المجموع : 8
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني
هتفتُ وقد بدت مصر لعيني / رفاقي تلك مصر يا رفاقي
أتدفعني وقد هاضت جناحي / وتجذبني وقد شدت وثاقي
خرجت من الديار أجر همي / وعدت إلى الديار أجر ساقي
بأي معجزة في الحب نتفق
بأي معجزة في الحب نتفق / يا قلب لا يتلاقى الفجر والغسقُ
يا قلب إنا لقينا اليوم معجزة / تكاد في ظلمات الليل تأتلقُ
ظللتُ أسأل نفسي كيف تعشقها / بقية من بقايا العمر تحترق
وافيتها وفلول النور دامية / تطفو وترسب أو تعلو فتعتلقُ
لم أدر حين تبدت لي إذا شفقي / أبصرته أو على المنصورة الشفق
يا من منحت الأماني البيض معذرة / إني بهذي الأماني البيض أختنقُ
أين الهدوء المرجى في جوانبها / إني رجعت وليلي كله أرق
أقبلت أنشد أمنا في هواك بها / فلم أنل وتولى قلبي الفرق
لا بالقلوب ولا الأرواح يا أملي / أنّا بشيء وراء الروح نعتنق
ويحي على كفك البيضاء إذ بسطت / عند السلام وويحي حين تنطبق
هل يسمع النيل إذ سرنا بجانبه / والموج مجتمع فيه ومفترق
صوتاً تماوج في روحي فجاوبه / من جانب القلب موج راح يصطفق
تظل تنهب أذني من أطايبه / كأنها من خفايا الغيب تسترق
يا جنة من جنان الله أعبدها / لن تبعدي ولدي السحر والعبق
هي محنةٌ وزمان ضِيق
هي محنةٌ وزمان ضِيق / وتكشَّفَت عن لا صديق
جرَّبت أشواك الأذى / وبلوتُ أحجار الطريق
وكأنَّ أيّامي التي / من مصرع ليست تفيق
وكأنَّ موصول الضنى / يَمتاحُ من جُرحٍ عميق
زرعٌ على ظُلَلٍ فذا / أبداً لصاحبه رفيق
هذا الذي سَقَت الدمو / ع وذاك ما أبقى الحريق
سألتك يا صخرة الملتقى
سألتك يا صخرة الملتقى / متى يجمع الدهر ما فرَّقا
فيا صخرةً جمعت مهجتين / أفاءا إلى حسنها المنتقى
إذا الدهر لَجَّ بأقداره / أجَداً على ظهرها الموثقا
قرأنا عَلَيكِ كتاب الحياةِ / وفضَّ الهوى سرها المغلقا
نرى الشمس ذائبة في العباب / وننتظر البدر في المرتقى
إذا نشر الغرب أثوابه / وأطلق في النفس ما أطلقا
نقول هل الشمس قد خضبته / وخلَّت به دمها المهرقا
أم الغرب كالقلب دامي الجراح / له طلبةٌ عزّ أن تلحقا
فيا صورة في نواحي السحاب / رأينا بها همَّنا المغرِقا
لنا الله مِن صورَةٍ في الضمير / يرَاهَا الفتى كلما أطرقا
يرى صورة الجُرح طيَّ الفؤاد / ما زال ملتهباً محرقا
ويأبَى الوَفاء عَليه اندمالا / ويأبَى التَّذَكُّر أن يشفقا
ويا صَخرَةَ العهد أبتُ إليكِ / وقد مزّق الشَّمل ما مزقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد / والشيب ما كلَّل المفرِقا
شكا أسره في حبال الهوى / وود على الله أن يُعتقا
فلمّا قضى الحظ فك الأسير / حنَّ إلى أسره مطلقا
فجرٌ أطلّ عليّ بالإشراقِ
فجرٌ أطلّ عليّ بالإشراقِ / والقلب يحفزني ليوم تلاقي
فطردتُ ثقل السهد لا ثقل الكرى / قلبي بوثبته يسابق ساقي
عيناي أم قلبي أم القدم التي / حثّت خطاها في مجال سباق
هذا قليل قد شرحت دفينه / وعلى ذكائك أنت فهم الباقي
فجرٌ جديد حالم خفاق
فجرٌ جديد حالم خفاق / لما يزل في عالم الآفاق
توهان في غمم الدجى قلق / بحنينه بالحب بالأشواق
ويود لو ضاق الظلام به / فيهب مندفعاً من الأعماق
متحرراً من قيد ظلمته / يرنو بعمق الروح بالأحداق
