المجموع : 5
جاد السحاب الجون بالعذب الغدق
جاد السحاب الجون بالعذب الغدق / حدائقاً طاف بها ساهي الحدق
يزفُّ لي شمس حميّاً بدَّلَت / صبح مُحيَّاه إلى لون الشفق
صابحني بالكاس ظبيٌ لي من / رضا به مصطبح ومغتبق
والطل من فوق الشقيق خلته / إيّاه إذ كلَّلَ خديه العرق
ورقَّ في الروض النسيم إذ كَسَت / أيدي الربيع عاري الدوح ورق
يا مسترقَّ الحسن كلُّ شائقٍ / من المعاني فهو منك مسترق
شاق هواك مهجتي بل شقهاً / وأي قلب بهواك لم يُشَق
أقلقتني منك بخصر ناحلٍ / حتى الوشاحان عليه في قلق
قرطك في جيدك لَجَّ خافقاً / فلا تلم قلبي فيك إن خفق
يا لائمي في الحب لو رأيته / للمت من أبصره وما عشق
أردت تطفي حرقي فهجتها / شانك واللوم وشاني والحرق
أقذى جفوني إذ جفاني أرقاً / ذو وجنة من ورق الورد أرق
وناظر غصِّ المآقي غنجٍ / لم يبق لي من رمق لما رمق
أنشأه لي فتنة خالقه / أعيذه من شر كل ما خلق
حتّى النسيم اعتلَّ شوقاً إذ سرى / محتملاً من مسك صدغيه العبق
والخال مسك نقِّط الورد به / أو كوكب في نيِّر الخدّ احترق
يقول من شاهد سيف لحظه / في جفنه أشهد أن الموت حق
نافسني دمعي على جماله / فإن أحاول نظرة منه سبق
صبراً على قضائه فإنّه / عدل وإن كلفني ما لم أطق
لم يجتمع منه البعاد والجفا / إلا ونومي مع جفنيَّ افترق
قد أحرق القلب فلو لم يطفه / عرس الأمين لاذبته الحرق
فتى أحبته العلا واعتلقت / لما رأته بسواها ما اعتلق
مبرَّز من مجده في حلبةٍ / حاز بها دون مجاريه السبق
أخلاقه مدامة لمن نشا / بل هي مسك فائح لمن نشق
كل ثنائي عن معانيه التي / جلَّت وإن كانت من السحر أدق
إن غسق الجهل ظلاماُ بزغت / أفكاره الغرُّ نجوماً في الغسق
أخي الرضا الخاتم للكرام وال / فاتح من باب الرجاء ما انغلق
لو أن بحر جوده يضربه / موسى الكليم بعصاه ما انفلق
لو أن طود حلمه كان له / يأوي ابن نوح لنجا من الغرق
من دوحة تزكو بأصل ثابت / وكل فرع في المعالي قد بسق
كبيرهم صيت علاه طائر / وفرخهم في المهد بالعلم يزق
براهمُ ربُّ السما من نوره / لما برى كلَّ البرايا من علق
هم زينة المجلس إن ذكرٌ طرا / وهم غياث الناس إن خطب طرق
لو كتبت مديحهم ايدي الورى / أعوزت الأقلام عنه والورق
وكيف لا يخرس فيهم منطق ال / ذاكر والذكر بعلياهم نطق
لا تتبع غيرهم في منهجٍ / فإن من يهدي الى الحق أحق
تتباعوا الى العلا تتابع ال / لؤلؤ إذ تنظمه على نَسَق
يشق غيظاً قلب من جاراهمً / إذا رأى منهم غباراً لا يشق
فهنِّهم يا سعد في عرس جلا / سحب الهموم برقه لما ائتلق
وخُصَّ منهم جعفراً فجعفرٌ / يصدق فيه المدح كيفما اتفق
صفه بما شئت من المجد فلا / تذكر وصفاً حسناً إلا انطبق
يا حعفر الصادق من يمدحه / فكل بيت قاله قيل صدق
لا زال كاسم جدكم موردكم / صافٍ ولا كُدِّرَ يوماً برنق
من لم يُقَطِّع من الدنيا علائقها
من لم يُقَطِّع من الدنيا علائقها / متى يهوه عليه أن يفارقها
تبدو ليعشقها من ليس يعرفها / وليتها محضت بالود عاشقها
عجبت من سحرها تبدي تلوَّنها / لعينه وهو يستحلي خلائقها
إن عانقته لترديه توهَّمها / لانت فمال إليها كي يعانقها
طوبى لمن رافق التقوى لسفرته / الى المعاد ولم يبرح مرافقها
صفيةً لم تخن يوماً لصاحبها / عهداً ولا نقضت منه مواثقها
كلاَّ ولا اختلفت يوماً طرائقها / على أخي رَشَدٍ يقفو طرائقها
يا لاهياً سالكاً أوعار معصية / يعدو عليها ولا يخش مزالقها
