القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 20
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ
أرِقتُ مِن بارقٍ بالجِزْعِ لمّاعِ / بدا فهيَّجَ أشواقي وأوجاعي
أهدَى الحنينَ وقد لاحتْ لوامِعُهُ / لمغرمٍ مِن بعادِ الحيَّ مُرْتاعِ
مصاحبُ البينِ ما تنفكُّ أينُقُهُ / مغذّةً بينَ أجراعٍ وأجزاعِ
تَعافُ أن تردَ الماءَ الجِمامَ وأنْ / ترعَى الجميمَ على خِصْبٍ واِمراعِ
في كلَّ هَجْلٍ بعيدِ القفرِ تقطعُهُ / سواهماً بينَ اِيجافٍ واِيضاعِ
تهوى بكلَّ ربيطِ الجأْشِ مُدَّرعٍ / ماضي العزيمةِ حامي العِرْضِ شرّاعِ
يحمي السوامَ إذا الأذوادُ أهملَها / رعاتُها وأناخوها بِجَعْجاعِ
مُهَمّلاتٍ غَدَتْ في كلَّ ناحيةٍ / مضاعةً لم تَصُنْها سطوةُ الراعي
يذودُ عنها العِدى يقظانَ ما اكتحلتْ / عيناهُ عمّا يراعيهِ بِتَهْجاعِ
بكلَّ أسمرَ دامي الحدَّ لَهْذَمُهُ / وكلَّ أبيضَ ماضي الغَرْبِ قَطّاعِ
مِن حولهِ غِلْمَةٌ يحمونَ جارَهُمُ / يومَ الصريخِ إذا ما ثوَّبَ الداعي
يمشونَ والموتُ قد أبدَى نواجِذَهُ / اليهِ ما بينَ سبّاقٍ وسرّاعِ
لا يعرفونَ بروداً غيرَ ما لبسوا / مِنَ الشجاعةِ أو مِنْ زَغْفِ أدراعِ
في الحربِ والسلمِ مِنْ كَرًّ ومِنْ كَرَمٍ / لم يَبْرَحوا بينَ ضرّارٍ ونفّاعِ
يا صاحِبَيَّ أعيدا ذكرَ كاظمةٍ / على فؤادٍ إلى الأحبابِ نَزّاعِ
واستنشقا نفحاتِ البانِ أن نسمتْ / بنافحٍ مِنْ عبيرِ العِقْدِ ضَوّاعِ
فثمَّ موضعُ أطرابي ومألَفُها / بلْ ثمَّ شهوةُ أبصاري وأسماعي
فلا عدا أرضَها تَسكابُ دمعيَ اِنْ / ضنَّ السحابُ بِتَهْمالٍ وتَهْماعِ
دمعٌ إذا أقلعَ الغيثُ المُلِثُ هَمَى / على المنازلِ لم يُؤْذِنْ باِقلاعِ
أرضٌ تباعدَ أهلُوها وما نَقَصَتْ / عمّا عَهِدْتُ صباباتي وأطماعي
ما هبَّتِ الريحُ إلا هِمْتُ مِنْ طَرَبٍ / إليكِ يا ظبيةَ الوَعْساءِ والقاعِ
بيني وبينكِ بيدٌ لا يُقَرَّبُها / اِلاّ عزيمةُ اِمضائي واِزماعي
فما الأناةُ ونُجْبي في معاطِنِها / سئمنَ عطلة أقتادٍ وأنساعِ
شُدَّ الرحالُ عليها فَهْيَ كافلةٌ / بالوخدِ تقريبَ ما أعيا على الساعي
عيسٌ إذا غمراتُ الآلِ طُفْنَ بها / حسبتَها منه في لُجًّ ودُفّاعِ
يطولُ باعي إذا الباغي أرادَ بها / سوءاً ويَقْصُرُ عن نيلِ الخَنا باعي
تُحْمَى بأشوسَ ضرّابٍ بصارمِهِ / مفارقَ الصَّيدِ شرّابٍ بأنقاعِ
لا يعرِفُ الأمنَ إلا أن تراهُ على / أَقَبَّ نحوَ قِراعِ البيضِ مُنْصاعِ
تسري بذمَّتِهِ في مَهْمَهٍ قَذَفٍ / خُوصٌ تَدافَعُ في كُثْبٍ وأجراعِ
خِرْقٍ هُمامٍ كحدَّ السيفِ مُنْصَلِتٍ / مُشَيَّعٍ لِثنايا المَجْدِ طَلاّعِ
أمِنْ مرمًى بعيدِ القفرِ شاسعْ
أمِنْ مرمًى بعيدِ القفرِ شاسعْ / رَجَعْتَ وأنتَ دامي الجفنِ دامعْ
علامَ وأنتَ ذو وجدٍ وحزمٍ / يراكَ الخرقُ منه وأنت زامعْ
أَثِرْها كالهِضابِ هِضابِ رضَوى / تؤمُّ بكَ المنازلَ والمرابعْ
تَحِنُّ إذا رأتْ بالغورِ برقاً / بدا في حِندسِ الظلماءِ لامعْ
نجائبُ ترتمي في البيدِ بُدْناً / يَطِسْنَ إلى معالِمها اليرامِعْ
فَتُسْئدُ كالنَقانِقِ في مَوامٍ / ترى فيها ضليعَ النُّجبِ ظالعْ
نجائبُ دأْبُها في كلَّ مَرْتٍ / تشقُّ طلائحاً بحرَ اليلامعْ
اِذا ما رجَّعَ الحادي تهاوتْ / على ترجيعِهِ خُوصاً خواضعْ
تُهَيَّمُها الحداةُ على وَجاها / فتنتهِبُ الأباطحَ والأجارِعْ
تجاذبُ أو تجانبُ في مداها / الى المرمى الأزمَّةَ والمشارِعْ
تؤمُّ منازلاً قد كانَ فيها الشبابُ / الى الحِسانِ البيضِ شافعْ
لياليَ كانَ برقُ الثغرِ يُبدى / لشائمهِ مِنَ القُبَلِ المواقعْ
فيا ربعَ الأحبَّةِ طالَ عهدي / بظبيٍ كانَ في مغناكَ راتعْ
تناءى بعدَ ذاكَ القربِ عنّي / وأصبحَ بعدَ ذاكَ الوصلِ قاطعْ
سَقَى أيامَه الغرَّ المواضي / هزيمٌ مِن جفونِ الصبَّ هامعْ
فهل مِن بعدِما قد بانَ عنّي / أرى زمنَ التداني وهو راجعْ
يؤرَّقُ ناظري كَلَفاً ووَجْداً / هديلٌ باتَ في الباناتِ ساجعْ
تَوَقَّلَ فوقهنَّ فناحَ شجواً / وباحَ فخِلْتُهنَّ له صوامِعْ
وغرَّدَ شاكياً حتى كأنّي / شكوتُ اليهِ ما التفريقُ صانعْ
حَنَّ فأجرى للنوى دموعا
حَنَّ فأجرى للنوى دموعا / مولَّهٌ قد عَدِمَ الهجوعا
مذ بانَ عن بانِ الحِمى أحبَّةٌ / كانَ بهمْ شملُ الهوى مجموعا
يسألُ أن هبَّتْ صَباً مِن نحوِهم / أو شامَ برقاً في الدُّجى لَموعا
ما شامَه إلا وأذكى عندَه / نارَ الهوى ضمَّنَها الضلوعا
عَنَّ ففاضتْ مقلةٌ بعدَهم / بُدِّلَ دُرُّ دمِعها نجيعا
أصبحَ بالحبِّ مُناطاً قلبُه / ليس يَرى عنِ الهوى تُزوعا
اِنْ نسمتْ عن حاجرٍ نُسَيْمَةٌ / باتَ بطيبِ نشرِها صريعا
كأنَّما في طيَّها مُدامةٌ / سَقَتْهُ صافي دَنِّها جميعا
واِنْ تلُح ْ بارقةُ يَبِتْ الى / لمعتِها متيَّماً وَلُوعا
كانَ الشبابُ حينَ كانوا جيرةً / اليهمُ أن هجروا شفيعا
واليومَ قد أبدى المشيبُ لهم / مِن نَوْرِهِ في فَوْدِهِ صديعا
ماكانَ لولا الحبُّ يبكي مِن جوىً / ينالهُ الطلولَ والربوعا
أحبابَهُ أصبحَلّما بنتمُ / بطيِفكمْلوزارَهُ قَنُوعا
قد كانَ يرجوأنْ يعودُ بعدما / صوَّح نبتُ وصلِكم مَريعا
وَيصبحَ الزمانُ طلقاً وجهُه / وَتنثني أوقاتُه ربيعا
فَحُلْتُمُ عن عهدِه ولم يَحُلْ / عن ودِّهِ وأحسنَ الصنيعا
فأين ما عاهَدْ تُموه عندَما / شددْ تمُ الرِّحالَ والنُّسوعا
على نياقٍ عُقِرَتْ كم مِن حشاً / راعتْهُ لمّا ثُوِّرَتْ سريعا
سارتْ حِثاثاً بكمُ كأنَّها الظِّلمانُ / تنحوا المهمهَ الشسيعا
غوارباً في حِندسِ الليلِ اِدا / أغشى وفي رأْدِ الضحى طُلوعا
كالُّسفْنِ في بحرِالسرابِ ترتمي / أضحى لها أطمارُهم قُلوعا
من كلِّ فتلاءِ الذراعِ حُرَّةٍ / عجَّزَتِ العُذافِرَ الضليعا
أهكذا أضحتْ مواثيق الهوى / مضاعةً لاتَعدِمُ المُضيعا
ما مِن حقوق أهلِه عليكمُ / أنْ تُصبحوا إلى النوى خُضوعا
رُدُّوا المطيَّ عَنقَاً اليهمُ / واذَّكَّروا الالأُّفَ والرجوعا
وواصِلوا صَبّاً غدا بعدُكمُ / مِنَ عَيْشِه وطيبِه ممنوعا
أقسمتُ ماهبَّ نسيمُ أرضِكمْ / فجاذبَ الاغْصانَ والفروعا
ألاّوجدتُ بردَه على حشاً / أبدى بهِ فراقُكمْ صُدوعا
وكنتُ مِن فرطٍ ولوعي بكمُ / منها لأخبارِكمْ سميعا
ما الوجدُاِلاّ أن أرى مُسَهَّداً / في الحبِّ أو لأمرِكمْ مطيعا
ليبجحِ الدهرُ لمّا ردَّني جَزِعاً
ليبجحِ الدهرُ لمّا ردَّني جَزِعاً / وكنتُ جَلْداً على احداثهِ مَصِعا
لا أستكينُ إذا ما الخَطْبُ فاجأَني / ولا ألينُ إذا مكروهُهُ صَدَعا
