المجموع : 19
لكَ اللّه هل عهدُ الشبيبة يرجِعُ
لكَ اللّه هل عهدُ الشبيبة يرجِعُ / وهل بعدَهُ في خُلَّةِ البيضِ مطمعُ
فقد راعني أنَّ المشيبَ مُسَلِّمٌ / كما رابني أنَّ الشبابَ مُودِّعُ
فجلَّى شباباً كنتُ أخبِطُ ليلَهُ / سنا قمرٍ من جانب الغَوْرِ يطلُعُ
وأفنَى جميمَ الشَّعْرِ بعد التفافهِ / قطيعانِ عاثا فيه جُونٌ ونُصَّعُ
أقولُ لمرهومِ الإزار بدِيمةٍ / من الدمع يحدوها الحنينُ المرجَّعُ
تطلّعُ أسراري إِليهِ بأنَّةٍ / ولا يفضحُ الأسرارَ إِلّا التطلُّعُ
إِذا ما تمطَّتْ زفرةٌ بضلوعهِ / تصدَّعَ قلبٌ أو تحطَّمَ أضْلُعُ
لعلَّ انصداعَ القلب يُعْقِبُ سَلْوةً / من الوجد إذ لم يبقَ للوجد موضِعُ
لِيَهْنِكَ أنْ أعديتَنِي الشوقَ بعدَما / تماثَلَ من داءِ الصَّبَابَةِ مُوجَعُ
فدرستَ شوقاً كاد لولاك يمَّحِي / ونبَّهتَ شوقاً كان لولاك يهجعُ
وقد كنتُ مأهولَ الجوانحِ بالأسى / فعدتُ ولي صدرٌ من الصبرِ بَلْقَعُ
فللوجدِ في أكنافِ صدريَ مرتَعٌ / وللصبرِ في أكنافِ وجديَ مصرعُ
هوىً مثلُ سِرِّ الزَّندِ أفشاه قدحُهُ / وما كان لولا قَدْحةُ الزندِ يلمعُ
أقولُ وعيني للدموع وقيعةٌ / وظهري بأعباء الخُطوبِ موقَّعُ
تُطاردُنِي الأيامُ عمَّا أُريدُهُ / وتَلْوي بموعودِ الضَّمانِ فأقنعُ
أما درتِ الأيامُ أنّيَ في حِمَى / وليِّ أميرِ المؤمنين مُمَنَّعُ
حمىً لو عصى حكمَ المقابرِ جارُه / لكان له مما يقدّرُ مفزَعُ
حمىً فيه للأدنَيْنَ مرعىً ومشرعٌ / كما فيهِ للأَقْصَيْنَ مَرْوىً ومشبعُ
وأروعَ وقّادِ الجبينِ كأنّما / جَرى فوق خدَّيْهِ النُضَارُ المشعشَعُ
حياةٌ لمن ينتابُه وهو قانعٌ / وموتٌ لمن يغشاهُ وهو مقنَّعُ
يهونُ عليه المالُ وهو مكرَّمٌ / ويعلو لديهِ الحمدُ وهو مُضَيَّعُ
سجيةُ مطبوعٍ على الحمدِ خِيمُهُ / إِذا شانَ أخلاقَ الرجالِ التطبّعُ
له نفحةٌ إن جادَ سَجواءُ سَجْسَجٌ / وأخرى إِذا ما اغتاظ نكباءُ زعزعُ
أخو الحربِ مشبوبُ العزيمةِ رأيُهُ / إِذا كَلّتِ الآراءُ لا يَتَتَعْتَعُ
تدلَّى على هامِ الغُيوبِ كأنَّما / له من وراءِ الغَيْبِ مرأىً ومسمَعُ
خفِيُّ مدَبِّ الكيدِ مدْرَجُ خطوِهِ / إِلى المجدِ عُريان الطريقةِ مهيعُ
مَهِيبُ الندى والبأس يرهبُ سَطْوَهُ / رقابُ الأعادي والتِلادُ الموزَّعُ
فللشمس إن حاذَتْهُ شرقاً ومغرِباً / لهيبتِهِ خَدٌّ على الأرضِ أضرعُ
يدَلُّ عليه الطارقين سَنا العُلَى / وطِيبُ خِلالٍ عَرْفُه يتضَوَّعُ
وترمي به أقصَى المكارمِ هِمَّةٌ / لها فوقَ مُسْتنِّ المجرَّةِ مربَعُ
إِذا ما مشَى في سمعِه العذلُ مجَّهُ / كما طردَ النومَ الجبانُ المفزَّعُ
تساهمَ فيه الجُودُ والبأسُ والحِجَى / وزُهْرُ المعالِي والبيانُ المصرَّعُ
إِذا ناشَ أطرافَ الكلامِ تحاسدتْ / قلوبٌ وأسماعٌ إليهن نُزَّعُ
وإنْ مسَّ عِرنينَ اليَراعةِ كَفُّهُ / تناهتْ وعرنينُ الذوابلِ أجدَعُ
من القوم طاروا في المعالي فحلَّقُوا / وراموا هِضابَ العِزِّ حتى تفرَّعُوا
أولئك مطَّارونَ والعامُ أغْبَرٌ / من الجدبِ بسَّامونَ واليومُ أسفَعُ
فأكنافُهم للمستميحينَ مرتَعٌ / وأسيافُهمْ في المستبيحينَ رُتَّعُ
لهم شجرُ المُرَّانِ تُغْرسُ في الطُلَى / فتحملُ أثمارَ المعالي وتونِعُ
أسِنَّتُها نُوَّارُها وثمارُها / جماجمُ والأغصانُ بوعٌ وأذرُعُ
ومصقولةٌ تُغْشِي العيونَ كأنها / من الشمسِ تُمْهَى أو من الشُهبِ تُطْبَعُ
ظِماءٌ إِلى ماءِ الوريدِ وإنَّها / ليطغَى بها حَدٌّ من الماء مُتْرَعُ
