المجموع : 41
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ
أَرِقْتُ فرَّقَتْ لي البُدورُ الطَوالعُ / وَنَحت فَناحَت لي الطُيور السَواجعُ
وَأَسكرني مَسرى الصَبا عَن أَحبَتي / فَملت فَمالَت بي الغُصون اليَوانع
فَبت وَلَيلي لَيل يَأس وَوحدة / وَقَد شغلت عَني العُيون الهَواجع
أُردّدُ لِلأَعقاب رَأياً وَفكرةً / لَها بَين غارات الأَماني مَصارع
أُناجي ضَميري ذكر خل وَصاحب / وَقَد ذَهبت تَتَرى العُيون الهَوامع
فَشُكراً لِأَفكار الكِرام وَوَحدتي / لَقَد وَاصلاني وَالأَحبا قَواطع
فَللهمِّ عِندي أَيُّ أَيدٍ كَريمةٍ / أَقلّ وَفاها أنَّها لا توادع
وَيَعجب قَوم أنَّني لا أَذمها / وَتِلكَ الَّتي عَني الفَراغ تُمانع
نعم إِنَّها وَفّت وَقَد خانَ غَيرُها / فَأَمسَت لَها دُون السُرور الصَنائع
وَحَمداً لِدَمعٍ ردّ نارَ حشاشتي / وَإِن فَضحت أَهلَ الهُموم المَدامع
أَلا مَرحباً بِالهمِّ وَالوَقتُ وَقتُه / وَأَهلاً بِهِ قَد زارَ وَالغَير خاشع
وَبئساً لِأَوقات المَسرات إِنَّها / سَحابة صَيفٍ أَو بُروقٌ لَوامع
تُسيء إِذا وَلت بِتذكار أُنسها / وَإِن أَقبلت كانَت غُروراً تخادع
يَقولون لي إِن الشَدائد محنةٌ / فَقُلت وَلَكن الرَخاء مَصانع
بَلى إِنَّها تَهدي التَجارب لِلفَتى / فَتُعرَفُ أَخلاقٌ وَتصفو طَبائع
وَإِني أُوفّيها الصَحابةَ حَقَّها / وَآمل في الأَعقاب ما اللَه صانع
وَحَسبيَ ركناً في المَصاعب أَنَّني / لِأَعتاب سُلطان النبوّة راجع
فَهَل أَتّقي الدُنيا وَمَولاي قادرٌ / وَخَير البَرايا سَيد الخَلق شافع
ليقدم صَرفُ الدَهر ما شاء وَلْيُرِعْ / فَلي منهما رُكن شَديد مَدافع
أَثمت إِذاً إن لَم أُجابِهْ خَطوبَه / بِعَزمٍ يَردّ البَأس وَالبَأس خاضع
فَذاكَ حمى اللاجي العَزيز جواره / وَمَن يَرتجي مَغناه عاصٍ وَطائع
فَكَيفَ يَروع الخَطبُ مَن في أَمانِه / وَهَل تَخفض الدُنيا مِن اللَه رافع
أَما وَجلال اللَه لَيسَت تَروعني / خُطوب اللَيالي وَالصُروف الفَواجع
يَثبّتني أنَّ المهيمن مالك / وَأن الَّذي قَد شاءَ لا رَيب واقع
وَيقنعني أَني رَجَوت محمداً / نَبيَّ الهُدى وَالجار لا شَكَ مانع
أَنخت بِمَغناه رحالَ مَقاصدي / فَوطنت نَفسي وَاطمأنت مَضاجع
وَوَجهت آمالي لِمَولى يُنيلها / وَإِني بِما تَرضاه عَلياه قانع
فَلا يا رَسول اللَه إِنيَ مُقبلٌ / عَلَيكَ وَمستجدٍ نداك وَضارع
مَددتُ إِلى عَلياك كَفاً وَطالما / مَنحتَ الَّذي يَرجوك ما هوَ طامع
وَلَست أَراني آيباً أَوبَ خَيبةٍ / وَجاهك مَرجوّ وَفضلك واسع
