المجموع : 31
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ
لعلَّ زَماناً بالثويَّةِ راجعُ / مَضى وهوَ في قَلبي مَدا الدّهر رابعُ
تَذكّرتُ نجداً ذُكْرَةً فكأنّما / تحمّل رَأسي مائلُ الرّأس ظالعُ
تَعرّقتِ الرَّوحاتُ منه فَصِيلَهُ / فَما هو إلّا أَعظُمٌ وأضالعُ
وَكيفَ بِنجدٍ بعد أنّ مطيَّنا / تسادكُ بالغَوْرين منه الأكارعُ
يَطَأْنَ الرُّبا وطءَ النّزيف فكلّما / هبطن الرُّبا سالتْ بهنّ الأجارعُ
خَليليّ هَل رَميُ البلادِ إِليكُما / برَحْلِيَ ممّا شفّني اليومَ نافعُ
وَهل لي إِلى مَن كنتُ أَهواهُ مِنكما / وَقد حَرّم الواشونَ جَدْواه شافعُ
عَشِيّةَ أَغْرَوا بِي العيونَ وسطّروا / مِنَ الوَجْدِ ما تُمليهِ عنّي المدامعُ
لَقَد ضَلَّ قَلبٌ بات في كلّ ليلةٍ / يُصادِي بُنيّاتِ الهوى ويصانعُ
يَصدّ ويَدنو بينَ يَأسٍ ومَطمعٍ / فلا هو وصّالٌ ولا هو قاطعُ
فَقل لأسيلاتِ الخدودِ أَتيننا / يخادعن منّي صاحباً لا يُخادَعُ
أَرَدْتُنّ قلبي للهوى وهو مُتعَبٌ / فإنّي وقلبي اليومَ منكنّ وادعُ
وقد كنتُ جرّبتُ الهوى وعرفتُهُ / فما فيهِ إِلّا ما تجرّ المطامعُ
وَقولٌ أَتاني مُعرباً عن مودّةٍ / فَجاءَ كَما كانت تَشاءُ المَسامعُ
وَلوجٌ إلى قلبِي عَلوقٌ بخاطري / كما عَلِقَتْ بالرّاحتين الأصابعُ
مديحٌ تولّى الفكرُ تنميقَ نسجِهِ / وليس كوَشْىٍ نمَّقَتْهُ الصّوانعُ
كأنِّيَ لمّا أَنْ مَشتْ في مفاصلي / حُمَيّاهُ في نِهيٍ من الخمرِ كارعُ
فيا عَلَمَ العلم الّذي يُهتدى بِهِ / كما في السُّرى تهدي النجومُ الطَّوالعُ
أَضَفْتَ إلىَّ الفضلَ منك تفضّلاً / وَأثنيتَ عمداً بالّذي أنت صانعُ
وَألقَيتَ مَنّاً في مديحٍ نَظَمْتهُ / على كاهلٍ لا تمتطيه الصّنائعُ
ومثلُك من قد كنتُ قبل وصالهِ / أَحِنُّ اِشتِياقاً نحوه وأنازعُ
ولمّا رَآني الدّهرُ لا أَرتضي له / صنيعاً وأكْدَتْ منه عنّي الذّرائعُ
سَقاني بكَ العَذْبَ الزُّلالَ وإنّما / أطلْتُ الظّما حتَّى حَلتْ لي المشارعُ
وقد كنتُ لا أرضى نصيباً أصبتُهُ / وإنّي بقِسْمي من ودادِك قانعُ
إِذا ما رعاكَ اللَّهُ لي بحفاظِهِ / فلستُ أُبالي أنّ غيرك ضائعُ
وَما ضرّ من فارقتُ من كلّ نازحٍ / وقد لفّ لي شملاً بشملك جامعُ
فدونَك قولاً جاء عَفْوَ بديهةٍ / وَإنَّ مقالاً لو تَعَمّدتُ واسعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ
لِغَيرِ الغَواني ما تُجِنّ الأضالعُ / وَغير التّصابي ما أرَتْهُ المدامعُ
وَيا قَلب ما أزمعتَ عَوْداً إلى الصِّبا / فتطمعَ في أنْ تَزْدَهِيك المطامعُ
تَضيق لأنْ أَرسى بِساحتك الهَوى / وَأنت على ما أحرج الدّهرُ واسعُ
وَيوم اِختَلسنا من يد الحذْرِ لحظةً / وَقَد آذَنَتنا بِالفراقِ الأصابعُ
عَذرتَ اِمرَءاً أَبدى الأَسى وَهوَ حازِمٌ / وَصمّ عَلى عُذّالِهِ وهو سامعُ
خَليليَّ إنّ الدهرَ جَمٌّ عديدُهُ / ولكنّه ممّنْ أُحِبُّ بلاقعُ
وخُبِّرتما أنّ الوفاءَ تقارضٌ / فما لي أُعاطي صفوَهُ مَن يُمانعُ
أَلا في بَشاشاتِ الرّجال ودونها / جوانحُ في أثنائها الغيظُ ناقعُ
وما زالتِ الأيّامُ مَثْنى ومَوْحَداً / يراوِدْن مِنِّي شيمةً لا تُطاوعُ
رَضيت بِميسورِ الحظوظ قناعةً / إِذا اِمتدَّ في غيِّ الطّماعةِ قانعُ
وَعوراءَ يستدعي النفوسَ اِقتِرافُها / تَنكّبها ناءٍ عَن السّوءِ نازعُ
تَحيّزتُ عنها لا أهمُّ بوَصلِها / كَما اِنحاز عَن ضمنِ العِذارين خالعُ
وَشُمٍّ منَ الفتيانِ حصّنتُ سرّهمْ / وَسِرُّ الفَتى ما بينَ جنبيهِ ذائعُ
سَرَوْا يَسأَلونَ الدّهرَ ما في غُيوبِهِ / وَليسَ لَهمْ غيرَ التّجاربِ شافعُ
إِذا صُدّ عن نُجحِ المَطالبِ جاهدٌ / تَخلّف عَن كَسبِ المَحامدِ وادِعُ
إِلَيك ذعرتُ الهِيمَ عن كلّ بُغيَةٍ / أَسِفُّ إِلى أَمثالِها وأُسارعُ
وَسوَّمتُها يسترجفُ الأرضَ مرُّها / وتُحيي سوادَ اللّيلِ والفجرُ طالعُ
وَلَولاك لَم تنفُضْ حشايَ مَسرَّةٌ / ولو كثرتْ منها إلىَّ الذّرائعُ
وَأَنتَ الّذي لَو لَم أفِضْ في ثنائِهِ / تحمّل عنّي القولَ ما هو صانعُ
شَديدُ ثَباتِ الرّأي بين مواطنٍ / رياحُ الخطوبِ بينهنّ زعازعُ
وَقورٌ فإنْ لاذتْ به أرْيحيّةٌ / فلا الحِلمُ مغبونٌ ولا الجَدُّ خاشعُ
ويقظانُ ما ضامَ التفرّدُ حزمَه / ولا قبضتْ من بَسْطَتيْهِ المجامعُ
تقصّتْ نهاياتِ المعالِي أُصولُه / وساعفها فرعٌ على النّجمِ فارعُ
كريمٌ إذا هزّ الرّجاءُ عطاءَهُ / تقاصر باع الغيثِ والغيثُ هامعُ
رَمى وَلهَ الحُسّادِ قَرْمٌ مُصَمِّمٌ / بِيَأسٍ تحرَّته النّفوسُ النّوازعُ
إِذا بادَروه المأثَرُاتِ شآهمُ / ودونَ المَدا منهمْ طليحٌ وظالعُ
وَدونَ بلوغِ الطّالبين مكانَه / طريقٌ على ربِّ الحفيظة شاسِعُ