أُريهِ منّي إذا ما هاجَني أسداً / صعبَ العريكةِ لللأْواءِ ما خَضَعا
حتى رماني بما لو أن أيسرَه / يُرمى به البدرُ ما وافىَ ولا طَلَعا
بفادحٍ مِن خطوبِ الدهرِ أوقفني / في موقفٍ لذتُ فيه بالبكا ضَرِعا
وهلانَ ولهانَ ما أنفكُ منتحباً / مِن فرقةٍ أورثَتْني الهمَّ والهَلَعا
لمّا تسدَّدَ سهمُ الموتِ منتحياً / قومي ولم يرمِ عن قوسٍ ولا نَزَعا
أعادَني وربوعُ الأُنسِ خاليةٌ / فيهنَّ أسكبُ دمعاً قلما نقعا
تجودُ عينايَ فيها بالبكاءِ أسىً / بوبلِ دمعٍ غليلَ الحُزْنِ ما نَقَعا
جنبٌ جفا بعد أن بانوا / حشيَّتَهُ وبعدَما جرَّعوه دمعَه جُرَعا
وناظِرٌ بعدَما ولَّى أحِبَّتُه / لم يَطْعَمِ الغُمْضَ مِن حزنٍ ولا هَجَعا
عهدي به وزمانُ الوصلِ ملتئمٌ / جذلاَنُ ما عرفَ البلوى ولا دَمَعا
واليومَ يسفحُ فيها الدمعَ مِن حُرَقٍ / على زمانِهمُ يا ليتَه رَجَعا
يبكي الديارَوهل يشفي أخا كَمَدٍ / دمعٌ تَدافعَ في أرجائها دُفَعا
كأنَّما كانَ ذاكَ العيشُ في سِنَةٍ / رأيتُه وغرابُ البينِ ما وَقَعا
صاحَ الغرابُ بمَنْ فيهنَّ فابتدروا / الى الَمنونِ عِجالاً نحوهِ شَيعا
كأنَّما لم يكنْ في الناسِ غيرُهمٌ / خَلْقٌ يُجيبُ إذا داعي المماتِ دَعا
عَجِبْتُ منَّي ومِن قلبي وقد رحلوا / لامُتُّ بعدَهمُ همَّاً ولا انصَدَعا
هذا فؤادُ أراني فضلَ قسوَتِه / لا كنتُ أن لم اُعِدْهُ للنوى مِزَعا
لِمْ لا تَقَطَّعُ بعدَ البينِ مِن حَزَنٍ / حتى تحدَّرَ مِن أهوالِه قِطَعا
في كلِّ يومٍ أرى في التُّربِ مُتكَأً / لِمَنْ أَوَدُّ وفي الأجداثِ مُضطَجَعا
ماذا جزاؤهمُ منّي اعاينهمْ / صَرْعَى ولم أقضِ اِشفاقاً ولا جَزَعا
ليس البكاءْ واِنْ أكثرتُ يُقنِعُني / ما يعرفُ الفقدَ والحزانَ مَنْ قَنِعا
ابيتُ مِن ذكرِ ما قد نالني قَلِقاً / حتى يقولَ الخليُّ القلبِ قد لُسِعا
قد كانَ عوَّدَني دهري إذا عثرتْ / رجلي سريعاَ بأنْ ينتاشَني بِلَعا
فكيفَ نكَّبَ عنّي عِطفَه حَنَقاً / كأنَّه ما راى حُزني ولا سَمِعا
يا أمتّاهُ وكم في الناسِ من رجلٍ / مِثلي يكابدُ مِن أحزانهِ وَجَعا
مرزءٍ ذاقَ طعمَ الثُّكلِ منذَهِلٍ / مثلي تجرَّعَ منه الصَّابَ والسَّلعا
لولاهمُ لقتلتُ النفسَ مِن شَجَنٍ / عليكِ أو لذممتُ الأزلمَ الجَذَعا
سقى ضريحكِ مِن عينَّي منبجِسٌ / اِنْ أمسكَ القَطرُ عن تَسكابهِ هَمَعا
فِانَّ دمعي بسُقيا تربِه قَمِنٌ / سَقَى زمانكِ هَطّالُ الحيا ورَعَى
دمعٌ يفيضُ وأحشاءٌ مُقَلْقَلَةٌ / اِذا الحمامُ على بانِ النقا سَجَعا
آليتُ ما هتفتْ ورقاءُ في فَنَنٍ / ولا تأَلَّقَ برقُ المزنِ أو لَمَعا
اِلاّ ذكرتُ زماناً كانَ يجمعُنا / والدهرُ بالأهلِ والأُلاّفِ ما وَلَعا
فهل أُرجيَّ لعيشٍ فاتَ فارِطُه / مِن بعدِ ما ذهبَ الحبابُ مُرتجَعا
هيهاتَ لم يبقَ إلا الحزنُ بعدَهمُ / يزيدُني فرطَ همًّ كلَّما شَسَعا
على البانِ قمريَّةٌ تسجعُ
على البانِ قمريَّةٌ تسجعُ / وثوبُ الدجى مُسْبَلٌ أَسْفَعُ
تغنَّتْ فسحَّتْ وقد جدَّدَتْ / غرامي على الطللِ الأدمُعُ
ذكرتُ به جيرةً قوَّضوا / عنِ الخَيْفِ ليلاً وما وَدَّعوا
فأمطرتُ مربَعهمْ أدمعي / فكادَ يَرِقُّ ليَ المربَعُ
وعينٌ تفارقُ أحبابَها / وأُلاّفَها فكيف لا تَدمَعُ
شكوتُ إلى الدارِ مِن بعدِهمْ / أذى البينِ ن لو انّها تَسمَعُ
فلم تُغنِ شكوى إلى دمنةٍ / يُهيَّجُني رسمُها البلقعُ
وكيف أُرى جَذِلاً بعدَما / خَلَتْ مِن جآذرِها الأربُعُ
لقد عَفَتِ الريحُ آثارَها / فريحُ غرامي بها زَعْزَعُ
وما الوجدُ إلا حشاً خافقٌ / وقلبٌ لفرقتِهمْ مُوْجَعُ
ونارُ فراقٍ على حرَّها / لبينهمُ تنطوي الأضلُعُ
وطرفٌ إذا ما رأى بارِقاً / فليس يَغيضُ ولا يَهْجَعُ
لقد شاقَني البرقُ لمّا بدا / خِلالَ الدجى ومضُهُ يلمعُ
فأذْكَرَني ثغرَ سُعدى وقد / تزحزح عن برقه البرقع
وجرعني كأس دمعي وقد / تعرَّضَ مِن دونها الأجرَعُ
فكم ليلةٍ بتُّ لمّا نأتْ / عن الجِزعِ مِن بينِها أجزَعُ
ولولا هواها لما أرقلتْ / اليها بيَ الينُقُ الضُّلَّعُ
تَدافعُ في الخَرْقِ مزمومةً / فتذرَعُ شقَّتَه الأذرُعُ
لواغبَ تهوي إلى حيّها / وقد فاتَها الرَّعْيُ والمَكْرَعُ
جوانحَ نشأى القَطا كلَّما / تقاضيتُها أو بدا لَعْلَعُ
ولولا هوايَ لقد عاقَها / وجاها عن الوخدِ واليَرْمَعُ
ولا كانَ فيها نجيبٌ يَخُبُّ / برحلي كَلالاً ولا يوُضِعُ
ولا العشبُ يُطمِعُها نّوْرُهُ / فتخدي اليه ولا المشرعُ
ينازِعُني الشوقُ نحوَ الحِمى / وأحفِزُها ن فهي بي تَنْزِعُ
واِن ردَّدَ الركبُ ذكرَ الهوى / سَرَتْ والطريقُ بها مَهْيَعُ
فتأتي طِلاحاً رُبى حاجرٍ / وهنَّ بنا لُغَّبٌ خُضَّعُ
أجوبُ الظلامَ وأهوالَه / وعزمي إذا جبتُهُ الأدرَعُ
أرومُ سعادَ وقلبي بها / واِنْ قَرُبَتْ أو نأتْ مولَعُ
لقد غدرتْ بي وما خُنْتُها / فيا بئسَ ما أصبحتْ تصنعُ
ولم يبرحِ الغدرُ للغادر / ينَ دأباً إذا حُفِظوا ضَيَّعوا
فهل لي شفيعٌ إلى قُربها / وهل لوصالٍ مضى مَرْجِعُ
أبعدَ المشيبِ أرومُ الشفيع / وهيهاتَ بانَ الذي يَشْفَعُ
ولم يبقَ إلا بياضٌ يسوءُ / عيونَ الغواني ولا ينفعُ
شبابُ الفتى دونَ هجرانِه / اِذا رُمْنَ هجرانَه يَمنعُ
ألا قرَّبَ اللهُ احبابنَا / واِن هجروني واِن أزْمَعوا
ففي قُربِ حبَّهمُ راحةٌ / واِنْ لم يكنْ فيهمُ مطمَعُ
قَنَعْتُ بقربِهمُ طائعاً / وفي قُربِ دارهمُ مَقْنَعُ
فما العيشُ إلا دنوُّ الدَّيارِ / اِذا كانَ شملي بهمْ يُجْمَعُ
ولا سيَّما أن تناءَى الرقيبُ / وأدَّتْ تحيتيَ الاِصْبَعُ
وأومتْ سريعاً كما أومضَتْ / يوارقُ في دِمةٍ لُمَّعُ
اِذا ما خَلَونا شكونا الهوى / وفاضَتْ مدامِعُنا الهُمَّعُ
وحَدَّثتُهمْ عن زمانِ الوصالِ / حديثاً يَلَذُّ بهِ المَسْمَعُ
وزادَ الحنينُ إلى عصرهِ / الى أن أقضَّ بيَ المضجَعُ
هل بعدَ بينكِ مِن جوىً لمودَّعِ
هل بعدَ بينكِ مِن جوىً لمودَّعِ / ذهبَ اللقاءُ فهل له مِن مَرجِعِ
رثَّتْ حبالُ الوصلِ حتى اِنَّه / لم يبقَ غيرُ رميمِها المتقطَّعِ
أسعادُ هلاّ يومَ نأيكِ زوَّدتْ / عيناكِ عيني نظرةَ المستمتِعِ
أرجعتِ عن سُنَنِ الغرامِ وشرعِه / ومِنَ العجائبِ رجعهُ المتشرَّع
ما كانَ ضَّركِ والركائبُ قد سرتْ / بكِ لو أَشَرْتِ بحاجبٍ واِصبَعِ
توديعةً تُهدى الجوى في طَيَّها / لشجٍ حليفِ تلهُّفٍ وتوجُّعِ
يستافُ أعرافَ الرَّياحِ كأنَّها / هبَّتْ بنشرِ عبيركِ المتضَّوعِ
شامَ البروقَ على جوانبَ غُرَّبٍ / فِلوى زرودَ فعالجٍ فالأجرَعِ
فابتزَّهُ ومضُ البروقِ هجودَه / ونأى بطيبِ كرى العيونِ الهُجَّعِ
