المجموع : 7
هلّم نبكِ النهى والعلم والشرفا
هلّم نبكِ النهى والعلم والشرفا / فقد قضى من بهذا كان متّصفا
هلّم نبك الذي كانت شمائله / كمثل قطر الغوادي رقّةً وصفا
هلّم نبك امرأً لم يغلُ واصفه / بالخير إلا رآه فوق ما وصفا
عطا الخطيب الذي آل الخطيب به / فتّت مصيبتهم أكبادنا أسفا
نبكي لمبكاهم حزناً بحيث نرى / بدر التّمام بأعلى أفقهم خسفا
قد فاجأته المنايا وهو معتدل / كالرمح دقّ على الصفواء فانقصفا
قامت بحسّاده الأطماع هائجةً / لمّا رأوه مجدّاً يطلب الترفا
فمارضوه بسيل من مكايدهم / قد سال فاكتسح الآمال واجترفا
وعرقلوا بدعاويهم مساعيه / ومدّدوا من دواهيهم له كففا
فظلّ يرسف في مسعاه مرتطماً / فيما يكيدون حتى خالط التلفا
كانوا يمدّون سيل الكيد مندفقاً / وكان يبني له من سعيه رصفا
حتى قضى راسباً في مكرهم غرقاً / إذ عطّل الموت منه الكفّ والكتفا
وبعدما قتلوه هكذا علموا / بأنهم قد أصابوا المجد والشرفا
والمرء تظهر بعد الموت قيمته / كمغرق اليمّ بعد الانتفاخ طفا
لو عجّل الله للحسّاد لعنته / لكان أسقط منها فوقهم كسفا
لكن يؤخرها عنهم إلى أجل / يخزي به كلّ من قد جار واعتسفا
هم جاوزوا العدل والأنصاف في رجلٍ / ما كان قطّ عن الأنصاف منحرفا
فتىّ رزئناه بالأخطار مضطلعاً / بالمجد مشتملاً بالفضل ملتحفا
لما رمى عن قسّي الرأي مجتهداً / لم يتخذ غير أسباب العلا هدفا
ما شبّ إلاّ على التقوى وكان له / قلب سليم بحبّ الخير قد شغفا
مهذّب الطبع عفّ النفس ذو خلق / قد شابه الورد مشموماً ومقتطفا
إذا تصّورت في يوم خلائقه / فقد تصوّرت منها روضة أنفا
وإن نظرت بإمعان مساعيه / فقد نظرت بعيني رأسك الشرفا
بيناه يدرك من دنياه زهرتها / إذ جاءه الموت يمشي نحوه الخطفى
أعظم به طود مجد طال طائله / فكيف في ساعة بالموت فد نسفا
قد شرّفت بقعة الجيليّ حفرته / كما ضريح علي شرّف النجفا
أدب العلم وعلم الأدب
أدب العلم وعلم الأدب / شرف النفس ونفس الشرف
بهما يبلغ أعلى الرتب / كل رام منهما في هدف
أيها السابح في بحر الفنون / غائصاً في لُجّها الملتطِم
أنت واللَّه على رغم المنون / ذو وجود قاتل للعَدَم
قرنك الحاضر من أرقى القرون / خضع السيف به للقلم
فإذا شئت بلوغ الأرَب / فأغترف من بحره وأرتشف
فالمعالي أودعت في الكتب / كاللآلي أودعت في الصَدَف
أنت يا جاهل من قبل الممات / ميّت يمرح ما بين البُيوت
أوَ ما تعلم في هذي الحياة / أن رب العلم حيٌّ لا يموت
إذ قضى للعلم ربُّ الكائنات / بالعلا فهو زمام الملكوت
وعلى الجهل قضى بالعَطَب / فهو في الناس دليل التَلَف
فأفتكر أن شئت علم السبب / هل يكون النور مثلَ السَدَف
يا رعى الله زماناً لو يدوم / كان للدهر كأيام الصبا
أشرقت فيه من العلم نُجوم / ظنّ كل الناسِ أن لن تغرُبا
زمن قد ضحكت فيه العلوم / ونراها اليوم تبكي العَربَا
حيث منهم فَقَدَت خير أب / وأغتذت من يُتمها في شَظَف
