المجموع : 90
يا دارَ جيرتنا بسفح الأجرع
يا دارَ جيرتنا بسفح الأجرع / ذكرتك أفواه الغيوث الهمَّع
وكستك أنواءُ الربيع مطارفاً / موشيةً بسنا البروق اللمَّع
تتحلَّب الأنواء فيك على الرّبى / بسحائبٍ تحنو حنوّ المرضع
فلكلّ قطرة وابلٍ فمُ زهرةٍ / مفترّةٍ عن باسمٍ متضوّع
تزهى لوامع ربعها وربيعها / بمنوّر في الحالتين منوّع
فعسى يعود الحيّ فيك كما بدا / في خير مرتادٍ وأخصب مرْبع
عهدِي بسفحِك مرتعاً لأوانسٍ / كم في محاسنها لنا من مرتع
من كلّ دائرة القناع على سنا / بدرٍ يراغم بدر كلّ مقنّع
شقَّ الأسى قلبي الصريع فيا له / بيتاً أبت سكناه غير مصرّع
بالنازعات ومهجتي عوّذتها / وحجبتها بالمرسلاتِ وأدمعي
آهاً لعهد الرقمتين وعهدها / لو أنَّ عهدهما قريبُ المرجع
ولطيفها كم هاجَ لوعةَ بينها / فالويل إن أهجع وإن لم أهجع
بانت سعادُ فليتَ يومَ رحيلها / فسح اللقا فلثمت كعبَ موَدعي
وضممت بدر ركابها فعساه أن / تُعديه رقةُ قلبيَ المتوجّع
إني وإن لم أقض نحبي بعدها / فليقضينّ بكايَ حق الأربع
ولأختمنّ بموضعِ التقبيل ما / ضمّ الثرى من قلبيَ المستودع
وأحمّل الهمّ الذي حملته / نجباً تقيس ليَ الفلا بالأذرع
من كلِّ حرفٍ وفقها للساكني / تلك الرّبوع وعطفها للموضع
مشتاقة تسري بمشتاقٍ كما / رجع المدامع وجنة المسترجع
كادت من الذكرى تطير نسوعها / وتقوم من صدري حواني الأضلع
ولقد يذكرني حنين سواجعٍ / بالقلب كم هاجت على غصن معي
شتَّان ما بيني وبين حمامةٍ / صدحت فمن مسترجعٍ ومرَجَّع
غصني بعيدٌ عن يديّ وغصنها / ضمت عليه أنامل المستمتع
لا طوْقَ لي بالصبر عنه وطوْقها / بالزّهر بين مدبَّجٍ وموشّع
إن لم تعرني للحنين جناحها / فلقد أعرت حد الركاب مسمعي
يطفو بنا عند النجود مديدها / طلاّعة ويسيل عند البلقع
حتى إذا شمنا لطيبةَ معلماً / عجَّلت قبل الحجّ طيب تمتعي
ونزلت عن ظهر المطية لاثماً / وجه الثرى فرحاً بنثر الأدمع
وإذا المطيّ بنا بلغْنَ محمداً / فلها رعايةُ خير حقٍّ قد رُعي
ولها بآثارِ المناسمِ في السرى / شرفٌ على شرف البدور الطلّع
يا زائد الأشواق زائر قبره / سلّم على خير البرية يسمع
والجأ إلى الحرم الذي جبريل من / زوَّارِه من ساجدين وركّع
بين الملائك والملوك تزاحمٌ / من حول منهله اللذيذ المكرَع
فوفودها من أرضها وسمائها / في مطمحٍ يسعى إليه ومطمع
تدعو منازله سراة وفوده / لجناب من في ليلة الإسرا دُعي
حتى تقلد بالرِّسالة حافظاً / ضَوَّاع نشر الفضل غير مضيَّع
وترٌ يقال له غداً قلْ يُستمع / يا خيرَ مشفوعٍ وخير مشفَّع
كان الورى في حيرةٍ حتى أتى / بجليّ أخبارٍ دعاها من يعي
شرع الهدى ووصفت شارع فضله / أكرمْ بفضليْ مشرعٍ ومشرع
من سفح عدنان التي شرفت به / من ذلك الشرف القديم المهيع
بطباعه يزكو فكيف بطابعٍ / لثبوت أعناء على المتطبع
ألف الندى حتى بدا في كفه / نبع الزّلال فيا له من منبع
والبدر شقّ لقربه متهللاً / والجذع حنّ لبعده بتفجّع
والشمس شاهدةٌ بأنَّ غمامةً / كانت تظلّل من سواء المطلع
شهدت بإمكانٍ له ومكانةٍ / وعلى كمثل الشمس فاشهد أو دع
والوصف ملتمع النجوم يجل أن / يحصى وإن شئت الحديث فألمع
واذكر ببدر طلعةً نبويةً / من مفردٍ يسمو ابنَ عشرَ وأربع
ما البدر في كبد السما كسناه في / قلبِ الخميس ولا بصدر المجمع
تفدي البدورُ بيوم بدرٍ وجهه / ما بين معشره البدور الطلّع
المعرقين سماحةً وحماسةً / يوم الفخار دُعوا ويوم المفزع
من كلِّ مفترسٍ الليوث بثعلب / من رمحه في صدر كلّ مسبّع
وقضيبْ سيفٍ إن يهزّ تساقطت / ثمراتُ هامٍ كانَ منه لتبّع
ورثوا الشجاعة والعلى يروونها / قرشيةً عن غالبٍ ومجمَّع
وبه اهتدوا فتتابعوا في نصره / من طائعٍ وافى إليه ومهطع
حتى إذا صلّى الحسام بطوعهم / صلَّت رؤوس عدًى بغير تطوع
حمدوا الوغى في حبِّ أحمدهم فما / يتفيأون سوى الطوال الشرع
هذا وكانوا يتقون به إذا / حميَ الوطيس فيتقون بأشجع
بأشدّ من شهد الوغى وأرقّ من / وقعت عواطف حلمه في موقع
بكليل جفنٍ عن معائب مخطئٍ / وحديد سيفٍ في فؤاد مدرّع
بالمجتدي في يسره وخصاصة / والمجتلي في حلّةٍ ومرَفَّع
ذو المعجزات الباقيات وحسبه / سوَرٌ مسوَّرةٌ تصدّ المدعي
هديت قروم ذوي الفصاحة قبلها / وتقاعسوا عنها لأوَّل منزع
كم مدّعٍ نظماً يحاول حيه / في سورة منها فيسلى مدّعي
قال الكلاميون صرفة خاطر / قلنا ونثرة كوكب متشعشع
