المجموع : 84
وهبَتْ له عَيْنِي الهُجوعا
وهبَتْ له عَيْنِي الهُجوعا / فأثابها منه الدُموعا
ظبيٌ كأن بخصره / من ضُمره ظمأً وجوعا
ومن البليّةِ أنني / عُلِّقتُ ممنُوعاً مَنُوعا
مَنْ سائلٌ قمر الدُجى / ما بالُهُ تركَ الطلوعا
ويْلي عليه بل على / نفسٍ أبت إلا خضوعا
ما كنتُ قبل تَعَرُّضي / لهواه أحْسبُني جَزوعا
لئامٌ كالخنازيرِ
لئامٌ كالخنازيرِ / خساسٌ كاليرابيعِ
إذا ما امتُدحوا قالوا / وقعنا في النقاقيع
رأيتُ المُهْدِي الشعرَ / إليهم فرطَ تضييع
كمن دحرجَ درَّ البح / رِ فيِ بَخرِ البلاليعِ
أشِعْ عنهم خزاياهم / وسمِّعْ كل تسميع
طال المِطالُ ولا خلودَ فحاجةٌ
طال المِطالُ ولا خلودَ فحاجةٌ / مقضية أو بردُ يأسٍ ينقعُ
واعلم بأني لا أسر بحاجةٍ / إلا وفي عُمري بها مُستمتَعُ
تعمَّمتُ إحصاناً لرأسيَ بُرْهةً
تعمَّمتُ إحصاناً لرأسيَ بُرْهةً / من القرِّ طوراً والحرور إذا سفعْ
فلما دهى طولُ التعمُّم لمَّتي / فأزرى بها بعد الجثالة والفَرَعْ
عزمتُ على لُبس العمامةِ حيلةً / لتستُر ما جرَّتْ عليَّ من الصَّلعْ
فيا لك من جانٍ عليَّ جنايةً / جعلتُ إليه من جنايته الفزعْ
وأعجِبْ بشيءٍ كان دائي جعلتُه / دوائي على عمدٍ وأعجب بأن نفعْ
الأرضُ تنقصُ من أطرافها أبداً
الأرضُ تنقصُ من أطرافها أبداً / لكن كنيزة طولَ الدهر تتَّسعُ
لها حِرٌ واسعٌ لا شيءَ يُشبِعُهُ / كحوتِ يُونسَ مهما شاء يبتلعُ
تفسُو لتقطع عنا نتن نكْهتها / عند الغناء ولكن ليس ينقطعُ
وفي الفُساء لعمرُ اللَهِ مقطعةٌ / لكل نتنٍ ولكنْ أمرُها شنعُ
أتتني عنْكَ المؤيسات فلم ألُمْ
أتتني عنْكَ المؤيسات فلم ألُمْ / وقلت سحابٌ جادني ثم أقلعا
فلا يُبْعد اللَهُ السحابَ وصوبهُ / ولا أعصفتْ ريحٌ لكي يتقشَّعا
هو الغيثُ يسقي بلدةً بعد بلدةٍ / من الأرض حتى يسقيَ الأرض أجمعا
وليس بمبعوثٍ ليُنصفَ مَرتعاً / فيُرضيَهُ السُّقيا ويظلم مَرْتعا
وما ضرني من نافع أن يَضُرَّني / وذاك لحبي أن يضَرَّ وتنفعا
رضيتُ بما ترضى فإن شئتُ مرةً / سواه فلا استنشقْتُ إلا بأجدعا
ولا خير لي فيما أُحِبُّ وتجتوي / لأنك من قلبي كنفسيَ موقعا
على أنك الشيء الذي لا أرى له / مثالاً سوى الشمس المُنيرةِ مطلعا
لك المثل الأعلى على الناس كلِّهم / وإن غِيظت الأكبادُ حتى تصدَّعا
خضعتُ فإن خلتَ الخضوعَ خديعةً / فما زلتُ خدَّاعاً وزلتَ مخدَّعا
على أنك المُذْكي على كل خطَّةٍ / تضمنتَها قلباً من الجمر أصنعا
وأنك منْ ساسَ الأمور بحكمةٍ / فما ريم ما أحْمَى ولا ضِيمَ ما رعى
ذكاءَ فتاءٍ لا تجاريبَ كبرةٍ / ترى الغيبَ عنه حاسراً لا مُقنَّعا
ولكنَّكَ المخدوعُ صفحاً ونائلاً / فتصفحُ وضّاحاً وتمنحُ أروعا