عَلَيكَ صَلاة اللَه ما قُلت مُنشداً / أَرِقْتُ فَرَقَّتْ لي البُدورُ الطَوالع
عَسى الَّذي فرّقنا يَجمعُ
عَسى الَّذي فرّقنا يَجمعُ / أَو أنَّ دَهراً قَد مَضى يَرجعُ
يا أَيَّها البَدر المُنير اتّئد / وَاشرق فهذا المنزل المطلع
وَإِن تَغب يا شمس أَو تحتجب / إِن الليالي وَالمُنى يوشع
بِاللَه يا ظبيَ الحمى عُد لنا / ففي فؤادي ذلك المرتع
وَلا تُطل بُعداً فَإِني فَتىً / كَما تَراه لِلنَوى يَجزع
وَإِن تَكن تَخشى لَهيبَ الحَشا / فَإِنَّهُ تُخمده الأَدمُع
أَو لا فَمُر طيفَ الكَرى علَّه / يَعتادني لَو أَنني أَهجع
وَالحَق يا مَولاي مذ بنتمُ / ما طاب لي سُهدٌ وَلا مضجع
كَم ذا احتملنا الصَبرَ نُخفي الهَوى / وَقَد علمت الصَبر لا يَنفع
سَعوا بِنا حَتّى اِنقَضى بَيننا / يا لَيتهم لما سعوا ما سعوا
وَما جَرى إلا عَلى مهجتي / ما قَد جَرى وَالحَتم لا يُدفَع
قَد بتَّ مِن بَعدي بما تشتهي / وَبتُّ لا يأسٌ وَلا مطمع
فَليت أَياماً مضت وَانقضت / ما وَدّعت إِذ أَهلُها وَدّعوا
أَو ليتَها عادت وَلو لمحةً / فَأشتكي منها وَهَل تسمع
أَو أن أَرى بَعد النَوى عَودةً / فَإِنَّني مِنها بِهِ أَقنع
فَهوَ الحَكيم المجتبَى وَالعلي / م المرتضى وَالماجد الأَرفع
أَفضاله تفضح شمسَ الضُحى / أَخلاقه كَالروض بل أَينَع
أَقواله لم تخل من حكمة / كَأَنَّها بَين الوَرى تشرع
فَسل نَسيم الزَهر ما لطفُه / وَسل ركام الغَيث ما يهمع
وَكيفَ مثلي أَن يَفي بِالثَنا / وَأَنتَ أَوفَى ذي الوَفا ما رَعوا
وَإِنَّما شَوقي إِلَيك اشتكى / إِذ صار همّ الفكر لا يَمنع
فَلا أَطال اللَه هَذا النَوى / وَلا شَفى الحسادَ ما أَجمعوا
وَدم كَما تَبغي وَيا صاحبي / عَسى الَّذي فرّقنا يَجمع
رويد الليالي كَم تَجور وَتمنعُ
رويد الليالي كَم تَجور وَتمنعُ / وَكَم ذا تَردّى بِالأَماني وَتردعُ
وَحسب زَماني في الأُمور مذمَّةً / تَفرُّقُ شملٍ أَو محبٌّ يروّعُ
فَلو ذاقَ مرّاً قَد سَقاه لَما سَقى / وَلا سرّ مغرور بما لَيسَ يَدفع
وَلو أَن لي بِالغَيب في الدَهر قُدرةً / كشفت قناع الستر عما يُطمِّع
فَباعدت بَين الفرقدين وَلم أَدع / سُهيلاً تنائيه الثريّا فيجزع
وَخالفت قانون الزَمان بحكمة / تَرى كُلَّ نَفس تجتليها فتقنع
وَباينت ما بين الدَواعي بهمة / تُفرِّقُ ضداً أَو أليفاً تُجمِّع
فَلم تَبك عَينٌ قَد جفت أنسَ نومِها / وَلم يَشكٌ مِن صبٍّ زَفيرٌ وَأَدمع
وَلم يَنفصل وَصلٌ وَلم تبق فرقةٌ / وَلم يَهو دريّ وَلم يَخو مطلع
وَلكنّ آمالي ابن آدم عادة / يحوّلها ربٌّ يضر وَيَنفع
