ نُذكَرْ لها فلها اشتياق
يُطاق تقلبُ الأيام فينا / وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما
عاطى نباتُ الأرض ماءَ السما / مالا تُعاطيه كؤوسُ الرحيقْ
وبات إذ حطَّ بها ثِقْلَه / يكلِّف الأرض بما لا تُطيق
أوشكتِ القِيعانُ إذ فُتّحت / لها السما مما عراها تَضيق
واهتدت الشمس لتجفيفها / فابتعثتْ شكرَ النبات الغريق
الجوُّ زاهٍ والثرى فائحٌ / ومنظر الأرض لطيفٌ أنيق
والعُود يهتزّ لمرِّ الصَّبا / والروضُ من سَكرته لا يُفيق
والغيثُ يَهمي أين من صَفوهِ / وهو جديدٌ خمرُ دنٍّ عتيق
تفتَّحي خُضْرَ الرُّبى للنَّدى / في مَبسِم الفجر – متى شئتِ – ريق
وعطّري ريحَ الصَّبا بالشَّذى / وانفتقي عن فار مسك فتيق
كلُّ فصولِ الدهر لا تُشترى / بالنزْر من نَشْرِ شذاك العبيق
جاء الربيعُ الطلق فاستبشري : / غريمُكِ البردُ طريدٌ طليق
مثل الذي لاقيت من ذا وذا / يصدف في الدهر انفراجٌ وضيق
صوبَ الحيا رفقاً فكم لطمة / أنزلتها قسراً بخدِّ الشقيق
كأن نَضْحَ القَطْرِ من فوقه / ذائبُ دُرٍّ في أواني عقيق
إني تخالفت وزهرَ الرُّبى / والكلُّ منا ذو مزاج رقيق
أنفاسها نشرُ شذىً نافحٍ / وحرّ أنفاسي شواظُ الحريق
كلُّ وجوه الأرض مكسوَّةٌ / لفائفَ الأزهار حتى الطريق
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ
إذا خانتكَ مَوهبِةٌ فحقُّ / سبيل العيشِ وَعْرٌ لا يُشَقُّ
وما سهلٌ حياةُ أخي شُعورٍ / من الوجدان ينبُضُ فيه عِرق
أحلَّتْهُ وداعتُه محيطاً / حَمَتْه جوارحٌ للصيد زُرق
تفيض وضاحةً والعيشُ غِشٌ / سلاحك فيه أن يعلوك رَنْق
وتحمل ما يحلّ من الرزايا / قُواكَ وقد تخورُ لما يَدِقّ
يطُن الناسُ أنّك عُنجهُيُّ / وأنتَ وَهُم بما ظَنّوا مُحِقّ
قليلٌ عاذروكَ على انقباضٍ / أحب الناسِ عند الناسِ طَلْق
ووجهٍ تُقطُر الأحزانُ منه / على الخُلَطاء مَحمِلُه يشِقّ
شريكُكَ في مِزاجك من تُصافي / له شِقٌ وطوعُ يديك شِق
وقبلاً قال ذو أدَب ظريفٍ / قِرى الأضياف قبلَ الزاد خُلْق
وعذرُك أنت آلامٌ ثِقالٌ / لهنَّ بعيشةِ الأدباء لَصق
أحقُّ الناس بالتلطيف يغدو / وكل حياتِه عَنَتٌ وزَهْق
تسير بك العواطفُ للمنايا / وعاطفةٌ تسوءُ الظُفرَ حُمق
وحتى في السكوت يُرادُ حزمٌ / وحتى في السلامِ يُرادُ حِذق
يريد الناسُ أوضاعاً كثاراً / وفيك لما يُريدُ الناسُ خَرق
خضوعُ الفرد للطبقاتِ فَرضٌ / وقاسيةٌ عقوبةُ من يَعِقّ
نسيجٌ من روابطَ محكماتٍ / شذوذُ العبقريةِ فيه فَتْق
وعندّكَ قوَّةُ التعبير عما / تُحسُّ وميزةُ الشُعَراء نُطْق
حياتُك أن تقولَ ولو لهاثاً / وحُكمٌ بالسكوت عليك شَنْق
فما تدري أتطلق من عنان القريحةِ / أم تُسفُّ فتُستَرَقّ
فان لم تُرضِ أوساطاً وناساً / ولم تكذِبْ وحُسْنُ الشعرِ صِدق
ولم تقلِ الشريفُ أبو المعالي / وتَعلَمُ أنه حمَقان مَذْق
ولم تمدحْ مؤامرةً وحُكما / بأنهما لميلِ الشَعب وَفق
دُفِعتَ الى الرعاع فكان شتمٌ / ورحتَ إلى القضاء فكان خَنْق
بقاءُ النوع قال لكلِّ فرد / " أُحطُّ شمائلي عَدل ورِفق "
قلوب صِحابتي غُلْفٌ ووِرْدي / لمن لم يعرف التهويش طَرْق
وصارمةٌ نواميسي وعندي / لمن لا يسحَقُ الوجدانَ سَحق
وإني لاحبٌ بالظلم سهلٌ / ومنحدِرٌ لصافي القلب زَلْق
غريبٌ عالم الشعراء تقسو / ظروفهم والسنُهم تَرِق
كبعضِ الناس هُمْ فاذا استُثيروا / فبينهم وبين الناس فَرْق
شذوذُ الناس مُختَلَق ولكنْ / شذوذُ الشاعر الفَنّان خَلْق
وإن تعجَبْ فمن لَبِقٍ أريبٍ / عليه تساويا سَطْحٌ وعُمْق
