المجموع : 12
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ
دعا فأجابوا والقلوبُ صَوادِفُ / وقالوا اسْتَقمنا والهَوى مُتجانِفُ
مَضَى العهدُ لا حربٌ تُقامُ ولاأذىً / يُرامُ ولا بَغْيٌ عنِ الحقِّ صَارِفُ
لهم دَمهُم والدّينُ والمالُ ما وَفَوْا / فإن غَدروا فالسّيف وافٍ مُساعِفُ
سياسةُ من لا يَخدعُ القولُ رأيَهُ / ولا يَزدهيهِ باطلٌ منه زَائِفُ
رَسولٌ له من حكمةِ الوَحْيِ عاصمٌ / ومن نُورهِ في ظُلمةِ الرأيِ كاشِفُ
يُسالِمُ من أحبارِهم وسَراتِهم / رِجالاً لهم في السّلمِ رأيٌ مُخالِفُ
يَغيظهُم الإسلامُ حتَّى كأَنَّما / هُوَ الموتُ أو عادٍ من الخطبِ جَارفُ
إذا هَتَفَ الدّاعي بهِ اهْتَاجَ نَاقِمٌ / وأعْوَلَ مَحزونٌ وأجْفَلَ خائِفُ
إذا ما تَردَّى في الضّلالةِ جاهِلٌ / فما عُذرُ مَن يأبَى الهُدى وَهْو عَارِفُ
يَقولونَ قَوْلَ الزُّور لا عِلَم عندَنا / كَفَى القومَ عِلماً ما تَضُمُّ المصاحفُ
لهم من سنَا التَّوراةِ هادٍ وللعَمى / رُكامٌ على أبصارِهم مُتكاثِفُ
دَنا الحقُّ من بُهتانِهم ورَمَى بهم / إلى الأمدِ الأقصَى هَوىً مُتقاذِفُ
عَنا ابْنَ أُبيٍّ من هَوى التّاج لاعجٌ / وطافَ به من نَشوةِ المُلكِ طائفُ
جَرى راكِضاً مِلءَ العنانَيْنِ فانتحى / له قَدرٌ ألقَى به وَهْوَ راسِفُ
فما مِثلُه في مَشهدِ الإفكِ فارحٌ / ولا مِثلهُ في مَشهدِ الحقِّ آسفُ
ظُنونٌ يُعفّيها اليقينُ ودَولةٌ / من الوهمِ تذروها الرياحُ العواصفُ
يُهيبُ بأضغانِ اليهود يَشُبُّها / عَداوةَ قومٍ شرُّهم متضاعفُ
وما بَرَحَ الحَبْرُ السَّمينُ يَغرُّهم / ويأكلُ من أموالِهم ما يُصادِفُ
أعدُّوا له المرعىَ فَراحَ مُهبَّلاً / كَظنِّكَ بالخِنزيرِ واتاهُ عَالِفُ
يَنوءُ بِجَنْبيهِ ويرتجُّ ماشياً / إذا اضطربتْ منه الشَّوى والرَّوانفُ
رَماهم بها عَمياءَ لم يَرْمِ مَعشراً / بأمثالها أحبارُهُم والأساقفُ
فقالوا غَوى ابنُ الصّلتِ وانفضّ جمعهم / يُريدون كعباً وَهْوَ خَزيانُ كاسِفُ
رَمَى الصادقُ الهادِي لَفِيفَة نفسِهِ / بصداعةٍ تَنشقُّ منها اللّفائفُ
فأما لَبيدٌ فَاسْتعانَ بسحرِه / رُويداً أخا هاروتَ تلك الطرائفُ
أعندك أن السّحرَ للّهِ غالبٌ / تأمَّلْ لبيدٌ أيَّ مهوىً تُشارِفُ
وَشاسُ بنُ قيسٍ هاجَها جاهليَّةً / تَطيرُ لِذكراها الحلومُ الرَّواجفُ
يُقلِّبُ بين الأوسِ والخزرجِ الثَّرى / وقد وَشجتْ فيه العُروقُ العواطِفُ
يُذكّرهُم يومَ البُعاثِ وما جَنْت / رِقاقُ المواضِي والرماحُ الرواعِفُ
غَلتْ نَخواتُ القومِ ممّا استفزَّهم / وراجعَهم من عازِبِ الرأيِ سالِفُ
وخَفّوا يُريدونَ القِتالَ فَردَّهم / نبيٌّ يَردُّ الشَّرَّ والشّرُّ زاحِفُ
دعاهم إلى الحُسنَى فأقبلَ بعضُهم / يُعانِقُ بعضاً والدُّموعُ ذوارِفُ
أتى ابنُ سلامٍ يُؤثِرُ الحقَّ مِلّةً / وينظرُ ما تأتي النُّفُوسُ العوازِفُ
تسلّلَ يستخفي وأقبلَ قومُه / وللؤمِ منهم ما تَضمُّ الملاحِفُ
فقيل اشهدوا قالوا عرفناه سيّداً / تجلُّ مَساعيه وتعلو المواقفُ
هو المرءُ لا نأبَى من الدّينِ ما ارْتَضى / ولا نَدَعُ الأمرَ الذي هو آلِفُ
فلمّا رأوهُ خارجاً يَنطُق التي / هي الحقُّ قالوا عاثِرُ الرأيِ عاسِفُ
ظننّا بهِ خَيراً ولا خيرَ في امرئٍ / أبوه أبو سُوءٍ على الشرِّ عاكِفُ
ظلمناهُ لم يُوصَفْ بما هو أهلُه / فماذا له إن أخطأ الرُّشدَ واصِفُ
تَرَامَوْا بألقابٍ إذا ما تتابعْت / تتابعَ شُؤبوبٌ من الذمِّ واكِفُ
أهاب أبو أيوب ردوا حلومكم / أعند رسول الله تلقى المآزف
وقال الرسولُ اسْتَشعِرُوا الحلمَ إنّما / يَسودُ ويستعلِي الحليمُ المُلاطِفُ
أتُؤذونَ عبدَ اللّهِ أن يتبعَ الهُدى / فيا ويحَهُ من مؤمنٍ ما يُقارِفُ
أهذا هو العهدُ الذي كان بيننا / أهذا الذي يَجْنِي العقيدُ المحالِفُ
تَولَّوا غِضاباً ما تَثوبُ نُفوسُهم / ولا تَرْعَوِي أحقادُهم والكتائِفُ
يُذيعونَ مكروهَ الحديثِ وما عَسى / يقولون والفُرقانُ بالحقِّ هاتِفُ
إذا بَعثوا من باطلِ القولِ فتنةً / تَلقّفها من صادقِ الوحيِ خاطِفُ
يُشايِعهُم في القومِ كلُّ مُنافقٍ / إلى كلِّ ذِي مَشنوءَةٍ هو دالِفُ
شَديدُ الأذى يُبدِي من القولِ زُخرفاً / وكالسّمِّ منه ما تُواري الزَّخارفُ
زَحالفُ سُوءٍ ما يَكفُّ دبيبُها / وأهونُ شيءٍ أن تَدُبَّ الزّحالِفُ
أقاموا على ظُلمٍ كأنْ لم يكنْ لهم / من العدلِ يوماً لا محالةَ آزفُ