فَيا صاحبي دَعني أَعلّل مهجتي / بكذبِ مُنىً علَّ الليالي ستشفع
فتصدق آمالي وَتُزجَى رَكائبي / إِلى مَعهد أَقوى فَيدنو مودّع
وَيبزغ في أُفق المُنى كَوكَبُ الهَنا / وَيَروي الصَفا كَأسَ الوَفا فَيشعشع
وَأَبصر طودَ المَجد يَزهى ركانةً / وَفي أَوجهٍ شمسٌ من البِشر تطلع
فَيا واحداً في العصر وَالمصر مجده / وَمَن شأوُهُ السامي على النجم يرفع
وَيا من إِلى سُحبانَ يُنسَبُ نطقُه / وَيا من له أَهلُ البلاغة خُشَّع
وَيا من يكون الدرّ من بعض نثره / وَيا من له في النظم سحرٌ منوّع
لعل شموس القرب يشرق نورُها / وَإِن فاتنا مما رَجوناه يوشع
عَليك سَلام اللَه ما قلت مُنشئاً / رويد الليالي كم تجور وَتمنع
أَشمس تبدّت في سعود المطالعِ
أَشمس تبدّت في سعود المطالعِ / وَإِلا وجوهٌ أَسفرت في بَراقعِ
وَفي الرَوضة الغَناء صاحَت بَلابلٌ / فَغنّت فهِمنا بَين شادٍ وَساجع
تَميل غُصون البان وَالنَهر قَد صَفا / فَتحسب صبّاً غارقاً في مَدامع
وَللورد وَجناتٌ وَللطلّ أَدمعٌ / يَكفكفها مَنثورها بِالأَصابع
وَريح الصَّبا وَافت فَأَسكرني الشَذا / فَيا طيب بردٍ فَوق حرّ الأَضالع
وَلليل أستار من الندّ مَدَّها / عَلينا رواقاً فَوقَ أَطناب يانع
فَقُم هاتها الصَهباء حَمراء تَلتَظي / عَلَيها حَباب كَالدُموع الهَوامع
فَقد راقَ لي دَهري وَوافت مسرّتي / وَصافى الَّذي أَهوى وَأَزهَر طالعي
فَلا زَمَنٌ إِلا بِصَفو قضيته / أَتَتك اللَيالي فيهِ وَفق المَطامع
وَلا مدحة إِلا لخضرم ماجدٍ / مَجيدٍ لِأَعلام الفَصاحة رافع
هوَ المصطَفى العلويُّ من ساد دَهره / بفضل سَما أَوج المَكارم شائع
همام تَرى الأَحرار دونَ مَنالها / لِمَن رامَها كَدحٌ جَليل المصارع
سلالة أَمجاد كِرام أَماثل / وَأَنكى مضرٍّ بل وَأَعظَم نافع
لَهُ الطَول وَالحول الشَديد ظَهيرُه / ظَهير بَني العليا طهور المَراضع
أَخا المَجد عُذري في مَديحك ظاهرٌ / وَلكن سَجاياك الكَريمة شافعي
قُلتُ وافى الشَتاءُ يا خلّ زرني
قُلتُ وافى الشَتاءُ يا خلّ زرني / فَعَسى يَشتَفي فُؤادي الصَديعْ
حلّت الشَمسُ آخرَ القوسِ فَاللَي / لُ بسهم العَنا جريحٌ جزيعْ
جاءَنا دالفاً فَلما أَصابت / هُ دُموعي وَأَحرقته ضُلوع
خرَّ مُلقىً فَما يَروم حِراكاً / لغواني النجوم مثلَ الصَريع
قال بَل فانتظر لَيالي رَبيعٍ / إِنَّما الوَرد في زَمان الرَبيع
كرّر حديثَك عن قِباً وَطويلعِ
كرّر حديثَك عن قِباً وَطويلعِ / وَاذكر لنا عهدَ البدور الطُلَّعِ
فعساك إِن ذُكرت صبابتُنا بها / أَبكي فترحمني أَو أن تبكي معي