تضيق به المسالكُ وهو حُرٌّ / ويُعوِزُهُ التقلُّب وهو ذَلْق
وسرُّ الشاعرية في دِماغٍ / ذكيٍ وهو في التدبير خَرْق
تَخبَّط في بسائِطهِ وحَلَّت / على يَدهِ من الأفكار غُلْق
مشاهيرٌ وما طَلَبوا اشتهاراً / مَشَتْ بُرُدٌ بهم وأُثيرَ بَرق
ومَرموقونَ من بُعدٍ وقُربٍ / لَهمْ أُفُقٌ وللقمرين أُفْق
ومحسودونَ إن نَطَقوا وودُّوا / بشَدق منهُمُ لو خِيطَ شَدْق
يُعينُ عليهُمُ رَشْقُ البلايا / من التنقيد والشتَمات رَشق
فاما جَنْبةُ التكريم منهم / فبابٌ بعضَ أحيان يُدَقّ
متى تُحسِن مدائحَهُمْ يَجِلّوا / كما اشتُريِتَ لحُسن اللحن وُرْق
وإلا غُودِروا هَمَلا ضَياعاً / كما بَعدَ الشرابِ يُعاف زِقّ
ورب مُضيَّع منهم هباءاً / يَشيدُ بذكرهِ غَرب وشَرق
تَزيَّنُ في الندى له دوَاةٌ / ويُعرَض في المتاحف منه رَق
فيا عجباً لمنبوذٍ كحَق / يقدَّر من بديع نَثاه عِلْق
وفي شتى البلاد يُرى ضريحٌ / عليه من نِثار الوَرد وَسق
يُجل رفات أحمدِه فرات / وتَمسح قبرَ أحمدها دمشق
ومفرق ذاك شُجَّ فلم يُعقِّب / وُروعٌ ذا وسد عليه رزق
أحبابنا بين مَحاني العراقْ
أحبابنا بين مَحاني العراقْ / كلفتُمُ قلبيَ ما لا يُطاقْ
العيشُ مرٌّ طعمهُ بعَدكم / وكيف لا والبُعْدُ مرُّ المذاق
أمنيَّةٌ تَستاقُها شقوة / آهٍ على أمنيَّةٍ لا تُعاق
كلُّ لياليكُمْ هنيئاً لكم / بيضٌ ودَهري كلُّه في مِحاق
لي نَفَسٌ كيف بتَصعيده / والشوقُ مني آخِذٌ بالخِناق
الله يَرعَى " حَمَداً " إنه / غادرني ذكراه رهنَ السياق
هل جاءه ان أخاه متى / يَذكرْه يَشَرقْ بدموع المآق
يكفيكُمُ من لوعتي أنني / في فارس أشتاقُ قُطرَ العراق
لا سوحُها وهي جِنان زَهَتْ / بكلِّ ما رقَّ جمالاً وراق
ولا الربى مخضّرة تزدهي / حسناً حواشيها اللطافُ الرِقاق
خُطَّتْ على أوساطها خضرةٌ / سبحان من قدّر هذا النِطاق
تنال من شوقي وهل سلوةٌ / لمن قضى اللهُ له أن يُشاق
صبَّ الشتاء الثلج فوق الرُبى / يرفعُه فيها طباقاً طباق
حتى إذا الصيفُ انبرى واغتدتْ / تُصَبِّحُ الأرض بكأسٍ دهِاق
هبَّ عليلاً ريحُها لاصَحَا / زماسَ سُكراً روضُها لا أفاق
أحسن ما في وجهِ هذا الثرى / عيونُه لا رمُيتْ بانطباق
تجري وتجري أدمعي ثرةً / وأدمُعي أولى بشأو السباق
لمُ يحيِ هذا الماءُ مَيْتَ الثَرى / لو لم يكنْ ماءُ حياةٍ يُراق
ذكرتكُمْ والنفسُ مسحورةٌ / وللخُطى بين المروج إستراق
ليس يقي النفْسَ امرؤ من هَوى / إلا إذا كانَ من الموت واق
طوت الخطوبُ من الشباب صحيفةً
طوت الخطوبُ من الشباب صحيفةً / لم ألقَ منها ما يُعِز فراقَها
ومسهدٍ راع الظلامَ بخاطر / لو كان بالجوزاء حَلّ نطاقها
ترنو له زُهرُ النجوم وإنها / لو أنصفته لسَوّدتْ أحداقها
أفدي الضُّلوع الخافقات يروعني / أن الرقاد مسكِّن خفاقها
وأنا الموآخذ في شظايا مهجة / حَمّلْت مالا تستطيع رقاقها
ضمنت لي العيش المهنأ لوعة / أَخذت على شُهْب السما آفاقها
يشتاق إن يردَ اللواذع منهلا / صبٌ ولولا لذةٌ ما اشتاقها
هزجٌ اذا ما الوُرق نُحن لانني / خالفت في حب الأسى أذواقها
كم نفثةٍ لي قَنَّعتْ وجه الدجى / هماً وأوحت للسُها إخفاقها
ومهونٍ وجدي عَدَتْهُ لواعجٌ / اخرسن ناطقَ عذله لو ذاقها
ما في يديْ هي مهجةٌ وهفا بها / داءٌ ألّح وَعبرةٌ وأراقها
يا مهبِطَ الرسل الدعاة إلى الهدى / عليا بنيك عن العلى ما عاقها
زحفت بمدرجة الخُطوب ففاتها / شأو المُجِدِّ من الشعوب وفاقها
لحقت فلسطينٌ بأندلسٍ اسىً / والشامُ ساوت مصرَها وعراقها