ونضا قميصَ الصبرِ عنه حنينُه / وولوعُه بسنا البروقِ اللمّعِ
لمعتْ فجددتِ الشجونَ وأجَّجَتْ / نارَ الهوى العذريَّ بينَ الأضلُعِ
فذكرتُ اِيماضَ الثغورِ يلوحُ لي / تحتَ الدُّجى مِن باردٍ مُسْتَنْقِعِ
يُذكي برودُ رحيقِهِ حَرَّ الجوى / لِحُشاشةٍ حَرَّى وقلبٍ موجَعِ
وغزالةٍ سنحتْ على غِرَرٍ لنا / بينَ الجنابِ وبينَ ملعبِ لَعْلَعِ
مرَّتْ بنا حوراءُ يرشقُ لحظُها / قلبُ المدلَّهِ مِن وراءِ البرقُعِ
تشكو الحُليَّ وثقلَه لمّا سرتْ / في سربِها تعطو بأجيدَ أتلَعِ
فَتَنَتْهُ ثم رَنَتْ اليَّ بلحظِها / فَفُتِنْتُ فتنةَ مستهامٍ لا يَعي
ورجعتُ بعدَ فراقِ أيامِ الهوى / أصِفُ الغَوايةَ للمحبَّ المولَعِ
دامي الجفونِ إذا الحمامةُ غرَّدتْ / مِن فوقِ خُوْطِ البانةِ المتزعزِعِ
أسقي الديارَ وقد تباعدَ أهلُها / عنها عزا ليَّ الدموعِ الهُمَّعِ
وأخاطبُ الأطلالَ ليس يُجيبُني / ما بينهنَّ سِوى الغُرابِ الأبقَعِ
وهواتفٍ فوقَ الغصونِ يهيجُني / منهنَّ تغريدُ الحمامِ السُّجَّعِ
ناحتْ على عَذَبِ الفروعِ واِلفُها / منها بمرأى فوقَهنَّ ومسمَعِ
ما فارقتْ اِلفاً كما فارقتُهُ / كلاّ ولا أجرتْ سواكبَ أدمعي
قسماً ولا وجدَ المحبونَ الأولى / وجدي بأشباهِ الظباءِ الرتَّعِ
يا مربعَ الأحبابِ كم مِن وقفةٍ / لي في عراصِكَ بينَ تلكَ الأربعِ
تهمي عليكَ مدامعي عِوضَ الحيا / سَحّاً فتحسبُ انَّها مِن مَنْبَعِ
أرعى حقوقَ أحبَّتي باذالةِ المد / معِ المَصُونِ على تُرابِ المربعٍ
ومن العجائبِ أننَّي ارعى لهم / عهدَ الوِدادِ وعهدُ مثليَ ما رُعي
بانوا فما رقَّتْ جوانبُ عيشتي / بعدَ البعادِ ولا صفا ليَ مشرَعي
وعرامسٍ ذَرَعَتْ مُلاءَ مفازةٍ / بعد الأحبَّةِ في اليبابِ البلقَعِ
بُدْنٍ يطيرُ مِنَ الوحيف لُغامُها / كالعُطْبِ مِن فوقِ الحصى واليَرمَعِ
زَفَّتْ كما زفَّ النعامُ إلى النقا / في المَرْتِ تهزأُ بالرَّياحِ الأربَعِ
عافتْ جميمَ النبتِ مِن شوقٍ الى / أعطانِهنَّ به وطيبَ المكرَعِ
وتبدلتْ مِن بعدِ طيبِ مُناخِها / في البيدِ كُرْهاً بالمُناخِ الجَعْجَعِ
تهوى وفوقَ ذُرى الغواربِ عصبةٌ / مُتَمَلْمِلُونَ على المطيَّ الظُّلَّعِ
متمايلون مِنَ الكَلالِ كأنَّما / صُبِحوا بمشمولِ المُدامِ مشعشَعِ
دَعَموا رقابَهمُ على كيرانِها / قبلَ الصباحِ مِنَ الكرى بالأذْرُعِ
حتى أتوا دارَ الأحبَّةِ والهوى / يَهدِي الرَّكابَ إلى الطريقِ المَهْيَعِ
وصَلُوا وكم أبقى السُّرى منِ نحبِهمْ / في الهَجْلِ نَهْباً للذَّئابِ الجُوَّعِ
قد حُقَّ للمشتاقِ أن يتوجَّعا
قد حُقَّ للمشتاقِ أن يتوجَّعا / ولعينهِ بعدَ النوى أن تَدْمَعا
رحلَ الأحبَّةَ عن ملاعبِ لَعْلَعٍ / فهجرتُ مِنْ بعدِ الأحبَّةِ لَعْلَعا
أفلوا فلم أرَ للأهلَّةِ بعدَما / أفلوا ولا لسرورِ عينيَ مَطلعا
والدارُ بالأحبابِ ولا سقىَّ الحيا / دارَ الأحبَّةِ بعدَهنَّ ولا رَعَى
مالي وللأطلالِ أَنْدُبُ ما عَفا / منها وأذكرُ ملعباً أو مَرْبعا
قد كنتُ استسقي لساكنِ ربعِها / دمعي إذا ما الغيثُ ضنَّ فأقلعا
أيامَ كانت للكواعبِ مألَفاً / يزهو بهنَّ وللجآذرِ مَرْتعا
يا منزلاً لعِبَ الزمانُ بأهلهِ / وأعادَه الحَدَثانُ قَفْراً بَلْقعا
ما كنتُ أبخَلَ أن تجودَكَ ادمعي / دَفْقاً إذا المزنُ الهتونُ تقشَّعا
لكنَّها نضبتْ وأنفدَ ماءَها / خوفي على شملِ الهوى أن يُصْدَعا
وحمامةٍ سجعتْ على فَنَنِ النقا / لمّا اكتسى زَهْرَ الربيعِ وأينَعا
ناحتْ على اعلى الغصونِ ومائد / الأغصانِ يَحمِلُها على أن تَسْجَعا
دعتِ الهديلَ فباتَ وهو منعَّمٌ / بدنوَّهِ منها وبتُّ مروَّعا
أشبهتُها دمعي في النوحِ إلا أنَّها / ناحتْ ونحتُ تطرَّباً وتفجُّعا
وسكبتُ دمعي في الديارِ وقد نأى / عنها الخليطُ مقوَّضاً ومودَّعا
حتى كأنَّ عليَّ ضربةَ لازبٍ / في كلَّ رسمٍ أن أَسُحَّ الأدمُعا
وتنوفةٍ كلفَّتُ نجبي قطعَها / لمّا نأى عنَّي الفريقُ وأزمعا
جاوزتُها بايانِقٍ تَطِسُ الحصى / أخفافُهنَّ على الوَجا واليَرْمَعا
وسرتْ وهنَّ إلى المواردِ ولَّهٌ / في القفرِ تكرعُ مِن صداها اليَلْمَعا
خالتْ وقد خدعَ السرابُ عيونَها / وَسَطَ النهارِ بأنَّ فيه مَكْرَعا
تبغي إذا ما الآلُ عبَّ عُبابَهُ / يا ويحَها ممّا يُرقرِقُ مَشرَعا
هيهاتَ أن تَرِدَ المشاربَ عذبةً / مِن بَعْدِ ما نزلَ الخليطُ الأجرَعا
أو أن تعودَ لها الخمائلُ غضةً / ترعى بهِ الروضَ الأريضَ المُمْرِعا
حتى أرى الحيَّ البعيدَ وقد دنا / منَّي وأنفُ البينِ يُلْفَى اجدَعا
أَأُلامُ مِن بعدِ الحبائب أنَّني / أدَعُ النجائبَ في الأزمَّةِ خُضَّعا
ترمي الفدافدَ بي وهنَّ سواهمٌ / هِيمٌ حَكَيْنَ مِنَ الهُزالِ الأنسُعا
خوصُ العيونِ تبدَّلتْ مِن بعدِما / لانَ المُناخُ لها مُناخاً جَعْجَعا
أحتثُّها تحتَ الظلامِ طلائحاً / عُجْفاً إذا شِمْتُ البروقَ اللمَّعا
واِذا الرياحُ سرتْ بِرَيّا زينبٍ / نحوي وسفتُ عبيرَه المتضوَّعا
وتناوحتْ أنفاسُها وتأرَّجتْ / طيباً طويتُ على الغرامِ الأضلُعا
والحُرُّ تَمَن كنتمَ الهوى وحديثَهُ / حَذَراً عليه وخفيةً أن يُسمعا
والوجدُ ما منعَ الجفونَ أليُمهُ / في القربِِ أوفي البعدِ مِن أن تَهحعا
يا عاذليَّ على المحبةِكَرِّرا / عَذْلي إذا ما شِئتماهُ أو دَعا
فلقد أجابَ الحبَّ مني طائعاً / قلبٌ تسرَّعَ نحوَه لمّا دَعا
لا تحسبا أن الملامةَ في الهوى / كثَني فؤاداً با لصبابةِ مولَعا
صَغُرَ الملامُ بأنْ يَكُفِّ متيَّماً / عَرَفَ الوِصالَ وطيبَهُ أويمنَعا
يرتاحُ أن هبَّتْ صَباً أو أَرْزَمَتْ / هوجاءُ أو ناحَ الحمامُ مرجِّعا
همتُ غراماً بالبروقِ اللمَّعِ
همتُ غراماً بالبروقِ اللمَّعِ / لاحتْ على روضِ الحمى ولَعْلَعِ
أومضَ لمعُ برقِها لمقلةٍ / بعدَ النوى ساهرةٍ لم تَهْجَعِ
وجرَّدَتْ سيوفَها على حشاً / بعدَ أحبابيَ الأولى مقطَّعِ
بانوا فأيُّ ناظرٍ مِن بعدِما / بانوا على عصرِهمُ لم يَدْمَعِ
وأيُّ قلبٍ والحدوجُ قد سَرَتْ / عنِ الحِمى مُزمِعةً لم يَجزَعِ
فيا أمانيَّ النفوسِ بعدَما / بانوا إذا لم يَرجِعوا لا تَرجعي
ويا سروري بعدَ جيرانِ النقا / اِنْ شئتَ بالظعنِ اللحاقَ فاتبَعِ
فلستُ آسي وهمُ قد رحلوا / على فراقٍ ظاعنٍ أو مُزمِعِ
ودَّعْتُ طيبَ العيشِ يومَ ارقلَتْ / نُجبُهمُ بالظاعنِ المودَّعِ
للهِ كم قد خلَّفوا مِن مهجةٍ / حرّى وقلبٍ للغرامِ موجَعِ
وكم على أطلالِهم مِن مدمعٍ / اجراهُ تغريدُ الحمامِ السُّجَّعِ