قف ساعةً وَعَساك ذاكرُني لهم / حَيثُ اللقاء وَناظراً ما مصرعي
وَزُرِ الربوعَ تحيّةً عني لَها / وَاستبكِ لي رَسمَ العفيِّ البلقع
هَل يذكرنْ لي وَقفةً أَودعتُها / طيبَ الحَياةِ لِما أَشار مُودّعي
أَو يَحفظنْ لي صَبوةً وغوايةً / وَالشملُ مجتمعٌ بهِ لم يُصدَع
وَالكأسُ في راح الحَبيبِ كَأَنَّها / نهدُ الفَتاة تَطوفُ بَينَ الرُضَّع
نلهو وَنطرب في تَهانٍ أَضحكت / ثغرَ السُرور بِها لِعَينِ المطمع
حدّث وَلا تَقصُر حديثَك إِنَّما / هو عيشتي فامهل عَليَّ أَو اسرع
وَإِذا بلغت نهايةً فارفق وَزو / ودني بعينٍ تبغي بعضَ الأَربُع
أَرقت عَلى ذكر الحَبيب المودّعِ
أَرقت عَلى ذكر الحَبيب المودّعِ / بجفنٍ شكا دَمعاً وَقلبٍ مروَّعِ
وَأَطربَني مَسرى النَسيمِ كَأَنَّما / سُقيتُ من الزرجون من كفِّ مُترَع
وَماذا عَلى صبٍّ إِذا ما بَكى الحِمى / وَعَهداً أَبَى رجعاً لمغنىً وَمَربَع
وَما كانَ ممن قد يذلّ عَزيزُه / وَلكنَّ من يَهوى مع الحُبِّ يُخدَعِ
يَقول عذولي وَهوَ أَدرى بلوعتي / أَما لك سَلوى عن حَبيبٍ مُمنَّع
عَلى أَنَّني ما زلتُ أَلعب بِالهَوى / إِلى أَن غَدا بي لاعباً في تورُّعي
وَكُنتُ أَرى مِنهُ العصابَ ذَليلةً / وَأَحسبُ أَن القَلب إِن رمتُهُ معي
وَلَكن أَبي سلطانُ حبي سِوى الَّذي / أَذلّ بِهِ أَو لا فَيقضي بمصرعي
أَيُّها البَدرُ البَعيدُ المطلعِ
أَيُّها البَدرُ البَعيدُ المطلعِ / هَل تُرى يُدنيكَ مني مطمعي
إِنّ ليلاً غبتَ عَني جنحُهُ / قام عندي في مَقامِ البرقع
لَم تُمِط عن محيَّاك المُنى / لا وَلو أُوتيت معنى يوشع
كلّما هاج الهَوى نحوَ اللقا / مهجتي أَشغلتُها بالأدمع
وَإِذا أَشكو النَوى أَو أَرتجي / عَودَتي يَوماً لتلك الأَربُع
هالني بُعدُ المَدى ما بَيننا / وَأَقاصي مَهمَهٍ أَو بلقع
فَتَراني دونَ هذا يائِساً / وَتَراني آملاً أَو لا أَعي
طَيفُكُم إِنسانُ عَيني مؤنسي / وَمنادي قربكم في مسمعي
وَعَلى هَذا وَذاك إِنَّما / مرجعُ الشكوى لربِّ المجمع
فَعَسى يَوماً بِهِ تَشقى العِدا / وَبِهِ يَشفى فؤادي الموجَع
وَأَقول بعد ما ودّعتُهم / قرّي يا عَينُ بِيَوم المرجع
أَشَجَتكَ أَطيارُ الأَراكةِ تَسجعُ
أَشَجَتكَ أَطيارُ الأَراكةِ تَسجعُ / أَم راقَ أَعينَك السحائبُ تَهمعُ
فشدوتَ حَتّى صرتَ من وُرقِ الحِمى / مترنّماً وَغَدَت جُفونك تَدمع
وَعَلامَ تَرعى الأَنجُمَ العليا فهل / ما بَينها يرجَى لحبِّك مطلع
وَأَراك تَصبو للأراك فَهَل تَرى / لقَوامِ من تهوى نَظيراً يرفع
