المجموع : 5
مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا
مَنْ سَلَبَ الأعْيُنَ أنْ تَهْجَعَا / وبَزَّ ذَاتَ الطَّوْقِ أنْ تَسْجَعَا
ومَنْ رَمَى بالشوْكِ في مَضْجَعِي / فَبِتُّ مَكْلُومَ الْحَشَا مُوجَعَا
رَوَّعَني واللَّيْلُ في زِيِّهِ / مِنْ مُرْجِفاتِ الْخطْبِ ما رَوَّعا
طاحَتْ بِأَهْلِ الْغَرْبِ نارُ الْوَغَى / وهَبَّت الريحُ بِهِمْ زَعْزَعا
طافَ عَلَيْهِمْ بالردَى طائِفٌ / فَاخْتَرَمَ الأَنْفُسَ لَمَّا سَعَى
وصاحَ فيهِمْ لِلتَّوَى صائِحٌ / فَصَمَّتِ الأَسْماعُ مُذْ أَسْمَعا
في البْبَرِّ في الْبَحْر ومِنْ فَوْقِهِمْ / لم يَتْرُكِ الْمَوْتُ لَهُمْ مَوْضِعا
يجَْمَعُهُمْ جَبَّارُهُمْ عَنْوَةً / وإنَّما لِلْمَوْتِ مَنْ جَمَّعا
يَحْسُو دَمَ الْقَتْلَى فَأَظْمِىءْ بِهِ / ويَنْهَشُ اللَّحْمَ فما أَجْشَعَا
لم يَكْفِهِ رُمْحٌ ولا مُرْهَفٌ / فاتَّخَذَ الْمنطادَ والْمِدْفَعا
وَخَبَّ فِيها راكِباً رَأْسَهُ / لِلشرِّ ما خَبَّ وما أَوْضَعا
قَدْ غَصَّتِ الأرْضُ بأشْلاَئِهِمْ / وأصْبَحَ الْبَحْرُ بِهَا مُتْرَعَأ
وآن لِلْعِقْبَانِ أَنْ تَكْتَفي / وآنَ لِلْحِيتَأن أنْ تَشْبَعَا
صَوَاعِقُ الْمُنْطَادِ لا تُتَّقَى / وصَوْلَةُ الأَلْغامِ لَنْ تُدْفَعَا
أُطْلِقَ عَزْرائِيلُ مِنْ قِدِّهِ / يَرْتَعُ أَنَّى شاءَ أَنْ يَرْتَعَأ
تطْرِبُهُ الْحَرْبُ بأَزْجالِها / ويَسْتَبِيه السَّيْفُ إِنْ قَعْقَعَا
كَأَنَّما في صَدْرِهِمْ غُلَّةٌ / أَبَتْ بِغَيْرِ الْمَوْتِ أَنْ تُنْقَعَا
كَأَنَّهُمْ سِرْبُ قَطاً عُطَّشٍ / صَادَفْنَ مِنْ وِرْدِ الرَّدَى مَشْرَعَا
كَأَنَّهُمْ والنَّارُ مِنْ حَوْلِهِمْ / جِنٌّ تَأَلَّوْا أنْ يَبِيدُوا مَعَا
صارُوا مِنَ الْعِثْيَرِ في ظُلْمَةٍ / لا تُبْصِرُ الْعَيْنُ بِهَا الإِصْبَعَا
كَمْ فارِسٍ يَمْرَحُ في سَرْجِهِ / يَهْتَزُّ كَالْغُصْنِ وقَدْ أَيْنَعَا
كَأَنَّهُ الصَّمْصَامُ إذْ يُنْتَضَى / وعامِلُ الرُّمْحِ إِذا أُشْرِعَا
ما ضَنَّ بالرِّفْدِ على وَافِدٍ / ولا لَوَى حَقَاً ولا ضَيَّعَأ
تَمْشِي بَناتُ الْحَيِّ في إِثْرِهِ / يَرْشُقْنَهُ بِالزهْرِ إِذْ وُدِّعا
مِنْ كُلِّ بَيْضاءِ الطُّلَى طَفْلَةٍ / أَسْطَعَ مِنْ بَدْرِ الدجَى مَطْلَعا
تَكُفُّ غَرْبَ الدَّمْعِ أَنْ يُرْتأَى / وتَحْبِسُ الزفْراتِ أنْ تُسْمَعا
لَجَّ بِهِ الْمَوْتُ فَأوْدَى بِه / وحَزَّ مِنْهُ الليتَ والأَخْدَعا