لكلِّ أُناسٍ يعكفون على الأذى / مَعاطِبُ من أخلاقِهِم ومتالفُ
رُويدَ يَهودٍ هل لها في حُصونِها / مِنَ البأسِ إلا ما تَظنُّ السّلاحِفُ
يَظنُّونَ أنْ لنْ يَنسِفَ اللّهُ ما بنوا / ولن يثبتَ البنيانُ واللّهُ ناسِفُ
سَيلقَوْنَ بُؤساً بعد أمنٍ ونعمةٍ / فلا العيشُ فيّاحٌ ولا الظلُّ وارِفُ
ما للسُّيوفِ أما تَثوبُ فَتعطِفُ
ما للسُّيوفِ أما تَثوبُ فَتعطِفُ / وَلِمَنْ قُوىً في غيرِ حقٍّ تَزْحَفُ
جَهجاهُ مالك هِجتهَا مذمومةً / هوجاءَ لولا اللَّهُ ظلّتْ تَعصفُ
الخزرجُ انطلقوا لنصرِ حليفهِم / ومضى لنصرتك الكُماةُ الدُّلَّفُ
لَسِنانُ إذ تُؤذيهِ منكَ بضربةٍ / أولى وأخلقُ من تحبُّ وتألفُ
هَفَتِ السُّيوفُ إلى السُّيوفِ وأوشكت / صُمُّ الرماح على الرماحِ تقَصَّفُ
ومشى النبيُّ يقول يا قومُ اسكنوا / أكذاكَ تضطربُ الجبالُ وترجف
تدعون دعوى الجاهليّة جهرةً / فَمن الدُّعاةُ من الهُداةِ الهُتَّف
أوَ لستُمُ النفر الذين بنورهم / يجد السَّبيلَ الحائرُ المتعسّف
رُدّوا السُّيوفَ إلى جماجمِ معشرٍ / فيهم مَرَدٌّ للسُّيوفِ ومصرف
هدأ الرجالُ وراح ظالمُ نفسِهِ / يَهْذي فَيُمْعِنُ أو يظنُّ فيسرف
لجَّ النفاقُ فقائلٌ لا يستحي / ممّا يقولُ وسامعٌ لا يأنف
ما بالُ من جمحت به أهواؤُه / أفما يزالُ على الغَوايةِ يعكف
يُؤذِي رسولَ اللهِ يزعمُ أنّه / في قومِهِ منه أعزُّ وأشرف
ويقول موعدُنا المدينةُ إذ يُرَى / أيُّ الفريقينِ الأذلُّ الأضعف
فَلنُخرجَنَّ مُحمداً منها غَداً / وليعلمنَّ الأمرَ ساعةَ يأزف
سمع ابنُ أرقمَ ما يقول فهاجه / غَضبٌ يضيق به التّقيُّ الأحنف
ومضى يقصّ على النبيِّ حديثَهُ / فيكاد عنه من الكراهةِ يصدف
قال اتّئد فلقد يُغانُ على الفتى / فيزلُّ منه السَّمعُ أو يتحرّف
فمضى على أسفٍ يلوذُ بعمّهِ / فُيلامُ غيرَ مكذَّبٍ ويُعنَّف
قال اقتصد يا عمّ ما أنا بالذي / يُغضي إذا اغتابَ الرسولَ مُجَدِّفُ
ثَقُلَتْ عليَّ من الغبيِّ مقالةٌ / جَلَلٌ تُهَدُّ بها الجبالُ وتُنْسَفُ
واللّهِ لو ألقَى صَواعِقَها أبي / لحملتُها وذهبتُ لا أتخفَّف
رُوِيَ الحديثُ وَغِيظَ من مكروهه / عُمَرٌ فَغِيظَ المشرفيُّ المُرهَفُ
أغرى بقائِلهِ مخوفَ غرارِهِ / ما كان يَعلمُ من أذاه ويعرف
سأل الرسولَ الإذنَ فيه لعلَّه / يَشفيه من دمِه بما يترشَّف
فأبى وقال أليس من أصحابنا / دعه فتلك أشدُّ ما أتخوَّفُ
وأتى ابنُه فدعا أبي أنا خصمه / فدعوه لي إنّي به لَمُكلَّف
مُرْنِي رسولَ اللَّهِ أكْفِكَ أمرَه / فلقد عَهدتُكَ راحماً تتلطّف
إنّي أحِبُّ أبي وأعرف حقَّه / ولأنتَ بي وبه أبرُّ وأرأف
سيفي أحقُّ بهِ فإن يك غيره / عَظُمَ الأسى فيه وهالَ الموقف
إنّي لأخشى أن أرى دَمَ مُؤمنٍ / بيدي لأجلِ أبي يُراقُ وينزف
قال النبيُّ ارفِقْ بشيخكَ وارْعَهُ / إنّ العُقوقَ من البنينَ لَمَتْلَفُ
القاذفُ الجبّارُ زُلزِلَ قلبُه / بالرُّعبِ يُلقَى والمخافةِ تُقذفُ
ضَاقتْ مذاهبُه فأقبل ضارعاً / وأخو الهوانِ الضَّارعُ المستعطف
جَحَدَ الحديثَ وراح يَحلفُ ما جرى / صَدَقَ المُنَبِّئُ وافترى من يحلف
إنّ ابن أرقمَ لم تكن لتخونه / أُذُنٌ تَعِي وتصونُ ما تتلقّفُ
يبقى بها نقشُ الكلامِ كأنّما / نُقِشَتْ على الصّخرِ الأصَمِّ الأحرف
صُوَرٌ إذا وَلِيَ اللِّسَانُ أداءَها / فالزُّورُ من أعدائها والزخرف
ما رُمْتُ وصفاً حَسْبُ زيدٍ أنّه / بفرائِدِ الوحْيِ المنظَّم يُوصف
اللَّهُ أنزله بياناً صادعاً / كبَتَ الألى قلبوا الأمورَ وزيَّفوا
كشفَ الغطاءَ عن النِّفاقِ بسورةٍ / نزلتْ وكان غطاؤُه لا يُكشَف
جُرْمٌ إذا استخفى مَخافةَ ذاكرٍ / نادى الزمانُ به وضَجَّ المصحف
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ
كذلك يَشقى الجامحُ المتعسِّفُ / ويركبُ متن الظُّلمِ مَن ليس يُنصِفُ
يَموتُ بِسُوءِ الرأيِ مَن ساءَ خُلقه / وللمرءِ ذِي التقوى عن الغَيِّ مَصْرَفُ
أضاعَ الزبيرُ الأمرَ والأمرُ مُقبِلٌ / وآثر حَدَّ السَّيْفِ والسَّيفُ يَصدُفُ
سَعَى ثابتٌ يَجزِيه سالِفَ صُنعِه / لَدَى مُحسنٍ يُسدِي الجميلَ ويَعطفُ
فقال رَسولَ اللهِ جئتُكَ شافعاً / لشيخٍ دعاني ضارعاً يتلهّفُ
حباني دمي يوم البعاث وفكَّني / وتلك يد بيضاء للشيخِ تُعرفُ
فَهَبْهُ رسولَ اللهِ لي إنّني به / على ما ترى من شأنهِ لَمُكَلَّفُ
فقال فعلنا ثم عادَ شَفِيعُه / يُبَشِّرُه بالعفوِ والشيخُ يَرجُفُ
فَجدَّ له في المُحسنِ السَّمحِ مَطمعٌ / وقال حَياةٌ شرُّها ليس يُوصَفُ
