القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 23
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْجَعِ
فِدَاءً لمثواكَ من مَضْجَعِ / تَنَوَّرَ بالأبلَجِ الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنانِ / رُوْحَاً ومن مِسْكِها أَضْوَعِ
وَرَعْيَاً ليومِكَ يومِ الطُّفوف / وسَقْيَاً لأرضِكَ مِن مَصْرَعِ
وحُزْناً عليكَ بِحَبْسِ النفوس / على نَهْجِكَ النَّيِّرِ المَهْيَعِ
وصَوْنَاً لمجدِكَ مِنْ أَنْ يُذَال / بما أنتَ تأباهُ مِنْ مُبْدَعِ
فيا أيُّها الوِتْرُ في الخالدِينَ / فَذَّاً إلى الآنَ لم يُشْفَعِ
ويا عِظَةَ الطامحينَ العِظامِ / للاهينَ عن غَدِهِمْ قُنَّعِ
تعاليتَ من مُفْزِعٍ للحُتوفِ / وبُورِكَ قبرُكَ من مَفْزَعِ
تلوذُ الدُّهورُ فَمِنْ سُجَّدٍ / على جانبيه ومن رُكَّعِ
شَمَمْتُ ثَرَاكَ فَهَبَّ النَّسِيمُ / نَسِيمُ الكَرَامَةِ مِنْ بَلْقَعِ
وعَفَّرْتُ خَدِّي بحيثُ استراحَ / خَدٌّ تَفَرَّى ولم يَضْرَعِ
وحيثُ سنابِكُ خيلِ الطُّغَاةِ / جالتْ عليهِ ولم يَخْشَعِ
وَخِلْتُ وقد طارتِ الذكرياتُ / بِروحي إلى عَالَمٍ أرْفَعِ
وطُفْتُ بقبرِكَ طَوْفَ الخَيَالِ / بصومعةِ المُلْهَمِ المُبْدِعِ
كأنَّ يَدَاً مِنْ وَرَاءِ الضَّرِيحِ / حمراءَ مَبْتُورَةَ الإصْبَعِ
تَمُدُّ إلى عَالَمٍ بالخُنُوعِ / وَالضَّيْمِ ذي شَرَقٍ مُتْرَعِ
تَخَبَّطَ في غابةٍ أطْبَقَتْ / على مُذْئِبٍ منه أو مُسْبِعِ
لِتُبْدِلَ منهُ جَدِيبَ الضَّمِيرِ / بآخَرَ مُعْشَوْشِبٍ مُمْرِعِ
وتدفعَ هذي النفوسَ الصغارَ / خوفاً إلى حَرَمٍ أَمْنَعِ
تعاليتَ من صاعِقٍ يلتظي / فَإنْ تَدْجُ داجِيَةٌ يَلْمَعِ
تأرّمُ حِقداً على الصاعقاتِ / لم تُنْءِ ضَيْراً ولم تَنْفَعِ
ولم تَبْذُرِ الحَبَّ إثرَ الهشيمِ / وقد حَرَّقَتْهُ ولم تَزْرَعِ
ولم تُخْلِ أبراجَها في السماء / ولم تأتِ أرضاً ولم تُدْقِعِ
ولم تَقْطَعِ الشَّرَّ من جِذْمِهِ / وغِلَّ الضمائرِ لم تَنْزعِ
ولم تَصْدِمِ الناسَ فيما هُمُ / عليهِ مِنَ الخُلُقِ الأوْضَعِ
تعاليتَ من فَلَكٍ قُطْرُهُ / يَدُورُ على المِحْوَرِ الأوْسَعِ
فيابنَ البتولِ وحَسْبِي بِهَا / ضَمَاناً على كُلِّ ما أَدَّعِي
ويابنَ التي لم يَضَعْ مِثْلُها / كمِثْلِكِ حَمْلاً ولم تُرْضِعِ
ويابنَ البَطِينِ بلا بِطْنَةٍ / ويابنَ الفتى الحاسرِ الأنْزَعِ
ويا غُصْنَ هاشِمَ لم يَنْفَتِحْ / بأزْهَرَ منكَ ولم يُفْرِعِ
ويا واصِلاً من نشيدِ الخُلود / خِتَامَ القصيدةِ بالمَطْلَعِ
يَسِيرُ الوَرَى بركابِ الزمانِ / مِنْ مُسْتَقِيمٍ ومن أظْلَعِ
وأنتَ تُسَيِّرُ رَكْبَ الخلودِ / ما تَسْتَجِدُّ لهُ يَتْبَعِ
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطرِي / ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِي
وَمَحَّصْتُ أمْرَكَ لم أرْتَهِبْ / بِنَقْلِ الرُّوَاةِ ولم أُخْدَعِ
وقُلْتُ: لعلَّ دَوِيَّ السنين / بأصداءِ حادثِكَ المُفْجِعِ
وَمَا رَتَّلَ المُخْلِصُونَ الدُّعَاةُ / من مُرْسِلِينَ ومنْ سُجَّعِ
ومِنْ ناثراتٍ عليكَ المساءَ / والصُّبْحَ بالشَّعْرِ والأدْمُعِ
لعلَّ السياسةَ فيما جَنَتْ / على لاصِقٍ بِكَ أو مُدَّعِي
وتشريدَهَا كُلَّ مَنْ يَدَّلِي / بِحَبْلٍ لأهْلِيكَ أو مَقْطَعِ
لعلَّ لِذاكَ وكَوْنِ الشَّجِيّ / وَلُوعَاً بكُلِّ شَجٍ مُوْلعِ
يداً في اصطباغِ حديثِ الحُسَيْن / بلونٍ أُرِيدَ لَهُ مُمْتِعِ
وكانتْ وَلَمّا تَزَلْ بَرْزَةً / يدُ الواثِقِ المُلْجَأ الألمعي
صَناعَاً متى ما تُرِدْ خُطَّةً / وكيفَ ومهما تُرِدْ تَصْنَعِ
ولما أَزَحْتُ طِلاءَ القُرُونِ / وسِتْرَ الخِدَاعِ عَنِ المخْدَعِ
أريدُ الحقيقةَ في ذاتِهَا / بغيرِ الطبيعةِ لم تُطْبَعِ
وجَدْتُكَ في صورةٍ لم أُرَعْ / بِأَعْظَمَ منها ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون / لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَعِ
وأنْ تَتَّقِي - دونَ ما تَرْتَئِي- / ضميرَكَ بالأُسَّلِ الشُّرَّعِ
وأن تُطْعِمَ الموتَ خيرَ البنينَ / مِنَ الأَكْهَلِينَ إلى الرُّضَّعِ
وخيرَ بني الأمِّ مِن هاشِمٍ / وخيرَ بني الأب مِنْ تُبَّعِ
وخيرَ الصِّحابِ بخيرِ الصُّدُورِ / كَانُوا وِقَاءَكُ والأذْرَعِ
وقَدَّسْتُ ذِكراكَ لم انتحِلْ / ثِيَابَ التُّقَاةِ ولم أَدَّعِ
تَقَحَّمْتَ صَدْرِي ورَيْبُ الشُّكُوكِ / يِضِجُّ بِجُدْرَانِهِ الأَرْبَعِ
وَرَانَ سَحَابٌ صَفِيقُ الحِجَاب / عَلَيَّ مِنَ القَلَقِ المُفْزِعِ
وَهَبَّتْ رِياحٌ من الطَّيِّبَاتِ / و الطَّيِّبِينَ ولم يُقْشَعِ
إذا ما تَزَحْزَحَ عَنْ مَوْضِعٍ / تَأَبَّى وعادَ إلى مَوْضِعِ
وجَازَ بِيَ الشَّكُّ فيما مَعَ / الجدودِ إلى الشَّكِّ فيما معي
إلى أن أَقَمْتُ عَلَيْهِ الدَّلِيلَ / مِنْ مبدأٍ بِدَمٍ مُشْبَعِ
فأسْلَمَ طَوْعَا ً إليكَ القِيَادَ / وَأَعْطَاكَ إذْعَانَةَ المُهْطِعِ
فَنَوَّرْتَ ما اظْلَمَّ مِنْ فِكْرَتِي / وقَوَّمْتَ ما اعْوَجَّ من أضْلُعِي
وآمَنْتُ إيمانَ مَنْ لا يَرَى / سِوَى العَقْل في الشَّكِّ مِنْ مَرْجَعِ
بأنَّ (الإباءَ) ووحيَ السَّمَاءِ / وفَيْضَ النُّبُوَّةِ مِنْ مَنْبَعِ
تَجَمَّعُ في (جوهرٍ) خالِصٍ / تَنَزَّهَ عن ( عَرَضِ ) المَطْمَعِ
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ / مزاميرَ عزّافٍ أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة نوافذاً / إلى القلب يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها / وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين وقولِهم ْ : / أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ / أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً / لِطافاً مجاريها غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً / إذا لم أُشاورْهُ ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً / وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ / متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ / بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً / وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ / يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما / تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي
ويا شعْرُ سارعْ فاقتَنصْ منْ لواعجي / شوارِدَ لا تُصطادُ إنْ لم تُسارِع
ترامْينَ بعضاً فوقَ بعضٍ وغُطّيتْ / شَكاةٌ بأخرى دامياتِ المقاطع
وفَجِّر قُروحاً لا يُطاقُ اختِزانُها / ولا هي مما يتقى بالمباضع
ويا مُضْغَةَ القلبِ الذي لا فَضاؤها / برَحْبٍ ولا أبعادُها بشواسِع
أأنتِ لهذي العاطفاتِ مفازَةٌ / نسائِمُها مُرْتْجَّةٌ بالزعازِع
حَمَلْتُكِ حتَّى الأربعينَ كأنَّني / حَمَلْتُ عَدُوّي من لِبانِ المراضع