يا عهود العلم ما شئت اندُبي / يا عيون المجد ما شئت اذرفي
هل أتاك الدهر فيما قد أتى / بحديث العُرب في الأندلس
حيث بالعزم أماطوا العَنَتا / وبنور العلم ليل الهَوَس
فأسألَنّ الغرب عمّا ثَبَتا / في ربوعٍ خَلَّفوها دُرُس
هل ترى ثَمّة من لم يُجِب / عن معاليهم ولم يعترف
آه لو يرجع ماضي الحُقُب / آه لو عاد زمان الشرف
سل رُبا بغداد عما قد مضى / لبني العباس في تلك الديار
وأسألنّ الشام عمّا قد أضا / للمُعاويّين فيها من فَخار
كم ترى للمجد سيفاً مُنْتضى / كم ترى للعلم فيها من مَنار
عجبي يا قوم كلَّ العجب / هذه الآثارَ لِمْ لا نقتفي
آهِ من رقدتنا وأحَرَبي / آهِ من من غفلتنا وا أسفي
يا أباةَ الضَيم من عُليا نِزار / أين منكم ذهبت تلك الطباع
كنتمُ كالسيف مشحوذ الغرار / والذي حلَّ حماكم لن يراع
كم إلى العلم أقمتم من مَنار / بعقول هي أسَنى من شُعاع
قَطفت أبواعكم عن كَثَب / كل مجد شاهق المُقتطَف
تلك واللَّه مزايا العرب / أورثوها خَلَفاً عن سَلَف
أنت يا شمس على كرّ السنين / قد تَقَلّبتِ طلوعاً في الورى
حدّثينا بحديث الأوّلين / فلقد شاهدت تلك الأعصرا
أفكانوا مثلَنا مختلفين / لا يغيثون إذا خطب عرا
أننا يا شمس في مُضطَرَب / قد ألِفْناه فلم نأتلف
أن بقينا هكذا فأحتجبي / عن بني الغبراء أو فانكسفي
يا بني يعرُب ما هذا المنام / أو ما أسفر صبح النُوَّم
أين من كان بكم يرعى الذِمام / ويُلّبي دعوة المُهْتَضَم
أفلا يَلذَعكم مني الملام / فلقد ألُفِظ جمراً من فمي
خارجاً في نَفَسِ كاللهب / مُحرقاً مهجة قلبي الدَنِفِ
أنا لولا فيض دمعي السَكِب / لتَحرّقت بنار الأسف
يا شباب القوم لولاكم لما / ساغ لي العذب وما أن لذّ لي
أنني أُبصر منكم أنجُما / لامعاتٍ في ظلام الأمل
فأصبروا اليوم على حرّ الظما / كي تنالوا الرِيّ في المستقبل
وأتعبوا اليوم فعُقبي التعب / راحةٌ مُشبَعة بالتَرَف
لتَقُونا أسوأ المنقلَب / إذ بناء القوم هاري الجُرُف
يا شباب القوم هُبّوا للبِراز / فبِكم يَبسم ثغر الوطن
وأرفُلوا أما بثوب الاعتزاز / أو بثوبٍ هو ثوب الكفن
وأعدّوا العلم لا السيف الجُراز / أنه عُدّة هذا الزمن
بسواه العزّ لم يُكتسَب / وهو المُنصف للمنتَصِف
أنه واللَّه لا عن كذِب / شرف النفس ونفس الشرف
سقَتنا المعالي من سُلافتها صِرفا
سقَتنا المعالي من سُلافتها صِرفا / وغَنَت لنا الدنيا تُهنّئنا عزفا
وزَفّت لنا الدستور أحرارُ جيشنا / فأهلاً بما زفّت وشكراً لمن زقّا
فأصبح هذا الشعب للسيف شاكراً / وقد كان قبل اليوم لا يشكر السيفا
ورُحنا نَشاوىَ العِزّ يَهتف بعضنا / ببعضٍ هتافاً يُصعِق الظلم والحَيْفا
ولاحت لنا حريّةُ العيش عندما / أماطت لنا الأحرار عن وجهها السَجْفا
أتت عاطلاً لا يعرف الحلي جيدُها / ولا كَحَلت عيناً ولا خَضَبت كفّا
فجاءت بمطبوع من الحُسن قد قضى / على الشعر أن لا يستطيع له وصفا