بنيَّ وأهلي ليس لي إن فقدتُهم / سِوى الموتِ إنّي عن حياتي لأعزِفُ
فلما تسنَّى الأمرُ قال لثابتٍ / أنَبقى بلا مالٍ فَنَشقَى ونتلَفُ
وجادَ رسولُ اللهِ بالمالِ رحمةً / وبِرّاً فراحَ الشيخُ يهذِي ويَهرفُ
يسائل عن كعبٍ وساداتِ قومِهِ / ويُطرِي سجاياهم فيغلو ويُسرِفُ
توجَّعَ لمّا قِيلَ ذاقوا حِمامَهم / وقال أُريدُ الموتَ فالعيشُ أخوفُ
خُذِ السَّيفَ واضرب يا ابن قيسٍ فإنّهم / هم الصحبُ مالي بعدهم مُتَخلَّفُ
كفى حزناً يا صاحبي أن تَضُمّني / ديارٌ بهم كانت تُحَبُّ وتُؤلَفُ
أرِحْنِي أرحني يا ابنَ قيسٍ بضربةٍ / تبيتُ لها نفسي تَرِفُّ وتَنطِفُ
تَزوّدتُ من نَأْيِ الأحبّةِ غُلّةً / فهل أنت للصّادي المعذّبِ مُسْعِفُ
فقال معاذَ اللَّهِ لستُ بفاعلٍ / ومِثْلِيَ يأبَى ما تُريدُ ويأنَفُ
وجاءَ به يلقى الزُّبيرَ على أسىً / يُغالِبُه والموتُ بالشَّيخِ يَهتفُ
وقال اسْقهِ رِيِّ الغليلِ مِنَ الردَى / فطاحَ به ماضي الغِرَارَيْنِ مُرهفُ
فيا لكَ من رأيٍ سفيهٍ ومركبٍ / كريهٍ وخطبٍ فادحٍ ليسَ يُكشَفُ
قَضَى ثابتٌ حَقَّ المروءَةِ وافياً / وبَرَّ رسولُ اللَّهِ والبِرُّ مجحفُ
ولكنّ شيخَ السُّوءِ أهلكَ نَفْسَهُ / وذُو الجهلِ يُرمَى من يَدَيْهِ ويُقْذَفُ
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا / فما احتيالُكِ في الطَّوْدِ الذي رَجَفَا
طَوْدٌ مِنَ الشِّركِ خَانَتْهُ جَوانِبُهُ / لَمّا مَشَى نحوهُ الطودُ الذي زَحَفا
إن الجبالَ التي في الأرضِ لو كفرتْ / لَدَكَّها جَبلُ الإسلامِ أو نَسَفَا
لَمّا دَعاهُ بسيفِ اللهِ سَيِّدُهُ / زَادَ السُّيوفَ بِهِ في عِزِّهَا شَرَفا
ديارَ مَكّةَ أمَّا من يُسالِمُهُ / فَلا أذىً يَتَّقِي منهُ ولا جَنَفَا
تلك الوصيَّةُ ما يَرْضَى بها بَدَلاً / ولا يرى دُونَها مَعْدىً ومُنْصَرَفَا
لا تجزعي إنّهُ العهدُ الذي انبعثت / أنوارُهُ تَصدَعُ العهدَ الذي سَلَفا
ليلُ الأباطيلِ ما التفَّتْ غياهِبُهُ / على الحقائِقِ إلا انجابَ وانْكَشَفَا
هُنَّ المنايا فيا للقومِ من بطلٍ / رُمُوا بِهِ حَيَّةً من حَيَّةٍ خَلَفَا
ضاقوا بِسعْدٍ فقالوا قائدٌ حَنِقٌ / لو جاوز الحدَّ بعد الحدِّ ما وَقَفا
واستصرخوا من رسولِ اللهِ ذا حَدَبٍ / إذا استغاثَ به مُستصرخٌ عَطَفَا
هَبَّتْ إلى الشَّرِّ من جُهّالِهِم فِئَةٌ / لم تَأْلُ من جَهلِها بَغياً ولا صَلَفا
واستنفرت من قريشٍ كلَّ ذي نَزَقٍ / إذا يُشارُ إليهِ بالبنانِ هَفَا
فخاضها خالدٌ شعواءَ كالحةً / إذا جَرَى الهولُ في أرجائِها عَصَفَا
رَمَى بها مُهَجَ الكُفّارِ فاسْتَبَقَتْ / تَلْقَى البوارَ وتشكو الحَيْنَ والتَّلَفَا
وقال قائلُهُم أسرفتَ من بطلٍ / ما كان أحسنه لو جَانَبَ السَّرَفا
وهَاجَ همَّ أبي سُفيانَ ما وَجَدوا / فَرَاحَ يَشفعُ فيهم جَازعاً أَسِفا
فَلانَ قلبُ رسولِ اللهِ مرحمةً / وَرَقَّ من شِدَّةِ البطشِ الذي وَصَفَا
وقال سِرْ يا رسولي فَانْهَ صَاحِبَنَا / عَنِ القِتالِ فَحَسبي ما جَنَى وكَفَى
مَضَى الرسولُ يقولُ اقْتُلْ فَهَيَّجَها / مَشْبُوبَةً هَتَفَتْ بالوَيْلِ إذ هَتَفَا
وَعَادَ والدَّمُ في آثَارِهِ سَرِبٌ / والقومُ من خَلْفِهِ يدعون وَا لَهَفَا
قال النَّبيُّ ألم تَذْكُرْ مَقالتَنا / لِخَالِدٍ أعَصِيْتَ الأمرَ أم صَدَفا
فقال بُورِكْتَ إنّ الله حَرَّفَها / وما تَغَيَّرَ لي رأيٌ ولا انْحَرَفَا
سُبحانَهُ إنّ أمرَ النّاسِ في يدِهِ / لا يَعْرِفُ المرءُ من خَافيهِ ما عَرَفَا
لا يَجْزَعِ القوْمُ إنّ السَّيفَ مُرتَدِعٌ / عمّا قليلٍ وإنّ النّصرَ قد أزِفا
لم يرفعوا الصَّوتَ حتّى لاحَ بارِقُهُ / تحت العَجَاجَةِ يجلو ضَوْؤُهُ السُّدُفا
هذا الزُّبَيْرُ تَرَامَى في كتائِبِهِ / كالسَّيْلِ لا تُمسِكُ الأسدادُ ما جَرَفَا
يَلْقَى كدَاءَ بِهِ والخيلُ راكضَةٌ / ما قَالَ حَسّانُ من قبلِي وما ازْدَهَفا
اللهُ أكبرُ جاء الفتحُ وابتهجتْ / للمؤمنين نُفوسٌ سَرَّها وشَفَى
مَشَى النَّبيُّ يحفُّ النَّصرُ مَوكِبَهُ / مُشَيَّعاً بجلالِ اللهِ مُكتَنَفَا
أضحى أُسامةُ من بينِ الصّحابِ له / رِدْفاً فكان أعزَّ النَّاسِ مُرْتَدَفَا
لم يبقَ إذ سَطعتْ أنوارُ غُرَّتِهِ / مَغْنَىً بِمَكَّةَ إلا اهْتَزَّ أو وَجَفا
تحرَّكَ البيتُ حَتَّى لو تُطاوعُهُ / أركانُهُ حَفَّ يَلْقَى رَكبَهُ شَغَفَا
وَافَاهُ في صَحبِهِ من كلِّ مُزْدَلِفٍ / فلم يَدَعْ فيه للكُفَّارِ مُزْدَلَفا
