المجموع : 18
بُورِك في بُرِّنا ومن زَرَعَهْ
بُورِك في بُرِّنا ومن زَرَعَهْ / والحمدُ والشكرُ للذي صَنَعَهْ
وَفَّره خِصْبُ عامِنا فيكا / دُ المرءُ يَحْوِى من قَمْحِه شِبَعَه
كأنما كلُّ حبةٍ منه / في الشكل واللون والجفا وَدَعَه
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا
أَعزُّ الوَرَى من أفاد القُنوعا / ولو مات للضُّرِّ هَزْلا وجوعا
وما الذلُّ إلا ركوبُ الفتى / مطامعَ تَجْنِى عليه الخضوعا
على بابِ ذي حِجْبةٍ وَعْدُه / غرورٌ على كونه مستطيعا
جلالُ العزِّ في مال القَناعَهْ
جلالُ العزِّ في مال القَناعَهْ / وذلُّ الهُونِ في فقر الطَّماعَهْ
فتلك مع القليل النَّزْر خِصْبٌ / وتلك مع الغِنى أبدا مَحاعه
وذا مالٌ مع الإنفاقِ يزكو / وهذا بالصيانةِ في إضاعه
هل المجدُ إلا دونَ ما أنت رافِعُ
هل المجدُ إلا دونَ ما أنت رافِعُ / أو الحمدُ إلا دونَ ما فيك ذائِعُ
إذا قيل أين الفضل أو كيف شخصه / أشارتْ بلا شكٍ إليك الأصابع
تحكَّمتَ فيما شئتَ حتى كأنما / لسيفِك أرواحُ الملوكِ وَدائع
وصُلْتَ على الأيام حتى جرى بما / أَمرَت به منها مُضِرٌّ ونافع
ولولاك تُغْلِى الشّعرَ لم يَغْلُ قَدْرُه / ولا نَفقتْ في الناس تلك البضائع
ومن عجبٍ أنْ ليس في الناس مُشترٍ / سواك ومَنْ فوقَ البَسيطةِ بائع
لأَنت سماءُ الفخرِ والناسُ تحتَها / نباتٌ له معروفُ كَفِّك زارع
فلا غيثَ إلا من يمينك هامرٌ / ولا نورَ إلا من جبينك ساطع
تَعمَّرتِ الدنيا بشكرِك والْتَهَى / به أهلُها حتى الحمام السَّواجع
فمدحُك ما يجري به كل مَنْطق / وحبُّك ما تُحْنَى عليه لأَ اضالع
سبقتَ بجَدْواك السؤالَ فإن بَدا / فلم يأت إلا وهْو لا شكَّ تابع
ومن عَجبٍ أنْ يلبسَ الحرَّ فاقةٌ / ونَيْلُك في الدنيا كنِيلك واسع
وهيهات أين النيل من كفك التي / أَبَرَّ عليها جودُك المتتابع
لقد أَخجَلتْه العامَ عند وَفائِه / وقد رام تشبيها بها وهْو طالع
فزاد أوانَ النقصِ يُخبِر أنه / بتعليمها فيما أفادته بارع
ولو جاد جَدْواها على الخَلْق لاغْتَدى / لتيارِه فوقَ النجوم مَرافع
ألستَ ابن من لَمّت روؤسُ رماحِه / تَفاريق شَمْل الملك وهْي شَواسِع
وثَبَّته بالرأي والحزم والقنا / وقد عَصَفتْ للمارقين زَعازِع
وشَمر عن ساق العزيمة وحدَه / ولم يبقَ إلا ناكثٌ أو مُخادع
أَذَمَّتْ على أقطار مصر سيوفُه / بضربٍ يقِرُّ المُتَّقِى وهْو وادع
وعَمَّرها بالأمن والناسُ قبله / وأموالُهم فيها قتيلٌ وضائع
