المجموع : 4
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق
يا لِسانَ الحَقِّ لا تَنطلِق / فازَ بِالخُطوَةِ أَهلُ الملقِ
عَلِّمُونا يا أُولي الحُظوَةِ ما / قَد عَلمتم مِن طِلاءِ الخُلُقِ
وَاِمنَحونا ذَلِكَ الصِبغَ الَّذي / يُظهرُ الحُسنَ وَيُخفي ما بَقِي
أَو فَدلّونا عَلى صُنّاعِهِ / نَجتَليهِ بِبَقايا الرَمقِ
أَيُّ صِبغ ذاكَ ما أَعجَبَه / صادِقُ الغشِّ وَإِن لَم يَصدُق
أَلبَس الشَمسَ ظَلاماً داِمساً / وَكَسا الإِظلامَ شَمسَ المَشرِقِ
عَلِّمُونا نصف المَرءَ بِما / لَيسَ فيهِ مَن يُنافِق يَنفُقِ
يَمنَح الفِطنةَ أَغبى خَلقه / وَالذَكاءَ المحضَ رَأسَ الأَحمَقِ
إِن سَمِعنا ناهِقاً قُلنا لَهُ / إيه يا مَعبدُ بِالصَبِّ ارفُقِ
نَكذبُ العَصر كَما يَكذِبُنا / بئرُ مَين فاسقِ مِنها وَاِستَقِ
لا تَقُل أَفنيتُ عُمري دائِباً / وَبَذَلتُ الجُهد جهدَ المُرهَقِ
لَيسَ لِلدائِبِ حَظٌّ بَينَهُم / لا وَلا الجهدُ سَبيلُ المُرتَقي
تَزنُ العُمرَ وَعُمراً مِثلَهُ / لَحظَةٌ تَبذُلها في المَلقِ
فَاِستَبقِها فُرصَةً إِن سَنَحَت / إِنَّما الفُرصَةُ لِلمُستَبِق
لا تقُل سُهدي وَجَهدِي عُدَّتي / إِنَّما الجهد عَتادُ الأَخرَق
إيهِ يا علمي عُد جَهلاً عَسى / يَنهَضُ الجَهلُ بحَظٍّ مُوثَق
يا ذَكائِي عُد غَباءً أَستَرح / بِغَبائِي مِن شَقاءٍ مُطبِق
كَم كِفاياتٍ نَفاها قَومُها / وَجُهودٍ أُلقِيت في الطُرق
وُضِعَت في مَوطِئِ النَعلِ وَلَو / أَنصفُوها وُضِعَت في الحَدَق
فَأت عَلياءَهُمُ مِن بابِها / لا تُضِع عُمرَك بَينَ الوَرَقِ
لَم أَكُن في نَعتِهم مُختَلِقاً / لَعنَةُ اللَهِ عَلى المُختَلِقِ
عَلِّمونا أَنَّنا في بَلَدٍ / فيهِ من لَم يَتَمَلَّق يُملقِ
أَو دَعُونا فَلَكم دُنيا الغِنى / إِنَّما نَحيا بِدُنيا الخُلُقِ
مَرةً أَخطَأتُها في عُمري / بِثَناءٍ قُلتُه في نَزقِ
مُنذُ أَن أَخطَأت فيهِ لَم أَبت / لَيلَةً إِلا بِطَرفٍ أَرِق
يا نَسيماً أَهدى إِلَيها اِشتِياقي
يا نَسيماً أَهدى إِلَيها اِشتِياقي / ما أَبرَّ النَسيمَ بِالعُشّاقِ
يا رَقيقاً كَم حَمَّلُوكَ رَقيقاً / مِن مُنىً عَذبةٍ وَمِن أَشواقِ
وَرَسولاً حَوى مِن اللُطفِ ما يُل / مِسُ في القَلبِ مَوضِعَ الإِشفاقِ
وَأَميناً عَلى الهَوى دُونَ ما يَط / ويهِ تَعيا الوشاةُ وَالسِرُّ باقِ
شَفَّ عَن كُلِّ ما طَواهُ وَصانَ الس / سِرَّ مِنهُ في مُحكَمِ الأَغلاقِ
وَعَجيبٌ كِتمانُهُ السرَّ فيهِ / وَهوَ يَسري بِهِ إِلى الآفاقِ
يا لَهُ كَيفَ لا يَحُولُ سمُوماً / بِالَّذي فيهِ مِن جَوىً وَاِحتِراقِ
حاملُ النارِ كَيفَ يَبرُد مَسّاً / أَيُّ واقٍ مِنها لَهُ أَيُّ واقِ
كَم عُيُونٍ رَوَيتَ عَنها فَسُمِّيَت / بليلاً وَالفَضل لِلآماقِ
وَفُؤادٍ حَمَلتَ عَنهُ خُفوقاً / بِالهَوى في فُؤادِكَ الخَفّاقِ
مَن رَسولٌ سِواكَ يحكي خُفوقَ ال / حُبِّ فيهِ مُصَوِّراً ما يُلاقي
سِر إِلَيها وَاِحمِل إِلى شَفَتيها / قُبلَةً ثُمَّ لَفَّها بِعِناقِ
لُفَّ جِسماً أَرَقَّ مِنكَ وَأَصفى / أَبدَعَت فيهِ قُدرةُ الخلاقِ
فيهِ لينُ النَسيم وَاللُطفُ لَكن / زادَ حُسناً عَلَيهِ بِالإِشراقِ
لَيتَ شِعري أَيُّ النَسيمينِ أَشهى / ضَلَّ في ذاكَ مَنطِقُ الأَذواقِ
