المجموع : 9
بلوتُ الحَياةَ فَما مِن أَنيسٍ
بلوتُ الحَياةَ فَما مِن أَنيسٍ / يُؤآسي هُمومي وَما من صديقِ
تَقولُ ليَ وَإِمّا رَأَتني / مجدّاً تَقف عَثرةً في طَريقي
فَيا ربِّ أَطفىء سراجَ شُعوري / لِأَصبحَ ذا بَصرٍ مُستَفيقِ
وَأَخرس بِصَدري الشَبابَ فَإِنّي / أَوَدُّ اِستِماعَ فُؤادي الحَقيقي
لَقَد طالَ عَهديَ بِالظُلُماتِ / وَلم أَستَنِر بِسِوى الظُلُماتِ
كَأَنَّ الدُجى مَشعَلٌ في فُؤادي / تَزيّتُه بِالشَقاءِ الحَياةُ
فَما الزَهراتُ أَمام عُيوني / سِوى ذِكرَيات الهَوى الماضِيات
تمُرُّ بِمشهدِها المُستَحَبِّ / وَتذبلُ كَالأَزهَر الذابِلات
أُقَضّي لَيالِيَّ في مخدعٍ / بَكى والدي حَظَّه فيهِ قَبلي
فَكَم زارَني فيهِ من زائِرٍ / وَأَبصَرَني بِالدُموعِ أُصَلّي
نَشَأتُ تَشفّ بيَ الحسراتُ / فَتضوي فُؤادي الكَئيبَ وَتُبلي
تَمرَّد كلُّ غَريبٍ عَلَيَّ / وَلما كَبِرتُ تَمَرَّد أَهلي
أَرى اللَيلَ يَفتَحُ إيوانَهُ / لِيَستَقبلَ الأَجفنَ النائِمَه
وَنَفسيَ هائِمَةٌ في فَضاءٍ / تَخوَّفَ من نَفسِيَ الهائِمَه
فَيا مَن لهُ الأَعيُنُ الباسِماتُ / أَنِرني بِأَعيُنِكَ الباسِمَه
تَعالَ وَأَغمِض ذبولَ جُفوني / بِأَنمُلِكَ البَضَّةِ الناعِمَه
تَعالَ إِلَيَّ فَقَد سَكَتَ الطَيرُ / وَاللَيلُ مُنسَدِلٌ فَوقَ عشِّه
وَقَد نامَ فَلّاح تِلكَ الحقول / وَفي جَنبِهِ ما جَناهُ برفشِه
فَكم ملكٍ أَيُّها اللَيلُ يَبكي / أَمام جلالِكَ فَقدانَ عرشِه
وَكم بائِسٍ ظَلَمته الحَياةُ / يَخالُ سوادَكَ ظلمَةَ نَعشِه
تَعالَ وَأَنشِد عَلى مَسمَعي / أَغاني الهَوى بِلُغاتِ الخُلود
وَخُذ ذِكرَياتي إِلى إِلى عالَمٍ / يَطيبُ لِروحيَ فيهِ السُجودِ
فَهذي الحَياةُ ثَمالَةُ كَأسٍ / سَقاها رَجيمُ الرَدى لِلوُجودِ
فَدَعني أُنلها بَقايا جمادي / لِتمتَصَّها حَشَراتُ اللحود
تَعالَ فَإِنَّ دَقائِقَ عمري / تَمُرُّ عَلى مُهجَتي راحِلَه
وَقَد حَمَلت ليد اللانهايَةِ / أَكياسَ آماليَ الزائِلَه
غَداً إِن رَأَيتَ خَيالَ الحِمامِ / يَمُرُّ عَلى وَجنَتي الناحِلَه
تَعالَ وَضع قبلاتِ الوَفاءِ / عَلى شفةِ المائِتِ الذابِلَه
وَفي الغَدِ حينَ تمرُّ السنونُ / حَيارى عَلى خَدِّكَ الناعِمِ
وَتَنزِعُ عَنهُ سناءَ الجَمالِ / وَيَبقى سنا روحِكَ الدائِمِ
سَتذكُرُني ملقِياً هامَتي / بِعَطفٍ عَلى صَدرِكَ النائِمِ
وَأُسمِعُكَ الشِعرَ عَذباً طَرِيّا / كَسِحرٍ بِمرشفِكَ الباسِمِ