ماتَ فلا قَبْرٌ لَهُ ماثِلٌ / ولا بَكَى الْباكِي وَلا شَيَّعَا
سَلْ لِيجَ ما حَلَّ بأرْجائِها / فَقَدْ غَدَتْ أَرْجاؤُها بَلْقَعَا
واسْأَلْ نَمُوراً ما دَهَى أَهْلَها / فقدْ نَعاهَا البَرْقُ فيما نَعَى
وسائِلِ الروْضَ ذَوَى نَبْتُهُ / وسائِلِ الأَطْلالَ والأَرْبُعَا
باريسُ والْعُسْرَى إِلَى يَسْرَةٍ / وغايَةُ الْعارِضِ أَنْ يُقْشِعَا
أَعَزَّكِ الْخَطْبُ بِأَوْجالِهِ / وَكُنْتِ عُشَّ النسْرِ أَوْ أَمْنَعا
كُنْتِ لِطُلاَّبِ الْهُدَى مَعهَداً / وَكُنْت رَوْضاً لِلْهَوَى مُمْرِعا
ما أحْسَنَ السِينَ وجِيرَانهُ / وأَحْسَنَ الْمُصطَافَ والْمَرْبَعا
أَرِيعَتِ الْحَسْناءُ في خِدْرِها / نَعَمْ دَعاها الذعْرُ أَنْ تَهْلَعَا
عَهْدي بِها كانَتْ نَؤُومَ الضُحَى / مَلُولةً ناعِمَةً رَعْرَها
ما خَطْبُها والنارُ مِنْ حَوْلِها / والْمَوْتُ لم يَتْرُكْ لها مَفْزَعا
ضَرَاغِمَ الْماءِ ثِبُوا وَثْبَةً / آنَ لِهَذَا الْغِيل أَنْ يُمْنَعا
دَعَاكُمُ الْجَارُ فَكُنْتُمْ إِلَى / دُعائِهِ مِنْ صَوْتِهِ أَسْرَعا
وَسِرْتُمُ لِلْمَوْتِ في جَحْفَلٍ / ما ضَمَّ رِعْدِيداً وَلاَ إِمَّعا
مِنْ كلِّ شَعْشَاعٍ خَفِيفِ الْخُطَا / ذِي مِرَّةٍ مُنْجَرِدٍ أَرْوَعا
لَوْ مَادَتِ الأَجْبَالُ مِنْ تَحْتِهِ / أَوْ خَرَّتِ الأفْلاَكُ ما زُعْزِعا
سَلُوا بِحَارَ الأرْضِ عَنْ مَجْدِكُمْ / إِنَّ بِهَا سِرَاً لَكُمْ مُودَعا
كَانَتْ وَلاَ زَالَتْ لَكُمْ سَاحَةً / تَبْنُونَ فِيها الشرَف الأفْرَعَا
تَهْوَى طُيُورُ الْماءِ أَعلاَمَكمْ / فَتَقْتَفِيهَا حُوَّماً وُقَّعا
قَدْ طافَ نِلْسُنْ حَوْلَ أُسْطُولكُمْ / مُسْتَصْرِخاً غَضْبَانَ مُسْتَفْزِعا
يُغْضِبُهُ يا خَيْرَ أَشْبالِهِ / أَنْ يَبْلُغَ القِرْنُ بِكُمْ مَطْمَعا
يَا خَالِقَ النَّاسِ طَغَى شَرُّهُمْ / فَاهْدِ الْحَيارَى واكشِفِ الْمَهْيَعا
لم يُشْبِهُوا الإِنسانَ في خَلَّةٍ / وأَشْبَهُوا الْحَيَّاتِ والأَسْبُعا
قَدْ رٌفِعَ الإِحْسانُ مِنْ بَيْنِهِمْ / وأوشَكَ الإِيمانُ أَنْ يُرْفَعا
لَولاَ سَنَا هَدْيِكَ في بَعْضِهمْ / لَدُكَّتِ الأرْضُ بِهِمْ أَجْمَعا
سَنا الشرق من أيِّ الفراديس تَنْبعُ
سَنا الشرق من أيِّ الفراديس تَنْبعُ / ومن أيِّ آفاقِ النُبوَّةِ تلمَعُ
وفي أيِّ أطواء القُرونِ تنقَّتْ / بمصباحِكَ الدنيا يَشُبُّ ويسطَع
طلعتَ على الأهرام والكونُ هامدٌ / وأشرقتَ بالإلهام والناسُ هُجَّع
