المجموع : 10
قُمْنَ في مأتمٍ على العُشّاقِ
قُمْنَ في مأتمٍ على العُشّاقِ / ولَبِسْنَ الحِدادَ في الأحداقِ
وبكينَ الدَّماءَ بالعَنَمِ الرَّطْ / بِ المُقنّى وبالخُدود الرِّقاقِ
ومنحْنَ الفِراقَ رِقّةَ شَكوْا / هنَّ حتّى عشِقْتُ يومَ الفِراق
ومعَ الجيرَةِ الذينَ غَدَوا دَم / عٌ طليقٌ ومُهجَةٌ في وَثاق
حارَبَتْهُمْ نَوائِبُ الدّهْرِ حتّى / آذَنُوا بالفِراقِ قبْلَ التّلاقي
وَدَنَوْا للوَداعِ حتى ترى الأج / يادَ فوقَ الأجياد كالأطواق
يومَ راهنْتُ في البكاءِ عُيُوناً / فتقَدّمْتُ في عِنانِ السَّباقِ
أمنَعُ القَلْبَ أن يذوبَ ومَنْ يم / نعُ جَمْرَ الغَضا عن الإحْراقِ
رُبَّ يوْمٍ لنا رقيقِ حَواشي ال / لهوِ حُسنْاً جَوّالِ عِقْد النِّطاق
قد لَبِسْنَاهُ وهو من نَفَحاتِ ال / مسكِ رَدْعُ الجُيوب ردْعُ التراقي
والأباريقُ كالظِّباءِ العَواطي / أوجَسَتْ نَبْأةً الجِياد العِتاق
مُصْغِياتٌ إلى الغِناءِ مُطِلاّ / تٌ عليه كثيرةُ الإطراق
وهي شُمُّ الأنوفِ يَشمَخن كِبْراً / ثمّ يَرْعُفْنَ بالدّمِ المُهراق
فدَّمَتْها السُّقاةُ كي يُوقِرُوهَا / صَممَاً عن سَماعِ شادٍ وساق
فهي إمّا يَشكونَ ثِقْلاً من الوقْ / رِ وإمّا يَبكِينَ بالآمَاقِ
جَنَّبُوهَا مجالسَ اللّهْوِ والوص / لِ إذا ما خَلَوْنَ للعُشّاقِ
فهي أدهَى من الوُشاة على مك / نونِ سِرِّ المتيَّمِ المُشتاقِ
تَرتَدي بالاكمامِ عَنْهَا حَيَاءً / وهي غِيدٌ يَتْلَعْنَ بالأعْنَاقِ
لا تَسَلْني عنِ اللّيالي الخوالي / وأجِرْني منَ اللّيالي البَواقي
ضَرَبَتْ بيْنَنَا بأبعَدَ ممّا / بينَ راجي المُعِزِّ والإمْلاق
كلُّ أسْرَارِ راحَتَيْهِ غَمَامٌ / مُسْتَهِلٌّ بِوابِلٍ غَيْداقِ
فإذا ما سقاك من ظمإ جا / وز حد السقيا إلى الإغداق
في يدَيْهِ خَزائِنُ اللّهِ في الأرْ / ضِ ولكنّها على الإنْفاقِ
وإذَا مَا دَعَا المَقَاديرَ للكَوْ / نِ أجَابَتْ لكُلِّ أمْرٍ وِفاقِ
لبِسَ العِيدُ منه ما يَلبَسُ الإي / مانُ من نصْلِ سيفِهِ البَرّاقِ
وجَلا الفِطْرُ منه عن نَبَوِيٍّ / أبيضِ الوجهِ أبيضِ الأخلاق
ساحِباً من ذُيولِ مَجْرٍ لُهامٍ / تُؤذِنُ الأرضُ تحْتَهُ باصْطِفاق
ليس في العارِضِ الكَنَهْوَرِ شِبْهٌ / منه غيرُ الإرْعَادِ والإبْراق
رَفَعَتْ فَوْقَهُ المَغَاويرُ شُهْباً / من قَناً في سَماوةٍ من طِراق
وغَمَامٍ مِنْ ظِلِّ ألْوِيَةِ النّصْ / رِ فمن راجفٍ ومن خَفّاق
وعَرينٍ من كلِّ ليْثٍ هَصْورٍ / كالِحِ النّابِ أسْجَرِ الحمِلاق
فوقَهُ خَيطَةُ اللُّجَينِ تَهادَى / بيَدَيْ كلِّ بُهْمَةٍ مِصْداق
مِن عِداد البُرْهَانِ موجودةٌ لل / خلقِ فيها دلائلُ الخَلاّق
حسنت في العيون حتى حسبنا / ها تردّت محاسن الأخلاق
قد لَبِسْنَ العَجاجَ مُعتكِرَ اللّو / نِ ولُكْنَ الحديدَ مُرَّ المَذاقِ
فإذا ما تَوَجّسَتْ مِنْهُ رِكْزاً / نَصَبَتْ مِنْ مُؤلّلاتٍ دِقَاق
وتراهَا حُمْرَ السّنابِكِ مِمّا / وطِئَتْ في الجماجِمِ الأفلاق
اللّواتي مَرَقْنَ من أضْلُعِ النّصْ / رِ لهُ أسهُماً على المُرّاق
أنْتَ أصْفَيْتَهُنَّ حُبَّ سُليما / نَ قديماً للصّافناتِ العِتاقِ