مُتعَة الحسِّ عِندَ ذاكَ وَفي هَذا / متاعُ الأَرواحِ وَالأَحداقِ
يا نَسيماً سَرى عَلى الرَوض يَروي / نَفحاتِ الأَزهارِ وَالأَوراقِ
دَع أَريجَ الرِياضِ إِن بِفِيها / طِيبَ نَفحٍ ذَكا وَطيبَ مَذاقِ
ضَمِّخِ الأُفقَ مِن أَريجِ ثَنايا / ها وَهَب نَفحَةً إِلى المُشتاقِ
إِنَّ فيما تُهدي إِلَيهِ عَزاءً / وَشِفاءً من لاعِجاتِ الفِراقِ
وَيَداً يَحمِلُ المُحبّونَ طَوقاً / مِن نَداها يَظَلُّ في الأَعناقِ
يا رَسولاً لا تَمنَع الحُجبُ مَسراهُ / وَلَو ضُوعِفَت بِسَبعٍ طِباقِ
فُز بِما لَم أَفُز بِهِ وَتَهَنَّأ / رُبَّ فَوزٍ يَجيءُ عَفوَ اِتِّفاقِ
أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ
أَهدَت إِلى النَفس رَيّا نَشرِها العَبِقِ / وَالطيبُ في الزَهر يُوحي طَيِّب الخُلُقِ
رَقَّت رَسائِلُها في الكَونِ فَاِتَخذَت / مِن النَسيم بَريداً شاعَ في الأُفُقِ
وَما رَأَيتُ بَريداً خَفَّ مَحمَلُه / مِثلَ النَسيمِ حَكى المَعنى بِلا وَرَقِ
أَنباؤُهُ كَحَديثِ الحُبِّ عاطِرَة / أَو ذِكرَياتِ شَبابٍ ناعِمٍ أَنِقِ
ظَلَّت تُنَسِّقُها كَفٌّ مُنعَّمةٌ / تَكادُ تَحسبُها مِن ذَلِكَ النَسقِ
تداعبُ الزَهرَ في رِفق أَناملُها / كَالنَومِ داعَبَ جَفنَ الساهِرِ الأَرِق
كِلاهُما بِالهَوى يَرنُو لِصاحِبِهِ / فَاِعجب لِمُختلفٍ بِالحُب مُتَّفِق
تَحنو عَلَيهِ فَتُنسيهِ مَنابِتَه / في الرَوض يَندى بِمنهلّ الحَيا الغَدِق
كِلاهُما زَهَرٌ في كَفِّ صاحبه / فَاِنعَم بِزَهرين مَلثومٍ وَمُنتَشَق
هَذا يُعيد بريّا نَفحِهِ رَمَقاً / وَذاكَ بِالوَجدِ لا يُبقي عَلى رَمَقِ
هَذا عَلى الصَدر يَسبي العَينَ مَنظَرُه / وَذاكَ في القَلبِ يُغرى لاعِجَ الحُرَق
كَم صوّرَ الزَهرُ مِن مَعنىً يَجيشُ بِهِ / قَلبُ الشَجيِّ وَيُعيي فِطنَةَ اللَبِق
وَكَم لَهُ في الهَوى نُعمى تَقلَّدها / صَرعى الغَرام مَكانَ الطَوق في العُنق
وَكَم يُحمِّلُهُ العُشاقُ لَوعتَهُم / صَوناً لِمَكنونِها عَن طائِشٍ نَزِق
كَم حَمَّلوها إِلى أَحبابِهم قُبَلاً / يا طِيبَ مُصطَبحٍ مِنها وَمُغتَبِق
وَاِستَودَعوهُ حَديثاً مِن صَبابَتِهم / فَصانَ سرَّ الهَوى عَن سَمع مُستَرِق
وَكَم رَوى دَمعَةً عَن عَينِ والِهَةٍ / وَكَم حَوى زَفرَةً عَن قَلب مُحتَرق
وَكَم عَلى صَفحاتِ الزَهر مِن كُتُبٍ / في الشَوقِ يَعيا بِها ذو المَنطقِ الذَلِق
كَم زَهرَةٍ وَصَلت في الحُبِّ مُنقَطِعا / وَجَدَّدت في حِبال الوُدِّ مِن خَلَق
وَللأَزاهير لُطفٌ في سِفارتها / كَم أَلَّفَت في هَواها كُلَّ مُفتَرِق
حِمارٌ لا يَمَلُّ مِن النَهيقِ
حِمارٌ لا يَمَلُّ مِن النَهيقِ / يَضيقُ بِهِ التَجَلُّدُ أَيَّ ضيقِ
مُغَنّ يَجلب السَلوى وَيفني / بَقايا الشَوقِ في قَلبِ المشَوقِ
مُنى الأَوتارِ لَو أَمسَت سِياطاً / يُضَبُّ بِها عَلى الجِلد الصَفيق
بِطانتهُ حماكَ اللَهُ رَهطٌ / كَأَنَّ صِياحَهُم جَرسُ الحَريقِ
دَعاني لِلسَماع رَفيقُ سُوءٍ / فَقُلتُ عَرَفتَ عُذري يا رَفيقي
وَكانَت لَيلة يا لَيتَ أَنّي / دُفِعتُ بِها لِقُطّاعِ الطَريق
وَأَوسَعنا مُغَنِّيها عَناءً / يُزيلُ السكرَ مِن كَأسِ الرَحيقِ
جَزى اللَهُ المغنّي كُلَّ خَيرٍ / عَرَفتُ بِهِ عَدوِّي مِن صَديقي