طلعتَ شُعاعاً عبقريّاً كأنَّما / من الحقِّ أو نورِ البصائرِ تطلُع
وجمَّعتَ أسرارَ العقولِ فهل دَرَتْ / مخابىءُ فِرعونٍ بما كنتَ تجمَع
وجمَّلتَ أفْقَ الشرقِ والأرضُ كلُّها / سُهوبٌ تضلُّ العينُ فيهنّ بَلْقَع
أذاك ابتسامُ الغِيدِ ما أشرقتْ به / ثناياكَ أم زَهْرُ الرُّبا المتضوِّعُ
رأيتَ ابنَ عِمْرانٍ على الطُّورِ شاخصاً / يُهيبُ به الوحيُ الكريمُ فيسمَع
وأبصرتَ عيسَى ينشُرُ الرفْقَ والرضا / ويستَلُّ أحقادَ القلوبِ وينزِعُ
وشاهدتَ وَسْطَ الجَحفَلَيْنِ محمداً / وبين هُدى الإيمان والشركِ مَصْرَع
إذا صال فالدنيا مَجَرُّ رِماحِه / وإنْ قال فالأيامُ عَيْنٌ ومسْمَع
ألم تَرَهُ في بُرْدَةِ الليلِ ساجداً / ومنه دُروعُ الرومِ حَيْرَى تفَزَّع
سنا الشرق أشرق وابعث النور ساطعاً / يشُقُّ دياجير الظلام ويصدَع
أعد شمسَك الأولَى إلى الأفْقِ مثلما / أعاد ضياءَ الشمسِ للأفْقِ يُوشَع
نزَفنا دموعَ المقلتين تفجُّعاً / فهل مرةً أجدَى علينا التفجُّع
وعشنا بآمالٍ كأطيافِ نائمٍ / يروِّعها من دهرِنا ما يروِّع
شعاعُك تاريخٌ ونورُك حِكمةٌ / ولمحُك آمالٌ ونهجك مَهْيَع
إذا ضيّع التاريخَ أبناءُ أمّةٍ / فأنفُسَهُم في شِرْعَةِ الحقِّ ضيِّعوا
أبَى الدهرُ أنْ ينقادَ إلاّ لَعْزمةٍ / يخِرُّ لها الدهرُ العَتِيُّ ويخنَع
وسرُّ العلا نفسٌ كما شاءتِ العلا / طَموحٌ ورأيٌ من شَبا السيفِ أقْطع
ومَنْ يتجنّبْ في الحياة زحامَها / فليس له في ساحةِ المجدِ مَشْرَعُ
خذي مصر أسباب السماء لموطنٍ / من العز لا يسمو إليه التطلع
سحرتِ عيونَ الخافقيْنَ كأَنّما / بأرضِك سحرٌ للفراعين مُودَع
قِبابٌ ترومُ السُحْبُ إدراكَ شأوِها / ومن دونه أعناقُهنّ تَقَطَّع
وآثارُ عِرفانٍ تُضيءُ كأنّما / تناثر حول النيل عِقْدٌ مُرَصّع
دعُونا نباهي بالحياةِ فطالما / طَوى أمَم الشرقِ الحياءُ المُقنَّع
خلعنا رِداءً رَثّ من طُولِ لُبْسهِ / وكُلُّ رداءٍ رثّ باللّبْس يُخْلَع
صحا الشرقُ وانجاب الكَرَى عن عيونه / وليس لمن رام الكواكبَ مَضْجَع
إذا كان في أحلامِ ماضيه رائعاً / فنهضتُه الكُبْرى أجلُّ وأروع
توحّد حتى صار قلباً تحوطه / قلوبٌ من العُرْبِ الكرام وأضلُع
وأرسلها في الخافقيْنِ وثيقةً / لها الحبُّ يُمْلى والوفاءُ يوقِّعُ
لقد كان حُلْماً أن نرَى الشرقَ وَحْدةً / ولكن من الأحلامِ ما يُتَوقَّع
إذا عُدِّدتْ راياتُه فهي رايةٌ / وإنْ كثُرتْ أوطانُه فهي موضع
فليست حدودُ الأرضِ تفصِلُ بيننا / لنا الشرقُ حدٌّ والعُروبةُ مَوْقِع
