المجموع : 10
أأحمدُ ما أبْثَثَتُكَ الهمَّ والجوى
أأحمدُ ما أبْثَثَتُكَ الهمَّ والجوى / مكاشفةً إلا لأنك عارفُ
ألا لا تَنَلْ شكوايَ منكَ فانها / تُؤلِّمُ حتى الصخرَ هذي القذائف
يقولون مطبوعُ القريض لطيفُه / فهل قوبلت باللطف تلك اللطائف
ألا لو يبوحُ الشعر مني بما انطوى / لَهَبَّتْ على هذي الطُروس العواطف
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ
عِنادٌ من الأيَّامِ هذا التعَّسفُ / تحاول منّي أنْ أُضامَ وآنفُ
وتطلبُ أن يُستَّل في غير طائلٍ / لسانٌ فراتيُّ المضاربِ مُرهف
وللنفسُ مِنْ أنْ تألفَ الذلَّ خُطَّةَ / أجلُّ . ومن أن تُرخص القول أشرف
فكان جزائي شرَّ ما جُوزي امرؤ / عن العيشِ ملتاثِ المواردِ يعزف
تعرَّفْ إلى العيش الذي أنا مُرهقٌ / به . وإلى الحال التي أتكلَّف
تجِد صورةً لا يشتهي الحرُّ مثلَها / يسوءُ وقوفٌ عندَها وتَعرُّف
تجد حَنقاً كالأرقم الصلِّ نافخاً / وذا لَبدٍ غضبانَ في القيد يرسف
أُنغَصُّ في الزاد الذي أنا آكلٌ / وأشْرَق بالماءِ الذي أترَّشف
كما قذفَ المسلولُ من لُبَّة الحشا / دماً أستثيرُ الشعرَ جمر وأقذف
وإنّي وإنْ مارستُ شَّتى كوارثٍ / إذا راحَ منها مُتْلِفٌ جاء متلف
فما حزُّ في نفسي كغدرةِ غادرٍ / له ظاهرٌ بالمُغرِيات مُغلَّف
وفرحةِ أقوام شجاهم تفوُّقي / بأني عنهم في الغنى متخلِّف
زعموا التطرف في هواك جهالة
زعموا التطرف في هواك جهالة / أكذا يكون الجاهل المتطرف
هذا فؤادي للخطوب دريئة / وأنا المعرض فيكم فاستهدفوا
أما هواك فذاك ملء جوانحي / تحنو على ذكراك فيه وتكلف
يا شعر نم على الشعور فكم وكم / نمت على زمر العواطف أحرف
كلُّ أقطارِكِ يا " فارسُ " رِيفُ
كلُّ أقطارِكِ يا " فارسُ " رِيفُ / طابَ فصلاك : ربيعٌ وخريفٌ
لا عرَتْ أرضُكِ من لطفٍ فقد / ضَمِنَ الحسنَ لها جوٌ لطيف
يا رِياضاً زهَرَتْ في فارسٍ / شكرَتْكنَّ عُيونٌ وأُنوف
مثلَّما للقلبِ من حرِّ الجوي / رفَّةٌ للطيرِ فيكنَّ رفيف
ألشيءٍ غيرَ أنْ نقطِفَه / ثمراً غضّاً دنتْ منكِ القُطوف
نزلتْ ضيفاً بها أرواحُنا / فَقَرَتْها خيرَ ما تُقرى الضُّيوف
مِن جمال خُط معناهُ على / فارسٍ واختصَّتِ الأرضَ حروف
وخيَالٍ تُطربُ النفسَ به / هِزَّةُ الروضِ ويشجوها الحفيف
صَنعةٌ للفرسِ في الوشيِ ولا / مثلَ ما وشَّى بها الروضُ المفوف
لذَّ مشتاها فأنسانا بما / هزَّ منّا أنَّه لذَّ المصيف
ما لأكنافِ الرُّبى مبيضَّةً / أتُراها بُدِّلت منها الشُّفوف
أمْ هو الشيبُ دَهاها عَجباً / شيَّبت حتى الرُّبى هذى الصُّروف
إنما جلَّلها الثلجُ الذي / غُمِرتْ منه جبالٌ وكهوف