لو رأى ما رأيتَ منْها إلى أنْ / تَتَوارى شمسٌ بسِجْفِ الغَساق
لم يَقُلْ رُدَّهَا عليَّ ولا يَطْ / فَقُ مَسْحاً بالسُّوقِ والأعْنَاق
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ
أمِنْ أُفْقِها ذاك السّنا وتألُّقُهْ / يُؤرِّقُنَا لو أنّ وَجْداً يُؤرِّقُهْ
وما انفكَ مُجتازٌ من البرْقِ لامِعٌ / يُشَوِّقُنا تِلقاءَ مَن لا يُشَوِّقُهْ
وما إن خَبا حتى حسِبْتُ من الدّجى / على الأفْقِ زنجيّاً تكشَّفَ يَلمَقُه
تَخَلّلَ سِجْفَ الليلِ للّيلِ كالِئاً / يُراعِيهِ بالصُّبْحِ الجَلِيِّ ويَرمُقُه
ولم يكتحِلْ غُمْضاً فباتَ كأنّمَا / يروغُ إلى إلفٍ من المُزْنِ يَعشقه
فمِنْ حُرَقٍ قد باتَ وَهْناً يَشُبُّهَا / بذكراكِ تُذكَى في الفؤادِ فتُحرِقه
عنى الوالِهَ المتبولَ منكِ ادِّكارُهُ / وأضناهُ طيْفُ من خَيالكِ يَطرُقُه
لأُبرِحْتُ من قلْبٍ إليكِ خُفُوقُهُ / نِزاعاً ومن دَمْعٍ عليكِ تَرَقرُقُه
وَحَشْوَ القِبابِ المستقِلّةِ غَادَةٌ / أُجَدِّدُ عَهدَ الوُدِّ منها وتُخلِقُه
غريرةُ دَلٍّ ضاقَ دِرْعٌ يزينُهَا / وأقلَقَ مستنَّ الوِشاحَينِ مُقْلِقُه
يَميلُ بها اللحظُ العَليلُ إلى الكرَى / إذا رَنّقَ التفتيرَ فيهِ مُرَنِّقه
تهادى بعِطْفَيْ ناعِمٍ جاذَبَ النَّقَا / مُنَطَّقُهُ حتى تَشَكّى مُقَرطَقُه
يُغالِبُهَا سُكْرُ الشبابِ فتنثَني / تَثَنّيَ غُصْنِ البانِ يَهتزُّ مُورِقُه
وما الوَجدُ ما يَعتادُ صَبّاً بذكرهَا / ولكنّهُ خَبْلُ التّصابي وأولَقُه
بوديَ لو حَيّا الربيعُ رُبوعَها / ونَمَّقَ وَشيَ الرّوضِ فيها منمِّقُه
تَقَضّتْ ليالينا بها ونَعيمُها / فكَرَّ على الشمل الجميعِ مُفرِّقه
أقولُ لسَبّاقٍ إلى أمَدِ العُلى / بحيْثُ ثَنى شأوَ المُرَهَّقِ مُرْهِقُه
لَسَعيُكَ أبطى عن لَحاق ابن جعفرٍ / وسَعيُ جَهْولٍ ظَنَّ أنّك تَلحقُه
لَعَلّكَ مُودٍ أن تقَاذَفَ شَأوُهُ / إلى أمَدٍ أعيا عليك تَعَلُّقُه
لهُ خُلُقٌ كالرّوضِ يُنْدي تبرُّعاً / إذا ما نَبا بالحُرِّ يوماً تَخَلُّقُه
وكالمَشرَفيِّ العَضْبِ يَفري غِرارُهُ / وكالعارضِ الوسميِّ يَنهَلُّ مُغدِقُه
وكالكوكبِ الدُّرّيِّ يُحمدَ في الوغى / تألُّقُ بِيضِ المُرهَفاتِ تألُّقُه
ويَعنُفُ في الهيجاءِ بالقِرْن رِفْقُهُ / وأعنَفُ ما يسطو به السيْفُ أرفَقُه
لهُ من جُذامٍ في الذّوائبِ مَحتِدٌ / زكا منبتاً في مَغرسِ المجدِ مُعرَقُه
رفيعُ بناءِ البيتِ فيهم مُشيدُهُ / مُطَنِّبُهُ بالمَأثُراتِ مُرَوِّقُه
هُمُ جوهرُ الأحساب وهو لُبابُهُ / وإفْرِندُهُ المُعْشي العيونَ ورَونقُه
إذا ما تجلّى من مَطالِعِ سَعْدِهِ / تجلّى عليك البدرُ يَلتاحُ مَشرِقُه
لَئِنْ مُلِئَتْ منهُ الجوانحُ رَهْبَةً / لقد راقَها من منظرِ العَينِ مُونِقُه
مُقَلَّصُ أثناءِ النّجادِ مُعَصَّبٌ / بتاج العُلى بين السماكينِ مَفْرَقُه
لهُ هاجِسٌ يَفْري الفَرِيَّ كأنّهُ / شَبَا مَشرَفّيٍ ليسَ ينبو مُذَلَّقُه
يُصيبُ بيانَ القوْل يُوفي بحَقّهِ / على باطِلِ الخَصْمِ الألَدِّ فيمحَقُه
أطاعَ له بَدءُ السَّماحِ وعَودُهُ / فكان غَماماً لا يَغُبُّ تَدَفُّقُه