يا سيدَ الخلق الذي مدَحته من / آي الكتاب فواصلٌ لم تقطع
ماذا عسى المدحُ الطهور يدير من / كأس الثنا بعد الكتاب المترع
بعد الحواميم التي بثنائها / هبطت إليك من المحلّ الأرفع
من كل حرفٍ عن سواك بمدحها / ورقاء ذات تعزّزٍ وتمنّع
أرجو لفهمي بامتداحك يقظةً / من غفلتي وشهادةً في مصرعي
وإليك أشكو صدر حالٍ ضيقٍ / بالمؤلماتِ وحال همٍّ مولع
وتذللاً في الخلق بعد تعززٍ / وتحيراً في الأمر قبل توقع
حتى كأنَّ العقلَ ليس بعاقلٍ / إياك أن تعي بأمرٍ مفضع
إن تستبنْ لك حيلة في الأمر لا / تعجزْ وإنْ لم تستبن لا نجزع
ولقد أراعي الصبر فيما أشتكي / من مؤلمٍ والصبر بعض تجزعي
شيبت حياتي ثم شابت لمتي / في غير ذخرٍ للمعاد مجمّع
فالرأس مشتعلٌ بشيبٍ أبيضٍ / والقلب مشتعلٌ بشيبٍ أسفع
ومع المشيب ففي من سنّ الصبى / جهلٌ وضرسُ غوايةٍ لم يقلع
أوَّاهُ من سنٍ وأسنانٍ مضت / في فعليَ العاصي وقولي الطيّع
سنٌّ علا كبراً وسنّ قد هوى / تلفاً ولسنٌ إن يؤخر يفزع
وتشاغلي فيما يضر وحسبه / لو لم يضرّ بأيّه لم ينفع
همَّان من دنيا وآخرةٍ فيا / للحيرتين بمعضل وبمُضلع
وبلية الإنسان منه وإنما / بك يا شفيع المذنبين تشفعي
سارت إليك صلاةُ ربك ما سرت / لحماك ناجيةُ المحبّ الموضع
وتوسَّلت بك مدحةٌ سيارةٌ / سيرَ النجوم من ابتداءِ المطلع
ونظيمة من طيّب الكلمِ الذي / لسوى مقامك في الورى لم ترفع
عوَّذتُ من عين الحسود عيونها / من حرف مطلعها بحرف المقطع
وتخذتها عيناً ترَوّيني غداً / وترى لذي الدارين منجاً منجعي
إن كنتُ حساناً بمدحك نائباً / فسناك أرشده وقال ليَ اتبع
سجعت لك المداح في طرق الهدى / والمكرمات ومن تطوّق يسجع
أجبت منادي الحب من قبل ما دعا
أجبت منادي الحب من قبل ما دعا / فإن شئتما لوماً وإن شئتما دَعا
ليَ الله قلباً صير الوجد شرعةً / وجفناً قريحاً صير الدمعَ مشرعا
كنافة لحظٍ خلفتني من الهنا / قَصِيًّا وفكري للهموم مجمَّعا
وسالف عهدٍ بالعقيق ذكرته / فعاد بدُرّ المدمعين مرصّعا
يخوفني بالسقم لاحٍ وليت من / عنانيَ أبقى فيّ للسقم موضعا
بَليت فلو رامتنيَ العين ما رأت / ولو أنَّ فكري عارض السمع ما وعى
ورُبَّ زمانٍ كان لي فيه مالكٌ / حبيبٌ سعى منه الفراق بما سعى
فلما تفرقنا كأني ومالكي / لطول اجتماع لم نبتْ ليلةً معا
من الغيد لو كان الملاح قصيدة / لكان سنا خدّيه للشمس مطلعا
أدار عليّ الدمع كأساً وطالما / أدارَ عليّ البابليّ المشعشعا
كأن التلاقي كان وفراً تسرعت / أيادي ابن شادٍ فيه حتى تضعضعا
إذا لم يكن للغيث في العام نجعة / فحسبك بالملك المؤيد منجعا
مليك أعاد الشعر سوقاً بدهره / فجئت إلى أبوابه متبضعا
ووالله لولا باعثٌ من مديحه / لأصبح بيتُ الشعر عندي بلقعا
أتَعذَلُ أقلامُ المدائح إن غدت / له سجداً لا للأنام وركّعا
فدت طلعة البدر المنير أبا الفدا / وإن كان أعلى من فداها وأرفعا
ألم ترَ أنا قد سلونا بأرضهِ / مراداً لنا في أرض مصرَ ومرتعا
إذا ابن تقيّ الدِّين جاد نباته / علينا فلا مدّت يدُ النيل أصبُعا
أما والذي أنشى الغمام وكفّه / فجادَ وقد ملَّ السحاب فأقلعا
لقد سُمعت للأوَّلين فضائلٌ / ولكنَّ هذا الفضلَ ما جازَ مسمعا
سحاب كما ترجى السحائب حفَّلاً / وبأسٌ كما تنضى الصواعق لمعا
وعلم ملأنا صحفه من فنونه / فكانت على الأيامِ برداً موشعا
وذكرٌ له في كلِّ قلبٍ محبَّةٌ / على ابن عليّ يعذر المتشيِّعا
له الله ما أزكاه في الملك نبعة / وأعذب في سقيا المكارم منبعا
هو الملك أغنى ماء وجهي وصانهُ / فإن تقصر الأمداح لم يقصر الدّعا
غدت كلّ عامٍ لي إليه وفادةٌ / فيا حبَّذا من أجل لقياه كلّ عا
تطوَّقت تطويقَ الحمامِ بجودِه / فلا عجبٌ لي أن أحوم وأسجعا
قضى الله إلاَّ أن يقومَ لقاصدٍ / بفرض فإن لم يلقَ فرضاً تطوَّعا
حلفت لقد ضاع الثنا عند غيره / ضياعاً وأمَّا عنده فتضوَّعا
سرى طيفها حيثُ العواذل هُجَّع
سرى طيفها حيثُ العواذل هُجَّع / فنمّ علينا نشرهُ المتضوع
وباتَ يعاطيني الأحاديث في دجىً / كأنَّ الثريَّا فيه كأسٌ مرَصَّع
أجيراننا حيى الربيع دياركُم / وإن لم يكن فيها لطرفيَ مربع
شكوت إلى سفحِ النقا طول نأيكُم / وسفحُ النقا بالنأي مثلي مروَّع
ولا بدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ / يواسيك أو يسليك أو يتوجَّع
فديت حبيباً قد خلا عنهُ ناظرِي / ولم يخلُ منه في فؤاديَ موضع