ومغرمٍ لمّا نأى أحبابُه / عنِ الحِمى بالعيشِ لم يَنتفِعِ
يُقلِقُه نوحُ الحمامِ كلَّما / شدا على غصنِ النقا المزعزَعِ
غرَّدَ لمّا اينعتْ غصونُه / رغبَّ شآبيبِ الغيوثِ الهُمَّعِ
ونحتُ مِن فرطِ الغرامِ والهوى / فيها كنوحِ الهائمِ المُفَجَّعِ
في كلَّ يومٍ لي على آثارِهم / دمعٌ يسحُّ في عِراصِ الباقعِ
وزفرةٍ مِن بعدِ أهلِ حاجرٍ / تكادُ أن تنقدَّ منها أضلُعي
وحنةٍ تَعقُبُها مِن بعدِها / أنَّةُ محزونٍ بهمْ مفجَّعِ
يا لوعتي مِن بعدِ سكّانِ الحِمى / زيدي ويا راحةِ سِرّي ودَّعي
ويا عذولي كفَّ عن لومي فقد / آليتُ لا أُعطي العذولَ مسمعي
هل يُرجِعُ العذلُ محبّاً كلَّما / رَدَدْتَهُ عنِ الهوى لم يرجِعِ
هامَ بهمْ فكلَّما عذلْتَهُ / في حبَّهمْ من الغرامِ لا يَعي
مغرًى بتسآلِ الربوعِ والهوى / يضطرُّه إلى سؤالِ الأربعِ
يا ويحَهُ ماذا الذي يُفيدُه / سؤالُ دارٍ بالعراءِ بلقعِ
تبدَّلتْ مِن بعدِ أُنسِ أهلِها / منهمْ بِتَنعابِ الغرابِ الأبقعِ
واستبدلتْ عينايَ عن هجوعِها / طوالَ السُّهادِ في الظلامِ الأسفعِ
أبعدَما بانَ الخليطُ وانبرى / يؤمُّ باناتِ اللَّوى فالأجرَعِ
أرجو الكرى يَطرُقُ طرفي في الدُّجى / كما عَهِدْتُ أو يزورُ مضجعي
علالةٌ ارجوه أن يزورَني / ولا ارى في الدارِ أحبابي معي
كففتُ بعدَ جيرتي وبعدَهم / عنهمْ وعن لذَّةِ عيشي مطمعي
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ
برقٌ على الجِزعِ بدا يلمعُ / حَنَّتْ اليهِ الاِبِلُ الضُّلَّعُ
أومضَ والركبُ نشاوى هوًى / فاندفعتْ أعينُهمْ تَدمَعُ
بَكَوا مِنَ الوجدِ على جيرةٍ / ساروا عنِ الخَيْفِ وما ودَّعوا
اَسْرَوا مِنَ الخَيْفِ إلى لَعْلَعٍ / ولم تَزَلْ دارَ الهوى لَعْلَعُ
يا برقُ كم هجتَ لهم من جوًى / باتتْ عليه تنطوي الأضلعُ
ما لمعتْ منكَ سنا شعلةٍ / اِلاّ وسحَّتْ منهمُ الأدمعُ
وكان في الدمعِ لهمْ راحةٌ / لو أنَّه بعدَهمُ ينفعُ
يبكونَ في أربعِ أحبابِهم / شوقاً وقد بكَّتْهُمُ الأربُعُ
خلتْ مِن السكّان أقطارُها / فهي قِفارٌ منهمُ بلقعُ
وحلَّها مِن بعدِ غِزلانِها / مِنَ الفلا غِزلانُها الرّتَّعُ
أقسمتُ ما السحبُ غدتْ حُفَّلاً / على الرُّبى مُثجِمةً تَهْمَعُ
غصَّ يَفاعُ الرضِ مِن مائِها / ليستْ تَني سَحّاً ولا تُقلِعُ
يكادُ أن يدفعَها خيفةً / يكفَّهِ مِن قربِها المُرضِعُ
اهمعَ مِن دمعي غداةَ النوى / والعيسُ في بيدِهمُ تُوضِعُ
ناديتُ بالحادي واظعانُهم / للبينِ لا كان النوى تُرفَعُ
قفْ ساعةً يحظُ بتوديِعهم / صبٌّ من التفريقِ لا يهجعُ
لم يُلهِه بعدَهمُ ملعبٌ / ولا اطبَّاهُ لهمُ مربعُ
لموقه سارتْ مطاياهمُ / قلبٌ على بينهمُ مُوجَعُ
ساروا فسارَ القلبُ في اِثرهم / كيف استقلَّتْ عيسهمْ يَتبعُ
يا سُجَّعَ الورقِ لقد شاقَني / حمامةٌ فوقَ النقا تَسجعُ
ما سمعتْ أذنٌ وقد رَّجعتْ / كصوتِها طيباً ولا تَسمعُ
أطرَبها الدوحُ فناحتْ على / أفنانهِ وهو لها مُونِعُ
ونحتُ مِن تَذكارِ عهدِ الهوى / فهل له بعدَ النوى مَرجِعُ
وعِرْمِسٍ حَنَّتْ إلى حاجرٍ / فهي برحلي في الفلا تَنْزِعُ
تشوقُها أنوارُ نُوّارِه / فروضُهُ غِبَّ الحيا مُمرِعُ
كأنَّها الهَيْقُ إذا ما بدا / نعمانُ أو لاحَ الأجرَعُ
منازلٌ راقَ لها نبتُها / مِن بعدِما راقَ لها المشرَعُ
فهي من الآل وتهاره / نحو الحمى ظامئة تطلع
يغرُّها الرقراقُ مِن بحرِه / فمِن صداها تَنثني تكرعُ
تطلبُ وصلاً فاتَ ميقاتُه / وفائتُ الأزمانِ لا يَرْجِعُ
كفاك على وجدي دليلاً مدامعي
كفاك على وجدي دليلاً مدامعي / لقد عبَّرَِتْ عمّا تَجُنُّ أضالِعي
كتمتُ الهوى حتى تحدَّثَ ناظري / بألْسُنِ أَجفاني الهوامي الهوامعِ
ولو لم تَزُلْ تلكَ القِبابُ عنِ الحِمى / لما أهملتْ عينايَ حِفظِ الودائعِ
أيا منزلاَّ حالتْ نضارةً حسنِه / فأضحى مَحَلاَّ بعدَها للخَوامعِ
عليكَ سلامٌ مِن مشوقٍ كأَنَّما / يبيتُ على جَمْرٍ مِنَ الشوقِ لاذعٍ
لقد كانَ قبلَ البينِ فيكَ أحبَّهٌ / عِذابُ الثنايا كالبدورِ الطوالعِ
يَميسونَ في ثِنْي البرودِ كماثنتْ / غصونَ النقا مرُّ الرياحِ الزَّعازعِ
ولما تمادَى البينُ أصبحتُ خاضعاً / وقد كنتُ مِن قبلِ النوى غيرَ خاضعِ
وأمسيتُ بالطيفِ الملمِّ وقد سَرَوا / قَنوعاً وكم صاحبتُهمْ غيرَ قانعِ
فباعدتِ الأيامُ بالكُرهِ بيننا / على سُنَنٍ مِن فعلِها التتابعِ
فصرتُ إذا ناحَ الحمامُ على الغَضا / أهيُم إلى نوحِ الحمامِ السواجعِ
تجاوبُ مِن فوقٍ الغصونِ كأنَّما / خُلِقنَ لها عيدانُها كالصوامعِ
ويُقلِقني نوحُ الحمامةِ كلَّما / تغنَّتْ على فرعٍ مِنَ البانِ يانعِ
تنوحُ ولم تَفقِدْ قريناً ولا رمتْ / يدُ الدهرِ في أُلاّفِها بالروائعِ
ولا فارقتْ ظِلَّ الأراكِ ولا غدتْ / مُحَلأَّةً عن طَيبِّاتِ المشارعِ
فلا يَلْحَينِّي العاذلونَ إذا هَمَتْ / جفوني على بالي الرسومِ البلاقعِ
وقد حالَ ما بيني وبينَ أهيلِها / تَعرُّضُ قفرٍ موحشِ البيدِ واسعِ
مررتُ بها فأستوقفتني عِراصُها / وقد أصبحتْ صَفْراً خِلاءَ المرابعِ
فخاطبتُها بعدُ الأنيسِ واِنَّه / خِطابٌ على علاّتهِ غيرُ نافعِ
سقى اللّهُ ذاكَ الرسمَ دمعي فانَّهُ / منازلُ آرامِ الظِّباءِ الرَّواتعِ
وحيّا ثرى تلكَ الربوعِ سحائبُ / مِنَ الَودْقِ تُجلَى بالبروقِ اللوامعِ
مرابعُ غيدٍ عهدُهنَّ على الهوى / مصونٌ وكم سِرِّلنا غيرِ ذائعِ
أوانسُ يجرحنَ القلوبَ إذا رَنَتْ / لواحظُها كالمرهفاتِ القواطعِ
وِانْ سُتَرِتْ تلكَ الوجوهُ حسبتَها / تَجُنُّ شموساً مِن وراءِ البراقعِ
بدائعٌ حسنٍ مذ رأينا جمالَها / منحناهُ مِن أشعارِنا بالبدائعِ
ولما تفرَّقنا وودعن خفية / أنامل في حنائها كالأسارعِ
لقد سهرت للبعد منا نواظر / تبرا من رؤيا العيون الهواجع
ألا خبر عنهن من بعد ما برى / صدورَ المطايا الهوج شدُّ النسائعِ
ومِن بعدِما أزمعنَ عن رملِ عالجٍ / رحيلاً إلى حَزْنِ اللِّوى والأجارع
سرتْ رُقَّصاً في البيدِ وهي من الوجا / نُجانبُ أقداحَ الحصى واليرامعِ
فما شاقهاوهي الخوامسُ منهلُ / ولا جَنَحَتْ تبغي بحارَ اليلامعِ
جَزَعْنَ بهنَّ الجِزعَ تأتمُّ حاجراً / ولا عُذْرَ لي أن لاأُرى غيرَ جازعِ
رواقلُ بالأحبابِ في كلَّ مَجهَلٍ / بعيدِ منالِ الخطوِأزورَ شاسعِ
ومَنْ لي بأنْ تأتي الأحاديثُ عنهمُ / معطَّرةً تأوي خروقَ المسامع
تُريحُ فؤاداً لا يَقَرُّ وجيبُهُ / على نأيهمْ إلا بِشَدِّ الأصابعِِ
ولا عهدَ لي بالنومِ إلا صبابةً / تَرنَّقُ في جفنٍ مِنَ الشوقِ دامعِ