فلم نَرضَ غير العلم تاجاً لرأسها / ولا غير شَنْف العدل في أذنها شَنفا
ولم نكْسُها إلا من العُرف حُلّة / وهل يكتسي الديباج من يكتسى العرفا
نشرنا لها من لفيف اشتياقنا / ونحن إناس نُحس النشر واللفّا
حَللنا الحُبا لما أتتنا كرامة / وقمنا على الأقدام صفّا لها صفا
عَقَدنا لها عقد الوَلاء تعشُّقاً / فكنّا لها إِلفاً وكانت لنا الفا
رَفَعنا لواء النّصر يهفو أمامها / ورحنا على صرف الزمان لها حِلْفا
فلم تَرَ غير الرفق فينا سجيّة / وإن كان بعض القوم أبدى لها عنُفا
تَحَّمل أعباء الصدارة كامل / فَناءَ به ما لم يَخِفّ وما خَفّا
طَوى كَشحه منها على غير لُطفها / وأظهر من وجه الخداع بها اللطفا
نَحا أن يَتِمّ الدَست فيها لحزبه / علينا وظن الأمر فيما نحا يَخْفى
وقد فاته أنّا أولو ألْمَعِيّة / بها نخطُف الأسرار من قلبه خطفا
وأنا نرى من قد تأبّط شَره / بعين تَقُدّ الإبط أو تَخلع الكَتْفا
لنا فِطنةٌ نّرمى الزمان بنورها / فيبدو حجاب الغيب منه وقد شَفّا
رمانا بشَزر اللحظ مُزْوَرّ طرفه / فصحنا به أن غُضّ يا كامل الطرفا
فما نحن بعد اليوم مهما تنوّعت / عناصرنا من أمةٍ تَحمل الخَسفا
مددنا إلى كفّ الإخاء أكُفّنا / نصافحه شوقاً فمدّ لنا الكفّا
فطاب لنا منه العِناق وضمَّنا / إليه فقّبلناه من عينه ألفا
أذُلاً وهذا العزّ صرّح سابغاً / علينا إِذن فالعز أن نُدرك الحَتفا
إِذا نحن قُمنا محنَقين رأيتنا / نَدُكّ جبال الظلم نَنسفها نسفا
ونحن إِذا ما الحرب أفنت جِيادنا / قتالاً ركبنا الموت في حربنا طِرفا
تَرَبع في صدر الوزارة كامل / فخَطّ من النُقصان في وجهها حرفا
وأنحى عليها بالجَفاء مشِّتتاً / نجاحاً بركنَيْها الركينين ملتفا
لقد أغضب الدستور فِعلاً ونِيَّة / ومن أعلنوا الدستور والشعب والصحفا
قد استَوْ ضحوه الأمر والأمر واضح / فأعياه إيضاح الحقيقة فاستعفى
ولم يَطُلبِ الإمهال إِلاّ لأّنه / رأى عذره إِن لم يُطل سبكه زيفا
كذلك مَن صاغ الكلام مُلَفَّقاً / تمّهل حِيناً يُكثِر الخَطّ والحذفا
ومن قال حقاً قاله عن بديهة / ويحتاج للتفكير مّن مّوَّه الخُلفا
فيا أيها الصدر الجديد اتَّعِظ به / فإيّاك تَطْغَى وأن تَثنيَ العطفا
ويا مجلس النواب سر غير عاثر / إلى المجد لا تلقى كلاّلا ولا ضَعفا
ودَع عنك مذموم التجافي فإنما / لغير التجافي اختارك الشعب واستصفى
ألم تَرَ أرجاء البلاد مَحُولة / من العلم فاستمطر لها الدَيم الوطفا
بلاد جفاها الأمن فهي مريضة / فحقق لها من طب رأيك أن تشفى
فإنّ لأهليها عليك لذِمّةً / ومثلك من راعى الذمام ومّن وفّى
وما أنت إلا أمة قد تقدّمت / أماماً وقد خلّت تقهقُرها خلفا
ولا تنسَ مُغبَّر العراق وأهله / فإن البلاء الجمّ من حوله احتفّا
فدجلة أمست مالدُجيل شحيحةً / فلا أنبتت زرعاً ولا أشبعت ظِلفا
وإن الفرات العَذب مُرنقاً / به الماء يجفو أو به الماء قد جَفا
