المجموع : 8
تَعالَي نَتَعاطاها كَلَونِ التِبرِ أَو أَسطَعِ
تَعالَي نَتَعاطاها كَلَونِ التِبرِ أَو أَسطَعِ / وَنَسقي النَرجِسَ الواشي بَقايا الراحِ في الكاسِ
فَلا يَعرِفُ مَن نَحنُ وَلا يُبصِرُ ما نَصنَع / وَلا يَنقُلُ عِندَ الصُبحِ نَجوانا إِلى الناسِ
تعالَي نَسرُقُ اللَذاتِ ما ساعَفَنا الدَهرُ / وَما دُمنا وَدامَت لَنا في العَيشِةِ آمالُ
فَإِن مَرَّ بِنا الفَجرُ وَما أَوقَظَنا الفَجرُ / فَما يوقِظُنا عِلمٌ وَلا يوقِظُنا مالُ
تَعالَي نُطلِقُ الرَوحَينِ مِن سِجنِ التَقاليدِ / فَهَذي زَهرَةُ الوادي تُذيعُ العِطرَ في الوادي
وَهَذا الطَيرُ تيّاهٌ فَخورٌ بِالأَغاريدِ / فَمن ذا عَنَّفَ الزَهرَةَ أَو مَن وَبَّخَ الشادي
أَرادَ اللَهُ أَن نَعشَقَ لَمّا أَوجَدَ الحُسنا / وَأَلقى الحُبَّ في قَلبِكِ إِذ أَلقاهُ في قَلبي
مَشيأَتُهُ وَما كانَت مَشيأَتُهُ بِلا مَعنى / فَإِن طَحبَبتِ ما ذَنبُكِ أَو أَحبَبتِ ما ذَنبي
دَعي اللاحي وَما صَنَّفَ وَالقالي وَبُهتانَه / أَلِلجَداوِلِ أَن يَجري وَلِلزَهرَةِ أَن تَعبَق
وَلِلأَطيارِ أَن تَشتاقَ أَيّاراً وَأَلوانَه / وَما لِلقَلبِ وَهوَ القَلبُ أَن يَهوى وَأَن يَعشَق
تَعالَي إِنَّ رَبَّ الحُبِّ يَدعونا إِلى الغابِ / لِكَي يَمزُجُنا كَالماءِ وَالخَمرَةِ في كاسِ
وَيَغدو النورُ جِلبابُكِ في الغابِ وَجِلبابي / فَكَم نُصغي إِلى الناسِ وَنُعصي خالِقَ الناسِ
يُريدُ الحُبُّ أَن نَضحَكَ فَلنَضحَك مَعَ الفَجرِ / وَأَن نَركُضَ فَلنَركُضَ مَعَ الجَدوَلِ وَالنَهرِ
وَأَن نَهتِفَ فَلنَهتِف مَعَ البُلبُلِ وَالقَمري / فَمَن يَعلَم بَعدَ اليَومِ ما يَحدُثُ أَو يَجري
تَعالَي قَبلَما تَسكُتُ في الرَوضِ الشَحاريرُ / وَيَذوي الحَورُ وَالصَفصافُ وَالنرجِسُ وَالآسِ
تَعالَي قَبلَما تَطمُرُ أَحلامي الأَعاصيرُ / فَنَستَيقِظُ لا فَجرٌ وَلا خَمرٌ وَلا كاسُ
رَسمٌ تَعَلَّمَ مِنهُ ناظِري الوَلَعا
رَسمٌ تَعَلَّمَ مِنهُ ناظِري الوَلَعا / كَأَنَّ طَرفِيَ قَلبي فيهِ قَد وُضِعا
يَمثِلُ البيضَ حَولَ الصين قَد وَقَفوا / وَذَلِكَ الدُبُّ في مَنشوريا رَتَعا
مَشى بِهِ نَحوَها في نَفسِهِ أَمَلٌ / وَراحَ يَمشي إِلى ما بَعدَها جَشَعا
كَالنارِ تَأكُلُ أَكلاً ما يُصادِفُها / وَالسَيلُ يَجرُفُ ما يَلقاهُ مِندَفِعا