فَإِلامَ تَبكي دَمعُ عَينيك اِنقَضى / فَارفق بِهِ لَن تُسقَى تِلكَ الأَربُع
إِن الَّذي بِهمُ غدوتَ مُدلَّهاً / خانوا الودادَ فمن ترومُ وَتطمع
وَنسوك حتّى لَو ذُكرتَ لديهمُ / أَنفوا وَقلّ وَفا تراهم شنّعوا
دَع ما مَضى من غرّةٍ وَصبابةٍ / فَاليَومَ عزٌّ عندهم وَتمنُّع
قل إِن ما ولَّى خَيالٌ كاذبٌ / وَالصدق أَولَى إِن هجرك أَزمعوا
أَترى لعهدك أَن يَفي من شَأنه / أَن لا يَفي وَالودّ مِنهُ تَطبُّع
يا هاجرين أَنا بما أَمضيتُهُ / بقديم حبّي فيكمُ أَتشفَّع
إِن اللَيالي قَد أَبادَتني جوىً / وَالطَيفُ يمنعني بِهِ أَتمتع
إِن لَم يَكُن حُبي لديكم شافعي / فبودّكم فيما مَضى أَتضرّع
جار النَوى لما عدلتُم بِالهَوى / عَني فهل عدلٌ أَقولُ فتسمعوا
أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي
أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي / وَقَد عاينت عَيناكَ في الحُبِّ مصرعي
أَما يبعث الأَحزان مَرأى معاهدٍ / مِن الأنس قَد أَمسَت كَبيداء بلقع
رَعى اللَه من راعوا فؤادي وَأَجمعوا / عَلى طُول هجري وَاِرتضوا لي تفجُّعي
أَقاموا غرامي وَاستجادوا تهتُّكي / وَلذَّ لهم ذلّي وَعافوا تولُّعي
وَما ساءَني إِلا عُهودٌ تقدّمت / أَضاعوا وَما لي في الهَوى لَم أُضيِّع
فَيا رُبَّ يَومٍ لي وَيا رُبَ لَيلةٍ / قضيتُ بهم زاه اللقا وَالتجمُّع
أَروح بهم لاهٍ وَأَغدو مُهَلِّلاً / بما نال طَرفي أَو بما سَرّ مسمعي
فَلا غَدوةٌ إِلا إِليهم غدوتُها / وَلا روحةٌ إِلا أَروحُ وَهم معي
تعشّقتُ ظبياً بين رَبربهم طَلاً / فطبَّعتُه حتى نأى عن تطبُّعي
أَلا لا يَلوم اللائمون صبابَتي / وَإِلا فَإِن لاموا فها أَنا لا أَعي
أَلا لا يسرّ الشامتون فربما / يَعودُ التَداني بَعد هَذا التمنّع
يَقولون لا تجزع وَمَن يَحمل النَوى / فَيا قَلب ذُب وَجداً وَيا عَينُ فاهمعي
فَقلت أَخا النصح اتّئد في نصيحتي / أَتُنكرُ وَجدي وَانتحابي وَأَدمعي
أَدر المُدامَ وَشَعشعِ
أَدر المُدامَ وَشَعشعِ / وَاشرب عَلى طَربٍ معي
وَامزج بريقِك صرفَها / وَبها وَخدِّكَ فاشفع
وَامنح محبَّك سؤلَهُ / وَأَجب وَجُد لا تمنع
وَامنع تكاليفَ الحَيا / عَنّا وَدعه وَمتِّع
وَاخلع عذارَك في الهَوى / وَذرِ الوَقارَ وَوَدِّع
وَاغنم بنا مشمولةً / حَتّى تَراني لا أَعي
في جَنَّةٍ قَد أَزلفت / فَصفت لعينِ المطمع
إِن ملت ملن غصونها / من سُجَّدٍ أَو رُكَّع
أَو ضاعَ رشدٌ رَدَّهُ / طيبُ الشَذا بِتَضوُّع
فَانظُر إِلى أَنهارِها / تجري فتحكي أَدمعي
وَالزَهر فيها شاخصٌ / يَرنو بعينِ تَطَلُّع