دَلوحاً إذا ما شِمتَهُ افتَرَّ وَبْلُهُ / وإرْهامُهُ سَحّاً عليكَ ورَيّقُه
إذا شاءَ قادَ الأعوَجِيّاتِ فيْلَقاً / ومنْ بينِ أيْديها الحِمامُ وفَيْلَقُه
وكنْتَ إذا ازوَرَّتْ لقَوْمٍ كتيبَةٌ / وعارَضَها من عارِضِ الطعن مُبرِقُه
وقُدْتَ بها قُبَّ الأياطِلِ شُزَّباً / تُسابقُ وَقْدَ الرّيحِ عَدْواً فتَسبقُه
تخَطّى إلى النّهْبِ الخميسَ ودونَهُ / سُرَادِقُ خَطّيّاتِهِ ومُسَرْدَقُه
إذا شارَفَتْهُ قلتَ سِربُ أجادِلٍ / يُشارِفُ هَضْباً من ثَبيرٍ مُحلِّقُه
رعى اللّهُ إبراهيمَ مِنْ مِلكٍ حَنا / على المُلكِ حانِيهِ وأشفَقَ مُشفِقُه
وأورى بزند الأرقمِ الصِّلّ جعفَرٌ / ولم يُعْيِهِ فَتْقُ من الأرضِ يَرتقُهُ
إلى ذاك رأيُ الهِبْرِزِيِّ إذا ارتأى / وصِدْقُ ظنونِ الألَمعيِّ ومَصْدَقُه
على كُلِّ قُطْرٍ منه لَفْتَةُ ناظِرٍ / يُراعي بها الثّغْرَ القَصِيَّ ويَرمقُه
وأعيَا الحروريّينَ مُتَّقِدُ النُّهَى / مُظاهِرُ عِقدِ الحزْمِ بالحزْم موثِقُه
فكم فِيهِمِ من ذي غِرارَينِ قد نَبَا / ومِدْرَهِ قَومٍ قد تَلَجْلَجَ منطِقُه
يرونَ بإبراهيمَ سَهْماً يَريشُهُ / لهم بالمَنَايا جعفرٌ ويُفَوِّقُه
مؤازِرُهُ في عُنفُوانِ شبابهِ / يُسَدِّدُهُ في هَدْيِهِ ويُوَفِّقُه
يَطيبُ نسيمُ الزّابِ من طِيبِ ذكره / كما فتّقَ المِسكَ الذكيَّ مُفتِّقُه
ويعبق ذاك الترب من أوجه الدجى / كما فاح من نثر الأجنة أعبقه
وقد عمَّ من في ذلك الثغرِ نائِلاً / كما افترقَتْ تَهمي من المُزْن فُرَّقُه
أإخبْاتُهُ أحْفَى بهم أم حَنَانُهُ / ورأفَتُهُ أم عَدْلُهُ وتَرَفُّقُه
ثَوَى بكَ عز المُلكِ فيهم ولم تَزَلْ / وأنتَ لهُ العِلْقُ النفيسُ ومَعْلَقُه
شَهِدْتُ فلا واللّهِ ما غابَ جَعفرٌ / ولا باتَ ذا وَجْدٍ إليك يُؤرِّقُه
وبالمغرب الأقصَى قَريعُ كتائبٍ / تخُبُّ بمَسراهُ فيرجُفُ مَشرِقُه
سيُرضيكَ منهُ بالإيابِ وسَعْدِهِ / ويجمَعُ شَملاً شادَ مجْداً تَفَرُّقُه
ويَشفي مشوقاً منكَ بالقُربِ لوعَةً / وبَرْحَ غليلٍ في الجوانحِ يُقْلِقُه
ويُبْهِجُ أرضَ الزّاب بهجةَ سؤددٍ / وتُبْهِجُه أفوافُ زَهْرٍ وتُونِقُه
لك الخير قد طالَتْ يدايَ وقصّرَتْ / يدا زَمَنٍ ألْوى بنَحضي يمزِّقه
كفى بعضُ ما أوْليْتَ فأذَنْ لقِافلٍ / بفضلك زُمَّتْ للترَحُّلِ أينُقُه
أفَضْتَ عليه بالنّدى غيرَ سائِلٍ / بحارَكَ حتى ظنَّ أنّك تُغْرِقُه
سأشكركَ النُّعْمَى عليَّ وإنّني / بذاك لَواني الشّأوِ عنك مُرهَّقُه
وما كحميدِ القولِ ينمي مزيدُه / ولا كاليَدِ البيضاء عندي تحَقُّقُه
وما أنا أو مثلي وقولٌ يقوله / إذا لم أكُنْ أُلفي به مَن يُصَدِّقُه
أحِينَ وَلَّتْ أنجُمُ الأفْقِ
أحِينَ وَلَّتْ أنجُمُ الأفْقِ / وانهزَمَ الغَربُ عن الشرقِ
وخِلْتَ خَيلاً جُلنَ في مَعرَكٍ / فبانَتِ الدُّهْمُ منَ البُلْقِ
ونَبّهَ الإصباحَ من نَومِهِ / شَدْوُ حَمامِ الأيْكَةِ الوُرْقِ
وانْشَقَّ عن زائرَةٍ لم تَدَعْ / قَلْباً لضِلْعٍ غيرِ مُنْشَقِّ
زارَتْ خَيالاً فالتَقى في الدجى / عَمُودُ صُبْحٍ وسَنا بَرْق
خُلسَةَ لحظِ الطَّرْفِ ثمّ انْثَنَتْ / سِرْبُ القَطا للآجِنِ الطَّرق