وَكَم بَحثوه عَن خَفايا عيوبِه / فَشاعتْ مَعانٍ تصطفيها المسامعُ
وَما النّاسُ إلّا واحِدٌ غيرَ أنّهمْ / تفاوَت منهمْ في الفِعال الطّبائعُ
فِداؤك مَن يَتلو النّدى بِنَدامةٍ / وَقَد مَرَقَتْ من راحتيه الصّنائعُ
بَعيدٌ عَنِ الآمالِ لا يستخفّه / سؤالٌ ولا يرجو عطاياه طامعُ
وَقَد علم الأقوامُ أنّك فيهمُ / سِنانٌ إلى قلبِ المُلِمّاتِ شارعُ
وَهزّوك مسنونَ الغِرارين أُخلصتْ / نَواحيهِ وَاِجتاحَتْ قَذاه الوقائعُ
وَلَمّا نَبَتْ آراؤهمْ وأَظَلَّهم / مِنَ الأمرِ مسوَدُّ المخايِلِ رائعُ
تَداركتَهمْ والشّملُ قد رثّ حبلُهُ / وَأَضربَ عن مُستشرِي الخَرقِ راقعُ
بِعَزمٍ به مُستَسلَفُ النّصرِ كافلٌ / وَحزمٌ به مستأنَفُ النُّجحِ تابعُ
كَفيتَهمُ الدّاني وشَيّعتَ ما مضى / برأيٍ توخّاه الذي هو واقعُ
وَمُنكتم الأضغان أوْلاكَ بِشْرَه / وفي صدره غِلٌّ لحقّك مانعُ
يَجرُّ أَباطيلَ الحديثِ إذا اِرتَقى / إلى فَهمِهِ ذكرٌ لمجدك شائعُ
إِذا أبهتَته من مساعيك خلَّةٌ / تمنّى لها أنّ العيون هواجعُ
نَدبتَ لَهُ حِلْماً يداوي شرورَه / وَبعضُ الحِجى في مُلتَوِي الجَهلِ ضائعُ
تَراخَ وَخَفّضْ مِن همومك فالّذي / تطالبُهُ الآمالُ ما أنتَ جامعُ
وَقَد راجَعَتْ تلكَ الأمور وأقبلتْ / إِليك بما تهوى سنون رواجعُ
وَخلفُ الّذي أَرخى به الدّهرُ كفَّهُ / حُقوقٌ لَها هذي الوفودِ طلائعُ
نَضوتَ زمانَ الصّومِ عنك كما نضا / رداءَ الحَيا سبطٌ من الرّوضِ يانعُ
وما العيدُ إلّا ما صبحتَ طلوعَه / وَبلّجهُ فجرٌ بوجهك ساطعُ
وهُنِّيتَهُ عُمْرَ الزّمانِ مُسَلّماً / يَفوت الرّدى أَو تَختَطيكَ الفجائعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ
أَبِالبارقِ النّجديِّ طرفُك مُولَعُ / يخُبّ على الآفاقِ طوراً ويُوضِعُ
ولمّا أراد الحيُّ أن يتحمّلوا / ولم يبقَ لِي في لُبْثَةِ الحيِّ مَطمعُ
جرتْ لِي حياتي من جفوني صبابةً / وظنّ الغبيُّ أنّما هي أدمعُ
فَليتَ المَطايا إذ حَملن لنا الهوى / حُدِينَ عَشيّاً وهْيَ حَسْرى وظُلّعُ
فإِنْ لم يكونوا أنذروا بفراقهمْ / وفاجَأَنا منه الرُّواءُ المروِّعُ
فَقَد صاحَ قَبل البين لِي بفراقهمْ / غرابٌ على فرعِ الأراكةِ أبقعُ
سَلامٌ على ملكِ الملوك يقودُه / وليٌّ يناجِي بالتّحايا فيُسمِعُ
مقيمٌ على دار الحِفاظِ وطالما / تناسى رجالٌ للحِفاظ فضيّعوا
وأنتَ الّذي فُتّ الملوكَ فكلّهمْ / خلالك ينحو أو طريقَك يتبعُ
فما لك إلّا في السّماء مُعرَّسٌ / وما لك إلّا مَضجَعَ الشّمسِ مَضجعُ
فَإِنْ يكُ قومٌ لم يضرّوا وينفعوا / فإنّك فينا قد تضرّ وتنفعُ
وإنّك من قومٍ كأنّ وجوهَهمْ / كواكبُ في ليل المعارك تطلُعُ
تُساعِي لَهمْ نَحو العليّاتِ أرجلٌ / وتبسطُ منهمْ في الملمّاتِ أذرُعُ
وَما اِمتُقِعَتْ ألوانُهمْ في شديدةٍ / تُهابُ ولونُ اليوم لونٌ مولَّعُ
شِفاههمُ مِن كلّ عَوْراءَ قفرَةٌ / ودارُهُمُ من كلّ شنعاءَ بَلقَعُ
وَأَيديهمُ تجري إِذا جَمَدَ الحَيا / على المُعتفين بالعطايا وتَهمعُ
سِراعٌ إلى داعي الصّريخ شجاعةً / وَفي كلّ كفٍّ منهُم البيضُ تلمعُ
فَإِنْ طَعَنوا يومَ الكريهة أوسعوا / وإنْ أطعموا عند المجاعةِ أشبعوا
وَإِنْ وُزِنوا كانوا الجبالَ رزانةً / وَكم طائشٍ منهمْ إلى الموتِ مُسرِعُ
فَما فيهُم إلّا هُمَامٌ مُرَفَّعٌ / بحيث الثّريا أو غلامٌ مشيَّعُ
وَكَم لَك في يومٍ شهدتَ بهِ الوغى / وما لكَ إلّا الضّربَ والطّعنَ أدرعُ
وَفي كفّك العَضبُ اليمانيُّ قاطعاً / وما كلُّ سيفٍ كان في الكفّ يقطعُ
وَأَنتَ عَلى رَخْوِ العِنانِ كأنّه / منَ الضُّمْرِ طاوٍ ليس يروي ويشبعُ
وَليسَ تَرى إلّا الأسنّةَ رُعَّفاً / وبيضَ الظُّبا ماءَ التّرائبِ تكرعُ
وَقَد عَلِموا لمّا سرى البغيُ فيهمُ / وطارتْ بهمْ نكباءُ للغدرِ زَعْزَعُ
وَلَم تَرَ إلّا شَملَ عِقْدٍ مُفرَّقاً / وَإِلّا عهوداً منهُمُ تتقطّعُ
وَقد حال منهمْ كلُّ شيءٍ عهدتَهُ / فَأَحفظُ منهمْ للذّمامِ المضيِّعُ
بأنّك رُضتَ الحِلْمَ حتّى لبِستَهُ / شِعاراً ولكنْ ليس يُنضى ويُخْلَعُ
وَعاد الّذي قَد كان بالأمسِ شامساً / إليك مطيعاً وهو عَوْدٌ موَقَّعُ
وَلَو شِئتَ لمّا أنْ تَرَيّبتَ منهمُ / وَراموا الّذي لا يُرتَضى وتولّعوا
أطَرْتَهمُ تحت السّنابك في الثّرى / كما طار بالبيداء زِقٌّ مُزَعْزَعُ
فلم يُلقَ منهمْ بعد ذلك سامعٌ / ولم يبقَ منهمْ بعد ذلك مُسمِعُ
قنعتُ بخطّي منك ذخراً أعدُّهُ / ولستُ بشيءٍ يُقنِعُ النّاسَ أقنعُ
فما لِيَ إلّا تحتَ ظِلّكَ موئلٌ / وَلا لِيَ إلّا في رياضك مَرْتَعُ
وَلا كانَ لِي إلّا عليك إقامةٌ / وَلا كانَ لِي إِلّا برَبْعِك مَرْبَعُ