مهضومةٌ من ذا يرد حقوقها / وأسيرةٌ من ذا يفُك وَثاقها
يسمو القويُّ وذاك حكم لم يدع / حتى الغصونَ فشذَّبت أوراقها
نقضت مواثيقَ الشُّعوب ممالكٌ / باسم العدالة أبرمت إرهاقها
هبت الشامُ على عاداتها
هبت الشامُ على عاداتها / تملأ الأرضَ شباباً حَنِقا
نادباً بيتاً أباحوا قُدْسَهُ / في فِلَسْطينَ وشملاً مِزَقا
بَرَّ بالعهد رجالٌ أُنُفٌ / أخذ الشعبُ عليهم مَوْثقا
شرَفاً يومَ فِلسطينَ فقد / بلغ القِمَّةَ هذا المرتقى
ألبس الملكَ رداءً وازدهت / روعةُ التاريخِ منه رَوْنقا
اسمعي يا جِلَّقٌ !! إن دماً ! / في فِلَسْطينَ هضيماً نطقا
عربياً سال من أفئدةٍ / عربياتٍ تلظت حُرَقا
صبغ الأرضَ وألقى فوقها / من فداءٍ وإباءٍ شفقا
تَحْمِلُ الريحُ إلى أرجائها / من زكّياتِ الضحايا عَبَقا
اسمعي يا جلقٌ !! إن دما ! / في فِلَسْطينَ ينادي جِلَّقا
اسمعي : هذا دمٌ شاءت له / نخوةٌ مهتاجةٌ أنْ يُهْرقا
شدَّ ما احتاجت إلى أمثاله / أممٌ يُعوِزُها أن تُعْتَقا
شاهدٌ عدلٌ على الظلم إذا / كَذَبَ التارِيخُ يوماً صدقا
احملي ما اسطَعْتِ من حبّاته / واجعليها لعيونٍ حَدَقا
يسقطُ الطفْلُ على والده / وارداً موردَه معتنِقا
وتمر الأمُّ غضبى ساءها / في سباق مِثلِهِ أن تُسبَقا
نَسَقٌ للموت لم نسمعْ به / ليتنا نَعْرِفُ هذا النسقا
هكذا تُعْلِنُ صرعى أمةٍ / أن شعباً من جديدٍ خُلِقا
يا للرفاقِ لموطن لجّوا به
يا للرفاقِ لموطن لجّوا به / حتى ازدرى أخلاقه فتخلقا
فإذا نزت همجٌ الى طمع نزا / اوصَفّقَتْ فيه قرودٌ صفقا
ترك القريبَ من الصلاح ففاته / ورجا البعيدَ من الظنون فأخفقا
دبّت عقاربه الى جيرانه / اوما ترى بغداد أعدت جِلَّقا
أهل الخورنق والسدير ولو سعوا / رفعوا سديراً ثانياً وخورنقا
سبحان من خلق الرجالَ فلم يجدْ / رجلاً يحق لموطن أن يُخلقا
ما إن يزالُ مرَّشحاً لأُموره / متجبراً أو طامعاً أو أحمقا
وطني وداؤك أنفسٌ مملوءة / جَشَعاً فمن لي أن تُبِلَّ وُتفرقِا
بلوى الشعوب مخادعون إذا ادَّعوا / للنصح كذَّبتِ الفِعالُ المنطقا
الآن يلتمسون فكّ وَثاقه / من بعد ما نزل البلاء وأحدقا
وطني ومن لك ان تعود فترتقي / من بعد ما أعيا وعزّ المرتقى
ما إن ترى عينٌ لصبْحِك مَصْبحاً / للعاشقين ولا كليلِك مَغْبقا
زَهَرْت رياضك واجَتليتَ محَّلثاً / وصفت مياهك واحْتسيْتَ مرنقا
أفتلك دجلةُ بالنعيم مرفرفاً / تجري وبالعذب الزلال مصَّفقا
باتت تدفقها الرياح وإنما / ضاقت مسايلُ مائها فتدفقا
وبكت لواردها أسىً وكأنها / أمست تصعِّد منه صدراً ضيِّقاً
أقضى مرامِك أن تَفيضَ فتشتكى / ظمأ ربوعُك او تفيض فتغرقا
لو يعلم الشجرُ الذي أنبتَّهُ / ما حل فيك منَ الأذى ما أورقا
رَجَعت خلاءً كفُّهم بك ثرةً / وَرَجعت انت أبا الخزائن مُملِقا
اشفقت مما قد مُلكت قساوةً / ان لا ترِقَّ اذا ملكتَ فتُشفقا
مالي وطارقةُ الخطوب اذا دهت / فلكم سألت الله ان لا تُطرقا
عزم الرجال اذا تناهى حدهُّ / مثلُ الكِمام اذا استوى فتفتقا
مَثَلٌ جرى فيما مضى لمحنكٍ / من " يعرب " رام السداد فَوُفِّقا
أعيا به جمع العِصي فلم يُطِق / تحطيم َوحدتهنَّ حتى فرَّقا
أهدى لكم لو تقتفون سبيله / مَثَلاً به كان السبيلَ الى البقا
يا " ذكرياتُ " تَحَشَّدي فِرقا
يا " ذكرياتُ " تَحَشَّدي فِرقا / تسَعُ الخيالَ وتملأُ الأُفُقا
وتأهَّبي زُمراً تجهزني / محضَ الأسى والذُّعرَ والقلقا
هُزِّي الرِّتاجَ عليَّ أُحكِمُه / وتقحَّمي البابَ الذي انغلقا
الليلُ صُبِّي في قرارتهِ / من وحشةٍ ما يفزَعُ الغَسَقا