يا هل تَرى ظُعناً كما رُجِّلِتْ / غدائرُ المكمومَةِ السُّحْق
في الآلِ تَحْدُوهُنَّ لي أدمُعٌ / تُراهِنُ العِيسَ على السَّبْق
رُحْنَ فحمَّلْنَ نسيمَ الصَّبَا / تَضَوُّعَ المسكِ على الفَتق
والتَفَّ عِيدِيٌّ وعِيدِيّةٌ / تَمَايُلَ العِذْقِ على العِذْق
إذا غُرَيْرِيٌّ رَغَا لم تُلَمْ / أغْرِبَة البَينِ عَلى النَّعْق
من ذاتِ أعْضادِ إذا هَجّرَتْ / فُتْلٍ وذي أجرِنَةٍ خُلْق
في كلِّ يومٍ ليَ من بَينِكُمْ / يومُ بَني تَغلبَ بالعَمْق
كأنّمَا جرَّدْتُمُ للنّوَى / أسيافَ قومي فهي لا تُبقي
إذا تلاقَى الضّرْبُ والطّعْنُ مِنْ / أيديهمُ صَدْقاً على صَدْق
بالمَشَرفيِّاتِ منَ البِيضِ أوْ / بالزّاعِبِيّاتِ مِنَ الزُّرْقِ
مَعشريَ المعشرُ قادوا العُلى / والإنْسَ والجِنَّ بلا رِبق
فيهِم سبِيلُ المجْدِ عادِيّةً / قبلَ الصّياصي وابنَةِ الطُّرْق
أُثْني على الرّاهِقَةِ الشَّوْلِ في / مَسْعَاتِها والنّائِلِ الرَّهْق
أهلِ الأكفِّ البِيض تُدني القِرى / والشَّوْلَ في القُرْبِ وفي السُّحْق
تَشْتَبِهُ المسنونَةُ الذُّلْقُ في / أرْماحِهِمْ بالألسُنِ الذُّلْق
هم نَطَقوا والناسُ من مَرْمَرٍ / والدّهُر مكعومٌ عن النُّطْقِ
ذَوُو البُروقِ الخُفَّقِ اللُّمْعِ في / تلك السَّحابِ الرُّجَّسِ الغُدْق
من بُهْمَةٍ أكيسَ أو مِدرَهٍ / أشوسَ أو ذي بِزّةٍ خِرْق
قَسَوْا ولانوا فلهم هّذِهِ / وهذهِ في العُنْفِ والرِّفْق
فارْغَبْ أوِ ارْهَبْ إنّ أيمانَهم / مبسوطةٌ تُسْعِدُ أو تُشقي
ما جَهِلَ المَيدانُ فُرسانَهُ / قد بانَتِ الهُجْنُ منَ العُتْق
لكُلِّ قوْمٍ سَيّدٌ ماجِدٌ / لكِنّ يحيَى سَيّدُ الخَلْقِ
يُصَرِّحُ المجْدُ إذا ما بدا / ويَسْجُدُ البَاطِلُ للحَقِّ
فإنْ يكن سيفَ إمامِ الهُدَى / فهو إمامُ الفَتْق والرَّتق
كأنّمَا في كَفّهِ للْوَرى / مَفاتِحُ الآجَالِ والرِّزق
شِمْ سِلْمَهُ أو حَربَهُ تبتدر / ما شِئتَ من سَحٍّ ومن وَدْق
يوسِعْكَ من كِسْفٍ ومن مارجٍ / نارٍ ومن قِطْرٍ ومن صَعْق
الحوْضُ حوضُ اللّه في كفّهِ / يَطفَحُ من مَلءٍ ومن فَهْق
ذو الطَعْنَةِ الصَّدقاءِ والضربَةِ ال / هَبرَةِ ذاتِ اللُّجَجِ العُمْق
كأنَّ بَينَ السَّرْدِ من تحتِها / عَبَاءَةٌ من رَيْطَةٍ لِفق
تَحْسَبُ فيها طَرَفَيْ رُمْحِهِ / قوسَ هلالٍ كرَّ في مَحق
دَريئةُ الهَيْجا إذا أظلمَتْ / وضاقَ جَيْبُ المَهْمَهِ الخَرْق
بَلهَ المَنايا السودَ قد غُودِرَتْ / وُشْحاً على أقرابِهِ اللُّحْق
وأقبَلَ القُبُّ كُشوحاً على ال / قُبِّ الكلى لَحْقاً على لَحْق
يَلَجُّ في البَأسِ وأعْداؤهُ / في الذُّعرِ والرّاياتُ في الخَفق
كأنّما في الدِّرعِ ذو لِبدَةٍ / أخْرَقُ من مأسَدَةٍ خَرق
مِلءِ فُروعِ الأيكِ ضِرغامَةٌ / جَهْمُ المُحيّا أهْرَتُ الشِّدق
شَرَنْبَثُ الكَفّينِ شَثْنُ الذِّرا / عَينِ شتيمُ الخَلْق والخُلْق
مجتمعُ الرّأي إذا ما مضى / كَأنّهُ صاعقةُ المَحْق
صَهْصلِقُ الرَّعدِ إذا ما قفَا / ليْلُ المَطايا لامِعُ البَرْق
يَغدو ابنُ آوى خلفَهُ طاوياً / يُعَلِّلُ الحِرباءَ بالنَّشْق
يشيمُ من أجفْانِهِ في الدُّجَى / عُرضَ عقِيقٍ غيرِ مُنْعَقِّ