فارِسٌ أينَ وأُلافُ الصِّبا / أوَ هلْ يبقى على النأيِ أليف ؟
أمن الناسِ تُرجِّي صفوةً / عنكَ يا ناشدُ فالحيُّ خَلوف
لا تعُدْ تسلُكُ فيها قفرةً / فطريقُ الودِّ في الناسِ مَخوف
كلُّ هذا وهو يومٌ واحدٌ / كيف لو مرَّتْ مئاتٌ وألوف
قد تَناوَمنْا على رغمِ الكرى / لنراكمْ .. أفلا طيفٌ يطوف
سِمةٌ للشوقِ كانتْ سبباً / لسؤالِ الناسِ : مَنْ هذا النحيف؟
لا تقولوا وَحدةٌ تُوحِشُه / كيف يستوحشُ والشوقُ رديف
أيها الحَضْرُ وفي أبياتكم / أوجه تُفدى بما ضم النصيف
لم يفتها ترف الظل ولا / نال من أوراكها السير الوجيف
حبذا حبُّكُمُ من معهدٍ / كم نما فيه أديب وظريف
هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا
هُزِّي بنصفِكِ واتركي نصفا / لا تحذَري لقَوامكِ القصفا
فبحَسْبِ قدِّكِ أنْ تُسنِّدَه / هذي القلوبُ وإنْ شكتْ ضَعفا
أُعجبتُ منكِ بكلِّ جارحةٍ / وخصَصتُ منكِ جفونَك الوَطفا
عشررنَ طرفاً لو نُجمِّعها / ما قُسِّمتْ تقسيمَكِ الطرفا
تُرضينَ مُقترباً ومُبتعِداً / وتُخادعِينَ الصفَّ فالصفّا
أبديعةٌ ولأنتِ مُقبِلةً / تستجمعينَ اللُّطفَ والظَّرفا
ولأنتِ إنْ أدبرتِ مُبديةٌ / للعينِ أحسنَ ما ترى خَلْفا
هُزِّي لهم رِدفاً إذا رغِبوا / ودعي لنا ما جاورَ الرِّدفا
ملءُ العيونِ هما وخيرُهما / ما يملأُ العينينِ والكفّا
وكلاهما حسنٌ وخيرُهما / ما خفَّ محمِلُه وما شفّا
هذا يرفُّ فلا نُحِسُّ بهِ / ويهزُّنا هذا إذا رَفّا
وتصوّري أنْ قد أتتْ فُرَصٌ / تقضي بخطفِ كليهما خطفا
فبدفَّتَيهِ ذاكَ يُبهضنا / في حينَ ذاكَ لرقةٍ يخفى
ونَكِلُّ عن هذا فنَطْرَحُهُ / ونُحِلُّ هذا الجيبَ والرفا
ونزورُه صبحاً فنلثِمُهُ / ونَضُمُّهُ ونَشَمُّهُ ألفا
ونَبُلُّهُ بدمِ القلوبِ وإنْ / عزَّتْ ونُنعِشُهُ إذا جفا
نسجَ الربيع لها الرداء الضافي
نسجَ الربيع لها الرداء الضافي / وَهَمَتْ بها كفُّ الحيا الوكّافِ
فضَّت بها عذراءَ كلِ سحابة / خطرت فنبهتِ الهزار الغافي
قضّى الربيع بها ديون َ مصيفها / من سَح كل مُدرة الأخلاف
الحب ما ضَمِنت ضُلوع سمائها / للأرض لا ما يدعيه الجافي
قلب كما اتَّقدت لظىٍ جوانحٌ / رَعْدٌ وجَفْنٌ دائم التَّذراف
ان الذي قَسم الحظوظَ مواهباً / أعطى الربيع نِقابة الأرياف
وكأنما لبست به أعطافها / حُللا يُوشِّها الَّحاب ضوافي
وكأنما هَزَجُ الرعود إذا حَدّتْ / ركب َ السحاب بشائر الألطاف
وكأنما العُشبُ النضير خمائلٌ / ومن الورود لها طِراز وافي
وكأن مياسَّ الغُصون إذا انتشى / غِبَّ السحاب يُعبُّ صِرف سلاف