مقيم بأكنافِ الغضا وهيَ مهجةٌ / وإلا بوادِي المنحنى وهي أضلع
أطالَ حجازَ الصدِّ بيني وبينه / فمقلته الحورا ودمعي ينبع
لئن عرضت من دون رؤيتهِ الفلا / فيا رُبَّ روضٍ ضمَّنا فيه مجمع
محلّ ترى فيه جوامعَ لذَّةٍ / بها تخطب الأطيار والقضب تركع
قرأنا بهِ نحو الهنا فملابس / تجرّ وأيدٍ بالمدامة ترفع
وقد أمنتنا دولةٌ شادَوِية / فما نختشِي اللأوا ولا نتخشَّع
مدائحها تمحو الآثام ورفدها / يعوّض من وفر الغنى ما نضيع
رعى الله أيامَ المؤيد إننا / وجدنا بها أهل المقاصد قد رُعوا
مليكٌ له في الجودِ صنعٌ تأنَّقت / معانيه حتى خلتهُ يتصنَّع
وعلياء لو أنَّا وضعنا حديثها / وجدنا سناها فوق ما كانَ يوضع
مُذال الغنى لو حاولت يدُ سارق / خزائنه ما كانَ في الشرعِ يقطع
أرانا طباقَ المال والمجد في الورى / فذلك مبذولٌ وهذا ممنَّع
وجانس ما بين القراءة والقرى / فللجود منه والإجادة مطلع
توقَّد ذهناً واسْتفاضَ مكارماً / فأعلم أن الشهبَ بالغيث تهمع
وصان فجاجَ الملك عدلاً وهيبةً / فلا جانبٌ إلاَّ من الروضِ مرتع
عزائم وضَّاح المحامد أروعٌ / إذا قيل وضَّاح المحامد أروَع
تفرق أحمال النّضار يمينه / لمَّا راح بالسمر الطوال يجمَّع
ولا عيبَ في أخلاقه غير أنه / إذا عذلوه في الندى ليس يرجع
له كلّ يوم في السيادة والعلى / أحاديثَ تملي المادحين فتبدع
إذا دَعتِ الحربُ العوانُ حسامه / جلا أفقها والرُّمح للسن يقرع
وإن مشت الآمال نحو جنابه / رأت جود كفَّيه لها كيفَ يهرع
فلا تفتخر من نيل مصر أصابع / فما النيل إلا من يمينك أصبع
أيا ملكاً لما دعته ضراعتي / تيقنت أن الدهر لي سوف يضرع
قصدتك ظمآناً فجدت بزاخرٍ / أشقّ كما قد قيل فيه وأذرع
وفي بعض ما أسديت قُنعٌ وإنما / فتىً كنت مرمى ظنّه ليس يقنع
لك الله ما أزكى وأشرف همةً / وأحسن في العلياء ما تتنوع
مديحك فرضٌ لازمٌ لي دينه / ومدح بني العليا سواكَ تطوّع
لا وعيش اللقاء ما لدموعي
لا وعيش اللقاء ما لدموعي / وقفةٌ بعد وقفةِ التَّوديع
يا لها باللقا ليالٍ تولَّت / باصْطِباري ومهجتي وضلوعي
وربوعاً كانت من الأنسِ تزهو / فرعى الله عهد تلكَ الربوع
ونجوماً من الأحبَّة سارت / يا ترى هل لسيرِها من رجوع
كلُّ حسناء صيرت بيتَ قلبي / بيتَ شعرٍ يُقام بالتَّقطيع
مثلما مثَّلوا صنيعَ ابن أيو / ب بجودِ البرامك المصنوع
ما سمعنا للأفضل الفرد ثانٍ / حبَّذا في ثنائنا من بديع
شادَوِيّ المقام يأوي علاه / بمحلٍّ على السماك رفيع
ذو ندًى كاملٍ ومجدٍ مديدٍ / ووفاً وافرٍ وعزّ سريع
وسجايا كالرَّوض تبسم كالزَّه / ر وبأس يبلي الظُّبا بالنجيع
من ملوكٍ تفقهوا في حمى المل / ك فردّ وللأصل فضل الفروع
ونضوا في حماه هيبة ملكٍ / يستردّ العاصي مردّ المطيع
يا أخا العلم والمكارم والبا / س وجمع الثنا وبثّ الصنيع
يا مليكاً سقى نداه نباتاً / زاكياً زرع حمده في الزروع
وصلتني النعمى ولم تسرِ عيسي / بفلاةٍ ولم تشدّ نسوعي
كرماً منك سوف تتلو التواري / خ ثناه على رؤوس الجميع
لكَ منِّي الدُّعا ونظم القوافي / فأعرها لا زلتَ فكرَ السميع
وابقَ للمادحين منصوب ذكرٍ / بحديثِ المكارم المرفوع
هدَّدتموا بالضنا من ليسَ يرتدع
هدَّدتموا بالضنا من ليسَ يرتدع / هيهات لم يبقَ فيه للضنا طمع
صبًّا تحجب عن عذَّاله سقماً / فاعْجب لمن بعوادِي الضرّ ينتفع
أحبابنا كم أقاسي بعدكم جزعاً / لو كانَ ينفعني من بعدكم جزع
حمَّلتمُ العين يا أشهى العيان لها / من أدمع وسهاد فوق ما تسع
ماءٌ من الجفنِ يغني روح واحدةٍ / كأنما السمّ حقًّا فيه منتقع
يا منعمين بطيفٍ بعد فرقتهم / دعوا التهكم أين الأعين الهجع
كلفتموني مواريثَ الذين قضوا / من الغرامِ فهل للوصلِ مرتجع
وعاذلٍ فيكُم تعبان قلت له / إن كنت أعمى فإني لستُ أستمع
يخادعُ السمعَ والأحشاء قائلةٌ / غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
ليتَ الثغور جلت برقاً له فرأى / سحائب الدمع وجداً كيفَ تنهمع
وربّ ظالمةٍ ما عند مقلتها / لفارشِ الخدّ إلاَّ السيف والنطع
يشكو كما يتشكَّى خصرها سغباً / وجارهُ الرّدف قد أودى به الشبع
كأنما ينقل البين المشتّ لها / دمي فتحمرّ خدَّاها وأمتقع
حثَّت لوشك النوى عيساً تحبّ سرًى / لكنها للأسى بين الحشا تضع
وخادعتنيَ من عرفِ الحمى سحراً / بالريح والعاشق المسكين ينخدع