ولا أنا من جدوى يديك بآيسٍ / وإن هوّل الظنُّ الكذوبُ وشنَّعا
فإن كنتَ من جدواك لا بدَّ مانعي / فلا تمنعنِّي أن أقول وتسمعا
ولا تحمينِّي أن أراك مطالعاً / إذا كادت الأحشاء أن تتطلعا
ومُتِّعتَ بالعمر الطويل محكَّماً / ولا زلتُ بالإنصاف منك ممتعا
عيدٌ يطابق أولَ الأسبوعِ
عيدٌ يطابق أولَ الأسبوعِ / وقعتْ به الأقدارُ خيرَ وقوعِ
للفألِ بالإقبال فيه شاهدٌ / عدلُ الشهادة ليس بالمدفوعِ
غابتْ نجومُ النَّحس عنه وأصبحتْ / فيه نجومُ السعد ذاتَ طُلوعِ
وأظَلَّه جودُ الأمير وقد ذكتْ / نارُ المصيف فظلّ كالمربوعِ
يا أيها الملك الذي نهضتْ به / للمجد خيرُ محاتِدٍ وفروعِ
أنعمْ صباحاً نعمةً موصولةً / بعُرى نعيمٍ ليس بالمقطوعِ
وافتح بعيدك ألفَ عيد بعده / ألفٌ برغم عدوِّكَ المقموع
ولك الوفورُ فإن رُزئْتَ رزيئةً / فرزيئة المرزوء لا المفجوعِ
نفحاتُ كفَّيْ ماجدٍ متخادع / عنهنَّ للسؤَّال لا المخدوعِ
متلافُ أموال صناعةُ كفَّهِ / تفريقُ كل مُؤثَّلٍ مجموعِ
ما زال يبْذُلُها ويعلمُ أنها / لمقاتِل الأعراضِ خيرُ دروعِ
واهاً لمُسلمها إذا هي أُسلِمتْ / من مانعٍ للمَحرمِ الممنوعِ
جُنَنٌ يقينَ إذا سلبن وما وقى / عرضَ الكريم كملبسٍ مخلوع
يا رُبَّ ذي حسدٍ يودُّ لك الردى / ولأنت واضعُ إصرهِ الموضوع
لولاك مارس كلَّ خطبٍ مُضلعٍ / يحمي جفون العين كل هُجوع
إذ لا يكون لذي المِراس غناؤُهُ / إلا الدموعَ يحثُّها بدموع
أخليتَ من تلك الهموم ضلوعَه / فشحنتَ بالشحناء شرَّ ضُلوع
وغدا يودُّ لك التي لو نالها / ريم الصغار بمعطسٍ مجْدوعِ
وجَبَتْ جُنوبُ عِداكَ إنَّ جُنُوبَهُم / أولى الجنوبِ بوجبةِ المصروعِ
بدلاً من القُربانِ عنك وإن غدا / قربان سوْءٍ ليس بالمرفوع
وكفاهُمُ شرفاً لهم وصيانةً / عن شقوةٍ ومذلةٍ وخضوع
أن يُقْتَلوا دون الأمير فدىً له / ومن المكاره نافعُ المرجوع
أَوَلَيس موتُ الحاسديك وإن مَضوْا / وبهم غليلٌ ليس بالمنقوع
خيراً لهم من أن يروا بك حادثاً / مُستشنَعَ المرئيِّ والمسموع
لا كان ذاك فلو رأوْه لأصبحوا / حلفاءَ خوفٍ لا ينام وجُوع
ووهتْ أمورهُمُ هناك فعالجوا / من وهْيها ما ليس بالمرقوع
وعلتْ وجوهَهُمُ التي بيَّضْتَها / قتراتُ ذُلٍّ قامع وخشوع
فبكوا على الجبل الذي كان الذَّرى / من هيج كل ملمَّةٍ زُعْزُوع
لا أُخِّروا ليقدِّموك وقُدِّموا / برضى صبورٍ أو بسُخْط جزوع
يا آل طاهرٍ المطهَّر كاسمه / كم فيكُمُ للخير من يَنبوع
ينْبوعِ معروف ورأي ناجعٍ / في مُعضل الأدواء أيَّ نُجوع
لم يخل نائلُهُ ولا آراؤه / من سدِّ خلّاتٍ ورأب صُدوع
آراءُ داهيةٍ بعيدٍ غورُهُ / ولُهَى قريبٍ مُستقاهُ نَزوع
منكم عبيد اللَهِ وترُ زمانِه / ولرُبّ وترٍ ليس بالمشفوع