ترى كلَّ دُرِّيِّ الفِرَنْدِ كأنما / تناثرَ في متنيهِ عِقْدٌ مُقَطَّعُ
وزُرْقٌ كأحداقِ الوُشاةِ خبيرةٌ / بحيثُ الهَوى والوجدُ والسِرُّ أجمعُ
قواصِدُ إلا أنَّهنَّ جوائِرٌ / تَئِنُّ على عِلّاتِها وهي تُوجعُ
خَمائصُ طيرٍ تغتدي من وكُورِها / فتلقُطُ حبّاتِ القلوب وتكْرَعُ
تُنَفِّرُها قعساءُ تدنو وتنتئِي / وتؤنِسُها حدباءُ تُعْطِي وتمنَعُ
ومبذولةٌ يومَ الطِّرادِ يصونُها / من النَّقْعِ جُلٌّ أو من الدمِ بُرْقُعُ
نزائعُ مما ينهبُ الجريُ لم تكدْ / يُحَسُّ لها إلا هَمائمُ تُسمعُ
دُجونٌ يُسَمَّينَ الخُيولَ وتحتَها / رِياحٌ يُلقَّبنَ القوائمَ أربعُ
فإنْ تتصاهَلْ فالرعودُ صوامِتٌ / وإنْ تتسابقْ فالبَوارِقُ ظُلَّعُ
يُغَبِّرنَ حتى الماء في المُزْنِ أكدرٌ / وحتى عوافي الطيرِ في الجَوِّ وُقَّعُ
عَتادُ نظام المُلكِ للخطب يُتَّقَى / وللمُلكِ يُسْتبقَى وللحقِّ يُتْبَعُ
ويُغنيهِ عنها الرأيُ ما ظنَّ صائبٌ / وما همَّ محتومٌ وما حَزَّ مقطعُ
إليك شهابَ الدين بُرداً أنارَهُ / لسانٌ وسَدَّاهُ لمجدِكَ إصْبَعُ
يَزيدُ على مرِّ الزمانِ طراءَةً / إِذا ما تداعَى الأَتْحَمِيُّ الموشَّعُ
بقيتَ لتبقى جِدَّةُ الدهر مدركاً / من العمرِ والعلياءِ ما تتوقعُ
هو الشوقُ حتى ما تَقَرُّ المضاجِعُ
هو الشوقُ حتى ما تَقَرُّ المضاجِعُ / وبَرْحُ الهَوى حتى تَضيق الأضالعُ
خليليَّ ما خَطْبُ الفِراقِ بهَيِّنٍ / عليَّ ولا عَهْدُ الأحِبَّةِ ضائِعُ
ولا الوجد إنْ بانَ الأحبَّةُ مقلِعٌ / ولا الصبر إنْ دامَ التفرُّقُ نافعُ
وإن شِفاءَ الحُبِّ أنْ يُقْلِعَ الهَوى / فَأَسلُو وهل عهدٌ بيبرِينَ راجِعُ
ولي مقلةٌ لا يَملِكُ النومَ جَفْنُها / غِراراً إِذا انصبَّ النجومُ الضَّواجِعُ
معوَّدةٌ ألّا تُذَمَّ دموعُها / على السرِّ حتى السرُّ عُرْيانُ ذائِعُ
عذيري من الأيامِ لا العُتْبُ زاجِرٌ / لهنَّ ولا التقريعُ فيهنّ ناجِعُ
فلا هُنَّ بالعُتْبَى عليَّ عواطِفٌ / ولا هنَّ بالحُسْنَى إليَّ رواجعُ
يُرنِّقْنَ شُربي وهو صافٍ جمامُهُ / ويُحْرِجْنَ صدري وهو أفيحُ واسعُ
تَجَهَّمَني وجهُ المطالبِ والتوتْ / أُموريَ وانسدتْ عليَّ المطالعُ
ولولا مُعينُ الملكِ أخفقَ طالبٌ / ورُدَّتْ على أعقابهنَّ المطامعُ
بعيدُ مناطِ الهمِّ أروعُ لم يكنْ / لتملأَ جنبيهِ الخُطوبُ الروائعُ
خفيُّ مدَبِّ الكيدِ لا يستشفُّهُ / لبيبٌ ولا يُفْضِي اليه مخادِعُ
ولو شَذَّ عن حكمِ المقاديرِ كائنٌ / لما دَرَتِ الأقدارُ ما هو صانِعُ
طَلوبٌ لغاياتِ المكارمِ مجمِعٌ / على الهمِّ ثَبْتُ الرأي يقظانُ هاجعُ
صَؤولٌ إِذا ما الخوفُ أوعَدَ أهلَهُ / قؤولٌ إِذا التفّتْ عليه المجامِعُ
إِذا لاحَ فالأبصارُ حَيْرَى شواخِصٌ / وإن صالَ فالأعناقُ مِيلٌ خواضعُ
فما يَشْغَلُ الأبصارَ إلّا بهاؤُهُ / ولا ترعوي إلّا إليه المسامعُ
يلاحظُ أعقابَ الأمور كأنَّما / بدائِهُهُ دونَ الغيوبِ طلائعُ
فلا صدرهُ في أزمةِ الخَطْبِ ضَيِّقٌ / ولا عُرْفُهُ من طالبِ الفضل شاسعُ
جرى فثَنى عنه الأعنَّةَ حُسَّراً / فجارَوْهُ واجتازَ المدَى وهو وادعُ
ألا يا أمينَ المُلْكِ دعوةَ عاتبٍ / على الدهرِ أوهَى مَرْوَتيهِ القوارعُ
أَأُقصَى ويُدعَى مَنْ سوايَ فينثني / بربحٍ وفي حظِّي لديك وضائِعُ
أما أنا أهلٌ للجميلِ لديكمُ / حقيقٌ بأنْ تُسدَى إليهِ الصّنائعُ
أما فيَّ أن أُسْتَوْدَعَ اليدَ منكمُ / فأحفظَها إنّ الأيادي ودائِعُ