كفى دلالك إن الصبر طاوعني / وإن قلبيَ من كفَّيك منتزع
لا تبتغي كلماتي اليوم في غزلٍ / فهنَّ لابن عليّ في الثنا شِيَع
والمانح الجزل لا منٌّ ولا ملك / والمانع السرح لا خوفٌ ولا جزع
علا عن المدح حتَّى ما يهش له / كأنما المدح في أوصافِه قزَع
يممْ حماه إذا ما خفت ضائعةً / فبابه بالندى كالصدر متسع
وقلْ لحاسدِه المغرور مت كمداً / ذاك الجناب صفاه ليسَ ينصدع
هيَّا لك الكرم الطائيّ مفترق / للناسِ والسؤدد القيسيّ مجتمع
بابٌ لبذلِ اللهى في كلّ نائبة / مجرَّبٌ وندًى في الجدب منتجع
وسيد بالمعالِي الغرّ مؤتلفٌ / بالحمدِ مشتغلٌ بالمجدِ مطَّلع
جمُّ المناقب يلقى العسر من يدِه / في المحل ما لقيت من علمه البدَع
لو لم يكن نجمه كالسيف منصلطاً / ما راحَ كلّ قرين وهوَ منقطع
يهوى المعالي وأبكارَ الكلام فما / يزال يفرع أعلاها ويفترع
فتوَّةٌ وفتاوٍ لا نظيرَ لها / كأنه في الندى والحكم مخترع
وأنعمٌ قربت عن همَّةٍ بعُدت / كالشمس يدنو سناها حينَ ترتفع
لا عيبَ في لفظه المنظوم جوهرُه / إلاَّ نوافثُ فيها للنهى خدَع
جُنَّ الغمام الذي حاكى مكارمه / أما تراه على وجه الثرى يقع
وقالت السمر من يلقى يراعته / منا فأمست كما قد قيل تقترع
صحَّت إمامة أقلامٍ براحتِه / فأصبحت بخبير الخير تلتفع
تسوَدّ نِقْساً وتجلو كلّ داجيةٍ / فهل هيَ الليل داج أم هي الشمع
يا أشرفَ الخلق أخلاقاً مطهَّرةً / وأفضل الناس إن طاروا وإن وقعوا
إن الجماهيرَ قد ذلَّت رقابهُم / إلى كمالك واسْتوفاهمُ الهلع
لا تسمعنَّ حديثَ القوم في شرفٍ / حديثُ غيرك موضوعٌ ومتضع
وعصبة تدعي علماً وقد جهلت / أنشقت آنافها نكباء تجتدع
حاكوك شخصاً ولكن ما حكوا رشداً / إن المساجد تحكي شكلها البيع
وجحفل لجبّ تطفو غواربه / كأنما تبّع في أثره تبع
ردَّت رداه سهامٌ من دعائك لا / بيضٌ حدادٌ ولا خِطّيةٌ شرع
يا ابن الكرام الأولى في كلّ مكرمةٍ / إن فاخروا فخروا أو قارعوا قرعوا
لا في اليسارِ مفاريحٌ إذا بلغوا / غايات مجدٍ ولا في أزْمة جزع
كم نالَ سعيهمو جدّ فما بطروا / فيه وكم نالهم دهرٌ فما خضعوا
من كلّ أروع للأقلام في يدِه / وللظُّبا في الوغى والسلم مطلع
تزداد والرمح في جنبيه سوْرَته / كأنما زيدَا في أضلاعه ضلع
وملجأ العلم في أوطانه لفتىً / للجودِ والبأس فيه الشهد واللسع
من مبلغٌ عنِّيَ الأهل الذين نأوا / إني نزيلك لا فقرٌ ولا فزع
مطوَّق بهباتٍ ساجعٌ بثناً / ينسي الأوائل ما جادوا وما سجعوا
لي بالجنا الحلو في ناديك مرتفقٌ / وبالندى الغمر مصطاف ومرتبع
نعمَ الفتى أنتَ لا تحنو على نشبٍ / كفَّاه يوماً ولا تبقي ولا تدع
أجديت حالي ولم تسمع شكايته / من بعد ما ضنَّ أقوامٌ وقد سمعوا
وجادَ فكري بنوعٍ من مدائحه / وللمساكين أيضاً بالندى ولع
بحثت عن وصفك الزاكي فنائله / مسلمٌ ومدى علياك ممتنع
ما زلت ترتجع النعمى إليَّ إلى / إن خلت أن شباب العمر مرتجع
وقلت للخاطبِي مدحي بذكرِ ندى / غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
كفّ الملامة عن حشا المتوجع
كفّ الملامة عن حشا المتوجع / واتْرك مضرَّته إذا لم تنفع
أتخال أني للملامة سامع / لا والذي قد سد عنها مسمعي
والنازعات فإنها من مهجتي / والمرسلات فإنها من أدمعي
لا كان نشر العاذلين بضائع / عندي ولا عهد الهوى بمضيع
أنا مستدل بالسقام على الأسى / فإن استطعتَ بفقه عذلك فامنع
ما العذل قرآن ولا أنا جلمد / فأظل منه كخاشع متصدع
بأبي غزالاً ضاق بي وسع الفضا / في الحب وهو من الحشا في مربع
صرع الأسود بمقلة نجلاء إن / تلمح صوارمها بجفن تقطع
القلب موضعه وقد عطفت له / جمل الأسى فأصخ لعطف الموضع
وارفض ملامي في البكى متوالياً / وأقرأ على أهل المحبة مصرعي
لزم الأسى قلبي كما لزم الثنا / قاضي القضاة أبا المناقب أجمع
ذاك الذي حكمت علاه بعلمها / لا بالحظوظ ولا بقول المدعي
متفرد قال الزمان لفضله / فوفى المقال وصح عقد المجمع
من ذا يضاهي الشمس حسن فضيلة / وبها قوام العالم المتنوع
لله أي فضائل مأثورة / يوم الفخار وأي لفظ مبدع
وسداد رأي لا تخاف صفاته / لكن متى يخدعه عاف يخدع
درت به حلب لطالب رسلها / وحنت على العافي حنو المرضع
بشراك يا وطناً تقادم عهده / بحمى العواصم لا بسفح الأجرع
هبطت بمغناك العلوم وإنما / هبطت إليك من المحل الأرفع
وغدا مقرك بالفضائل واللهى / ماضي الشريعة مستفاض المشرع