هات اسقني حَتّى تَرى / مِن راحِ ثَغرِك مصرعي
وَإِذا فنيتُ صَبابةً / فَأَطِل غناءَك وَاسجَع
وَإِذا أَموتُ فَنادني / يا نَفسُ رَجعي أَرجع
ما الذَوق إِلا هَكَذا / فَليدّعي مَن يَدّعي
بِاللَه رفقاً بِالفُؤاد تَمهّلوا
بِاللَه رفقاً بِالفُؤاد تَمهّلوا / وَاستمهلوا الركبَ المجدَّ وودّعوا
وَاللَهِ ما ودّعتُكم لَكنني / وَدّعتُ صَبراً كانَ بي يتصنّع
لا تعذلوني واعذروا جفناً بكَى / فَالغَيمُ ما تغب الغَزالة يَهمَع
رُوحي الفدا يا سادَتي من بعدكم / جفني يجودُ وَمهجتي تتصدّع
ولَقَد أَقول لصاحبي من بعدما / صنعَ الفراقُ بمهجتي ما يَصنع
قف بي عَلى آثارِهم أَشكو النَوى / وَيُجيبني صَوتُ الصَدى إِذ يَخدع
قف نبكِهم إِنّ البكا مستحسنٌ / يَومَ التفرّق إِنما لا ينفع
لم أَنسَ لَو أَنسَ الحَقائقَ يَومَهم
لم أَنسَ لَو أَنسَ الحَقائقَ يَومَهم / وَوقوفَنا في ضحوةِ التَوديعِ
وَالقوم بَين مُدثَّرٍ بزفيرِه / حُزناً وَبَين مُزمَّلٍ بدموع
لِلّه ذاكَ اليَومُ لَو لَم يُبكِنا / خطبُ التَفرّقِ بعدَ حُسنِ جموع
وَداعاً وَداعاً وَدِّعي مصر وَدّعي
وَداعاً وَداعاً وَدِّعي مصر وَدّعي / سَقتكِ الغَوادي من مَغانٍ وَأَربُعِ
ديارٌ بِها وَلّى غُرورُ الهَوى وَقَد / أُروَّعُ عَنها اليَومَ من بَعد أَربع
سُرورٌ وإخوانٌ وَخلٌّ وَصاحبٌ / وَكُلٌّ عَلى ما شئتَه وَفق مطمعي
وَأَمسيتُ بي من حيرةٍ أَيُّ لَوعةٍ / عَلى أَسفٍ يُجري العُيونَ بِأَدمُع
إِذا ذكرت نَفسي حَبيباً أَلفتُه / بَكيتُ عَلى التَفريق بَعد التجمُّع
وَهمتُ وَلا أَشكو لغيرِ تَأمّلي / وَلَيسَ سِواه بعدَهم يا أَخي معي
وَلم أَدرِ ما أَبكي أَعهداً وَقَد مَضى / وَمَغنىً وَقَد أَمسى كَبيداءِ بلقع
وَكَأسَ مدامٍ أَو ندامى عَلى صَفا / وَرَوضاً أَريضاً من أَمانٍ وَمَطمع
أَسيرُ وَأَثني الطَرفَ نَظرةَ باهتٍ / فَلا أَملٌ يُغري وَلا البَأس مقنعي
وَيا رُبَّ يَومٍ لي بمصرَ وَلَيلةٍ / نَهبتُ الصفا بالبابليِّ المُشعشَع
مدامٌ تريك الدَهرَ عَبداً إِذا سعَت / إِلَيك بها ذاتُ البَها وَالتمنُّع
يُذيبُ لكَ الياقوتَ في الكأسِ خدُّها / وَتُنشدُكَ الأَزمانُ خُذ وَتَمتِّع
وَإِن بَدرَت وَالبَدرُ في ليلِ تَمِّهِ / تحيّرتَ وَجداً بينَ أُفقٍ وَبُرقُع
فَيا نَفسُ صَبراً وَاحتساباً لفرقةٍ / يَطولُ مداها بعد طُولِ التجمُّع
وَيا صاحبي رَدّد ليَ الدَمع قائِلاً / وداعاً وداعاً وَدّعي مصرُ وَدّعي
يا حبيباً باعدَت ما بيننا
يا حبيباً باعدَت ما بيننا / هذهِ الدُنيا ببَينٍ فاجعِ