أما أنا موزونٌ بكلِّ مُواربٍ / يُكاتِمُ ما في قلبِه ويُخَادِعُ
فظاهِرُه سَلمٌ لديك موادعٌ / وباطِنُه حربٌ عليك منازعُ
وما أنا من حِرمانِ مثلِك جازعاً / ولكنَّني من حِرْفَةِ الجَدِّ جازعُ
وأعظمُ ما بِي أنّني بفضائلي / حُرِمْتُ وما لي غيرَهُنَّ ذَرائِعُ
إِذا لم يَزِدني موردي غيرَ غُلَّةٍ / فلا صدرتْ بالواردينَ المشارِعُ
وإن لم تَجِدْ في السُّحْبِ إلّا صواعقاً / فلا جادتِ الدنيا الغُيوثُ الهوامعُ
أترضَى العُلَى أنّي عَلِقْتُ حبالَكُمْ / فخانتْ قُواهَا في يديَّ القواطِعُ
فحاشا مرجِّي نَيْلِك الغَمْرِ أنْ يُرَى / كقابضِ ماءٍ لم تَسَعْهُ الأصابعُ
فما لكَ تَعصي المجدَ فِيَّ وإنَّما / تُطاوعُه فيما يَرى وتتابعُ
ومالك تزوي الوجهَ عنّي وتنزوي / ووجهُكَ وضَّاحٌ وبِشْرُكَ ناصعُ
وكنتُ أُرَجِّي أنْ أنالَ بكَ السُّهَى / فها أنا نجمي هابِطٌ فيك راجِعُ
أذِلُّ لِمَنْ دوني وأُعِطي مقادَتِي / وأُرجِعُ طرفِي وهو خَزيانُ خاشعُ
ويقدُمُنِي من دون شِسْعِي نِجادُه / فأُغِضي وَخدُّ الفضلِ أغبرُ ضارعُ
وهل نافعي أنّي أمُتُّ بحُرْمةٍ / إِذا لم يكنْ من حُسْنِ رأيكَ شافعُ
وإني لأستحِيي لمجدِكَ أنْ يُرَى / ومثليَ منه ناقصُ الحَظِّ ضائعُ
وما ذاك تقصيرٌ لشأويَ في العُلَى / ولكنْ قضاءٌ بالذي حُمَّ واقعُ
أمستهدمٌ ركنَ الجميلِ مُشَيِّدٌ / ومستَحْصِدٌ غَرْسَ الصنيعةِ زارعُ
وراضٍ بأن يختصَّني البؤسَ منعمٌ / نَداهُ ولا قَرْنُ الغزالةِ شائعُ
ولي أملٌ أن ساعدتْ منك عطفةٌ / فما دونَ نَيْلِ المشتَهى منه مانعُ
وإلّا فلي عن ساحةِ الهُونِ مذهبٌ / وإن كان تُثْنِيني إليك النوازعُ
وما ترتمي بي الأرضُ إلّا وخاطري / بذكراك مشغوفٌ ونحوَكَ نازعُ
فإن يَعْدُنِي منكَ الجميلُ فما عَدَا / جنابَكَ منِّي للثناءِ وشائعُ
نُجومُ العُلَى فيكُمُ تطلُعُ
نُجومُ العُلَى فيكُمُ تطلُعُ / وغائبُها نحوَكُمْ يرجِعُ
عُلىً تستقِلُّ ولا يَسْتَقرّ / بها دونَ بابِكُمُ مضجَعُ
ومجدٌ أشمُّ بإقبالِكُمْ / فإن هوَ فارقكُمْ أجدَعُ
له عندَكمْ صفحةٌ طلقَةٌ / وخدٌّ لدَى غيرِكمْ أضْرَعُ
لواءٌ يُحَطُّ بأيدي الخُطوب / وألويةٌ غيرُه تُرفعُ
ففي رفعِها للعُلَى مضحكٌ / وفي حطِّها للنَّدَى مجزَعُ
ومرعىً تَعاوَرُهُ أزمَةٌ / فأصبحَ من بعدِها يُمْرِعُ
هو الدّوحُ تهصرهُ العاصِفات / فينآدُ حيناً ولا يُقلعُ
وأبيضُ قد أقلقتهُ الحروب / فقرَّ بِهِ غِمدُه الأمنعُ
ورأيٌ على عزمهِ مُجمعٌ / وقلبٌ على هَمِّهِ أصمَعُ
وما غاب حتى عيونُ العُلَى / تَفيضُ وأنفُسُها تهلعُ
وقلَّ المواسي فلا صرخةٌ / تُجابُ ولا غُلَّةٌ تُنْقَعُ
فمن أدمعٍ حذفتْها العُيون / يُقَرَّحُ من مثلِها المدمَعُ
ومن زَفرةٍ نفضتها الضُلو / عُ ترفَضُّ عن مثلِها الأضلعُ
فها هوَ حتَّى اطمأنَّ الشجون / وغاضتْ لأوبتِه الأدمعُ
وقد غُمَّ نَهْجُ العُلَى بعدَهُ / وقد لَحِبَ المنهجُ المَهْيَعُ
ولاحَ لنا من خِلال الخُطوبِ / كما أخلصَ القُضُبُ اللُمَّعُ
وقد حادَ عنهُ سِهامُ العِدَى / فلم يبقَ في قوسهم منزعُ
وباتَ الحسودُ على غيظهِ / ينادمُ ناجذَهُ الإصْبَعُ
ومن ليس تلحقهُ أعينُ ال / عِدى كيف تلحَقُهُ الأذرعُ
أتانِيَ والأخبارُ سُقْمٌ وصِحَّةٌ
أتانِيَ والأخبارُ سُقْمٌ وصِحَّةٌ / نبا خَبَرٍ مُرٍّ أصمَّ وأسمعَا
فإن كان حقّاً ما يُقالُ فقد هَوَتْ / نُجومُ المعالي وانقضَى العِزُّ أجمعَا