طلّاعُ كل ثنيَّةٍ في باذخٍ / صعبِ المراتب ليس بالمطلوع
وعلى يديه جرى صلاح شؤونكُمْ / ورجوعُ إرثِ أبيكُمُ المنزوع
أثنتْ فضائله عليه من ندىً / يغشى العفاةَ ومن حِجىً مطبوع
وتُقى هلوعٍ من وعيد إلهه / من نائبات الدهر غير هلوع
وفضائلٌ أُخَرٌ سواها لا تُرى / في تابع أبداً ولا متبوع
حتى استمال من العدوِّ مودَّةً / ما ألقيتْ لمقدِّرٍ في رُوع
فتقبلوا لطفَ الإله وصُنْعَه / بقبول ملطوفٍ له مَصْنوع
ولقد أمرتُ بذاك منكم معشراً / خنعوا بشكر اللَهِ أيَّ خنوع
رجعتْ حقوقُكُمُ رجوعَ نزائع / نزعتْ إلى وطنٍ أشدَّ نزوع
فرعيتُمُوها رعْيةً محمودةً / معدومة المهزول والمسبوع
وكفيتمونا ما أهمَّ فكلُّنا / يرعى مريع العيش غيرَ مَرُوع
فجريتُمُ جَرْيَ النسيم بسُحرةٍ / منا ومجرى البارد المجروع
أبا الصقر من يشفع إليكَ بشافعٍ
أبا الصقر من يشفع إليكَ بشافعٍ / فمالي سوى شعري وجودك شافعُ
وجُودُك يكفي دون كلِّ ذريعةٍ / إذا لم تكن للطالبين ذرائعُ
أتيتُك في عرضٍ مصون طويتُه / ثلاثين عاماً فهْوَ أبيضُ ناصعُ
ومثلُك من لم يُلْقَ في ثوبِ بِذْلةٍ / ولا مَلْبسٍ قد دنَّسَتْه المطامع
وحلَّأتُ نفسي عن شرائعَ جمةٍ / لترويَني مَمّا لديك الشرائع
وأنت الذي نادى المولِّين جودُهُ / ودلَّتْ عليه الراغبين الصنائع
وما قادني ظنٌّ إليك مشبِّهٌ / ولكن يقينٌ ثاقبُ النُورِ ساطع
فإن تفعل الحُسنَى فشكريَ راهنٌ / وإن تكنِ الأُخرى فعُذْريَ واسع
ليهنِك حقٌّ ردَّه اللَه منعِماً
ليهنِك حقٌّ ردَّه اللَه منعِماً / عليك به لا بل على الناس أجمعا
ولايةُ بغداذَ التي بك أذْعَنَتْ / لراكبها حتى أخبَّ وأوضعا
ولو لم تُذلِّلها له وهي صعبةٌ / تشمَّس منها ظهرُها وتمنَّعا
وليتَ فوليت البلادَ وأهلها / صنائعَ لم ترك لغيرك مَصْنعا
فعش سامي العِرنين عيشَ محسَّدٍ / ولا عطس الحساد إلّا بأجدعا
وعذري من التقصير في القول أنني / حسيرُ سقام عضَّ جسمي فأوجعا
وإني لبالمرصاد للقول بعدها / إن اللَه عافاني وما زلتُ مِصْقعا
لهان على سُليمى كم قتيلٌ
لهان على سُليمى كم قتيلٌ / يُغادرُ في المَكرِّ وكم صريعُ
إذا ما استبدلتْ مُلكاً بملكٍ / وأمْرع حيث ما نزلتْ ربيعُ
فأولى يا بني العباس أولى / لكم منه وأمرُكُمُ جميعُ
أراه يُضيع ثغراً بعد ثغرٍ / وذلك في فسادِكُمُ سريعُ
وليس بقوة الأعداء ذاكُم / ولكن عَظمُ صاحبكم خريعُ
ترى العمل الجسيم إذا تولَّى / سياسته كعبدٍ يستبيعُ
فإن هو بيع من أمَمٍ عليه / وإلا فالإباقُ له شفيعُ
يقول إذا عصتْهُ بلاد قومٍ / فجاوزَها إلى أخرى تُطيعُ
إذا لم تستطع شيئاً فدعْهُ / وجاوزْهُ إلى ما تستطيع
ولما أجمعوا بيناً وشُدَّتْ
ولما أجمعوا بيناً وشُدَّتْ / حدوجُهُمُ بأثناء النُّسوعِ