وأرْعَيْتِني شَرَّ المراعي وبِيلةً / وأوْرَدْتِني مُسْتَوَبآتِ الشَّرائع
وَعَّطْلت مِنّي مَنْطِقَ العقلِ مُلقياً / لعاطفةٍ عَمْيا زِمامَ المُتابِع
تَلفَّتُّ أطرافي ألمُّ شتائتاً / من الذكرياتِ الذّاهباتِ الرواجع
تحاشَيْتُها دَهْراً أخافُ انبعاثَها / على أنَّها معدودةٌ مِنْ صنائعي
على أنَّها إذ يُعْوِزُ الشِّعْرَ رافِدٌ / تلوحُ له أشباحُها في الطلائع
فمنها الذي فوقَ الجبينِ لوقعهِ / يدٌ ويدٌ بين الحشا والأضالع
فمنها الذي يُبكي ويُضحِك أمرُهُ / فيفتُّر ثغرٌ عِنْ جُفونٍ دوامع
ومنها الذي تدنو فتبعدُ نُزَّعاً / شواخِصُهُ مِثْلَ السَّرابِ المُخادع
ومنها الذي لا أنتَ عنهُ إذا دَنا / براضٍ ولا منهُ – بعيداً – بجازع
حَوى السِجنُ منها ثُلَّةً وتحدَّرَتْ / إلى القبرِ أخرى وهي أمُّ الفجائع
وباءتْ بأقساهُنَّ كَفّي وما جَنَتْ / مِن الضُرِّ مما تَتَّقيهِ مسامعي
ومكبْوتةٍ لم يشفَعِ الصَّفْحُ عندَها / مددتُ إليها مِنْ أناةٍ بشافِع
غَزَتْ مُهجتي حتَّى ألانَتْ صَفاتَها / ولاثَتْ دمي حتى أضَرَّتْ بطابَعي
رَبتْ في فؤادٍ بالتشاحُنِ غارِقٍ / مليءٍ وفي سمَّ الحزازاتِ ناقع
كوامِنُ مِنْ حِقْدٍ وإثمٍ ونِقْمَةٍ / تَقَمَّصْنَني يَرْقُبْنَ يومَ التراجُع
وُقْلتُ لها يا فاجراتِ المَخادِع / تَزَيَّيْنَ زِيَّ المُحصَناتِ الخواشع
وقَرْنَ بصدْرٍ كالمقابر مُوحشٍ / ولُحْنَ بوجهٍ كالأثافيِّ سافِع
وكُنَّ بريقاً في عُيوني وهِزَّةً / بجسمي وبُقْيا رَجفَةٍ في أصابعي
وأرعَبْنَ أطيافي وشَرَدْنَ طائفاً / مِن النوم يَسري في العيون الهواجع
ودِفْنَ زُعافاً في حياتي يُحيلُها / إلى بُؤرةٍ من قسوةٍ وتقاطُع
وعلَّمْنَني كيفَ احتباسي كآبَتي / وكيفَ اغتصابي ضِحكةَ المُتَصانِع
وثُرْنَ فظيعاتٍ إذا حُمَّ مَخْرَجٌ / وقُلْنَ ألسنا من نَتاجِ الفظائع
ألسنا خليطاً مِنْ نذالةِ شامتٍ / وَفْجرَةِ غَدّارٍ وإمْرَةِ خانع
تحلَّبَ أقوامٌ ضُرُوعً المنافِع / ورحتُ بوسقٍ من " أديبٍ " و " بارع "
وعَلَّلتُ أطفالي بَشرِّ تعلِّةٍ / خُلودِ أبيهم في بُطونِ المجامع
وراجعتُ أشعاري سِِجَّلاً فلم أجِدْ / بهِ غيرَ ما يُودي بِحِلْمِ المُراجِع
ومُسْتَنْكرٍ شَيْباً قُبيلَ أوانهِ / أقولُ له : هذا غبارُ الوقائع
طرحتُ عصا التِّرحالِ واعتَضتُ متْعباً / حياةَ المُجاري عن حياةِ المُقارِع
وتابَعْتُ أبْقَى الحالَتْينِ لمُهجتي / وإنْ لم تَقُمْ كلْتاهُما بِمطامعي
ووُقِّيتُ بالجبنِ المكارِهَ والأذى / ومَنْجى عتيقِ الجُبن كرُّ المَصارِع
رأيتُ بعيني حينَ كَذَّبْتُ مَسْمَعي / سماتِ الجُدودِ في الحدود الضَّوارع
وأمعنتُ بحثاً عن أكفٍُّ كثيرةٍ / فألفيتُ أعلاهُنَّ كَفَّ المُبايع
نأتْ بي قُرونٌ عن زُهيرٍ وردَّني / على الرُّغمِ منّي عِلْمُهُ بالطبائع
أنا اليومَ إذ صانعتُ أحسنُ حالةً / وأُحدوثةً منّي كغير مصانع
خَبَتْ جذوةٌ لا ألهبَ اللهُ نارَها / إذا كانَ حتماً أنْ تَقَضَّ مضاجعي
بلى وشكرتُ العْمرَ أنْ مُدَّ حَبْلُه / إلى أنْ حباني مُهلةً للتراجُع
وألْفَيتُني إذ علَّ قومٌ وأنهلوا / حريصاً على سُؤرِ الحياةِ المُنازَع
تمنَّيتُ مَنْ قاسَتْ عناء تطامُحي / تعودُ لِتَهْنا في رَخاءِ تواضعي
فانَّ الذي عانَتْ جرائرَهُ مَحَتْ / ضَراعتُهُ ذَنْبَ العزيزِ المُمانِع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع
أعاتب فيك الدهر لو كان يسمع / وأشكو الليالي لو لشكواي تسمع
أكل زماني فيك هم ولوعة / وكل نصيبي منك قلب مروع
ولي زفرة لا يوسع القلب ردها / وكيف وتيار الأسى يتدفع
أغرك مني في الرزايا تجلدي / ولم تدر ما يخفي الفؤاد الملوع
خليلي قد شف السها فرط سهدها / فهل للسها مثلي فؤاد وأضلع
كأني وقد رمت المواساة في الورى / أخو ظمأ مناه بالورد بلقع
كأن ولاه الأمر في الأرض حرمت / سياستهم أن يجمع الحر مجمع
كأن الدراري حملت ما أبثه / إلى الليل من شكوى الأسى فهي ضلع
كأن بلاد الحر سجن لمجرم / وما جرمه إلا العلى والترفع
ستحملني عن مسكن الذل عزمة / باسعافه دون البرية أطمع
أرى لك في هذا التورع مقصداً / وإلا فما ضب الفلا والتورع
تلفعت بالتقوى وثوبك غيره / فلله ذياك الضلال الملفع
لعل زماناً ضيعتني صروفه / يرق فيرعى فيه قدر مضيع
وخلاً أساء الظن بي إن بدت له / حقيقة ما أخفي عن الشر يقلع
إليك زماني خذ حياة سئمتها / هي السم في ذوب الحشاشة ينقع
وإني وإن كنت القليل حماقة / فلي مبدأ عنه أحامي وأدفع
ولو أنني أعجلت خيفت بوادري / ولكن صبر الحر للحر أنفع
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا
قبل أن تبكيَ النُّبوغَ المُضاعا / سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثالُك / همّاً وأن تروحوا ضَياعا
سبَّ من شاء أن تعيشَ فلولٌ / حيث أهلُ البلاد تقضي جياعا
داوِني إنَّ بين جنبيَّ قلباً / يشتكي طولَ دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض / شرودٌ يرعى القَتاد انتجاعا
لا ترى عينيَ الديارَ ولا تسمعُ / أذني ما لا تُّطيق استماعا
جُلْ معي جولةً تُريك احتقار / الشعب والجهلَ والشقاءَ جِماعا
تجدِ الكوخَ خالياً من حُطام / الدهر والبيتَ خاوياً يتداعى
واستمع لا تجدْ سوى نَبضاتِ القلب / دقَّت خزفَ الحساب ارتياعا
فلقد أقبلت جُباةٌ تسومُ الحيَّ / عنفاً ومهنةً واتضاعا
إنَ هذا الفلاّحَ لم يبقَ إلا َّ / العِرضُ منه يُجِلّه أن يباعا
بعد عشر مشت بِطاءً ثقالا / مثلَّما عاكست رياحٌ شِراعا
عرّفَتْنا الآلامَ لوناً فلونا / وأرتنا المماتَ ساعاً فساعا
اختبرنا إنَّا أسأنا اختباراً / واقتنعنا إنا أسأنا اقتناعا
وندِمنا فهل نكفّر عمَّا / قد جنينا اجتراحهً وابتداعا
لو سالنا تلك الدماءَ لقالتْ / وهي تَغلي حماسةً واندفاعا
ملأ الله دُورَكمْ من خيالي / شبحاً مرعباً يَهُزّ النخاعا
وغدوتمْ لهول ما يعتريكمْ / تُنكرون الأبصار والأسماعا
تحسبون الورى عقاربَ خضراً / وتَرَوْن الدُّروب ملأى ضِباعا
والليال كلحاءَ لا نجمَ فيها / وتمرّ الأيام سوداً سِراعا
ليتكمْ طِرتُمُ شَعاعاً جزاءً / عن نُفوس أطرتموها شَعاعا
بالأماني جذّابةً قُدتُموها / للمنّيات فانجذبنَ انصياعا
وادعيتم مستقبلاً لو رأته / هكذا لم تضع عليه صُواعاً
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى / ألفُ عرض وألف مُلكُ مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشَّجاعةَ فيكمْ / أولا تملكون بعدُ شُجاعا
كلُّ هذا ولم تصونوا رُبوعاً / سِلتُ فيها ولم تُجيدوا الدفاعا
إنّ هذا المتاعَ بخساً ليأبى الله / أن تفصِدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانياً تحت / رجليهِ وأقطعته القُرى والضيِّاعا
خَبَّروني بأن عيشة قومي / لا تساوي حذاءك اللماعا
مشت الناس للأمام ارتكاضاً / ومشَيْنا إلى الوراء ارتجاعا