فَقامَ بِالصُفرِ داعٍ مِن حَليفَتِهِم / مَليكَةِ الهِندِ أَن هُبّوا فَقَد طَمِعا
قالَت أُحَذِّرُكُم مَن يُخادِعُكُم / فَطالَما خُدِعَ الإِنسانُ فَاِنخَدَعا
مَحَضتُكُمُ نُصحَ الصَديقِ عَسى / خَيراً يُفيدُكُمُ فَالنُصحُ كَم نَفَعا
وَغَيرُ مُنتَفِعٍ غَيرُ فَتىً / إِذا تَحَدَّثَ ذو عَقلٍ صَغى وَوَعى
سارَت إِلَيهِم فَتاةٌ وَاِنثَنَت / رَجُلاً وَما رَأى أَحَدٌ هَذا وَلا سَمِعا
حَتّى إِذا ما رَأَت مَشوريا اِختَنَقَت / بِالقَومِ وَخِرقُ الشَرِّ مُتَّسِعا
كادَت تَطيرُ سُروراً بَِلنَجاحِ وَقَد / كادَت عَلى الهِندِ تَقضي قَبلَ ذا جَزَعا
نُبِّثتُ أَنَّ الوَغى في الصينِ دائِرَةٌ / فَما لَها صادَفتُ في النيلِ مُرتَبَعا
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ
أَنا لَستُ بِالحَسناءِ أَوَّلَ مولَعِ / هِيَ مَطمَعُ الدُنيا كَما هِيَ مَطمَعي
فَاِقصُص عَلَيَّ إِذا عَرَفتَ حَديثَها / وَاسكُن إِذا حَدَّثتَ عَنها وَاِخشَعِ
أَلَمَحتَها في صورَةٍ أَشهِدتَها / في حالَةٍ أَرَأَيتَها في مَوضِعِ
إِنّي لَذو نَفسٍ تَهيمُ وَإِنَّها / لَجَميلَةٌ فَوقَ الجَمالِ الأَبدَعِ
وَيَزيدُ في شَوقي إِلَيها أَنَّها / كَالصَوتِ لَم يُسفِر وَلَم يَتَقَنَّعِ
فَتَّشتُ جَيبَ الفَجرِ عَنها وَالدُجى / وَمَدَدتُ حَتّى لِلكَواكِبِ إِصبَعي
فَإِذا هُما مُتَحَيِّرانِ كِلاهُما / في عاشِقٍ مُتَحَيِّرٍ مُتَضَعضِعِ
وَإِذا النُجومُ لِعِلمِها أَو جَهلِها / مُتَرَجرِجاتٌ في الفَضاءِ الأَوسَعِ
رَقَصَت أَشِعَّتُها عَلى سَطحِ الدُجى / وَعَلى رَجاءٍ فِيَّ غَيرَ مُشَعشَعِ
وَالبَحرُ كَم ساءَلَتهُ فَتَضاحَكَت / أَمواجُهُ مِن صَوتِيَ المُتَقَطِّعِ
فَرَجَعتُ مُرتَعِشَ الخَواطِرِ وَالمُنى / كَحَمامَةٍ مَحمولَةٍ في زَعزَعِ
وَكَأَنَّ أَشباحَ الدُهورِ تَأَلَّبَت / في الشَطِّ تَضحَكُ كُلُّها مِن مَرجَعِ
وَلَكَم دَخَلتُ إِلى القُصورِ مُفَتِّشاً / عَنها وَعُجتُ بِدارِساتِ الأَربَعِ
إِن لاحَ طَيفٌ قُلتُ يا عَينُ انظُري / أَو رَنَّ صَوتٌ قُلتُ يا أُذنُ اسمَعي
فَإِذا الَّذي في القَصرِ مِثلي حائِرٌ / وَإِذا الَّذي في القَفرِ مِثلي لا يَعي
قالوا تَوَرَّع إِنَّها مَحجوبَةٌ / إِلّا عَنِ المُتَزَهِّدِ المُتَوَرِّعِ
فَوَأَدتُ أَفراحي وَطَلَّقتُ المُنى / وَنَسَختُ آياتِ الهَوى مِن أَضلُعي