وَلا قيّضَ اللّهُ التفرّقَ عنكمُ / ولا عَنَّ نأْيٌ بيننا وتصدُّعُ
فلو أنّني ودّعتكمْ يومَ فُرقةٍ / لَما كدتُ إلّا للحياةِ أودّعُ
وإمّا تكونوا لِي وفي طيّ قبضتِي / فلستُ بشيءٍ غيركمْ أتطلّعُ
وإنْ كنتمُ لِي ناصرين على العِدا / فما إنْ أُبالِي فرّقوا أو تجمّعوا
وَوُدِّي لَكمْ لا يَستفيق ضَمانةً / وَما كنتُ إلّا بالّذي زان أولعُ
يُعنِّفُني قومٌ بأنّي أُطيعكمْ / وَلم يرضكمْ إلّا الّذي هو أَطوعُ
وَلم يَلحُني في نُصحِكمْ غير كاشِحٍ / وإِلّا اِمرؤٌ في الغِشّ بالغيب مولَعُ
ولو أنصفوا لم يعذِلونِيَ في هوىً / لِقلبِيَ لا يُلوِي ولا هو يَنزَعُ
وَقَد زعزعوا لكنْ لمَن ليسَ يَنْثني / وقد هدّدوا لكنْ لمن ليس يفزَعُ
وكم رَمْيَةٍ لم تُصْمِ ممَّن رمى بها / وكم قولةٍ من قائلٍ ليس تُسمَعُ
فإنَّ خِطاراً أنْ تهيجوا مفوَّهاً / له كَلِمٌ تفرِي البلادَ وتقطعُ
وما ضرَّني أنّي قُذفتُ بباطلٍ / وما زلتُ عُمْرَ الدهرِ بالحقّ أصدَعُ
وَما راعَني ذاكَ الّذي رَوّعوا بهِ / فَلا اِنتيشَ مِن غَمّائها المتروّعُ
وَإِمّا نَبا بِي أَجْرَعٌ فاِجتَويتُهُ / فَلي دونه منّاً منَ اللَّه أجرعُ
فدونَكها فيها معانٍ سترتُها / وأنتَ عليها دون غيرك أوقعُ
ولم يكنِ التّعريضُ مِنِّيَ خِفيةً / وَلَكِنّني ما اِسطَعتُ للشّرّ أدفعُ
إذا قلتُ فيكم كنتُ للقول مُفصِحاً / وكم عيَّ بالقول اللسانُ مُتَعْتعُ
وكم ليَ في مدحي لكمْ من قصائدٍ / لهنَّ على الآفاقِ في الأرض مَطْلَعُ
فهنّ جبالٌ والقصائد كلُّها / هباءٌ ونبعٌ والأقاويلُ خِرْوَعُ
وهُنّيتَ هذا العيدَ واِبقَ لمثلهِ / وَأَنفُ الّذي يَبغي لكَ السّوءَ أجدَعُ
تَروحُ وَتَغدو في الزّمان مُحَكَّماً / عَلى النَّاس تُعطي مَن تَشاء وتمنعُ
وَغُصنُك لا يذوِي مَدا الدّهر كلِّه / وركنُك لا يبلى ولا يتضعضعُ
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ
كم ذا نخيبُ وتكذب الأطماعُ / والنَّاس في دار الغرور رِتاعُ
فحوائمٌ لا تَرْتَوِي وعواطلٌ / لا تَحْتَلي وزخارفٌ وخداعُ
في كلّ يومٍ للحوادث بطشةٌ / فينا وأمرٌ للمنونِ مُطاعُ
وإذا الرَّدى قنص الفتى فكأنّه / ما كان إبقاءٌ ولا إمتاعُ
وَالمَوتُ أَملَكُ بالورى وتَعِلَّةٌ / هذا السَّقامُ وهذه الأوجاعُ
وَإذا تيقّنا الفراقَ لكلّ مَن / نهوى هواهُ فالسَّلام وداعُ
لَيسَ الرَّدى يا من يرومُ دفاعَه / ممَّا تُحاك لدفعه الأدراعُ
وإذا الرَّدى طلب النّفوس فإنّما / شَدَّ النَّجاءُ به وضاع قِراعُ
وصوارمُ الأسيافِ غيرُ صوارمٍ / والسَّمْهرِيَّاتُ الطِّوالُ يَراعُ
ما لي أعلَّلُ كلَّ يومٍ بالمُنى / عيشاً وأُشرى بالهوى وأُباعُ
كَرعَ الحمامَ مبذِّرٌ ومقدّرٌ / وخطا إليه مُجبنٌ وشجاعُ
ثمَّ اِستوى في حَسْوِ خمرِ كؤوسه ال / أملاكُ والسَّاداتُ والأتباعُ
والنَّاكصون المقدمون إِذا دعا / أَجَلٌ بهمْ والمبطئون سِراعُ
وَالدّهرُ يَطعنُ بِالرَّدى لا بالقنا / قَعْصاً ولا عَلَقٌ هناك يُباعُ
يُبقي ويُفني ثمّ يسلبُ ماكساً / بالرَّغم فهوَ المُلبِسُ النَّزَّاعُ
فذّ العطاءِ فإنْ يكن مَثْنى له / غَلَطاً فإنَّ الإرتجاعَ رُباعُ
خَيرٌ منَ المُثْرِي فَقيرٌ قانعٌ / ومِنَ الشِّباعِ من الطّعامِ جِياعُ
قُلْ للّذي كَنز الكنوزَ فهمُّهُ الت / تَجميعُ وَالتّرفيعُ والإيداعُ
أَوَ ما علمتَ بأنّ ما أحرزتَهُ / شِلْوٌ بأيدي الحادثاتِ مُضاعُ
وظننتَ ما أودعتَ في بطن الثّرى / سرّاً وسِرٌّ لا يُذاع مُذاعُ
تبّاً لدارٍ أشعرتْ سُكّانَها / أنْ ليس في طولِ المقامِ طماعُ
باع الجميعُ نعيمهمْ بشقائِها / بَيْعَ الغَبين ولو دَرَوْا ما باعوا
وَإِذا هُمُ اِعتَذَروا إِلى مَن لامَهُمْ / في الحِرصِ قالوا ما تراهُ طباعُ
فاِنظُرْ إِلى مَن قصدُهُ ترفيهُهُ / في العيش كيف تكُدُّه الأطماعُ
أَينَ الّذين عَلى القِنانِ قِبابهمْ / ولهمْ تِلاعُ المأثراتِ تِلاعُ
مِن كُلّ مُعتَصِبِ المفارقِ لم يُطِعْ / بَشَراً وفي كلّ الأمور يُطاعُ
دَرَجوا وأضحَوْا بعد عزٍّ أقعَسٍ / ما إِنْ لَهمْ إلّا الثّرى والقاعُ
وَأَزالَهمْ عَمّا اِبتَنوه منَ البِنا / هَذا الخَتولُ الباذلُ المنّاعُ
وَلَقد فُجعتُ وكلُّ مَن لم يُصْمِهِ / سَهمُ المنيّةِ زارَه الإفجاعُ
وَاِرتعتُ لِلخطبِ المُلمِّ بساحتِي / وَلَقِد عَمِرْتُ وغيرِيَ المرتاعُ
وَقرينةٍ لمّا ألِفتُ وصالَها / أنحى عليها الباترُ القطّاعُ
فَلَئِنْ هَوَتْ فَلَكَمْ هوى في هذه ال / خضراءِ عنّا كوكبٌ لمّاعُ
لَيتَ الّذي عزم التّرحُّلَ غفلةً / ما كان منه على الفراقِ زماعُ
ولقد سبقتِ صيانةً وديانةً / وَوراءَكِ الطُّلّاحُ والظلّاعُ