العاكفون على الأصنامِ أضحكهم / أنّ الهوانَ على أصنامِهِمْ عَكَفا
كانوا يَظنُّونَ أنْ لا يُسْتَبَاحَ لها / حِمىً فلا شمماً أبدتْ ولا أنَفَا
نامت شَياطِينُها عنها مُذَمَّمةً / كأنّها لم تكن إذ أصبحَتْ كِسَفا
رِيعَتْ شيوخُ قريشٍ من قذائِفِها / وَرِيعَ منها الخُزاعِيُّ الذي قُذِفَا
رأته يَنحَطُّ من عَليائِهِ فزعاً / من بعد ما أفزعَ الأجيالَ مُشتَرِفَا
وما ذَرَى هُبَلٌ والطعْنُ يأخُذُهُ / هل غَوَّرَ الدمعُ في عَيْنَيْهِ أم ذَرَفا
لو كان للدمِ يجري حَولهُ دُفَعاً / طُولُ المَدى مَثْعَبٌ في جوفِهِ نَزَفا
رَمَى به اللهُ يحمِي البيتَ من عَبَثٍ / يَعافُ باطِلَهُ مَن عافَ أو عَزَفَا
لم يَبْقَ بالبيتِ أصنامٌ ولا صُوَرٌ / زَالَ العَمَى واسْتَحَالَ الأمرُ فَاخْتَلَفَا
للجاهِلِيَّةِ رَسمٌ كان يُعجبها / في دهرِها فَعَفَتْ أيامُها وَعَفَا
لا كُنتَ يا زمنَ الأوهامِ مِن زَمَنٍ / أرخَى على النّاسِ من ظَلْمَائِهِ سُجُفا
إنّ الشريدَ الذي قد كان يظلمه / ذَوُو قَرَابتِهِ قد عادَ فانْتَصَفا
ردَّ الظلامَةَ في رفقٍ وإن عَنَفوا / ولو يَشاءُ إذَنْ لاشْتَدَّ أو عَنَفَا
إنّ الرسولَ لَسَمْحٌ ذو مُيَاسَرَةٍ / إذا تملَّكَ أعناقَ الجُناةِ عَفَا
شكراً مُحَمَّدُ إنّ اللَّهَ أسبغَهَا / عليكَ نُعْمَى تَرَامَى ظِلُّها وَضَفا
وَعْدٌ وَفَى لإمامِ المرسلينَ به / واللَّهُ إن وَعَدَ الرُّسْلَ الكِرامَ وَفَى
خُذِ المحصَّبَ إن وَافَيْتَهُ نُزُلاً / وَاذْكُرْ بِهِ ذلكَ الميثاقَ والحَلفا
قد عادَ يكلفُ بالإسلامِ مِن رَشَدٍ / مَن كان بالكفرِ من غَيِّ الهَوَى كَلِفا
ثم استقامَ على البيضَاءِ يَسْلكُها / مَن كان يضربُ في العمياءِ مُعْتَسِفا
مَشَى طَليقاً إلى غاياتِهِ مرحاً / وكان في القيد إن رام الخطى رسفا
يغشى موارد للأيمان صافِيةً / ما امتاحَ من مثلِها يوماً ولا اغْترَفا
عادوا طَهَارى فلم يَعْلَقْ بهم وَضَرٌ / ممّا جَنَى الكفرُ قبل الفتحِ واقترفا
تَتابعَ القومُ أفواجاً فآمَنَهم / دِينُ السَّلامِ وأمسَى الأمرُ مُؤْتَلِفَا
كذلك الحقُّ يعلو في مَصَاعِدِهِ / حتى يَنالَ الذَّرَى أو يَبلغَ الشَعفا
مَرْمَى العُقُولِ إذا ما غَرَّهَا هَدَفٌ / فلن تُريدَ سِواهُ إن رَمَتْ هَدَفَا
وما على الحقِّ من بأسٍ ولا حَرَجٍ / إن هَوَّمَ العقلُ عنه مَرَّةً فَغَفَا
إنّ الذي جَعَلَ الإسلامَ مَعقلَهُ / أعلى لأُمَّتِهِ الأركانَ والسُّقُفا
لم يَرْضَ ما نَالَ من مجدٍ فأَورثَهُ / مَجداً طريفاً وَعِزّاً منه مُؤْتَنَفا
شَتّانَ ما بين صَرْحٍ ثابتٍ رُفِعَتْ / منه القِبابُ وصَرْحٍ واهنٍ خُسِفا
لِتُنصتِ الأرضُ وَلْتَسْمَعْ ممالُكُها / ماذا يقولُ لها الرَّعدُ الذي قَصَفَا
شرائعُ الخيرِ يُلقيها مُحبّبةً / شيخُ النَّبيِّينَ يَبغي البِرَّ واللَّطَفَا
الناسُ من آدَمٍ والبَغْيُ مَهْلَكَةٌ / فَلْيَّتَقِ اللهَ منهم مَن قَسَا وجَفَا
قَلْ للأُلَى خطبوا الأقوامَ أو كتبوا / دعوا المنابِرَ والأقلامَ والصُّحُفَا
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ / الجارُ وافٍ والهَوى متألِّفُ
لا تُنكروا حُبَّ النبيِّ لآلِهِ / وديارِهِ الأولى ولا تَتَأسَّفُوا
أحَسِبْتُمُوهُ يُريدُ عنكم مَصرفاً / مَهْلاً فليس عن الأحبَّةِ مَصْرَفُ
لمَّا فزعتم قال يا قومُ اسْكُنُوا / هِيَ يَثرِبٌ ما دُونَها مُتَخَلَّفُ
دارُ الحياةِ وَمنزلُ الموتِ الذي / مَالِي سِوَاهُ فإنْ جَهِلْتُمْ فَاعْرفوا
فَرِحُوا وأشرقَتِ الوجوهُ فما تَرَى / عَيناً تَفيضُ ولا فُؤاداً يَرجُفُ
صَدَقُوا نبيَّهُمُ الهَوَى فَقلوبُهم / مِن حولِهِ شَغَفاً تَرِفُّ وَتَعطِفُ
أنصارُهُ في الحادِثَاتِ إذا طَغَتْ / وجنودُهُ في الحربِ سَاعَةَ تَعصِفُ
هُمْ أنصفوهُ مُشرَّداً يَجِدُ الأذَى / من كلِّ ذِي جَبريَّةٍ لا يُنْصِفُ
وَتَكنَّفوهُ يُعَظِّمُونَ مَكَانَهُ / وَذوُو قرابَتِهِ تَصُدُّ وَتَصدِفُ
ما عَزَّ منزلُ قادمٍ أو زائرٍ / إلا ومنزلُهُ أعزُّ وأشرَفُ
شَدُّوا عُرَى الإسلامِ حَتّى استحكمتْ / ولَوَى السَّواعِدَ حبلُهُ المُسْتَحْصِفُ
كانوا أَساسَ بِنائِهِ وعِمادَهُ / والأرضُ تُخْسَفُ والشَّوامخُ تُنْسَفُ
انظرْ بِناءَ اللَّهِ حَوْلَ رَسولِهِ / وَصِفِ الذُّرى إن كنَّ مما يُوصَفُ
في كلِّ سورٍ منه جُندٌ يَرتَمِي / يغزو الأُلَى كفروا وموتٌ يَزحَفُ