والريحُ خلِّيها اذا صفِرَت / في البيت تُوسِعُ من به فَرقَا
خَلِّي الصغار من الأسى فَزَعاً / يتساءلون : من الذي طَرَقا
ودَعي الكِبار يرَوْنَ مدخنَةً / فيه ولا يجدون محترِقا
والنَوم من فَزَعِ " الرؤى " يبساً / رُدِّيه او بدمائها غَرِقا
ليعودَ مما " تنفُثين " به / مِسخاً فلا نَوماً ولا أرَقا
والصبحُ رُدِّيه لَمبْسِمه / شَرِقاً وبالعبرات مُختنِقاً
ثم اطلِعي من كلِّ زاوية / ذاك الجبينَ ووجهَه الطَلِقا
حتى إذا انتصف الأصيل به / فتكوّري في صُلبه شَفَقا
ثم اسكُبي نَضْحَ الدماء به / ثم ابعَثي من نَشْرها عَبِقا
وتمزّقي قِطَعاً مضرّجةً / تمتصُّ من نَضَحاتِه عَلَقا
فكأن فيها الصُلْبَ منغلقاً / بجراحه والصدرَ منخرقا
يا ذكريات تجسَّدي بَدَناً / غضَّ الصِّبَا وتعطَّري خُلُقا
عُريانَ : لا خَتَلا ولا وَغَراً / ضَحْيانَ : لا صَلَفاً ولا مَلَقا
لم تتركي من كلِّ شاردةٍ / نَمَطاً ولا من نأمةٍ نَسَقا
ثم ابدَهيني كلَّ آونةٍ / منها بما يستامُني رَهَقا
يا ذكرياتٌ كلُّها حُرقٌ / تَطَأ الفُؤادَ وتلهبُ الحَدَقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ شجناً / للناس يُعجزهم بما خَلَقا
هي صُورة حمراءُ من شَجني / تُدمي اليَراع وتُرعب الوَرَقا
ليَرىَ الذين تجاهَلوا برَمَاً / أسيانَ : كيفُ يُكابد الحُرَقا
من لي باطيافٍ تُراوحني / بالهمِّ مُصطبَحاً ومُغتبَقا
متسلسلات كلما وَجَدَتْ / فيها فراغاً أفَرغَتْ حَلقا
مستجمعات كلَّ خاطرةٍ / ما جدَّ من عهدٍ وما خَلِقا
ما كان مثلَ القبر مُختفياً / تُبديه مثلَ النجم مُنبثِقا
فَرِحاً ومكتئباً ومختلِطاً / بهما ومُتَّحداً ومفترِقا
من لي بها وكأنَّها بشرٌ / عن نفسه يَروي اذا نطَقا
من لي باشباحٍ أنوءُ بها / رَسْفَ السجين بقيَدِه عَلِقا
حتى اذا انصَرَمَت بدا شَبَحٌ / حُلوٌ يكادُ يُطيرني نَزَقا
طوراً نَروح معاً على ظَمَاً / منها وطوراً نستَقي غَدَقا
يوماً بقَعر البيت يُوغرنا / حَنَقاً قضاءٌ مُوغِر حَنِقا
وهُنيهة نرتاد مُرتفِعاً / من هَضْب " لبنانٍ " ومُنْزَلِقا
من لي بها تَعتادُ قارئها / فَرَقاً كما تَعتادني فَرَقا
وتردُّ – مثلي – عيشَه رَنِقاً / وتَسُدُّ – مثلي – حَولَه الطُرقا
من لي بشِعرٍ خالقٍ حُرَقاً / تطأ الفؤادَ وتُلهِبُ الحَدَقا
ليريُهم القلبينِ قد لَصِقا / صِنويَن كيف اذا هُما افتَرَقا
واذا هما – والموت بينهما - / مدّا من الجْيدينِ فاعتَنَقا
وتساءَلا : ما ضرَّ لو سلكا / كَفَناً معاً وبحبله عَلِقا
حتى اذا استبقى احرُّهما / رَمَقاً واسلَمَ خِدنُهُ رَمَقا
وحثا التُرابَ بوجهه قَدَرٌ / عبّا لكل مُفارق طَبَقا
وانداحَتِ الدنيا بناظرِه / حتى لظَنَّ رحابَها نَفَقا
ومضى حسابُّهما برُمَّته / ما انفكَّ من دَين وما انغَلَقا
صَفَقَ اليدين كأنَّ مرتجِعاً / يرجُو لصاحِبه بما صَفَقا
وكأنما يُعطي الشقيقَ دماً / ان الشقيقَ بدمعه شَرِقا
وكأنما انشقَّ الضريحُ له / ب " رعى السحابُ ضريحَه وسَقَى "
يا لَلرفاق ومثلُ ما كابدتُه
يا لَلرفاق ومثلُ ما كابدتُه / مما أُلاقي كابَدَتْهُ رفاقي
وطني نقيض شُكوله فرجالهُ / شابوا وما شّبوا عن الأطواق
عِتْقُ النِجار يَبين بين خُيوله / أما الرجال به فغير عِتاق
ضرب الأسى سُوْراً عليه وأحدقت / سودُ الحوادث أيَّما إحداق
إيهٍ خليليَ لا تَرُزْني طامِعاً / في منطقي فيَريبَكَ استنطاقي
فلقد أكون وما غُلقن مقاولي / واليوم وهي كثيرة الأغلاق
إن أطوِ يلتهبِ الضميرُ وإن أبُحْ / يوما ففوق يدي يد الارهاق