رحُبَتْ بِكِ الأجداثُ أجداثُ الثَّرى / واِعتادَ قبركِ هاطلٌ لمَّاعُ
أوْدَعتُ منكِ الأرضَ خيرَ وديعةٍ / فالأرضُ متلافٌ لها مِضياعُ
وَقَضيتُ حَقّكِ إذ جعلتُك في حِمى / قومٍ لهمْ دون النّعيم رِباعُ
صُقْعٌ لآلِ اللّه آلِ نَبيّهِ / سجدتْ له الأقطارُ والأصقاعُ
فَرَقَ الزَّمانُ وما درى ما بيننا / والدّهرُ مِفراقٌ لنا مِجْماعُ
أبا بكرٍ تعرَّضَتِ المنايا
أبا بكرٍ تعرَّضَتِ المنايا / لحتفكَ حين لا أحدٌ مَنوعُ
وأوجعنِي فراقُك من قريبٍ / وداءٌ لا دواءَ له وجيعُ
بكى قلبي عليك مكانَ دمعي / وكم باكٍ وليس له دموعُ
كأنّك ما حللتَ بدار قومٍ / وأنتَ لودّهمْ مرعىً مَريعُ
وسَفْرٌ لا يحين لهمْ إيابٌ / ولا يُرجى لغاربهمْ طلوعُ
وِسادُهُمُ وإنْ كَرُموا رَغامٌ / وأجداثُ القبورِ لهمْ رُبوعُ
نُصابُ بكلّ مُقتَبِلٍ وهِمٍّ / فَلا هذا ولا هذا يروعُ
وَتَخدعنا ظنونٌ كاذباتٌ / فَياللّهِ ما بلغ الخَدوعُ
وسُبْلُ اليأسِ واضحةٌ لدينا / ولكنْ ربّما طمع الطَّموعُ
فإنْ تَبْعَدْ فقد نَأَتِ الثُّريّا / وإنْ تذهبْ فقد ذهبَ الرّبيعُ
وإنْ تفقِدْك حائرةً عيونٌ / فلم تَفقِدْكَ حانيةً ضلوعُ
وإنْ يَحْرَجْ مكانُك من تُرابٍ / فإنّك ذلك الرَّحْبُ الوسيعُ
وما يبقى بَطيءٌ أخَّرَتْهُ / منيّتُهُ فيُجزِعَنا السَّريعُ
وما أبقى الزّمانُ لنا أُصولاً / فنطمعَ أنْ تدوم به الفروعُ
وَما الأيّامُ إلّا حاصداتٌ / لما زرعوا ونحن لها زُروعُ
وَلَولا أنّه أجَلٌ مُتاحٌ / لَقلتُ أسِيءَ منك بنا الصَّنِيعُ
صَبرتَ ومثلُك لا يجزعُ
صَبرتَ ومثلُك لا يجزعُ / وناءَ بها صدرُك الأوسعُ
وعزّيتَ نفسَك لمّا علم / تَ أنّ العزاءَ لها أنفعُ
وداويتَ داءَك لمّا رأيتَ / دواءَ طبيبك لا ينجعُ
ولمّا بُخِسْتَ بضيمِ الزّمانِ / قنِعْتَ وإنْ كنتَ لا تقنعُ
وقلتَ لعْينيك لا تدمعِي / فَلا العينُ تهمِي ولا تدمعُ
ولم تشكُ ما دفنتْهُ الضّلوعُ / وفي حشوها المؤلمُ الموجِعُ
فإنْ تكُ شنعاءَ جاء الزّمانُ / بِها فَالتّشكِّي لَها أشنعُ
وَما إنْ يفيدُ سوى الشّامتي / نَ أن يشكوَ الرّجلُ الموجَعُ
ولمّا نهضتَ بدفعِ الخطوبِ / رضيتَ بما لم يكن يُدفَعُ
وَقِدْماً عَهِدناكَ ثَبْتَ المَقامِ / وإنْ هبّتْ العاصف الزّعزعُ
وَلِمْ لا وأنتَ اِمرؤٌ في الصِّعابِ / إِلى رَأيهِ أبداً نَرْجعُ
وقد علمتْ سَوْرَةُ الحادثا / تِ أنّ صَفاتَكَ لا تُصدَعُ
وأنّ جَميمَكَ لا يُخْتَلى / وأنّ قِلالك لا تُفرَعُ
وإنْ فَنِيَتْ في الرّجالِ الحلو / مُ كان إلى حلمك المَفْزَعُ
هو الدّهرُ ينقضُ ما يبتنيهِ / جهاراً ويحصد ما يَزرعُ
فإنْ يَشفِنا فبطولِ السَّقامِ / وإن يعطنا فبما يمنعُ
وَنَحنُ بَنو الأرض تَغتالُنا / وتأكلنا ثمّ لا تشبعُ
فدارٌ تغصُّ بسكّانها / وَدارٌ لنا مثلُها بَلْقَعُ
وَآتٍ يَجيءُ وَلَم ندعُهُ / وماضٍ يمرُّ ولا يرجِعُ
وإنِّيَ منكَ مهما يُصِبْكَ / يُصِبْنِي وفي مَرْوَتِي يقرعُ
وكيف يُمَيَّزُ ما بيننا / ويجمعنا الحسبُ الأجمعُ
وَيَرفَعُنا فَوق هامِ الرّجالِ / عَرينٌ لنا دونهمْ مُسبِعُ
وَإِنّا اِلتفَفنا بسِنْخِ الرّسولِ / فتطلُعُ منه كَما أطلُعُ
فكم ذا لنا خاطبٌ مِصقَعٌ / وكم ذا لنا عالمٌ مُقنِعُ
ولمّا كرعتُك دون الأنامِ / رَوِيتُ وطاب لِيَ المَكْرَعُ
وفقدُ النّساءِ كفقدِ الرّجال / يحزّ إذا حزّ أو يقطعُ
وأخطأَ مَن قال إنّ النّسا / ءَ أَهلونَ لِلفقد أَو موضعُ
فلا زال ما بيننا كالرّيا / ضِ جادتْ له سُحُبٌ هُمَّعُ
ولا ساءَني فيك مرّ الزّما / نِ مرأىً ولا رابنِي مَسمَعُ
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ
تعالوْا إلى ما بيننا من تجرُّمٍ / ومن ذاك ما تُحنى عليه الأضالعُ
نَقُلْ فيه لا تثريبَ يوماً عليكُمُ / كما قال مَن أثنتْ عليه القوارعُ
فعُمْرُ التَّلاحي في الهوى غيرُ عامرٍ / وعيشٌ به هجرُ الأحبّةِ ضائعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ
أمِنْ أجل أن أعفاك دهرُك تطمعُ / وتأمن في الدنيا وأنتَ المروَّعُ
فإنْ كنتَ مغروراً بمن سمحتْ به / صروف اللّيالي فهي تُعطي وتمنعُ
شفاءٌ وأسقامٌ وفقرٌ وثَرْوَةٌ / وبَعْدَ اِئتِلافٍ نَبوَةٌ وتصدُّعُ
تأمّلْ خليلي هل ترى غيرَ هالكٍ / وإلّا مُبقىً هُلْكُهُ متوقّعُ
فَما بالُنا نَبغي الحياةَ وإنّما / حياةُ الفتى نَهجٌ إلى الموتِ مَهْيَعُ
لنا كلَّ يومٍ صاحبٌ في يد الرّدى / وماضٍ إلى دار البِلى ليس يرجعُ
ومَغْنى جميعٍ فرّق الدَّهر بينهم / ودارُ أنيسِ أوحَشَتْ فهي بَلْقَعُ
وخَرْقٌ نُرجِّيه بسدِّ فروجِهِ / وآخرُ لا يخفى ولا هو يُرقَعُ
تحسَّى الرّدى لَخْمٌ وأبناءُ حِمْيَرٍ / وقيدَ إلى الأجداث عادٌ وتُبَّعُ