فنفَّرَهُ الحادونَ عنّي وأورثوا / قوارصَ ما بيني وبينَ المضاجعِ
فهل ما مضى مِن سالفِ الوصلِ راجعٌ / كما كانَ بالخَلْصاءِ أم غيرُ راجعِ
ومَنْ شافعٌ لي أن يعودَ زمانُه / اِذا كانَ لا يرتدُّ إلا بشافعِ
لئن حَجَزَتْ دونَ اللقاءِ مفاوزٌ / وصرَّحتِ الأيامُ لي بالموانعِ
لأرتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً / غواربُها تحكي هِضابَ مُتالعِ
الى حيث كانوا مِن بلادٍ بعيدةٍ / بأيدٍ لها نحوَ الخليطِ نوازعِ
اِذا عَرَفَ العيسَ الكلالُ رفضنَهُ / وسِرْنَ كأمثالِ السُّيولِ الدوافعِ
قلبٌ كما شاءَ التفرُّقُ موجَعٌ
قلبٌ كما شاءَ التفرُّقُ موجَعٌ / وهوًى يهيَّجُهُ الحمامُ السُّجَّعُ
ومولَّهٍ لَعِبَ الغرامُ بقلبِهِ / للّهِ صَبٌّ بالصَّبابةِ مولَعُ
متلفَّتاً نحوَ الديارِ وهكذا / داءُ الغرامِ إذا تقادمَ يصنعُ
ولكم وقفتُ على الربوعِ مسائلاً / ومِنَ الضلالةِ أن تُجيبَ الأربُعُ
يا منزلاً بينَ العُذَيبِ ولَعْلَعٍ / أشتاقُهُ سُقيَ العُذَيبُ ولَعْلَعُ
أهوى ربوعكَ والزمانُ يعوقُني / عنها فتسفحُ للحنينِ الأدمُعُ
ويَزيدُني شغفاً إذا جَنَّ الدُّجى / برقٌ على أَثَلاثِ نجدٍ يلمِعُ
تحكي التهابَ ضِرامِه في مزنهِ / نارُ اشتياقي والهوادجُ تُرفَعُ
وخفوقَهُ خفقانُ قلبي كلَّما / أمسى مِنَ التفريقِ وهو مُرَوَّعُ
فالماءُ ما قد فَيَّضَتْهُ مدامعي / والنارُ ما استملتْ عليه الأضلُعُ
وخريدةٍ أبكي ويبسِمُ ثغرُها / فتغارُ مِلْخَجلِ البروقُ اللمَّعُ
وتَفُلُّ مِن لونِ الظلامِ غدائراً / سُفعاً وخيرُ حُلَى الشًّعورِ الأسفَعُ
أودعتُها قلبي غداةَ فراقِها / لمّا استقلَّ بها الفريقُ وودعوا
فلكم على آثارِها مِن مهجةٍ / حرَّى وعينٍ للتفرُّقِ تَدمَعُ
ولكم بكيتُ على المرابعِ وحشةً / لمّا خلا مُصطافُها والمَرْبَعُ
ومتيَّمٍ أضحى وقد بَعُدَ المدى / يبكي الطلولَ بدِيمةٍ لا تُقلِعُ
يرمي الهضابَ بطرفهِ فكأنَّما / في كلَّ هَضْبٍ للأحبَّةِ مَطلَعُ
ويبيتُ مسلوبَ الفؤادِ مولّهاً / مِمّا عراهُ مسهَّداً لا يَهجعُ
هجرَ السكونَ إلى المضاجعِ بعدما / باتتْ كأنَّ بها أراقمَ تلسعُ
يستافُ أرواحَ الشَّمالِ إذا شَرَتْ / نشوَى الهبوبِ بنشرِها يتضوَّعُ
مِن بعدِما قد كنتُ أعهدُ قلبَه / بالجِزعِ ثَبْتاً للنوى لا يَجْزَعُ
أتراهُ يقنعُ بالخيالِ وقد نأتْ / عنه وكانَ بوصلِها لا يقنعُ
قد كانَ ذلكَ والشبابُ إلى الهوى / والغانياتِ محبَّبٌ ومشفَّعُ
واليومَ غيَّرَهُ المشيبُ بجورِه / فغدا بطيفِ خيالِها لا يطمعُ
أحبابَنا بنتمْ فوجدي دائمٌ / والصبرُ فانٍ والحنينُ مُرَجَّعُ
أترى تعودُ الدارُ تجمعُ شملَنا / بكمُ وتختلسُ التحيَّةَ اِصْبَعُ
وأرى التحيةَ بالبنانِ واِنْ تكنْ / دِينَ القناعةِ أنَّها لا تَنفعُ
أم للعليلِ وقد تفاقمَ داؤه / بكمُ شِفاءٌ أو غليلٌ يُنقَعُ
هيهاتَ لمّا يَبْقَ إلا عبرةٌ / تسقي منازلكمْ وسِنٌ تُقرَعُ
ونجائبٌ تلقى الثرى بمناسمٍ / أدمى الحصى أخفافَها واليَرْمَعُ
ذهبَ الذميلُ بِنَيَّها وتماسكتْ / كرماً فجالتْ للهُزالِ الأنسُعُ
وطما السرابُ وغرَّها رقراقُه / فتساقطتْ فيه تَعُبُّ وتكرعُ
وسرتْ لطيَّتِها ظِماءً مثلما / وَرَدَتْهُ تهديها الطريقُ المَهْيَعُ
ماذا الذي نالتْهُ لمّا غرَّها / منه لقد عَدِمَ الرواءَ اليلْمَعُ
متسابقاتٌ في الفجاجِ كأنمَّا / طَفِقَتْ تُسابِقُها الرياحُ الأربَعُ
فقرُبنَ بل قرَّبنَ داراً لم تزلْ / مِن دونِ أهليها القفارُ البلقعُ
وأتينَ أحباباً حَفِظْتُ على النوى / لهمُ العهودَ وهمْ لعهدي ضيَّعوا
اِنْ أعوزَ الوِردُ الركائبُ بعدَما / بانوا فها دمعي لهنَّ المشرعُ
دِمَنٌ حُبِسنَ على الغرامِ وأربعُ
دِمَنٌ حُبِسنَ على الغرامِ وأربعُ / دَرَستْ معالِمَها الرياحُ الأربَعُ
لم يبقَ بعدَ أهيلِها إلا حشاً / قَلِقُ وعينٌ للتفرُّقِ تَهْمَعُ
ظعنوا فلي جسمٌ يذوبُ صبابةً / مِنْ بعدِ ينهمُ وقلبٌ موجعُ
سفهَّا وقفتُ على الديارِ وقد نأوا / عنها أخاطبُ أرسماً لا تسمعُ
حجلَ الغرابُ بها فوَيحَ منازلٍ / تمسي وساكنُها الغرابُ الأبقعُ
مالي وللأطلالِ أو لحمامةٍ / هذي أسائلُها وهذي تسجعُ
حالٌ أَلِفْتُ به وفي زمنِ الصَّبا / رَمَقٌ وفي قوسِ الشبيبةِ مِنزَعُ
واِذا الشبابُ مضى بغيرِ لذاذةٍ / تُصبي الخليَّ فاِنَّه لمضيَّعُ
ما أنتَ أوَّلَ مَنْ أطاعَ فؤادَهُ / فغدا يَخُبُّ به الغرامُ ويوضِعُ
فاخلعْ عذارَ اللهو قبلَ فواتِه / مرحاً ورَيْعانُ الشبابِ مشفَّعُ
فالعيشُ كلُّ العيشِ اِمّا روضةٌ / غناءُ أو قدحٌ يدارُ مُشَعْشَعُ
هاتيكَ تصبيكَ الزهورُ أنيقةٌ / فيها وذاكَ لفرطِ همَّكَ يردعُ
رقَّ الزجاجُ وراقَ فيه خمرُهُ / حتى حسبتَهما سراباً يلمعُ
فتوافقا لوناً وحسنَ صناعةٍ / فالكأسُ أصنعُ والمُدامةُ أنصعُ
ومعاشرٍ صدعوا الفؤادَ بعذلِهم / والعذلُ يصدعُ والملامةُ تقدعُ
عذلوا فقلتُ وفي الجوانحِ جمرةٌ / للعذلِ يشكو مِن لظاها الأضلعُ
ماذا يريدُ العاذلونَ وقد خلا / للقوم مصطافٌ يروقُ ومربعُ
ومضى الوصالُ حميدةٌ أيامُه / كرهاً فأَخْفَقَ في الَّلقاءِ المطمعُ
فدعوا محبّاً ما ألمَّ مُسلَّماً / حتى دعا بهمُ الفراقُ فودَّعوا
فأقامَ يَخْذُلُهُ التصبُّرُ بعدَما / بانوا وتنصرُهُ عليهِ الأدمُعُ
متبلَّداً متلدَّداً لا حزنُهُ / يُغني ولا فرطُ التلهُّفِ ينفعُ
يَشْجَى فتُسعِدُهُ بوادرُ عبرةٍ / والطيرُ تصدحُ والصباحُ ملمَّعُ
في أربعٍ كادتْ لِما صنعَ النوى / تبكي بعينِ صبابةٍ لا تَدمَعُ
ذهبوا وغيرَّها الزمانُ ونشرُهمْ / في كلَّ ناحيةٍ بها يتضوَّعُ
يا مَنْ يبيتُ وطرفُهُ مِن بعدِما / رحلَ الأحبَّةُ ساهرٌ لا يَهجعُ
رحلوا وقد كانَ الحجابُ وصونهمْ / قبلَ النوى فيه لقلبكَ مقنعُ
وأما وأيّامِ العقيقِ ولَعْلَعٍ / ما زالَ يُشغفُني العقيقُ ولَعْلَعُ
فلكم أُراجِعُ في النزوعِ اليهما / قلبي ويُغريهِ الحمى والأجرَعُ
هذا يذكَّرهُ وذاكَ يشوقُه / وهما يقودانِ الحنينَ فيتبعُ
ارضُ يُرى في كل ناحيةٍ لها / أو كلَّ قطرٍ للأحبَّةِ مطلعُ
أحبابَنا كم ذا الولوعُ بهجرِنا / عَنَتاً ولي بكمُ فؤادٌ مولعُ
دمعي وصبري يومَ زُمَّتْ عيسُكمْ / ضدّانِ ذا عاصٍ وهاطَّعُ
يا صبرُ بنْ بعدَ الخليطِ فهذه / الأطلالُ وهي مِنَ الحبائبِ بلقعُ
لم يبقَ بعدَ رحيلِ جيرانِ النقا / اِلاّ ادَّكارُ هوًى وسِنٌّ تُقْرَعُ
أزمانَ وصلِهمُ الشهيَّ وما مضى / مِن طيبِ عهدِكَ هل لعصرِكَ مرجِعُ
ما مزنةٌ سقتِ الديارَ دموعُها / وجلَتْ عزاليها البروقُ اللمَّعُ