وأظهر فيها العدل حتى مشى الظِّبا / على اللَّيث معْ طولِ الطّوى وهْو جائع
وأبقاك فيها بعدَه خيرَ وارثٍ / له في اختراعِ المَكْرُمات بَدائع
حَوَى غاية العَلياءِ بالإرْثِ فانثنى / بأفعاله من فَوْقِها وهْو رافع
يرى فخره عيبا إذا لم يكن بما / تُجدِّدُه عن راحتيْه الصَّنائع
إذا وهب الدنيا لسائِله غَدَا / له سائلا ألا يَعِى ذاك سامع
إذا قيل شاهِشاهُ خاف انتقامَه / سَمِيُّه لولا حلمُه والتواضع
فيا أَفضَل الأَملاكِ إنْ تُدْعَ أَفْضلا / فما قيل إلا بعض ما أنت صانع
لمن يستعد الجيشُ قد ملأ الفَضا / وضاقتْ على الجَوْزاءِ منه المَطالع
وتبنى الأساطيل التي قد تَضايقتْ / بها اللَّجُّ حتى طائر الماءِ جائع
وحتى كأنّ البحر من تلك جامد / وحتى كأن البر من ذاك مائع
وذِكْرُك قبلَ اللَّحْظِ واللفظِ مُهْلِكٌ / فقَتْلُك للأعداءِ بالسيف راتع
وما الموتُ إلا تابعٌ ما أمرتَه / على أنه من حَرِّ سيفك جازع
فإنك سيفُ اللهِ أَيُّ ضَريبةٍ / أشار إليها قَدَّها منك قاطع
ولولاك للإسلام أَضحكتِ العِدَا / كنائَسها مما بكتْه الجَوامع
أَرَحْتَ ملوكَ المسلمين بعَزْمةٍ / يجاهد كلٌّ حولَها وهْو وادِع
فلا ملكٌ إلا وجاءتْك رُسْلُه / يُدَارِي بها عن نفسِه ويُصانع
وما أَمَّلوا إلا الذي أنت أَهلُه / ولا قَصَدوا إلا الذي أنت شائع
سأُضحِك أحبابي بَجدْواك عائِدا / كما خَنَّقتْهم في المسير المَدامع
وهذا مقامي مُنشِدا وعيونُهم / طَوامحُ كي تَحْظَى بما أنا راجع
وقد عَمَّهم جَدْواك قبلُ وإنما / تميل إلى حب الجديد الطَّبائع
لَعَمْرى لقد فُقْتَ الأَنامَ بأَرْبعٍ / وما دونَها من بعد ذلك تابع
فجودُك مثبوث وعدلُك شامل / وحلمك موفور وبأسُكَ رائع
ليَهْنِك شهرُ الصوم وهْو مُبشِّر / بسعدٍ بدتْ منه إليك الطَّلائع
ففضُلك فينا فضُله في شهورِه / فكلٌّ لكلٍّ مُشْبِهٌ ومُضارِع
إذا صمتَ فَرْضا صام شكرا لأنه / رآك وروضُ الفضلِ عندك يانع
فلا زلتَ تَبقَى والزمانُ إذا ابتغَى / مُرادا سعى فيه لجاهِك شافع
وجَدُّك للتوفيق والعِزِّ ناظمٌ / ومُلْكُك للدنيا وللدين جامع
كم رام سَلْوَتَه العَذولُ فما وَعَى
كم رام سَلْوَتَه العَذولُ فما وَعَى / ورجَا إجابَته فلم يَرَ مَطْمَعا
مذ صار ذاك السرُّ في أسماعه / لم يُبْقِ فيه للمَلامِة موضعا
قد كان لي قلبٌ فصَيَّره الهوى / هَدَفا لألحاظِ الظِّبا فتَقطَّعا
مِن كلِّ من جَعل النَّقا كَفَلاله / والغُصن قَدّا والمَلاحة بُرْقُعا