تهاوتْ عُروشُ المجدِ فيه وثُلِّمَتْ / وأضحتْ رِكابُ الجُودِ حسرَى وظُلَّعا
فيا آلَ فضلِ اللّه هَلّا وقَتْكُمُ / أياديكُمُ صَرْفَ الزمانِ المُفَجِّعا
أما لكُمُ في آلِ برمَكَ أُسوةٌ / أناخَ بهم رَيْبُ الزمان فجعجَعَا
على أنّكم لم تُنكبوا في نفوسكُمْ / وجنبكُمُ ما مسَّ لامسَّ مصرعا
أرى بعدَكم طرفَ المكارم خاشعاً / وخَدَّ المعالي أربدَ اللونِ أضرعَا
وقد قصُرْت أيدي المكارمِ بعدَكُمْ / وكنتمْ لها بُوعاً طِوالاً وأذرُعَا
تجمَّلتِ الدُنيا بكم وتعطَّلتْ / وصوَّح منكم روضُها حين أُمْرِعَا
ولو أنصفتْ حامتْ عليكم ودافعتْ / قِراعَ الليالي عنكُمُ ما تدفَّعَا
ولكنهُ دهرٌ يُضَيِّعُ ما وعَى / وينقضُ ما أوعَى ويهمِلُ ما رَعَى
وما هو إِلّا مثلُ قاطعِ كِفِّهِ / بكفٍّ لهُ أخرَى فأصبحَ أقطعَا
لأترعتُمُ الدنيا ندَىً فأفضتُمُ / صنائعَ غُرَّاً لم يصادِفْنَ مصنعَا
وخلَّفْتُمُ في الناسِ آثارَ عُرْفِكُمْ / فصارتْ كمجرَى السيلِ أصبحَ مَرْتَعَا
وغادرتُمُ في جانبِ المجدِ ثلمةً / وخَرْقاً يدومُ لا يصادفُ مَرْقَعَا
وقد زادَ طِيباً ذِكركُم مُذْ مُحِنْتُمُ / كذا العودُ إِن مَسَّتْهُ نارٌ تضَوَّعَا
ودَّعْتُ طِيبَ العيشِ ساعةَ ودَّعَا
ودَّعْتُ طِيبَ العيشِ ساعةَ ودَّعَا / وصممتُ إِذ نادَى الفِراقُ فأسمعَا
إِنّي أرى شملي وشملَ مدامعي / حتماً على الأيامِ أنْ يتصدَّعَا
يا مَنْ جناب الفضلِ أصبحَ مُمْعراً / فغدَا بهِ خَضِلَ المذانبِ مُمْرِعا
ومن استزلَّ المجدَ عن قُذُفاتِه / متوقّلاً في هضبهِ متفرِّعَا
أعديتَني داءَ الفراقِ وحطمتْ / أنفاسُك الصُعَدَاءُ مني أضلعَا
وأسلتَ دمعاً في الجفونِ مُعَلَّقَا / وأطرتَ قلباً في الضلوع مزعزعَا
قد كان مدَّ الدهرُ طرفاً طامحَاً / نحوي ونصَّ إليَّ جِيداً أتلعَا
فتركتَ لي طرفَ النوائبِ خاشعاً / وأريتَنِي خَدَّ الحوادِث أضرعَا
ووردتَ بي من بحرِ فضلِك زاخراً / وسقيتني من كأسِ ودِّكَ مُترَعا
حتَّى إِذا أمّلتُ فيكَ لغُلَّتِي / أن تشتفِي وصرائري أن تُقْطَعا
ولعله أن يرعوي من بعدِ أنْ / لم يُبقِ في قوسِ الإِساءة منزَعَا
ما بعدَ يومِكَ للحزينِ الموجَعِ
ما بعدَ يومِكَ للحزينِ الموجَعِ / غيرُ العويل وأنَّةُ المتفَجِّعِ
يومٌ أُصيبَ الدينُ فيه وعُطِّلَتْ / أحكامُه فكأنَّهُ لم يُشْرَعِ
واشتطَّ أحكامُ الردَى وتطاولتْ / أيدي المَنونِ إِلى السَّنامِ الأرفعِ
أنحَى الكُسوفُ على الهِلالِ المجتلى / وأجرَّ شِقشقة الخطيب المِصْقَعِ
ومضَى الذي كُنَّا نروعُ بذِكرهِ / نُوَبَ الزمانِ فما لهُ من مرجعِ
قادتُ حزامتهُ المَنون كأنَّما / يحدُو بموهونِ القفار موقّعِ
من ذا رأى البدرَ المنيرَ وقد هَوى / في التُربِ والطودَ الرفيعَ وقد نُعِي
من ذا رأى الأسَدَ المُدِلَّ ببأسِه / شِلواً طريحاً بالعراء البلْقَعِ
من ذا رأى الملِكَ المحجَّبَ بارزاً / ملقىً بمنزِلةِ الذليلِ الأضرعِ
من ذا رأى الأنِفَ الحمِيَّ يقودُهُ / كَفُّ المنيةِ بالخشاشِ الأطوعِ
أعزِزْ عليَّ بأن أُسَرِّحَ ناظرِي / في مجمعٍ وسِواكَ صدرُ المجمعِ
أعزِزْ عليَّ بأن يحدِّثَ نفْسَهُ / بالأمن بعدَك كلُّ نابي المضجعِ
أعزز عليَّ بأن يبُزَّكَ حاسِراً / من كان يُحْجِمُ عنكَ بين الدُرَّعِ
ماذا على الأقدارِ لو صفحتْ لنا / يوم اللقاءِ عن الكَمِيِّ الأروعِ
ماذا على رَيْبِ المَنونِ لَوَ اَنّه / قَبِلَ الفِدا فنجودُ عنك بِمقنَعِ
لهفي عليكَ لمستجيرٍ يبتَغِي / وَزَراً لديكَ وما لهُ من مفزعِ