يوماً كددمعي أو كنارِ تحرُّقي / والعيسُ تُحدَجُ والهوادجُ تُرْفَعُ
تَضاعُفُ ما ألقاه غيرُ بديعِ
تَضاعُفُ ما ألقاه غيرُ بديعِ / ولي كَبِدٌ للبينِ ذاتُ صدوعِ
سلامٌ على أُنسي وقلبي وراحتي / وطيفِكمُ بعدَ النوى وهجوعي
سلامٌ امرئٍ أمسى رهينَ صبابةٍ / وشوقٍ إلى رؤايكمُ وولوعِ
قنوعٍ بما تُهدي الرياحُ وطالما / تفيّأَ ظلَّ الوصلِ غيرَ قنوعِ
يَحِنُّ إذا ما شامَ ومضةَ بارقٍ / على عَذّباتِ الأبرقَينِ لموعِ
حنينَ المطايا الهيمِ من بعدِ ظِمئها / الى طيبِ وردٍ بالحِمى وشروعِ
إِذا نكَّبتْ ماءَ العُذَيبِ فِإنَّهُ / على ثقةٍ منها بماءِ دموعي
يوزَّعهُ البينُ المشتَّتُ ظالماً / على جيرةٍ بالمنحنى وربوعِ
صَحِبْتُهمُ والعيشُ في عُنفوانِه / شهيَّ المبادي والشبابُ شفيعي
لياليَ لم يقدحْ زِنادَ فراقهم / ضِرامُ الهوى العذريَّ بينَ ضلوعي
متى شئتُ غازلتُ الغزالَ مُقرَّطا / على غِرَّةِ الواشي وباتَ ضجيعي
مُدِلاً بأبرادِ الشبابِ مباعداً / بعزَّتها عن ذِلَّةٍ وخضوعِ
إلى أن تبدَّتْ للمشيبِ أوائلٌ / تشيرُ على غَيَّ الهوى بنزوعِ
تبدَّلتُ عن ليلِ الشبيبةِ مُكْرَهاً / بصبحٍ مِنَ الشيبِ المُلِمَّ فظيعِ
بدا طالعاً راعَ الشبابَ نهارُه / ومَنْ لي به لو دامَ بعدَ طلوعِ
سأبكي بِدّرَّ الدمعِ ماضي شبابِه / فاِنْ لم يُفِدْ بكيَّتُه بنجيعِ
ربيعَ زمانِ العمرِ والوصلُ مكثِبٌ / وناهيهما مِن نعمةٍ وربيعِ
فما ذُخِرَتْ تلكَ الدموعِ واِنْ غلتْ / لغيرهما في حِنْدِسٍ وصديعِ
ومما شجاني البرقُ يهتزُّ ناصعاً / لموعاً كمطرورِ الغِرارِ صنيعِ
فحتامَ بالبرقِ الحِجازيَّ مَوْهِناً / وبالصبحِ لا أنفكُّ غيرَ مروعِ
أُراعُ بنارَيْ بارقِ وصبابةٍ / مقيلُهما مِن مزنةٍ وضلوعِ
وأرتاحُ أن هبَّ النسيمُ مُعنبَراً / رقيقَ حواشي البُردِ بعدَ هزيعِ
كأنَّ الصَّبا قد بشَّرتْني بأوبةٍ / لِمَنْ بانَ عن روضِ الحمى ورجوعِ
وهيهاتَ لا ظِلُّ الشبابِ وقد نأوا / ظليلٌ ولا مرعى الهوى بِمَريعِ
وخَرْقٍ جزعنا بالمطيَّ سرابَهُ / وما فوقَها للبينِ غيرُ جَزُوعِ
تجولُ مِنَ الضُّمرِ النسوعُ واِنَّنا / لأنحفُ مِن جُدْلٍ لها ونسوعِ
عليها رجالُ الوجدِ لم تلقَ فيهمُ / لفادحِ خطِب البينِ غيرُ قريعِ
متى صُمَّ عن داعي الغرامِ عصابةٌ / فما فيهمُ في الوجدِ غيرُ سميعِ
بكَوا في رسومٍ غيرَّتْها يدُ البِلى / بدمعٍ على أطلالهنَّ هموعِ
بكاءَ مشوقٍ في الديارِ مُوَلَّهٍ / سميعٍ لأحكامِ الفراقِ مطيعِ
أضاعَ عهودَ القومِ لمّا أذاعَها / بدمعٍ لأسرارِ الغرامِ مذيعِ
أفي كلَّ يومٍ عبرةٌ لكَ تَهمَعُ
أفي كلَّ يومٍ عبرةٌ لكَ تَهمَعُ / وقلبٌ مِنَ البينِ مُوَجَّعُ
وورقاءَ تَهدي لاعجَ الشوقِ والهوى / اِذا ما انبرتْ فوقَ الغصونِ تُرَجَّعُ
وريعٍ إذا حيَّيتَ دارسَ رسمِه / شجتكَ ديارٌ للأحبَّةِ بلقعُ
منازلُ يَشجيني لهنَّ وقد خلا / مِنَ القومِ مصطافٌ يروقُ ومريعُ
أسوفُ ثرى الأطلالِ فيها وهكذا / أخو الشوقِ مِن فرطِ الصبابةِ يصنعُ
وقفتُ بها والدمعُ تجري غروبُه / على الخدَّ منّي والحمائمُ تَسجَعُ
فمنهنَّ تغريدٌ ومنّي على الحمى / وأيامِه نوحٌ يزيدُ وأدمعُ
حمائمُ لم يسجعنَ في البانِ والغَضا / مغرَّدةً إلا وعينايَ تَدمَعُ
على جيرةٍ بانوا فلي بعدما نأوا / على الربعِ جفنٌ بالمدامعِ مُترَعُ
حَفِظْتُ لهمْ عهدَ الحمى وزمانَه / على أنَّهمْ خانوا العهودَ وضيَّعوا
لقد أودعوا قلبي مع الوجدِ والأسى / ضِرامًا مِنَ الأشواقِ ساعةَ ودَّعوا
فلا أدمعي ترقا ولا القلبُ ساكنٌ / ولا لوعتي تخبو ولا العينُ تهجعُ
يُجَدَّدُ لي ذكراهمُ كلَّ ساعةٍ / فؤادٌ بأيامِ التواصلِ مولعُ
وما كنتُ أدري قبلَ ما بانَ حيُّهم / بأنَّي إذا بانوا عنِ الجِزعِ أجزعُ
ولا أن تَهيامي القديمَ يعيدُه / جديدًا كما كان الحنينُ المرجَّعُ
ومما شجاني في الأراكِ حمامةٌ / تنوحُ وبرقٌ جَنبَهُ يتلمَّعُ
أُقابلُ ذا مِن نارِ قلبي بمثلِه / وتصدحُ هذى في الغصونِ فيُصدَعُ
وقائلةٍ والحيُّ قد سارَ غُدوةً / ولم يبقَ مِن قربِ التزاورِ مطمعُ
وقد ضقتُ ذرعًا بالفراقِ وصُنْعِه / حنانيكَ كم تبكي وكم تتوجَّعُ
كأنَّك لم تعلمْ بأنَّكَ في الهوى / تُعذَّبُ أحيانًا به وتُمتَّعُ
فقلتُ لها أُبدي التجلُّدَ ظاهرًا / ولي كَبِدٌ مِن هولهِ يَتقطَّعُ
سأقنعُ بالطيفِ الملمَّ على النوى / وما كنتُ لولا البعدُ بالطيفِ أقنعُ
وأقرعُ سنَّي للفراقِ ندامةً / على فائتِ الوصلِ الذي ليس يَرجِعُ
على أننَّي ما زالَ قلبي معذَّبًا / بجيرانِ سَلْعٍ أن أقاموا وأزمعوا
وحوراءَ بانتْ عن مرابعِ لَعْلَعٍ / فما راقني مِن بعدِ ذلكَ لَعْلَعُ
ولا شاقني مِن بعدِما أوضعتْ بها / الى البينِ أعضادُ النجائبِ مَوضِعُ
فهل لليالي القربِ مِن بعدِ ما مضتْ / حميدةَ أوقاتِ الزيارةِ مَرجِعُ
ومَنْ لي بأنْ يدنوا المزارُ فأشتكي / اليها صنيعَ البينِ بي وهي تَسمَعُ
وأُنشدُها مّما أُحبَّرُ شُرَّدًا / يَذِلُّ لها حُرُّ الكلامِ ويخضعُ
لها في نديَّ القومِ نشرٌ تخالُه / شذا المسكِ في أرجائهِ يتضوَّعُ
متى سمعوا منّا البديعَ وعظَّموا / محاسنَهُ نظَّمتُ ما هو أبدعُ
معانٍ هي البحرُ الخِضَمُّ يَزينُها / كلامٌ هو الروضُ الأريضُ الموشَّعُ
على مَفْرقِ الأيامِ مِن دُرَّ لفظِها / وعسجدِ في الدهرِ تاجٌ مرصَّعُ
ما ضرَ أهلَ الحمى لو أنَّهمْ رجعوا
ما ضرَ أهلَ الحمى لو أنَّهمْ رجعوا / بانوا فأقفرَ مصطافٌ ومرتبَعُ
بانوا فبانَ على آثارِ نأيهمُ / عصرُ الشبابِ فمنْ أبكي ومَنْ أدعُ
أحبابَنا لا تظنُّوني أُقادُ الى / قومٍ سواكمْ فأسلوكمْ وأتَّبِعُ
مُنايَ اِصلاحُ ما بيني وبينكمُ / وكلُّ شيءٍ مِنَ الدنيا له تَبَعُ
وقفتُ بعدكمُ في الربيعِ أندبُه / والحافزانِ هما التبريحُ والهلعُ
مرابعٌ لم أزلُ فيهنَّ ذا جزعٍ / بعد الخليطِ وماذا ينفعُ الجزعُ
خلتْ ملاعُبها مِن كلِّ غانيةٍ / نأتْ فدمعي على آثارِها دُفَعُ
اِنْ ضنَّتِ السُّحْبُ جادَتْها غمائمُه / أو أمسكَ القطرُ أمسى وهو مُنْدَفِعُ
ديارُ هندٍ سقتْها كلُّ غاديةٍ / مِنَ الجفونِ إذا ما أخلفَ الكَرَعُ
مازلتُ أسالُ عنها كلَّ بارقةٍ / تبيتُ بين سَواري السُّحْبِ تَمتصِعُ
كأنها زفراتي حين يَضرِمُها / بعدَ التفرُّقِ لي في قربهمْ طمعُ
ياقلبُ ويحكَ كم تأبى نفارَهمُ / فتستفيقُ زمانا ثم تنخدعُ
ما أنتَ أوَّلَ مَنْ شاقتْهُ لامعةٌ / على الديارِ ولا هتّافةٌ سُجُعُ
مازلتَ بي وبما تهواه مِن عُلَقٍ / حتى علتني لأثوابِ الضنى خِلَعُ
حملتَ ثِقلَ أليمِ الهجرِ مُضْطَلِعاً / به فكيف بحملِ البعدِ تضطلعُ