فليسَ إلاّ عَسَلانُ القَنَا / وفِلْذَةٌ من شِلْوِ ما يُبْقي
لابْنِ عَليٍّ تِلكَ منْ قَوْمِهِ / والعِرْقُ يَنْمي واشِجَ العِرق
مُعَقِّرُ الهَجْمةِ ليلَ القِرَى / إذا عِجافُ المالِ لم تُنْق
تَمْري له الأنْفُسُ جَرْياً لهَا / سائِلَةً دَفْقاً على دَفْقِ
وسَهْمُهُ يَسْبِقُهُ للّذي / عَوَّدَهُ من عادَةِ الرَّشْق
لا غَرْوَ أنْ حَمَّلَ أيّامُهُ / ودهْرُهُ وَسْقاً على وَسْق
فالثِّقْلُ للبازلِ في سِنّهِ / والقَتَبُ الهَفْهَافُ للحِقِّ
أبْقَى العُلى ذُخراً ولكنّهُ / لم يَدّخِرْ وَفْراً ولم يُبْقِ
أرى ملوكَ الأرض عُبْدانَهُ / وما بهِمْ فَقْرٌ إلى العِتْق
أصْبَحَ طَلْقاً زمني كلُّهُ / بنَظْرَةٍ في وجههِ الطَّلْق
ما بينَ ما ألقاهُ من بِشْرِهِ / وبينَ ما قُلِّدَ من فَرْقِ
إنّ الّذي مَلّكَني وُدَّهُ / هو الّذي مَلّكَهُ رِقّي
في كَبِدٍ من كَمَدٍ لَوعةٌ / أبقَى تباريحاً من العِشق
تخلَّقَ النّاسُ بتلكَ الّتي / أراكَ تَجْنيهَا مِنَ الخُلْق
والفَرْعُ مَردودٌ إلى أصْلِهِ / كالسيْفِ مَردودٌ إلى العِتْق
أنتَ الورى فاعمُرْ حياةَ الوَرى / باسمٍ منَ الدَّعْوَةِ مُشْتَقّ
لولا حياءُ البحرِ منْ موجِهِ / والعارضِ الجَون من الأفْق
جاءَكَ هذا سائِحاً يجتَدي / وجاءَ ذا ظَمآنَ يَستَسقي
يومُكَ أجدى من مَعادي بلا / كُفْرانَ للّهِ ولا فِسْق
بينهما بَوْنٌ بعِيدٌ إذا / قايستَ بينَ العِلقِ والعِلق
أطفَأتَ عنّي زَمني بعدَمَا / أُوقِفْتُ من جَمْرٍ على حَرْق
فتابَ واستَبقَى على رِسْلِهِ / وابنُ السَّبَنْتَى غَيرُ مُستَبْق
وكنتُ كالشيء اللَّقى ما لَهُ / غيرُ يدِ الأيّامِ من مُلْق
فاليومَ بُدِّلْتُ سنىً من دُجىً / واعتَضْتُ صَفوَ العيشِ بالرنْق
واليومَ يَرقَى أمَلي صاعِداً / وما لهُ غيرُكَ من مُرْق
حقنْتَ في صَفحةِ وجهي دَمي / من بَعدِ ما أوفَى على الهَرْق
وما وَفى شُكري ببعض الذي / كَسَيْتَني من مَفْخَرِ الصِّدق
هل غير شكري نعمةٌ أتعَبَتْ / صَمتي وأُخرَى أتْعَبَتْ نُطْقي
أبِلغْ ربيعةَ عن ذي الحيِّ من يمَنٍ
أبِلغْ ربيعةَ عن ذي الحيِّ من يمَنٍ / أنّا نُؤلِّفُ شَمْلاً ليس يَفترِقُ
أنّا وإيّاكُمُ فَرْعانِ من كرمٍ / قد بُوركا وزكا الأثمارُ والورَق
فلا طرائقُنا يوم الوغى قِدَدٌ / شَتّى النِّجارِ ولا أهواؤنَا فِرَق
إنّا لَتَشْرُفُ أيامُ الفَخَارِ بِنَا / حتى يقول عِدانا إنّنا الفَلَق
فأنتمُ الغَيْثُ مُلْتَجّاً غَوَارِبُهُ / على العُفاةِ ونحن الوابِلُ الغَدَق
لكِنّ سيّدَنَا الأعلى وسيّدكم / على المُلوكِ إذا قِيستْ به سُوَق
الواهبُ الألفَ إلاّ أنّها بِدَرٌ / والطاعنُ الألفَ إلاّ أنّها نَسَق
تأتي عطاياه شتّى غيرَ واحِدَةٍ / كما تَدافَعَ موجُ البحرِ يَصْطفِق
منها الرُّدَيْنيُّ في أُنْبوبِهِ خَطَلٌ / يومَ الهِياجِ وفي خَيشومِهِ ذَلَق
والمَشرَفِيّةُ والخِرْصانُ والحَجَفُ ال / منضودُ واليَلَبُ الموضون والحلَق
من كلِّ أبيضَ مسرودِ الدخارصِ من / أيّام شَيبانَ فيه المِسكُ والعَلَق
والماسِخِيّةُ والنَّبْلُ الصّوائِبُ في / ظُباتها الجَمرُ لكنْ ليس يحترق