لهفي عليكَ لخائفٍ ومؤَمِّلٍ / ومنازَعٍ في حقِّهِ ومدفَّعِ
لهفي عليكَ لثلَّةٍ غادرتَها / هَمَلاً لذُؤبانِ الفَلا والأضبُعِ
ما كنتُ أحسبُ أنَّ فوقَك حادثاً / تُلْقِي إِلى يدِه مقادةَ طيِّعِ
ما كنت أحسبُ أن تُصَمَّ عن الذي / يدعوكَ للجُلَّى وأنت بمسمعِ
من للمَعالي بَعد يومِكَ اِنها / تبكي عليكَ وقد فُقِدَْت بأربَعِ
مَنْ للعُفاةِ المرملينَ رمَتْ بهمْ / آمالُهم نحوَ الجَنابِ المُمْرِعِ
شَدُّوا الرِحالَ وأعملوا أنضاءَهُمْ / ورمَوْا بها جُدَدَ الطريق المَهْيَعِ
حتَّى إِذا سَمِعُوا بيومِكَ عطَّلُوا / أنضاءَهُمْ من عاقرٍ ومُجعْجَعِ
جمحتْ بكَ الهِممُ التي لا تنثني / عما تُريغُ من الجَنابِ الأمنعِ
ووقفتَ حيثُ السيفُ يُرعِدُ متنُهُ / لم ترتعدْ فَرقَاً ولم تتخَشَّعِ
في موقفٍ بينَ الصوارمِ والقَنَا / دحضٍ ويومٍ لكريهةِ أشنَعِ
وحسرتَ فيه عن ذراعك جاهداً / والبيضُ ترتع في الطُّلَى والأذرُعِ
وكرهتَ مأثورَ الحديثِ فلم تَلُذْ / بالعفوِ مأسوراً ولم تتضَرَّعِ
ضاقتْ بك الدنيا فعِفْتَ جِوارَها / ونزعتَ نحو الخُلدِ أكرمَ منزعِ
يا ضيعةَ الإِسلامِ بعدَكَ إِنَّه / غَرَضٌ لكلِّ مُبَدِّلٍ ومضَيِّعِ
يا طامعاً في أن يقومَ بنصرهِ / أشياعُه زاحمْ بِحَدٍّ أو دعِ
أما عُبيدُ اللّهِ أسلمَهُ الأُلى / ضَمِنوا الدفاعَ لكلِّ خَطْبٍ مضلعِ
خَاضُوا به الغَمَراتِ ثم تخاذلوا / وتقاعسُوا عنه دُوَيْنَ المصرعِ
وتسَرَّعُوا عند اللِّقاءِ وخلَّفْوا / في النَقْعِ ثبتَ الجأشِ لم يتسرَّعِ
ويلُ اُمِّهِ نصراً لَوَ اَنَّ رجالَهُ / زحفوا إِلى الأعداء قيْدَ الإِصْبَعِ
وردوا بهِ حتى إِذا حَمِيَ الوغَى / صدروا وخلَّوْهُ لُقَىً لم يُرفَعِ
من ذا يَذُبُّ عن الشريعةِ بعدَهُ / بلسانِ فصّال وقلبِ سُمَيْدَعِ
من ذا يمد إِلى الأعادي بعدَهُ / باعاً أمقَّ وهمَّةً لم تُقْذَعِ
من ذا يحاولُ غايةً صعُبَتْ على / طُلّابِها وثنيَّةً لم تُطْلَعِ
ويبُزُّ رَبَّ المُلْكِ قُلَّةَ أمنِهِ / حتى ينوءَ بركنِه المتضَعْضِعِ
لم يبقَ من يثنَى عليه بِخِنْصُرٍ / مُذْ غِبْتَ أو يومى إِليه بإِصبُعِ
من أينَ بعدَك من يُخَافُ ويُرْتَجَى / زال الحِذار وسُدَّ بابُ المطمعِ
ما زلتَ تسهرُ في ترصُّدِ غايةٍ / للمجدِ أخطأها عُيونُ الهُجَّعِ
وتُخَلِّفُ الباغينَ شأوَكَ في العُلَى / ما بَينَ حَسْرَى في الغُبارِ وظُلَّعِ
وتكلِّفُ القُبَّ الشوازبَ غايةً / تُهدِي الكلالَ إِلى البُروق اللُّمَّعِ
وتقودُ ذا لجَبٍ كأن زُهَاءَهُ / وطفاء تُحدى بالبليلِ الزعزعِ
يُضحي به غَمَمُ الروابي جلحةً / وتنشُّ منه ذخيرةَ المستنقعِ
وتخوضُ منخرقَ الصفوفِ بذُبَّلٍ / سُمْرٍ تثقفهنُّ عُوجُ الأضلُعِ
فإِذا رقعتَ بها إِهابَ مقنَّعٍ / غادرتَ خَرْقاً مالهُ من مرقَعِ
وكأنما حُجُبُ القلوبِ وقد بدا / منها وِجارُ الأرقم المتطَلِّعِ
ويُضيءُ في سُدَفِ العَجاج بجذوةٍ / قد أُشعِلتْ بيد القُيونِ لتُبَّعِ
من كلِّ دُرِّيِّ الفِرَنْدِ كأنما / حبَّاتُ عِقْدٍ فوقَهُ متقطِّعِ
ترمي به نحو المدَجَّج قاطِعاً / فيمُرُّ فيهِ كأنَّه لم يُقْطَعِ
طُبِعَتْ مضاربُه الرِّقاقُ غوامِضَاً / فكأنها مرهومَةٌ لم تُطْبَعِ
كَلِفٌ بحبَّاتِ القلوب كأنَّما / يبغي الوقوفَ على الضميرِ المودَعِ
وكأنَّما لَزِمَ القضاءُ غِرارَهُ / حتى يَدُلَّ على سَواءِ المقْطَعِ
لا حرمةُ الجُنَنِ الحصينةِ في الوغى / تُرعَى لديكَ ولا ذِمامُ الأدرُعِ