في سبيل الأفراد هُوجاً رِكاكاً / ذهب الشعب كلُّه إقطاعا
طعنوا في الصميم من يركُن / الشعبُ إليه ونصبَّوا القُطَّاعا
شحنوهم من خائنِ وبذئٍ / ومُريبٍ شحنَ القِطارِ المتاعا
ثمّ صبوهمُ على الوطن المنكوب / سوطاً يلتاع منه التياعا
خمَدت عبقريةٌ طالما احتيجتْ / لتُلقي على الخطوب شُعاعا
وانزوت في بُيوتها أدباءٌ / حَطَمت خِيفةَ الهوان اليراعا
ملءُ دور العراق أفئدةٌ / حَرَّى تَشكِّى من الأذى أنواعا
وجهودٌ سُحِقن في حينَ / ترجِّتْ منها البلاد انتفاعا
فكأنَّ الاحرار طرّا على هذي / النكايات أجمعوا إجماعا
اثأري أنفساً حُبسن على الضيم / وكيلي للشرّ بالصاع صاعا
واستعيني بشاعر وأديب / وأزيحي عمَّا تَرينَ القِناعا
لا يُراد الشعورُُ والقلمُ الحرّ / إذا كان خائفاً مُرتاعا
هيَّجوا النار انها أهونُ الشرّينِ / وقعاً ولا تَهيجوا الطباعا
إنَّ هذي القوى لهُنَّ اجتماعٌ / عن قريب يهدّد الاجتماعا
عصفت قوَّةُ الشعوب بأرسى / أمم الأرض فاقتُلِعن اقتلاعا
أنهِ هذا الصراع يا دمُ بين الشعب / والظلم قد أطلت الصراعا
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا
ذَخَرتُ لأحداثِ الزّمانِ يَراعا / يُجيد نِضالاً دونَها وقِراعا
وأعددْتُه للطارئاتِ ذَخيرةً / يُزيحُ عن الشرِّ الكمينِ قناعا
وألفيتُني في كلِّ خطبٍ يَنُوبُه / أُدافعُ عنه ما استطعتُ دِفاعا
وما في يدي إلاّ فؤادي أنَرْته / لِيُلْقي على سُودِ الخطوبِ شُعاعا
وكلّفْتُ نفسي أنْ تُحَقِقَ سُؤلْها / سِراعاً أو الموتَ الزؤامَ سراعا
وما ذاك إلاّ كالمؤدّي رسالةً / رأى كَتْمَها حَيْفاً بها فأذاعا
أهبتُ بشبانِ العراقِ وإنَّما / أردتُ بشعري أن أهيجَ سباعا
أنفْتُ لهذا النشءِ بينا نُريده / طويلاً على صدّ الكوارثِ باعا
يَدِبُّ الى البلوَى هزيلا كأنه / ربيبُ خُمولٍ نَشْأةً ورَضاعا
فما استَنْهضتْ منه الرزايا عزائماً / ولا أحْكَمَ التجريبُ منهُ طباعا
فلا هو بالجَلْدِ المُطيقِ احتمالها / ولا بالشُّجاعِ المستميتِ صراعا
فكم زعزعٍ ما حرّكَتْ منه ساكناً / وكم فُرَصٍ عنّت له فأضاعا
لقد طبقّ الجهلُ البلادَ وأطْبَقَت / على الصّمتِ شبانُ البلادِ جَماعا
وإنَّك لا تَدري أنشءاً مهذباً / تَسوقُ الرزايا أم تسوقُ رعاعا
بمصرَ ومصرٌ ما تزال طريدةً / شرى الظلمُ منها ما أراد وباعا
دويُّ شبابٍ أرْجَفَ الجورُ وقعَه / وزعزعَ من بُنيانِهِ فتداعى
لنا كلُّ هيئاتِ الشبابِ تَصَنُّعاً / وأزيائهم تمويهةً وخِداعا
وليس لنا إلاّ التطاحنُ بيننا / عِراكاً على موهومةٍ ونزاعا
هَلُمّوا الى النشء المثقّفِ واكشِفوا / حجاباً يُغَطّي سَوءةً وقناعا
تروا كلَّ مفتولِ الذراعين ناهداً / قصيراً إذا جدَّ النّضالُ ذِراعا
وكلَّ أنيقِ الثوبِ شُدَّ رباطُه / إلى عُنُقٍ يُعشي العيونَ لمَاعا
يموعُ إذا مسّ الهجيرُ رداءه / كما انحلَّ شَمْعٌ بالصِلاء فماعا
تراه خليَّ البالِ أن راح داهناً / وأن قد ذكا منه الأريجُ فضاعا
وليس عليه ما تكاملَ زيُّه / إذا عَرِىَ الخَلْقُ الكثيرُ وجاعا
وأن راحَ سوطُ الذُّلِ يُلهب أمةً / كراهِيَةً يستاقُها وطَواعا
ولم تُشجِهِ رؤياً وسمعاً قوارعٌ / يسوء عياناً وقعُها وسَماعا
وربَّ رءوسٍ بَرْزَةٍ عشّشت بها / خُرافاتُ جهلٍ فاشتكَيْنَ صُداعا
وساوسُ لو حققّتَها لوجدتَها / من المهدِ كانت أذؤباً وضباعا
بها نوّمَتَنْا الأمهاتُ تخوّفاً / وما أيقظتنا الحادثاتُ تِباعا
ومُرّوا بأنحاءِ العراقِ مُضاعةً / وزوروا قرىً موبوءةً وبقاعا
تروا من عِراقٍ ضاع ناساً تسوءكم / عراةٌ حفاةٌ صاغرين جياعا
وإنَّ شباباً يرقَبُ الموتَ جائعاً / متى اسطاعَ عن حوْضِ البلاد دفاعا
وإنَّ شباباً في التبذل غاطساً / متى كان درعاً للبلاد مَناعا
غَزَتْ أمم الغربِ الحياةَ تُريدُها / وما زوُدَّت غيرَ الشبابِ متاعا
رأى شعبه مُلكاً مُشاعاً لخيره / فأصبح مُلكاً للبلاد مشاعا
إذا أصحرتْ للخطب كان شبابُها / حصوناً منيعاتٍ لها وقلاعا
فقرَّبتِ الأبعادَ عزماً وِهمّةً / وأبدلَتِ الدهرَ المطاولَ ساعا
ونحن ادّخَرْنا عُدّةً من شبابِنا / هزيلاً ومنخوبَ الفؤاد يراعا
إذا ما ألّمت نكبةٌ ببلاده / مضى ناجياً منها وحلّ يفاعا
زوى الشعبُ عنه خيرَه ورفاهَه / فلو سِيمَ فَلْساً بالبلاد لباعا
يرى في الصناعاتِ احتقاراً ويزدهي / إذا طَمْأنَ التوظيفُ منه طماعا
وها نحن في عصرٍ يَفيضُ صناعةً / نرى كلَّ من حاك الحصيرَ صناعا
نقاوِمُ بالعود البوارِجَ تلتظي / ونعتاضُ عن حدّ البخارِ شِراعا
كَرُبْتُ على حالٍ كهذي زريَّةٍ / أقول لأحلامٍ حلمتُ وَداعا
على أنّني آسٍ لعقلٍ مهذَّبٍ / وقلبٍ شُجاعٍ أن يَروحَ ضياعا
وَجَدْتُ جباناً من وَجدْتُ مُهذَّباً / وَجَدْتُ جهولاً من وَجَدتُ شُجاعا!
وليل به نم السنا عن سدوفه
وليل به نم السنا عن سدوفه / فنمت بما تطوى عليه الأضالع
تلامع في عرض الأثير نجومه / كأن الدجى صدر وهن مطامع
رعيت به الآمال والنسر طائر / إلى أن تبدى الفجر والنسر واقع
خليلان مذهولان من هيبة الدجى / تطالعني من أفقها وأطالع
سجية مطوي الضلوع على الأسى / متى يرم السلوى تعقه المدامع
صريع أمان لم يقر به جاذب / لما يرتجي الا وأقصاه دافع
عمى لعيون الهاجعين وأسلموا / لحر الأسى جنباً قلته المضاجع
أفي العدل صدر لم تضق عنه أضلع / تضيق به الست الجهات الشواسع
وهواجس في الليل رامت حملها
وهواجس في الليل رامت حملها / شهب فعثن بشملها المجموع
ما أنصفت فيه الطبيعة حبّها / لما دعا للشوق غير سميع
أبت الجوانح أن تقر فمن يطق / ملكا فلست بمالك لضلوعي
حبّ الرجوع إلى الشباب ولم أجد / في مرِّه ما يرتجى لرجوع
بين الأضالع صخرة لكنّها / مما جنى الأحباب ذات صدوع
قلب عليه تحالفت زمر الهوى / فمنيعه للذُّل غير منيع
قالوا استقلَّ عن الهموم فقلت لا / فهو التبيع لظالم متبوع
لعل الذي ولى من الدهر راجع
لعل الذي ولى من الدهر راجع / فلا عيش إن لم تبق إلا المطامع
غرور يمنينا الحياة وصفوها / سراب وجنات الأماني بلاقع
نسر بزهو من حياة كذوبة / كما افتر عن ثغر المحب مخادع
هو الدهر قارعه يصاحبك صفوه / فما صاحب الأيام إلا المقارع
إلى ما التواني في الحياة وقد قضى / على المتواني الموت هذا التنازع
ألم تر أن الدهر صنفان أهله / أخو بطنه مما يعد وجائع
إذا أنت لم تأكل أكلت وذلة / عليك بأن تنسى وغيرك شائع
تحدث أوضاع العراق بنهضة / ترددها أسواقه والشوارع
وصرخة أغيار لإنهاض شعبهم / وإنعاشه تستك منها المسامع
لنا فيك يانشء العراق رغائب / أيسعف فيها دهرنا أم يمانع
ستأتيك يا طفل العراق قصائدي / وتعرف فحواهن إذ أنت يافع
ستعرف ما معنى الشعور وكم جنت / لنا موجعات القلب هذي المقاطع
بني الوطن المستلفت العين حسنه / أباطحه فينانة والمتالع
يروي ثراه " الرافدان " وتزدهي / حقول على جنبيها ومزارع