قد شاق نفسك مُلكٌ لا دوام له / ألا يكوننعيم الخلد شائقها
فالعقل متَّبعٌ والنفس آبقة / عنه فردَّ إليه اليوم آبقها
واجعله للرشد والإيمان قائدها / أما ترى الأجل المحتوم سائقها
فليس ينفك هذا الدهر من حسدٍ / للأمجدين بسهم الحقد راشقها
يرمي فتخطي تلاع الأرض رميته / لكن تصيب من الأقدار شاهقها
بالأمس قد طرقتنان بالخليل له / نوائب انزلت بالمجد طارقها
واليوم وارى باسماعيل شمس هدى / أمست مغاربها تبكي مشارقها
قد جبَّ فيه من العليا غواربها / وجذَّ فيه من التقوى مرافقها
لهفي على مصعب قَرَّت شقاشقه / والأسد كانت له تخفى شقاشقها
ومنطقٍ منه تحت الأرض كلَّ وكم / أكلَّ من خطباء العصر ناطقها
وحسنٍ خلق إذا من طيبه انتشقت / ريح الصبا عبقت بالنشر ناشقها
يا ذائقاً كأس حتفٍ كل ذي نفس / يكون عند حضور الوقت ذائقها
قد كنت لا تسأل المخلوق مسألة / ولا تؤمل إلا الله خالقها
فاذهب إلى دار رضوانٍ على سرر / فيها لك الحور قد صفت نمارقها
واشرب كؤوس رحيق راق مطعمها / ولم تمازج يد الأكدار رائقها
واترك لنا عبرة في الخد إن دفقت / لم يستطع أن يردَّ الصبر دافقها
ما مثل يومك في الأيام يوم شجى / أشاب من لمم العليا مفارقها
قد أوشكت تزهق الأرواح فيه وبال / مولى الحسين أعاد الله زاهقها
مولى إذا وافقت شيئاً إرادته / فليس للدهر بدٌّ أن يوافقها
من حطَّ عن آمليه وزر فاقتهم / نعم وثقَّل بالنعمى عواتقها
فكفه ديمه ينهلُّ وابلها / طوراً وآنوة ترمي صواعقها
قد حلَّ للعلم والإِيمان أخبية / عليه كف التقى مدت صواعقها
حزنا به ثمرات العلم حين غدت / منه شرايعها تسقي حدائقها
فكلما غسقت ظلماء مشكلة / جلا بنور الهدى والعلم غاسقها
يا سالكاً من مجازات التقى سبلاً / بها الخفايا له أبدت حقائقها
إن حلَّ في الدين كسر كنت جابره / أو بالمكارم فتق كنت راتقها
فقت النجوم ولو أيقنت منزلة / فوق التي نلت كنت اليوم فائقها
أنت الجواد الذي لم تبق سابقة / في حلبة المجد إلا كنت سابقها
حتى لحقت من العليا بمرتبة / عدمت حتى من الأوهام لاحقها
أنت العزاء لنا والحرز إن نزلت / بنا الخطوب ولم نأمن بوائقها
إن غاب بدر المعالي عن مشارقها / فإن أولاده زانوا مشارقها
أو شيم بارقه تحت الصفيح فمن / إخوانه سلَّت العليا بوارقها
أهله في سماء المجد قد طلعت / فلا غدا الدهر بعد التم ماحقها
ولا تزل سحب الرضوان ساكبة / على ثرى حَلَّها تسقي حدائقها
أجدَّك هل قبل القيامة ملتقى
أجدَّك هل قبل القيامة ملتقى / فقد هام في فقدانك العلم والتقى
وأرَّقت جفن الدين حزناً لكافل / له كان يولي الليل جفناً مؤرقا
وأذويت أعواد المنابر بعدما / بعلمك منها اليابس اخضَّر مورقا
وكاد من الأشواق يحمرُّ دمعه / لفقدك محراب له كنت شيِّقا
وخوف لقاء الله كم قمت باكياً / حزيناً فهذا اليوم بشراك باللقا
وأنفقت غالي العمر في الله فارتبح / بأضعاف ما قد كنت في الله منفقا
سكنت ببطن الأرض أوسع منزل / فعاد الفضاء الرحب بعدك ضيّقا
وجددت بالأكفان أثواب سندس / ولكن ثوب الصبر بعدك أخلقا
وأبدلت أزواجاً من الحور كنَّساً / بدنيا لها من قبل كنت مطلقا
وصبح الهدى قد عاد بعدك مظلماً / وبطن الثرى من نور وجهك مشرقا
عذرت الردى حيث انتقاك وما ارتضى / سواك فأنت الدر والدر ينتقى
لعمرك ما أدري وأنت فقيدنا / بمن أتسلى أو أقول لك البقا