تذوبُ حُشاشاتُ العواصمِ حسرةً / إذا دَمِيَتْ من كفِّ بغداد إصْبع
ولو صُدِعَتْ في سَفح لُبنانَ صخرةٌ / لدكَّ ذُرا الأهرامِ هذا التصدُّعُ
ولو بَرَدَى أنّتْ لخطبٍ مياهُه / لسالتْ بوادي النيلِ للنيل أدمُع
ولو مَسَّ رَضْوَى عاصفُ الريح مَرّةً / لباتت له أكبادُنا تتقطّع
أولئك أبناءُ العُروبة ما لهم / عن الفضلِ منأى أو عن المجد مَنْزَعُ
هُمُ في ظِلالِ الحقِّ جمعٌ موحدٌ / وعند التقاء الرأي فردٌ مُجمَّع
وقد يُدرِكُ الغاياتِ رأيٌ مُدرَّع / إذا ناءَ بالأمرِ الكَمِيُّ المدرَّع
لهم أملٌ لا ينتهي عند مطلبٍ / لقد ذَلّ من يُعطَى القليلَ فيقنَع
غُبارُ رحَى الهيجاء في لَهَواتِهم / من الشهْدِ أحْلَى أو من المسكِ أضْوَع
إذا لم يكن حِلْمُ الحليمِ بنافعٍ / فإنّ صِدامَ الجهلِ بالجهلِ أنفع
سلوا عنهُمُ عَمْرواً وسَعْداً وخالداً / ومُلْكاً له يرنو الزمانُ فيخشَع
تحدّثتِ الدنيا بهم في شبابِها / وجاءت إلى أبنائِهم تتطلَّع
فيا زعماءَ الشرق والشرقُ أمّةٌ / على الدهرِ لا تفنَى ولا تتضعْضَعُ
نزلتم كأطيافِ الربيعِ بشاشةً / يُضاحِككُم روضٌ من النيلِ مُمْرِع
وخلّفتُمُ أهلاً كراماً وأرْبُعاً / فحيّاكم أهلٌ كرامٌ وأرْبُع
هنا عَلَمُ الشرقِ الذي في يمينكم / ستعنو له الأيامُ والدهرُ أجْمَع
فسيروا بحمدِ اللّه للحقِّ عُصْبةً / وإنْ أسرعتْ دُهْمُ الليالي فأسرعوا
ففي همَّةِ الفاروقِ أفياءُ عِزّةٍ / وركنٌ على اللأْواء لا يتزعزع
دعانا إلى الجُلّى فأكْرِمْ بمنْ دعا / إلى الوَحْدَةِ الوثْقى وأعْزِز بمَنْ دُعوا
مليكٌ له عزمٌ هو السيفُ ماضياً / ورأيٌ إذا ما أظلم الشكُّ ألْمَع
أعاد إلى الشرقِ الشبابَ وقد مضَى / وأًَيأسُ ما يُرجَى الشبابُ المودِّعُ
فلا زال دَوْحاً للعروبة وارفاً / يُغَنِّي بِذكْراه الزمانُ ويسجَع
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ
طَلَعْتَ فأَبْصَارُ الرَّعِيَّةِ خُشَّعُ / وأَشْرَقتَ مِثْل النَّجْمِ في الأُفْقِ يَلْمَعُ
وأَقْبَلتَ تَبْني الْمَجْدَ في كلِّ مَوْضِعٍ / فَلم يَخْلُ من آثارِ مَجْدِكَ مَوْضِع
خَوالِدُ آثارٍ تَمَنَّى مِثالَهَا / عَلَى الدَّهْرِ رَمْسيسُ العَظيمُ وخَفْرَع
بَنَوْهَا لِمَا بَعْدَ الْحَيَاةِ وأَبْدَعُوا / وإِنك تَبْنِي للحَيَاةِ وتُبْدِع
مَعاهِدُ عِلْمٍ تَنْشُرُ النُّورَ والهُدَى / وتَطْوِي ظَلاَمَ الْجَهْلِ مِنْ حَيْثُ تَسْطَع
