ماء العيونِ على الشهيدِ ذرافِ
ماء العيونِ على الشهيدِ ذرافِ / لو أنّ فيضاً من معينك كافي
إنْ لم يَفِ الدمعُ الهتونُ بسيبهِ / فلمن يَفي بعدَ الخليل الوافي
شيئان مَا عيبَ البكاءُ عليهما / فقدُ الشباب وفرقَةُ الأُلافِ
أغْرَقْتُ همي بالدموعِ فخانني / وطفَا فويلي من غريقٍ طَافي
وإذا بكَى القلبُ الحزين فما له / راقٍ ولا لبكائِه من شافي
والدمعُ تهمي في الشدائدِ سحبُه / ومن الدموع مماطل وموافي
حَارتْ به كفي تحاولُ مسحهُ / فكأنَّها تُغْريه بالإيكافِ
وأجلُّ ما يلقى الشريفُ ثوابَه / إنْ غسّلَتْه مدامعُ الأشرافِ
طيرُ المنيةِ صحْتَ أشأم صيحةٍ / وهززتَ شرَّ قوادِم وخوافِي
وعلقت بالأملِ العزيز محصّناً / بظوامِىء الأرماحِ والأسيافِ
والجندُ والأعوانُ ترعى موكِباً / ما حازه سابُورُ ذو الأكتَافِ
يفدون بالمهجاتِ مهجة قائدٍ / في كلِّ منعرجٍ وكلِّ مطَافِ
رانَ الذهولُ فكل عقل حائر / وجرى القضاءُ فكل طرف غافي
والموتُ أعمى في يديه سهامه / يرمي البريةَ من وراء سجَافِ
والموتُ قد يخفى حَماهُ بنسمةٍ / هفّافةٍ أو في رحيقِ سُلافِ
يغشَى الفتى ولو اطمأنّ لموئلٍ / في الجو أو في غمرةِ الرجّافِ
ويحَ الكنانةِ بعد نزعِ شِغافِها / أتعيشُ في الدنيا بِغير شِغافِ
قد عاشَ يحمل رُوحَه في كفِّهِ / ما قَالَ في هولِ النضال كفافِ
يلقَى الكارثَ باسماً متألقاً / والدهرُ يعصِفُ والخطوبُ سَوافي
والموت يكشرُ عن نُيوبِ مَشانقٍ / غُبرِ الوُجوهِ دميمةِ الأطرافِ
بينَ الرياح الهُوجِ يزأر مثلَها / ويثورُ في غَضَبٍ وفي إعْنافِ
يَرنو إلى استقلال مصر كما رنَتْ / عين المحب لطارقِ الأطياف
ما ارتاعَ مِن حبسٍ ولا أسرٍ ولا / زَجْرٍ ولا قتلٍ ولا إرجَافِ
وإذا دهتهُ الحادثاتُ بفادحٍ / لم تلق إلاّ هَزّةَ استخفافِ
هابتْهُ أسبابُ المنيةِ جَهَرةً / فَرمتهُ خائنةً بِموت زُؤافِ
مَوتُ الكرامِ البيضِ فوقَ جيادِهم / لا فَوقَ نُمرقَةٍ وتحتَ طِرافِ
فلكم تَمنَّى ابنُ الوليد مَنِيةً / بينَ الصواهِل والقَنا الرعّافِ
ذهبَ الجريءُ الندبُ ذخرُ بلاده / غَوْثُ الصريخِ ونُجعةُ المعتافِ
خُلقٌ كأمواهِ السحابِ مُطَهَّرٌ / وسَريرة كلآلِىء الأصدافِ
وتَبسمٌ للمعضِلاتِ كأنّه / إشراقُ وجهِ الروضةِ المئنافِ
ونقَاءُ سُكَّان السماء يحوطه / رَبُّ السماءِ بعزّةٍ وعَفافِ
ونزاهة سِيقَتْ لها الدنيا فما / ظفِرتْ بغير تنكُّرٍ وعِيافِ
عُمَرٌ حوى الدنيا ولم يملك سِوَى / شاءٍ كأعوادِ القِسيِّ عِجَافِ
والمرءُ إن يَخشى الدنيةَ في الغِنَى / يقنَعْ بِعيشٍ في الحياة كَفافِ
قد كانَ في غيرِ التحرُّج مَنفذٌ / سَهلٌ إلى الآلافِ والآلافِ
مَهما يَقُلْ من خالفوه فإنّه / في نُبلهِ فردٌ بِغير خِلافِ