ممَّ التعجبُّ صاحبِيَّ وإنما / قَسَمَ الحظوظ مقسِّم الأرزاق
والحَذق في سبك القريض وصوغه / متفاوت متفاوت الحُذاق
وأجلُّ ما ترك الفتى من بعده / أثرٌ على مر الليالي باق
لا يفخرنْ أحد علىَّ بشعره / الفخرُ مدَّخرٌ ليوم سباق
" شوقي وحافظ " لا يَجُسُّ سواكما / نَبْضَ القريض وما له من واق
لكما الخِيارُ إذا الرجال تنافسوا / أو حرّروا دعوى بلا مِصداقق
أن تَقْتُلا أو تُحرقِا متشاعراً / أو تقطعا يد شاعر سرّاق
هل تحكمانِ اليومَ حكماً عادلاً / خِلواً من الارهاب والاشفاق
في شاعر لزِم البُيوتَ وأخفقت / منه المآرب أيَّما إخفاق
لكما شكا ظلم العراقِ وذِلةٌ / أن يشتكي ظلمَ العراق عراقي
أهدى سوايَ نفيسَه وأنا الذي / أُهدي إليه نفائسَ الأعلاق
" شوقي وحافظ " أوضِحا في أيَّنا / لُطْفُ الخيال والشعورُ الراقي
أأنا الذي اتخذ البلاد شعاره / أم هم وقد لبسوا ثياب نفاق
في كل يوم في رداءٍ وَفْقَ ما / تفضي بذلك عملةُ " الأوراق "
وأنا الذ أعطى القوافيَ حقها / مِن ناصعاتٍ في البيان رِقاق
تُجلى على قُرَّائها فتُميلُهُمْ / سكراً كما يَجلو السُّلافَ الساقي
أم هم وكم بيتٍ لهم مستجَنٍ / ناب عن الأسماع والأذواق
وأنا الذي صان القريض عن الذي / يُزري به من فُرقةٍ وشِقاق
ومدائح كانت لفرط غُلُوِّها / تشكو من المخلوق للخلاق
أم هم وقد باعوا الضمائر واشتروا / عيشَ الذليل وبُلغةَ الأرماق
غَنَّوا سواهم يطلُبون عَتاده / فكأنهم " جَوْق " من الأجواق
أبياتُكمْ تبقى لهمْ وهباتُهُمْ / ليست بباقية على الانفاق
وأجلُّ من هبةٍ يُذِلَّ بها الفتى / أشعارَهُ صبرٌ على الاملاق
عاراً أرى وانا " الأديب " بضاعتي / معروضةً كبضائعِ الأسواق
كيف التجددُ في القريض وأهلُه / شدّتْهُمُ أطماعهم بوثَاق
أخذوا على الآداب من عاداتهم / وجمودِهم فيها بكل خناق
إني لأصبو للقريض تهذّبت / منه الحواشي صبوةَ المشتاق
وأُريدُ شعراً ليس في أبياته / غيرُ القلوب تَبِين للأحداق
وأجل ما خلق الاله لخلقه / وحسابُ فضلِ الله غير مطاق:
الشعرُ في تأثيره والغيثُ / في آثاره والشمسُ في الاشراق
وما الروضُ راوحَهُ مثقَلٌ
وما الروضُ راوحَهُ مثقَلٌ / من المُزْن يَحْمِلُ ما لا يطيقُ
فعاطاه من صوب أكوابه / هنالك ما لا يعاطي الرحيق
وفَضَّت لطائمَهُنَّ الرياحُ / عليه كما فاح مسك فتيق
باحسنَ مما أجاد القريض / وحلاه هذا الكلامُ الرشيق
بألفاظه وهي غرُّ رِقاقٌ / ومعناه وهو الغريب الدقيق
سيُبْلي زمانُك حتى الحديدَ / ويُبليه هذا النسيجُ الرقيق
نادمتُ خلان الأسى
نادمتُ خلان الأسى / وسُقِيتُ من كأسٍ دِهاقِ
مثلَ اصطباحي من كؤوس الهم / والألَم اغتباقي
هذي النفوسُ الشاعراتُ / تلذَّذت بالإحتراق
غنَّيت نفسي إذ رأيت / نفوسها غنَّت رفاقي
كّلٌ يقول أنا أحوز السبقَ / في يوم السباق
مالي أنوح على سواي / وميِّتي رهنُ السياق
ساقي المدامِ إذا قَضَت / هذي البلاد فانتَ باقي
روحي : وروحٌ الشعر والأوطانِ / كل في التراقي
كل البلاد سَعت لتُصلِحَ / شأنها إلا عراقي
صَدْعَ الزجاجِ تصدَّعَ / استقلالُنا بيد النِفاقِ
شتانَ فيما أرتئيه / مَذاقُ صحبي من مَذاقي
حَلَبات آدابٍ العراق / بَكَت على الخيل العِتاق
لم يبقَ لي غيرُ / المخُاتِل والمُنافقِ والمُتاقي
أفٍّ لها من أوجهٍ / قابلْنَنّي سودٍ صِفاق
اما غِنايَ فظاهرٌ / محضٌ كأغنية السَواقي
تتكسُر النَبَراتُ في الأشعارِ / من ضيقِ الخِناق
نَزَفّت دموعُ العين ثم / تحَجرَّت هذي المآقي