وآثارُ فَضْلٍ في البِلاَدِ رَفَعْتَها / كما كَان إِسْمَاعيلُ للْبَيْت يَرْفَع
إِذا تُمِّمَتْ من فَيْضِ جَدْواك نِعْمَةٌ / فأَنْتَ بأُخْرَى سَاهِرُ الطَّرْفِ مُولَع
جَرَيْتَ عَلَى آثارِ آبائِكَ الأُلَى / مَضَوْا ثُمَّ أَبْقَوْا ذِكْرَهَم يَتَضَوَّع
هُمُ غَرَسُوا دَوْحَ الحَضَارةِ وارفاً / تُظَللُنا مِنْهُ غُصُونٌ وأَفْرُع
أفي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ نَدَاكَ صَنيِعةٌ / تُعِيدُ إِلَى مِصْرَ الشَّبَابَ وتَرْجع
أَفِي كُلِّ يَوْمٍ للمَلِيك عَزِيمةٌ / تَخِرّ لَهَا شُمُّ الجِبَالِ وتَخْشَع
مَلَكْتَ زِمَامَ النِّيلِ يا شِبْهَ فَيْضِهِ / فَلْم يَبْقَ في مِصْرٍ بيُمْنِك بَلْقَع
وعَلَّمتَه مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ خَلَّةً / فما سَالَ إِلاّ وَهْوَ بالتِّبْرِ مُتْرَع
عَلَوْتَ مَطَاهُ وَهْوَ للأَرْض مَشْرَعٌ / وأَنْتَ لآمالِ الرَّعِيَّةِ مَشْرَع
فسَالَ يَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً بمالكٍ / لَهُ المَجْدُ تَاجٌ بالْجَلالِ مُرَصَّع
وأَشْرقَ إِقْلِيمُ الصَّعِيدِ بطَلْعةٍ / تَخِرُّ لهَا الأَعْنَاقُ طَوْعاً وتَخْضَع
بَدَتْ مِثْلَ مِصْبَاحِ السَّماءِ تَعَاونَتْ / عَلَى تِمِّهِ في الأُفْقِ عَشْرٌ وأَرْبَع
لدَى مَوْكِبٍ ما سَارَ فيه ابنُ مُنْذِرٍ / ولا نَالَه في سالِفِ الدَّهْر تُبَّع
يُحِيطُ به نُورُ الإِلهِ ونَصْرُهُ / وتَحْرُسُهُ عَيْنُ الإِلهِ وتَمْنَع
سَمِعْتُ بِه حتى إذا ما رأَيْتُهُ / رأَيْتُ بِعَيني فَوْقَ ما كُنْتُ أَسْمَع
وللشَّعْبِ قَلْبٌ حَوْلَ رَكْبِكَ خافِقٌ / ورَأْيٌ عَلَى الإِخْلاَصِ والود مُجْمِع
يزَاحِمُ كيْ يَحْظَى بنَظْرةِ عاجِلٍ / فَيَبْهَرُهُ من نُورِ شَمْسِك مَطْلَع
هُتَافٌ مِنَ الْحُبِّ الصَّميمِ انْبِعاثُهُ / تُرَدِّدُهُ أَصْدَاؤهُ وتُرَجِّعُ
مَلَكْتَهُمُ مُلْكَ الْكَرِيمِ فأَخْلَصُوا / وقُدْتَهُمُ نَحْوَ المَعَالِي فأَسْرَعُوا
فَخاراً سُيُوطٌ فِيكِ خَيْرُ مُمَلَّكٍ / تَحُجُّ لَهُ آمالُ مِصر وتُهْرَع
بَدَا مِثْلَ ما يَبْدُو الرَّبيعُ بَشَاشَةً / ووَافَى كَمَا وَافَى الرَّجاءُ المُمَنَّع
فماؤُكِ سَلْسَالٌ وطَيْرُك صادِحٌ / وغُصْنُك ريّان ووَادِيك مُمْرع
فُؤاد ابْقَ لِلْقُطْر الْخَصِيبِ تَحُوطُهُ / وتَدْفَعُهُ نَحْوَ الْحَيَاةِ فيُدْفَع
وعاشَ بِك الفَارُوقُ في ظِلِّ نِعْمةٍ / يَلُمّ شَتَاتَ المَكْرُمَات ويَجْمَع
