المجموع : 3
ذروا فِي السُّرى نحو الجناب الممنَّعِ
ذروا فِي السُّرى نحو الجناب الممنَّعِ / لذيذَ الكرى واجفُو لَهُ كل مضجع
وأهدوا إِذَا جئتم إِلَى خير مرْبع / تحيةَ مضنىً هائم القلبِ موجَع
سريع إِلَى دَاعِ الصَّبابة طيِّعٍ /
يَقُومُ بِأحْكامِ الهَوى ويُقيمها / فكمْ ليلة قَدْ نازلتُه هُمُومُهَا
فسَامَرَها حَتَّى تَوَلَّتْ نجومُها / لَهُ فِكرةٌ فيمَنْ يُحبُّ نديمها
وطَرْفٌ إِلَى اللقيا كثير التَّطَلع /
وكمْ ذَاقَ فِي أحوَالِه طَعم محنة / وكمْ عاذَ مِنهُ من مواقف فِتنة
وكمْ أنَّةِ يأتي بِهَا بَعْد أَنَّةٍ / تَنِمُّ عَلَى سر لَهُ فِي أكِنَّة
وَتُخْبِرُ عَنْ قلْب لَهُ مُتقَطع /
نعَى صَبْرَهُ شَوْقٌ أقَامَ ملازِماً / وحبٌّ يحاشى أن يطيعَ اللوائما
وجفنٌ ترى أَنْ لا يرى الدهر نائماً / وعقلٌ ثَوَى فِي سكرة الحب دائما
وأقسَمَ أن لا يَسْتَفِيقَ وَلا يَعِي /
أقامَ عَلَى بُعْد المزَار مُتَيَّماً / وَأَبْكاهُ برقٌ بالحجازِ تَبَسَّما
وشوَّقه أحبابَهُ نَظَرُ الحمى / دَعُوهُ لأمْر دُونَه تَقْطر الدما
فَيَا وَيْحَ نَفْس الصب من مَا لَهُ دُعِي /
لَهُ عندَ ذكر المُنْحَنا سَفْحُ عبرة / وبين الرجا والخوف موقفُ عِبرة
فَحِيناً يُوافِيهِ النعيمُ بنَظْرة / وحيناً ترى فِي قَلبِهِ نار حسرة
يَجِيء إِلَيْهِ الموْت منْ كل مَوْضع /
سَلامٌ عَلَى صَفْو الحَيَاة وطِيبِهَا / إِذَا لَمْ تفز عيني بِلُقْيا حَبيبِها
ولم تحظَ من إِقبالِه بِنَصِيبِها / ولا استعطفتهُ عَبرتِي بِصَبِيبِها
وَلا وَقَعَتْ شَكْوَايَ مِنه بمَوْقِع /
مُوَكِّلَ طَرْفي بِالسُّهاد الْمُؤرّق / وَمُجْرِىَ دَمْعِي كَالحيا المتدفِّق
وملهبَ وَجدٍ فِي فؤادي مُحَرق / بِعينَيْك مَا يَلْقَى الفؤَادُ وَمَا لَقِي
وعِنْدَكَ مَا تَحوي وتُخْفِيهِ أَضْلُعِي /
أضرتْ بي البلوى وذو الحب مبتلى / يعالجُ دَاءً بَيْنَ جنبيه مُعْضلا
ويُثْقِلُه مِنْ وَجْده مَا تحملا / وتبعثه الشكوى فيَشْتَاقُ منزلا
بِهِ يَتَلَقَّى رَاحَةَ الْمُتَوَدع /
مقر الَّذِي دلَّ الأنام بشرْعِه / عَلَى أصل دين الله حقّاً وَفرعِه
بِهِ انضم شمل الدين من بعد صدعه / لَنَا مذْهبُ العشاق فِي قصْدِ رَبعه
نُقيمُ بِهِ رَسْمَ البُكَا والتَّضَرع /
تحلُّ بِهِ الأنوارُ مِلءَ رحَابِه / ومستودَعُ الأسرار عِند صحَابِه
هِدايةُ من يحتارُ تأميل بَابِه / وتشريف منْ يختارُ قَصْدَ جنابِه
بِتَقْبِيلِه وَجْهَ الثَّرى المتَضوع /
أقامَ لَنَا شرْعَ الهدَى وَمَنارَهُ / وَأَلْبَسَنَا ثَوْبَ التقَى وشِعارَهُ
وجَنَّبَنا جورَ العَمَى وَعِثَارَهُ / سَقَى اللهُ عَهْدَ الهاشِمِيّ ودارهُ
سَحَاباً من الرضْوَان لَيْسَ بِمقلَعِ /
بني العز للتوحيد من بعد هدِّهِ / وأَوْجَبَ ذُلَّ المُشركينَ بِجِده
عزيزٌ قضَى رَبُّ السَّماءِ بسعده / وأيَّدَهُ عِنْدَ اللقاء بِجُنْده
فأَوْرَدَهُ لِلنَّصرِ أعْذَبَ مَشرَع /