صَبُّوا على المستضعفينَ نَكَالَهُمْ / وَجَرى القَضَاءُ فَهُمْ أذلُّ وأضعَفُ
يا معشرَ الأنصارِ ما مِن صالحٍ / إلا لكم فيهِ يَدٌ أو مَوقِفُ
لَكمُ المواقِفُ ما يُذاعُ حَدِيثُها / إلا يُهِلُّ بها الزّمانُ ويَهتِفُ
لا الشِّعرُ مُتَّهمٌ إذا بلغَ المَدَى / يُطرِي مناقِبَكُم ولا أنا مُسْرِفُ
أوَ ما كَفَاكُمْ ما يَقُولُ إلهُكُم / في مَدْحِكُمْ وَيَضُمُّ منه المُصْحَفُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ / والبأسُ بينهما يَثورُ ويعصِفُ
الله وكَّلَ بالملوكِ رَسولَه / فإذا العروشُ بهم تَميدُ وتَرجُفُ
أهِيَ القلوبُ تَلجُّ في خَفَقاتِها / أم تلكَ أجنحةٌ تَظلُّ تُرفرفُ
رُسُلُ النبيِّ بكلِّ أرضٍ جُوَّلٌ / تَرمِي بهم هِمَمٌ نواهِضُ قُذَّفُ
حَملوا القُلوبَ الصُّمَّ يَعصِمُهم بها / دِينٌ لهم صلْبٌ ورأيٌ مُحْصَفُ
تَرمِي الجَلامِدَ والحديدَ بِقوّةٍ / تمضِي فتصدعُ ما تشاءُ وتَقصِفُ
يَخشَى العَتِيُّ المُستَبِدُّ نَكالَها / ويَهابُها المُسْتكبِرُ المُتَغطرِفُ
سِرْ في ذِمامِ اللهِ دِحْيَةُ إنّها / لك حاجةٌ ما دونها مُتخَلَّفُ
أيْقِظْ هِرَقْلَ فقد تطاولَ نَومُهُ / وأبَتْ عَمايتُه فما تَتَكشَّفُ
أيْقِظهُ إنّ اللهَ ليس كَدِينهِ / دِينٌ وليس له شَريكٌ يُعرَفُ
أخَذَ الكتابَ ورَاحَ يسألُ كلّما / وَضح اليقينُ لهُ يُلِحُّ ويُلْحِفُ
ماذا أرادَ اللَّهُ ما شأنُ الذي / بَعثَ الكتابَ بأيِّ شَيءٍ يُوصَفُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ لا تُطِعِ الهَوى / وَدَعِ المَلامَ لِمن يَجورُ ويَجْنِفُ
أبدى هِرقلُ لقومِهِ أنْ قد صَغا / مِنْهُ إلى الإسلامِ قلبٌ مُنصِفُ
غَضِبُوا فقال رُوَيْدَكُم ما بي سوى / أن أستبين وأين منا المصرف
بعث الكتاب فقالَ إنّي مُسلمٌ / لكنّهم قومي الأُلى أتَخوَّفُ
وَاخْتَارها مِمّا يُحِبُّ هَدِيَّةً / ألقى بها من مَكْرِهِ يَتزلَّفُ
قال النبيُّ رِسالةٌ من كاشحٍ / يُبدِي الرِّضى ومُنافقٍ يَتكلَّفُ
وهَديَّةٌ سَاءتْ وسَاءَ حَدِيثُها / فالزّورُ من أسمائِها والزُّخْرُفُ
كِسرَى لكَ الويلاتُ ماذا تَبتغِي / ماذا تظنُّ بِمَنْ تُغاثُ وتُسْعَفُ
مَزقَّتَ من كُتبِ النبيِّ تميمةً / فيها مَنابِعُ رَحمةٍ لا تَنْزَفُ
وذخيرةً يَجِدُ الذَّخائِرَ كُلَّها / بِيَدَيهِ حينَ يُصيبُها المتلقِّفُ
أطلبتَ من باذانَ رأسَ مُحمّدٍ / إن لم يَتُبْ بل أنتَ غاوٍ مُسرِفُ
سَتَرى اليقينَ على يَدِ ابنكِ فَانْتَبِهْ / لَكَ مَوْعِدٌ عمّا قليلٍ يَأزَفُ
صَدَقَ النبيُّ وذاقَ كِسرَى حتفَهُ / مِن شِيرويه فما له من يَعطِفُ
وَرأى الهُدى باذانُ بعد ضلالةٍ / فمضَى على البيضاءِ لا يتعسَّفُ
نَبَذَ الهَوى فَصَحا وأصبحَ مُسلِماً / ودَعا الأُلَى معه فلم يَتخلَّفوا
لا خابَ جَدُّ القومِ إنّ إلههم / جمعَ القلوبَ على الهدى فتألَّفوا
وأتى النجَاشيَّ الكتابُ فلم يكن / مِمّن يَصُدُّ عنِ الصَّوابِ ويَصدِفُ
شَرَفٌ أُتِيحَ له وعِزٌّ زانَهُ / إنّ التقيَّ هو الأعزُّ الأشرفُ
وأبى المُقْوقِسُ أن يُفارِقَ دِينَهُ / يَخْشَى الذي يَخْشَى الغَبِيُّ المُتْرَفُ
بَعثَ الهدايا يَتَّقي بحسانِها / ما يتّقِي ذُو البِغْضَةِ المتلطِّفُ
ضَنّ الخبيثُ بِمُلكِهِ وغَداً يرى / يد غَيْرِه في مُلْكِهِ تتصرَّفُ
هذا الذي قال النبيُّ وهكذا / صَنَعَ الذي يبنِي العُروشَ وينسِفُ
والمنذرُ اتَّخذَ السّبيلَ مُسدَّداً / قَبْلَ الكتابِ يُخِبُّ فيه ويُوجِفُ
سألَ النبيَّ فقالَ ما أنا فاعلٌ / بالقومِ إذ ضَلُّوا السّبيلَ وَزَيَّفُوا
فَقَضى إليهِ الأمرَ يأخذُهم بهِ / ويُقيمُه بالحقِّ لا يَتحرَّفُ
للمسلمينَ أمورُهم وله على / مَن ضلَّ جِزيةُ عادلٍ لا يُجحِفُ
وطحا بجيفرَ جَهلُهُ وعِنادُه / فأبَى على عمروٍ وأعرضَ يأنَفُ
ورآهُ يَهدِرُ بالوعيدِ فراعه / وأتى غَدٌ فَانْقَادَ لا يَتوقَّفُ
وَانْساقَ يَتبَعُه أخوهُ وإنّه / لَمُهَذَّبٌ سَمْحٌ الخِلالِ مُثقَّفُ
وأتى اليمامةَ بالكتابِ رَسُولُها / فكذاكَ يَهذِي الطّامِحُ المتعَجْرِفُ
طُغيانُ شاعرِها وجَهْلُ خطيبها / وغروُ صاحِبها المُبيدُ المُتلِفُ
طَلَب المحالَ من النبيِّ ولم يَزَلْ / ذُو الجهلِ يُولَعُ بالمحالِ ويُشْغَفُ
يَهْذِي ببعضِ الأمرِ يَقطعهُ له / والأمرُ ما قطع الحُسامُ المُرهَفُ
والحارثُ المأفونُ طاحَ بِلُبِّهِ / خَبَلٌ تُصابُ بِهِ العقولُ فَتَضْعُفُ
ألقى الكتابَ وقالَ مُلكي ليس لي / كُفْؤٌ فَيُنزَعُ من يَديَّ ويُخْطَفُ