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا
أَتَدْرِي العُلاَ مَنْ شَيَّعتْ حينَ شَيَّعوا / ومَنْ ودَّعتْ يومَ الرَّحِيلِ وَوَدَّعُوا
بَكَيْنا فَلَمْ يَشْفِ البُكَا حُرْقَةَ النَّوَى / وَلكِن إذا ضَاق الفَتَى كَيْف يَصْنَعُ
تَهِيجُ بنا الذِّكْرَى فَيغْلِبُنا الأَسَى / وتدرِكنا رُحْمَى الإِلهِ فنَخْضَع
هو المَوْتُ سَهْمٌ في يَدِ اللّه قَوْسُهُ / فَلا الحزْمُ يَثْنِيه ولا الكَفُّ تَدْفَع
نَرُوحُ إِلى حاجَاتِا وَهْوَ راصِدٌ / وننثرُ من آمالِنا وهو يَجْمَعُ
بِنَفْسي أميناً في ثِيابِ شَبابِه / يَطِير به الأمْسُ الذي لَيْسَ يَرْجعُ
أقام كمَا تبْقَى الأَزَاهِيرُ لَمْحةً / وزَالَ كما زَال الْخَيالُ المَودِّع
فَقَدْناهُ فِقدانَ الكَمِيِّ سلاحَه / وما بين قِيدِ الرمحِ والرمحِ إِصْبع
فقدناه حتى قد فقدنا وجودَنا / فهل بَقِيَتْ إلاّ جُفونٌ وأدمع
فقدناه فِقْدانَ الأليفِ أليفَه / يصيحُ به في كل روضٍ ويسجَع
يسائلُ عنه الأفقَ والطيرُ حُوَّمٌ / ويستخبرُ الأمواهَ والطيرُ شُرَّعُ
يَدِفُّ فيحوي الأرضَ منه تأملٌ / ويعلو فيعلو النجمَ منه تطلُّع
يظنُّ حفيفَ الدوحِ خَفْقَ جَناحِه / إذا همستْ منه غصونٌ وأفْرعُ
ويحسَبُ تَحنانَ الغديرِ هَديلَه / فيحبِسُ من زَفْراتِهِ ثم يَسْمع
لقد ملَّتِ الغاباتُ مما يجوسُها / وملَّ صِماخُ الليلِ ممّا يُرَجِّع
له أنَّةُ المجروحِ أعيا طبيبَه / وضجَّ لما يشكو وسادٌ ومَضْجَع
كأنَّ جَناحَيْهِ شِراعُ سفينةٍ / دهتها من الأرواحِ نَكْباءُ زَعْزَع
تضاحِكُهُ الآمالُ حِيناً فيرتجي / ويَجْبَهُهُ اليأسُ العبوسُ فيخشَع
لدَى كلِّ عُشٍّ صاحباه وعُشُّه / خليُّ من الأُلاَّفِ فَقْرٌ مُصَدَّع
عَزاءً عزاءً أيها الطيرُ إِنما / لكل امرىءٍ في ساحةِ العمرِ مَصْرَعُ
فأَين من الطيرِ الهديلُ وَوُلْدُهُ / وأين من الأملاكِ كِسْرَى وتُبَّعُ
طواهم خِضَمُّ لا يُنادَى وليدُه / يطوِّحُهم آذِيُّهُ المتدفِّع
رمتني الليالي قبلَ نَعْيكَ رَمْيَةً / عرَفتُ بها كيف القلوبُ تَقَطَّع
نِصالٌ حِدادٌ قد ألِمْتُ لحَمْلِها / وأعْلَمُ أني هالكٌ حين تُنْزَع
فلما رماني سهمُك اليومَ وانطوتْ / عليه جُنوبٌ خافقاتٌ وأضْلع
أَمِنْتُ على قلبي السهامَ فلم يَعُدْ / به بعد خطبِ الأمسِ واليومِ مَوْضِع
أأنسَى أميناً والشبابُ يَحُفُنَّا / جديداً وروضُ الوُدِّ بالوُدِّ مُمرِعُ
بأرضٍ إذا غَصَّ النَّهارُ بِغَيْمِها / فوجهُ أمينٍ أينما لاح يَسطَع