وشجَّعنا على التَّوديع شوقٌ / تحرَّق بين أثناء الضلوعِ
تلاقينا لقاءً لافتراقٍ / كلانا منه ذو قلبٍ مروع
فما افترَّتْ شفاهٌ عن ثغورٍ / بل افترَّتْ جفونٌ عن دموع
من كان يبكي الشبابَ من جَزعٍ
من كان يبكي الشبابَ من جَزعٍ / فلستُ أبكي عليه من جزعِ
لأن وجهي بقبح صورته / ما زال لي كالمشيب والصَّلعِ
أشبَّ ما كنتُ قطُّ أهرمَ ما / كنتُ فسبحان خالَقِ البدع
إذا أخذتُ المرآة أسْلفني / وجهي وما مُتُّ هول مطَّلعي
شُغِفْتُ بالخرَّد الحِسان وما / يصلحُ وجهي إلا لذي ورع
كي يعبدَ اللَه في الفلاة ولا / يشهدَ فيه مشاهد الجُمع
توهَّمْت قد سوَّفتَ بالغوث راجياً
توهَّمْت قد سوَّفتَ بالغوث راجياً / لغوثك لا بل طالباً يتضرَّعُ
وقد سبقت كفيكَ كفَّا مُماجدٍ / أتسلو عن المعروفِ أم تتوجَّعُ
نوالُك يا ابن الأكرمين مُناهزاً / به فُرصاً قد أمكَنَتْ فهي شُرَّعُ
ولا يريَنْكَ اليوم تدفع حقَّه / إلى غده وانظر غداً كيف تصنعُ
هنالك لا أرضى بشيءٍ سوى الغنى / إذا الدهرُ أعطاك الذي كان يمنع
ألم تر أن المطل عند ذوي الحجا / رياضةُ وغدٍ شيمةٌ لا تطوَّع
يخادعها عن فَضْلها وهي خبَّةٌ / ويؤْنسها بالمعتفَى وهي تفزع
وأنتَ فتى فتيان أهل زمانه / وبارعهُمُ طَوْلاً فلِمْ لا تَبرَّعُ
تخادعُ حياتِ الرجالَ فتعتلي / وتُسألُ ما فوق السؤال فتُخدَعُ
فبادرْ أكفّاً يبْتدرن إلى العلا / وغاير عيوناً نحوها تتطلِّعُ
ولا تُشْجينَّ السائلين بمطلهم / فتشكي وتُعطي والعطاءُ مضيَّع
ولستَ إذا قطَّعت نفساً بجامعٍ / تفاريقها من بعد ما تتقطَّع
كأنّي إذا استهلَلْتُ بين قوابلي / بدا ليَ ما أُلقي ببابك أجمع
شمِّري نحو العطاءِ المُنتَجَعْ
شمِّري نحو العطاءِ المُنتَجَعْ / واستدلِّي بالثناء المستمَعْ
رجع الملكُ جديداً كالذي / كان في بدْأته حين طلعْ
دولةٌ سبَّبها ذو كنيةٍ / وسم الملك بها وهو جذعْ
كنيةُ السَّفاح أهداها له / مع ميراثِ النبيّ المتَّبَعْ
ولقد كُنِّيَها من بعده / معشرٌ لم يلبسوا تلك الخلع
أو كُسُوها فأساءوا لُبْسَها / بالتَّعرِّي من سرابيل الورع
ولستُ مُقارعاً جيشاً ولكن
ولستُ مُقارعاً جيشاً ولكن / برأيي يستضيء ذوو القِراعِ
وإني للقويُّ على المعالي / وما أنا بالقويِّ على الصِّراعِ
قالوا هجاك أبو حفصٍ فقلتُ لهم
قالوا هجاك أبو حفصٍ فقلتُ لهم / لا شبَّ قرنُ أبي حفص ولا زُرعا
لئن هجاني وفرطُ الجهِل أوقعه / لقد تزوَّج أيضاً بعدمَا صلعا
قد قلتُ إذ قيل قد زُفَّت حليلتُه / صبراً كأني بقرن الشيخ قد طلعا
طلَّقتُها منه إن عفَّتْ له أبداً / ما أبصرت منه ذاك المنظر الشَّنِعا
أقبح بوجهِ أبي حفصٍ وعفَّتِها / هذان شيئان لا واللَهِ لا اجتمعا
لخالد بيت سوء مثل ساكنه