إِن يَطُل بُعدٌ فكم من وصلةٍ / واقترابٍ بعد يَأسٍ قاطع
لست أَخشى الدَهرَ في تفريقنا / حيث عقبانا ليوم جامع
أَراقبُ بدراً بين هذي المطالعِ
أَراقبُ بدراً بين هذي المطالعِ / وَيؤنسي تضلالُ تيك المطامعِ
وَآمُلُ في الدُنيا لقاهم وَقربَهم / وَبيني وبين القَوم جوبُ الشَواسع
أَأَحبابَنا إن يَبعُدِ الدَهرُ بيننا / وَتُمسي النَوادي بعدَنا كَالبلاقع
فما زالَ بي وَجدٌ وَعندي تجلدٌ / أَصادم ريبَ الدَهر وهوَ منازعي
وَما غَيَّر التَفريق مني سجيةً / وَما كان عندي ما حفظتم بضائع
ولي كلما مرّت بفكري صبابةٌ / شُجونٌ أُواريها بسترِ المدامع
فَيا لَيتَ شعري هَل لهذا النَوى انقضا / وَهل من تدانٍ بعدَ ذاكَ التَقاطع
وَيبسمُ لي ثغرٌ من الدَهر أَو أَرى / لَدى مالكي منهُ الحزامة شافعي
خليليَّ لَو يَدري النَوى كَيفَ حالَتي / لأجدى لديهِ ما يَرى من صنائعي
وَلا بت ذا قَلبٍ حزينٍ مُروّعٍ / وَجفنٍ حليفِ السهد شتى المدامع
ولكنما الأَيام فيها عجائبٌ / وَأَبناؤها مِن هَولها في مصارع
تُروّعُ محبوباً وَتُردي أَعزةً / وَتدهى خليّ البال منها بفاجع
وَما دام جمعٌ بين خلٍّ وَصاحبٍ / وَلا اعتزَّ ذو بطش بجار ومانع
فما أَذكر اللقيا التباعد للنهى / وَما أَدنى تفريق لتذكار جامع
عَلى أَنني منهُ بِأَيسر ما يَرى / قَنوعٌ وَقيل العَيشُ يَصفو لقانع
فَهل من كَفيل لي بحسن الَّذي بقي / فَأَسلو الَّذي وَلَّى وَلَيسَ براجع
فَلا بت يا نُور العُيون مفكراً / جفاك وَعَهدي فيك حفظُ الوَدائع
وَردّ شُموسَ القُرب يوشعُ حظِّنا / فَما زالَت الآمالُ تَزهو لطامع
سَلام عَلى أَرض الأَحبة كلَّما
سَلام عَلى أَرض الأَحبة كلَّما / ذكرتُ التَلاقي فاستهلتْ مدامعي
سَلام عَلى بدر مع اللَيل زاهر / وَوَجد عَلى غُصن مع التيه يانع
وَشوق إِلى تلك الدِيار وَأَهلها / جِنان وَحور من ظبى في مراتع
وَحُزن لِمَن وَدّعتُها وَدموعها / تَجود وَقَد باتَت بمهجة جازع
تَقول وَقد حَقّ النَوى وَاِنقَضى اللقا / وَلم تَبقَ إِلا وَقفةٌ للتوادع
فَديتُك يا مَن أَعجل البعدَ صابراً / ستوصلنا الأَيام بَعدَ التَقاطع
وَمثلي مَن لا يَقتضي الحُبُّ صَبره / عَلى ذلةٍ يَمشي بمشية خاضع
دَعيني فإمّا آيبٌ تَتّقي العِدا / وَإِلا فميْتٌ غَير راجٍ وَخاشع
وَإِني وَإِن شطت بِنا غربةُ النَوى / لَفي الواهب الدَيان تَزهو مَطامعي
فَيا لَيتَ شعري هَل تزجّ رَواحلي / إِلى مَوطن الأَحباب وَالدَهر شافعي
وَهَل تذكر الأَيام عهداً تَفي بِهِ / وَأَبصر للعادين يَومَ مصارع
وَيقبل دَهر أَدبرت بي صروفه / فَأَسعى عَلى رَغم العِدا وَالعلا معي