وآلُ نِزارٍ زَعْزَعتْ من عروشهمْ / بأيدي الرَّزايا السّود هوجاءُ زَعْزعُ
ولم يبق من أبناء ساسانَ مُخبرٌ / ولم يبدُ من أولادِ قيصر مُسمِعُ
ولم يُنجهمْ منه عديدٌ مُجمّع / ولم يَثْنِهمْ عنه مَشيدٌ مُرَفَّعُ
فلا مِعْصَمٌ فيه سِوارٌ مُعَطَّنٌ / ولا مَفْرِقٌ يَعلوه تاجٌ مُرَصَّعُ
كَأنّهُمُ بعدَ اِعتِلاءٍ وَصولةٍ / أَديمٌ مفرّىً أَو هَشيمٌ مُذَعْذَعُ
وَلَيس لَهمْ إلّا بِناءٌ مُهَدَّمٌ / وركنٌ بمَرِّ الحادثاتِ مُضَعْضَعُ
وَقَطّع عنّي معشري وأصادِقي / وَشَملُ اِمرئٍ فاتَ الرّدى متقطّعُ
وكانوا وعزَّاتُ الزَّمانِ ذليلةٌ / لديهمْ وأجفانُ المنيَّاتِ هُجَّعُ
متى عجِموا كانوا الصّخورَ وإنْ هُمُ / دُعوا يومَ مكروهٍ أجابوا فأسرعوا
وإنْ شهدوا الهيجاءَ والسُّمرُ شُرَّعٌ / فَذاكَ عرينٌ لا أباً لك مُسبِعُ
تفانَوْا فماضٍ بانَ غيرَ مودَّعٍ / تعاجَلَهُ صرفُ الرّدى أو مودَّعٌ
أَلا قُلْ لِناعِي جعفرِ بنِ محمّدٍ / وأسمَعني يا ليت لم أكُ أسمعُ
فما لك منِّي اليومَ إلّا تَلَهُّفٌ / وإلّا زَفيرٌ أو حنينٌ مُرَجَّعُ
وإلّا عِضاضٌ للأباهِم من جوىً / وهل نافعٌ أنْ أدْمِيَتْ لِيَ إصبعُ
ولو كانت الأقدار تُوقَى وقَتكَ مِن / نُيوبِ الرّدى أيدٍ طوالٌ وأَذرُعُ
وَقَومٌ إِذا ما أَطعَموا بأكفّهمْ / طِوالَ القَنا لحمَ التَّرائبِ أشبعوا
كِرامٌ إذا ضَنَّ الغمامُ تدفّقوا / وإنْ أقحطَ العامُ الشّماليُّ أمْرَعوا
وَإنْ طَلبوا صَعْباً منَ الأمرِ أرهقوا / وإنْ طرقوا بابَ العظيمةِ قعقعوا
مَعاقِلهمْ ما فيهمُ مِن بسالةٍ / وَلَيس لَهمْ إِلّا القنا السُّمْرَ أدْرُعُ
وبيضاً تراهنّ العيون وعهدُها / بَعيدٌ بأيمانِ الصّياقلِ تلمعُ
وما فيهمُ والحربُ تقتنصُ الطُّلى / بِأَيدي الظّبا إِلّا الغلامُ المُشَيَّعُ
صحبتُ به عصرَ الشّبابِ وطيبَه / وكنتُ إلى نجواه في الهمِّ أفزعُ
وللسّرِّ منّي بين جنبيه مَسكَنٌ / حميٌّ أبيٌّ شاحطٌ مُتمنِّعُ
وكم رامه منّي الرّجالُ وإنّما / يرومون نجماً غارباً ليس يطلعُ
فلِي جَزَعٌ باقٍ عليه وإن عفا الت / تَجمّل ما في أضلُعي والتّصنُّعُ
ولم أسْلُهُ لكنْ تجلّدت كي يرى / شَموتٌ بِحُزْنِي أنّ صدرِيَ أوسعُ
وقالوا عهدنا منك صبراً وحِسْبَةً / وفي الرُّزءِ لا يجري لعينيك مدمَعُ
فقلتُ مصيباتُ الزّمان كثيرةٌ / وبعض الرّزايا فيه أدهى وأوجعُ
ذكرتُك والعينان لا غَرْبَ فيهما / فلم تبقَ لِي لمّا ذكرتُك أدمُعُ
وَما زُلتَ عن قلبي وإنْ زُلت عن يدي / وقد تنزع الأقدار ما ليس يُنزعُ
فإنْ ترقَ عيني من بكاءٍ تجمّلاً / فمن دونها قلبٌ بفقدك موجَعُ
وَإنْ غبتَ عن عَيني فما غبتَ عن حَشىً / مُقَلْقِلَةٍ تحنو عليك وأضلعُ
وما بعد يومٍ أمطَرَتْكَ مدامعي / لعينِيَ مَبْكىً أو لقلبيَ مَجزَعُ
وكم قلّبتْ كفّاي من ذي مودّةٍ / فَلم يَلقَنِي إلّا الملومُ المقرَّعُ
عرفتُك لمّا أنْ وفَيْتَ وما وَفَوْا / وحين حفظتَ العهدَ منِّي وضيّعوا
فنعمَ مشيراً أنتَ والرّأيُ ضيِّقٌ / ونعم ظهيراً أنت والخطب أشنعُ
وإنّ غناءً بعد هُلْكِكَ أصْلَمٌ / وإنّ وفاءً بعد فقدك أجْدَعُ
وليس لإخوانِ الزّمان وقد سُقوا / فراقَك صِرْفاً من يضرّ وينفعُ
عهدتُك لا تعنو لبأسٍ ولم تَبِتْ / وخدُّك من شكوى الشّدائد أضرعُ
وَعَزّ على قلبي بأنّك مفردٌ / أُناجيك لَهْفاً نائماً ليس تسمعُ
وَأَنّك مِن بعدِ اِمتِناعٍ وعزّةٍ / تُحَطُّ على أيدي الرّجالِ وتُرفعُ
فَما لَكَ مَهجوراً وأنتَ مُحبَّبٌ / وما لك مبذولاً وأنت المُمَنَّعُ
وقد كنتَ صَعْباً شامسَ الظّهر آبياً / وأنتَ لرَحْلِ الموت عَوْدٌ مُوَقَّعُ
وما ذاك عن عجزٍ ولا ضَعْفِ قوّةٍ / وَلَكنّه الأمر الّذي ليس يُدفعُ
وما سرّني أنّي نبذتُك طائحاً / بغبراءَ لا تدنو ولا تتجمّعُ
وأودعتُ بطنَ الأرضِ منك نفيسةً / وهلْ مودَعٌ في التُّربِ إلّا المُضَيَّعُ
سَقى قَبرَك الثّاوي بِمَلساءَ قفرةٍ / غَزائرُ من نسجِ العشيّات هُمَّعُ
كأنّ السّحابَ الجَوْنَ يَنطِفُ فوقه / ركائبُ يحملن الهوادجَ ضُلَّعُ
وَلا زالَ مَطلولَ التّراب وحولهُ / مِنَ الرّوض مُخضرُّ السّباسب مُمْرِعُ
وجِيد بريحانٍ وَرَوْحٍ ورحمةٍ / وناء بما فيه الشّفيعُ المشفّعُ
لا هطل الغيثُ بدار الأُلى
لا هطل الغيثُ بدار الأُلى / ليس بهمْ راضٍ ولا قانعُ
الشّرُّ في أبياتهمْ لابثٌ / والخير فيما بينهمْ ضائعُ
مَن يشتري منِّي جِواري لهمْ / فإنّني اليومَ له بائعُ
هل ليالِيَّ بالمُنَقَّى رجوعُ
هل ليالِيَّ بالمُنَقَّى رجوعُ / مثلما كنّ لِي ونحن جميعُ
زَمنٌ راعني تذكّرُهُ الثّا / وي وإن كان ماضياً لا يَريعُ
كم إليه لذاكريه حنينٌ / وعليه لناظريه دموعُ
ونزاعٌ ما إنْ يُخاف وإن أك / ثَرَ عذّالَه إليه النُّزوعُ