حتى استبدَّ بك الحِمامُ فلم تجدْ / عوناً على سُمر اللِّدانِ الشُرَّعِ
لم تُغْن عنك ضوامِرٌ أعناقُها / عاسلنَ عاليةَ القَنَا المتزعزِعِ
ومقاومٌ غلبُ الرقاب وفتيةٌ / شُوسٌ تجرُّ السَّمهريَّ وتدَّعي
أين الحصونُ الشامخاتُ فِناؤُها / وَزَرُ الذليلِ وعصمَةُ المتمنِّعِ
أين الذخائرُ حُزْتَها لملِمَّةٍ / تُخْشَى بوادِرُها وخطبٍ مُضلِعِ
أين الأُغيلِمَةُ الخِفافُ إِلى الوَغَى / يَغْشَوْنَهُ من حاسرٍ ومقنَّعِ
أين السِماطُ تكرُّ في أطرافهِ / لحظاتُ مصحوبِ الفؤادِ مُشَيَّعِ
أين الحِجابُ إِذا تقَرَّى أهطعتْ / زُوَّارُهُ من ساجدينَ ورُكَّعِ
نصحَ الزمانُ لنا ونادَى مُعْلِناً / بعيُوبهِ لو أنَّ مستمِعَاً يعِي
لطُفَتْ مواعِظُه فلم يَشْعُرْ بها / إِلّا اللبيبُ وعِلْمُه لم ينفَعِ
فيمَ التلوّمُ والرِفاقُ يسوقُهمْ / عجلانُ يُلحِقُ مبطِئاً بالمُسْرِعِ
من ذا يغرُّكَ بالمُقَامِ أذاهبٌ / لا ينثني أم غابرٌ لم يربَعِ
قطعَ الرجاءَ عن البقاء يقينُنَا / أن التفرُّقَ غايةُ المتجمِّعِ
سبق البكاءُ من الوليد لعلمهِ / بالموتِ فهو وحتفُه في موضعِ
ما ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ إِلّا آذنتْ / بغروبها لما بدَتْ في المطلعِ
كلٌّ إِلى أمل يصيرُ فَمُقْعَصٌ / بالسيفِ أروحُ من مَهيضٍ موجَعِ
يا قبرُ أُفْرِغَ فيك سَجْلٌ من نَدَىً / فالْبسْ له حُلَلَ الرِّياضِ وأمْرِعِ
يا قبرُ غاضَ البحرُ فيك فلا تدَعْ / للناس حولَكَ غُلَّةً لم تُنْقَعِ
يا قبرُ غاب البدرُ فيك فلا تكنْ / من بعدِه إِلّا مُنيرَ المطلَعِ
لا غروَ إِنْ حُزْتَ المروءةَ والتُقَى / والدينَ والدنيا ولم تتصَدَّعِ
إِنَّ النواظرَ والقلوبَ صغيرةٌ / تحوي الكبيرَ وليس بالمستبدَع
شقَّتْ عليك جيوبَها شهَّاقَةٌ / برعودِها وسقتْك فيضَ الأدمُعِ
وغدتْ عليك من الغَمامِ مُرِشَّهٌ / نضحَتْ فِناءَك بالذَّنوبِ المُتْرَعِ
وصَبَا النسيمُ إِلى ثَراكَ برَوْحِه / وجرَى على مغناكَ غيرَ مُرَوَّعِ
إِذا ما لم تكنْ ملكاً مُطَاعَاً
إِذا ما لم تكنْ ملكاً مُطَاعَاً / فكنْ عبداً لخالقِه مُطِيعَا
وإِن لم تملكِ الدنيا جميعاً / كما تختارُ فاتركْهَا جميعَا
وكنْ مَلِكاً حوَى مُلكاً كبيراً / بها أو ناسكاً سكنَ البقيعَا
كذاك الفيلُ إِمّا عند مَلْكٍ / وإِمّا في فيافيهِ نزيعَا
هما سِيّانِ من مُلكٍ ونُسْكٍ / يُنيلان الفتَى الشرفَ الرفيعَا
ومن يقنعْ من الدنيا بشَيءٍ / سِوى هذينِ عاش بها وضِيعَا
فدَعْ عنك التوسطَ فالمعالي / يفوزُ بهنَّ من طلبَ المنيعَا
وهمَّكَ في التزهُّدِ فهو خيرٌ / من المُلكِ الذي يفنَى سريعا
أقولُ للقلبِ لمَّا فاتني جَزَعا
أقولُ للقلبِ لمَّا فاتني جَزَعا / ياقلبُ ويحَكَ إِنْ لم تَسْلُ فانصَدِعِ
أكلَّما منعَ الأيام جانبَها / لانتْ حصاتُك بين الخوف والطَمَع
تسَلَّ عمَّا مضَى إِذ ليس مرتجعاً / وأَقلِلِ الفكرَ فيما بعدُ لم يقَعِ
ولمَّا تراءَى السِّربُ قلت لصاحبي
ولمَّا تراءَى السِّربُ قلت لصاحبي / لِيَهْنِكَ فيما لا يُنَالُ طموعُ
أتطمعُ أن تحظَى بهنّ وإِنني / بواحدةٍ إِن ساعفتْ لقَنُوعُ
وفي أُخرياتِ السِّربِ حيث تعرَّضتْ / مَطُولٌ على فَضْلِ اليَسارِ منوعُ
خليليَّ هل بالأجرع الفردِ وقفةٌ / عسى يلتقي مستودِعٌ ومضيعُ
فإِنَّ بهِ فيما عَهِدْنَاهُ سرحةً / يفيءُ إِليها بالعشيِّ قطيعُ
من الباسطاتِ الظِلَّ أَمّا قوامُها / فشطبٌ وأمّا تُربُها فمريعُ