لخالد بيت سوء مثل ساكنه / بلعنة الله محفوف الترابيع
يأوي إليه نُسَيَّاتٌ له مُجُنٌ / سَلينَ بالفسق همَّ العريِ والجوعِ
من كل بيضاء ما في وصلها طمع / لطامع بل رجاء غير مقطوع
لا يتقين بأيديهن مس يدٍ / لكن بأرجلِ سمحاتٍ مطاويع
بكيتَ فلم تترك لعينك مدمعا
بكيتَ فلم تترك لعينك مدمعا / زماناً طوى شرخ الشباب فودَّعا
سقى الله أوطاراً لنا ومآرباً / تقطَّع من أقرانها ما تقطعا
لياليَ تنسيني الليالي حسابها / بُلَهنِيَةٌ أقضي بها الحول أجمعا
سدى غِرَّةٍ لا أعرف اليوم باسمه / وأعمل فيه اللهو مرأىً ومسمعا
إذا ما قضيت اليوم لم أبك عهده / وأخلفت أدنى منه ظلّاً وأفنعا
فأصبحت أقتص العهود التي خلت / بآهة محقوق بأن يتفجَّعا
أحن فأستسقي لها الغيث مرة / وأثني فأستسقي لها العين أدمعا
لأحسنت الأيام بيني وبينها / بديئاً وإن عفت على ذاك مرجعا
أعاذل إن أُعطِ الزمانَ عنانَهُ / فقد كنت أثني منه رأساً وأخدعا
ليالي لو نازعته رجع أمسه / ثنى جيده طوعاً إلي ليرجعا
وقد أغتدي للطير والطير هجَّعٌ / ولو أوجست مغداي ما بتن هجَّعا
بِخِلَّيْنِ تمَّا بي ثلاثةَ إخوةٍ / جسومهم شتى وأرواحهم معا
بني خلَّةٍ لم يفسد المحل بينهم / ولا طمع الواشون في ذاك مطمعا
مطيعين أهواءً توافت على هوى / فلو أُرسلت كالنبل لم تعدُ موقعا
تُجلِّي عيون الناظرين فُجاءةً / لنا منظراً مُروىً من الحسن مُشبعا
إذا ما رَفَعنا مقبلين لمجلسٍ / طلعنا جميعاً لا نغادر مطلعا
كمنطقة الجوزاء لاحت بسحرة / بعقب غمام لائح ثم أقشعا
إذا ما دعا منه خليل خليله / بأفديك لباه مجيباً فأسرعا
وإن هو ناداه سحيراً لدُلْجَةٍ / تنبَّه نبهان الفؤاد سرعرعا
كأن له في كل عضوٍ ومفصلٍ / وجارحة قلباً من الجمر أصمعا
فشمر للإدلاج حتى كأنما / تلُفُّ به الأرواح سمعاً سمعمعا
كأنيَ ما روَّحت صحبي عشيَّةً / نساجل مخضرَّ الجنابين مُترعا
إذا رنَّقت شمسُ الأصيل ونفَّضت / على الأفق الغربيِّ ورساً مذعذعا
وودَّعت الدنيا لتقضي نحبَها / وشَوَّل باقي عمرها فتشعشعا
ولاحظت النوّار وهي مريضة / وقد وضعت خدّاً إلى الأرض أضرعا
كما لاحظت عوادَه عينُ مُدنفٍ / توجَّع من أوصابه ما توجعا
وظلت عيون النور تخضل بالندى / كما اغرورقت عين الشجيِّ لتدمعا
يراعينها صوْراً إليها روانياً / ويلحظن ألحاظاً من الشجو خشَّعا
وبيَّنَ إغضاءُ الفراق عليهما / كأنهما خلّا صفاءٍ تودَّعا
وقد ضربت في خضرة الروض صُفرةٌ / من الشمس فاخضر اخضراراً مشعشعا
وأذكى نسيمَ الروض ريعانُ ظلِّه / وغنى مغني الطير فيه فسجَّعا
وغرَّد رِبعيُّ الذباب خلاله / كما حَثحَث النشوانُ صنجاً مُشرَّعا
فكانت أرانينُ الذباب هناكمُ / على شدوات الطير ضرباً موقَّعا