تغذيه أنفاس النسيم عليلة / تذيع شذاهن الجبال الفوارع
أأسلمتوه وهو عقد مضنة / يناضل عن أمثاله ويدافع
وقد خبروني أن في الشرق وحدة / كنائسه تدعو فتبكي الجوامع
وقد خبروني أن للعرب نهضة / بشائر قد لاحت لها وطلائع
وقد خبروني أن مصر بعزمها / تناضل عن حق لها وتدافع
وقد خبروني أن في الهند جذوة / تهاب إذا لم يمنع الشر مانع
هبوا أن هذا الشرق كان وديعة / " فلابد يوماً أن ترد الودائع "
ويوم نضت فيه الخمول غطارف / يصان الحمى فيهم وتحمى المطالع
تشوقهم للعز نهضة ثائر / حنين ظماء أسلمتها المشارع
هم افترشوا خد الذليل وأوطئت / لأقدامهم تلك الخدود الضوارع
لقد عظموا قدرا وبطشا وإنما / على قدر أهليها تكون الوقائع
وما ضرهم نبوا السيوف وعندهم / عزائم من قبل السيوف قواطع
إذا استكرهوا طعم الممات فأبطأوا / أتيح لهم ذكر الخلود فسارعوا
وفي الكوفة الحمراء جاشت مراجل / من الموت لم تهدأ وهاجت زعازع
أديرت كؤوس من دماء بريئة / عليها من الدمع المذال فواقع
هم أنكأوا قرحا فأعيت أساته / وهم اوسعوا خرقا فأعوز راقع
بكل مشب للوغى يهتدى به / كما لاح نجم في الدجنة ساطع
ومما دهاني والقلوب ذواهل / هناك وطير الموت جاث وواقع
وقد سدت الأفق العجاجة والتقت / جحافل يحدوها الردى وقطائع
وقد بح صوت الحق فيها فلم يكن / ليسمع إلا ما تقول المدافع
كمي مشى بين الكمات وحوله / نجوم بليل من عجاج طوالع
يعلمهم فوز الأماني ولم تكن / لتجهله لكن ليزداد طامع
وما كان حب الثورة اقتاد جمعهم / إلى الموت لولا أن تخيب الذرائع
هم استسلموا للموت والموت جارف / وهم عرضوا للسيف والسيف قاطع
بباخرة فيها الحديد معاقل / تقيها وأشباح المنايا مدارع
وإن أنس لا أنس " الفرات " وموقفا / به مثلت ظلم النفوس الفظائع
غداة تجلى الموت في غير زية / وليس كراء في التهيب سامع
تسير وألحاظ البروق شواخص / إليها وأمواج البحار توابع
تراها بيوم السلم في الحسن جنة / بها زخرفت للناظرين البدائع
على أنها والغدر ملء ضلوعها / على النار منها قد طوين الأضالع
مدرعة الأطراف تحمي حصونها / كمأة بطيات الحديد دوارع
ألا لا تشل كف رمتها بثاقب / حشتة المنايا فهو بالموت ناقع
من اللآء لا يعرفن للروح قيمة / سواء لديها شيب ورضائع
فواتك كم ميلن من قدر معجب / كما ميل الخد المصعر صافع
أتتها فلم تمنع رداها حصونها / وليس من الموت المحتم دافع
هنالك لو شاهدتها حين نكست / كما خر يهوي للعبادة راكع
هوت فهوى حسن وظلم تمازجا / بها وانطوى مرأى مروع ورائع
فان ذهبت طي الرياح جهودنا / فعرضك يا أبناء يعرب ناصع
ثبت وحسب المرء فخراً ثباته / " كما ثبتت في الراحتين الأصابع "
ومحي لليل التم يحمي بطرفه / ثغوراً أضاعتها العيون الهواجع
تكاد إذا ما طالع الشهب هيبة / تخر لمرآه النجوم الطوالع
مدبر رأي كلف الدهر همه / فناء بما أعيا به وهو ظالع
مهيب إذا رام البلاد بلفظة / تدانت له أطرافهن الشواسع
" ينام باحدى مقلتيه ويتقي / بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع "
يحف به كل أبن عم إذا رنا / إلى الحي ردت مقلتيه المدامع
يرى أينما جال اللحاظ مهاجما / يصول وما في الحي عنه مدافع
تثور به للموت أبية / وتأبى سوى عاداتهن الطبائع
يطارحه وقع السيوف إذا مشى / كما طارح المشتاق في الأيك ساجع
وقد راعني حول الفرات منازل / تخلين عن ألافها ومرابع
دزائر من بعد الأنيس توحشت / وكل مقام بعد أهليه ضائع
جرى ثائراً ماء الفرات فما ونى / عن العزم يوماً موجه المتدافع
حرام عليكم ورده ما تزاحمت / على سفحه تلك الوحوش الكوارع
هم وجدوا حول الفرات أمانياً / لطافاً أضلتها نفوس نوازع
ولو قد أمدته السيوف بحدها / لغص بموار من الدم كارع
ومهر المنى سوق من الموت حرة / بها يرخص النفس العزيزة بائع
فلا توحدوه إنه يستمدكم / بأنفاسه تياره المتتالع
على أي عذر تحملون وقد نهت / قوانينكم عن فعلكم والشرائع
على رغم روح الطهر عيسى أذلتم / براء ذماء هونتها الفظائع
فيا وطني إن لم يحن رد فائت / عليك فان الدهر ماض وراجع
وأحلامنا منها صحيح وكاذب / وأيامنا منهن معط ومانع
كما فرق الشمل المجمع حادث / فقد يجمع الشمل المفرق جامع
وما طال عصر الظلم إلا لحكمة / تنبيء أن لابد تدنو المصارع
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ
حيِّ الصفوفَ لرأبِ الصدعِ تجتمعُ / وحيِّ صرخةَ أيقاظٍ بمن هجعوا
إنَّ الشبابَ جنودَ اللهِ ألَّفهمْ / في " الشامِ " داعٍ من الأوطانِ مُتَّبع
مَشوا على خَطوهِ تنحطُّ أرجلُهمْ / كما اشتهى " المثلُ الأعلى " وتَرتفع
" دِمَشقُ " لم يُبق منكِ الدهرُ باقيةً / إلاّ الذي في توَقي غيرِه ضَرَع
ولو أردتُ بكِ التقريع عن مِقَةٍ / لقلتُ : أنفُكِ رغمَ العزِّ مُجتدع
فما انتظارُكِ مَيْتاً لا ضميرَ لهُ / حزماً فلا الخوفُ ذو شأنٍ ولا الطمع
نُبِّئتُ في " الغُوطةِ " الغنّاءِ عاصفةٌ / تكادُ تجتثُّ ما فيها وتَقتلع
مرَّتْ على " بردى " فالتاثَ مَوردهُ / وبالغياضِ فلا حُسنٌ ولا مَرَع
فقلتُ : لاضيرَ إنْ كانت عجاجتُها / عن غضبةِ البلدِ المسلوبِ تنقشع
وهل سوى مُتَعٍ زالتْ ستخلِفُها / مُخَّلداتٍ . حِساناً . خُرَّداً . مُتَع
أمَّ البلادِ التي ما ضيِم نازِلُها / يوماً . ولم يَدْنُ منها العارُ والهَلع
محميَّةً بالأصمِّ الفردِ تحرُسُه / غُلْبُ الرِّجالِ على الآجالِ تقترع
مثلَ " النسورِ " إذا ما حلَّقوا رهبوا / والموتُ ملءُ خوافيهم إذا وقعوا
الحاسِرونَ كنبعِ السروةِ احتفَلوا / بالنازلاتِ فلا التاثوا . ولا ادَّرعوا
والرابضونَ كآسادِ الشرى فاذا / هِيجوا رأيتَ المنايا كيف تندفع
لا ينطقونَ الخّنا حتى إذا اقتَتلوا / فمنطِقُ الفتكِ منهم منطقٌ قَذَع
دِمَشقُ يا " أمُّ " إنَّ الرأيَ مُحتَفلٌ / والعزمَ مُحتتشَدٌ . والوقتَ مُتسِع
قولي يُجبْ شاحِنُ الأضلاعِ مرتقِبٌ / واستصرخي ينتفضْ غَيرانُ مُستمع
وأجمعي الأمرَ نُجمِعْ لا يُفرِّقنا / أأنتِ أمْ نحنُ فيما ينبغي تَبع
وطوعَ أمركِ أجنادٌ مجنَّدةٌ / إلى " العُروبِة " بعد اللهِ تنقطع
يُغنيكِ عن وصف ما يَلقونَ أنهمُ / خوفاً عليكِ ولمَّا تُفجعي فُجعوا
وقد يكونُ قريباً أنْ ترى " حلبٌ " / خيلَ العراقِ قُبيلَ النجعِ تنتجع
"قُبّاً " شوازبُ لا تُلوى شكائمُها / ولا يرينُ على " تقريبه " الضلَع
ثقي " دِمَشقُ " فلا حدٌّ ولا سِمةٌ / ولا خطوطٌ – كلعبِ الطفلِ – تُبتدع
تُقصيكِ عن أرضِ بغدادٍ ودجلتها / أمَّا الفراتُ فنبعٌ بيننا شَرع
إذا " الجزيرةُ " روَّت منه غُلَّتها / روَّى الغليلَ الفراتيونَ وانتقعوا
جرى على الكأسِ والأنباءُ مُفجِعةٌ / دمعٌ هو القلبُ نحوَ العينِ يَندفع
وارتاحَ للبثِّ " خِدنٌ " كادَ يَخنقه / ذكرى " دمشقَ " وما تلقى وما يَقع
فقلتُ : ليتَ " فرنسا " ها هُنا لترى / كيف القلوبُ على الأرزاءِ تَجتَمع