فَيا مَن ظَهَرتَ لريّقِ قَلبِيَ / في عالَمٍ مقفِرٍ منتنِ
وَأَشعَلتَ في لَيليَ المكفهرِّ / مشاعِلَ حُبِّكَ في أَعيُني
وَقُلتَ لِقَلبِيَ كُن عاشِقاً / فَكانَ وَفاضَ من الأَجفُنِ
تَعالَ إِلَيَّ وَلامس فُؤادي / وَلا تَخشَ من جرحِيَ المُزمِنِ
بَكَت وَهيَ صَرعى مِن هُمومٍ تَحيقُها
بَكَت وَهيَ صَرعى مِن هُمومٍ تَحيقُها / كَبائِسَةٍ في الناسِ ضاعَت حُقوقُها
وَصارَت تَوالي بِالشَهيقِ أَنينَها / فَأَسمعني لحنَ الحَياةِ شَهيقُها
وَأَلقَت عَلى صَدري مِن الحُزنِ رَأسها / غَريبَةُ دارٍ قَد نَآها صَديقُها
وَأَدمعُها كانَت رَحيقاً مذوَّباً / فَأَكسرَ قَلبي المُستَهامَ رَحيقُها
وَلمّا اِستَتَبَّ النَومُ في غُلبِ عَينِها / وَنامَ كَما نامَ الجَريحُ خفوقُها
سكتُّ فَلَم أَلهَث حذار تَنهدّي / يَمُرُّ عَلى أَجفانِها فَيفيقُها
وَكانَ ظَلامُ اللَيلِ يرخي سدولَه / وَأَنجُمهُ يذوي النُفوسَ بَريقُها
كَأَنَّ شُعاعَ الزُهر في شاسِعِ الفَضا / سِهامٌ عَلى قَلبِ الوُجودِ مروقُها
فَقُلتُ وَفي صَدري مِن الدَمعِ بركَةٌ / تحمَّلَ أَقذار الحَياةِ عَميقُها
إِذا كانَتِ الظَلماءُ فينا مُنيرَةً / فَأَحرى بِها أَلّا يَزولَ غسوقُها
أَحَقُّ بِنا الظَلماءُ من كُلِّ وجهَةٍ / فَفينا وُجوهٌ يُستَبَدُّ صَفيقُها
وَفينا حَزازاتٌ إِلى البَغي تَنتَمي / وَفينا شفاهٌ من طِلى الحِقدِ ريقُها
نَظَرتُ إِلى مَن خدَّدَ الدَمعُ خدَّها / فَأَلفَيتُ شَمساً لا يَغيبُ شُروقُها
كَأَنَّ نثارَ الدَمعِ تبرٌ بِعَينِها / يذوِّبهُ فَوق العَقيقِ مريقُها
فَقُلتُ عَزيزٌ يا بَني الشَرق أَن نَرى / الفَضيلَةَ يَمشي في المَكاسِدِ سوقُها
تَهيم وَلا تَدري طَريقَ نَجاتِها / كَأَنَّ ضلالَ العالَمينَ طَريقُها
هيَ الزهرةُ البَيضاءُ في عوسَجِ الوَرى / يحفّ بِها شوكُ الخَنا وَيُحيقُها
وَقَد عَصَفَت ريحٌ عَلَيها شَديدَةٌ / فَنَثَّرها مِثل الدُموعِ خريقُها
هيَ النِجمَةُ الزَهراءُ في حَدَقِ الدُجى / يُسامِرُها بَدرُ العَفافِ شَقيقُها
وَلكِنَّ غيمَ الجَهلِ لاصِقَ نورَها / فَحَجَّبَها عن كُلِّ عينٍ لَصيقُها
هيَ اِبنَةُ آمالي وَلكِن سَجينَةٌ / تناسى هَواها الكُلُّ حَتّى عَشيقُها
يَشوق فُؤادي أَن يَراها طَليقَةً / وَلكن قُيودُ الظُلمِ لَيس يشوقُها
غَفَت مِلءَ عَينَيها وَلكِنَّ روحَها / تَرَدَّدَ في صَدرِ الحَياةِ زُهوقُها
كَأَنَّ الَّذي أَخنى عَلَيها بِجورِه / إِلى هوَّةِ الإِعدامِ جاءَ يَسوقُها