وَحَطَمْتُ أَقداحي وَلَمّا أَرتَوِ / وَعَفَفتُ عَن زادي وَلَمّا أَشبَعِ
وَحَسَبتُني أَدنو إِلَيها مُسرِعاً / فَوَجَدتُ أَنّي قَد دَنَوتُ لِمَصرَعي
ما كانَ أَجهَلَ نُصَّحي وَأَضَلَّني / لَمّا أَطَعتُهُم وَلَم أَتَمَنَّعِ
إِنّي صَرَفتُ عَنِ الطَماعَةِ وَالهَوى / قَلبي وَلا ظُفرٌ لِمَن لَم يَطمَعِ
فَكَأَنَّني البُستانُ جَرَّدَ نَفسَهُ / مِن زَهرِهِ المُتَنَوِّعِ المُتَضَوِّعِ
لِيُحِسَّ نورَ الشَمسِ في ذَرّاتِهِ / وَيُقابِلُ النَسَماتِ غَيرَ مَقَّنَّعِ
فَمَشى عَلَيهِ مِنَ الخَريفِ سُرادِقٌ / كَاللَيلِ خَيَّمَ في المَكانِ البَلقَعِ
وَكَأَنَّني العُصفورُ عَرّى جِسمُهُ / مِن ريشِهِ المُتَناسِقِ المُتَلَمِّعِ
لِيَخِفَّ مَحمَلُهُ فَخَرَّ إِلى الثَرى / وَسَطا عَلَيهِ النَملُ غَيرَ مُرَوِّعِ
وَهَجَعتُ أَحسَبُ أَنَّها بِنتَ الرُؤى / فَصَحَوتُ أَسخَرُ بِالنِيامِ الهُجَّعِ
لَيسَت حُبوراً كُلُّها دُنيا الكَرى / كَم مُؤلِمٍ فيها بِجانِبِ مَفزَعِ
تَخفي أَمانِيَّ الفَتى كَهُمومِهِ / عَنهُ وَتَحجُبُ ذاتَهُ في بَرقَعِ
وَلَرُبَّما اِلتَبَسَت حَوادِثُ يَومِهِ / بِالغابِرِ الماضي وَبِالمُتَقَّعِ
يا حَبَّذا شَطَطَ الخَيالِ وَإِنَّما / تُمحى مَشاهِدُهُ كَأَن لَم تُطبَعِ
لَمّا حَلِمتُ بِها حَلِمتُ بِزَهرَةٍ / لا تُجتَنى وَبِنَجمَةٍ لَم تَلُعِ
ثُمَّ اِنتَبَهتُ فَلَم أَجِد في مَخدَعي / إِلّا ضَلالي وَالفِراشُ وَمَخدَعي
مَن كانَ يَشرَبُ مِن جَداوِلِ وَهمِهِ / قَطَعَ الحَياةَ بِغَلَّةٍ لَم تُنقَعِ
ذَهَبَ الرَبيعُ فَلَم تَكُن في الجَدوَلِ ال / شادي وَلا الرَوضِ الأَغَنِّ المُمرَعِ
وَأَتى الشِتاءُ فَلَم تَكُن في غَيمِهِ / الباكي وَلا في رَعدِهِ المُتَفَجِّعِ
وَلَمَحتُ وامِضَةَ البُروقِ فَخِلتُها / فيها فَلَم تَكُ في البُروقِ اللُمَّعِ
صَفَرَت يَدي مِنها وَبي طَيشُ الفَتى / وَأَضَلَّني عَنها ذَكاءُ الأَلمَعي
حَتّى إِذا نَشَرَ القُنوطُ ضَبابُهُ / فَوقي فَغَيَّبَني وَغَيَّبَ مَوضِعي
وَتَقَطَّعَت أَمراسُ آمالي بِها / وَهيَ الَّتي مِن قَبلُ لَم تَتَقَطَّعِ
عَصَرَ الأَسى روحي فَسالَت أَدمُعاً / فَلَمَحتُها وَلَمَستُها في أَدمُعي
وَعَلِمتُ حينَ العِلمُ لا يُجدي الفَتى / أَنَّ الَّتي ضَيَّعتُها كانَت مَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي
يا نَفسُ قَد ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعي / فَتَجَلَّدي لِفُراقِهِ أَو فَاِجزُعي
هَذي النِهايَةُ لا نِهايَةُ غَيَها / لِلحَيِّ إِن يُسرِع وَإِن لَم يُسرِعِ
لِلمَوتِ مَن مَلَكَ لبَسيطَةَ كُلُّها / أَو هازَ مِن دُنياهُ بِضعَةَ أَذرُعِ
فَاِزرَع طَريقَكَ بِالورودِ وَبِالسَنا / لا يَحصُدُ الإِنسانُ إِن لَم يَزرُعِ
وَاِعمَل لِكَي تَمضي وَتَبقى رِقَّةً / في مَبسَمٍ أَو نَغمَةً في مَسمَعِ
أَو صورَةً مِثلَ الرَبيعِ جَميلَةً / في خاطِرٍ أَو ناظِرٍ مُستَمتِعِ
يا صَحبَ يَعقوبٍ وَيا عَشرائُهُ / مَن مِنكُمو أَبكي وَلا يَبكِيَ مَعي
إِنّا تَساوَينا فَبَينَ ضُلوعِكُم / نارٌ وَمِثلُ سَعيرِها في أَضلُعي
لُبنانُ هَذا مِن رِياضِكَ زَهرَةٌ / ذَهَبَت كَأَن في الأَرضِ لَم تَتَضَوَّعِ
لُبنانُ هَذا مِن سَمائِكَ كَوكَبٌ / غَرَّبَتهُ حَتّى اِنطَوى في بَلقَعِ
لُبنانُ هَذا مِن مُروجِكَ قِطعَةٌ / فيهِ بَشاشَةُ كُلِّ مَرجٍ مُمرَعِ
قُل لِلبَنَفسجِفي سُفوحِكَ وَالرُبى / وَلّى شَبيهُكَ في الوَداعَةِ فَاِخشَعِ
وَأمُر طُيورَكَ أَن تَنوحَ عَلى فَتى / قَد كانَ يَهواها وَإِن لَم تَسجَعِ
قَد عاشَ مِثلَكَ لِلمُروأَةِ وَالعُلى / مُتَعَفِّفاً كَالزاهِدِ المُتَوَرِّعِ
مُتَرَفِّعاً في قَولِهِ وَفِعالِهِ / عَمَّن غَوى وَهَوى وَلَم يَتَرَفَّعِ
كَمحَرَّضَتهُ النَفسُ في نَزَواتِها / لِيَكونَ صاحِبَ حيلَةٍ أَو مَطمَعِ
فَأَجابَها يا نَفسُ لا تَتَوَرَّطي / صَدءَ النُفوسِ هِيَ المَطامِعُ فَاِقنُعِ
لَيسَ المُحارِبُ في الوَغى بِأَشَدَّ بَأ / ساً مِن مُحارِبِ نَفسِهِ أَو أَشجَعِ
يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ فَاِسَرِح / وَأَطَلتَ يا يَعقوبُ سُهدَكَ فَاِهجَعِ
حَدَّثت قَومَكَ حُقبَةً فَتَسَمَّعوا / وَالآنَ دَورُ حَديثِهِم فَتَسَمَّعِ
هَجَروا الكَلامَ إِلى الدُموعِ لِأَنَّهُمُ / وَجَدوا البَلاغَةَ كُلَّها في الأَدمُعِ
كَيفَ اِلتَفَتُّ وَسِرتُ لا أَلقى سِوى / مُتَوَجِّعٍ يَشكو إِلى مُتَوَجِّعِ
حَتّى الأُلى نَفَثوا عَلَيكَ سُمومَهُم / حَزَّ الأَسى أَكبادَهُم كَالمِبضَعِ
عَرَفوا مَكانَكَ بَعدَ ما فارَقتُهُم / يا لَيتَهُم عَرَفوهُ قَبلَ المَصرَعِ
وَلَكَم تَمَنَّوا لَو تَعودَ إِلَيهُمُ / أَنتَ الشَبابُ إِذا مَضى لَم يَرجِعِ