هذي مباهجُ " بغدادٍ " ونشوتُها / وجداً عليكِ . فكيف الحزنُ والهلع
دارتْ دمشقُ بما اسطاعتْ فما قدرت / على سياسةِ خبّ داؤها الجشَع
كانت " أناةٌ " فلم تَنجع ولا جنَفٌ / وكانَ ريثٌ فلم ينفعْ ولا سرَع
بعدَ الثلاثينَ عاماً وهي رازحةٌ / حسرى تطلَّعُ للماضي وترتجع
كانت محافِلُ " باريسٍ " لها سنَداً / واليومَ منها يحين الحَينُ والفزع
" اليومَ " ضاقتْ بشكواها وآهتِها / و " أمسِ "كانت على " عثمانَ " تتسع
حتى كأنْ لم يكنْ للعُربِ مطَّلبٌ / ولا استقلَّ بحملِ القومِ مضطلِع
ولا مشتْ " بُرُدٌ " والموتُ يحملها / ولا سعتْ " رُسلٌ " والموتُ يتَّبع
ولا المشانقُ في أعوادِها ثمرٌ / غضٌّ منَ الوطنِ المفجوعِ يُقْتطع
لئن تكن خُدَعٌ ساءتْ عواقبها / فكم أنارتْ طريقاً مُظلِماً خُدَع
كانتْ دُروساً لسوريا وجيرتِها / من فرطِ ما طبَّقوها فيهمُ برعوا
يا ثورةً قرَّبَ الظلمُ اللِّقاحَ بها / سيلمسُ المتجِّني شرَّ ما تضع
قالوا : السياسةُ شرعٌ ما به نصفٌ / فهل تكونُ جنوناً ما به وَرَع ؟
وهل يُريدونَ بعدَ اليومِ تجربةً / وفي تذكُّرِ ما قد فاتَ مُرتَدَع
قلبَ العُروبةِ هل بُشرى نُسرُّ بها / أنَّ " السُّويداءَ " بُرْءٌ ما به وجع
و " اللاذقيةُ " هل " ربٌّ " يقوم بها / أم ربُّها العَلمُ المحبوبُ يرتفع
وفي " الجزيرةِ " هل زالت وساوسُها / وهل توَّحدتِ الآراءُ والشِّيَع
يا " جنَّةَ الخُلدِ " لو لم يؤذِ نازلها / ضيفٌ ثقيلٌ عليها وجهُه بَشع
بادي المخالبِ " وحشٌ " لم يلدهُ أبٌ / لكنَّه في ديارِ الغربِ مُختَرَع
" دمَشقُ " إنَّ معي قلباً أضيقُ به / يكادُ من خلجاتِ الشوقِ ينخلع
جمَّ النزيِّ إلى مغناكِ مُتَّجهٌ / كأنه من رُباكِ الخُضْرِ مُنتزَع
ناغي خيالُكِ " أطفالي " فيقظتُهم / ذكرى وطيفُكِ مغناهم إذا هجعوا
" فراتُ " أشبهُ كلِّ الناسِ بي ولعاً / فيما أُحِبُّ تبنَّاهُ بكِ الوَلع
رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا
رُدُّوا إلى اليأسِ ما لم يَتَّسع طَمَعا / شَرٌّ من الشرِّ خوفٌ منه ان يقَعا
شَرٌّ من الأمَلِ المكذوبِ بارقُه / ان تحمِلَ الهمَّ والتأميلَ والهَلَعَا
قالوا " غدٌ " فَوَجَدتُ اليَومَ يفضُلُه / و " الصبر " قالوا : وكان الشَهمُ من جَزعاً
ولم اجدْ كمَجالِ الصَبرِ من وَطَنٍ / يَرتادُه الجُبْنُ مصطافاً ومُرتْبَعَا
وأنَّ من حَسَناتِ اليأس أنَّ له / حَدّاً اذا كَلَّ حَدُّ غيرهُ قطَعَا
وأنَّه مُصحِرُ الارجاءِ لا كَنَفاً / لمن يَلَصُّ ولا ظِلاً لمنْ رَتعا
وَجَدْتُ أقتَلَ ما عانَت مصايُرنا / وما التَوَى الشَيبُ منه والشَبابُ معا
أنَّا رَكِبِنا إلى غاياتِنا أمَلاً / رَخواً إذا ما شدَدْنا حَبلهُ انقطعا
نسومُه الخَسْف ان يَطوي مراحلَنا / وإن تشَكَّى الحَفَا والأينَ والضلعا
هذا هو الأمَلُ المزعومُ فاقتَرِعُوا / واليأسُ أجدَرُ لو انصَفْتَ مُقتَرعا
اليأسُ أطعَمَ بالأشْلاءِ مِقصَلةً / عَدْلاً وطوَّحَ " بالبستيل " فاقتَلَعا
وطارقٌ منه اعطَى النصرَ كوكَبُه / نَزْراً وعَدَّى إلى الاسبانِ فانَدفَعَا
يا نادِبينَ " فِلَسطينا "وعِندَهُمُ / عِلْمٌ بانَّ القضاءَ الحتمَ قد وَقعا
كم ذا تُلحُّون ان تَستَوقِدوا قَبَساً / من الرَمادِ ومِمَّن ماتَ مُرتَجَعا
كَفَى بما فاتَ مما سميت " املا " / من " الحُلول " التي كيلتْ لكُم خُدعا
جيلٌ تَصَرَّمَ مذ أبْدَى نَواجذَه / وعدٌّ لبلفورَ في تهويدِها قَطعا
نَمَا وشَيبَّ بأيدي القَوم مُحتَضنَاً / ومن ثُدِيِّ النتاج المَحضِ مُرتَضعا
والساهرونَ عليه كلُّ " منتخَبٍ " / يبني ويهدِمُ إن اعطى وان مَنعا
تهوِي " العروشُ " على أقدامهم ضَرَعا / وتحتمي ساسةُ الدنيا بهم فَزَعا
وعندَنا ساسةٌ سؤنا لَهُم تَبَعاً / ذُلاً وساؤوا لنا في الهدي مُتَّبعا
من كل مُرتَخَصٍ إن عبَّسَت كُرَبٌ / او كشَّرَ الخطبُ عن شدقيهِ فاتَّسَعا
ردَّ المصيبةَ بالمنديلِ مفتخراً / مثلَ الصبايا – بانَّ الجفن قد دَمعا
او عابث ٍ من فِلَسطينٍ ومحنتِها / ألفى مَعيناً فالقى الدَلوَ وانتزَعا
او سارقٍ لا لقَعر السِجنِ مَرجِعهُ / لكنْ إلى الجاهِ وَثّاباً ومُرْتفِعا
شَدُّوا بذيل غُرابٍ امَّةً ظُلِمَت / تطيرُ ان طارَ او تَهوي إذا وقَعَا
وَخوَّفوها ب " دُبٍ " سوف ياكلُها / في حين " تسعون عاما " تألفُ السَبُعا
وضيَّقوا أفقَ الدنيا باعينِها / مما استجدُّوه مِن بغيٍ . وما ابتُدعا
و اودَعوا لغلاظٍ من " زَبانيةٍ " / حَمْقى حراسة قِرطاسٍ لهم وُضِعا
وذاك معناهُ أنْ بيعوا كرامَتكُم / بيعَ العبيد بتشريعٍ لكم شُرِعا
يا نادبينَ فلسطيناً صدعتُكُمُ / بالقول لا مُنكَراً فَضْلاً لكم صَدعا
ولا جَحوداً بان الليلَ يُعقبه / فَجرٌ تفجَّّرُ كمه الشمس مُطَّلَعا
ولست أنكِرُ أن قد قارَبَتْ فُرَصٌ / واوشكت مثقلاتُ الدَهر ان تَضَعا
لكن وَجْدتُ القوافي تَشْتَكي عَنتاً / والمنبرَ الحُرَّ يشكو فَرطَ ما افترعا
إن تحمَدوا او تذُمُّوا أنَّ شافعتي / أنّي رأيتُ وما راءٍ كمَن سَمِعا
مررت بالقوم " شُذّاذاً " فما وقعت / عيني على مُستمنٍّ غيره ضَرعا
ولا بمُلْقىً واهليه بقارعةٍ / ولا بحاملة في الكُور مَن رضَعا
ولا بمن يحرِس " الناطورُ " ارجلَهُم " / مهروءة سَهَّلت للكلب منتزَعا
وعندنا " سِلعةٌ " تُصفي البنينَ لنا / نُغلي – ونُرخصها – في الأزمة السِلعا
وجدتُها عندَهم زهواً منورةً / البيتَ والبحرَ والاسواقَ والبِيَعا
بينا تُراقص بالانغام صاحبَها / اذا بها تُوسِع ( الالغامَ ) مُزدَرَعا
ونحن ما نحن قطعانٌ بمَذْأبَةٍ / تساقَطت في يدَي رُعيانِها قِطَعا
في كل يومٍ " زعيمٌ " لم نجدْ خَبَراً / عنه ولم ندر كيف اختيرَ واختُرِعا
اعطاهموا ربُّهم فيما اعدَّ لهُم / من الولائم صَفّوا فوقَها المُتَعا
كأسَينِ كاساً لهم بالشُهد منزعةً / وللجماهير كأساً سَمُّها نَقَعا
قتالةً خوف ان لا تُستَساغَ لهم / اوصاهُمُ ان يُسَّقَوهم بها جُرَعا
وان يَصُبّوا عليها من وُعودِهُمُ / كالشِعر مكتمِلا – سهلاً ومُمتنِعا
من ذا يرُدُّ لنا التاريخَ ممتلِئاً / عِزاً وإن لم نُرِدْ ردّاً ومرتَجَعا
كانوا يذمُّون ( ربّاً ) بالعصا قُرِعا / ويغضَبون لأنفٍ منهم جُدِعا
ويبعثَون قِتالاً أنَّ " قُبَّرةً " / ضيمَت وأن " بَسوساً " ذيلُها قُطِعا
وكانَ من فتْحِ عمّوريةٍ مَنَعت / حُماتَها حَوَّمَ العقبان أنْ تَقَعا
نداءُ صارخةٍ بالرومِ " معتصِماً " / لم يألُ ان ادركَتْها ( بُلْقُه ) سَرعَا
حميَّةٌ لو اخذناها ملطَّفةً / بالعلم طابَت لنا رِدءاً ومُدَّرَعا
دَعاني جمالُكِ فيمن دَعَا
دَعاني جمالُكِ فيمن دَعَا / فلَّبيتُه مُسرعاً طيِّعا
حَشَدْتُ له من عَبيدِ الهَوَى / عَطاشَى مُحَلأةً جُوعا
عواطِفَ لم تغذُ منها السنون / رجاءً ولا أنعشت مَطْمَعا
ترامَت على عَذَبَات الشِفاهِ / حائرةً مَقْطَعاً مَقْطعا
ولاحَت بَريقاً وُقيتِ الصِبا / وعادت رَماداً فلن تَسْطعا