أَشاحَ خَيالُ الحُبِّ عَنها بِوَجهِهِ / وَأَعرَضَ عَنها في الحَياةِ رَفيقُها
فَما وَجَدَت إِلا المَدامِعَ مُؤنِساً / لذلِكَ في كلِّ الظُروفِ تُريقُها
أَميرَ الشِعرِ لا نورٌ وَحقُّ
أَميرَ الشِعرِ لا نورٌ وَحقُّ / وَلكِن سوءُ مُنقَلَبٍ وَخَرقُ
إِذا أَيَّدتَهم أَيَّدتَ حَقّاً / أَبي تَأييدَهُ شَرفٌ وَخُلقُ
أَميرَ الشِعرِ وَالثَوراتُ تَرقى / عَلى نُظُمٍ يُمَهِّدُها الحقُ
وَلا تَرقى عَلى مُهَجِ الأَيامى / فَإِنَّ دَمَ الأَيامى لا يحقُّ
أَباحوا في القِتالِ دَمَ النَصارى / وَفي أَجفانِهِم لِلبغضِ وَدقُ
وَما رَفَقوا بِأَيتامٍ صغارٍ / فَجازوهُم بِما لَم يَستَحقوا
وَقالوا نَهضَة الأَوطانِ تَقضي / وَعاثوا في بِلادِهِم وَشَقّوا
وَقِدرُ الدينِ في الجَهّالِ تَغلي / وَلم يُسمَع لِطَبل الدينِ طَرقُ
أَتَحتَرِمُ الحُقوقَ وَفي فَضاها / من الأَحقادِ زَوبَعَةٌ وَبَرقُ
وَفي راياتِها لَهفُ اليَتامى / لَهُ في كُلِّ ثانِيَتَين خَفقُ
أَلإستِقلالُ يَنمو بِالتَآخي / وَيَضمر بِالشقاقِ وَيستدقُّ
وَبِالحُبِّ الصَحيحِ يشيدُ صَرحاً / أَساسُ خُلودِهِ شَرفٌ وَصِدقُ
أَلَسنا في الهمومِ أولي اِتِّفاقٍ / فَلِم لا يَنتحِيا اليَومَ وفقُ
وَلم يَسعى إِلى التَفريقِ قومٌ / يوحّدُ بَينَهُم وَطَنٌ وَنُطقُ
أَعادوا سوءَةَ الماضي بِنزقٍ / وَلم يَنبِض لَهُم في الحُبِّ عِرقُ
كَأَنَّهُم أَرادوا نَفيَ رقٍّ / بِجَهلٍ فيهِ لِلأَوطانِ رِقُ
كِلانا شاعِرٌ بِالظُلمِ يَرثي / بِلاداً بِالمَظالِمِ تسترقُ
وَنَحنُ نؤيِّدُ الثوراتِ لكِن / نَخُطِّئُها إِذا هيَ لا تَرُقُ
أَميرَ الشِعرِ حَسبُ دِمَشقَ حُزنٌ / بِأَنَّ جنانِها يبسٌ وَطرقُ
فَأَزهرُها من الأَرزاءِ صَفرٌ / وَأَنهرُها من الأَهوالِ بلقُ
وَما في الغَوطتين سِوى زَفير / يصعِّدُهُ مِن الآلامِ عُمقُ
وَما في الجامِعِ الأَمَوِيِّ إِلّا / صُراخٌ من تَفَجُّعِهِ وَشَهقُ
كَأَنَّ الجِنَّ تَخطُرُ في دُجاه / وَفي جنباتِهِ لِلبومِ نعقُ
وَأَجفانُ السُموأَلِ فيهِ تَبكي / وَأَدمُعِها شكاياتٌ وَعِشقُ
أَلا أَينَ الخَرائِبُ من قُصورٍ / لَها بِمَذاهِبِ الآفاقِ سبقُ
وَأَينَ من السُمُوِّ جلالُ نَسق / هَوى رِضماً فَما بِدِمشقَ نَسقُ
وَأَينَ مَعاهِدُ الآثارِ فيها / وَأَينَ الحُسنُ وَالفَنُّ الأَدقُ
جَلائِلُ كُنَّ في الماضي مزاراً / جُموعُ حجيجِهِ خُلقُ فَخُلقُ
مطهَّرة العُصور بَغى عَلَيها / حَزازاتٌ من التَدنيسِ حُمقُ