وكأن مختلف الورود صحائفٌ / فيها تُخط بدائع الأوصاف
وكأن خلاّق الطبيعة شاعرٌ / نَظَمَ الرياض قصائداً بقوافي
وتلبد الجو المغيم كأنه / قُطرٌ عرته سياسة الإجحاف
وكأنما الماء النمير مهند / للمَحْل تصقُله يد الإرهاف
وكأنه سَلَبَ الاصيلَ رداءه / او دسّ قرنَ الشمس في الأجراف
أين الصفي سرائراً وخلائقاً / يحكي لنا لُطْفَ النمير الصافي
مترقرقاً تلقى السماء بأرضه / لو لا خيالُ تشابك الصفصاف
وتخال ان لمعت حَصاهُ لآلئاً / تُجْلى بكف النيْقدِ الصرّاف
ترتد عنه الطير وهي مُليحة / مما عليه من الجلال الطافي
اوحى النسيم إليه أ عواصفاً / بعدي فأرجف خِشية الإرجاف
واهتاج حتى ود أن ضفافه / سالت فلم يُصبْحْ رهين ضفاف
ليت الذي قاد الزعازع ردّها / عن مثل هذا الجوهرِ الشفاف
الروضةُ الغناء مفرشُ لذتي / حيثُ الخيالُ مطَّرزُ الأفواف
تتساند الاعشاب في جَنَباتها / فترى القويَّ يَشُدُّ إزر ضعاف
باكرتُها والنجمُ متقدُ السنا / لِهثٌ وقد ضرب الدجى بسِجاف
والطيرُ يكتُم نطقه متحذراً / خوف انتباه الصبح للأسداف
حتى إذا ما الفجر حان نشوره / وسطا الصباح بجيشه الزحاف
خلعت عليه ذُكا ملاءة نورها / فتباشرت منها ربّى وفيافي
فاخذت انشدها وعندي هاجس / أخذ الهمومَ عليَّ من اطرافي
لو شاء من ضم الأزاهر لم تكن / لتعيثَ في الأكوان كف خلاف
وِلِما تزاحمت القوى وتهافتت / منها سِمانٌ لانتهاك عجاف
متكالبين كأنَّ رب لغاتهم / ماخط فيها لفظة الإنصاف
لو أن ألقاب الورى في قبضتي / حلَّ الوضيعُ محَلَّة الأشراف
لو كان في مال الغنىِّ لمعوزٍ / حق لسادت عيشه بكفاف
يسمو الغني على المُقل وعنده / ان الثراء قوادم وخوافي
عاثوا بشمل الاجتماع فحبذا / يومٌ يَعيث القصد بالإسراف
خير من الأشر الضنين صعالك / لا يسألون الناس بالألحاف
لِتبَجلِّ الناس الغنيَّ فانني / كلفٌ بتبجيل الفقير العافي
تَهَضَّمَني قَدُّكِ الأهيفُ
تَهَضَّمَني قَدُّكِ الأهيفُ / وألهَبَني حُسنُك المُترَفُ
وضايَقَني أنَّ ذاك المِشَّدَ / يضيقُ به خَصرُك المُرهَف
وقد جُنَّ وركُكِ من غَيظِه / سَمينٌ يُناهِضُه أعجَف
فداءً لعَينَيك كلُّ العيون / أخالَط جفنيهِما قَرْقفَ
كأنّي أرى القُبَلَ العابثاتِ / من بينِ مُوقَيهِما تَنْطِف
ورعشةَ أهدابِك المثقلاتِ / على فرْط ما حُمِّلَت تَحْلِف
كما الليلُ صَبَّ السَوادَ المُخيفَ / صَبَّ الهوى شعرُك الأغدَف
تَلَبَّدَ مِثلَ ظَليلِ الغمام / وراحتْ به غُمَمٌ تُكْشَف
أطار الغرورَ نثيرُ الجديلِ على / دَورة البَدر اذ يُعقفَ
وراحَ الحُلُي على المِعصمَين / بأعذبَ الحانِه يَعزِف