اسّيَدتي ما أرقَّ الحجابَ / يُثير الفُضولَ وما أبْدعَا
لقد حِرتُ أيّاً من الفِتنَتْين / أصُدُّ سناكِ أم البُرْقُعا
أسْدَى إليَّ بكَ الزَّمانُ صنيعا
أسْدَى إليَّ بكَ الزَّمانُ صنيعا / فحمِدْتُ صيفاً طَيَّباً وربيعا
أجللتُ منظرَكِ البديع ومنظرٌ / أجللته لِمْ لا يكونُ بديعا
دَرَجَ الزمانُ بها سريعاً بعد ما / ناشدتُه ألا يمرَّ سريعا
قرَّتْ بمرآها العُيونُ وقرحةٌ / للعينِ ألا تُبصرَ المسموعا
ونعمتُ أُسبوعاً بها وسعيدةٌ / سَنَةٌ نعمتُ خلالهَا أسبوعا
ألفيتُ حسن الشاطئَيْنِ مرقرقاً / غضّاً وخِصْبَ الشاطئينِ مَريعا
وأضعتُ أحلامي وشرخَ شبيبتي / وطَلاقتي فوجدتُهُنَّ جميعا
صبحٌ أغرُّ وليلةٌ جذلانةٌ / بيضاءُ تهزأُ بالصباحِ سُطوعا
والبدرُ بالأنوارِ يملأُ دجلةً / زَهْواً ويبعثُ في النفوسِ خُشوعا
وترى ارتياحاً في الضِّفافِ وهِزَّةً / تعلو الرّمالَ إذا أجدَّ طُلوعا
وجرتْ على الحصباءِ دجلةُ فِضَّةً / صُهِرَتْ هناكَ فمُُوِّعتْ تمويعا
وكأنَّما سبكوا قواريراً بها / مضَّ السَّنا فتصدَّعتْ تصديعا
وترى الصخورَ على الجبالِ كأنَّما / لَبِسَتْ بهنَّ من الهجير دُروعا
دُورُ الخلائفِ عافها سُمَّارُها / وتقطَّعَتْ أسبابُها تقطيعا
درجتْ بساحتها الحوادثُ وانبرى / خَطْبُ الزمانِ لها فكان فظيعا
حتى شواطئُ دجلةٍ منسابةً / تأبى تُشاهد منظراً مفجوعا
أبَّنتُها مرئيَّةً ولطالما / غازلتُ منها حسنَها المسموعا
ولقد تُذَمُّ جلادةٌ في موقفٍ / للنفس أجملُ أن تكونَ جزوعا
قصرُ الخليفةِ جعفرٍ كيف اغتذى / بيد الحوادثِ فظَّةً مصفوعا
وكَمِ استقَرَّ على احتقار طبيعةٍ / لم تألُه التحطيمَ والتصديعا
ولقد بَكْيتُ وما البكاءُ بِمُرجِعٍ / مُلكاً بشهوةِ مالكيهِ بيعا
زُرْ ساحةَ السجنِ الفظيعِ تجدْ بهِ / ما يستثيرُ اللومَ والتقريعا
إن الَّذينَ على حساب سواهُمُ / حلبوا ملّذاتِ الحياةِ ضروعا
رفعوا القصورَ على كواهلِ شعبهِمْ / وتجاهلوا حقّاً له مشروعا
ساسوا الرعيةَ بالغرورِ سياسةً / لا يرتضيها من يسوسُ قطيعا
حتى إذا ما الشعبُ حرَّركَ باعه / فاذا همُ أدنى وأقصرُ بوعا
ووقفتُ حيثُ البحتريُّ ترقرقت / أنفاسُه فشفعتُهُنَّ دُموعا
أكبرتُ شاعرَ جعفرٍ وشعورُهُ / يستوجبُ الاكبارَ والترفيعا
ولَمَستُ في أبياتِه دَعةَ الصِّبا / ولداتهِ والخاطرَ المجموعا
ولئن تشابهتِ المنَاسبُ أو حكى / مطبوعُ شعري شعرَهُ المطبوعا
فلكَمْ تَخالَفُ في المسيلِ جداولٌ / فاضَتْ معاً وتفجرَّتْ ينبوعا
عَبثَ " الوليد " بشرخِ دهرٍ عابثٍ / وصَبا فنالَ من الصِّبا ما اسطيعا
ونما رفيعاً في ظلالٍ خلائفٍ / في ظلِّهمْ عاش القريضُ رفيعا
لا عن بيوت المال كان إذا انتمى / يُقصَى ولا عن بابهم مدفوعا
قَدَرُوا له قَدْرَ الشعورِ وأسرجوا / أبياتَهُ وسْطَ البيوتِ شموعا
ضيفَ العراق نعمتَ من خيراتهِ / وحَمِدْتَ فيه قرارةً وهجوعا
إنْ تُعْقَدِ الحَفلاتُ كنتَ مقدَّماً / أو تُنبرِ الأمراءُ كنتَ قريعا
وأظُنُ أنَّكَ لو نمتْكَ ربوعُهُ / لشكوتَ منه فؤادَكَ المصدوعا
ولكنتَ كالشعراءِ من أبنائه / ممَّنْ تُجوهلَ قدرُهُمْ فأُضيعا
لك في " الَّتي " راشَتْ جناحك رِفقةٌ / لولا جلادتُهم لماتوا جوعا
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا
أُحَيّيكَ " طه " لا أُطيلُ بكَ السَّجْعا / كفَى السَّجع فخراً محضُ إسمك إذ تدعى
أُحَيّيكَ فَذّاً في دِمشقَ وقبلَها / ببغدادَ قد حيَّيتُ أفذاذَكم جَمْعا
شكرناكَ : أنَّا في ضيافة نابغٍ / نُمتّعُ منه العينَ والقلبَ والسمعا
ذرفتُ – على أنْ لا يرانا بطرفه / وإنْ حسَّنا بالقلب – من أسفٍ دمعا
وكنَّا على آدابك الغُرِّ قبلَها / ضُيوفاً فما أبقيتَ في كرمٍ وُسْعا
نهضتَ بنا جيلاً وأبقيتَ بعدَنا / لأبنائنا ما يَحمدَون به المسعى
أبا الفكرِ تستوحي من العقل فذّه / وذا الأدبِ الغضِّ استثيرتَ به الطَّبعا
ويا سِحرَ موسى – إنَّ في كلّ بقعةٍ / لما تجتلي من آيةٍ حيَّةً تسعى
لكَ اللهُ محمولاً على كلّ خاطرٍ / ومِن كلّ قلبٍ رُحْتَ تحتلُّهُ ترعى
أُنَبّيكَ أنَّ " الرافدينِ " تطلَّعتْ / ضِفافُهما واستَنْهضَ الشَّجرُ الزرعا
نمى خبرٌ أنْ سوف تسَعى إليهما / فكادَ إليك النخلُ من طربٍ يسعى
وقد نذَرَ الصَّفصافُ وارفَ ظلَّه / عليك وأوصى – أنْ يساقيَكَ – النبعا
هلمَّ لشُطئانِ الفراتينِ واستمِع / أهازيجهَا تستطرفِ المعجِزَ البَدعا
وطارِحْ به سجعَ الحَمام فانَّه / لُهاثٌ على الجْرحى نُواحٌ على الصَّرعْى
ووأسِ عليه الرازحينَ من الهوى / وطّببْ هناكَ النازعاتِ بهِ نزعا
هناك تلمَّسْ " ضائعَ الحبّ " وافتقِد / ضحاياه وارأبْ للقُلوب به صَدعا
وجدِّدْ لنا عهدَ المْعريِّ : إنَّه / قضى وهوى بغدادَ يلذعُه لذعا
وكَّنا إذا ضاقتْ بلادٌ برائدٍ / أتانا فلا المُرتادَ ذمَّ ولا المراعى
إلى الآنَ في بغدادَ نستافُ مِسكةً / لناقتهِ مما أثارت بها نقعا
ونمزجُ من ماء الفراتينِ جَرعة / بذكراهُ مما عبَّ من صفوه جرْعا
ونهوى السفينَ الحائراتِ كأنْها / سفينتُه إذ تشتكي الأينَ والضَّلْعا
أجلْ قد خطفناها مخافةَ فُرقةٍ / وخشيةَ إزماعٍ نضيقُ به ذرعا
هلمَّ به ذرعاً إلى بغدادَ لا تخشَ خاطفاً / فانَّا نسجنا من " فريدٍ " لك الدرعا
سنحجزهُ نرتادُ ذكراك عنده / وينفَخنا من طيب أنفاسك الردعا
يا هائجينَ لخريفِ فارسٍ
يا هائجينَ لخريفِ فارسٍ / ما تصنعونَ لو أتى ربيعُهُ
ورافعينَ طُنُباً تدعَمه / قدودُهم دامَ لكم رفيعه
أبياتُ حُسنٍ نُظِّمتْ بيُوتُكم / جميعها وحُّكم جميعه
كأنما الجْمالُ شِعرٌ بحرُه / برٌّ وأطنابُكمُ تقطيعه
تشكركُمْ عُيونُ أرباب الهوى / وصاحبُ الاحسانِ من يُشيعه
هذا جمالٌ زانهُ نورُ الفضا / لا كجمالٍ حِفظُه يُضيعه
لله دَرُّ دَرِّه من مُرضِعٍ / كلُّ الثرى ومن به رضيعه
أُفٍّ لخَلْقٍ رشَّةٌ من السَّما / تُشبعه وَمنْعُها يُجيعه
الحيُّ بادٍ عُجْبُه وعندَه / عجيبُ أمرٍ مضحكٍ بديعه
ما الحيُّ يقتادُ القطيعَ للكلا / وإنما يقودُه قطيعه
وَداعا ما أردت لكَ الوَداعا
وَداعا ما أردت لكَ الوَداعا / ولكنْ كانَ لي أملٌ فضاعا
وكمْ في الشرقِ مثلي من مُرَجٍّ / أرادَ لكَ النجاحَ فما استطاعا
وإنَّ يداً طوتكَ طوتْ قلوباً / مرفرفِةً وأحلاماً وِساعا
وقد كانت متى تذكَرْكَ نفسي / تَطِرْ –إذْ تمتلي فرحاً – شَعاعاً
فها هيَ بينَ تأميلٍ ويأسٍ / تُصبَّرُ ساعةً وتجيشُ ساعا
أمان الله والدُّنيا "هَلوكٌ " / أبتْ إلَّا التحوُّلَ والخِداعا
بغيرِ رويَّةٍ حُبّاً وكُرهاً / إذا كالتْ تُوفّي المرءَ صاعا
تثَّبتْ لا ترعُكَ فليس عدلاً / ولا عَّودتَ نفسكَ أنْ تُراعا
إلهُ الشرِّ جبارٌ عنيدٌ / يحبُّ معَ الجبابرةِ الصراعا
وأحكامُ القضاءِ مغفَّلاتٌ / يُسئنَ إذا انتخبنَ الإِقتراعا
أرى رأسَ " ابنَ سقاءٍ " محالاً / يُطيق بتاجكَ الألِقِ اضطلاعا