زاهى على غرر البلاد وأهلها / بأغر وضَّاع الخلائق أروع
أضحت معرضة كرائم ماله / فلو انتحاها سارق لم يقطع
نعم الملاذ لطالبيه فطالب / علماً وطالب نائل متبرع
ما البحر إلا علمه ونواله / لو كانَ طافي الدّرّ حلو المكرع
لو تنطق الشهباء قالَ مقامها / قل يا محمد كلّ فخر يسمع
يا قدوة العلماء عشْ مترقياً / وأخْفض بأمرك ما تحاول وارفع
قسماً لقد رجعت بي الدُّنيا إلى / مغناك بعد النأي أحسن مرجع
ردّ الرَّجاء إليَّ قربك حبَّذا / شمس ترد من الرَّجاء ليوشع
لله كم لك من يدٍ مأثورة / عندِي وكم لكَ من ندى متسرع
قالت لأنعمك الغزار قصائدي / هذا نباتيّ المدائح فازرعي
أما ونجوم الحسن أعيى طلوعها
أما ونجوم الحسن أعيى طلوعها / لقد بليت أجسادَنا وربوعها
لقد سيرت تلك النجوم يدُ النوى / فهلا كتسيار النجوم رجوعها
تركت جمادى كلّ عين قريرةٍ / وقد جرَّ أذيال السيول ربيعها
وأعددت أجفاني منازلَ للبكى / فولى وما يدرِي الطريق هجوعها
فدىً للغواني مسلمٌ فتكت به / وحلّ لهاتيك العيون صريعها
أساكنة بالجزع إن مدامعي / سيرضيك منها بالعقيق نجيعها
أبت لي دموعِي أن أماكس في الهوى / فحسنك يشريها وجفني يبيعها
وأسهرت أجفاني وإن كنت ساهراً / ومحترقاً في الغيد لولا شموعها
ليَ الله نفساً لا يخفُّ نزاعها / إليكَ وروحاً لا يكفُّ نزوعها
وأغيد فتَّان اللواحظ فاتك / يروق حشا عشَّاقه ويروعها
سعى بالحميّا في نشاوى تهافتت / عليها بأيدٍ ما تكاد تطيعها
فيا لكَ من ألباب قوم تنكَّرت / مصانعها منها وأقوت ربوعها
أخادِع آمالي بكأسٍ وشادنٍ / وقد يقتضي آمال نفسٍ خدوعها
وقد أشتكِي همِّي إلى أريحيةٍ / ولوعِي بأكناف الحمى وولوعها
تكاد من الذكرى إذا ما تنفسَّت / تناثر من شجوٍ عليها نسوعها
وتسعدني الورقاء منها نواحها / بغصنٍ ومن أجفان عيني هموعها
تطوقت من جود ابن يحيى كطوقها / فلله أطواق اللّهى وسجوعها
أخو الكلمات الغرّ تندِي غمامها / وينفح ريَّاها وتزكو زروعها
وذو الدّوحة العلياء أرست أصولها / وطابت مجانيها وطالتْ فروعها
بحور اللّهى والعلم فيهم بسيطها / وكاملها منهم وعنهم سريعها
إذا أسرة الفاروق قامتْ لمفخرٍ / أقرَّت لعلياها السراة جميعها
تصول وتحمي شرعةً نبويةً / فأسيافها منهم ومنهم دروعها
ألم ترَ علياهم بطلعة أحمدٍ / كما نض عن عبق الرياض سريعها
على يدِه البيضاء آي يراعةٍ / ينعم جانيها ويشقى لسيعها
معوّد سحر البيان فبينما / تروق ذوي الألباب أمست تروعها
فرائد لا ترضى ابن عبَّاد عبدها / ويعلو على وصف البديع بديعها
لئن حفظت مصرٌ وشامٌ برأيه / لقد حفظت بطحاؤها وبقيعها
وقد بثّ فيها العدل حتى بأمنها / مها الرمل تمسي والهزبر ضجيعها
ربيب العلى والعلم تفديك مهجة / تضلع من خلفي فداك رضيعها
أفدتَ يدي وفراً ونطقي بلاغةً / لفضليك يعزى صنعها وصنيعها
وفرّجت بالنعماء حالي وفكرتي / وقد ضاقَ بالأنكادِ عني وسيعها
وأمّن يا ربّ السيادة والتقى / برجواك خوف الرحلتين وجوعها
ومثلك من أسدى لمثلي أنعماً / تسرّ وآفاق البلاد تذيعها
فخذْها بتفويف الثنا كلّ حلةٍ / لها من مقاماتِ المقالِ رفيعها
لأنجمها وصل السعود بذكرِكم / إذا أنجمٌ أخنت عليها قطوعها
وهنئت بالأعوامِ يصفو جديدها / عليك بإقبالٍ ويطوى خليعها
مدى الدهر في علياءٍ تبهر أعيناً / فما لمحات العين إلاَّ ركوعها
يخيل لي برقٌ من الثغر لامع
يخيل لي برقٌ من الثغر لامع / فيسبقه غيثٌ من الجفنِ هامع
ويرفع طرفي للصبابة قصةً / فتجرِي على عاداتهنَّ المدامع
بروحِيَ من قالَ الرقيب لحسنهِ / على كلّ حين من وصالك مانع
ومن كلّ يومٍ في هواها متيمٌ / يموت ولوَّامٌ عليه تنازع
تدافعني فيها الوشاة عن الأسى / وما لشهودِ الدمع والسقم دافع
وذي عذلٍ في الحبّ لا هو ناظرٌ / إلى حسن من أهوى ولا أنا سامع
مضى في الهوى قيس وقد جئتُ بعدهُ / فها أنا للمجنون في الحبِّ تابع
تذكّرني الورقاء بالرّمل معهداً / فهل نجم أوقاتي على الرّمل طالع
وتشدو على عيدانها فتثير لي / كمائن وجدٍ ضمنتها الأضالع
وذكرى شهابٍ كانَ لي من ورائِه / إلى مالكٍ لي في الصبابة شافع
وأوقات أنسٍ بين شادن وشادنٍ / كما اقْترح اللذّات راءٍ وسامع
وكأس لغيري أصفر من نضارها / ولي من لمى المحبوب للهمِّ فاقع
تعوَّضت عنها بارْتشاف مديرها / كما حرّمت منها عليَّ المراضع
وقضيتها أوقات لهوٍ كأنما / عفا الدهرُ عنها فهوَ يقظان هاجع