سل الحِلة الفيحاء عنه فإنها / حَكَت شهداء الطف إذ نزلوا الطفا
فيا ويل قوم في العراق قد انطَوَوْا / على الذُل إذ أمست قلوبهم غُلفْا
ولم يذكروا مجداً لهم كان صارباً / رِواقاً على هام الكواكب قد أوفى
وكانوا به شُمّ العَرانين فاغتدَوْا / يُقاسون أهوالاً به تَجْدع الأنفا
يُرَجّوُن من أهل القبور رجاءهم / ومن يحمل الدبوس أو يضرب الدنا
متى نرجو لغُمتّنا انكسَافاً
متى نرجو لغُمتّنا انكسَافاً / وقد أمسى الشقاق لنا مَطافا
ملأنا الجوّ بالجدل اصطخاباً / وكنّا قبلُ نملؤه هُتافاً
وما زلنا نَهيم بكلّ وادٍ / من الأقوال نُرسلها جُزافا
ونُرجف في البلاد بكل رُعبٍ / يهُزّ فرائص الأمن ارتجافا
ونتّهم الحكومة باعتسافٍ / ونحن أشدّ ظلماً واعتسافا
وكم من ناعب في القوم يدعو / بوَشك البين تحسبه الغدافا
تباكينا على الوطن اختداعاً / فأنبتنا بأدمعنا الخلافا
أجاعتنا المطامع فاختلفنا / لنملأ في موائدنا الصِحافا
ولكنّا من الوطن المُفدى / نَخيط على مطامعنا غلافا
أرى أنف الحوادث مشمخرّاً / غداً يتشمّم الحدث الجُرافا
ويُوشِك أن يُمزّق منخرَيه / عطاس يملأ الدنيا رُعافا
فهل لوزارة الغازي اقتدار / تردّ به الهزاهز والنِقافا
أقول ولو يَسوء القومَ قولي / بياناً للحقيقة واعترافا
قد اختلف البريّة واختلفنا / فكنّا نحن أسوأها اختلافا
فلا تغُررك أحزاب شداد / بأنّ لهم أقاويلاً لِطافا
فإن بواطن القوم احتراص / وإن أبدت ظواهرهم عَفافا
وما اختلفوا لمصلحة ولكن / ليأكل أقوياؤهم الضعافا
هو الدينار مُنية كل راج / وبغية كل من دَأب احترافا
نحِجّ لأجله بيت المخازي / ونكثر حول كعبته الطوافا
ترى كل الأنام به سُكارى / وغيرَ هواه ما ارتشفوا سلافا
فحبّ سواه في الأفواه جارٍ / ولكن حبّه بلغ الشغافا
هو الحرب التي زحفت إليها / كتائب كل من طلب الزحافا
وكم قد رَنّ في أمل مُخاف / فأمن صوته الأمل المُخافا
إذا خطب الوضيعُ به المعالي / أقام له بنو الشرف الزِفافا
أرى الأحزاب من طمع وحِرص / قد اخترقوا إلى الفتن السجافا
يُجانف بعضهم في الرأي بعضاً / وبئس الرأي ما التزم الجنافا
لئن خطَأت من راموا اتحاداً / فما صَوّبت من راموا ائتلافا
فإن مشارب العُدوان منها / كلا الحزبين يرتشف ارتشافا
وهم كأُولي الديانة كل حزب / يراه أحقّ بالحق اتصافا
وماذا نفع أقوال سِمان / إذا أفعالهم كانت عِجافا
وأنّى يُصلح الأوطان قوم / بها أشتى تدابُرهم وصافا
فكُن منهم على طرف بعيداً / وحاذر أن تكون لهم مُضافا
فهم كالبحر يهلك راكبوه / ويسلم منه من لزم الضفافا
أرى الأتراك في دار الخلافه
أرى الأتراك في دار الخلافه / تمادَوا في الخصومة والسخافه
غَدْوا يتطاعنون بكل هُجر / من القول المخالف الصحافه
فما عمِلت رماح الخَط فيهم / كما عملته أقلام الصحافه
ترى كلاً تهيّأ للترامي / وشمّر عن سواعده لحِافه