وأوشكَ هذا النسيجُ اللصيقُ / بنَهديك من فَرْحةٍ يهتِف
وكاد يُذيعُ حديث الجنانِ / واسرارَ كَوثَرِه المُطرّف
مُنى النفسِ إنَّ المنى تَرتَمى / على قَدَمَيكِ وتَستَعطِف
وطوعَ يَدَيك كما تَشْتَهين / حياةٌ تجَدَّدُ او تَتْلَف
مُنى النفسِ إنّ على وَجنَتيكِ / من رَغبةٍ ظُلَلاً تزحف
تَعالي نَصُنْ مقلةً يرتمي / بها شَرَرٌ وفماً يَرجِف
ونُطاقْ من الاسر رُوحاً / تجيشُ في قفصٍ من دمٍ ترسِف
تعالي أُذقْكِ فكلُّ الثمار / تَرفُّ ونوارُها يقطَف
صِراعٌ يطولُ فكمْ تهدفين إلى / الروح مني وكم أهدِف
إلى الجسم مِنكِ وكم تَعرِفين / أين المَحَزُّ وكم أعرِف
وما بينَ هذينِ يمشي الزمانُ / ويُفنى مُلوكاً ويستخلِف
أميلي بصدركِ نَبْعَ الحياةِ / وخلِّي فماً ظامئاً يُرشَف
وميطي الرِداء عن البُرعُمَينِ / يَفِضْ عَسلٌ منهما يَرعُف
ومُرِّي بكفي تَشُقُّ الطريقَ / لعاصفةٍ بهما تعصِف
أميلى فيَنبوعُ هذا الجمالِ / إلى أمَدٍ ثم يُستَنزَف
وهذا الشبابُ الطليقُ العنان / سيُكْبَحُ منه ويُستوقَف
أميلي فسيفُ غدٍ مُصلَتٌ / علينا وسمْعُ القَضا مُرهَف
عِدي ثُمَّ لا تُخلِفي فالحمام / صُنوك في العنفِ لا يُخلِف
خَبَرتُ العنيفَ من الطارئات / ما يَستميلُ وما يقصِف
وذُقتُ من الغِيد شرَّ السُموم / طعْماً يُميتُ ويُستَلْطَف
وخضتُ من الحُبِّ لُجِّيه / على مَتن جِنيَّة أُقذَف
فلا والهوى ما استَفزَّ الفؤادَ / الطفُ منكِ ولا أعنَف
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوُقوفُ / وأنْ يَتعجَّلَ الزمنُ الرَّسيفُ
وأنْ ينجابَ عنكَ غُبارُ بُؤسٍ / يَضيقُ به مُحيَّاك الأسيف
أقِمْ كتِفَيْكَ لا يُثْقِلْكَ ذُلْ / ولا يشمَتْ بكَ القَصْرُ المُنيف
ولا يَقُلِ السَّريُّ هنا شقيٌّ / يَضيقُ بذُلِّ وَقْفَته الوصيف
تقدَّمْ إنَّ خلفَكَ راسفاتٍ / جماهيراً يضِجُّ بها الرَّصيف
صُفوفاً للسُجونِ بها تُعَبَّا / إذا أزِفَتْ وتنتَظِمُ الصُفوف
وأجنِحةً وإن طُويَتْ ففيها / على الأجيالِ قادِمةً رفيف
أطِلْ مُكثاً فانَّكَ عن قريبٍ / ستَنْقُّصُ في الضَّحايا أو تُضيف
وطُفْ دَهْراً فقد كرَّتْ دهورٌ / على الدُّنيا وأحرارٌ تطوف
ولم يَبْرَحْ بحيثُ نزلتَ ضيفاً / يُنيخُ الرَّحْلَ حُرٌّ مستضيف
هُنا الرأيُ العنيدُ أقامَ سَدّاً / عليه البغيُ – والفِكرُ الحصيف
ولا تخجَلْ فحيثُ وقفتَ ظلَّتْ / إلى غاياتِها تقفُ الأُلوف
ومِنْ حيثُ احتُجزِتَ مشى طليقاً / يَهُّزُّ الكونَ جبارٌ عَصوف
وأولاْءِ الذينَ لهمْ وجوهٌ / تُحَبِّبُ أو تُعَطِّفُ أو تخيف
وأجفانٌ ترِفُّ على عُيونٍ / تغورُ كما تَغوَّرَتِ الكهوف