حبّذا ظلُّه ونحن ومَن نَهْ / وى فريقانِ حافظٌ ومُضيعُ
إِذ قَناتي مُمتدّةٌ وَشفيعي / مِن شبابي إلى الحسانِ شفيعُ
ساحباً بالبقيع من نَشَواتي / فضلَ ثوبِي إذ البقيعُ بقيعُ
وطنٌ طاب جوّه وثراه / فكأنّ المصيفَ فيه ربيعُ
حيث لا تهتدي الخطوب ولا يخ / فِقُ مِن ريبَةِ الحوادث رُوعُ
لا أُريد الصّديقَ في مشهَدَيْ عَيْ / نِي كليلٌ وفي المغيب قَطوعُ
حَسَنٌ منه ما بدا وقبيحٌ / كلُّ شيءٍ تُجِنُّ منه الضّلوعُ
وإذا عنّ منظرٌ رائقٌ من / ه لعينيك فالسّرابُ اللَّموعُ
كلَّ يومٍ له عَوارٌ تغطّي / ه عليه وجانبٌ مرقوعُ
وإذا ما نَكِرْتُ أرضاً فإِنِّي / لاِرتِحالٍ عن أهلها مستطيعُ
بخليلٍ جفا عليَّ خليلٌ / وَربوعٍ نَبَتْ برَحلِي ربوعُ
وقَرا كلِّ جَسْرَةٍ تحمل الهم / مَ فَتَنجو وما علاها القطيعُ
تَصِلُ الوَخْدَ بِالوَجيفِ وسِيّا / ن هجيرٌ في سيرها وهزيعُ
يَحسبُ الجاهلُ المضلّلُ أنِّي / إنْ غلا بي البعادُ سوف أضيعُ
بَعدَ أَنْ سارتِ الرّكاب بذكرٍ / من فَخاري يُذيعه مَن يُذيعُ
أَرَجٌ لا يضيعُ بين رِجالٍ / حاولوا طَيَّهُ ولكنْ يضوعُ
وَاللّيالي يَعلمن أنّ صنيعي / ساطعٌ في سوادهنّ صَديعُ
وَلَقد أعضَلَ اِمرءاً جحد البَدْ / رَ أوِ الشّمسَ مشرقٌ وطُلوعُ
سائل العاجزَ الجبانَ إِذا ما / أيقظتْكَ الأوتار كيف الهجوعُ
ولماذا أسمو بنفسي إِذا ما / راعها في زماننا ما يروعُ
لو نجا خائفٌ بفَرْطِ توقّي / ه لما فارق الحياةَ الهَلوعُ
ضَلّ مَن يَبتغي الحَياةَ بذلٍّ / فَلَشرٌّ من المماتِ الخُشوعُ
وقديماً حبُّ الحياةِ لَعوبٌ / بعقول الرّجالِ منّا خدوعُ
إنّما الفخرُ أن تَوَلَّجَ أمراً / كلُّ قومٍ عن بابه مدفوعُ
وتجوبَ الدّجى لفُرصةِ أمرٍ / وطيورُ الرّجاء عنها وقوعُ
وبنفسي فتىً وقلّتْ له نَفْ / سِي خَروجٌ من الخطوب طَلوعُ
يشهد الحربَ حاسراً ثمّ يأتي / وعليه من النَّجيعِ دُروعُ
وتراه القَصِيَّ إنْ سِيمَ ضيماً / وهو في كلّ ما أَرَغْتَ مطيعُ
وبطيءٌ عن القبيحِ ثقيلٌ / وخفيفٌ إلى الجميلِ سريعُ
وإذا شِيمَ بارقٌ من نداهُ / فغمامٌ دانِي الرَّبابِ هَموعُ
نحنُ قومٌ تحلو لنا جُرَعُ المَوْ / تِ إذا كان في الدّعاءِ الخضوعُ
وَالّذي نَبتَنيهِ في عَرَصاتٍ / للمعالي هو البناءُ الرّفيعُ
ولنا يعلمُ الأنام قناةٌ / ليس فيها لعاجميها صُدوعُ
وصَفاةٌ يزِلُّ أيَّ زليلٍ / عن علوق بها المقالُ الشّنيعُ
ونثاً لم يخُنْهُ فينا عيانٌ / وأُصولٌ ما كذّبتْها فُروعُ
كم ذا تَذِلّ بهذا الأمر أرؤُسُنا
كم ذا تَذِلّ بهذا الأمر أرؤُسُنا / وما لنا فيه إلّا الرِّيُّ والشِّبَعُ
لم يَبعُد المرءُ فِتْراً مِن مَذَلَّتِهِ / بين الرّجالِ وفي حَيْزومِهِ الطَّمعُ
لا تَطلب النَّفْعَ في الدّنيا فكم طلب الر / رجالُ نفعاً من الدّنيا فما اِنتَفَعوا
إنْ لم يكنْ في طلابِ الوَفْرِ مُنْتَجعٌ / ففي طِلابِ جميل الذِّكرِ مُنتَجَعُ
واِنظر إلى النَّاسِ قاضٍ لا يُطيق لما / عراهُ دفعاً وماضٍ ليس يُرتَجَعُ
كأنَّهمْ بعد أنْ شطّ الفراقُ بهمْ / لم يلبثوا بيننا يوماً ولا اِجتَمعوا
لَيت أنّا لمّا فقدنا الهجوعا
لَيت أنّا لمّا فقدنا الهجوعا / وهو إِلْفٌ لنا فقدنا الدّموعا
حاشَ للّه أنْ أكون وقد فا / رقتُ أهلَ الخيام يوماً قَنوعا
مَنْ يَغِبْ عنه ساكنُ الدارِ لا يَس / ألُ إلّا طُلولَها والرّبوعا
لو علمنا أنّ الفراق طويلٌ / لأَطَلْنا يومَ النّوى التّوديعا
لا رَعى اللّهُ للوُشاةِ ولا نا / دَوْا مجيباً في النّائباتِ سميعا
قَد أضاعَ الّذين كانوا على العَهْ / دِ عهودي وما رأَوْني مُضيعا
وَبلونا منَ الغرامِ بما لَوْ / كان من غيرهمْ لكان وجيعا
قُل لِطَيفِ الخيالِ ليلة هَوَّمْ / نا بِنجدٍ ألّا طَرَقْتَ هزيعا
وَالمَطايا منَ الكلالِ على رَمْ / لٍ زَرودٍ قدِ اِفتَرشْنَ الضّلوعا
ما على من يَحُلُّ بالغَوْرِ لو با / تَ لنا طيفُهُ بنجدٍ ضَجيعا
خادِعونا بالزُّور منكم عن الحق / قِ فما زال ذو الهوى مخدوعا
وكِلونا إلى النُّزُوعِ عن الحب / بِ وهيهات أنْ نريد النُّزوعا
واِطلُبوا إِنْ وجدتُمُ كاتماً للس / سرِّ فيكْم فقد وجدنا المُذيعا
أيّها النَّاخلُ الرّجال يُرجِّي / رجلاً واحداً لخلٍّ مطيعا
كُنْ أَخا نفسِكَ الَّتي أَنت منها / آمنٌ واِحذَرِ الأنامَ جميعا
لا تُصخْ نَحوهْم بسمعٍ فكم لا / موا وَقوراً منهم وَأعفَوا خليعا
ومتى ما يَضمك ريبٌ فلا تُب / دِ خضوعاً ولا تُطأطئ خُشوعا
ما يضرّ الفتى إذا صحَّ عِرْضاً / أن يرى النَّاسُ ثوبَهُ مَرقوعا
إنَّ فخرَ الملوكِ أودَعَ عندي / نِعَماً أخفتِ النَّهارَ طُلوعا
كُلّ يَومٍ أُثنِي بِفعلٍ كَريمٍ / جاءني منه أو أعدُّ صنيعا