عَلى مَن تَبعة الآثامِ تُلقى / وَكُلُّ هَوىً يَقولُ أَنا المُحقُ
غَمزَت إِباءَهم فَمَضى حَقوداً / وَضَجَّت مِن صَغارَتِهِ دِمَشقُ
وَلَو عَقلوا لَحرَّرهم نِظامٌ / عَلى أَبوابِ حَقِّهِمِ يدقُ
تخذتَ الشِعرَ لِلإِصلاحِ مرقىً / فَهل أَصلَحتَ خُلقَهُم لِيَشقوا
وَهَل عَلَّمتَهُم رميَ القَوافي / لِيَرموا بِاليَتيمِ وَليسَ رِفقُ
سَلِ الأَهرامَ يا اِبنَ المَجدِ عَنّا / يُجِبكَ الدَمعُ وَالنَفسُ الأَرقُ
فَفي الأَهرامِ يا شَوقي بَقايا / مِنَ النسبِ المُؤَثَّلِ لا تَعُقُ
وَفي النيلِ المُرَقرَقِ عاطِفاتٌ / مَشى مِنها إِلى لُبنانَ رزقُ
يَعزُّ عَلَيهِ أَن تَشقى بِلادٌ / بِها من شيمَةِ الأَجيالِ عتقُ
أَلَستَ تَرى أُميَّة كَيف تَرنو / إِلى لُبنانَ عَن مُقلٍ تُشقُ
وَكلٌّ مِنهُما يَهوي بِنَزعٍ / وَفي دَمِعِ من الأَهوالِ حَرقُ
وَلِلمُستَقبَلِ الآتي عَجيجٌ / عَلى قَدَمَيهِ لِلأَوطانِ زَهقُ
أَميرَ الشِعرِ حَسبُ الشِعرِ فَخرٌ / بِأَنَّ لماكَ لِلإيحاءِ فَتقُ
أَنا مُصغٍ إِلى قَطَراتِ سِحرٍ / لَها من شِعرِكَ العَلويِّ دَفقُ
أَلا هَذِّب شَبابَ الشَرقِ هَذِّب / لِيَرقى مَوطِنٌ لَهُمُ وَيَرقوا
وَقُل لَهُم أَخاكُم فَاِعضدوهُ / تَنالوا المَقصَدَ السامي وَتَبقوا
رَحِمُ الأُمّ لَعنَةٌ أَنتَ مِنهُ
رَحِمُ الأُمّ لَعنَةٌ أَنتَ مِنهُ / في دِمائي كانَت وَفي أَعراقي
أَم عِقاب لما تَسَّحقَّ مِن حُ / بّيَ في لِذَّتي وَفي أَشواقي
حمَلَت أَمك القنوط إِلى وَج / هيَ وَكنتَ الرجاءَ في أَعماقي
جِئتَ في سحنَة المسوخِ فَلِم حَطَّ / متَ حِلماً نَما عَلى أَحداقي
أَلِأَنّي بَذَلت حُبّي وَلَم أُط / عِمكَ مِنهُ سِوى الفَتات الباقي
عِشتَ في مُقلَتَيَّ ساعَة هَول / حَجَرَت غَصَّتي عَلى إِشفاقي
وَأَرَتني كَأَنَّني في جُثام / عالِماً فيكَ موحِش الآفاقِ
فَرَأَيت المَسخ المُخيف عَلى أَك / مَلِ حُسنٍ وَالقزمُ في العملاقِ
وَلِسانَ الثُعبانِ في قُبلَةِ الصِ / دّيقِ وَالسمّ في الشَرابِ الواقي
وَسمعتُ الفَحيحَ في النَغَمِ العَذ / بِ وَصَوتَ العَدُوِّ في الميثاقِ
كَم نُفوسٍ رَأَيتُها تَلفظ الأَث / مَ فَيَرقى مِنها إِلى الأَرياقِ
لَذَّة الإِثمِ كَيفَ تَمقَتها النَف / سُ وَيَحلو عَصيرُها في المَذاقِ
كَم فَتى يَسعر الجَحيم بِعَينَي / هِ وَفي القَلبِ لِلسَّماءِ مَراقِ
وَلَقَد يَنصُر الجَحيم فَيردي / بَعضُهُ ما بِبَعضِهِ مِن خلاقِ