والوشيُ والعَصْبُ والخيماتُ يَضربُها / بالبدو حيث التقى الركبان والطُّرُق
وقُبّةُ الصَّندَلِ الحَمراءُ قد فُتِحَتْ / للجودِ أبوابُها والوَفْدُ يَستَبق
والماءُ والروضُ ملتفُّ الحدائقِ وال / سامي المُشَيَّدُ والمكمومةُ السُّحُق
والشدقميّةُ دُعْجاً في مباركِها / كأنّها في الغزيرِ المكلىءِ الغَسَق
ومِنْ مَواهِبِهِ الرّايَاتُ خَافِقَةً / والعادِيَاتُ إلى الهَيْجاءِ تَسْتَبِق
وسُؤدَدُ الدّهْرِ والدنيا العريضَةُ وال / أرضُ البسيطةُ والدأماءُ والأفُقُ
الطّاعِنُ الأُسْدِ في أشداقِها هَرَتٌ / والقائِدُ الخيْلِ في أقرابِها لَحَق
جَمُّ الأناةِ كثيرُ العَفْوِ مُبتدِرُ ال / معروفِ مُدَّرعُ بالحزم مُنتَطِق
كأنّ أعْداءهُ أسْرَى حَبائِلِه / فما يُحَصِّنُهمُ شِعْبٌ ولا نَفَق
أما ووجْهِكَ وهو الشّمسُ طالعةً / لقد تكامَلَ فيكَ الخَلْقُ والخُلُق
فاعمُرْ أبا الفَرج العَليا فما اجتمعَتْ / إلاّ على حُبّكَ الأهواء والفِرق
لو أنّ جودَكَ في أيدي الرّوائحِ مَا / أقلَعنَ حتى يَعُمَّ الأمّةَ الغَرَق
وشامِخِ العِرْنِينِ جاثلِيقِ
وشامِخِ العِرْنِينِ جاثلِيقِ / مُرَوَّعٍ بمِثلِنَا مَطروقِ
باتَ بلَيْلِ الكالىءِ الفَرُوقِ / في أُخْرَيَاتِ الأُطُمِ السَّحوق
نبّهْتُهُ فهَبَّ كالفَنِيقِ / يسحَبُ ذيلَ الأصْيَدِ البِطريق
إلى دِنَانٍ صافِناتِ السُّوقِ / فَاسْتَلّهَا بمِبْزَلٍ رَقيق
مثلِ لسَانِ الحَيّةِ الدَّقِيقِ / كأنّهُ من صِبغَةِ العَقيق
مُضَمَّخُ الكَفَّينِ بالخَلُوقِ / فزَفَّ لاهوتِيّةَ الشُّرُوق
لم يُبْقِ منها الدَّنُّ للرّاوُوقِ / إلاّ كِياناً ليسَ بالحقيق
مثلَ يقينِ المُلحِدِ الزِّنْدِيقِ / كَأنّهُ حُشاشَةُ المَشُوق
قد رِيعَ بعدَ الهَجْرِ بالتّفْريقِ / وقامَ مثلَ الغُصُنِ المَمْشُوق
أشْبَهُ شيءٍ قَدَحاً بريقِ / يَسْعى بجَيْبٍ في الهوى مشقوق
يَحُثُّهَا بدَلّهِ المَومُوقِ / أرَقَّ من أديمهِ الرّقيق
وباتَ سُلطَاناً عَلى الرّحيقِ / يُسلِّطُ الماءَ على الحَريق
ويَغْرِسُ اللّؤلُؤ في العَقيقِ / كأنّ دُرَّ ثَغْرِهِ الأنِيقِ
أُلّفَ مِنْ حَبابِهَا الفَريقِ / أو زَلّ عن فيهِ إلى الإبريق
ما زلتُ أُسقَى غيرَ مستفيقِ / حتى رأيْتُ النّجْمَ كالغَريق
والصُّبْحُ في سِرْبَالِهِ الفتيقِ / يرمي الدُّجى بلَحْظِ سَوذنيق
هذا ومَا يَسبِقُ سَهْمي فُوقي / في ساعةِ الفَوْتِ ولا اللُّحوق
ما نَفْعُ رأيٍ ليسَ بالوَثيقِ / أو خيرُ عَقْلٍ ليس بالرّشيق
ولستُ أرضى بالأخِ المذوقِ / ولا اللّسانِ العَذْبِ ذي التزويق
وقد أذِلُّ للأخِ الشّفِيقِ / كذِلّةِ العاشِقِ للمعشوق
لا تَجْزِيَنَّ البِرّ بالعُقُوقِ / واغْنَ عنِ العَدُوِّ بالصّديقِ
وواصلِ الصَّبوحَ بالغَبوقِ /
ما بالهُ قد لَجَّ في إطْراقِهِ
ما بالهُ قد لَجَّ في إطْراقِهِ / ما بالُه قد ذابَ من أشواقِهِ
ما ذاكَ إلاّ أنّ مَعشوقاً لَهُ / قد مالَ مُنحرِفاً إلى عُشّاقهِ
ألا أيها الوادي المقدّس بالندى
ألا أيها الوادي المقدّس بالندى / وأهل الندى قلبي إليك مشوق
ويا أيّها القصر المنيف قبابه / على الزاب لا يسدد عليك طريق
ويا ملِكَ الزاب الرفيعَ عمادُه / بقيتَ لجمع المجد وهو فريق