أقُولُ لِرَكْبٍ سَائِرينَ لِيثْرب / ظَفرْتُم بتَقْريب النَّبي المقَرَّب
فَبُثوا إِلَيْهِ كُلَّ شَكْوَى ومتعب / وَقُصُّوا عَلَيْهِ كُلَّ سُؤلٍ وَمَطْلَب
فَأَنْتُم بِمِرءى للرَّسُول ومَسْمع /
ستحمون فِي مغناهُ خير حماية / وتكفوْنَ مَا تخشوْنَ أيَّ كفاية
وتبدو لكمْ منْ مجده كل آيَة / فَحلوا من التعظيمِ أبْعَدَ غَايَةِ
فَحَق رَسُول الله آكَدُ مَا رُعى /
أما والذي آتاهُ مَجْداً مُؤَثَّلاً / لقد كَانَ كهفاً للعفاة ومعقلاً
يبوِّئهمْ ستراً منَ الحِلم مسْبِلا / ويمطرهم غيثاً من الجود مُسبَلا
وَينزعُ فِي إِكرامِه كُلَّ منزعِ /
تَعِبْنا بِعيش مَا هَنا فِي وروده / وضرٍّ ثَقيل الوطء فِيهِ شَديده
فَرُحْنا إِلَى رَب النَّدى وعَمِيده / ولما قَصَدْناهُ وَثِقْنا بِجُوده
وَلَمْ نَخشَ رَيْبَ الحَادث المُتوقَّع /
لَقَدْ شرَّفَ الدُّنْيا قدومُ محمد / وألْقى بِهَا أنوارَ حقٍّ مُؤَيَّدِ
تَزينُ بِهِ وُرَّاثه كلَّ مَشْهَد / فَهُمْ بَيْنَ هَاد للأنامِ ومهتدِ
وَمَنْبِتُ أَصْل فِي الهُدَى ومُفَرِّع /
سَلاَمٌ عَلَى منْ شرَّفَ اللهُ قَدْرَهُ / سَلامَ مُحِب عمَّر الدهر سِرَّه
لَهُ مطلبٌ أفنى تَمَنيه عُمرَه / وحَاجَات نفس لا تجاوز صدره
أعَدَّ لَهَا جَاه الشَّفِيعِ الْمشَفَّعِ /
يَا مُنيَتي أمَلِي بِبَابِكَ وَاقفٌ
يَا مُنيَتي أمَلِي بِبَابِكَ وَاقفٌ / والجودُ يأبَى أَنْ يَكُونَ مُضَاعَا
أشْكُو إِلَيْكَ صَبَابَةً قَدْ أترعتْ / لي فِي الهوى كأسَ النَّوى إتراعَا
ونزاعَ شوْق لَمْ تزلْ أيدي النوى / تَنْمى بِهِ حَتَّى استحال نِزاعا
لَمْ يبقَ لي أملٌ سواكَ فإنْ يفت / وَدَّعتُ أيامَ الحَياةِ ودَاعَا
لا أستلذ لغير وجهك منظراً / وسِوَى حديثكَ لا أريدُ سماعا
يقولون لي هلا نهضت إلى العلا
يقولون لي هلا نهضت إلى العلا / فما لذَّ عيش الصابر المتقنع
و هلا شددت العيس حتى تُحِلَّهَا / بمصر إلى ظلِ الجناب المرَفَّع
ففيها من الأعيان من فيض كفه / إذا شاء روّى سَيْلُهُ كل بلقع
و فيها قضاةٌ ليس يَخْفَى عليهمُ / تعيَّنُ كون العلمِ غيرَ مُضيع
و فيها شيوخُ الدين و الفضل و الألى / يشيرُ إليهمْ بالعلا كل اصْبُع
و فيها و فيها و المهانةُ ذلةٌ / فقم واسْع و اقصدْ باب رزقك و اقرع
فقلت نعم أسعى إذا شئتُ أن أرى / ذليلا مُهانا مستخفا بموضعي
و أسعى إذا ما لذ لي طول موقفي / على باب محجوب اللقاء ممنَّع
و أسعى إذا كان النفاقُ طريقتي / أروح و أغدو في ثياب التَصنُّع
وأسعى إذَا لَمْ يبق فيَّ بقية / أراعي بِهَا حق التقَى والتورع
فكم بَيْنَ أرباب الصدور مجالس / تشب بِهَا نار الغضا بَيْنَ أضلعي
وكم بَيْنَ أرباب العلوم وأهلها / إذَا بحثوا فِي المشكلات بمجمع
مناظرة تحمي النفوسَ فتنتهي / وَقَدْ شرعوا فِيهَا إِلَى شر مشرع
إِلَى السفه المزْري بمنصب أهله / أَوْ الصمت عن حق هناكَ مُضيَّع
فإما تَوخّى مسلك الدين والنهى / وإما تَلقَّى غصةَ المتجرع