وأسمالٌ لهمْ منها فِراشٌ / يُلَمُّ بها الثَّرى ولَهُمْ شُفوف
همُ المتقّحِمون الدَّهْرَ بأساً / به مِن وقعِ أرجُلِهمْ وجيف
فلا يُخذَلْ بمظهرِكَ الأليفُ / ولا يَطْمَعْ بِرُفقتكَ " العريف "
أطِلْ مكثاً فسوفَ يُزاحُ ليلٌ / تَلُفّكَ منه والدُّنيا سُجوف
ومِنْ هذي الكُوى سيُطِلُّ فجرٌ / ضَحوكٌ يملأ الدُّنيا كَشوف
ولم تَزَلِ الدُّنى من ألفِ ألفٍ / يُصرِّفُ من أعنَّتها " الرَّغيف "
تمرَّغَتِ الخدودُ مُصَعَّراتٍ / به واستُرْغِمتْ منها الأنوف
وظلَّ ابنُ " المطاحِنِ " مشمَخِراً / عليه الهامُ من فَزعٍ عُكوف
يدورُ الفِكرُ جباراً عنيداً / بحيثُ يدورُ والقلَمُ الرَّهيف
يُقِضُّ مضاجعَ الباغينَ منه / لكلِّ منامةٍ طيفٌ يطوف
وأني عرَّسوا أسرى إليهم / يُطيلُ عذابَهمْ وجهٌ مُخيف
تَخافُ شُذاةَ غَضبَتهِ أُلوفٌ / وتستجدي مودَّتهُ ألوف
وتُستاقَ الجيوشُ مُسَخَّراتٍ / لها من خوفِ زحفتهِ زُحوف
وكم جرَتِ الدّماءُ لها هَديرٌ / على حبَّاتِه وبها نزيف
وكم ألوى بها هذا النَّحيفُ / وهذا المستبِدُّ بنا العنيف
سَلِ التأريخَ كم زخَرَتْ شُجونٌ / بدفَّته وكمْ شُحِنَتْ حُتوف
وكم غادى ربيعَ الفكرِ فيه / من النَّزَّعاتِ عابرةً خريف
وكمْ ألقى على حيٍّ نزيلٍ / غُبارَ كِفاحهِ حيُّ خَلوف
وهلْ بالرَّغْمِ من هذا وهذا / تأبَّتْ منه دانيةً قُطوف
وهلْ دهرٌ أتى لمْ يَسْرِ فيه / يفيء ظِلالَهُ فِكرٌ وَريف
ولمْ تسحَبْ به الخطَرات ذيلاً / له في مسمعِ الدُّنيا حَفيف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تُوقّي / به كفَّيكَ أو تُلوى كُفوف
ودَعْ رُسْغَيهِما للقَيدِ نَهباً / لِنابَيه بلحمهِما صَريف
فمِنْ تأريخِكَ الألِقِ المدَّمى / تَبينُ بهذه النُقَطِ الحُروف
ومُلْكُ الدَّهرِ أنتَ بما توفّي / من الألمِ الذبيحِ وما تُعيف
ولَسْتَ مُخَّيراً في زمهريرٍ / تُشَتَي أو بجاحمةٍ تَصيف
ولا في أنْ يِمِسَّ ذويكَ ضُرٌّ / يَحيقُ بهمْ ومَظْلَمةٌ تَحيف
ولا آيِّ المصايرِ يحتويهمْ / وأيِّ نوىً تعاوَرهُمْ قَذوف
ولا أيِّ الجنينِ تُدِرُّ أمٌّ / رَءومٌ في مراضِعها رَءوف
ولا أيِّ الأكُفِّ بها تهاوى / ولا أيِّ السُمومِ لها تَديف
أطِل مكثاً فلمْ يَبْرَحْ أنيقٌ / رَشيقٌ في تأطّرهِ ظريف
يَتيهُ بحيثُ تَلتحِمُ الرَّزايا / عليكَ بحيثُ تَلْتَحِمُ السُقوف
مَشى فتعجَّبَ " الطاووسُ " منه / فقد ألوى بِمشيتهِ الزَّفيف
كأنْ لم تَضوِ إخوتَهُ سِياطٌ / ولمْ تَتحَدَّ أهلَهمُ الصُروف
بلى : وكأنَّ بُؤْسَهُمُ تليداً / له ولأهلهِ مَجْدٌ طَريف