انْظُرْ شُجاعُ الخيلَ والجُندَ الأُلَى / تَلْقَى العدوَّ بهم تَكُرُّ وتزحَفُ
وَاذْكُرْ لِصاحبكَ الحديثَ فَرُبَّما / كَفَّ المناجِزُ وارْعَوى المُسْتَهْدِفُ
ثم استعدَّ وجاءَ قيصرَ وافدٌ / بصحيفةٍ منه تَصِرُّ وتَصْرُفُ
حَمْقاءَ يَطغى الغيظُ بين سُطورِها / وتَشُبُّ بالشَّنآنِ منها الأحرفُ
رَكِبَ الغُرورَ وقال إنّي قَاذفٌ / بالجيشِ يثرِبَ فَهْيَ قاعٌ صَفْصَفُ
قالَ ازْدَجِرْ ما أنتَ من أكفائها / واسْكُنْ فإنّك لَلغوِيُّ المُرجِفُ
فأفاقَ واتَّخَذَ الخِداعَ سَجِيَّةً / لا يَسْتَحِي منها ولا يَتعفَّفُ
بَعثَ السلامَ مع ابنِ وَهْبٍ وَادَّعَى / دَعْوَى الذي يُرخِي القِناعَ ويُغْدِفُ
قال ادَّخرني يا شُجاعُ فإنّ لي / قلباً إلى دينِ الهُدَى يَتشَّوفُ
إنّي لمتبِعٌ سبيلَ مُحمّدٍ / وإليكَ رِفْدُكَ بالكرامةِ يُرْدَفُ
سَمِعَ النبيُّ حدِيثَهُ فتكشَّفتْ / نَفسٌ مُقنَّعةٌ وقلبٌ أغْلَفُ
مُلكٌ يبيدُ ومالِكٌ يُرجَى إلى / أجلٍ يَحينُ وموعَدٍ ما يُخْلَفُ
يَأبَى الغَوِيُّ الرُّشدَ يرفعَ شأنَهُ / فإذا هوى ألفيتَهُ يَتأسَّفُ
لِلحقِّ مِئذنةٌ وَدَاعٍ مُسمِعٌ / في كلِّ شيءٍ بالخلائقِ يَهتِفُ
عَجِبَ الملوكُ لِكابرِينَ سَمَتْ بهم / هِممٌ تَميلُ عنِ العُروشِ وتَعزِفُ
المُتّقونَ هُمُ الملوكُ وإن أبَوْا / رَغدَ الحياةِ ولينَها فتقشَّفوا
عَكَفوا على آيِ الكتابِ فأفْلَحُوا / والجاهلونَ على المآثِمِ عُكَّفُ
يا ناقضَ العهدِ لا شَكْوَى ولا أَسَفُ
يا ناقضَ العهدِ لا شَكْوَى ولا أَسَفُ / اللَّهُ مُنتقِمٌ والسّيفُ مَنتصِفُ
تهجو النبيَّ وتُغرِي المُشرِكينَ بِهِ / مَهْلاً لكَ الويلُ ماذا أنتَ مُقترِفُ
كم جيفةٍ خرجتْ من فيكَ مُنكَرَةٍ / لمّا تردَّتْ ببدرٍ تِلكمُ الجِيَفُ
إنّ الوليمةَ أخزى اللّهُ صانِعَها / كانت ضِراراً فلا وُدٌّ ولا لَطَفُ
أتحسَبونَ رسولَ اللَّهِ يَجهلُها / مَكيدةً فَضَحَتْ أسرارَها السُّجُفُ
بل أظهرَ اللهُ ما تُخفونَ فانكشفتْ / يا وَيلَكم أيُّ خافٍ ليس يَنكشِفُ
لقد هَممتُمْ بمن لا حَيَّ يَعدِلُه / إن نُوزِعَ المجدُ بين النّاسِ والشَّرفُ
يا ويلَ من ظنَّ أن اللَّهَ يَخذُلُه / وأنّهُ من يمينِ اللهِ يُخْتَطَفُ
يا كعب مالك تؤذيه وتنكره / وما الولوع بقول الزور والشغف
جلعت مالَكَ للأحبارِ مفسدةً / يُمتاحُ فيها الأذى حِيناً ويُغتَرفُ
رَمَوْكَ بالحقِّ لمّا رُحتَ تسألُهم / وأعلنوا من يقينِ الأمرِ ما عَرَفوا
فقلتَ عُودوا فما عندِي لكم صِلَةٌ / جَفَّ المَعِينُ فلا قَصْدٌ ولا سَرَفُ
حَسْبِي الحقوقُ فمالِي لا يجاوزُها / إلى الفُضولِ وما عن ذاكَ مُنصرَفُ
عادوا يقولونَ ما أشقاهُ من رَجُلٍ / لا يرتضِي القولَ إلا حينَ ينحرِفُ
ثم انثَنوْا ينطقونَ الزُّورَ فانقلبوا / بالمالِ يَصدِفُ عنه المعشرُ الأُنُفُ
بِئسَ العطاءُ وبِئسَ القومُ أمرُهُم / وأمرُ سيّدهم في الغَيِّ مُؤتلِفُ
هُمُ اليهودُ لَو اَنَّ المالَ لاح لهم / في عَيْنِ مُوسى كليمِ اللهِ ما صَدَفوا
هبَّ ابنُ مسلمةٍ للحقِّ يَنصرُه / وللرسولِ يُريه كيفَ يَزدهِفُ
فقال دُونكَ سعداً إن هممتَ بها / شَاوِرْهُ فيها فَنِعمَ الحاذقُ الثَّقِفُ
قَضى ثلاثةَ أيامٍ على سَغَبٍ / وللمجرِّبِ ذي التدبيرِ ما يَصِفُ
وجاءَ في صحبِهِ يستأذنونَ على / تَقْوَى من اللهِ ما مالوا ولا جَنَفُوا
قال الرسولُ لكمُ في القومِ مأربُكم / ماذا على الدُّرِّ ممّا يُوهِمُ الصَّدَفُ
هِيَ القلوبُ فإن طابتْ سَرائرُها / فما بأفواهِكم عَيْبٌ ولا نَطَفُ
مَضوْا فقالوا لكعبٍ أنتَ مَوئلُنا / أنت الحِمى المُرتجى في الأزْلِ والكَنَفُ
أما ترانا جِياعاً لا طعامَ لنا / حتّى لقد كادَ يَغْشَى أهلَنا التَّلَفُ
لم يُبقِ صاحِبُنا شيئاً نَعيشُ بهِ / فالزّادُ مُنتهِبٌ والمالُ مُجترفُ
إن أنتَ أسلفتَنا ما نَستعيدُ به / رُوحَ الحياةِ فَغَيْثٌ ودْقُهُ يَكفُ
قال الحلائلُ رَهْنٌ ولا طعامَ لكم / إلا بهنّ فقالوا مَطلبٌ قُذُفُ
تأبَى علينا سَجايانا ويمنعُنا / هذا الجمالُ الذي أُوتيتَ والتَّرَفُ
قال البنونَ فقالوا لا تَكُنْ عَسِراً / البؤسُ أهونُ ممّا رُمْتَ والشَّظَفُ
خُذِ السِّلاحَ وإن كَلَّفْتَنا شَططاً / إنّ الشدائدَ فيها تَسْهُلُ الكُلَفُ
لم يَدْرِ مأْرَبهم إذ يسخرونَ بهِ / وإذ يُريدونَها دَهماءَ تُلتحَفُ
قال ارتضيتُ فقالوا غُمَّةٌ ذَهبت / عنّا غياهِبُها وَانْجابَتْ السُّدُفُ