رَياَّن من ماء النعيم فلو دَنا / من جسِمه الصَّخر الأَصمُّ لأَيْنَعا
كالبدر لما أَنْ بَدا كالَّظبْي لم / ا أنْ رَنا كالغُصْن لما أن سعى
حلو الحديث فما يَروقك منظرا / بِجماله إلا وراقك مَسْمَعا
يُبدي التبسمُ منه عند تَنهُّدي / دُرّا لطيفا في العقيقِ مُرصَّعا
تُنْبِيك نَكْهَتُه بأنّ رُضابَه / خمرٌ يَشوب المِسْكَ حين تَضوَّعا
قد كان يَعْذُب لي العذابُ وسِنُّه / عَشْرٌ وكيف وقد تَزايدَ أربعا
حين استتمَّ جمالُه وأضاء في / وَجَناتِه نورُ الشبابِ مشعشعا
ما بال حظى والزمانُ يَحُطُّه / باعا لأَسْفَلَ حين يرقَى إصبعا
أبداً يُقابلني بضِدِّ إرادتي / قَصْدا فلو أهوى المَشيب لأَقْشَعا
لما رأى قلبي بَوفْدَ صُروفِه / رَحْبا أصار لهن فيه مَرْبَعا
من كلِّ كالحةٍ إذا أَنْحَتْ على / رَضْوى بكَلْكَلها وَهَى وتَضَعْضَعا
أفنتْ كنانُته دروعَ تَصبُّرى / ورَمى فلم يتركْ لقوسٍ مَنْزَعا
حالي كممدودِ اسْمِها في هَمِّهِ / يستغرِق الثَّقَلَيْن في وقتٍ معا
نَزِّهْ لِحاظَك في غريب بَدائِعى
نَزِّهْ لِحاظَك في غريب بَدائِعى / وعجيبِ تشبيهي وحكمةِ صانِعِي
فكأنني كَفّا مُحِبٍّ شَبَّكَتْ / يومَ الفراقِ أَصابِعا بأَصابع
أأَحْبابَنا هل لي إلى ما عَهِدتُم
أأَحْبابَنا هل لي إلى ما عَهِدتُم / من العيش فيكم مثلَ ما كنتُ مَطْمَعُ
وأُبصر ذاك الثغر يُشرق نورُه / وتبدو القُصور البيض منه وتلمع
وهلْ لي إلى الرملِ المُنَدَّى نباتُه / فأختالُ في تلك الرياشِ وأَرْتَع
أبا حسنٍ إنْ فَرَّق الدهرُ بينَنا / فمِنْ طبعِه تَفْريقُ ما كان يجمع
ولكنني أَطوِى الضلوع على الأسى / ويغَلْبنى فيضُ الدموع فيَدْفَع
وقد كنتُ لا أَرضى سوى الوصل دائماً / فها أنا أَرْضَى بالخيال وأَقْنَع
أَرَبْعَ شبابي هلْ إليكَ رجوعُ
أَرَبْعَ شبابي هلْ إليكَ رجوعُ / فللهَمِّ في قلبي عليك صدوعُ
إذا هَيَّجتْ نارَ الأسى منك ذُكْرَةٌ / تَلاها زفيرٌ دائم ودموع
وقد كنتُ أبكى البينَ قبلَ وقوعه / فحَسْبُك لما حان منه وقوع
عسَى الريح تُهْدى نفحةً ظاهِرية / بها من شَميمِ الساحلَيْن رُدوع
تُحدِّثني هل رَوَّض القصرُ واعْتَلَى / على حاجِز البابِ القديم ربيع
وهل دَرَّجتْ ماءَ البُحَيرة شَمْأَلٌ / فلاحَتْ عليها للحَباب دُروع
ربوعٌ خَلا منها مكاني وما خَلَتْ / رسومٌ لها من خاطرِي ورُبوع
وبالجانبِ الشرقيِّ بالثَّغْرِ شادِنٌ / له من فؤادي نائب وشَفيع