وفاضت أحاديث الفكاهات بيننا / كأحسن ما فاض الحديث وأمتعا
كأن جفوني لم تبت ذات ليلة / كراها قذاها لا تلائم مضجعا
كأنِّيَ ما نبَّهت صحبي لشأنهم / إذا ما ابن آوى آخر الليل وعوعا
فثاروا إلى آلاتهم فتقلدوا / خرائط حمراً تحمل السمَّ مُنقَعا
منمَّقةً ما استودع القوم مثلها / ودائعَهم إلا لكي لا تُضَيَّعا
محملة زاداً خفيفاً مناطُهُ / من البندق الموزون قل وأقنعا
نكيرٌ لئن كانت ودائع مثلها / حقائبَ أمثالي ويذهبن ضُيَّعا
علام إذاً توهي الحمالة عاتقي / وكان مصوناً أن يُذال مودَّعا
وما جشمتني الطير ما أنا جاشمٌ / بأسبابها إلا ليجشمن مُضلِعا
فلله عينا من رآهم وقد غدوا / مُزيِّين مشهوراً من الزِّيِّ أروعا
إذا نبضوا أوتارهم فتجاوبت / لها ذمراتٌ تصرعُ الطير خَولعا
كأنَّ دويَّ النحل أخرى دويِّها / إذا ما حفيف الريح أوعاه مسمعا
هنالك تغدو الطير ترتاد مصرعاً / وحسبانُها المكذوب يرتاد مرتعا
ولله عينا من رآهم إذا انتهوا / إلى موقف المرمى فأقبلن نُزَّعا
وقد وقفوا للحائنات وشمَّروا / لهنَّ إلى الأنصاف سوقاً وأذرعا
وظلوا كأن الريح تزفي عليهمُ / بها قزعاً ملء السماء مقزَّعا
وقد أغلقوا عقد الثلاثين منهمُ / بمجدولة الأقفاء جدلاً موشَّعا
وجدَّت قسيُّ القوم في الطير جدَّها / فظلت سجوداً للرماة وركَّعا
هنالك تلقى الطير ما طيَّرت به / على كل شعب جامع فتصدَّعا
وتُعقَب بالبين الذي برَّحت به / لكل محب كان منها مروَّعا
فظل صحابي ناعمين ببؤسها / وظلت على حوض المنية شُرَّعا
فلو أبصرت عيناك يوماً مقامنا / رأيت له من حلة الطير أمرعا
طرائح من سودٍ وبيضٍ نواصعٍ / تخال أديم الأرض منهن أبقعا
نؤلف منها بين شتّى وإنما / نشتت من ألّافها ما تجمعا
فكم ظاعن منهن مزمع رحلةٍ / قصرنا نواه دون ما كان أزمعا
وكم قادم منهن مرتادِ منزلٍ / أناخ به منا منيخٌ فجعجعا
كأن لباب التبر عند انتضائها / جرى ماؤه في ليطها فترَيَّعا
تراك إذا ألقيت عنها صبيانَها / سفرت به عن وجه عذراء برقعا
كأن قراها والفروز التي به / وإن لم تجدها العين إلا تتبعا
مَزَرُّ سحيقِ الورس فوق صلاءةٍ / أدبَّ عليها دارجُ الذرِّ أكرعا
لها أوَّلٌ طوع اليدين وآخرٌ / إذا سمته الإغراق فيها تمنَّعا
تدين لمقرونٍ أمرَّت مريرَهُ / عجوزٌ صناعٌ لم تدع فيه مَصنَعا
تأيَّت صميم المتن حتى إذا انتهى / رضاها أمرَّته مرائرَ أربعا
تلَذُّ قرينيه عقودٌ كأنها / رؤوسُ مدارى ما أشدَّ وأوكعا
ولا عيب فيها غير أن نذيرها / يروع قلوبَ الطير حتى تَصعصعا
على أنها مكفولةُ الرزق ثَقفةٌ / وإن راع منها ما يروع وأفزعا
متاحٌ لراميها الرمايا كأنما / دعاها له داعي المنايا فأسمعا
تؤوب بها قد أمتعتك وغادرت / من الطير مفجوعاً به ومفجَّعا