أيا ليتَ لي تعريجةً تحتَ ظلِّها / ولو أنني أعرى بها وأجوعُ
أضعتُ بها قلباً صحيحاً فليتَهُ / يُرَدُّ عليَّ اليوم وهو صديعُ
وإِني لأستحيي من الشوق أنْ يُرَى / فؤادي سليماً ليس فيه صُدوعُ
وأمقتُ عيني أن تضنَّ بمائِها / وقد لاحَ برقٌ بالحِجاز لَمُوعُ
وأغبنُ في بيعي رشادي بضَلَّتِي / وأعلمُ أني خاسِرٌ وأبيعُ
يُخوِّفُنِي فراقُكَ وهو مِمَّا
يُخوِّفُنِي فراقُكَ وهو مِمَّا / هممتُ بهِ على حَبْلِ الذِراعِ
رويدَكَ فالسُلوُّ له دَواعٍ / كما أنَّ الغرامَ له دواعي
سأسلُو عنك بعد اليوم يأساً / إِذا لم يُسلني ملل الطِبَاعِ
ألم تَرَ أنني من قبلِ هذا / سلوتُ عن الشبيبةِ والرِّضاعِ
وعلَّمني مصاحبةُ الليالي / نزوعَ النفسِ من بعدِ النِزَاعِ
إِذا لم يُرْضِني حُبٌّ جَبانٌ / فزعتُ بهِ إِلى صبرٍ شُجَاعِ
فؤادٌ بما شاءَ الغَرامُ صديعُ
فؤادٌ بما شاءَ الغَرامُ صديعُ / وأجفانُ عينٍ حشوُهنَّ نَجِيعُ
ويومٌ كما راعَ الطريدةَ نافرٌ / وهمٌّ كما لذَّ الغرامُ ضجيعُ
ومن لي بكتمانِ الهوى ومدامعي / تَنُمُّ وأنفاسي الحرارُ تشيعُ
أبِيتُ وبي من لاعجِ الشوق في الحشَا / مصيفٌ ومن ماءِ الشؤونِ ربيعُ
ومن عَجَبٍ أنّي رجوتُ سلامتي / على من لهُ أينَ الْتَفَتُّ صريعُ
ولقد أقولُ لمن يسدِّدُ سهمَهُ
ولقد أقولُ لمن يسدِّدُ سهمَهُ / نحوي وأطرافُ المَنِيَّةِ شُرَّعُ
والموتُ في لحظاتِ أخزرَ طرفُهُ / دوني وقلبي دونَهُ يتقطَّعُ
باللّهِ فتِّشْ عن فؤاديَ أوّلاً / هل فيه للسَّهمِ المُسَدَّدِ موضِعُ
أهوِنْ بهِ لو لم يكنْ في طَيِّهِ / عهدُ الحبيبِ وسرُّه المستودَعُ
أجِمَّا البُكا يا مقلتَيَّ فإننَّا
أجِمَّا البُكا يا مقلتَيَّ فإننَّا / على موعدٍ للبينِ لا شكَّ واقعِ
إِذا جمعَ العشاقَ موقفُهمْ غداً / فواخجلتَا إنْ لم تُعِنِّي مدامعي
فيمَ التجني والصّبا طِينُهُ
فيمَ التجني والصّبا طِينُهُ / رطبٌ فما يعيَى به الطابعُ
إنْ تُعْرضُوا عنِّي فمِنْ دونِكُمْ / في الأرض لي مضطَرَبٌ واسِعُ
ما من خَصاصٍ قد مَررنا بهِ / إلا عليهِ محجرٌ راقعٌ
هيهاتَ أن يخفقَ لي مطلبٌ / والشَّعَرُ الأسودُ لي شافعُ
وبنفسيَ الرَشَأُ الذي خاصَرْتُهُ
وبنفسيَ الرَشَأُ الذي خاصَرْتُهُ / وَجْداً وقد كاتمتُه التوديعَا
وسألتُ صبري أن يكلِّفَ مدمعي / ألّا يكونَ لما كتمتُ مذِيعَا
فأبَى المدامعُ أنْ تشفِّعَ سلوةً / وأبى التصَبُّرُ أنْ يكونَ شفيعَا
فأسحْتُ من ماء الجُفونِ وساعدتْ / حتى لقد كِدنا نصيرُ دموعَا
وليلٍ ترى الشُّهْب منقَضَّةً
وليلٍ ترى الشُّهْب منقَضَّةً / بهِ نحوَ مستَرقٍ سمعَهْ
كما مُدَّ من ذَهَبٍ مُدَّةٌ / على لازوردية الرُّقْعَهْ
تراها إِذا انتشرتْ في السَّمَاء / ولم يَخْل من ضوئها بقعَهْ
مزاريق تبرٍ ترامتْ بهَا / بنو الحربِ في حومةِ الوقعَهْ
إِذا استيقظتْ عيني رأتْ ما يسُوؤُهَا
إِذا استيقظتْ عيني رأتْ ما يسُوؤُهَا / وإن هجعتْ لاقت أمرَّ وأوجعَا
روائعُ أحلامٍ تمرُّ بمضجعي / وتطردُ عن عيني الغشاشَ المروَّعَا
بقايا همومِ النفسِ تَبْقَى رسُومُها / كوامنَ فيها ثم يطلَعْنَ نُزَّعَا
إنَّ العيونَ إِذا نطقتُ تخاوصتْ
إنَّ العيونَ إِذا نطقتُ تخاوصتْ / نحوي يروقُهُمُ المقالُ الناصِعُ
إنّي إِذا انثالَ البيانُ على فمي / ما إن أمَلُّ ولا يمَلُّ السامعُ
ومواقفٍ دُحْضِ العَثار وقفتُها / بين الخصومِ وللعظام قَعاقِعُ
يُثنى عليِّ من العَلاء خناصِرٌ / ويُمَدُّ نحوي للسَّناءِ أصابِعُ