إذا خَطرتْ في خاطرِي منه سَلْوةٌ / تَعرَّض شوقٌ دونها ووُلوع
يبيتُ خَليّا من غرامي بحُبِّه / وأُمْسِى كأني من هَواهُ لَسيع
كأن دموعي ضَرَّجت وَجَناتِه / إذا فاض منها للبكاء نَجيع
كأن ليالي الهجرِ طولا وظُلمةً / حَكتْهنَّ في الحالين منه فروع
وخَصْرٍ كصبري فوق رِدْفٍ كصَدِّه / فذا ظالعٌ واهٍ وذاك ضَليع
غَرير له ثَغْران مِثْلان واحدٌ / يُرَى فيه والثاني بِفيِه يَصوغ
شَريكانِ في قلبي بوصفٍ تَوافَقا / عليه فهذا مثلُ ذاك بَديع
نَسيما وَبْردا وابيضاضا وطِيبة / فهذاك ممنوع وذاك مَنيع
فياليتَ شِعْري هل لثغرى ونَاظري / إلى رَشْفِ ثَغْريه الغداةَ رجوع
لعل اعترافي باقْتِرافي شافعُ
لعل اعترافي باقْتِرافي شافعُ / وهَيْهات لكنّى بذلك طامِعُ
إذا آيَسَتْني كثرةُ الذَّنبِ رَدَّني / رجائي وعلمي أنّ صدرك واسع
وما الصفحُ مسدودٌ عليَّ سبيلُه / وفضُلك أسبابٌ له وذَرائِع
أُعاتب نفسي في ذنوبٍ جَنيتُها / فيستر وجهي للحياء بَراقع
ولي في سُوايدا قلبِك الرَّحْبِ فَضْلةٌ / من الودِّ تَبْقَى حين تَفْنَى الوَدائع
وثقتُ به حتى حَدانىَ لحظة / من الذنب فيها جَمْرُ عينيك لاذع
لك الحَسناتُ الغُرُّ عندي كأنها / جواهرُ في جِيد الزمان لوامع
على أنَّ لي عذرا إذا ما سَللتُه / فلي منه سيفٌ باتر الحَدِّ قاطِع
وفيَّ غُرام للأعادي وإنني / ذليلٌ على عَتْبِ الأخِلاّء خاضع
أنا المذنِب المستوجب العَتْب فاحتكم / بما شئتَ إني سامعٌ لك طائع
فلا تخشى مني عن ودادك نَبْوةً / فحبك أوْفَى ما حَوَتْه الأضالع
ولو حاد قلبي عنك مِثْقال ذَرّةٍ / لأَبْعَدَه عني من النَّخْرِ دافع
فإنْ لم يكن وصلٌ وقربٌ فأبِق لي / رِضاك فإني بالرضا منك قانع
فحْمدِي لما أوليتَ يا بنَ محمدٍ / مقيمٌ على طول المَدَى متتابِع
أبا الفضلِ أنت الفضلُ ذاتاً فإن تكن / معانيَ شتى فهْي منك طَبائع
إذا لم يُدارِكْني رضاك بلطفه / فإني لنفسي بالندامة باخِع
وإني لأَبكى سالفاتٍ تَصرَّمتْ / لنا مثلَ ما تبكي الحمام السَّواجع
أنوحُ كما ناحتْ ولكنْ مدامعي / تَفيض وما تَنْدَى لهن مَدامع
لياليَ قُربٍ والشبابُ بمائه / جديدٌ وذاك الثغرُ للشَّمْل جامع
وعيشي بكم مستقَبلٌ لا يَروعُه / من الشيبِ والبَيْنِ المُشتِّت رائع
وفي عَذَباتِ الرملِ دون هِرَقْلَةٍ / مَسارحُ نسعى بينها ومَراتع
رياضٌ إذا هبّ النسيمُ خِلالَها / سعى وهْو واهِي الخَطْوِ فيهن طالع
وفي الثغرِ بالإسكندرية للصِّبا / مَسالكُ للأَغْراض فيها مَشارع