ولكثرة الباكين ضاعت / حرمةُ الدّمع المُراق
هذا بياني تعرِفون الروحَ / فيه من السِياق
يا رقةٍ في الطبع بانَتْ / بين أبياتٍ رِقاق
أنت التي هوَّنتِ من / هذي الشدائدِ ما أُلاقي
وانا المديَنُ لمهجةٍ / حَمَّلتُها غيرَ المُطاق
آلامَأيامٍ مَضَينَ / وخوفَ أيامٍ بواقي
اما التمردُ في شعوري / فهو من أثَر الوَثاق
أحييتُمُ نَفْساً أردتُمْ / مَوتَها بالإختناق
لا تقتضي تلك الخشونةَ / بعضُ أبياتٍ رِقاق
ماذا تُرَجِّى " فارك " / من بعد حادثهِ الطَلاق
ما سرها لقياكُمُ / فيسوؤُها وقعُ الفِراق
قم يا " جميل " فحامِني / يا حاميَ الأدبِ العراقي
يا من بشعرِكَ ظنَّتْ الاقوامُ / أنَّ الشَعبَ راقي
قبلي باحجارٍ رُشِقتَ / لقاءَ هاتيك الرِشاق
تلك العرائسُ كم لَقَت / ضيماً وهُنَّ بلا صَداق
أو بعدَ ذا يتشدَّقونَ / بقُرب دورِ الإنعتاق
أرى الشعبَ في أشواقه كالمعلَّقِ
أرى الشعبَ في أشواقه كالمعلَّقِ / لَما حدَّثُوه عنكَ يرجو ويتَّقي
يغالط نفساً فيكَ إن قيلَ لابثٌ / يكذِّبُ أنْ قالوا سيأتي يصدِّق
صبَتْ لك أنحاءُ العراق وفتِّحَت / للُقياكَ صَدرَ الوالِهِ المتشوِّق
وأجدرْ بأن يشتاق مثلُك مثلها / وأنعِمْ بأن تحنو عليها وأخلِق
سَرَت بُردُ الأشواقِ تحمِلُ طَيَّها / تحياتِ خُلصانٍ شديدي التعلّق
ر|طاباً كأنفاس النسائم سَحرةً / عِذاباً كماء الرافدين المصفقَّ
وقد سَمَتْ الزَوراءُ ترفَعُ رأسَها / على الأرض تِيهاً مثلَ نَسر مُحلِّق
وتفخَرُ أن نالَتْ بتفضيل أرضِها / على سائر الجاراتِ حظَّ الموَّفق
فقد نافسَتْ بغدادُ بطحاء مكّةٍ / وقد غبرَّت بغدادُ في وجهِ جِلَّق
وقد حَسَدَت بغدادُ شَتى عواصمٍ / من الشرق لم تنعُمْ بهذا التفوُّق
ولو نَطَقتْ قالتْ هَلمَّ لمَصبحٍ / جميلٍ على الشطَّينِ مني ومَغْبِق
هلمَّ فعندي مُشتهى كلَّ ماجدٍ / ومن كلِّ ذوق طيّبٍ فتذَّوق
فحقِّقْ لها أمنيةً فيكَ تَستَعضْ / بها عن أمانٍ جمةٍ لم تُحقَّق
وأدخلْ عليها فرحةً فهي بَلْدةَ / بها ثارت الأتراحُ ثورةَ مُحنَق
تمشَّت بها تعتاقُها عن نُهوضِها / خطوبُ الليالي زَردَقاً بعد زَرْدَق
أبغدادُ وهي القحمةُ السِنِّ خِبرةً / تَلَهَّى بألعابٍ كطفلٍ مُحمَّق
توقِّعُ باليمنى صكوك انعتاقِها / وتُومي لها اليسرى بأن لا تصدِقي
وتَفشلُ اسبابٌ لترقيع وحدةٍ / تمزِّقُها الأضغانُ شرَّ مُمزَّق
وشعبٍ تُمشيِّه السياسةُ مُكرهاً / على زَلَقٍ من حُكمها كيفَ يَرتقي
سلامٌ على شيخ الجزيرة كلِّها / سلامٌ على تأريخِه المتألِّق
سلامٌ عليه يوم شطَّت رِكابُهُ / سلامٌ عليه يومَ نحظَى فنلتقي
سلامٌ على عُمرٍ تَقَضَّى بصالحٍ / سلامٌ على ما فات منه وما بَقى
أبا فيصلٍ بعضَ التعزي فكم رَمَت / شهامةُ قومٍ شملَهمْ بالتفرّق
وقبلَك غمّت عزةٌ رَبَّ كندةٍ / وشرَّد صونُ العرض رَبَّ الخَورَنق
وما قَدْرُ عُمرِ المرءِ إن لم يُرَعْ به / وما طيبُ عيشِ المرء إن لم يُرَنَّق
أبا فيصلٍ إن الحياةَ ثقيلةٌ / على غير مذمومينَ وغدٍ وأحمق
سلِ القومَ ما معنى المرونةِ تختبرْ / تُستِّرهم عن خِسّةٍ وتَملُّق
وعن ذمِّ محمودٍ لفرط مَنَاعةٍ / وعن حَمد مذمومٍ لفرطِ التحذلُق
يسفُّون بالأخلاقِ إذ يُطلقونها / على كلِّ ما يَزري بحُرٍ مخلَّق
أبا فيصل أشجى التحايا تحيةٌ / تمازجها الذكرى بدمعٍ مُرقرٌق
تحيةُ مشتاقٍ لو اسطاع نُهزةً / تلقّاكَ من غر القوافي بفيلَق
أخي عاطفات لم يَشُنها تكلُّفٌ / وذي خُلُقٍ لم يُمتَهنْ بتخلُّق
لقد هزّت الأشواقُ قلباً عهِدتُهُ / إلى غيرِ أربابِ العُلى غير شيِّق