نَسِيتُ به أهلي ويا رُبُّ صاحبٍ / أبرُّ من ابن الأم قلباً وأنفع
يغالبني شوقٌ إلى الفنِّ رائعٌ /
ويجذِبُه مَيْلٌ إِلى العِلم أرْوَع /
نروحُ ونغدو لاهِيَيْنِ ولم نكن / نخاف رزايا الدهرِ أو نتوقَّع
ونضحَكُ للدنيا اللعوبِ وزُورِها / ونمرَحُ في زَهْوِ الشباب ونرتَع
وكنا نرَى الأيامَ أحلامَ نائمٍ / فأيقظنا منها الأليمُ المُرَوِّع
وكانت غِناءً كلُّها ثم أصبحت / وليس بها إلاَّ الرثاءُ المفَجِّع
أتذكرُ إذ نمشي إلى الدرسِ بُكْرَةً / بِنُوتِنْجِهامٍ تستحِثُّ فأُسرع
وقد حجب الشمسَ الضبابُ كأنَّما / تلا الليلَ ليلٌ عاكرُ اللونِ أسْفَعُ
بلادٌ كأنَّ الشمسَ ماتت بأُفْقِها / فظلّتْ عليها أعينُ السُّحْبِ تَدمَع
كأنَّ المصابيحَ الخوافقَ حَوْلَنا / سيوفُ وَغىً في ظلمةِ النَّقْعِ تلمَع
كأنَّ بياضَ الثلجِ يُنْثَرُ فوقَنا / صحيفتُك البيضاءُ بل هي أنصع
تُناقِلني حُلْوَ الحديث كأنَّه / وقد رقَّ معناه الرحيقُ المُشَعْشَع
خِلالٌ كريماتٌ أرق من الصبا / وأنضرُ من وَشْيِ الرياضِ وأضْوع
وَلِعْتُ بها عُمْري وأكْبَرْتُ ربها / وإني بأخلاقِ الكرامِ لمُولَع
وقد كنتَ عفَّ النفسِ واللفظِ والنُّهى / فلا الرأْيُ مأفونٌ ولا القولُ مُقْذِع
تكُدُّ كما كدَّ النِمالُن وترتوي / زُلالاً من العلم الصحيح وتَكْرَعُ
فتىً طَلب الدُّنيا كَرِيماً فنَالَها / ولَيْس له فيها سِوَى المجْدِ مَطْمَعُ
وسَعْيث كَبِيرِ النَّفْسِ مُكْبِرٌ / وسَعْيُ صَغيرِ النَّفْسِ مُخضِع
وأعْظَمُ أَخْلاقِ الفَتَى هِمَّةُ الفَتَى / وعَزْمٌ حَدِيدُ النَّصل لا يَتَزَعْزَع
إذَا وَفَّقَ اللّهُ امْرأً في طِلاَبِه / دَنَا الصَّعْبُ وانْقَاد العَسِير المُمَنَّع
قَنِعْنا بما دُونَ القَليلِ ولَمْ تَكُنْ / بِغَيْرِ جَلِيلاتَ المَطَالب تَقْنَع
وعُدْتَ وفي يُمْنَاكَ أَسْمَى شَهادةٍ / وأَشْرَفُ عُنْوانٍ لمِصْرَ وأَرْفَع
رَسمتَ لشُبَّانِ البِلاَدِ طَرِيقَهمْ / فأَبْدَعْتَ فيما قَدْ رَسَمْت وأَبْدَعُوا
ومَنْ طَلَب المَجْدَ المَنِيعَ فَما له / سِوَى سِيرَةِ الأَبْطَالِ في النَّاس مَهْيَعُ
وقد كُنْتَ في كُلِّ المَناصِبِ سَيِّداً / تَزِينُك في الدُّنْيا خَلاَئِقُ أَرْبَع
فَحْزمٌ كما ترْضى العُلاَ وتواضُعٌ / وعَزْمٌ كما تَرْضَى العُلا وترَفُّعُ
لَكَ البسْمَةُ الزَّهْرَاءُ تَلْمَعُ كالضُّحَى / وتُدْفىء مِنْ قَلْبِ الجَبَانِ فيَشْجُع
حَرِيصٌ على وُدِّ الصَّدِيق كأَنَّما / مَودَتُه العَهْدُ الذي لا يُضَيَّع