مأثُرَاتٌ ما نلتُها بوسيلٍ / لِيَ منه ولا دعوتُ شفيعا
وإذا ما مضتْ عليها اللّيالي / زدتُ فيها نضارةً ونصوعا
ورجالٌ راموا مداه وقد فا / ت فراموا ما يُعجزُ المستطيعا
قد رأَوْهُ بالأمسِ يحمي عن المُلْ / كِ عِداهُ فما رأَوْه جَزوعا
ورأوْا في يديه بِيضَ المواضي / في ذُرا الهامِ سُجَّداً ورُكوعا
وَإِذا صِينَ بالدُّروعِ جسومٌ / جعلَ الطّعنَ للجسومِ دُروعا
قَد رَكِبتمْ فَما رَكِبتمْ عَظيماً / وَبنيتُم فَما بنيتُمْ رفيعا
وجَهدتُمْ أن تُدركوا سَوْرَة العز / زِ فكانتْ منكمْ سَراباً لَموعا
وسُئِلْتمْ فما بذلْتُمْ وما سا / وى بَذولٌ في المكرماتِ مَنوعا
لا يَملُّ الإرمامَ إنْ وادعوه / وأخو طَيْشةٍ إذا هو رِيعا
يا إِلهَ الوَرى الّذي مَلأ الأرْ / ضَ به رأفةً وأمْناً وسيعا
كنْ له جانباً حَريزاً من الخَوْ / فِ وحِصْناً من الخطوبِ منيعا
وأَقِلْهُ صَرْعَ الزَّمانِ فكمْ أنْ / قَذَ من نَبْوَةِ الزَّمانِ صريعا
صبراً على مضضِ الخطو
صبراً على مضضِ الخطو / ب وإِن أسَأْن بنا صنيعا
يعطي الزَّمانُ وليتَه / أعطى ولم ينوِ الرّجوعا
مَنْ عاذِري مِن مَطْمَعٍ / أَغدو لَهُ دَهري مُطيعا
أَفنى الأصولَ وَلَيتَه / أبقى فلم يُفنِ الفروعا
أَينَ الّذين تبوّأُوا / نَشْزَاً من الدُّنيا رفيعا
خَلفوا البدور إِذا اِمّحتْ / ولَطالما خَلَفوا الرّبيعا
وإذا الجسومُ تدرَّعتْ / جعلوا عزائمهمْ دروعا
ما أساءَ الزَّمانُ فيك الصَّنيعا
ما أساءَ الزَّمانُ فيك الصَّنيعا / فاِشكر اللَّهَ سامعاً ومطيعا
أَخذ اللّهُ واحداً ثمّ أبقى / لك ممَّن تهوى وترجو جميعا
فهب الحزنَ للسّرورِ ولا تَذْ / رِ على ما مضى وفات دموعا
ما لنا مَجْزعٌ ولو أنّه كا / ن لحوشيتَ أن تكون جَزوعا
قد شكرنا يداً تجافَتْ عن الأصْ / لِ وإن جثّت الغصون فروعا
ونجا سالماً من الهَوْلِ مَن دا / وى نجاءً منه الفؤادَ الوجيعا
ولو انّا حقّاً نفكّر فيما / يفعل الدَّهرُ مُعطياً ومنوعا
لَعَددنا منهُ العطاءَ اِبتزازاً / وحسبنا الغروبَ منه الطُّلوعا
وثلومُ الزَّمانِ في قاطع الأس / يافِ يُعْهَدن لا يُصِبن القطيعا
وإذا هبَّت الرِّياحُ فما زَعْ / زعنَ فينا إلّا البناءَ الرَّفيعا
ولِحَمْل الأثقالِ لا يطلبُ الحا / ملُ منَّا إِلّا الجَلالَ الضَّليعا
والمصيباتُ لا يُصِبْنَ سوى الأخْ / يارِ منّا إِذا وَلَجنَ الرُّبوعا
وَإِذا لَم يَكُن سِوى الموتِ فالما / ضي بطيئاً كمنْ يموت سريعا
أنا منكمْ خَفْضاً وبُؤساً وأَمْناً / وحِذاراً وعزَّةً وخشوعا
وَلَو اِنِّي اِستَطعت ما مسَّك السُّو / ءُ وتبقي عليَّ أَن أستطيعا
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا
ويوم وقفنا للوداعِ وكلُّنا / يُطَفِّحُ يومَ البينِ عينيه أدمعا
رأينا حُلوماً عارياتٍ ولم نجدْ / منَ الصَّبرِ إِلّا واهياً متقطّعا
وَلَم تَسمع الآذان إِلّا تشاهقاً / وإِلّا حنيناً يوم ذاك مُرَجَّعا
فيا لك يوماً فاضحاً لمُتَيَّمٍ / ويا لك مبكىً للعيون ومَجْزَعا
كأنّا وقد سلَّ الفراقُ عقولَنا / سلكنا جنوناً أو كرعنا المُشَعشَعا
كأنَّ عيوناً يُمطر الدَّمعَ هَدْبُها / غصونٌ مَطيراتُ الذَّوائبِ هُمَّعا
بِأَبي وَجهك الّذي
بِأَبي وَجهك الّذي / جَمعَ الحُسنَ أَجمعا
وَثَناياكَ إنَّهن / نَ فَضَحْن المُشَعْشَعا
لستُ أنساك مُسعِفاً / بعناقٍ مودِّعا
فَجُفوني عَلى فِرا / قكَ يقطرن أَدمُعا
لا رَعى اللّهُ مَعشراً / صدّعوا ما تصدّعا
تَركوا دارَ ودّنا / منهم اليومَ بَلْقعا
أَسهَروا لَيلَنا وبا / توا مدا اللّيل هُجَّعا
قل لعينيَّ لا تَمَلّا الدّموعا
قل لعينيَّ لا تَمَلّا الدّموعا / تارةً أدمعاً وأخرى نجيعا
ودعا الفكرَ في الهجوع فيأبى / لكما الرُّزءُ أنْ تذوقا الهجوعا
إنّ هذا الخطبَ الفظيعَ وما شا / هَدتُما من سواه خطباً فظيعا
أيّها الآملُ الحياةَ وما يخ / شى غروباً كما يرجّي طلوعا
والّذي يرفع القصورَ كأنّ الد / دهر أعفى بناءَه المرفوعا
قد رأينا كما رأيتَ عليّاً / في الثُّريّا حلّ الترابَ صريعا
لا تخفْ إنْ حَييتَ غيرَ المنايا / وَإذا ما علوتَ إلّا الوُقوعا
وإلى كم تكون في هذه الدُّن / يا أسيراً معلَّلاً مخدوعا
هل ترى إنْ رأيتَ إِلّا خِداعاً / وسراباً في كلِّ قاعٍ لموعا
ولباساً متى تشاء الليالي / كان عنّا محوَّلا منزوعا
لا تكنْ في البقاءِ والدّهرُ يُفني / ك صباحاً وفي المساءِ طَموعا
لم تدعْ حادثاتُ هذِي اللّيالي / عندنا تابعاً ولا متبوعا
ولو اِنّي أنصفتُ نفسي لصيّرْ / تُ سلامي على الورى توديعا
يا خليليَّ غنّياني بتذكي / ري الرزايا وسقّياني الدّموعا
واِسمعا مثلما سمعتُ من الأي / يامِ هذا التّخويفَ والتّرْويعا