ونفساً على أن لا تزالَ أمينةً / أخذتُ عليها كلَّ عهدٍ وموثَّق
ولي فيك قبل اليوم غُرُّ قصائدٍ / كفاها سموّا أنها بعضُ منطقي
من اللاء غذّاها " جرير " بروحه / ولاءَمَ شَطرَيها نسيج " الفرزدق"
شربنَ بماء الرافدين وطارَحَت / بأسجاعِها سجعَ الحمام المطوَّق
ومن قبل كانوا إن أرادوا انتقاصةً / من الشِعر قالوا عنه لم يتعرَّق
فان لا تبذَّ المفلقينَ فانّها / يقصِّرُ عنها شاعرٌ غير مُفلِق
سهرتُ لها الليلَ التّمام اجيدُها / أغوصُ على غُرِّ المعاني فأنتقي
وأحبِبْ بها من مُورقاتٍ عزيزةٍ / عليّ وبي من مُستهامٍ مؤرَّق
فجئتُ بها مبغى أديبٍ مقدّرِ / ومنعى حسودٍ موَغرِ الصدرِ أخرق
وجاءوا بمرذولِ القوافي كأنما / " مركبةٌ أبياتها فوق زِئبق"
وحسبكَ من خمس وعشرين حجةً / بها الشيخ ذو السبعين من حَنَقٍ شَقِي
يقول وقد غطَّى شُعاعي بصيصَه / ترّفقْ وهل لي طاقةٌ بالترفّق
فيا أيها الشعرُ الجميل انحطاطةً / بغيضٌ إلى قلب الحسود تفوُّقي
مكانَك قِفْ بي حيثُ أنتَ فحسبُه / وحسبُك من شَوط تقدَّمتُ مالقي
إذا قال شرِّقْ لا تغرَّبْ إطاعة / وإن قال غرّبْ فاحترس لا تشرّق
وإن قال رِّفةْ عن حياتي فرأفةٌ / وإن قال دع لي فرجةً لا تضيِّق
وعنديَ من لفظٍ جزيلٍ وصنعةٍ / لبابٌ وطبعٌ كالُمدام المعتَّق
خوافٍ بشعري حلَّقت وقوادمٌّ / وما خيرُ شعرٍ لم يَطرِ فيُحلِّق
إذا ما تبارَى والقوافي بَحلْبْة / صَرختُ به إن كنتَ شعري فأسِبق
ولم لا يسيل الشعرُ لُطفاً ورقةً / إذا كان من فَيض القريحة يستقي
يجيء به النسجُ الرقيقُ مُهَلْهَلاً / كمُوشِيِّ روضٍ أو كثوبٍ منَمَّق
ويُردفهُ صوبُ المعاني فيزدَهي / زَها الروضُ عن صوب الحيا المتدِّفق
وإن ضاعفتَه مسحةُ الحزن رَونقاً / فمن فضلِ أشجان أخذْن بمخنِقي
فمن يَتنَكَّرْ من همومٍ فإنني / لأنكِر أن أعتادَ غيرَ التحرُّق
وأنكرُ نفسي أن تُرى في انبساطةٍ / وأُنكر صدري أن يُرى غيرَ ضيق
أخِفُّ إلى المرآة كلَّ صبيحةٍ / أرى هل أشابَ الهمُّ بالأمس مفرِقي
أقول وقد شاقتنيَ الريحُ سحرةً
أقول وقد شاقتنيَ الريحُ سحرةً / ومَنْ يذكرِ الاوطانَ والأهلَ يَشْتَقِ
ألا هل تعودُ الدارُ بعد تشتُّتٍ / ويُجْمَعُ هذا الشملُ بعدَ تفرُّق
وهل ننتشي ريحَ العراقِ وهل لنا / سبيلٌ الى ماء الفرات المصفَّق
حبيبٌ إلى سمعي مقالةُ " احمدٍ " : / " أأحبابَنا بين الفراتِ وجِلَّق "
فو اللهِ ما روحُ الجنان بطيّبٍ / سواكم ولا ماءُ الغوادي بريق
ووالله ما هذي الغصونُ وإن هَفَتْ / بأخْفَقَ من قلبي إليكم وأشوق
شرِبنا على حكمِ الزمانِ من الأذى / كؤوساً أضرت بالشراب المعتق
فما كان يَهنيه صَبوحٌ ومغبقٌ / فإن من البلوى صَبوحي ومغبقى
خليليَ لا تُلْحى سهامُ مصائبٍ / أُتيحت فلولا حكمه لم تُفَّوق
تعنف أحكام القضاء حماقة / كأن القضاءَ الحتمَ ليس بأحمق
كفى مخباً بالحال أنْ ليس مُنيةٌ / لنفسيَ إلا أن نعودَ فنلتقي
وما فارسٌ الا جنانٌ مُضاعةٌ / ويا رُبَّ خمْرٍ لم تجد من مُصفق
هنيئاً فلا مسرى الرياح بخافتٍ / وبيٍّ ولا مجرى المياهِ بضيّق
اتى الحسنُ توحيه إليها من السما / يدُ الغيث في شكل الكمام المفتَّق
مضى الصيفُ مقتاداً من الحسن فيلقاً / وجاء الشتا زحفاً إليها بفيلق
كأن الثلوجَ النازلاتِ على الرّبى / عمائمُ بيضٌ كُوِّرتْ فوق مَفْرِق
ما سَمِع السامعونَ آسى
ما سَمِع السامعونَ آسى / من شاعرٍ ضِيمَ في العراقِ
ألوى على عوده شَجيّاً / يبُثُه فَرْطَ ما يُلاقي
إذا بكى ارتدَّ يبكي / شَجْواً لألحانه الرِقاق