خلقت من التقوى فهل عنك سلوة / لنا بالذي يبدي التقى متخلقا
سأبكيك ما أبقى لي الحزن ناظراً / وأرثيك لو أبقى لي الخطب منطقا
وأبكي جبيناً بالسجود معفَّراً / ولكنه أبهى من البدر رونقا
وأبكي لساناً بالصواب مقيداً / ولكنه أجرى من السيل مطلقا
مضيت سليم القلب ما فيك مغمز / سوى كثرة الإسراف في العلم والتقى
مضيت عديم المثل قد حزت غاية / يطأطىء عن إدراكها الوهم مطرقا
مضيت كريم النفس فرداً مجمعا / من المجد ما في الناس كان مفرَّقا
مضيت مقيم الذكر والمسك طبعه / إذا ما مضى أبقى النسيم معبقا
ونار الأسى لولا الأسى بمحمد / لأضرم ذاكيها القلوب وأحرقا
كريم الى طه انتمى وهو جده / فشابهه خَلقاً وخُلقاً ومنطقا
فتى كأبيه لا يزال وجده / إلى الخير مهدياً وفيه موفقا
إلى أن نرى إرشاده لشرايع / بها يغتدي علاّمةً ومحققا
فإنّا نرى بالجد والسعي يرتقي / إلى موضع الفرزان ما كان بيدقا
الست ترى فرع النبيّ محمدا / الى ذروة الآباء في جدّه ارتقى
سحاب أغاث المعتفين بوبله / فدام علينا برقه متألقا
طمى بحره بالعلم يمتد مزبداً / كما غيثه بالجود ينهلُّ مغدقا
له قدم أرست على ذروة العلا / وداست من العلياء هاماً ومفرقا
له راحة فيها لنا أي راحة / غدا كل جيد في نداها مطوقا
فدام لنا حصناً وكهفاً وجُنّةً / له يُلتَجَا من كل خطب ويُتقى
وأحدق ريحان الجنان وروحها / بمثوى به الإيمان والعلم أحدقا
لما جرى قلمي بذكرك أينعت
لما جرى قلمي بذكرك أينعت / منه ثمار الودِّ في الأوراق
هذا بذكرك حال عود يابس / أتلومني إن طرت من أشواقي
بدا من محياه ضوء الشفق
بدا من محياه ضوء الشفق / وبرق الحيا من سناه ائتلق
غزال غزا باللحاظ القلوب / ومرَّ بها حبه فاعتلق
ذكت جذوة الحسن في خدّه / لذا عنبرُ الخال فيها احترق
عليه الجمال جرى جدولاً / طغى فعلاه حباب العرق
كأن خمائل روض الخدود / يسيل بها منه ماءٌ غدق
حمى وردها بسهام الجفون / فمن رام يقطف منها رُشِق
ودبَّت عقارب أصداغه / على الخد تحرس ورداً أنق
علاقة حب له في الفؤاد / تسعر في القلب منها حرق
يميس على نسقٍ قدُّه / فيعطفه الدلُّ عطف النسق
إذا أسدل الفرع فوق الجبي / نِ يريك ذكاء بداجي الغسق
ويرنو بمقلة ريم النقا / وما اللحظ إلا حسام ذلق
فلو نفث السحر من طرفه / لما زاد هاروت إلا رهق
يجيل النطاق على ناحل / كجسم المتيم لا بل أدق
كأن روادفه المثقلا / ت قوى الخصر حتى وهى واسترق
نفور حكى الريم في مقلة / وجيد يزين حليَّ العنق
أتاني مستتراً بالظلام / فنمَّ عليه شذاه العبق
لئن خرس الحجل في ساقه / ففي الخصر عقد النطاق نطق
فسلَّمَ ثم انثنى للوداع / فما خلت إلا خيالاً طرق
وراح وأقراطه في قلق / فعاد الفؤاد به ذا قلق
خفوق فؤادي يحكي الوشاح / على الكشح مهما تثنى خفق
كأن فلق الصبح من وجهه / فمذ كشف الفرع عنه انفلق
فلو شامه عاذلي في هواه / تلا قل أعوذ بربِّ الفلق
بروحي أفديه من شادن / لطيف التثني بديع الخلق
أدار علينا كؤوس المدام / وأسكرنا منه سحر الحدق
يشوب الطلى برضاب اللمى / ويجلو الكؤوس فيجلي الغسق
مشعشعة عتقت في الدنان / قديمة عصر وعهد سبق
تشابه وجنته والكؤوس / فلم يدر أصفاهما والأرق
فقم واصطبح في رياض السرور / بقرقف كاس الهنا واغتبق
ألست ترى الروض في بهجة / تبسم عن نوره المؤتلق
مطارفه فوَّفتها الغمام / فمن أحمر وبياض يقق
تضوع منه أريج العبير / وفاح شذاه لمن ينتشق