أطِلْ مكثْاً إلى يومٍ تَلاقى / عليكَ بساحةِ الألمِ الصُفوف
أطِلْ مكثاً : وفاخِرْ أنْ خصماً / عَسوفاً خَصْمُهُ بغيٌ عسوف
ونَصِّبْ مِنْ جبينكَ فاللَّيالي / تُحاولُ ان تُخَوِّفَ مَنْ يُخيف
عسى أنْ لا يطولَ بكَ الوقوفُ / ومهما طالَ فالدُّنيا ظُروف
مرحباً بالمتوج الغِطريفِ
مرحباً بالمتوج الغِطريفِ / حاملاً للعراق بُشرى جَنيفِ
ناهضاً بالثقيلِ من عِبء هذا / الوطن النَكدِ عابِئاً بالخفيف
رجلُ الأمَّة التي أنجبت ألفَ / شريف من بيت هذا الشريف
واخو الوقفة الرهيبةِ والخطبة / تدوي في المحِفِلِ المرصوف
بلطيفٍ من التعابير يجري / في مَدَبٍّ من الكلام لطيف
لغة الضاد في فم الملِك الفذِّ / تباهي بحسنِها الموصوف
واذا ما تفاضلوا فَضَلَ الجمعَ / بانقى مخارجٍ للحروف
وربيط الجَنانِ والميتهُ الحمراءُ / ترمي بها اكفُّ الحتُوف
ينقل الخطوَ فوقَ شِلوِ صديقٍ / او على مُخ صاحبٍ مقذوف
عالماً أنَّ خيرَ ما ركب المرءُ / إلى غاية متونَ السيوف
وطريقٍ مشى بها في سبيلِ العُرْبِ / بالشوكِ والأذى مَحفوف
داخلاً في مآزق ليس يخلو المرءُ / في مثلها من التّعنيف
بهرَ الساسةَ الدهاةَ حصيفٌ / ذائع الصيتِ بين كلِّ حصيف
لامعٌ في صفوفهمْ تقع العَينُ / عليه من دونِ مِن في الصفوف
لَمسوا منه في التصافُحِ كفاً / لم يَرَوا مثلَ وقعِها في الكفوف
خَبَّرتْ فوقَها خطوطُ السُلامياتِ / عن أيَّ ماهرٍ عِريّف
عن لطيفٍ في ساعَتيه مَهيبٍ / وأديبٍ في موقفَيه ظريف
وجَموعٍ للحالتين نسيمٍٍ / في ظروفٍ وعاصفٍ في ظُروف
وأرتْهم ملامحَ العَرب الماضينَ / سِيما هذا الطُوالِ النحيف
وجنةٌ تَنطف السرورَ عليها / مسحةُ الهادئ الغيورِ الأسيف
وجبينٌ كغُرّةً البدرَ فيه / أثرٌ للهمومِ مثلُ الكُسوف
لو اطاقَتْ فيه الغضونُ لقصَّتْ / عن عراكٍ مع الليالي عنيف
فهُمُ واثقونَ كلَّ وثوقٍ / أنهم واجدونَ خيرَ حَليف
لم يعُقْهُ أمرُ العراق وبُغيا / ثمرٍ للنهوض داني القُطوف
والرزايا تعِنُّ بين تليد / مُعجزٍ حلُّه وبينَ طَريف
عن أماني سورّيةٍ وقلوبٍ / من بنيها ترفُّ أيَّ رَفيف
إن في عيبة الملوك عهوداً / هو في رعيهنَّ جدُّ عفيف
عَبقاتٍ بذكر فيصلَ أيامَ / دمَشقٍ وعهدِه المعروف
ويكاد اللبيبُ يلمُسُ حباتِ / قلوبٍ على نِقاط الحُروف
لا تلُمْ سُوريا اذا بكت العهدَ / بجَفن المولَّهِ الملهوف
إنها ذكرياتُ أمٍّ رؤوفٍ / فَجعوها بواحدٍ مخطوف
مُتعَب الذهنِ بالسياسة لا ينُسيه / أثقالَها جِمالُ المصيف
عكفتْ أنفسٌ هناك على الأفراحِ / والأنسِ بين خَمرٍ وهيف
تاركاتٍ عبءَ البلادِ ثقيلاً / لغَيور على البلاد عَطوف