في ذمةِ الله ما تُلاقي / يا عودُ منّي وما أُلاقي
روحانِ مني ومنكَ باتا / من وَطأة الهمِّ في الترَاقي
ما ضاق منك الخِناقُ يوماً / لو نفَّسَ الدهرُ عن خِناقي
يا دهرُ خُذني واحلُلْ وَثاقاً / أرهَقَ عُودي واحلُلْ وَثاقي
أو لا فحِّولْ أنّةَ أسري / عنه إلى نغمةِ انطلاق
فَغَمْغَمَ العودُ واستجاشَت / أشجانُهُ خطرةً الفِراق
اِسْلَمْ رفيقَ الصِّبا ألوفٌ / تفدِّيك مثلي وأنتَ باق
قبلكَ واسيتَ ألفَ شاكٍ / والفَ حاسٍ وألفَ ساق
من فضلِ ما أوحت الرزايا / إليَّ مُيِّزت عن رفاقي
أقول لما انبرتْ غُصونٌ / أعوادَها تبتَغي لَحاقي
أحْملْنَ مثل الذي أُلاقي / من اصطباحي أو اغتباقي
طارِحنَ مثلي أخا شجونٍ / شاركنَ مثلي اخا اشتياق
ربَّ نهارٍ كنتُنَّ فيه / جنباً إلى جنب في اعتناق
قضيته جنبَ ذي شجونٍ / أخافُ من بثِّه احتراقي
وربَّ ليلٍ سهِرتُ فيه / أشدو حزيناً مع السواقي
اصبْر قليلاً يا عودُ إنّا / عما قريبٍ إلى افتراق
حملتَ عني ماضي همُومي / فاحمل قليلاً من البواقي
وَلَّى شبابي إّلا بقايا / ضحيةَ القلب والمآقي
والنفسُ تأبى إّلا انطلاقاً / والدهرُ يأبى إّلا ارتهاقي
والحزنُ لم يدخر صُباباً / يُبقه في كأسِه الدِهاق
اَلانِطفائي كان اشتعالي / اَلاحِتراقي كانَ ائتلاقي
وحين جاء الظلامُ يُرخي / سِتراً على الأوجه الصِّفاق
ورفَّ روحُ السلامِ يُخفي / غريزةَ الحِقْدِ والنِفاق
باتَ بطيّاته فؤادٌ / يشكُرُ لُطفَ الموت الذعاق
وجنبَه عودُهُ يُناغي / حَشرجةَ الصدرِ في السياق
الى التلاقي " عودي" وداعاً / وكيف بعدَ الموتِ التلاقي
اقرأْ سلامي على الرزايا / أعني سلامي على الرفاق
ذاك أديبٌ مات اضطهاداً / ذاك هو الشاعرُ العراقي
هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ
هبَّ النسيم فهبتِ الأشواقُ / وهفا إليكمْ قلبه الخّفاقُ
وتوافَقا فتحالفا هو والأسى / وحَمامُ هذا الأيكِ والأطواق
عارٌ على أهل الهوى ان تُزدرى / هذي النفوسُ وتُشترى الأعلاق
ذَم الفراقَ معاشرٌ جهلوكُمُ / من أجلكم حتى الفراقُ يُطاق
ما شوقُ أهل الشوق في عُرفِ الهوى / نُكرٌ فقد خُلِقوا لكي يشتاقوا
أما الرفاقُ فلم يَسُؤْني هجرهمْ / إذ ليس في شرع الغرام رفاق
لو أُبرم الميثاقُ ما كَمَلَ الهوى / شرطُ الهوى ان يُنقَض الميثاق
كُتُبُ الاله تشّرفت في ذكره / وبذكركمْ تتشرفُ الأوراق
هذا القريض تكبَّرت بُرُآتهُ / إذ ضاق من ألم الفراق خناق
عَمَرت بذكركمُ اللذيذِ مجالسٌ / وازَّيَّنَتْ بهواكُمُ أسواق
ماذا أذُم من الهوى وبفضله / قد رق لي طبعٌ وصحَّ مَذاق
هي " فارسٌ " وهواؤها ريح الصَّبا / وسماؤها الأغصانُ والأوراق
وَلِعَتْ بها عُشّاقها وبليةٌ / في الشرق إنْ وَلِعَتْ بها العشاق
سالت بدفاق النُّضار بقاعُها / وعلى بنيها شحتِ الأرزاق
يا بنتَ " كومرثٍ " أقلَّى فكرةً / فلقد أضرَّ برأسك الإخفاق
وتطلَّعي تَتَبَيَّني الفجرَ الذي / تتوقعينَ وتنجلي الآفاق
لي في العراق عصابةٌ لولاهمُ / ما كان محبوباً الىّ عراقُ
لا دجلةٌ لولاهمُ وهي التي / عذُبت تروق ولا الفراتُ يذاق
" شمرانُ " تُعجِبُني وزهرةُ روضها / وهواؤها ونميرُها الرَّقراق
متكسراً بين الصخور تمُدّهُ / فوقَ الجبال من الثُّلوج طِباق
وعليه من وَرَقِ الغُصونِ سُرادقٌ / ممدوةٌ ومن الظِلالِ رُواق
في كل غصْنٍ للبلايل ندوةٌ / وبكل عودٍ للغنا " إسحاق "
كانت منايّ فلم تُعَقْ وعجيبةٌ / أني أُحب منىً فلا تُعتاق
سرُّ الحياة نجاحُ آمالِ الفتى / أما المماتُ فسرُّه الإخفاق