لا غايتي تُبْغَى ولا في حَلبتي / جارٍ ولا في قوسِ فضلِيَ نازعُ
سامٍ على صَهَواتِ مجدي والعِدى / متأخِّرٌ أو مُلجَمٌ أو شافِعُ
أهَبُ الفَدامةَ للمبرِّز قاصداً / حيثُ الذلاقةُ والفِناءُ الواسِعُ
لفظٌ كما كبَّ النسيمُ رياضَهُ / سَحَراً لمضطرمِ الصرائرِ قاصعُ
هلّا تبيَّنَتِ الأعادي أنّما / نطقي لشِقْشِقةِ المنازعِ وازعُ
نفحاتُ ريحي للموادِع طلقةٌ / ولمن يحزِّبني عليه زعازعُ
رَمِضُ التنكُّر إن تبزَّلَ حادثٌ / أبدي على رغمِ العِدى وأراجعُ
بعزائمٍ نقَّبْنَ في خِططِ العُلى / فبلغتُها حيث المحلُّ الشاسعُ
ما لي أطأطِئ منكِبَيَّ وشرُّ ما / تَعنُو له غُلْبُ الرِقاب مطامعُ
وإِذا طفحتُ على الفلا بركائبي / فشهودُهنَّ على العَلاء مقانعُ
وإِذا طرحتُ على جنابكَ أنْسُعي / فجناكَ معسولٌ وبشرُكَ رائِعُ
وجهٌ يصوبُ البِشْرُ من صفحاته / يشقَى برؤيتِه النهارُ الماتِعُ
جذلانُ إنْ نفرتْ جواحِمُ غارةٍ / فيهن أمهدةُ البقاءِ جَعاجِعُ
ترمي بأسجلةِ البَنانِ على القَنَا / هذا ولو أنَّ الزمانَ منازعُ
وتردُّ صدرَ السيفِ وهو مورَّدٌ / وله على ثغرِ العدوِّ مراتعُ
لم تكْسُ أطرافَ النهار قساطلاً / طُرُقُ المهالكِ عندَهنَّ مهائِعُ
إلّا وأنتَ على سَراةِ طِمِرَّةٍ / كالسِّيْدِ وقعُ جِرائِها متتابِعُ
جرداءُ خَّوارُ العِنَانِ كأنَّها / سيلٌ به صَدْمُ الرِّعانِ بلاقِعُ
ويزيفُ نحو القِرنِ خَطْرُ مَصاعبٍ / تُطوَى لهن على الأوامِ مشارعُ
غزِلاً يدرِّسُكَ التصابي صارمٌ / سَحُّ المقاطعِ لا حمامٌ ساجعُ
حيرانُ نطفة خِّدهِ فكأنهُ / ماءٌ يُذَمُّ على قِراهُ وقائعُ
وجرتْ على عذبِ الغصون فعطَّرتْ / فيها على رَمْلي زَرودَ أجارعُ
وتمعَّجَتْ فوقَ الخمائلِ طلقةً / تُجلَى عليها للرياضِ وشائعُ
واسترقصتْ لممَ الأراكِ فخوطُه / من تحتِها مترنحٌ أوراكعُ
وتأزَّرَ الأرطى لذاتِ جدائِدٍ / ساغتْ له في زامتين مكارعُ
ساحتْ على روضٍ سَقاهُ رُضابَه / لُعْسُ الغوادي الغُرْزِ وهي هوامع
وتوسَّدتُ جُرثومَ حبلٍ فارتدتْ / بالظلِّ وهو مقلِّصٌ متدافعُ
فهناك تسمُكُ فوق سالفةِ الثَّرَى / نقعاً وصبحُ الليل عارٍ ساطعُ
وإِذا العِدى ذاموا فِعالَك فيهمُ / أثنتْ عليك كواسرٌ وخوامُعُ
ملَّتْ عرانينُ القُنِيِّ رُعافَها / وشكا أناملكَ الحسامُ القاطعُ
وإِذا الخطوبُ تسترتْ أجفانُها / سودُ الصحائفِ فالرقابُ خواضِعُ
بادهتُها بالرأي يَنْطُفُ حَّدهُ / عَلَقاً ورأيُك للنوائب قاشعُ
إِني أمُتُّ حزامةً من مِقولي / يُلقَى عليها للجمال براقِعُ
ووراءها عَزَماتُ يقظانِ السُّرَى / والبيضُ تُطوى والأمون المانعُ
وسجيَّةٌ مَيْثَاءُ يُعزَلُ عندَها / من بعدِ صولتها الشُّجاعُ الدارعُ
وأرى زماني قد أرقَّ طلاوةً / ستجمُّها عوداً وفضلُكَ شائعُ
الأرض أمٌ برةٌ
الأرض أمٌ برةٌ / فيها طبائع أربع
فيها العقاقيرُ التي / صارت تضرّ وتنفعُ
ومنابع القطران وال / كبريت منها تنبعُ
لما أصابت وجهها / شمسٌ تلوح وتسفعُ
كُرِيَت وأصلحها ميا / ه طاب منها المكرعُ
كلّ النبات بمائها / يروى ومنها يشبعُ
وغرائب النبت الخبي / ثة عن ثراها تنزع
إن زاد فيها اللطف فال / حيوان منها يطبعُ
وأداتنا هي لطفها / فالنطق فيها يودع
صلحت لحمل نفوسنا / فالنور منها يسطعُ
قد حلّ فيها قوة / أضحت تقول وتسمع
وهي المقر لسرنا ال / مكتوم والمستودعُ
فإذا صغت لك فضه / فالتبر فيها يزرعُ
والعقد منها محكم / والصبغ فيها مشبعُ