زمان الهوى والفوْدُ أسود حالكٌ / وعصر الصبى والعيش أبيض ناصع
إذا ابْيضَّ مسود العذار فإنما / هوَ الصبح للّذّات بالليلِ قاطع
لعمري لقد عادَ النعيم لفاقدٍ / وقد طلعت للشامِ نعم المطالع
وزارة شمسيّ الثنا يعتلى بهِ / محلّ ويدنو نوره والمنافع
هنيئاً لأفق الشام يا شمسَ مصره / بأنك بالتدبير للشام طالع
وأنك لا كالشمس ظلّك سابغٌ / ولكن لأهل الزيغ وقدك قامع
وأنَّ نماء الخلق والرزق لم يزل / إلى الشمسِ عن إذنٍ من الله راجع
وأنك يا موسى لذو القلم الذي / تهشّ به أهل الحيا وتدافع
عصاً لبلادِ الشام فيها مآرب / ومن يدك البيضاء فيها صنائع
فراعنة الكتاب عن ظلمنا ارجعوا / فقد جاء موسى والعصا والقوارع
وذو الهيبة اللاتي بها يزع الورى / وما ثمّ إلا خوفك الله وازع
إذا المرء خافَ الله خافت من اسمِه / أسود الفلا والعاديات الرواتع
لنعم الوزير الباسط اليد أنعماً / وأدعية للملك جذلان وادع
أخو الزّهد والتدبير إما تهجّدٌ / وإما يراع ساجد الرأس راكع
ولو لم يجدنا غيث جدواه جادَنا / بفضلِ دعاه شائع الغيث ذائع
تقصر أفكار العدى عن خداعهِ / ويخدعه في الجودِ من لا يخادع
أنا ابن كثيرٍ في رواية جوده / ومن كلّ بأسٍ عاصم ثم نافع
يقوم مقام النيل في مصر فضلهُ / إذا جرَّت الأقلامَ تلك الأصابع
ويغني عن الأنواء في الشامِ عدلُهُ / وعدل الفتى للخصبِ نعم المزارع
أتانا وقد ضنَّ السحاب بقطرةٍ / فجادَ وأجدى نيله المتدافع
ولما وجدنا للثراء زيادةً / علمنا بأن الشام للخير جامع
كذا فليدبر دولةً ورعيَّةً / وزيرٌ لجمع المال والجود بارع
ألم ترني من بعد ذلٍّ وفاقةٍ / بظلّ نداه والعناية راتع
ألم ترني في طوق نعماه ساجعاً / ولا عجبٌ إنَّ المطوّق ساجع
وسابق ظنِّي لا الوسائل قدمت / ولا قرَّبتني من حماه الشفائع
وعجّل معلومي وما كنت واصلاً / إلى ربعه والشهر للشهر رابع
وأصلح منِّي ظاهراً ثم باطناً / فلا أنا عريانٌ ولا أنا جائع
إليك ابن تاج الدين درّ مدائح / بداية مهديها إليك بدائع
وإني وإن باكرتُ بالمدح منشداً / لداعٍ بأستار الأجنة ضارع
نباتيّ لفظ قد حلا وتكررت / إليكَ بهِ للأنام المطمع
وقد كانَ من حيث الإضاعة ضائعاً / فها هو من حيث التضَّرع ضائع
تقول رياض المزهرات لزهرِه / بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
لك الله في كلّ الأمور مؤيد / يمدّك بالدهرِ الذي هو طائع
ولا ترفع الأيام ما أنت خافض / ولا تخفض الأيام ما أنت رافع
تذكر جرعاء الحمى فتجرعا
تذكر جرعاء الحمى فتجرعا / كؤس الأسى بالدمعِ راحاً مشعشعا
وفارق جيران الغضا غير أنه / به أودع القلب الشجيّ وودَّعا
يكرِّر لثم الترب حتَّى كأنه / يحاول ختماً للذي فيه أودعا
فأدمعهُ قد صرنَ ألفاظ شجوه / وألفاظه من رقَّةٍ صرنَ أدمعا
أقولُ وقد راجعت بالشام ذكرهم / ألا قاتلَ الله الحمام المرجعا
يذكرني عهد العقيق كأنه / بلؤلؤِ دمعي صارَ عقداً مرصَّعا
عسى كلّ عام زورة لمفارق / فيا حبَّذا من أجل لمياء كلّ عا
إمام الهدى والعلم هنئت مقصداً / سعيداً وعوداً بالقبولِ ومرجعا
يطوف ويسعى للإمام الذي سعى / وطاف بذيَّاك الحمى وتمتَّعا
تكاد ستور البيت تجذب برده / لعرفان محمود الشمائل أروعا
لعمري لقد سرّ المقام وأهله / بزورة أوفى الزائرين وأورعا
فإن ملأ الإحسان كمّ مجاور / فقد ملأ الحجر المحامد والدعا
وهنئ أفق الشام رجعة نير / مليٍّ بإسعاد الرعيَّة والرعا
تحييه أغصان البلاد كأنما / هوت سجداً نحو الأمام وركَّعا
وتلثم حتى مبسم الغيث في الثرى / بدور لآثار الركائب مطلعا
لك الله ما أتقى وأنقى سريرة / وأرفع قدراً في الأنامِ وأنفعا
وأكرم في الأنساب والفضل جمة / وأشرف في الدنيا وفي الدين موضعا
وأندى يداً لو أورقت عود منبر / لما عجب الرائي وإن قيل أينع
كرامات من مدّت يداً دعواته / ظلالاً إلى أن عمَّت الناس أجمعا
إليك خطيب الشام لابن خطيبها / براعة مدح كانَ برّك أبرعا
مديحك فرض لازم لي فطالما / بدأت فأسديت الجميل تطوّعا
كفُّوا حديث العذل عن مسمعي
كفُّوا حديث العذل عن مسمعي / فأين من يعقل أو من يعي
يا عاذلي في الحسن إن كنت لم / تبصر فإني منك لم أسمع
لا تزد القلب على شجوِه / إن كنت لا تأرق لي فاهجع
أنا الذي يروي حديث الأسى / مسلسلاً في الحبِّ عن مدمعي
واعجبي في الحبِّ أشكو الجفا / من ساكنٍ في منحى أضلعي