وأترع كفّه حَمَأ نَتيناً / ليلطخ وجه من يُبدي خلافه
تراهم مُزبدين لهم شُدوق / كشِدقّيْ حالبٍ النُشافه
لهم صخب كعربدة السكارى / وقد شِربوا المطامع كالسُلافه
على حين العدوّ بهم محيط / يُذيقهم المَذَلّة والمَخافه
سفينة ملكهم فيها خُروق / وهم لا يُحسِنون لها القِلافه
وقد وقفت بُدر دُورٍ شديد / ولم تأمن من الموج انقذافه
وليس لها هنالك من عريف / يُقَوّمها بسُكّان العَرافه
عجبت لهم إذِ اختلفوا بمُلك / يكون الاختلاف عليه آفه
كأنّي إِذ أراهم في احتراب / بمُلك يطلب الغرب انتسافه
أرى كَبشَين ينتطحان جهلاً / لدى الجزار في دار الضيافه
خصام يضحك السُفهاءُ منه / ويبكي منه أرباب الحَصافه
وإن تدابُر الأقوام شيءٌ / يؤول إلى الندامة والأسافه
أنا بالحكومة والسياسة أعرف
أنا بالحكومة والسياسة أعرف / أأُلام في تفنيدها وأعنَّف
سأقول فيها ما أقول ولم أخف / من أن يقولوا شاعر متطرِّف
هذي حكومتنا وكل شُموخها / كَذِب وكل صنيعها متكلَّف
غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها / فجميع ما فيها بهارج زُيَّف
وجهان فيها باطن متستِّر / للأجنبيّ وظاهر متكشِّف
والباطن المستور فيه تحكّم / والظاهر المكشوف فيه تصلُّف
عَلَم ودستور ومجلس أمة / كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها / أما معانيها فليست تعرف
مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه / وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف
من ينظرِ العَلم المرفوف يلقَه / في عزّ غير بني البلاد يرفرف
من يأتِ مجلسنا يصدّق أنه / لمُراد غير الناخبين مؤلَّف
من يأتِ مُطّرَد الوزارة يُلفِها / بقيود أهل الاستشارة ترسف
أفهكذا تبقى الحكومة عندنا / كلماً تموَّه للورى وتُزخرَف
كثرت دوائرها وقلّ فَعالها / كالطبل يكبُر وهو خال أجوف
كم ساءنا منها ومن وزرائها / عمل بمنفعة المواطن مُجحِف
تشكو البلاد سياسة مالية / تجتاح أموال البلاد وتُتلف
تُجبى ضرائبها الثقال وإنما / في غير مصلحة الرعيّة تُصرف
حكمت مُشدِّدة علينا حكمها / أما على الدخلاء فهي تخفِّف
يا قوم خَلُّوا الفاشية إنها / في السائسين فظاظة وتعجرُف
للإنكَليز مطامع ببلادكم / لا تنتهي إلاّ بأن تتبلشفُوا
بالله يا وزراءنا ما بالكم / إن نحن جادلناكم لم تُنصِفوا
وكأنّ واحدكم لفَرط غروره / ثمِل تَميل بجانبَيْه القرقَف
أفتقنعون من الحكومة باسمها / ويفوتكم في الأمر أن تتصرّفوا
هذي كراسيّ الوزارة تحتكم / كادت لفرط حيائها تتقصَّف
أنتم عليها والأجانب فوقكم / كلّ بسلطته عليكم مُشرِف
أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه / فَرِحاً على الكرسيّ وهو مُكتَّف
إن دام هذا في البلاد فإنه / بدوامه لسيوفنا مُسترعِف
لا بدّ من يوم يطول عليكم / فيه الحساب كما يطول المَوْقف
فهُنالِكم لم يُغنِ شيئاً عنكم / لُسُنٌ تقول ولا عيون تذرف
