بأَيِّ حمى قلب الخَليط مولع
بأَيِّ حمى قلب الخَليط مولع / وفي أيّ دارٍ كاد صبرك ينزع
إِذا أَنكرت منك الديار صبابة / فقد عرَفتها أَدمعٌ منك همَّع
وقفنا بها لكنها أَي وقفَةٍ / وجدنا قُلوباً قد جرت وهي أَدمع
ترجع ورقاء الصدى في عراصها / فَتُنسيك من في الأَيك باتَت ترجع
مضَت وَمَضى قَلب المشوق يؤمُّها / فَلا نأيها يَدنو ولا القَلب يرجع
فأَرسلت دَمعي فيهم حيث أَسرعوا / وودعت قَلبي فيهم حيث ودعوا
كأَنَّ حَنيني وانصباب مدامعي / زلازل إِرعادٍ به الغيث يهمع
جزعت ولكن لا لمن بان ركبهم / وَلَولاك يوم الطف ما كنت أَجزع
قَضَت فيك عطشى من بَني الوحي فتية / سقتها العدى كأس الردى وهو مترع
بيوم أَهاجوا بالهياج عجاجة / تقنع وجه الشمس من حيث تطلع
يَفيض نَجيع الطعن والسمر شرَّع / وَيسود ليل النقع والبيض لمَّع
بَخيلٍ سوى فرسانها ليس تَبتَغي / وقوم سوى الهيجاء لا تتوقع
تجرد فوق الجرد في كل غارَةٍ / حداد سيوف بينها الموت مودع
عليها من الأَقران كل ابن نجدَةٍ / يردُّ مريع الموت وهو مروَّع
أَحب اليها في الوَغى ما يضرها / إِذا كانَ مِمّا للمفاخر ينفع
وَما خسرت تلك النفوس بموقفٍ / يحافظ فيها المجد وهي تضيَّع
تدفِّع من تحت السوابق للقنا / نفوساً بغير الطعن لا تتدفع
وَلما أَبَت إِلّا المَعالي بمعرك / به البيض لا تحمي ولا الدرع تمنع
هوت في ثرى الغبرا ولكن سَما لها / على ذروة العلياء عز مرفع
فبين جَريح وهو للبيض أَكلةٌ / وبين طريح وهو للسمر مرتع
ثَوَت حيث لا يَدري بيوم ثوائها / أصيبت اسود أَم بنو الوحي صرعوا
فمنعفر خد وصدرُ مرضضٌ / وَمختضب نحرٌ وجسم مبضع
كأَني بها في كربلا وهي كعبةٌ / سجود عليها البيض والسمر ركَّع
فَيا لوجوه في ثرى الطف غيَّبت / ومن نورها ما في الأَهلة يسطع
وَلما تعرَّت بالعراء جسومها / كَساها ثياباً مجدها ليس تنزع
وظمآنة كادَت تروي غليلها / بأدمعها لو كان يروي وينقع
فذا جفنها قد سال دمعا وَقلبها / بكف الرَزايا بات وهو موزع
تبيت رَزايا الطف تأسر قلبها / وَتطلقه أَجفانها وهو أَدمع
هوت فوق أَجسادٍ رأَت في هوِّيها / حشاشاتها من قبلها وهي وقَّع
فَيا منجد الاسلام إِذ عَزَّ منجدٌ / وَيا مفزع الداعي إِذا عزَّ مفزع
حسامك من ضرب الرقاب مثلَّم / وَرمحك من طعن الصدور مصدَّع
فَما خضت بحر الحتف إِلّا وقد طَغى / بهام الأَعادي موجه المتدفع
إِذا حسرت سود المَنايا لثامها / فَللشمس وجه بالغبار مقنع
وَلَم أَدرِ يوم الطعن في كل فارس / قناتك أَم طير الردى فيك أَطمع
فجمعت شمل الدين وهو مفرَّق / وَفرَّقت شمل الشرك وهو مجمَّع
إِذا لم تفدهم خطبة سيفك اغتدى / خَطيباً على هاماتهم وهو مصقع
له شملة لو يطلب الافق ضوءها / لأَبصرت شمساً لم تغب حين تطلع
وَلَو كانَ سمع للصوارم لاغتدى / مجيباً إِلى داعي الوغى وهو مسرع
بِنَفسي جسماً قد حمى جانب الهدى / عشية لا تحمى سيوف وأَدرع
وقفت وقد حمَّلت ما لو حملنه / الجبال الرواسي أَصبحت تتصدع
ترِّحب صدراً في امورٍ لو أَنَّها / سرَّت بين رحب ضاق وهو موسع
بحيث الرماح السمهريات تَلتَوي / عليك وبيض المشرفيات تلمع
فَلا عَجَبٌ من هاشم حيث لَم تكن / تذب بيوم الطف عنك وتدفع
إِذا ضيَّعت حق الوصي ولم تقم / بنصرته فاليوم حقك أَضيع
تشيّع ذكر الطف وقفتك الَّتي / بقيت لديها عافراً لا تشيّع
لَقَد طحنت أَضلاعك الخيل والقنا / بجنبيك يوم الطف منهن أَضلع
فنحرك منحور وصدرك موطأ / وَرأَسك مشهور وجسمك مودع
إِذا لم تضيِّع عهد دَمعي جفوننا / عليك فعهد الصبر منّا مضيّع
وَإِن جفَّ صوب الدمع باتَت قلوبنا / لهن عيون في مصابك تدمع
وإِن أَدركت بالطف وترك هاشم / فَلا المجد منحط ولا الأَنف اجدع
تروي القنا الخطار وهي عواطش / وَتشبع ذؤبان الفلا وهي جوَّع
تدافع عن خدر الَّتي قد تقنعت / بسوط العدى إِذ لا خمار يقنع
أَموقع يوم الطف أَبقيت حرقة / لها كل آن بين جنبي موضع
سأبكيك دَهري ما حييت وإِن أَمت / فَلي مقلة عبرى وقلب مفجع
بِنَفسي أَوصال المكارم واصلت / سيوف العدى ثم اِنثَنَت تتقطع
مصارعها في كربلا غير أَنَّها / لها كلَّ آنٍ نصب عيني مصرع