وَإِلا فَإني رزق دوّ وفدفد / أَدافع حتى يسبق الدَهر مانعي
وَلما نَأى بَيني وَبينك مَنزلٌ
وَلما نَأى بَيني وَبينك مَنزلٌ / وَأَقفر مغناه وَبادت جُموعُهُ
وَقالوا لقاءٌ لا يَنالُ وَمَعهدٌ / تَجافاه أَصحاب وَأَقوت ربوعُهُ
وَعز مسير المرسلين وَلم ترد / رواة الهَوى عَما يرجَّى صَريعه
رَوى القَلب عن نار الغَضا ما أَكنّه / وَجفني رَوَت عَهد العَقيق دُموعه
شَوق تَمادى وَوَصل عزَّ فامتنعا
شَوق تَمادى وَوَصل عزَّ فامتنعا / فليكتَفي الدَهرُ منا بِالَّذي صَنعا
وَليأسف القَلب وَلتبك العُيونُ عَلى / أَنسٍ تَخلّى وَصَفوٍ شين إِذ برعا
كَيفَ اصطباري وَلم يُبقِ النَوى جلداً / أَم كَيفَ حزمٌ إِذا داعي الهُموم دَعا
وَما الَّذي اشتكى مما جرى وَلمن / أَشكو إِلَيهِ وَمَن أَرجو وَما نفعا
وَلَيسَ تسطيع ردّ الغابرات يدٌ / ولَيسَ يُدرَكُ دَفع الأَمر إِن وَقعا
سَقياً لقلب بِهِ نحوَ اللقا أَملٌ / رَعياً لطرف عَلى ما فاته همعا
همُ الَّذين أَضاعوا ما حفظتُ لهم / وَروّعوا من دَرى حَقَّ الوَفا فرعى
وَزاد ما كُنتُ أَخشى من تباعدنا / غدرُ الشَباب وَشملٌ قلّ ما اجتمعا
فَيا نديمَيْ عَلى كَأس الهَوى ادّكرا / ذكرَ التَنادم مثلي أَو خذا وَدعا
غدرَ الَّذين رَأَوا نواك وَأَجمعوا
غدرَ الَّذين رَأَوا نواك وَأَجمعوا / ماذا عليهم إذ نأوا لو ودّعوا
تَركوا فؤادك لا يقرّ قراره / وَمضوا وَجفنُك هامعٌ متطلع
يا صاحبي إِن جئتهم في حيهم / خبِّرهمُ عمن جفوه وَروّعوا
ما كُنت أَحسب أَن يَعود ودادهم / هذا البِعاد وَكَم يغرّك مطمع
أَشكو النَوى وَأَحبتي أَصل النَوى / يا رَب كم ظلم وَكَم لا أَمنع
أِين اللَيالي وَهِيَ تجمع شملنا / عادَت تفرّقنا وَقَد لا تجمع
يا خافضين لذكر من يهواكم / أَنتُم مواليه وَأَنتُم أَرفع
آها عَلى نسيانكم وَتذكري / هلا ذكرتم أَو نسيت فننزع
هيهات قد ملك الهَوى مني النُهى / عمن أَصدّ وَمُهجتي لك تتبع
يا أَيُّها الأَعداء بعد محبة / قَد رعتمُ مني الحشاشة فاقنعوا
يا أَيُّها الأَعدا وفي قلبي لكم / أَعلا مَقام لا يَنال وَمَوقع
أَعداءنا إِني لأَحمد مهجتي / إذ خنتم ودّي وَفيها ترتعوا
كُونوا كما شاء النَوى فَأَنا الَّذي / أَبدا عَلى حُكم الصَبابة أَخضع
إِني لأَحفظ ما أَضعتم حقه / ما ضرّ من حفظ الوَفا من ضيعوا
كيفَ الوَفا أَرجوه منكم وَالعدا / أَحبابكم وَلهم مقال يَسمع
فتحكموا إِنّ الهَوى سلطانه / يقوي وَيضعف وَالعَواقب تردع
فَإِذا أَتاكُم مصرعي أَو سلوتي / من بعد ما فعل النَوى لا تجزعوا