فيحس لا شيء ينازعه / ويحول عنه الكون إذ ينساق
لا شيء ملتفا يعانقه / غير السنا في ضوئه البراق
فيغيب في أحضانه ثملاً / ويعب من فيض الهوى الدفاق
بانت له الدنيا على قلق / مشتاقة تهفو إلى مشتاق
عجبت لهذا الدهرِ فرَّقَ بيننَا
عجبت لهذا الدهرِ فرَّقَ بيننَا / ومزَّقَ قلبي طولُ صدِّكِ تمزيقَا
أحاول أن أنسى وهيهاتَ إنه / لَحُبّ يظَل العمر يزدادُ توثيقَا
عدت عادياتُ الدهر يعصفنَ بالمنى / وأشبعَتِ الأيامُ بَيناً وتفريقَا
وما زال ذاك الوجهُ أعذبَ مشتهى / لعيني وذاك الاسمُ أعذبَ موسيقى
سألتُك يا صخرةَ الملتقى
سألتُك يا صخرةَ الملتقى / متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا
فيا كعبةً شهدت هائمَين / أفاءا إلى حسنها المنتقَى
إذا الدهرُ لَجَّ بأقداره / أخذنا على ظهرِهَا الموثقَا
أرقّ الهوى عندها مجهداً / وأنَّ النسيمُ بها مرهقَا
رَمى البحرُ نحوكِ أمواجَه / فعاندتِ تيارَه الأزرقَا
وصدت نواحيكِ هدارةً / كما أغضبت أسداً موثقاً
قرأنا عليكِ كتابَ الحياة / وفض الهوى سرَّهَا المغلقَا
نرى الشمسَ ذائبةً في المحيط / وننتظر البدرَ في المرتقَى
إذا نشر الغربُ أثوابَه / فأطلقَ في النفس ما أطلقَا
نقول هل الشمسُ قد خضبته / وخلَّت به دمَهَا المهرقَا
أم الغربُ كالقلب دامي الجراح / له طلبةٌ عزَّ أن تلحقَا
فيا مهجةً خلف هذا الغمام / بكت نضرةً وصباً رَيِّقَا
ويا صورة في نواحي السحاب / رأينا بها همَّنَا المغرقَا
لنا الله من صورةٍ في الضميرِ / يراها الفتى كلَّما أطرقَا
يرى صورةَ الجرح طيَّ الفؤا / دِ ما زال ملتهباً محرقَا
فيأبى الوفاءُ عليه اندمالا / ويأبى التذكُر أن يشفقَا
ويا صخرةَ العهدِ جاشَ العباب / ولاقاك محتدماً محنقَا
وجاورك القفر يعي الظنونَ / إذا الفكر في كنهِه حقَّقَا
أرى في العبابِ كفاحَ الحياة / وتيارها الجارفَ الأحمقَا
وألمح فيها عراكَ الرجال / إذا لاحَقَ الزورقُ الزورقَا
وكيف على رُحبِ هذا المجا / ل ننزلُها منزلاً ضيِّقَا
وقفتُ على اليمِّ أسألُ نفسي / بعيدَ الهواجسِ مستغرقَا
هل الله من قبلِ خلقِ الحياة / أراد على الموج أن تخلقَا
ومثَّلَ في القفر لغزَ الحِمام / لم نكتشف سره الأعمقَا
أرى في ابيضاضِ الرمالِ ال / مشيب والكفن الشاحب المقلقَا
أرى في السرابِ غرورَ النفو / سِ والأملَ الخائبَ المخفقَا
وقد جعل الله ذا الصخرَ بي / ن الحياةِ وبين البلى موبقَا
ومثَّلَ فيه عتوَّ الدهور / لن تستباح ولن تخلقَا
تريد الحياةُ لقاءَ المماتِ / ولا يأذن اللهُ بالملتقَى
ويا صخرةَ العهد أُبتُ إليكِ / وقد مَزَّقَ الشملَ ما مزقَا
أريكِ مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ / والشيبُ ما كلَّلَ المفرقَا
شكا أسره في حبالِ الهوى / وودَّ على الله أن يُعتقَا
فلما قضى الحظُّ فكَّ الإِسار / حنَّ إلى أسره مطلقَا
لمن زيَّنَ الله هذي السماء / أو جمَّلَ الكونَ أو نسَّقَا
لمن يطلعُ الفحرُ في أفقها / فيبدو بها ضاحياً مونقَا
لمن مسَّ هذا النسيمُ الغمامَ / فرقرقَ منه الذي رقرقَا
إذا ذكرتهُ الحمائمُ أنَّ / وإن ضاحكته الربى صفَّقَا
أللطائرِ المفردِ الروحِ يمضي / يرودُ المواردَ عن مستقَى
وربّكَ ليس لهذا ولكن / لروحينِ في أفقٍ حلَّقَا