وعَزيمةٌ لا الصعبُ في قاموسِها / صَعبٌ ولا خافِي الطريقِ بخافِي
فإذا أرادَ فكل شيءٍ آلةٌ / وإذَا رمَى فالويلُ للأهدافِ
يزدادُ في ظُلَمِ النوازلِ بِشْرهُ / كمْ كُدرةٍ تحتَ النميرِ الصافي
يُخْشى ويُرهبُ كالمنيةِ مُرهفاً / عَدْلٌ لدَى الإرهابِ والإرهافِ
فإذا طلبتَ الحقَّ منه وجدتَهُ / سهل الرحابِ مُوَطّأ الأكنافِ
ذِكرى كحاليةِ الرياضِ شميمُها / راحُ النفوسِ وراحةُ المستافِ
إنّ الفَتى ما فِيه من أخلاقهِ / فإذا ذَهبْنَ فكُلُّ شيءٍ مافي
ما زانَه الشرفُ المنيفُ بِغيرِها / ولو انتَمى لسراةِ عبدِ منافِ
عِشنا على الأسلافِ طولَ حياتِنا / حتى سئمنا عِشرةَ الأسلافِ
العبقريُّ حياتُه من صُنعِه / لا صنِع أسماءٍ ولا أوْصَافِ
يَكفيهِ مِنْ شَرفِ المجادة أنّه / درسَ العصور وقُدوةَ الأخلافِ
عابوا السكوتَ عليهِ وهو فضيلةٌ / لغَطُ الحديثِ مَطيّةُ الإسفافِ
صَمْتُ الهمام النجدِ أو إطراقُه / خُطَبٌ مُجلْجِلَةٌ بِغير هُتافِ
قولُ الفتَى من قلبهِ أو عقلهِ / فإذا سَمَحْت فلا تَبعْ بِجُزافِ
حَسبُ الذي ألقَى اللجامَ لِسانُه / ما جاء مِن زَجْرٍ بسورةِ قافِ
خاضَ السياسةَ ملءُ جُعبتِه هَوى / مصرَ ومَحوُ الظلمِ والإجحافِ
ما كانَ في الجُلَّى بحابِسِ سَرجِه / عَن هَوْلِها يَوْماً ولا وَقَّافِ
يَمضي ويتبعُه الشبابُ كما جرتْ / جُرْدُ المذاكي في غُبَار خَصافِ
نادَى مُلِحّاً بِالجلاءِ مناجِزاً / ماذا وراءَ الوعدِ والإخلافِ
ودعَا بوادي النيلِ غيرَ مقَسَّمٍ / سُودان مصرَ كشاطىءِ المُصطافِ
يا يومَ أمريكا وكم بكَ موقف / أعيا النُّهىَ وبراعةَ الوصّافِ
هِيَ صيحةٌ لم يَرْمِها مِنْ قَبلهِ / بَطلٌ بوجه السادةِ الأحلافِ
صَوتٌ إذا هزّ الأثيرَ جهيرُه / فلَكم بمصرٍ هَزّ مِن أعطافِ
في كُلِّ أذنٍ مِنهُ شَنْفٌ زانَها / ما أجملَ الآذانَ بالأشنافِ
أصغى له جمعُ الدهاةِ وأطرقوا / شَتّان بين السمع والإنصافِ
سَمِعوا بياناً عبقريّاً ما بِه / في الحقِّ مِن شططٍ ولا إسرافِ
وجدالَ وثّابِ البديهةِ ثابتٍ / في يوم ملحمةٍ ويومِ ثِقافِ
وصراحةً بهرت عيونَ رجالِهم / لمّا بدتْ نُوراً بِلا أسدافِ
قالوا الرثاء فقلتُ دَمعُ محاجِري / بحر وأنّات الحزين قوافي
شِعر مِنَ الذهب النُّضار حُروفه / ولكم بسوقِ الشعر من زَيّافِ
محمودُ قد لقي المجاهدُ ربَّهُ / في جنَّةِ النفحَاتِ والألطافِ
نَمْ هَادِئاً إنَّ الغِراسَ وريفةٌ / تُزهى بأكرم تُربةٍ وقِطافِ
وانزِلْ إلى مَثوى الصديق تَجد بهِ / ما شِئتَ مِنْ حُبٍّ ومن إشرافِ
قَبرُ الشهيد سَماحةٌ فيَّاحةٌ / ومَديدُ ظِلِّ حدائقٍ أَلفافِ
ما مَات مَن كتبَ الخلودُ رثاءَه / ووشَى له حُللَ الثناءِ الضَّافي
حُيِّيتَ مِن مُزنِ العُيون بوابلٍ / ومِنَ الحنانِ بِناعم رَفّافِ