في كلِّ يومٍ نياقُ البينِ مُحْدَجَةٌ / تَخُبُّ كرهاً بَمنْ تهواه أو تضعُ
هذا على الوجدِ قلبٌ لا يقلِّبُه / طولُ الفراقِ ولا بالعذلِ يرتدعُ
قلبٌ تنفِّرُه البلوى فتَعطِفُه / عن الغرامِ وَتثنيهِ له الخُدَعُ
والحبُّ في مذهبِ العشاقِ كلِّهمُ / داءٌ دويُّ ومبدا أمرِه الولَعُ
وفَوا فخانَهمُ الأحبابُ وانتقضتْ / تلكَ العهودُ إلا يا بئسَ ما صنعوا
جيرانَنا حبذا أيامُ ذي سَلَمٍ / والدارُ دانيةٌ والشملُ مجتمعُ
أبعدَ ذاكَ التداني مِن دياركمُ / أبيتُ والهجرُ عن لقياكمُ يَزَعُ
أماّ الغرامُ وأنتم تعلمونَ به / لكم مجيبٌ وأمّا الصبرُ ممتنعُ
لا أدَّعى أننّي جلدٌ عليه ولا / أقولُ اِنّي بدرعِ الصبرِ مدَّرعُ
مَنْ لي بردَّ ليالينا بكاظمةٍ / لو أنهَّا بعدَ طولِ البعدِ تُرتْجَعُ
قد كانَ لي في زمانِ اللهوِ عندكمُ / قبلَ النوى وتنائي الدارِ مُتَّسَعُ
يا ساكني هضباتِ القاعِ مِن اِضَمٍ / بالعيشِ بعدَ نواكمْ لستُ أنتفِعُ
ما كنتُ قبلَ النوى بالوصلِ مقتنعاً / واليومَ بعدَ النوى بالطيفِ أقتنعُ
ملاتْمُ القلبَ مِن شوقٍ ومِن حُرَقٍ / ومِن تجنِّ وهجرٍ فوقَ ما يَسَعُ
كان اللقاءُ مع الساعاتِ مقترناً / واليومَ مَنْ لي به لو أنَّه لُمَعُ
يا ناظمي الشعرَ هذا في جزالتهِ / مِنَ البديعِ الذي ما شابَهُ بِدَعُ
لا يستكينُ لأشعارٍ ملفقَّةٍ / ولا يُرى في حواشي لفظهِ ضَرَعُ
شِعرٌ وسحرٌ إذا خادعتَ في أربٍ / به العقولَ أجابَ الأعصَمُ الفَرِعُ
هذا النظيمُ الذي أضحى يُطاوعُني / في سبكهِ النُّظّامِ يَسْتَنِعُ
لو أنَّه خُطَبٌ زادتْ به عِظَماً / على تعاظُمِها الأعيادُ والجُمَعُ
خلا مِنَ القومِ مصطاف ومرتبعُ
خلا مِنَ القومِ مصطاف ومرتبعُ / فليس في راحةٍ مِن بعدهمْ طَمَعُ
ساروا فكلُّ سرورٍ بعدَ بينهمُ / ولذَّةٍ لتنائي دارهمْ تَبَعُ
تلكَ الديارُ فما ضرَّ الذين نأوا / عنها بحكمِ النوى لو أنَّهم رجَعُوا
ما زلتُ بعدَ نوى الأحبابِ ذا جَزَعٍ / على الربوعِ وماذا ينفعُ الجَزَعُ
بانوا فأصبحتُ أشكو بعدما رحلوا / قبيحَ ما صنعَ الحادي وما صنعوا
مَنْ لي بلمياءَ لو يدنو المزارُ بها / بعدَ الفراقِ فأشكوه وتستمعُ
شكوى تكادُ لها صُمُّ الصَفا جَزَعاً / كما تصدَّعَ قلبي منه تَنصَدِعُ
لكنَّه الوجدُ ما أشناه فيه مَله / نحوي انطياعٌ وما أهواه يمتنعُ
والحبُّ أسبابهُ شتى ومعظمُها / فيما رأيناه منها العينُ والولعُ
يا منزلاً بانَ أهلوه وغيَّرَهُ / طولُ الزمانِ فدمعي فوقه دُفَعُ
أبكيكَ حزناً وأبكي مَنْ نأى أسفاً / عنكَ الغداةَ فمَنْ أبكي ومَنْ أدعُ
لو أن قلبي على ما كنتُ أعهدُه / ما كان يَصْدُفُ أحياناً وينخدعُ
يا قلبُ لا بالتجني عن محبتَّهِمْ / يُفيقُ منها ولا بالهجرِ يَرْتَدِعُ
في الناسِ عمن ترى في ودَّه مَلَقاً / أعواضُ خيرٍ وفي الأهواءِ مُتَّسَعُ
يا برقُ نارُكَ مِن وجدي ومِن حُرَقي / مضرومةٌ في عِراصِ الربعِ تَمْتَصِعُ
كأنَّها زفراتي عندَما كَرَبتْ / تلكَ الحمولُ عن الجرعاءِ ترتفعُ
تسري بهنَّ المطايا وهي لاغبةٌ / هِيمٌ تَراقلُ بالأحبابِ أو تَضَعُ
اِذا تبدَّتْ لها الكثبانُ وانكشفتْ / بالوخدِ عنها تراءى السَّقطُ والجَرَعُ
في مهمهٍ يتساوى في مجاهلِه / خِرَّبتُه فَرَقاً والعاجزُ الضَّرِعُ
حيث الاِكامُ إذا عاينتَهنَّ بها / عاينتهنَّ بضافي الآلِ تَلْتَفِعُ
أحبابَنا أن نأيتمْ عن دياركمُ / وأصبحَ الصبرُ عنكم وهو ممتنعُ
لا تحسبوني إذا ما الدهرُ باعدكمْ / بالعيشِ
لا كان ذاكَ العيشُ / أنتفعُ
طوبى وليت ولهفي غيرُ واحدةٍ / على زمانِ الحمى لو كان يُرتجَعُ
أبكي إذا سجعتْ في الأيكِ صادحةٌ / والدهرُ عن قربِ جيرانِ النقا يَزَعُ
بأدمعٍ كلَّما جادتْ سحائبُها / فما نخافُ إذا ما أخلفَ الكَرَعُ
وجدي يثيرُ لظاهُ كلُّ بارقةٍ / تبيتُ بين سواريَ السحبِ تلتمعُ
ودمعُ عَيْنِيَ تَمرِيهِ متى شجعتْ / على صوامِعها الحنّانَةُ السُّجُعُ
كمِ الفؤادُ وكم مقدارُ قدرتهِ / حتى تحمَّلَ منهم فوقَ ما يَسَعُ
وكم يُقادُ إلى مَنْ يعنفونَ على / ما عندهُ من تجنَّهمْ فيتَّبِعُ
وكم يكون اصطباري بعد رحلتهمْ / عنِ العقيقِ وكم بالطيفِ اقتنعُ
أليس لي جسدٌ أودى الغرامُ به / فكيف بالبينِ أو بالهجرِ يضطلعُ
يا أيُّها النظمُ قد أغريتُ فيكَ وقد / أعربتُ والحقُّ شيءٌ ليس يندفَعُ
لولاكَ ما عرفَ العشاقُ مذهبَهمْ / فيه ولا شرعوا في الحبَّ ما شرعوا
ولا أقولُ الذي قد قلتُه عبثاً / أين النظيمُ ومن في سبكهِ برعوا
وأين مِن أهلِ هذا الفنَّ مَنْ وقفتْ / مِن دونِ حلبتهِ الأضدادُ والشَّيَعُ
هذا قريضٌ إذا فاه الرواةُ به / وطارَ فَهْوَ على سِرَّ الهوى يقعُ
وسُبَّقٍ مِن جيادِ الشَّعر قد عجزتْ / عن الَّلحاقِ بهنَّ الشُّرَّبُ المِزَعُ
أهلُ الحِمى قد أودَعوا
أهلُ الحِمى قد أودَعوا / قلبي جوًى وودَّعوا
فقلْ لعُذالي اعذلوا / بعدَ نواهمْ أو دعوا
بانوا فهل لقربهمْ / بعدَ التنائي مَرجِعُ
أم هل لنا في عودِهمْ / الى الديارِ مطمعُ
تُذْكِرُني أيامَهمْ / حمامةٌ تُرجَّعُ
فأنثني وقد تروَّتْ / مِن دموعي الأربٌعُ
وليس للدارِ وللتذَّكارِ / إلا الأدمُعِ
أذالَ على بالي الرسومِ المدامعا
أذالَ على بالي الرسومِ المدامعا / مشوقٌ رأى برقاً على الغَورِ لامعا
وخاطبَ اطلالاً رآها أواهلاً / بأهلِ الحمى دهراً فعادتْ بلاقِعا
فلم يرَ في الأطلالِ إلا ابنَ دايةٍ / يُرى طائراً فوقَ الربوعِ وواقعا
منازلُ قد كان الشبابُ إلى المها / زمانَ الحِمى والحاجبيَّةِ شافعا
مرابعُ سقّاها مِنَ المزنِ هاطلٌ / كدمعي إذا أصبحتُ مِلْهينِ جازعا
وحيّا الحيا قوماً على الجِزْعِ والحِمى / أضاعوا على حكمِ الضلال الودائعا
لئن ضيَّعوا عهدي فما ضاعَ عهدهمْ / وحاشا بعدَ الحفظِ يُحسَبُ ضائعا
حبائبُ أدنتني اليهنَّ في الهوى / نوازعُ شوقٍ لا أُرى عنه نازعا
وفي عرصاتِ الدارِ منَّيَ والهٌ / يُرى في ذُراه داميَ الجفنِ دامعا
أُسقَّي ثرى تلكَ الطلولِ بادمعي / وأخلُفُ في النوحِ الحمامَ السواجعا
وأنظُر هاتيكَ الرسومَ خوالياً / فتنهلُّ فيهنَ الدموعُ هوامعا
ومما شجاني البرقُ في عرصاتِها / وقد لاحَ محمرَّ الذوائبِ ناصعا
فأَذكَى صباباتٍ تقادَمَ عهدُها / بأهلِ الحِمى حيَّ الحِمى والأجارعا
وأشتاقُ أيامَ الدنوَّ فهل أَرى / زمانَ التداني بالأحبَّةِ راجعا
وما لغليلِ الشوقِ إلا دنوُّه / دواءٌ إذا جمرُ الهوى عادَ لاذعا
وما شوقُ ورقٍ غابَ عنها هديلُها / وقد كانَ ما بينَ الحدائقِ ساجعا