على مالك الزاب السلام مردّدا / وريحان مسك بالسلام فتيق
خليل من يهدي إليه تحيتي / سقاه الحيا الوسميّ وهو غريق
فما أنس لا أنسَ الأمير إذا غدا / يروع بمرأى ملكه ويروق
ولا الجود يجري في صفيحة وجهه / إذا لاح من ذاك الجبين شروق
وهزَّتَه للمجد حتى كأنما / جرت في سجاياهُ العِذابِ رحيق
كثيرُ دليلِ الخيرِ في الوجهِ واضحٌ / جميلُ المحيا واللسانُ طليق
أما وأبي تلك الشمائل إنها / دليل على أن النجارَ عتيقُ
فكيف بصبر النفس عنه ودونه / من الأرض مغبر الفجاج عميق
وموحشة الأقراب يبدو سرابها / كما قُيِّدت بين الفِحَالَةِ نوق
حلفت له بالراقصات يهزُّها / إلى اللَه وخدٌ دائم وعنيق
لقد بات يسري في جنوبك لابسا / لعزمك طَبُ بالجياد رفيق
فسار وسارت لفه وأمامه / غمائم نصر تحتهنّ شروق
وتسعةُ آلاف عليها عجاجة / مسوّمة راياتهنّ خفوق
شهاب من الهيجا بكفّك ثاقب / له خلف أفواه الدروب طريق
إذا كذب الناس اللقاء فعنده / يقين كفرقان الكتاب صدوق
عجبت لمن حال الرجال بقربه / ومن ظنّ أن العائقات تعوق
إذا طاعة الأعداء لم تشف صدره / شفاه صبوح من دم وغبوق
به عرفت تلك الأعاريبُ قهرَها / فلا مارق يُخشَى عليه مَروق
فقد غدتِ الآجام وهي حدائق / وعاد زئير الليث وهو شهيق
سننتَ ليحيى سُنَّةً يقتدى بها / ففت ومنه في الأمور لحوق
كأنّك منه قيدَ مرأى ومسمَعٍ / وإن هزَّهُ قلبٌ إليك خفوق
يراك أمام الجيش حتى كأنه / حُذياكَ ثاوٍ أو إليكَ لصيق
فلا هو عن مرآك فيه مغيَّبٌ / ولا هو عن ذكراك فيه مُفيق
ويرضيك منه قلبُ الأمر حولٌ / فتوق لما يُعيي الأنامَ رَتُوق
أمنت على يحيى العدوّ ولم يكن / ليرفَعَ في ربّ العُقابِ أنوقُ
هو المرء لا ينفك يرحب ذرعه / لذا الروعِ ما دام المِكر يضيق
فتى لا يصير الغمضُ بين جفونه / ولا طعمه في ناظريه يروق
إذا الدرعُ ذابت في الهجير حسبته / بفيءٍ له بين الفُرات حديث
كأن عليه من أذى القيظ كلَّةً / تُزَرّ إذا ما اشتدّ منه ودوق
تفوق وتعلو أنت باللَه وحدَه / وباسمك يعلو قدرُه ويفوق
إليك أجاب الشرق عن صافناته / وعنه جوادٌ في الجياد عريق
من الدهم ورد اللون شيبَ بكمتةٍ / كما شيب بالمسك الفتيق خلوق
فلو ميز منه كلُّ لون بذاته / جرى سَبَجٌ منه وذاب عقيق
تهلّل مصقول النواحي كأنّه / إذا حال ماء المسك فيه غريق
إذا جئته من خلفه وأمامه / تثاءب ضرغام وشال فنيق
له منخر لا يملك البُهرُ أمره / ولا مسرح الأنفاس فيه يضيق
وينصب للهيجاء سمعا كأنه / سنان عتيد للطعان ذليق
وينظر من عيني رؤوم على طلا / تراعيه بالوعساء فهوَ يروق
ويخطو على صمّ خفاف وقوعها / ثقيلٌ يُردّ الصخرَ وهو فليق
تنافسُ فيه أعينٌ ومسامعٌ / وتكبو رياح خلفه وبُروق
فإما تشاهده يجاري فإنه / سينشقُّ عنه النقعُ وهو سبوق
أما وأبي الطرقِ المجنبِ إنه / حريٌّ بأن يحظى لديك خليق
فلا يشربنَّ الماء وهو مكدرٌ / ولا لبن الكوماءِ وهو مذيق
أأوصي به من علم الناس برها / ولا يتقفى البرَّ منه عقوق
هو المكرم الخيلَ الكريمَ نجارُها / وفارسُها والمشرفي دلوق
ومسكنُها الآطام وهي مشيدةٌ / وملحفها القومي وهو أنيق
وناتجُها تعزى إليه إذا اعتزت / عناجيج جردٌ كلهن عتيق