بلى وأظنّه عمَّا قريبٍ / سيشكو من تحمّله الصدداعا
لقد أودى بعاطفتي ركودٌ / فها أنا سوفَ أندفعُ اندفاعا
تقدَّمْ أيها الشرقيُّ وامددْ / يديكَ وصارعِ الدُّنيا صِراعا
فقد حلَفوا بأنَّك ما استطاعوا / ستبقى أقصرَ الأقوامِ باعا
وأنَّك ما تُشيِّدْ من بِناءٍ / تَجِدْ فيه انثلاماً وانصداعا
وليس بأوَّلِ التيجانِ تاجٌ / أرْدنَ له مطامعُهم ضياعا
فيا لِشقاء شعبٍ مَشرقيٌٍّ / إذا وجدوا به ملِكاً مُطاعا
وهبْ أوفى ب " أنقرة " وأنعمْ / رُواءُ المُلك يَزدهرُ التماعا
فلمْ تكنِ " البَنيَّةُ " وهيَ فردٌ / لتعدِلَ ألفَ بنيانٍ تداعى
سأقذِفُها وإنْ حُسِبَتْ شذوذاً / وإن ثقُلتْ على الأذنِ استماعا
فما للحرِّ بدٌّ من مَقالٍ / يرى لضميرِهِ فيه اقتناعا
إذا لم يشْمَلِ الاصلاحُ دِيناً / فلا رُشْداً أفادَ ولا انتفاعا
وأوفقُ منه أنظمةٌ تُماشي / حياةَ الناسِ تُبتدَعُ ابتداعا
أتتْ " مدنيَّةُ الاسلام " لمّاً / لشعثٍ لا انشقاقاً وانصداعا
ولا لُترى مواطِنُها خراباً / ولا ليبيتَ أهلوها جِياعاً
ولا لتكونَ للغربيِّ عوناً / يهدَّدُ فيه للشرقِ اجتماعا
وإلَّا ما يُريدُ القومُ منَّا / إذا ألقتْ محَّجبةٌ قِناعا
أعندَ نسائنا منهمْ عهودٌ / بأنَّهُمُ يجيدونَ الدِّفاعا
أإنْ حُلِقتْ لحىً مُلئتْ نِفاقاً / تَخِذْتُمْ شَعرها دِرْعاً مَناعا
رفعتمْ رايةً سوداءَ منها / وثوَّرتمْ بها ناساً وِداعا
عَفتْ مدنيَّةٌ لدمارِ شعبٍ / وديعٍ تخدُمُ الهمجَ الرَّعاعا
همُ نفخوا التمرُّدَ في خِرافٍ / وأغرَوهنَّ فانقلبت سِباعا
ومن خُططِ السياسةِ إنْ أرادتْ / فساد المُلك أفسدَتَ الطّباعا
على أني وإنْ أدمى فؤادي / ليومك ما أضيقُ به ذراعا
أُحمِّلكَ الملامةَ في أُموراٍ / بِطاءٍ قد مشيِتَ بها سِراعا
وقد كانت أناةٌ منكَ أولى / وإنْ كنتَ المجرِّبَ والشجاعا
" وخيرُ الأمرِ ما استقبلتَ منه / وليسَ بأنْ تتبَعهُ اتباعا"
" ولكنَّ الأديمَ إذا تفرَّى / بلىً وتعيُّباً غلبَ الصَّناعا"
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني
ذممَتُ اصطبارَ العاجزينَ وراقني / على الضُرِّ صبرُ الواثبِ المتطلِّعِ
له ثِقَةٌ بالنفسِ أنْ ستقودُه / لحالٍ يرجِّي خيرَها أو لمصرع
وما الصبرُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُه / وإن راحَ ملصوقاً به كلُّ مُدَّعي
ولا هو بالشئ المشرِّفِ أهلَه / إذا لم تكنْ عُقباه غيرَ التوجّع
ولكنَّه صبرُ الأسودِ على الطَّوى / تغطّي عليه وثبةُ المتجمِّع
مِحَكُّ طباعٍ آبياتٍ وطُوَّعٍ / وبَلوى نفوسٍ طامحاتٍ ووُضَّع
يُعنَّى به حُرٌّ لإحقاقِ جرئٍ غايةٍ / ويَخرُجُ عنه آخرٌ للتضرُّع
فإنْ كنتَ ذا قلبٍ جرئٍ طبيعةً / على نكبات الدهر لا بالتطبّع
فبورِكَ نسْجُ الصَّبرِ درعاً مضاعفاً / وبوركْتَ من ذي مِرَّةٍ متدرِّع
ما انتفاعي بغيض هذي الدُّموعِ
ما انتفاعي بغيض هذي الدُّموعِ / والجْوى مِلْءُ مهجتي وضُلوعي
لا أُحب العِناقَ من أجل ذكرى / خَلّفتها عناقةُ التوديع
لم أكُنْ قبل أن يَحينَ نواكُمْ / عارفاً قَدْرَ شمليَ المجموع
قد رأيتمْ تجلُّدي لسواكمْ / فاسألوا كيف كان فيكم وُلوعي
هَيّنٌ كلُّ ما أُلاقيهِ منكمْ / في الهوى غَيْرَ ذِلّتي وخضوعي
عتب الناسُ قبلنا فأساءوا / رُبّ عتبٍ يجرُّ للتقريع
أين فضلُ الشباب إن لم يكن لي / حين أرجو وصالَكُمْ بشفيع
نَفَسُ الشعر شاهدٌ لذويهِ / ليس يخفى المصنوعُ بالتصنيع
إن أُضيَّعْ فسوف يُنْشَدُ شعرٌ / بدويٌّ برقةِ المطبوع
قد سمِعْنا بفارسٍ وكفانا / حُسْنُ مرئيّها عن المسموع
جاء فصلُ الربيع يَفْتَرُّ حسناً / وهنا .. هاهنا رُواءُ الربيع
رَجَع الحسنُ بعدما فات منها / قلَّ ما بينَ فَوْتِهِ والرُّجوع
واذا ما الشتاءُ جاء وردت / قطعاتُ الثلوجِ كَفَّ الصقيع
وأتى الصيفُ فاستفاضت شَعابٌ / غمرتها الرّبى بماءٍ مَريع
وتولى الأشجارَ زِيٌّ غريبٌ / فهي خضرُ الأصولِ بيض الفروع
فهناك الجمالُ وهو بسيطٌ / تجتليه والحسن وهو طبيعي
خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا
خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا / وسيروا في جهادِكمُ جِماعا
وكونوا في ادَّراء الخطب عنكم / يداً تَبني بها العَضُدُ الَّذراعا
ذروا خُلفاً على رأيٍ ورأيٍ / إلى ان يلقيَ الأمرُ القِناعا
وخلُّوا في قيادتكم حكيماً / يدبِّرُها هُجوماً او دِفاعا
رحيبً الصَدر ينهضُ بالرزايا / ويُحسنُ أن يُطيع وأن يُطاعا
حملتم ثِقْل جائرةٍ عسوفٍ / تميل بمن يحاولُها اضطِلاعا
ونادَيتم بذائعةٍ هَتوفٍ / نَمى خَبَرٌ بها لكُمُ وذاعا
تعلَّقَتِ العُيونُ بها احتفاءً / وأُتلِعَتِ الرقابُ لها اطلاعا
وأوجفتِ الشعوبُ على صداها / وقد عابَ العِيانُ بها السَماعا
تراهَنُ بينها عن كلِّ شَوط / بحلْبتكم وتُقتَرعُ اقتراعا
فقد وعَظَتْكُمُ سُودُ الليالي / ولم تعرفْ بما تعِظ الخِداعا
بأنَّ اشقَّ مطَّلَبٍ رأته / ضعيفٌ طالبٌ حقاً مُضاعا
فلا تكِلوا الأمورَ إلى قضاء / فما كانَ القضاءُ لكم رَضاعا
ولا تنسَوا بأن لكمْ عدوّاً / طويلاً وفي ازدراع الخُلفِ باعا
يُلوِّي كلَّ يَوم من قناةٍ / ويَبتدِع الشِقاقَ بها ابتِداعا
وانكُمُ بكَعْب السَوطِ منكم / قَرَعْتُم " رأس " مَن سنَّ القِراعا
قَرَعَتُم رأسَ مختَبطٍ رؤوساً / مماكرةُ ومالكَها صُداعا
مسكتُمْ من خِناقةِ أفعُوانٍ / شديدِ البطش يأبى الإنصِراعا
تعاصى والدُنى من كل حَدْبٍ / تهزُّ الصُلْبَ منه والنُخاعا
فمُدّوا كفَّكَم هَوناً فهَوناً / وجُرّوا منه أنياباً شِناعا
وفكُّوا شِدْقَ مُؤتذِبٍ خبيث / وسُلُّوا حَقَّكم منه انتزِاعا
ولا تَنْسَوا بأنَّ له عبيداً / شَراهم بابتسامته وباعا
حَباهم شرَّ ما يُحبَى خَؤونٌ / يغذَّي من كرامته الطِماعا
وعوَّضَهم عن الشَرَفِ المُبَقَّى / حُطام المالِ يذهَبُ والضِياعا
احَلَّ لهم دماءكمُ مَخاضا / وبؤَّأهم " حقوقَكمُ " رباعا
وملَّكهم رقابَكم فآبٍ / تملَّكَها وذو خَورَ أطاعا
فسقُّوهُم بكأسهمُ دِهاقاً / ذِعافَ الهَون والذلِّ اجتراعا
وجُروّهم على حَسَك الخطايا / ورُدُّوا كَيْدَهم بالصاع صاعا
وزيدوا بالدم العَبِق اتشاحاً / وبالوحي الذي يوحي ادِّراعا
وكانوا في احتراشِهمُ ذئاباً / فكونوا في ضَراوتكمْ ضِباعا
شَبابَ اليَوم إن غداً مَشوقٌ / يَمُدُّ لكم ليَحضُنَكم ذِراعا
يُمدُّكُمُ بروح من خُطوبٍ ! / تعوَّدَ انْ يمدَّ بها الصِراعا
وأنْ يعتاضَ عن جيل بجيلٍ / بها ويفضََّ بينهما النزاعا
رصاص البَغي يفجُرُكم ليجري / دمٌ يَزْكو به الوطنُ ازدِراعا
ويُخصِب من رياضِ حقلٌ / يُراح القادمونَ ! به انتِجاعا
و " سَوطُ " الفاجرينَ يُعيد لحناً / له تترنَّحُ الدنيا استِماعا
وقَعرُ السجن حيثُ مشتْ " فرنسا " / من " البستيل " ترتَفِعُ ارتفاعا
والوانٌ من " التعذيب"! تَهدي / سجلَّ " الثورة " الكبرى شُعاعا