ديارٌ يكادُ الشيخُ مثلي لِطيبِها / يعودُ له فيها شَبابٌ مُراجِع
ومَنْ لي بأنْ أَحْظَى لديها بزَوْرةٍ / ولكنْ عَدَتْنِي دونَهن الموانِع
ولي أملٌ في عودةٍ أَظنُّها / زَخارِفُ ظنٍّ والظنونُ خَوادع
ولا غَرْ وَقد تُقِصى المقَاديرُ من دَنا / وتُدْنى مع اليأسِ الفتى وهْو شاسع
ومن عاش في الدنيا طويلاً تَكررتْ / عليه مَسَراتٌ لها وفَجائع
لَعَمْرُك ما ساوَى البقاءُ أقلَّ ما / يكابِده فيها الفتى ويُصارع
حَلا فهْو مثلُ الشهدِ في فم زائقٍ / يَلَذُّ وفي اثنائه السمُّ ناقِع
يُسَرُّ امرؤ بالكسبِ وهْو محقِّقٌ / بأن الذي يَحْوِي مع الموتِ ضائع
ويحتال في دَفْعِ المَخوفِ وعمُره / تُمزِّقه ساعاتُه وهْو وادِع
ويأمنُ حَمَلاتِ المنايا وعنده / لآبائه من بَطْشِهنّ مصارع
تَغولُ الملوكَ الصِّيدَ قَسْرا ودونَها / عِتاقُ المَذاكي والرِّماحُ الشَّوارع
حياةُ الوَرَى سجنٌ فِسيّانِ مُطلَق / لديها ومن ضاقتْ عليه الجَوامع
وللنفسِ في تلك القناعةِ راحةٌ / وعز ولكنْ ليس في الناس قانع
ومن كانت الآمال أقواتَ نفسِه / تَطاوَل منها أَكْلُه وهْو جائع
لقد نطقتْ فينا الليالي فأَفْصحتْ / بوعظٍ لوَ أنّ الوعظَ للمرءِ نافع
ولكن إذا ما صَمَّ قلبٌ فقلَّما / تُفيد وإنْ طال الكلامُ المَسامِع
ومن نَكَدِ الأيامِ فرقةُ موطنٍ / نَأَى فنأى عنه الصديقُ المُطاوع
ولا سيما أرض كأرضي وأسرة / كقومي وعيش مثل عيش يافع
ثلاثٌ إذا عَدَّدْتُها لم يكن لها / على صحةِ التقسيم في الفضلِ رابع
سرورٌ ولذاتٌ صَفَتْ من كبائرٍ / نَهتْها النُّهى عن قرْبِنا والشَّرائع
خَلتْ هذه الآثارُ مني وما خلتْ / لها من جَناني في السُّوَيدا مواضع
فيا أهلَ وُدِّى هل لمن بانَ عنكمُ / إلى عودةٍ في مثلِ ما كان شافع
فلي بعدَكم شوقٌ أَثار تأسُّفنا / يُصغِّر عندي كلَّ ما أنا صانع
فما بكثيرٍ قَرْعُ سِنِّى لأجله / ولا بعظيمٍ أنْ تُعَضَّ الأصابع
عليكم سلامٌ تَقْتَفِيه سلامة / له تَبَعٌ أمثالَها وطَلائِع
سلامٌ كأنفاسِ الرِّياضِ تَفتَّحتْ / من النَّوْر في أَبرادِهِن وَشائع
لا تُشْبِهُ الحَمّامُ في وَضْعِها
لا تُشْبِهُ الحَمّامُ في وَضْعِها / إلا حُمَيّا الخمرِ في طَبْعِها
ففيهما منفعةٌ جَزْلةٌ / وإثْمُها أكبرُ من نَفْعها
فتلك هَتْكُ العقلِ في شُرْبِها / وتلك هتكُ الجسمِ في نَزْعِها
فإنّ في إدمانِها للفتى / مَضَرّةٌ يَعْجَز عن دفعِها
فوالِ عن كلتيهما توبةً / ينقطعُ الشيطانُ عن قَطْعِها
وحمّامٍ حَللتُ به لكَيْما