إن شئت يا بدر الدجى إن بدا / فاطْلع وإن شئت فلا تطلع
وأنتِ يا أغصانَ بانَ النقا / إذا تثنى فاسجدي واركعي
لا آخذ الله ليالي اللقا / فإنها أصل الأسى الموجع
لو نسيت عينايَ إنسانها / ما نسيت ليلى على الأجرع
وغفلة الواشين عن وصلنا / ونحنُ كالواجد في مضجع
يا مقلتي بالوصلِ قرّي ويا / مدائحي في ابن حميد ارْتعي
شمسٌ ينادى ذكره سرّ ويا / طرف الأعادي خاسئاً فارْجعي
مستحكم الرأي ولكن متى / نخدعه باغي نشبٍ يخدع
يزدحم اللثم على كفِّه / تزاحم البهم على المكرع
إذا بدا أبصرْتَ حسَّاده / من مهطع الرأس ومن مقنع
آراء عمرٍو ولهى حاتمٍ / وحلو قيسٍ وذكا الأصمعي
جننت يا غيثُ متى شئت أن / تحكِي أيادِيه فطِرْ أوقَع
ذاك الذي عمَّ جدى برّه / وأنت في الموضع والموضع
أصبحَ لا حرز لأمواله / فلو عدا السارق لم يقطع
تهبّ نعماه وبأساؤه / من سجسجٍ طوراً ومن زعزع
لطافة حفَّت بها هيبةٌ / كالسيف ذو الرّونق والمقطع
وهمَّة علياء تعبانة / أيّ ربى في المجدِ لم تقرع
لو أنَّها ألفت هلال السما / مكان شسع النعل لم تقنع
وأنمل تحنو على معدمٍ / تحنن الثدِي على المرضع
وليسَ يعيى جودها ذا غنىً / جود الحيا في الجدول المترع
شم فضله واللفظ وانْظر إلى / صوبِ الغوادِي والحمى الممرع
نظمٌ ونثرٌ في عقولِ الورى / كالخمر أو كالسحر أو أصنع
لا غَرْوَ إن تسكر شمسية / لموعةٌ تصدر عن ألمع
ذو قلم يجني الغنى والفنا / من شهده أو سمّه المنقع
ينهلّ منه القصد في منجحٍ / ويلجأ الجيش إلى منجع
أيّ ردينيّ بغى حربه / من ندمٍ للسنِّ لم يقرع
يا سابق الناس لشأوِ العلى / من حاصرٍ باقٍ ومن مرتع
كأنما يسلك في مجهلٍ / وأنتَ في متّضح مهيَعي
تهنَّ بالحجِّة مقبولة / فائزة المقصد والمرجع
والحجر المدنى إليه يداً / بأكرم الحالك والأصنع
وانعم ودُمْ واسمعْ معاني الثنا / على قصور الخلق واسْتمتع
جلت معاليك على واصفٍ / حتى غدا المادح كالمقدع
وأبعدت عن حاسدٍ كائدٍ / أينَ السهى من مقعد أقطع
وأبعدت علياك لي في الندى / فجبتها بالكلم المبدع
ورد نعماك إليَّ الرَّجا / فأنتَ شمسي والرَّجا يوشعي
أذاتَ الحجى إن الحجاب ليمنع
أذاتَ الحجى إن الحجاب ليمنع / عن اللفظ حتى في رثائك يسمع
ولكنَّ تطويقي لهىً ناصرية / تحث على أني أنوح وأسجع
ولم لا وقد أبصرته متحرّقاً / بفرقة حبّ راحلٍ ليسَ يرجع
أيسرع لي بالمالِ جوداً ولا أرى / بماءِ جفوني جائداً أتسرَّع
وأما دموعي بالبكاء كأنها / على صحن خدِّي من دمِ القلب تهمع
لقد عمَّنا ما خصَّه من رزيةٍ / بأمثالها تدمي الجفون وتدمع
رزية من كانت له أصل بهجة / وكلّ بهيج ضمنها يتفرَّع
فما ليَ لا أرثي تقاها وفضلها / وأرثي له والقلب حرَّان موجع
وأندب للمحراب قنديل غرَّةٍ / بنورِ التقى طول الدجى يتشعشع
وأندب للمعروف والبرّ راحةً / ترى راحة تعبانها حين ينفع
وأندبها للتربِ من حجب العلى / وديعة أستار إلى عدن تودع
وأندبها لليومِ صوماً وللدجى / صلاةً وأذكاراً ونسكاً يوزَّع
وللبيت بيت الفضل كدر صفوه / وللبيت من ذات الصفا حين يهرع
فيا لكَ من بيتٍ جديدٍ بكى لها / وبيتٍ عتيقٍ نحوها يتطلَّع
ويا لكَ من حزنٍ يتجدَّد عندنا / بهِ حزن يعقوب الذي كادَ يقلع
وحزن أخٍ قد جاورته كرامة / لها وإلى بيتِ الكرامات ينزع
وحزن كبار أو صغار تتابعوا / أسوداً وغزلاناً تسير وتتبع
هو الموت كأساً من حميّا حمامها / ومن حسراتٍ قبلها تتجرَّع
وصرف لأرواح البريَّة ناقدٌ / على أنه في أخذ نقديه مجمع
وسبع ليال دائراتٍ على الورى / بنوع افتراس فيهمو ليس يشبع
ألا في سبيل الله نقد عزيزةٍ / تولَّت وأبقت لاعج الحزن يرتع
سلامٌ ورضوانٌ عليه ورحمةٌ / وروحٌ وريحانٌ وخمرٌ منوَّع
على جهةٍ إن قيل ستّ فإنها / عليها من الستّ الجهات تفجع
يعزّ عليها نار حزنٍ تمسّه / وتلك بجنَّات العلى تتمتَّع
ولو بلغت ما مسَّه من مصابها / لكادت به في جنَّة الخلد تجزع
وما رحلت حتى رأت فيه كلماً / تمنَّت فليس من حمام تروع
ولو خيِّرت لم ترضَ إلاَّ بقاءَه / ونقلتها فليهنها القصد أجمع
وكم مرَّةٍ فدَّاه بالنفسِ نطقها / فقد صحَّ ما كانت له تتوقَّع
وشيعها بالبرِّ زاداً تسنناً / فلله منه سنَّة وتشيّع
تهنَّ بنو نعش لمطلع نعشها / نعم وبنات النعش أيَّان تطلع
وما هيَ إلاَّ روعةٌ من رزيةٍ / ولكنْ لها ثبت العزائم أروع
بليغ عرفنا صنعة اللفظ عندهُ / فما قدرُ ما في وعظه يتصنَّع