وأرجأوهُ إلى إبَّانِ مَوْرِدهِ / يَعُبُّ من سُمِّهِ المُردِي ويَرتشِفُ
جاءوه باللّيلِ مَسروراً بغرفته / وليس يُنجِي الفتى من حَتفِهِ الغُرَفُ
وَرَنَّ صَوتُ أخيهِ عندَ مضجعهِ / اُخرُجْ إلينا أما تَنْفَكُّ تَعْتَكِفُ
فَهَبَّ يركضُ وَارْتاعتْ حَلِيلَتُه / مَهْلاً فإنّ فُؤادي خائِفٌ يَجِفُ
أنت امرؤٌ ذُو حروبٍ لا يُلائِمُه / أن يستجيبَ ذَوِي الأضغانِ إن دَلفوا
إنّي لأسمعُ صَوْتاً لستُ آمنُهُ / كأنّه الدمُ يَجرِي أو هُوَ الجَدَفُ
قالَ اسْكُتِي ودَعينِي إنّه لأخي / يَخْشَى عليَّ فَيرعاني وينعطِفُ
وراحَ يلقاهُ والإسلامُ مُبتسِمٌ / والشِّركُ مُتَّسِمٌ بالحزنِ مُرتجِفُ
وافاهُ في صَحْبِهِ يُدنِي الخُطَى عَبِقاً / كأنّه ذاتُ دَلٍّ زَانها هَيَفُ
قالوا أتمشِي إلى شِعبِ العجوزِ ففي / هذا الخلاءِ جَنىً للنفسِ يُخْتَرَفُ
وَانْظُرْ إلى القمرِ الزَّاهِي وبَهجتِهِ / وَاعْجَبْ له بعد هذا كيفَ يَنكسِفُ
ساروا إلى الشِّعبِ والأقدارُ تَتبعُهم / على هُدى اللهِ ما زَاغَتْ ولا اعْتَسَفُوا
حتّى إذا قعدوا ظَلَّتْ بموقفِها / وأقبلَ الموتُ عن أيمانِها يَقِفُ
وتِلكَ كفُّ أخيهِ فَوْقَ مَفْرقِهِ / كأنّها من جَنيِّ الزّهرِ تَقْتَطِفُ
يَشُمُّها ويقولُ القولَ يَخَدَعُه / في الطِّيبِ وَهْوَ له من خلفهِ هَدَفُ
ظَلَّتْ سيوفُ رسولِ اللهِ تأْخذُهُ / تَشُقُّ ما ضربتْ منه وتَنْتَقِفُ
يا حُسْنها صَيحةً من فيهِ يُرسِلُها / كادتْ تَخِرُّ لها من دارِهِ السُّقُفُ
لم تستطع عِرسُهُ صَبْراً فَجاوبَها / صَوْتٌ يُجلجِلُ أودَى السَّيِّدُ اللَّقِفُ
بَني قَريظةَ هُبُّوا من مَضاجِعكم / بني النَّضيرِ انْفرُوا للثأرِ وَازْدَلِفُوا
عَدا الرجالُ على كعبٍ فوالهفا / أين الحماةُ وماذا يَصنعُ اللَّهَفُ
تَبكِي عليه وماذا بعدَ مصرعِهِ / إلا البكاءُ وإلا الأدمعُ الذُرُفُ
إنّ الذي كان يَثْنِي عِطْفَهُ صَلَفاً / أمسى صَريعاً فلا كِبْرٌ ولا صَلَفُ
عادوا بهامتِهِ تُلْقَى مُذمَّمةً / عِندَ الرسولِ ومنه الصَدُّ والنَّكَفُ
طار اليهودُ على آثارهم فأبَتْ / أن يُدرَكوا هِمَمٌ تَرْمِي بهم عُصُفُ
اللَّهُ أكبرُ والحمدُ الجزيلُ له / نَصرٌ جديدٌ وفضلٌ منهُ مؤتَنَفُ
رِيعَتْ يهودُ فجاءَتْ تَبتَغي حِلفاً / عُودِيَ يَهودُ فنعمَ العهدُ والحلفُ
هَيهاتَ مالكِ من عهدٍ ولو حَمَلَتْ / مِلءَ البسيطةِ من أيْمانِكِ الصُّحفُ
عَبّادُ قُلْ إنّ في الأشعارِ تذكرةً / وإنَّ أحسنَها ما أورثَ السَّلَفُ
غَنِّ الرِّفاقَ بِوَحيِ الحقِّ تُنشِدُهُ / مَضَى النعيبُ وأودَى الشاعِرُ الخَرِفُ
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً / نُصر الإِلهُ بِها وَعزَّ المُصحَفُ
قَذَفَت بِهانوتو فَطاحَ بَهبوَةٍ / تَرمِي بِأَبطالِ الرِجالِ وَتقذفُ
ما انقضَّ يَرمي المُسلِمِينَ بِعَسفِهِ / حَتّى اِنبَرى القَدرُ الَّذي لا يَعسِفُ
هاج الحُماةَ فَهاجَ كُلَّ مُشيَّعٍ / عَجِلِ الوَقائع بِالفَوارس يَعصفُ
جبريلُ يَدلِفُ بِاللواءِ وَأَحمدٌ / بَينَ الوَصيِّ وَبَينَ حَمزَةَ يَزحَفُ
أَو كلّما هاجَ التعصُّبَ أَهلُهُ / صاح الغَوِيُّ بِنا وضجَّ المُرجِفُ
في كُلِّ يَومٍ لِلتَعَصُّبِ غارَةٌ / يَدعو بِها داعِي الصَليبِ وَيَهتِفُ
ضَجَّت شُعوبُ المُسلمين وَراعهم / ظُلمُ الأُلى لَولا السياسَةُ أَنصفوا
جَعلوا الصَليبَ سِلاحَها وَتدَّفعت / عَن جانِبَيهِ دَماً فَلَم يَستنكفوا
إِنّ الصَليبَ عَلى جَهالةِ أَهلِهِ / ليرى سَبيلَ المُصلِحينَ وَيَعرِفُ
أَيَهِمُّ هانوتو بِقَبرِ مُحمَّدٍ / وَيَسوعُ حَولَيهِ يَطوف وَيَعكِفُ
أَيقولُ تِلكَ فَلا تَميدُ بِأَهلِها / باريسُ مِن فَزَعٍ وَيَهوي المُتحَفُ
فَلَسَوفَ يَنظرُ أَيّ مُلكٍ يَنطَوي / وَلَسَوفَ يَعلم أَيّ عَرشٍ يُنسَفُ
وَيحي عَلى الإِسلامِ هان وَزَلزَلَت / أَيدي الخُطوبِ شُعوبَه فَاستُضعِفوا
لَولا التَعصُّبُ لَم تُرَع في ظِلِّهِ / أُمَمٌ تَميدُ ولا ممالكُ تَرجُفُ
وَأَرى الَّذين تَفرَّقَت أَهواؤُهم / لَو أَنَّهُم غَضِبوا لَهُ لتأَلّفوا
مَهلاً دُعاةَ الشَرِّ إِنّ وَراءَكُم / يَوماً تَظلُّ بِهِ الشُعوبُ تَخطَّفُ
تَتَخبّط الأَحداث في غَمراتِهِ / وَتظلُّ عَن أَهوالِهِ تَتَكشَّفُ
لِلّهِ فيما تَفعلون بِدينهِ / عَهدٌ أَبرُّ وَمَوعدٌ ما يُخلَفُ
مَهلاً فيومئذٍ يُحَمُّ قَضاؤُهُ / إِنّ القَضاءَ إِذا جَرى لا يُصرَفُ
كشف الكِتابُ عَن المَحجَّةِ فَانظُروا / وَأَرى المحجّة عِندَكُم أَن تَصدِفوا