وحمّامٍ حَللتُ به لكَيْما / أفوزَ براحةٍ فيه ونَفْعِ
وكنتُ عَقيبَ هجرٍ من حبيبٍ / أَكَلَّ تَصَبُّري وأصَمَّ سمعي
فقلت لعلَّني أخلو فأبكي / بكاءً جهدَ مقدِرتي ووُسْعي
فلما أن حصلتُ به بَدا لي / مع المقدورِ جَمْعٌ أيُّ جمع
فظَلْتُ مفكرا في ضَعْف قَسْمي / من الحالَيْن في أصلٍ وفرع
وقد عُدِم الوقود وليس ماءٌ / فردّهما له نَفَسي ودَمْعِي
فظلّ الناس في رَغَدٍ وزادوا / فعادوا يسألون وَشيك رَجْعي
عَتبتَ ولكنني لم أعِ
عَتبتَ ولكنني لم أعِ / وأين مَلامُك من مِسْمَعي
وكم قَدْرُ لومِك حتى تُزي / لَ غراما تَمكَّن من أَضْلُعي
وما دام عَتْبُك إلا وأنت / تُفدِّر أن فؤادي معي
فؤاديَ في غيرِ ما أنت فيه / فُخذْ في مَلامِته أودَعِ
مَضى كي يودِّعَ سكانَه / غَداةَ الفراقِ فلم يَرْجع
لَعَمْرُك لو نظرتْ مُقْلتاك / فُتورَ العيون من البُرْقُع
وذاك الحديثَ العُذَيْبَ الذي / جَرَعتُ به الشهد في الأَجْرَع
وكيف يَصيد الغزالُ الهِزَبْرَ / ويَسْطو الضعيفُ على الأَرْوَع
وكيف تُكرِّر خوفَ الرَّقيب / وداعَ الإشارةِ بالإصبع
وأبصرتَ كيف تذوبُ النفوس / وتَنَهلُّ في صورة الأَدْمُع
لأَنْباك قلبُك أنّ المَلام / إذا استحكمَ الحبُّ لم ينفع
وألهاك عَذْلىَ عن أن تفوزَ / بنفسِك من ذلك المَصْرع
هو الحب إنْ كنت في أَسْرِه / فذِلَّ لأحكامِهِ واخْضَع
عَجِبتُ لطَيْفِ الكَرى إنني / قَنَعتُ به ثم لم يقنع
وما طَلبي منه إلا الحديث / اقول له هاتِ أو فاسْمَع
سرائرُ مكنونها لا يزال / إذا خَدَع السِّرُ لم تَخدعِ
وإني لعَاذِرُه في الجَفا / فكيف يزور ولم أَهجَع
أذُمُّ البوارحَ من بعدهم / وأدعو على الناعب الأَبْقَع
وما هي إلا سِراعُ المَطِيِّ / تَقيس المَهامه بالأَذرع
خفافٌ من الحمل لكنها / ثِقالٌ على الكلِف المُوجَع
وجُرْدٌ لها فِعْلُ فرسانِها / فإنْ سمعتْ صارخا تَمْزَع
عسى ما قَسا من زمانٍ يَلين / وهل أَرْتَعِى العيش من مَرْبَعِ
فأَلقَى لدى عَذَباتِ العُذَيبِ / سبيلا أو الأَرْبُع الأربَع
لرامةَ والرملِ من عالجٍ / وزمزمَ والسفِح من لَعْلَع
مَعاهدَ عهد الهوى بينهن / لدى مستقَرٍّ ومستودَع
وأيامُنا كهِباتِ الحُسي / ن في الطِّيبِ والحُسْن والمَوْقِع
سمعتُك والقلبُ لم يسمعِ / فكم ذا تقول ولم أسمع
تقول أما عنده إنني / بغير فؤادٍ ولا أَضُلع
أمَا مع هذا الفتى قلبُه / فقلتُ نعم يا فتى ما معي
وزاد السؤالُ وكان المِطال / فقلت أجيبيه يا أدمعي