لها عولةٌ أولى بها ما تُصيبُه / وأجدرُ بالإعوال من كان موجَعا
وما ذاك إلا زجرها لبناتها / مخافة أن يذهبن في الجوِّ ضُيَّعا
فيخرُجن حيناً حائناً ما انتحينَه / وإن تخذ التسبيحَ منهنَّ مَفزعا
تقلِّبُ نحو الطير عيناً بصيرة / كعينك بل أذكى ذكاء وأسرعا
مُرَبَّعَةٌ مقسومة بشباكها / كتمثال بيت الوشي حيك مربَّعا
لإبدائها في الجو عند طحيرها / عجاريف لو مرَّت بطودٍ تزعزعا
تقاذفُ عنها كلُّ ملساءَ حدرةٍ / تمرُّ مروراً بالقضاء مشيَّعا
أمونٍ من العظعاظ عند مروقها / وإن عارضتها الريحُ نكباءَ زعزعا
يحاذرها العفريت عند انصلاتها / فيعجله الإشفاق أن يتسمَّعا
تقول إذا راع الرميَّ حفيفُها / رويدك لا تجزع من الموت مجزعا
فإن أخطأته استوهلتهُ لأختها / فَتَلحقه الأخرى مروعاً مُفزَّعا
وإن ثَقفته أنفذته وقدّرت / له ما يوازيه من الأرض مصرعا
فيقضي المُذَكِّي في الصريع قضاءَهُ / وهاتيك يأبى غربُها أن تُوَرَّعا
أتت ما أتت من كيدها ثم صمَّمت / تدُرُّ دريراً يخطفُ الطيرَ ميلعا
كأن بنات الماء في صرح متنه / إذا ما علا رَوقُ الضحى فترفَّعا
زرابيُّ كسرى بثَّها في صِحَانه / ليُحضِرَ وفداً أو ليجمع مجمعا
تريك ربيعاً في خريف وروضةٍ / على لُجَّة بدعا من الأمر مبدعا
تخايل فوق الماء زهواً كما زهت / عوائدُ عيد ما ائتلين تصنُّعا
تلبَّسُ أصنافاً من البزِّ خلقةً / حريراً وديباجاً وريطاً مُقَطَّعا
إذا ما شنطفٌ نَكَهَت أماتت
إذا ما شنطفٌ نَكَهَت أماتت / فمن ندمائها قتلى وصرعى
لها وجه رأيت البطَّ فيه / كشقِّ عجانها والدود يسعى
يلاقي الأنف من فمها عذاباً / وترعى العين فيه شرَّ مرعى
وإن سكوتها عندي لبشرى / وإن غناءها عندي لمنعى
فقرِّطها بعقرب شَهرَزورٍ / إذا غنَّت وطوِّقها بأفعى
ودعها حيث لا تُسقى وتُرعى / حماها الله أن تسقى وترعى
فإن جاءت فلا أهلاً وسهلاً / وإن ذهبت فلا حفظاً ورجعى
ولا رُزِقت شفاءً من غليلٍ / إذا بركت لنائكها وأقعى
أيا شجرات الله ليس بقاطعٍ
أيا شجرات الله ليس بقاطعٍ / لك الدهر شرباً أنت فيه شوارع
تَحيَّر دُفَّاعٌ من الماء خلفه / لسقياك دُفَّاع له متدافعُ
إذا قدَّر الجُهَّال وشكَ انقطاعه / أتى مددٌ من ربه متتابع
فلا يرتجي الأعداء فيكم رجاءهم / فليس لغرس الله في العرش قالع
ولا يطمع الحساد في قطع شربكم / فليس لما أجرت يد الله قاطع
يد الله درع لا تزال تقيكمُ / وترس لكم ترفَضُّ عنه القوارع
وليست على ما يحفظ الله ضيعة / ولكن ما لا يحفظ الله ضائع
تعيشون ما عشتم وللحبل واصل / تقوم به الدنيا وللشمل جامع
وللدين أنصار وللملك شيعةٌ / وللعرف معطاء وللجار مانع
وما تتقذّاكم عيونٌ جليّةٌ / ولا تلفِظُ التقريظَ فيكم مسامع