واشباحٌ تُراوحكم قِباحٌ / تَروعُ حَصاتَكم ساعاً فساعا
هي الاشباحُ من عهد تَرامى / على عهد فترتجفُ ارتِياعا
شبابَ اليوم إنكمُ ثمارٌ / سيقطفُها الغدُ الآتي سِراعا
جَنى جيلٌ يعبِّئُ للرزايا / مصايرَه وللذُل اقتناعا
على جيلٍ كأنَّ عليه مما / بَنَى البانون من وِزْرٍ قلاعا
بذَوب الفكر يفتتح القَضايا / ويختِمها بمهجته اندفاعا
دَمَ " الشهداء " لا تذهَبْ هباءً / ولا تجمُدْ بقارعةٍ ضَياعا
ولا تشكُ الظِماء فان فينا / دماءً سوفَ تشربُها تِباعا
ولا تَخَلِ الجفاءَ فلم تُغَيَّبْ / يدٌ تُرعى ولا ذمم تُراعى
فما كَدم " الشهيد " اذا تَنادى / كثيرٌ ناثِروهُ اذا تَداعى
وما تَهَب الصنائع للبَرايا / كما يَهَبُ " الشهيد " لها اصطِناعا
انَفقِدُكم ! ولا نَرعىَ حفاظاً / وتَرعَى البيتَ فاقدةٌ صُواعا
اذن! فالثَأر نَنشُده كِذاباً / وصوتُ الحق نسمعُه خِداعا
اذن! فسَيُوسِعُ التاريخُ رجماً / كِلَينا من " أطَلَّ " ومن أضاعا
ونحن – اذن – نَسومُ دماً زكيّاً / بعاجلةٍ شِراءً وابتِياعا
فالىُّ " زكاً " يُصان – اذن – ويُقْنَى / وايُّ شذاة طهرٍ لن تُباعا
ونحن – اذن – على الأشلاء نُزجي / رغائبَنا ! ونُسمنُها رِتاعا
فليتَ الحزنَ تُطبقُ فوق سالٍ / سحابتُه وتأبى الإِنقِشاعا
وليت الليلَ يغمرهُ دخاناً / وليت الصبحَ يُمطرُه التياعا
وليت مُنىً يُراودها فِجاراً / تُعاوِده لتنهَشَه ضِباعا
وليت ضميرَه يثب افتزاعا / من الذكرى وينتفِضُ التذاعا
وليت العارَ يبرحُ مستضيفاً / سريرتَه اصطيافا وارتِباعا
وليت امامَ عينيه احتراقاً / جَرىَ كالشمع حاضرهُ وماعا
وليت خيالَ ماضيه مَسيخاً ! / يَلوح على ملامحِه انطِباعا
دمَ " الشهداء " انتَ اعزُّ مُلكاً / وقاعُك اشرفُ الدنيا بِقاعا
وانت الخُلدُ بالأنهار يَجري / وبالمِسك انتَشَى أرَجاً وضَاعا
دمَ الشهداء كنتَ النارَ شبَّتْ / على الباغين تندَلِعُ اندلاعا
تلُفُ طَغامَهمْ نِكساً فنِكساً / إلى يَومٍ تَلفُّهُمُ جِماعا
إلى يوم تُطيح بما أقاموا / وما اختَطُّوا فتَنسِفُهُ اقتِلاعا
دمَ " الشهداء " اهِدِ الجمعَ يُبصِرْ / طريقاً منك يزدَهِرُ التِماعا
أهبَّ له الحواضر والبوادي / وعرِّفْه المَشارفَ والتِلاعا
متى يَقْحَمْ قِطاعاً من شُرور / فأقحِمْه بسَوْرتِه قِطاعا
وسدِّدْ من خُطاه إذا توانى / وجدِّدْ من قُواه اذا تَداعى
وكن إن لفَّه ليلٌ شُعاعاً / وان طال الطريق به متاعا
دفعتَ بما استطعتَ الضُرَّ عنه / فزده ما استطعتَ بك انتِفاعا
وزِدْه ما استطعتَ لك انصياعا / وعما يُغضِبُ الوطَنَ امتِناعا
وزِده في الخُطوب بك اعتِزازاً / وحَوْلَ شعارِك الألِقِ اجتماعا
وكنْ فيما اندفَعْتَ شِعارَ جيلٍ / حثيثِ الخطو يأبَى الإرتجاعا
وأعلِنْ بانفطامِك عن شَبابٍ / به يتعلَّلُ الشيخ ارتِضاعا
عن الشهوات في الحكمِ ازدجاراً / وعن حكم يُلاث بها ارتِداعا
دمَ " الشهداء " مهما اسطَعْتَ فادفَع / وحَسْبُ الحر جُهداً ما استطاعا
إلى الغَمَرات افئدة تَنَزَّى / من " الغَمرات " تَخْشَى الانخِلاعا
تُحبُّ الموتَ تغمرُه التحايا / وتأبَى ان تَطيرَ به شَعاعا
وتَخْشَى الخُلدَ مُفزعةً نفوساً / وتهواه مُكرِّمةً طُباعا
وما انفكت على رِجْلٍ وأخرى / تُخالفها نُكوصاً وانصِياعا
فأكرِهْها وقُل سيري بسَوطٍ / يُدَمِّي من أبَى سَيْراً وطاعا
بسَوْطٍ من جُلودٍ ملزماتٍ / بهَدْي الناس يقتَطِعُ اقتِطاعا
تَوَكَّلَ ان يسودَ الناس حكمٌ / يُساوي من أُجيعَ بمن أجاعا
ويُسقطُ من شِفاهِهُمُ سَواداً / ويمحُو من مَعاجِمهم رَعاعا
وقل سيري ولا تقفي انتِكاصاً / وانتَ فَسَلْ ولا تقفِ انقِطاعا
وقل سيري فما يَعْيَا دليلٌ / حَدا من قبلكم فَهَدَى وضاعا
وقل سيري اتباعَ أخي افتِداءٍ / مَشَت من خَلفه الأمم اتباعا
جلبتُ لها " السُمُوَّ " فأوسعتني / من النُّكران ما يصِمُ اتضاعا
وذُقْتُ الوحشةَ الكبرى فكانت / أنيسَ الناعمين بها اضطجاعا
وكنت لها انا المجهول علماً / وأخلاقاً وحكماً واشتِراعا
ومخترعٍ يتيه على كِبراً / ولو لم أجرِ لم يجدِ اختِراعا
وفذٍ " عبقريّ من نَتاجي / تَرَعْرَعَ " صيتُه " ونما وشاعا
تجاهَلَني وكنتُ له خيالاً / وأهملني وكنت له يَراعا
وآخرَ ذي فُتوحٍ أشجعيٍّ / سفحتُ له ليرتبيَ اليَفاعا
تناسى من له اقتادَ السرايا / ومن كانَ الشَّجاعةَ والشُّجاعا
ويا اكفانَهم كوني لواءً / وسيعاً يحضُن الهِممَ الوِساعا
وسُدي ثُلمةً من كل خَرْقٍ / يَزيدُ الخَرقُ شقتَّه اتساعا
وزِيدِي في خضَمِّ المجد مَوْجاً / وكوني من سفائِنه شِراعا
خليليَّ أحسنُ ما شاقني
خليليَّ أحسنُ ما شاقني / بفارس هذا الجمال الطبيعي
الى الآن تجري مُتون الجبال / علينا بمثل مذاب الدُّموع
هَلُما معي نحو هذي الرياض / نجددْ عهوداً بفصل الربيع
فقد أضحتِ الأرضُ مخضرةً / تَضاحكُ عن شمل حسن جميع
ومهلاً فظلمٌ لهذا الجمال / نمر عليه بلحظٍ سريع
خليليَّ إن جيوش الغَمام / عرفن لفارسَ حسنَ الصنيع
ألم تريا كيف ضَرْعُ الغمام / يرِق لهذا النبات الرضيع ؟
ولِمْ لا تريع بأريافها / بلاد تسيل بماء مريع ؟
خليليَّ ما في بِقاع الوجود / أبهجُ من وشي هذا البقيع
بني الفرس فارسُكُمْ لا العراق / وزاهي رُبوعكمُ لا ربوعي
وما ابهج الشمسَ عند الغروب / يحي رُباها وعند الُّطلوع
خليليَّ ما غيرت فارسٌ / محل البصير بكم والسميع
ولو شئت حملت برقية / تُزَفُّ لكم من رجيف الضُّلوع
أحبَّتنا لو أُنزل الشوقُ والهوى
أحبَّتنا لو أُنزل الشوقُ والهوى / على قلب صخرٍ جامدٍ لتصدَّعا
خليليَّ ما أدنى الممات إلى الفتى / وأقربَ حبلَ العمرِ أنْ يتقطَّعا
ولمْ تطلُعِ الأقمارُ إلاَّ لتختفي / ولا عقربُ الساعات إلا لنُلسعا
فانْ لم يكن إلاَّ نهارٌ وليلةٌ / فما أجدرَ الإنسان أنْ يتمتَّعا
ولمَّا أبتْ أيَّمُنا غيرَ فُرقةٍ / ولم تُبْقِ في قوس التصبرُّ منزعِا
وكنَّا وفي كأس الرزايا صُبابةٌ / فما برِحتْ حتى شربناه أجمعا
نوينا فأزمعنا رحيلاً وما التوت / بنا نُوبُ الأيَّام إلاَّ لنُزمعا
نزلنا ففرَّقنا هموماً تجمَّعتْ / أبى صفو " شمرانات " أن تتجمَّعا
أحتىَّ لدى الجنَّاتِ أهفو إليكمُ / ويسمعني داعي الصبابة أنْ دعا
رعى الله أُم الحُسن " دَرْبندَ " إنَّنا / وجدنا بها روضاً من الصفو مُمرِعا
لقد سرَّنا منها صفاها وطيبَها / ولكن بكيناه جمالاً مضيَّعا
مَريعاً من الحُسن الطبيعيِّ لو سَعتْ / بنوه إلى إنعاشه كان أمرعا
قُرىٍ نظِّمتْ نظمَ الجُمانِ قلائداً / أو الدُّرِّ مُزداناً أو الماسِ رُصِّعا
صفوفٌ من الأشجار قابلْنَ مثلَها / كما مَصرعٌ في الشعر قابل مصرعا
نَظَمنا فأهدَينا القوافي بديعةً / وكانَ جمالُ اللهِ فيهنَّ أبدَعا
وقفتُ على النهر الذي من خريرِه / فرْعتُ من الشعر الالهيِّ مطلعا
لقد وقَّعتْ كفُّ الطبيعةِ لحنه / وشابهه في الشعر طبعي فوَّقعا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025