تنوحُ سُحَيراً في الغصونِ كأنَّما / لها عَذَبُ الباناتِ أمستْ صوامعا
فتصدعُ قلبي حينَ تصدحُ سُحرةً / وقد حلَّ أهلُ الرقمتينِ مُتالعا
كشوقي إلى جيرانِ سَلْعٍ وحاجرٍ / واِنْ ضيَّعوا سِرّى فأصبحَ ذائعا
وهَجْلٍ به تُنضَى القَطا الكُدْرُ جُبْتُهُ / بأعيسَ يُدينهِ واِنْ كانَ شاسِعا
اخوضُ به لُجَّ العساقيلِ بعدَ ما / شقتُ به نحوَ الخليطِ اليَلامِعا
يُجاذِبني فضلَ الجديلِ وقد غدتْ / عياءً بُنيّاتُ الجَديلِ خواضِعا
يَطُسنَ بركبانِ الغرامِ على الوَجا / الى جيرةٍ بالرقمتينِ اليَرامِعا
فأغدو على ظهرِ المطيَّةِ ساجداً / مِن الأينِ ما بينَ الصَّحابِ وراكِعا
الى أن أرى شمساً شهيّاً بزوغُها / مِن الحيَّ أو بدراً مِن الخِدْرِ طالِعا
وكم ليلةٍ قد بتُّ ارعى نجومَها / وقد حَسَدَتْ عيني العيونَ الهواجِعا
أُساهرُ ديجورِها النجمَ حائراً / وأهجرُ في ظَلْمائِهنَّ المضاجِعا
غراماً بوجهٍ لو بدا من خبائه / رأيتَ له نوراً على الأُفْقِ ساطِعا
يعودُ له بدرُ السماءِ إذا بدا / له ورآه خاسئَ الطرفِ خاشعا
وما روضةٌ قد وشَّحَتْها يدُ الحيا / بدمعِ سحابٍ قد كساها الوشائعا
فاصبحَ فيها النَّورُ يَبسِمُ ثغرُه / وفاحَ بها عَرفُ الأزاهيرِ رادِعا
بأحسنَ مِن شعري وأين كمثلِه / جواهرُ من لفظٍ تُحلَّي المسامعا
يُحيَّرُ ربَّ المنطقِ الجزلِ لفظُه / فيصبحُ مِن بعدِ التعاظُمِ ضارعا
تراه على ذاكَ الترفُّعِ نادماً / اِذا حطَّهُ شعري وللسنَّ قارعا
ويغدو وما بينَ الأضالِعِ جذوةٌ / على الشعرِ نظمي قد حشاها الأضالِعا
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي
أعيدوا حديثَ الظاعنينَ على سمعي / اِذا شئتمُ مِن دونِ أهلِ الورى نفعي
واِلاّ فخلُّوني وما شاءَ هُ الهوى / فما ضاقَ يوماً عن معاناتِه ذَرْعي
وخلُّوا المطيَّ الهوجَ تبتدرُ الفلا / فاِنْ ظمئتْ فيها المطايا فها دمعي
مدامع قد أضحت على كل حادث / موزعة حتى على العيس والربع
واِنْ لمعَ البرقُ الحِجازيُّ شاقني / تألقُّهُ ما بين خَبْتٍ إلى جَمْعِ
تألَّقَ خفّاقَ الوميضِ كانَّه / فؤادي وقد سارَ الأحبَّةُ عن سَلْعِ
فأجرى وأذكى جاحمَ الشوقِ لمعُه / دموعي وما بين الجوانحِ مِن لَذْعِ
فللّهِ ايماضُ البروقِ كأنَّها / قواضبُ شيمتْ تحت ليلٍ مِنَ النقعِ
ومشمّا شجاني في الظلامِ ابنُ دوحةٍ / يُغَنَّي مِنَ الباناتِ شوقاً على فرعِ
فهمتُ بتسجيعِ الحمامةِ سُحرةً / وكلُّ أخي وجدٍ يَحِنُّ إلى السجعِ
وأحسستُ مِن ذاكَ التغرُّدِ في الحشا / لذكرِ الحمى لَسْعاً أشدَّ مِن اللَّسعِ
فمَنْ لي به والعيسُ في الآلِ ترتمي / بنا نحوَهُ ما بين خفضٍ إلى رفعِ
وتلكَ المطايا الخُوصُ في غَمَراتِه / مِن الضُّمرِ كلٌّ في العَساقيلِ كالنَّسْعِ
تؤمُّ بنا ماءَ العُذَيبِ وأهلَهُ / اِذا عاقَها الشوقُ المطاعُ عن الجِزعِ
فيا حارِ هل عاينتَ ناراً على الحمى / بدتْ لكَ وهناً أم رأيتَ سنا لمعِ
وهل نفحتْ عن منحنى البانِ نفحةٌ / ففزتَ بما فيها للمياءَ مَنْ رَدْعِ
فعينايَ في شُغْلٍ بفائضِ دمعِها / وقد نَثَرَتْهُ مِن فُرادى ومِن شَفْعِ
ومِن عجبٍ أنَّي اُريدُ عليهما / معيناً ومَن بُعدي على العينِ والدمعِ
ومَنْ ذا الذي مِن بعدِ جيرانِ حاجرٍ / يحاولُ صدَّي أو يَعِنَّ له منعي
وغيرُ عجيبٍ أن جَزِعتْ وقد سرتْ / حمولُهمُ تأتمُّ نجداً ولا بِدْعِ
بلاداً بها جادَ الزمانُ بقربِهمْ / عليَّ ولم يجنحْ إلى البُخْلِ والمَنْعِ
لئن سارَ مَنْ أهوى وسارتْ برحلهِ / مُضبَّرةُ المتنينِ مَوّارةُ الضَّبْعِ
لارتحلنَّ العيسَ بُدْناً توامِكاً / اِذا كان شملُ الوصلِ آلَ إلى صَدْعِ
وأتركُنها وهي التوامكُ سُهَّماً / تروحُ على أينٍ وتغدو على ظَلْعِ
الى أن يعودَ الشملُ بعدَ انصداعِه / وبعدَ فراقِ الظاعنينَ إلى جَمْعِ
وأُنشِدُ أشعاراً براهنَّ فاغتدتْ / كما أشتهيهِ جودةُ الفكرِ والطبعِ
قريضاً له في كلَّ عقلٍ خديعةٌ / ومُعجِبُه ما كان ضرباً مِنَ الخضدْعِ
قلائدُ أشعارٍ أُنضَّدُ دُرَّها / اِذا نضَّدَ الأقوامُ شِعراً مِنَ الوَدْعِ
نظيمٌ غدتْ ألفاظُه وهي نُصَّعٌ / مُبرأةٌ مما يَشينُ مِنَ القَرْعِ
يقولُ رجالٌ يسمعونَ بديعَهُ / لعمرُكَ ما في الطوقِ هذا ولا الوَسْعِ
لها في نفوسِ الناسِ وقعٌ إذا غدا / قريضُ أناسٍ وهو مُسْتَضْعَفُ الوَقْعِ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ
شكايةُ الصبَّ إلى الأربُعِ / ضلالةٌ في الوجدِ لم تنفعِ
وكيف يشكو فَعِلاتِ الهوى / فيهنَّ والأطلالُ لم تسمعِ
فهل لذاكَ الوصلِ مِن عودةٍ / أم هل لماضي العيش من مَرجِعِ
أم هل لمَنْ روَّعني صوتُه / بالصبحِ والاِصباحُ لم يَطلُعِ
أذانهُ شَتَّتَ شملَ الهوى / ليت المنادي بالنوى قد نُعي
مِن غفلةٍ عنه واِلاّ فيا / ليت أذانَ الصبحِ لم يُسمَعِ
فأيُّ دمعٍ لم يَفِضْ حُرْقَةً / وأيُّ قلبٍ منه لم يُصْدَعِ
يا دارُ سقّاكِ مُلِثُّ الحيا / مِن دِيمةٍ وطفاءَ لم تُقلِعِ
كأنَّها في الدارِ بعدَ النوى / وبعدَ جيرانِ النقا أدمعي
للهِ مِن نارِ هوًى بعدّهمْ / تُحنى على زفرتِها أضلعي
ومِن مقامٍ قمتُ فيه على / حُكْمِ وَدَاعٍ لهمُ مُفظِعِ
ومِن نوًى قد بَسَطَتْ شقَّةً / طالتْ على أينقنا الظلَّعِ
وليلةٍ قلتُ وقد أطنبتْ / عاذلتي في عذلِها
الموجِعِ /
لومي على فرطِ غرامي بهم / اِنْ شئتِ يا لائمتي أو دعي
فلستُ بالقابلِ عذلاً وهل / يقبلُه منكِ فتًى لا يعي
هذا فؤادٌ بعدَهمْ خافقٌ / ومقلةٌ للبينِ لم تَهجَعِ
ومغرمٍ قالَ لأيامِه / بعدَ النوى ما شئتِ بي فاصنعي
فليس لي مِن راحةٍ بعدَهمْ / كلاّ ولا في العيشِ مِن مطمعِ
يقلقُني البرقُ إذا ما بدا / كالسيفِ مسلولاً على لَعْلَعِ
فَيَنْفِرُ النومُ لأيماضِه / ويَصدِفُ العاني عنِ المضجعِ
ويطَّبيهِ فوقَ بانِ الحِمى / نوحُ حمامٍ بالغَضا سُجَّعِ
يَنُحْنَ في الأيكِ فيُبدي أسًى / مِن نوحِها سرُّ الهوى المودَعِ
ويذكرُ العهدَ فيخشى على / أعشارِ قلبٍ بهمُ مولَعِ
مالي وللآثارِ ابكي على / رسومِ أطلالهمُ البلقعِ
وأُنشدُ الأشعارَ في أربُعٍ / للشوقِ أسقيهنَّ بالأربَعِ
شعراً غدا كالماءِ مِن رقَّةٍ / بغيرِه الغُلَّةُ لم تَنقَعِ
أنظِمُ منه كلَّ سيارةٍ / تُنشَدُ في نادٍ وفي مجمعِ
اِذا حدا الحادي بها نجبَهُ / طوتْ شِقاقَ البيدِ بالأذرعِ
بحملِها وهي على أينها / دامية الأخفاف والأنسع
جوهرُ لفظٍ قد أشارَ النهى / اليه في النضيدِ بالاصبَعِ
فأيُّ لفظٍ فيه لا يُشتهى / وأيُّ فضلِ فيه لم يُجمَعُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025