حَنّوا إِلى أَرَجِ الأَزاهِرِ بَعدَما / عَبَثَت بِها أَيدي الرِياحِ الأَربَعِ
وَاِستَعذَبوا الماءَ المُسَلسَلَ بَعدَما / نَضَبَ الغَديرُ وَجَفَّ ماءُ المَشرَعِ
يا لَوعَةَ الأَحبابِ حينَ تَساءَلوا / عَنهُ وَعادوا بِالجَوابِ الموجِعِ
إِنَّ الَّذي قَد كانَ مَعكُم قَد مَضى / مِن مَوضِعٍ أَدنى لِأَرفَعِ مَوضِعِ
مِن عالَمٍ مُتَكَلِّفٍ مُتَصَنِعٍ / تَشقى نُفوسٌ فيهِ لَم تَتَصَنَّعِ
لِلعالَمِ الأَسمى الطُهورُ وَمِن مُجا / وَرَةِ الأَنامِ إِلى جِوارِ المُبدِعِ
لَو أَنَّني يا هِندُ بَدرَ السَما
لَو أَنَّني يا هِندُ بَدرَ السَما / نَزَلتُ مِن أُفقي إِلى مَخدِعِك
وَصُرتُ وَقداً لَكِ أَو خاتِماً / في جيدِكِ الناصِعِ أَو إِصبَعِك
أَو بُلبُلَ الرَوضِ ما لَذَّ لي / الاِنشادُ إِن لَم يَكُن في مَسمَعِك
وَلَو أَكونُ الأَرَجُ الذاكي / لَما هَجَرتُ لرَوضَ لَولاكِ
وَما حَواني غَيرُ مَغناكِ / وَلَم أَفُح حَتّى تَكوني مَعي
فيكِ وَفي الوَردَةِ سِرُّ الصِبا / وَفي الصِبا سِرُّ الهَوى وَالجَمال
فَإِن تَريني واجِماً باهِتاً / حَيالِها أَخشى عَلَيها الزَوال
فَإِنَّني شاهَدتُ طَيفَ الرَدى / يَنسَلُّ كَالسارِقِ بَينَ الظِلال
وَلاحَ لي في الوَرَقِ / مُنطَرِحاً في الأَرضِ قُدّامي
أَشباحُ آمالي وَأَحلامي / أَحلامُ مَن أَحلامُ مَضناكِ
أَنا مَن أَنا يا تُرى في الوُجودِ
أَنا مَن أَنا يا تُرى في الوُجودِ / وَما هُوَ شَأني وَما مَوضِعي
أَنا قَطرَةٌ لَمَعَت في الضُحى / قَليلاً عَلى ضِفَّةِ المَشرَعِ
سَيَأتي عَلَيها المَساءُ فَتَغدو / كَأَن لَم تَرَقرَق وَلم تَلمَعِ
أَنا نَغمَةٌ وَقَّعَتها الحَياةُ / لِمَن قَد يَعي وَلِمن لا يَعي
سَيَمشي عَلَيها السُكوتُ فَتُمسي / كَأَن لَم تَمُرَّ عَلى مِسمَعِ
أَنا شَبَحٌ راكِضٌ مُسرِعٌ / مَعَ الزَمَنِ الراكِضِ المُسرِعِ
سَيُرخي عَلَيهِ السِتارُ وَيُخفي / كَأَن لم يَجِدَّ وَلَم يَهطَعِ
أَنا مَوجَةٌ دَفَعَتها الحَياةُ / إِلى أَوسَعٍ فَإِلى أَوسَعِ
سَتَنحَلُّ في الشَطِّ عَمّا قَليلٍ / كَأَن لَم تَدَفَّع وَلَم تُدفَعِ
فَيا قَلبُ لا تَغتَرِر بِالشَبابِ / وَيا نَفسُ بِالخُلدِ لا تَطمَعي
فَإِنَّ الكُهولَةَ تَمضي كَما / تَوَلّى الشَبابُ وَلَم يَرجُعِ
وَلَكِنَّ فيها جَمالاً بَديعاً / وَفيها حَنينٌ إِلى الأَبدَعِ