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو
أوجهُك أم قِبْلة فالغصو / نُ من ساجداتٍ ومن رُكَّع
كأنك آدمُ في جنة / وكم لك من ساجدٍ طَيِّع
ولما عَصتْ في السجود الغصونُ / فللنارِ عاقبةُ المرجع
ومن أصبحت نارُ وجدي به / تُؤَجِّجها في الحشا أدمعي
انظرْ إليّ ففيّ كلُّ غريبةٍ
انظرْ إليّ ففيّ كلُّ غريبةٍ / وعجيبةٍ نُتِجت عن الصُّنّاع
فلئنْ عجبتَ من اجتماع فضائلي / لما جمعتُ الحسنَ بالإجماع
فلقد بنت في الفخرِ همة مالكي / فخرا بطيبِ مآثرٍ ومساعِ
القائدُ ابنِ أبي شجاعٍ مَن جَلا / ه الفضلُ للأبصارِ والأسماع
غَرْس الأجلِّ الأفضلِ الملك الذي أس / تَرْعاهُ خِدْمَتَه ونِعْمَ الراعي
يا بدرَ تِمٍّ بالجمالِ تَبَرْقَعا
يا بدرَ تِمٍّ بالجمالِ تَبَرْقَعا / وقضيبَ بانٍ ماسَ لما أنْ سَعَى
مالي دعوتُك للوصالِ فلم تُجِبْ / ودعوتَني لهواك لَبَّيْتُ الدُّعا
أتُراك حُلْتَ عن المودةِ أم تُرَى / داعٍ علينا بالقَطيعِة قد دَعا
يا مُسقْنِي غُصَصَ الغرامِ بصَدِّه / لما تأهب للمسير وَودَّعا
ورميتني بسهامِ لحظِك قاصِدا / لو كان قلبي عارفاً لتَدرَّعا
لكنه غِرٌّ فَغرَّ به الهوى / والقلبُ مُغْرًى بالصَّبابة مولعا
ولقد أتيتُك سائلاً في حاجةٍ / حاشاك يا مولاي أنْ تَتَمنَّعا
وكتبتُ سائر حاجتي يا سيدي / وَقِّع فَديتُك واستمدَّ وَوقِّعا
وسَخا بما قد كان يُبْخِلُني به / كرما وجاد بنفسه وتبرعا
ومليحةِ النَّغَماتِ تحسب عودَها / طِفْلا وتحسبُها عليه مُرْضِعا
أبداً تَراهُ مُقمَّطا في حِجْرها / حاز المعالي قبل أنْ يَتَرَعْرعا
ولربما ضَربْته ضرباً موجِعا / فسمعتَه من ضربها مُتوجِّعا
غَنَّتْ فأغنتْ والغناءُ غناؤها / ثم انثنتْ كيما تقولَ فتُسْمِعا
فإذا تَغنَّى قلتُ ما قد قاله / في وصفِ مثلِك شاعرٌ قد نَوَّعا
نَشَرتْ ثلاثَ ذوائبٍ من شعرِها / في ليلةٍ فأَرتْ لياليَ أربعا
واستقبلتْ قمرَ السماءِ بوجهها / فأرتنَي القَمرين في وقتٍ معا
وقالوا يعود الماءُ للنهر بعد ما
وقالوا يعود الماءُ للنهر بعد ما / خَلتْ منه آبارٌ وجَفَّتْ مَشْارعُهْ
فقلنا إلى أنْ يرجعَ الماء عائداً / ويُنبتَ شَطّاهُ تموتُ ضفادعه
جاءنا بعد أَكِلنا فُقّاعْ
جاءنا بعد أَكِلنا فُقّاعْ / قد أجادتْ إحكامَه الصُّناع
فكأن الكيزان سودُ السّي / سانِ لكنْ جلودها أقماع
انظر لقرن الشمس بازغة
انظر لقرن الشمس بازغة / في الشرق تبدو ثم ترتفع
كسبيكة الزّجّاج ذائبة / حمراء ينفخها فتتسع