سقى لحدها الروضيّ غيث كأنه / نداه علينا وارفٌ وممرَّع
وخفف عن أحشاه وهجاً لو أنه / سحائب ضيف عن قريب تقشع
طمعنا بحدس في رجوع مفارق / وفي غير من قد وارت الأرض يرجع
وإن منع الماضون من سعيهم لنا / فإنا عن المسعى لهم ليس نمنع
هل لكَ يا أرفع البرايا
هل لكَ يا أرفع البرايا / في قريةٍ شأنها رفيع
قد أحوجت عبدك الليالي / لسفرة أمرها فظيع
لم يستطع مكترى حمار / فكيف للملك يستطيع
هذا وفي حظِّه نزول / نعم وفي رجله طلوع
ليس له طاقة ليجري / إلاَّ إذا فاضت الدموع
فاجْعل له في الأنام شأد / بفرس سوقها بديع
إذا تسمى الجواد بحراً / فبحرها في الفلا سريع
ودمْ مدى الدهر في أمان / يفديكَ أبناؤه الجميع
فحبذا رفدك المعنى / وحبَّذا وقتنا المريع
شهر وفضل وجود كف / ثلاثة كلها ربيع
تسلسلت في خدِّيَ الأدمع
تسلسلت في خدِّيَ الأدمع / معربةً فاعجبْ لما يسمع
قد رجع الدّمع إلى غرْبه / وعن غزال الشرق لا أرجع
حبِّي له حبُّ عليّ العُلى / وفيهما المخلص والمقطع
في ذا وذا وصفي ومدحي فما / للغير في شعريَ مستمتع
يا من يهنى العيد والز / مان والناس به أجمع
زِدْ كلّ يومٍ في العلى رفعةً / وليصنع الحسَّاد ما يصنعوا
عيشك والقدر كما تشتهي / تخفض هذاك وذا ترفع
أصبحت لم أخشَ للزَّمان أذىً
أصبحت لم أخشَ للزَّمان أذىً / وشافعيّ الزَّمان لي شافع
حيَّتك قاضي القضاة من مدحٍ / نجوم حمدٍ سعيدة الطالع
وجاءَ قدر الإمام سيدنا الح / سين صوبٌ من الرّضا هامع
ذاك الحسين الذي مضى فأنا / لا هو ظامٍ إلى اللقا جائع
ذاك الذي كنت من عوارفه / أسند عن عاصمٍ وعن المنى نافع
مباشروا الجامعِ الذين همُ / صبحي ولكن على المنى مانع
لولا نداك العميم يشملنا / ما كان بيني وبينهم جامع
جاءَ البشير بها فقلتُ لدرّه
جاءَ البشير بها فقلتُ لدرّه / لفظاً وفضلاً شنف الأسماعا
سمراء إلاَّ أنها حنطيَّة / تروي عطاشاً للقا وجياعا
وكريمة الأنساب أصدقها الندى / كفؤاً إذ أمر القريض أضاعا
يا آل فضل الله دمتم في الثنا / والأجر كنزاً للعفاة مشاعا
يسقى نداكم من نباتيّ الثنا / زرعاً يغاث فيعجب الزّرّاعا
تؤمرون قصائدي من بعد ما / كابدت من حالي الضعيف ضياعا
كم ضيعةٍ للحال كانت قطعة / فغدت بضيعة غلةٍ أقطاعا
نعم ليَ وقفة لا للدموع
نعم ليَ وقفة لا للدموع / على تلك المنازل والرّبوع
لجيران العقيق أفضت دمعي / مناسبة بمحمرّ النجيع
وفي تاج الزمان نظمت درّاً / فيا لله من عقدٍ بديع
كريم الوصف والأنساب قالت / أضف لسنا الأصول سنا الفروع
كذا قاضي القضاة مدا الليالي / محلّى التاج بالنظم الرفيع
لقد طلعت علينا من سناه / نجومُ اليمن بالخصب المريع
نداه وفصلنا والشهر فيه / ربيعٌ في ربيعٍ في ربيع
على اليمن والنعمى قدوم أحبّةٍ
على اليمن والنعمى قدوم أحبّةٍ / تخبّ بهم عيسُ الرّكاب وتوضع
لركبهم المصريّ قلبي هدية / على أن دمعي بالمسرّة ينبع
أمولايَ نورَ الدين هنئت حجةً / زَكا لكمُ فيها مسيرٌ ومرجع
أتمت مساعيك الزّكية نسكها / وما فاتنا من جود كفّك منجع
فإن فازَ مولانا بحجٍّ أتمه / فها نحن في نعمائه نتمتّع
وإن لم يكن في وقفةٍ جمعيّة / فها نحن فيكم بالهنا نتجمّع
مدائحنا فيكم وفي مثل بيتكم / فروضٌ وفي بعض الأنام تطوّع
برغمي أن شرعت له رثاءً
برغمي أن شرعت له رثاءً / ولم ألزمْ بتهنئةٍ شروعا
وليدٌ كان يا أسفي حبيباً / أبى تسيارُ كوكبه رُجوعا
وما قلبي إذاً حجرٌ فيسلو / هلالاً قبل ما اكتمل الطلوعا
فيا ولدي تولد حزن قلبٍ / فعمّ أصول بيتك والفروعا
ومسّ عيونَ من فارقت شرٌّ / فأصبح كلّ إنسانٍ جزوعا
أما والجاريات بصحن خدّ / بكت والموريات ورت ضلوعا
لقد أطفأ شميعة نور بيتٍ / ردًى كم مثلها أطفأ شموعا
يا إماماً لم يزل في الفض
يا إماماً لم يزل في الفض / ل ذا كف صناعي
باهر قولاً وفعلاً / في عيان وسماع
ما اسم ذي حجم لطيف / بين أيدي القوم ساعي
ناحل أصفر من / غير سقام وارتياع
وهو مصري ومطب / وع لذيذ الاجتماع
وهو في الخط خماس / ي وفي اللفظ رباعي
يقولون تبكي والديار قريبة
يقولون تبكي والديار قريبة / إذا بعدت أوطانهم كيف تصنع
دعوا مقلتي العبرى تجود بمائها / عسى أن حزن من الجفن يوضع
وثقت بتنكيد الفراق فأسبلت / جفوني وعجلت الذي أتوقع
وما هي إلا مهجة ذاب شطرها / فسالت بها من فوق خدي أدمع
وعما قليل ينفذ البين سهمه / فلا مهجة تبقى ولا دمع يهمع