الشعب في جزع فلا تستعبدوا / يوماً تثور به الجيوش وتزحف
وإذا دعا داعي البلاد إلى الوغى / أتظنّ أن هناك مَن يتخلَّف
أيذِلّ قوم ناهضون وعندهم / شرف يعزّز جانبَيه لمُرهف
كم من نواصٍ للعدى سنجُزّها / ولحىً بأيدي الثائرين ستنتف
إن لم نضاحك بالسيوف خصومنا / فالمجد من أبناء والعُلا تتأفّف
زر ردهة التأريخ إن فناءها / للمجد من أبناء يعرب متحف
قد كان للعرب الأكارم دولة / من بأسها الدول العظيمة ترجُف
عاش الأديب منعَّماً في ظلّها / والعالم النِحرير والمتّفلسف
أيام كان المسلمون من الورى / في ظلّها لهم المحل الأشرف
ثم انقضى عهد العروبة مذ غدا / عنها الزمان بسعده يتحرَّق
حتى تقلَّص بعد من سلطانها / ظلّ بأقصى المشؤقَين مُوَرَّق
وغدت ممالكها الكبيرة كلها / لسهام كل دويلة تَسْتَهْدف
فبنو العروبة أصبحوا في حالة / منها العروبة لا أبا لك تأنف
والمسلمون بحالة من أجلها / تالله ضجّ بما حواه المُصحف
للمسلمين على نزورة وفرهم
للمسلمين على نزورة وفرهم / كنز يفيض غنى من الأوقاف
كنز لو استشفوا به من دائهم / لتوجّروا منه الدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشئ فيه ثقافة / لتثقفوا منه بخير ثقاف
ولو ارتقوا بجناحه في عصرهم / لأطارهم بقوادم وخوافي
لكنّهم قد أهملوه وأعملوا / في جانبيه عوامل الاتلاف
فإذا نظرت رأيت ثمة أرضه / تجري الرياح بها وهنّ سوافي
قد تابعوا الموتى عليه وما وقَوا / أهل الحياة به من الأحجاف
وقفوا به عند الشروط لواقف / وتغافلوا عن حكمة الإيقاف
تركوا له في العصر نفعاً ظاهراً / وتعاملوا فيه بنفع خافي
لم يستجدّوا فيه شيئاً واكتفَوا / في كل حال منه بالسفساف
غرسوه غرساً مثمراً لكن جرت / غير الزمان فعاد كالصفاف
قل للذين تقيّدوا بشروطه / ماذا التوقف عند رسم عافي
أنريد أن يقفو الزمان أمورنا / وأمورنا هي للزمان قوافي
هل بين شرط الواقفين وكل ما / نفع العموم تناقض وتنافي
الأرض مسجدنا ففيم مساجد / أمست تعدّ اليوم بالآلاف
كان الصلاة بمسجد وبغيره / في الحكم واحدة لدى الأسلاف
هلاّ جعلن مدارساً فيّاضة / من كل علم بالزلال الصافي
ينتابها أبناؤكم كي يأخذوا / من كل فن بالنصيب الوافي
فيفيض فيض العلم حتى يرتوي / منه بنو الأمصار والأرياف
إن لم يكن شرف البلاد محصّناً / بالعلم كان مهدّد الأطراف
وإذا النفوس تسافلت من جهلها / لم يعلها شمم من الآناف
هذي لخزانة أنشئت فبناؤها / للأمر فيه تدارك وتلافي
أيظنّ ذو عقل بأنّ بناءها / شيء لشرط الواقفين منافي
تاللّه ليس بمنكر تشييدها / إلا امرؤ خال من الانصاف
أحّيوا بها عصر العلوم لدولة / خلفاؤها من آل عبد مناف
عصر الرشيد أبي الخلائف إذ غدت / بغداد رافلةً بمجد ضافي
في عهد فيصلنا المعظّم انشئت / علماً يشير لأشرف الأهداف
فإذا هتفت بحمده وبشكره / ردّ الصدى بنيانها لهتافي
ناديت طلاب العلوم مؤرخاً / حجّوا بناء خزانة الأوقاف