وَسَمِعتُ الحَياةَ تَهتِفُ في نَف / سي فَيصدي الهتاف في أَبواقي
أَهلك المائِتونَ في رَحَمي الحُ / بَّ وَسَمّوا الزَلال في تِرياقي
فَطرحتُ الأَقزامَ في أَسواقي / عَبراً لِلدمارِ في العُشاقِ
وَرَأَيتُ الفِردَوسِ لَفَّت أَفاعي / هِ غُصوني وَكَمَّشت أَوراقي
وَتَراءَت ليَ الطَبيعَةُ دُنيا / مِن كَمال نسيقَة الأَذواقِ
فَرَأَيتُ الجَماد شَبعان حُبّاً / كلُّ صَدرٍ عَلَيهِ ثديٌ ساقِ
إِنَّ في الحُبِّ صورَةَ اللَهِ لكِن / أَينَ في الخَلقِ صورَةُ الخَلّاقِ
أَيا قُبلَةً مَرَّت عَلى ضَفَّتَي في
أَيا قُبلَةً مَرَّت عَلى ضَفَّتَي في / كَطَيفِ حَبيبٍ مَرَّ في الحُلمِ وَاِنطَلَق
فَأَجرَت بِهِ نَهراً مِن الحُبِّ وَالجَوى / تَدَفَّق ناراً في عُروقي إِلى الرَمَق
مَلكتِ شُعوري إِذ مَلَأتِ جَوارِحي / لَكِ اللَهَ إِنّي في ذُهولٍ وَفي غَرَق
أُقَضّي نَهاري في اِنقِباضٍ وَريبَةٍ / وَيُشتَدُّ بي وَجدي إِذا أَقبَلَ الغَسَق
إِذا قَدمت خَفَّ اللَهيبُ بِمُهجَتي / وَإِن غادَرَتني عاوَدَت مُهجَتي الحُرَق
أَقولُ لِقَلبي إِنَّها الصدقُ في الهَوى / وَفي قَلبِها حُبٌّ لِغَيرِكَ ما خَفَق
فَآمِن بِها آمن بِما في عُيونِها / أَلَم تَرَها أَرغى بِها الماءُ وَاِحتَرَق
وَيا بَصري حِد مَرَّةً عَن طَريقِها / كَأَنَّكَ مَمدودٌ بِخيطٍ مِن القَلَق
وَيا شُعراءِ الأَرضِ ما أَصدَقَ النَدى / إِذا اِبتَسَمَت لَيلى وَما أَكذبَ الوَرَق
وَإِن نَظَرت ما أَبلَغَ الشِعرَ صامِتاً / وَإِن نَطَقَت ما أَعذَبَ الشِعرَ إِن نَطَق
مَرَرتُ بِأَلوانِ الكَلامِ وَوَهجِهِ / فَما جازَ عَيني ثُمَّ ماتَ عَلى الحَدَق
كَغيمٍ خَفيفٍ يَمسح النورُ وَجهَهُ / لِأُولى رِياح اللَيلِ يَنحلُّ في الشَفَق
فَيا أذنُ لا تَخدَعكِ في القَولِ بَهجَةٌ / وَيا قَلبُ عَلِّم أَعذَبُ الشِعرِ ما صَدَق
الصَيفُ يا لَيلُ طار
الصَيفُ يا لَيلُ طار / فَاِرفق بِأَشواقي
وَاِسلَخ فُضولَ النَهار / مِن بَعضِهِ الباقي
ما العُمرُ إِلّا / لَيلٌ وَبَدرُ
إِذا تَوَلّى / تَلاهُ ذِكرُ
مِلءُ السِنين / لِلعاشِقين
يا لَيلُ ما في الحُقول / حَيٌّ سِوى البَدرِ
لَيتَ اللَيالي تَطول / لِآخرِ العُمرِ
ولَيتَ كوبي / يا لَيلُ يَبقى
أَسقي حَبيبي / مِنهُ وَأُسقى
ذاكَ الرَحيق / وَلا نُفيق
وَالغابُ صَدرٌ حَنون / غامَت عَلَيهِ الحَلَم
سَكرانَةً وَالسُكون / حُلوُ الشَذا وَالنَغَم
وَلِلنَّسيم / وَلِلقَمَر