وَمَن لا يَرى الحُسنَ في ما يَراهُ / فَما هُوَ بِالرَجُلِ الأَلمَعي
بَني وَطَني مَن أَنا في الوُجودِ / وَما هُوَ شَأني وَما مَوضِعي
أَنا أَنتُم إِن ضَحِكتُم لِأَمرٍ / ضَحِكتُ وَأَدمُعُكُم أَدمُعي
وَمُطرِبُ أَرواحِكُم مُطرِبي / وَموجِعُ أَكبادِكُم موجِعي
أَما نَحنُ مِن مَصدَرٍ واحِدٍ / أَلَسنا جَميعاً إِلى مَرجِعِ
رَفَعتُم مُقامي وَأَعلَيتُموهُ / لَما قَد صَنَعتُ وَلَم أَصنَعِ
أَحَقُّ بِإِكرامِكُم طائِرٌ / يُغَرِّدُ في الرَوضِ وَالبَلقَعِ
وَأَولى بِهِ كَوكَبٌ طالِعٌ / عَلى سُهَّدٍ وَعَلى هُجَّعِ
أَنا واحِدٌ مِنكُمُ يا نُجومُ / بِلادي مَتى تَسطَعوا أَسطُعِ
فَمَن قامَ يَمدَحُني بَينَكُم / فَقَد تُمدَحُ الكَفُّ بِالإِصبَعِ
وَما الغَيثُ غَيرُ الخِضَمِّ وَلَيسَ / الغَديرُ سِوى السُحُبِ الهَمَّعِ
فَلَولاكُم لَم أَكُن بِالخَطيبِ / وَلا الشاعِرِ الساحيرِ المُبدِعِ
أَنا الآنَ في سَكرَةٍ لا أَعي / فَيا لَيتَني دائِماً لا أَعي
فَذي لَيلَةٌ بِجَميعِ الزَمانِ / إِذا كانَ في الدَهرِ مَن أَجمَعِ
فَيا أَيُّها اللَيلُ بِاللَهِ قِف / وَأَيُّها الصُبحُ لا تَطلُعِ
إِذا كُنتُ قَد بِنتُ عَن مَربَعي / فَإِنّي وَجَدتُ بِكُم مَربَعي
يَميناً سَأَحمِلُ في أَضلُعي / هَواكُم ما بَقِيَت أَضلُعي
وَأَشكُرُكُم بِلِسانِ النَسائِمِ / وَالرَوضِ وَالجَدوَلِ المُترَعِ
فَلا عُذرَ لِلطَيرِ إِمّا رَأى / جَمالَ الرَبيعِ وَلَم يَسجَعِ
إِذا لَم أَكُن مَعَكُم في غَدٍ / فَإِنّي سَأَمضي وَأَنتُم مَعي
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها
عاطَيتُها في الكَأَسِ مِثلَ رُضابِها / تَسري إِلى قَلبِ الجَبانِ فَيَشجُعُ
يَطفو الحَبابُ عَلى أَديمِ كُؤوسِها / فَكَأَنَّ تِبراً بِاللُجَينِ يَرَصَّعُ
وَكَأَنَّما تِلكَ الكُؤوسُ نَواظِرٌ / تَبكي وَهاتيكَ الفَواقِعُ أَدمُعُ
مَشمولَةٌ تُغري بِضُفرَتِها البَخيـ / ـلَ بِها فَيَطمَعُ بِالنُضّارِ وَتَطمَعُ
شَمطاءَ إِلّا أَنَّها مَحجوبَةٌ / عَذراءُ إِلّا أَنَّها لا تُمنَعُ
ما زِلتُ أَسقيها إِلى أَن أَخضَعَت / مِنها فُؤاداً لِلهَوى لا يَخضَعُ
فَعَلَت بِها مِثلُ الَّذي فَعَلَت بِنا / أَلحاظُها إِنَّ اللِحظَ لَتَصرَعُ
لَمّا اِنتَشَت وَمَضى الخَفاءُ لِشَأنِهِ / باحَت إِلَيَّ بِما تُكِنُّ الأَضلُعُ
بَرحَ الحَياءُ وَأَعلَنَت أَسرارَها / إِنَّ الحَياةَ لِكُلِّ خَودٍ بُرقُعُ