من دُعاة المألوفِ ما دام فيه / مظهرٌ لائقٌ بشَعبٍ أنوف
فإذا كانَ حِطةً وجموداً / فالعدوُّ اللدودُ للمألوف
وهو بين ذين لا بِعَنودٍ / في الذي يَبتغي ولا بعَسوف
حافِظٌ حُرمةَ الأنوف فإن هيجَ / تَوَلَّتْ يداهُ رغمَ الأنوف
لا برِخوِ اليدَين في نهزه الفُرصةَ / إنْ ساعَدَتْ ولا المكتوف
آخِذٌ بالذي يعِنُّ من الأمرِ / ويخشى مَغَبَّةَ التسويف
يتركُ العُنفَ ما استطاعَ قديرٌ / أنْ يَروضَ النفوس بالتَلطيف
لا أُحابيكَ سيدي وأُراني / لستُ في حاجةٍ إلى التعريف
أنتَ قَبْلَ الجميعِ تَعرِفُ أني / في شعوري أجري على المكشوف
سيدي ليس يُنكِرُ الشعبُ ما قمتَ / بهِ نحوهُ من المعروف
والمساعي التي تَجَشَّمْتَ فيها / ألفَ هولٍ وألْفَ أمرٍ مُخيف
إن ما بين حالَتَيْهِ لَفَرقاً / مثلَ ما بين مشِيةٍ وَوُقوف
وهو يَجزيْك بالجميلِ من الفِعْلِ / جميلاً من الثناء المنيف
قدرت سَعيَك البلادُ فجاءتكَ / أُلوفاً متلُوَّة بألوف
ولأمرٍ يَدوي الفضاءُ هُتافاً / من مُحييَّك فوقَ كلِّ رَصيف
حيث غصَّت بفُرجة الناسِ بغدادُ / وغصَّت بيوتُها بالضيوف
وتبارَى الوفودُ من كل فَجٍّ / كلُّ فرد مُشفَّعٌ برديف
حاملاتٍ اليك تسليمةَ الأهلينَ / من كلّ قريةٍ أو ريف
غيرَ أنَّ البلادَ مازال فيها / أثَرٌ للشَّقاءِ غيرُ طفيف
زُمْرَةٌ ضِدُّ زمرةٍ ولفيفٌ / تَعِبُ النفسِ في انتقاصِ لفيف
وقويٌ باسم الضعافِ مجيلٌ / ظُفْرَهُ في محزِّ ألفِ ضعيف
وأكفٍ شَتَّى تدبّرُ شتّى / لُعبَةٍ من وراءِ شَتَّى سُجوف
ولأنْتَ القديرُ بالرغم مما / عِشْتَ من جَمْعِنا على التأليف
ليس هذا المريضُ أوّلَ من عُولِجَ / من دائِهِ العُضالِ فَعُوفي
غَدرَ الصِبا وَوَفى الربيعُ لريفِه
غَدرَ الصِبا وَوَفى الربيعُ لريفِه / شتانَ بين أليفنا وأليفِه
عادت لتفويفِ الصبا أزهارهُ / أترى صبايَ يعود في تفويفه
سقياً لشرقيِّ الرُصافة اذ صَفَا / عيشٌ بمرتَبَع الهَوى ومَصيفه
من سفح دجلةَ حين رق نسيمهُ / سَحَراً وراقت دانيات قُطوفه
أحبابَنا في الكرخ هل من زورةٍ / لنَحيل جسم بالفراق نحيفه
أهوَى لأجلكُمُ العراقَ فمُنيتي / في قُربكم لاخصبِه أو ريفه
لي فيكُمُ قَمرٌ يُهيُّجني له / ان البِعادَ يَروعُنى بخُسوفه
ومسجفٌ لو لم يُحَجَّبْ كانَ مِن / زفراتِ أنفاسي بمثل سُجوفه
متنقلُ الأوفياء شْيَّعَ ركبَه / نَفسَي يُناطُ بسَيره ووُقوفه
يَلوي الوعودَ فلا تُزَرُّ جيوبهُ / إلاّ على نزْرِ الوفاء ضعيفه
ما الطيرُ حامَ على الغدير فراعَه / وحشٌ فظَّل يحوطهُ برفيفه
ظمآنَ لاوِردٌ سواه فَينثنى / عنه ولا يسطيع خوض مَخوفه