إِذا قَرأَ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ فاتَّئِدْ / فقَدْ قَرَأ الأَوْرَاقَ للرَّأْيِ أَلْمع
وإن صَدَعَتْ بالحُكْم يوماً شِفَاهُهُ / فلَيْس بغَيْرِ الْحَقِّ والعَدْلِ تَصْدَع
عَجِبْتُ لصَدْرٍ ضَاقَ بالدَّاءِ حِلْمُه / وأَرْجَاؤُه مِنْ شَاسِع البِيد أَوْسَعُ
مَرِضْت فقُلنْا مَشْرِفيُّ بِغمْده / تَوارَى ونَجْمٌ عَنْ قَلِيلٍ سيَطْلُع
ولَمْ نَدْرِ أَنَّ المَوْتَ باسِطُ كَفِّه / إلى الغُصْنِ في رَيْعَانِه وهو مُونِع
وأَنّ النَّوَى الْحَمْقَاءَ شَدَّتْ رِحَالَها / وأَنّ أَمِينَ الرَّكْبِ للبَيْن مُزْمِعُ
وأَنَّ المَعَالِي والمَكَارِمَ والحِجَا / سيَضْمنَها قَفْرٌ من الأَرْضِ بَلْقَع
وأَنَّ قَضَاء اللّهِ حُمَّ فمَا لَنَا / مَحِيصٌ ولا مِمَّا قَضَى اللّهُ مَفْزَع
إِذا بَرَعَ الطِّبُّ الحَدِيثُ فَقُلْ لَهُ / يَدُ المَوْتِ أَمْضَى مِنْ يَدَيْك وأَبْرَع
وإنّ الفَتَى ماضٍ وماضٍ طَبيبُه / وعائدُه مِنْ بَعْدِه والمُشَيِّع
أَمِينُ وظِلُّ المَوْتِ يَفْصِلُ بيْننَا / سَبَقْتَ وإِنِّي عَنْ قَلِيلٍ سأَتْبع
ونَرْجع للْحُسْنَى كَمَا كَانَ عَهْدُنا / فَلاَ نَشْتَكِي هَمّاً ولا نَتَوجَّع
وما مَاتَ مَنْ أَبْقى ثَنَاءً مُخلَّداً / وذِكْراً يُسَامِي النَّيِّراتِ وَيفْرَع
إِذا ذَهَب المِسْكُ الذَّكِيّ فإِنّه / يَزُول وَيبْقَى نَشْرُه المُتَضَوِّع
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ
سدَّ القَضاءُ منافِذَ الأسماعِ / ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعِي
بُهِتَ القريضُ فما يُبينُ وأَذْهَلَتْ / نُوَبُ الخطوبِ نوادبَ الأسجاع
وتنكَّرَتْ صُورُ البيانِ وعقَّني / عن أَنْ أبوحَ كما أشاءُ يراعي
تمحو سواجمُهُ المِدادَ فخطُّهُ / أسطارُ ملتَهِبِ الحشَا مُلْتاع
والشعرُ إن عقَدَ المُصَابُ لسانَهُ / فسكوتُه ضَرْبٌ من الإبداع
نَعْيُ الكريمِ العَبْقَرِيِّ لأُمَّةٍ / نَعْيُ الغَمامِ إلى رياضِ القاع
وَيْلَ المنونِ تطاولت أحْداثُها / فَلَوتْ قناةَ الأَرْوعِ الشَّعْشَاعِ
وطغَتْ عواصفُها فغَالَ هُبوبُها / أَضْواءَ ذاكَ الكوكبِ اللمّاع
بكتِ الصحافةُ فيه أشجعَ فارسٍ / وأعزَّ مَدْعُوٍ وأكرَمَ داعي
قد كان جَبْرائيلُ مُلْهِمَ وَحْيها / يرعَى جلالةَ قُدْسِها ويُراعي
فإذا جفاني الشعرُ يومَ رِثائِهِ / فلقد رثَتْه مآثرٌ ومَساعي
وإذا فَرَرْتُ من الوداعِ وهَوْلهِ / فلقد بعثتُ مع الدُّموعِ وَداعي