فَعَلِمتُ أَنّي قَد خُدِعتُ بِحُبِّها / زَمَناً وَكُنتُ أَظُنُّني لا أُخدَعُ
ما كُنتُ أَعلَمُ قَبلَ أَن أَسكَرتُها / أَنَّ الفُؤادَ بِحُبِّ غَيرِيَ مولَعُ
فَتَرَكتُها نَشوى تُغالِبُ أَمرَها / وَالأَمرُ بَعدَ وُقوعِهِ لا يُدفَعُ
وَرَجَعتُ عَنها واثِقاً مِن أَنَّ ما / قَد كانَ مِن حُبّي لَها لا يَرجَعُ
لَبَكَيتُ لَو أَنَّ البُكاءَ أَفادَني / وَنَدِمتُ لَو أَنَّ النَدامَةَ تَنفَعُ
أنا من أنا يا ترى في الوجود؟
أنا من أنا يا ترى في الوجود؟ / وما هو شأني وما موضعي؟
أنا قطرة لمعت في الضحى / قليلا على ضفّة المشرع
سيأتي عليها المساء فتغدو / كأن لم ترقرق ولم تلمع
أنا نغمة وقّعتها الحياة / لمن قد يعي ولمن لا يعي
سيمشي عليها السكوت فتمسي / كأن لم تمرّ على مسمع
أنا شيخ راكض مسرع / مع الزمن الراكض المسرع
سيرخى عليه الستار ويخفي / كأن لم يجدّ ولم يهطع
أنا موجة دفعتها الحياة / إلى أوسع فإلى أوسع
ستنحلّ في الشطّ عمّا قليل / كأن لم تدّفع ولم تدفع
فيا قلب لا تغترر بالشباب / ويا نفس بالخلد لا تطمع
فإنّ الكهولة تمضي كما / تولّى الشباب ولم يرجع
ولكنّ فيها جمالا بديعا / وفيها حنين إلى الأبدع
ومن لا يرى الحسن في ما يراه / فما هو بالرجل الألمعي
بني وطني من أنا في الوجود / وما هو شأني وما موضعي؟
أنا أنتم إن ضحكتم لأمر / ضحكت وأدمعكم أدمعي
ومطرب أرواحكم مطربي / وموجع أكبادكم موجعي
أما نحن من مصدر واحد؟ / ألسنا جميعا إلى موجع؟
رفعتم مقامي وأعليتموه / لما قد صنعت ولم أصنع
أحقّ بإكرامكم طائر / يغرّد في الرّوض والبلقع
وأولى به كوكب طالع / على سهّد وعلى هجّع
أنا واحد منكم يا نجوم / بلادي متى تسطعوا أسطع
فمن قام يمدحني بينكم / فقد تمدح الكفّ بالإصبع
وما الغيث غير الخضمّ وليس / الغدير سوى السحب الهمّع
فلولاكم لم أكن بالخطيب / ولا الشاعر الساحر المبدع
أنا الآن في سكرة لا أعي / فيا ليتني دائما لا أعي
فذي ليلة بجميع الزمان / إذا كان في الدهر من أجمع
فيا أيّها الليل باللّه قف / ويا لأيّها الصبح لا تطلع
إذا كنت قد بنت عن مربعي / فإنّي وجدت بكم مربعي
يمينا سأحمل في أضلعي / هواكم ما بقيت أضلعي
وأشكركم بلسان النسائم / والروض والجدول المترع
فلا عذر للطير إمّا رلأى / جمال الربيع ولم يسجع
إذا لم أكن معكم في غد / فإنّي سأمضي وأنتم معي