وإذا لم تدعْ صروفُ اللّيالي / لي أُصولاً فكيف أرجو فروعا
أين قومٌ كانوا على الليل صُبحاً / لا يُوارى وفي الجدوبِ ربيعا
أين من كان للرّدى طارداً بال / بأسِ عنّا وبالنّدى ينبوعا
فَتراهمْ من بعدِ عزٍّ عزيزٍ / في بطون الثّرى جُثوماً خُشوعا
ليتَ دهراً أعطى وعاد إِلينا / مُسترِدّاً لذاك كان منوعا
وإذا لم يكنْ سوى الموت فالما / ضي بطيئاً كمن يموت سريعا
قل لناعي أبي عليٍّ ألا لي / تَ الّذي قلت لَم يَكن مَسموعا
إِنّ رَوْعاً ألقيتَ في الرُّوعِ مِنِّي / يوم خبّرتَ لم يدعْ لِيَ رُوعا
سلِّ غيري فليس كلُّ جَزوعٍ / عضّه الرُّزءُ كان مثلي جَزوعا
لم أكنْ قانعاً بشيءٍ من الدّه / ر وعُلِّقْتُهُ فصرتُ قَنوعا
كانَ تِرْبِي وَصاحِبي وإِذا ما / خِفتُ حصناً من الخطوب منيعا
وَلَهُ الذّكرُ خالداً كلّما أُخْ / لِقَ ذكرٌ سواه عاد نَصوعا
وَحَياتي مثلُ المماتِ إِذا فا / رَقْتُ من كان لِي جَناباً مَريعا
أيُّ مَلْكٍ في عصرنا لم يكن لم / ما دَهاك الرّدى بك المفجوعا
أنتَ أوسعتَهمْ وقد أعْضَلَ الخَطْ / بُ مقالاً كفاهُمُ وصنيعا
كم أصاخوا إليك والرأيُ شورى / وأجابوا نداءَك المسموعا
ما أبالي إذا حفظتُ عهوداً / لصديقي مَنْ كان غيري مُضيعا
قد عَمِرْنا كما نشاءُ اِشتراكاً / وَاِشتِباكاً وَصَبوةً ونزوعا
وَاِمتَزَجنا حتَّى جَعلتك لمّا / غِبتَ عن مقلتِي لجدِّي ضجيعا
في مكانٍ تأتي ملائكةُ الل / هِ إِليه عشيّةً وهزيعا
وإذا ما دعوتَ ربَّك فيه / وسألتَ العظيمَ كان سميعا
وجوارٍ لمن إذا كنتَ موقو / ذاً من السّيّئاتِ كان شفيعا
فهنيئاً بأنْ سكنتَ رباعاً / كنّ للغُرِّ آل موسى ربوعا
وإِذا لم يكن لهمْ يومَ حشرٍ / روعةٌ تُتقى فلستَ مَروعا
وإذا ما شفاهُهُمْ كرِعَت ثم / مَ زُلالاً أصبحتَ فيه كَروعا
وَسقى اللَّهُ تُربةً أنتَ فيها / زَجِلاً بالزّلال كان هَموعا
يا بأبِي مَن زارَني في الدّجى
يا بأبِي مَن زارَني في الدّجى / مِن بعد ما قد كان ممنوعا
باتَ يُعاطيني أَحاديثَه / وحبّذا ذلك مَكروعا
حتّى إِذا الصّبحُ بدا نورُهُ / وقطّع الظّلماءَ تقطيعا
ولَّى كأنّ اللّيلَ في وصلِهِ / كسا قميصاً عاد منزوعا
لا فَقَدَتْه مُقلتِي لا ولا / بتُّ بشيءٍ منه مفجوعا
ضَمِنَتْ مجدَك العُلا والمساعي
ضَمِنَتْ مجدَك العُلا والمساعي / وضمان العَلاء حربُ الضّياعِ
آنَ أنْ تُقْتضى حقوقٌ تراختْ / آذنَتْ بعد فُرقةٍ باِجتماعِ
زاوَلوها وأنتَ ترغب عنها / والأحاظي نتائجُ الإِمتناعِ
ظَعَنتْ لم تُراعها باِشتِياقٍ / وأنابتْ لم تدعُها بزَماعِ
رَبَعَتْ مُذْ نفضتَ كفَّكَ منها / بين حقٍّ ثاوٍ وحقٍّ مضاعِ
كيفَ لا تَجْتَوِي مَحلَّ الدّنايا / وهي قد فارقتْ عزيزَ البِقاعِ
وعلا الذّمُّ مَن أَلَظَّ بغَوْرِ ال / أرض من بعد نَجدها واليَفاعِ
قَصُرتْ دونها الأكفُّ فألقتْ / أوْقَها عند مستطيل الذّراعِ
مُضربٍ عن تصفّحِ الذّنبِ لاهٍ / عن حسودٍ لما عناه مراعِ
كَلِفِ الرّأي في المحامدِ سارٍ / في أقاصي الآمالِ والأطماعِ
وَإذا نكّبت وجوهُ أُناسٍ / عن سبيلَيْ رعايةٍ ودفاعِ
جاش وادي حِفاظِهِ فتعدّتْ / زَخْرَةُ المَدِّ مُشرفاتِ التِّلاعِ
مُرهَقٍ فائتِ الأمورِ بجِدٍّ / في أبِيِّ الخُطوبِ جِدّ مُطاعِ
ثاقبِ الزّندِ مُنْجحِ الوعدِ صافي الر / رِفْدِ ماضي الشَّبا فسيح الرِّباعِ
لا تراه على منازعةِ الأي / يامِ يسخو لمُفْرِحٍ بنزاعِ
وَإذا سَربلَ الخداعُ نفوساً / حسَرَتْ نفسُه قِناعَ الخداعِ
مأثُراتٌ شَقَقَنْ حتّى لقد قم / نَ بعذرِ المقصّرِ المُرتاعِ
قَد تَعاطوْا مداه فاِنصرفَ الفَوْ / تُ به عن معاشرٍ طُلّاعِ
كلُّ غلٍّ لم يَشفِهِ يومُ حِلْمٍ / برؤُه في دواءِ يومِ المِصاعِ
ما اِصطفاه فيك الخليفةُ جلَّى / عن نفوسٍ بين الشّكوكِ رِتاعِ
قد رأَوْه مُستدنياً لك حتَّى / أعْوَزَتْهُ مواطنُ الإِرتفاعِ
وبأَسماعهمْ جرى فَرْطُ تقري / ظك والفَهمُ شافعٌ للسَّماعِ
حيث تسترجف القلوبُ وتعنو / لجلالِ المقامِ نفسُ الشّجاعِ
قرّبتْكَ الحقوقُ منه وأدّا / ك إلى حمده كريمُ الطّباعِ
غَمَرَ النُّجْحُ غَمْرَ آمالنا فيك / فلم تَبقَ حجّةٌ في اِصطناعِ
ولِّها وجهَنا الغداةَ وخذْ ما / شئتَ من نهضةٍ وفضلِ اِضطلاعِ
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ
لا دَرَّ دَرُّ الحِرْصِ والطّمعِ / ومذلّةٍ تأتيكَ مِن نُجَعِ
وإذا اِنتفعتَ بما ذَلَلْتَ بهِ / فَلأَنتَ حقّاً غيرُ مُنتفِعِ
ومصارعُ الأحياءِ كلِّهِمُ / في الدّهرِ بين الرِّيّ والشِّبَعِ
وإذا علمتُ بفرقتِي جِدَتِي / فعلامَ فيما فاتنِي جزعي
من لا تراه معي وقد قعدتْ / عنّي الرّجال معاً فليس معي
وَإذا ثَويتُ بدار مَخصبةٍ / وشَرِكتُ فيها فالورى شِيَعِي