يوماً باولعَ من فؤادي إذ نأوا / عنه بمجدولِ القَوام رهيفه
لا تُنكروا قلبي الخَفوقَ فانما / هي مهجةٌ قد عُلِّقت بشُفوفه
ما هاجَ قلبَ الصبِّ الا الصدغُ في / تشويشَه والشَعرُ في تصفيفه
أرَّقْتَ طَرْفاً لم تَرِقَّ لقَرحه / وأخَفْتَ قلباً لم تُرَع لحفيفه
الله يشهدُ أنني القىَ الهوى / بلسانِ فاسقِه وقلبِ عفيفه
اني وإن كانَ التصابي هفوةً / مني وكم ساع لجلبِ حُتوفه
لأحِنُّ للعهد القديم صبابةً / كحنين إلفٍ نازحٍ لأليفه
ولئن سلوتُ ففي التهاني سلوةٌ / " بمحمد " صَفْوِ الندى وحليفه
يابن " الحسينِ" وانت تخلُف ذكرَه / أكرمْ بمخلوف مضى وخليفه
سرَّت ثراه بروقُ عرسِك فاغتدت / عنه وذكر هناكَ أُنسُ مخوفه
بك في " العلي " عن " الحسينِ " تصبرٌ / بممجدٍّ ثبتِ الجِنان رؤوفه
لا تُجهدنَّ الشعر يا نَظامَه / فصفاتُه تُغنيك عن تَوصيفه
جَمَّ النَدى أنساه عن عثراتهِ / في الجودِ بذلُ مئاتهِ وألوفه
طَرِبٌ يُغَنِّنيه سَميرُ ضيوفه / لا " معبدٌ " بثقيلِه وخفيفه
شَيِمٌ أنافَ تليدُها لطريفها / فسما بها بتليده وطريفه
يابنَ النبيِّ وتلك أشرفُ نسبةً / ومُضافُ مجدٍ ينتمى لمُضيفه
لم يُرغَم الحسّادُ الا مفخراً / أغناهُم التنزيل ُ عن تحريفه
شَرَفٌ محلّ الشهب دونَ مَحلِّه / ومُنيفُ بُرجِ الشمسِ دون مُنيفه
بيت به طاف العُفاةُ ففضلهُ / باد كفضل البيت في تَطويفه
يَغديكَ من ضربَت به المثلَ الورى / نُجلاً فقُرصُ الشمس قُرصُ رغيفه
سَحَّت عطاياه فما من ناظرٍ / الاتمنىَّ الطيفَ من مَعروفه
لو رام يمحو البخل عنه مُدافعٌ / عكفت طبيعتُه على تعنيفه
ويقولُ إن قالوا تصرف درهمٌ / ليت الجمودَ عَداهُ عن تصريفه
ولقد أراكَ ولليراعةِ مَرحٌ / في القول بين غريبِه ولطيفه
قَلَمٌ سقاهُ فيضُ كفِّك فالتقَت / بيضُ الأماني بين سودِ حُروفه
لدنٌ إذا ما الدهرُ جّد فهزَّة / في طِرسه تكفيكَ ردَّ صُروفه
ما جال في جَلبَات طِرسِكَ سابقاً / الا وجاءَ من النَدى برديفه
كم مُشكلٍ مُستَنبَط بدقيقهِ / وسمينِ خطبٍ مُذعنٍ لعجيفه
كالسيلِ في تحديرهِ والسيفِ في / تطبيقِه والرُمحِ في تثقيفه
وكأنه بين السُّطور مدِّبرٌ / للجيش اعَجَبه انتظامُ صُفوفه
معروفُ شعري في مديح محمدٍ / أزْرَت بدائعُه على " معروفه "
نَفَسٌ شأى نَفَسَ الكهول وإنما / ظَرْفُ الشباب يلوحُ في تفويفه
وقصائدٍ رَّقتْ فكان مدبُّها / كالخمر من ثَمِل القَوام نزيفه
أسِفَ الحسودُ بما علون وان أعِشْ / لأطَولنَّ بهن حزنَ أسيفه
إن زِينَ قومٌ بالقصيد فانني / باسمي يزانُ الشعرُ في تعريفه
دمتُم ودام المجد في تشريفه / جُوداً ودامَ الفضلُ في تأليفه