لُوذوا بِأروَعَ ما تَخافُ نُفوسُكُم / إِنّ الكِتابَ عَلى النُفوسِ لَأَخوَفُ
إِن الَّذي قَهرَ الجَبابر ما لَهُ / مَثَلٌ يُعَدُّ وَلا شَبيهٌ يُوصَفُ
يُزجِي أَساطيلَ القَضاءِ سُطورهُ / وَتَقود خَيلَ اللَهِ مِنهُ الأَحرُفُ
وَلربّما ركب المجرَّةَ فَاعتَلى / وَهَوى المُنيفُ عَلى العُبابِ المُشرِفُ
حِصنٌ يلوذُ الدينُ مِنهُ بِجانبٍ / عَزريلُ مُرتَقِبٌ عَلَيهِ يُرَفرفُ
تَشقى الجِواءُ بِما يُذِيبُ مِن القُوى / وَتَضيقُ بِالمُهجِ الَّتي يَتَلقَّفُ
ما بَينَ وَثبَةِ ثائِرٍ وَنُكوصِهِ / إِلّا مجالٌ للحُماةِ وَمَوقفُ
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً
أَعيدوا لَنا عَصرَ الجِهادِ مُظَفَّراً / وَزيدوهُ عَصراً مِن جَمالٍ وَزُخرُفِ
وَجِدّوا بِنا إِنَّ الحَياةَ مَنازِلٌ / وَإِنّا سَئِمنا مَنزِلَ المُتَخَلِّفِ
فَيا قُربَ ما بَينَ الحَياةِ وَبَينَنا / إِذا ما تَبَدَّلنا مَطاراً بِمَوقِفِ
أَلا ثَقِّفوا الشَعبَ الَّذي نامَ جَدُّهُ / فَما مَلَكَ الدُنيا كَشَعبٍ مُثَقَّفِ
أَلا فَاِنظُروا دُنيا النُسورِ وَسابِقوا / إِلى المَجدِ فيها كُلَّ نَسرٍ مُرَفرِفِ
دَعوها حَياةً مَن يَبِت راضِياً بِها / يَبِت نِضوَ داءٍ ذي عَقابيلَ مُتلِفِ
أَرى كُلَّ نَهّاضٍ إلى المَجدِ صاعِداً / بِعَزمٍ مَتى يَركَب جَناحَيهِ يَعصِفِ
إِلى الأُفُقِ الأَعلى بَني مِصرَ فَاِنهضوا / سِراعاً وَرُدّوا غارَةَ المُتَخَطِّفِ
إِلى الغايَةِ القُصوى فَسيروا عَلى هُدىً / وَخَلّوا سَبيلَ الحائِرِ المُتَعَسِّفِ
أراك على ما يُرهقُ النّاسَ من أذىً
أراك على ما يُرهقُ النّاسَ من أذىً / بمنزلةِ الثّاوى المُقرِّ على الخَسفِ
أهانَ عليك النّاسُ أم لستَ بارحاً / طِوالَ الليالي تضربُ الكفَّ بالكفِّ
لقد رِيعَ سِربُ الدّهرِ ممّا تجرّعوا / بأيدي الأعادي من بَلاءٍ ومن حَتْفِ
نقِمنا الأذى منهم مَشُوباً فأمطروا / جوانبَ مصرٍ كلَّها من أذىً صِرفِ
أما كان في بُؤسِ الحياةِ وما جَنَتْ / صُروفُ اللّيالي من أذى العيشِ ما يكفي
يا قومُ إن كان مجدُ النّيل مطلبكم
يا قومُ إن كان مجدُ النّيل مطلبكم / فما لكم عن حُماةِ المجدِ مُنْصَرَفُ
لا تتبعوا مِلّةَ الغاوين واجتنبوا / أهواءَ قومٍ على أوثانهم عكفوا
سُوقٌ من الجهلِ تَستنُّ التِجارُ بها / ولا بضاعةَ إلا الحقُّ والشَّرفُ
صَاحَ الهُداةُ بمخدوعين ما فَقِهوا / معنى النيابةِ مُذ كانوا ولا عرفوا
دَارُ النيابةِ أمست من جرائرِهم / كأنّها حُفرةٌ تُلْقَى بها الجِيَفُ
فَكفِّروا بانتخابِ الصّالحين لها / عمّا جنَى قومُنا بالأمس واقترفوا
وضح السَبيلُ فما لهنّ وُقوفا
وضح السَبيلُ فما لهنّ وُقوفا / هِمَمٌ ثَوَيْنَ على الرجاء عُكوفا
يا دهرُ لا ترفُقْ ويا دنيا امنعِي / حتّى يسيرَ العاملون صُفوفا
تأبى العنايةُ أن تُجاوِرَ عاجِزاً / في العالمينَ وأن تزورَ ضعيفا
ثَمنُ الحياةِ لِمَنْ يُريدُ شِراءَها / وافٍ ويحسبه الغبيُّ طفيفا
النّفسُ منه فإن ضننتَ ببذلها / ضَنّتْ عليكَ وغادرتْكَ أسيفا
لكَ في كتابِ اللهِ خيرُ مُعلِّمٍ / فَكُنِ امرأً يَقِظَ الفُؤادِ حصيفا
إنّ الذين على هُداه تعلّموا / وجدوه بَرّاً بالشُّعوب رَؤوفا
يَهديُهم السَّنَنَ السَّوِيَّ ويبتَني / صَرْحَ الحياةِ لهم أشمَّ مُنيفا
كشفَ الظّلامَ عن القُلوبِ فأبصرَتْ / وبدا المُغيَّبُ واضحاً معروفا
الله أنزلَهُ فكان لِخَلقِهِ / نُوراً عَلا سُوَراً وعزَّ حُروفا
مَلكَ الرِّقابَ به أوائلُنا الأُلى / طُبِعُوا عليه أسنّةً وسُيوفا
دفعوا الحوادثَ والصرُّوفَ بأَنْفُسٍ / كانت حوادثَ تُتَّقَى وَصُروفا
من كلّ ماضٍ في الممالكِ نافذٍ / يجري بِمُستَبَقِ الحُتوفِ حُتوفا
يَرِدُ الدّماءَ مُطهَّراً ويخوضها / بَرَّ الوقائعِ والفتوحِ عَفيفا
يُحيي إذا أخذ اللّواءَ لِغارةٍ / بالنّفس يَسلبُها الحياةَ أُلوفا
هي حِكمةُ الإسلامِ يَعرفُ وصفَها / مَن كان من حُكمائه موصوفا
هذا بناءُ المتّقينَ لِربِّهم / لم يجعلوه على الهُدى مَوقوفا
رفعوه في ذاتِ الألهِ وإنّما / رَفعوا بهِ لِلمُسلمينَ أُنوفا
الله أكبرُ هل رأيتم مُؤمناً / عن دينِه وَكِتابهِ مَصروفا
يا قومُ ماذا تسمعون رُوَيْدَكم / إنّي لأَسمعُ في السّماءِ حَفيفا
جِبريلُ يهبط بالتَّحيّةِ فانْهَضُوا / مِلءَ السُّرادقِ هاتفين وقُوفا
اللهُ أكبرُ ما أجلَّ شِعارَنا / إنّا نراه مُحبَّباً مألوفا