يَدُ الكَريم / عَلى الشَجَر
وَلِلحَفيف / همسٌ لَطيف
وَالنورُ أَشهى قُبَل / تَلُفُّها الأَسرار
وَفي السَماءِ الجَبَل / لَحنٌ بَعيدُ القَرار
يا لَيلُ دَعنا / نَنسَ الزَمان
كَما عَشِقنا / فَالعُمرُ كَأسٌ وَعاشِقان
أَحبَّها وَأَحَبَّتهُ
أَحبَّها وَأَحَبَّتهُ / وَماتا عَلى هَوىً وَتَلاقِ
لَم تَخُن فيهِ بَعلَها فَتَريست / انُ وَإيزولتُ أَشرفُ العُشّاقِ
سُقيا خمرةَ الرُقى وَخلودُ ال / حُبِّ في ذلِكَ الشَرابِ الراقي
عَصَرَ السِحرُ روحَهُ كلّث مَن يَش / رَبُ مِنهُ يَهوى إِلى الأَرماقِ
وَدَرى بَعلُها وَلَم يكُ يَدري / أَيّ خَمرٍ تَحول في الأَعراقِ
وَإِذا بِالوشاةِ كَالسُمِّ يَندَسّ / ونَ من قُزمةٍ وَمن عملاقِ
فَرَمى بَعلُها بِها في قَطيعٍ / أَبرَصٍ مِن عَبيدِهِ لِتُلاقي
غَيرَ أَنَّ الحَبيبَ أَنقَذَها مِن / هُ وَفَرّا إِلى مَكانٍ واقِ
وَهما في أَلذِّ عيشٍ أَتى القُز / مَةُ أَغرين صائِنُ الأَخلاقِ
قالَ رُدَّ الَّذي سَرَقتَ فَما لَم / يُرتَجَع لا خَلاصَ لِلسرّاقِ
فَأَجابَ الحَبيبُ إِنَّ ضَميري / مُطَمئِنٌّ صاف كَهذي السَواقي
أَنتَ لَم تَدرِ أَيَّ خَمرٍ شَرِبنا / أَيَّ كَأسٍ مِنَ السَماءِ دُهاقِ
هو أَلقى بِها إِلى دَرَكِ البرُ / صِ فَأَنهَضتُها إِلى آفاقي
إِنَّ إيزولتَ لي وَغابَ الحَبيبا / نِ وَراءَ الصخورِ وَالأَوراقِ
ماتا وَإِذ شوهدا في ال / غابِ مَيتَينِ في أَعَفِّ عِناقِ
دُفِنا كُلّ عاشِقٍ في ضَريحٍ / إِنَّما المَوتُ لَم يَكُن لِفِراقِ
فَرَأى الناسُ في الصَباحِ عَلى القَب / رَينِ قَوساً تَمتَدُّ في إِشراقِ
تَجمَعُ العاشِقينِ في غَمرَةِ الزَه / رِ وَفي نَشوَةٍ مِنَ الأَشواقِ
تِلكَ يا لَيلَ قِصَّةُ الحُبِّ وَالمَو / تِ أَتَتا مِنَ العُصورِ العِتاقِ
وَيَراها أُسطورَةً كُلُّ قَلبٍ / لَم تُحَرِّكهُ خَمرُ ذاكَ الساقي
كُلَّ قَلبٍ لا يَشرَبُ الدَمُ في الحُ / بِّ وَلا يَرتَوي مِن الأَعماقِ
قُلتِ هذا الطَلى عَصَرناهُ مِنّا / وَشَرِبنا رُقاهُ في الميثاقِ
فَالجَمالُ الَّذي يَسيلُ عَلَينا / ما طَفا مِثلهُ عَلى أَحداقِ
كُلُّ ما حَولَنا جَميلُ
كُلُّ ما حَولَنا جَميلُ / غَنِّني تُخصِبُ الحُقولُ
يَدفِقِ النور / وَالسيولُ
أَلسّما مُصحَفٌ سِنيُّ / وَالرُبى مُتحَفٌ غَنِيُّ
وَالمَسا وَالنَسيمُ عِرقٌ / جال فيهِ هوىً نَقِيُّ
وَالغُصونُ الَّتي تَميلُ / كُلُّها أَلسُنٌ تَقولُ
كُلُّ ما حَولَنا جَميلُ /