ألا أيها الحقّ المبين الذي انتحى / على باطل الأيام فهو زهوق
تعودَ عاداتٍ من الخير كلُّها / بعيد على من أمهنّ سحيق
فمنهن منعُ الجار حتى كأنما / له في ذرى المزن الكنهورِ نيق
ونصرك للحقّ الذي أنت أهله / وعونك للملهوف وهو رهيق
وإن سبقت منك المواعدُ أنجزَت / وإن أخذ الميثاق فهو وثيق
إذا فارق المرءُ الرفيعُ مكانُه / فليس له إلا عليك طريق
فمن كان لا يرعى بقربه ذمةً / فأنت أخٌ للابعدين شقيق
رأيتُ جميعَ الناس عندك أسوةً / وإن كان فيهم كاشح وصديق
كأنك من كلّ الطباع مركب / فأنت على كلّ العباد شفيق
وكنت يدَ المنصور منصورِ هاشمٍ / لذا البطش إذا أيدي الفوارس سوق
حسام وغاه إذا غدا ومجنَّه / إذا خيف من ريب الزمان طروق
وما كنت إلا البدر يوري بك الدجى / وقد عمّ آفاق البلاد غسوق
رمى بك آسادَ الأسنة والقنا / وقد فغرَت منهُم إليك شُدوق
هو الشعب إذ لم تملك القول ألسن / وإذا لم تسغ برد الشراب حُلوق
فكن كيف شاء الناس أو شئت كائنا / فليس لسهم الملك غيرك فوق
ولا تشكر الدنيا على نيل رتبة / فما نلتها إلا وأنت حقيق
رضى الله في ذا السخط منك على اللهى / فلا شيء في الدنيا أراك تُليق
وآليت لا آلوك شكرا على التي / غدت لي وسقا زيد فيه وُسوق
وإن أكفر النعمى وألقاك مثقلا / بأعبائها إني إذن لسروق
أأنساك إذ لا يسمع الصوت نبأة / وإذ أنا مغشي عليّ صعوق
وإذ أنا لم تنهض بجسميَ قوّة / وإذ لم يُبَلَّل من لساني ريق
وأخلفتني إذ لا يد المُزنِ سمحةٌ / علي ولا قلب الزمان رفيق
وكم لك عندي من يد يمنية / لها حسَبٌ في المكرمات عريق
وما عابَها من نائبات وعُود / سوى انني في بحرهنّ غريق
فإن كنتَ بالإحسان لا بدّ مُغرقي / فلا يلقينِّي البحرُ وهو عميق
يكلّ لساني عنكمُ وهو صارم / حسام وينبو الفكر وهو دقيق
بحقّكمُ أن تملكوا الناس أعبُدا / سواء رقيق منهمُ وعتيق
فأنتم نقلتم شيمةَ الدهر راغما / وشُدّ بكم فيه ثأى وفتوق
فثقف حتى ليس فيه تأوّد / وطهر حتى ليس فيه فسوق
لكم أحكَمَت حوكَ الجلابيب عبقَرٌ / ونسجَ سَلُوقي الحديد سَلُوق
ولا ضيرَ في أن تحسدوا إن ذلكم / ليجمل في عليائكم ويليق
وما ضركم من حاسديكم على العلى / وأيامكم تحدو بهم وتسوق
قضى الله أن يرعى الأنامَ حقوقَكم / وليس عليكم للأنام حقوق
لقد كرُمَت أحسابُكم ونفوسُكم / وطابت فروع منكمُ وعروق
يا صاحِ دع مُدنفاً قد لَجَّ في عَنَقِه
يا صاحِ دع مُدنفاً قد لَجَّ في عَنَقِه / وَدَع هِلالَ الضحى إن بانَ في أفقِه
وانظر إلى لحيةِ الطمشيشِ بارِزَةً / حَمراءَ ضافيَةً دَلَّت على حُمُقِه
كأنَّما سَرَقَ الفَرَّانُ جارَتَهُ / دِيكاً فَعَلَّقَهُ القَاضي إلى عُنقِه
فَلَم يَزَل يَشرَبُ من رحيقٍ
فَلَم يَزَل يَشرَبُ من رحيقٍ / صُبحاً يُمَجُّ من فَمِ الإبريقِ
يُسَلِّطُ المَاءَ على الحريقِ / ويَغرِسُ اللؤلؤَ في العَقيقِ
عاطيتُهُ كأساً كأنَّ شُعَاعَهَا
عاطيتُهُ كأساً كأنَّ شُعَاعَهَا / شمسُ النهارِ يُضيئهُ إشراقُهَا
انظر إليهِ كأنَّهُ مُتنصّلٌ / بجفونهِ ممّا جنت أحداقُهَا
وكأنَّ صفحةَ خدّهِ وعِذارَهُ / تُفَّاحَةً حُفَّت بِهَا أوراقُهَا