أَلسّما جَمَّلَت بِنا / ما أَقامَتهُ حَولَنا
كُلُّ ما حَولَنا لَن /
نَحنُ في العاشِقينَ عيدُ / حَدَثٌ في الهَوى جَديدُ
حُبُّنا لَن نُفيقَ مِنهُ / حُلُمٌ ما لَهُ حُدودُ
نَحنُ مُستَودعُ السَنا / كُلُّ ما قامَ حَولَنا
جمَّلتهُ السَما بِنا /
يا حَبيبي فَمُ الجَبَل / قَبَّلَ الشَمسَ فَاِشتَعَل
قَلبُُ مِن لَظى القُبَل /
هذِهِ ساعَةُ المَغيبِ / ساعَةُ الحُبِّ يا حَبيبي
آخرُ النورِ في الذَرى / أَوَّلُ النورِ في القُلوبِ
زَبَدُ الحُبِّ في المُقَل / ذابَ وَاِغرَورَقَ العَسَل
هذِهِ ساعَةُ الغَزَل /
هذي الرَوائِعُ مِن ذاكَ اللَظى خُلُقُ
هذي الرَوائِعُ مِن ذاكَ اللَظى خُلُقُ / ما أَضعَفَ السَيفَ حينَ الخُلُقُ يُمتَشَقُ
ما في الحَديدِ وَلا في النارِ مُنتَصِرٌ / كِلاهُما في لَهيبِ الحَقِّ يَحتَرِقُ
أَللَهُ أَكبَرُ في الفِكرِ مِن شُعَلٍ / حَذارِ في ظُلمِهِ أَن يَبرُقَ الحَدَقُ
إِذا الضَميرَ وَنى في رَدعِ مُنكَرَةٍ / فَاِصبِر لَها فُهُناكَ الحِبرُ وَالوَرَقُ
لَو يُستَشارُ حَكيمٌ لَم يَكُن زَغَلٌ / وَلَم يَكُن ظالِمٌ لَو يُسبَرُ العُمُقُ
مَعابِرَ الفِكرَةِ الحَمراءِ كَيفَ نَما / عَلى ثَراكِ شَباباً ذلِكَ العِرِقُ
سَبعٌ وَعِشرونُ لَم يُفجَع بِها أَدَبٌ / وَلَم يُخَيِّم عَلى فِتيانِها نَزَقُ
مَشى الشَبابُ بِها طَوعَ الضَميرِ فَما / في السِلمِ باغٍ وَلا في الحَربِ مُرتَزِقُ
هذا الشَبابُ رِضاعُ الحَقِّ في دَمِهِ / فَكَيفَ يَسلَمُ مَن في عِرقِهِ رَنَقُ
لَم تَبرَحِ الثَورَةُ العُظمى تُراوِدُهُ / ثَديُّها الحُمرُ في عَينَيهِ تَندَلِقُ
مَضى إِلى المَجدِ لَم يُشهَد لَهُ مَثَلٌ / وَلَم تُشَقَّ لِإِنسٍ مِثلَهُ طُرُقُ
في كُلِّ صَرخَةِ عَذراءٍ جَرى أَمَلٌ / وَكُلِّ وَثبَةِ جُندِيٍّ مَشَت فِرَقُ
بُطولَةٌ حارَتِ الدُنيا بِرَوعَتِها / أَسَكرَةٌ هِيَ في النيرانِ أَم شَبَقُ
هُمُ الصَعاليكُ أَقصى المُستَحيلِ لَهُم / فَلَو أَقامَ بِأَحلاقِ الرَدى مَرَقوا
في كُلِّ جَبهَةِ صُعلوكٍ بَدا مَلِكٌ / وَكُلِّ أُمنِيَّةٍ مِنهُ بَدا شَفَقُ
لينينُ أَحلامُكَ الغَرّاءُ قَد صَدَقَت / فَاِنفُض تُرابَكَ يَكفي ذلِكَ الغَرَقُ
لَم يَبقَ مِن شُرعَةِ الدُنيا سِوى رَمَقٍ / وَالمُستَرِدّونَ باقٍ مِنهُمُ رَمَقُ
بورِكتِ يا نَهضضةً لِلشَّعبِ ثائِرَةً / هذي الرَوائِعُ مِن إيمانِها عَبَقُ
إِنَّ البَقاءَ عَلى الإيمانِ مُرتَكِزٌ / الأَقوِياءُ مَضَوا وَالمُؤمِنونَ بَقوا