المجموع : 15
قَلبٌ يَذوبُ ومهجةٌ تَتَقطَّع
قَلبٌ يَذوبُ ومهجةٌ تَتَقطَّع / وجوًى يهيجُ به الفؤاد المولَعُ
لي بعد مَن سكن الغضا نار الغضا / تطوى على الزفرات منها الأضلع
ما زِلتُ تُصْبيني الصّبا بهبوبها / سَحراً وتبكيني البروق اللُّمَّعُ
وتهيجني الورقاء ما إنْ أصْبَحَتْ / تشدو على فنن الأراك وتسجع
تُملي عليَّ حديث فرط شجونها / في الشجوِ وفي صُحفِ الغرام فأطمعُ
وقضى ادِّكار الظاعنين بأنَّه / لا يستقرُّ لمستهامٍ مضجعُ
أرأيتَ أنَّ المزمعين على النوى / عزَموا على أخذ القلوب وأزمعوا
لو كنتَ يومَ البين حاضرَ لوعتي / لرأيت كيف تصوب تلك الأدمعُ
أشكو إليك وأنت أبصر بالهوى / ما أودعوا يا سعد ساعة ودّعوا
هم أهرقوا دمعي المصونَ وأوقدوا / في القلب غُلَّةَ وامقٍ لا تنقعُ
ولقد رعيتُ لهم هناك وما رَعوا / وحَفِظْتُ وُدَّهم القديم وضيَّعوا
وأخذت أذكرهم وبينَ جوانحي / كبدٌ تكادُ لما بها تتصدَّعُ
حُيِّيت يا دار الأحبَّة في اللوى / بحياً يصوبك في العشيِّ ويقلعُ
حتَّى يراقَ على ثراك فترتوي / بعد الظما تلك الطلول الخشع
كانت منازلنا تروقُ بأوجهٍ / غَرَبَتْ فأينَ تقول منها المطلعُ
يا عهدنا الماضي وليسَ براجعٍ / أفترجعنَّ بما مضيت فترجعُ
واهاً لعيشك يا نديم بمثلها / والكأسُ من حدق الأوانس تترعُ
حيث الصبا غضٌّ وأعلاق الهوى / ممَّا تُغَرُّ بها الملاح وتخدعُ
نجد الهوى رطْبَ المَجَسِّ فواصلٌ / لا ينثني وملايمٌ ومُمَنَّعُ
ونروض باللّذّات كلَّ أبيَّةٍ / منها لنا فيها القياد الأطوعُ
نكصَتْ على أعقابها أسرابها / وخلا من الظبيات ذاك المربعُ
ويحَ المتيّم من فراقِ أحبَّةٍ / عفَتِ المنازلُ بعدهم والأربعُ
يتجرَّع المرَّ الزعاف وإنَّما / كأس الصدود أقلُّ ما تتجرع
ولربما احتمل السلوَّ لوَ انَّه / يصغي إلى قول العذول ويسمع
لي في المنازل حيثُ رامة وقفةٌ / فيها لمن عانى الصبابة مصرعُ
إنَّ الأحبَّةَ في زرود ولعلعٍ / سُقي الغمامَ بهم زرودُ ولَعْلَعُ
هتفَ النوى بهم ضحًى فتبادروا / فيه إلى تلف المشوق وأسرعوا
يا هَلْ تراهم يألفون وهل ترى / يَهَبُ الزمان لأهله ما ينزع
يشتاقهم أبداً على شحط النوى / قلبٌ به حُرَقٌ وعينٌ تدمعُ
أنفكُّ أستشفي بطيب حديثهم / أو يشتفي هذا الفؤاد المُوجعُ
لا تسألنِّي كيف أنتَ فإنَّني / جَلدٌ على الأيام لا أتضعضعُ
صفعتْ قذال المطمعات أبوَّتي / وقفا الدنيَّةِ بالأُبوَّة يُصفعُ
أنا من جميل أبي جميل لم أزلْ / أُدعى إلى المجد الأثيل فأتبع
عنه المكارم في الوجود تنوعت / أجناسها والجنس قد يتنوّع
أفْنَتْ عطاياه الحطامَ وإنَّه / لله أو لسبيله ما يَجْمَعُ
لولاه ما عرف الجميل ولا زها / في غيره للفضل روضٌ ممرعُ
متهلّلٌ بجمال أبهج طلعةٍ / ممَّن تشير إلى علاهُ الإصبعُ
ترجى المنافع من لَدُنه وإنَّما / نالَ المعالي من يضرّ وينفعُ
أينَ الضياغمُ من علاه إذا سطا / هو لا مراء من الضياغم أشجعُ
في موقف ترد النفوس من الردى / والهامُ تسجدُ والصوارمُ تركعُ
والحرّ يطرب حيث صادية الظبا / تروى وساغبة القشاعم تشبع
ذو رأفة في العالمين وشدَّةٍ / تومي لعاتية الأُمور فتخضعُ
قطعت أراجيف الرجاء لأهلها / وكذلك العضب المهنَّد يقطعُ
لله درّك لو وزنت بك الورى / لرجحت حينئذٍ وقدرك أرفعُ
يا من رأيت به المديح فريضة / ومن المدايح واجب وتطوّع
فإذا رضيت فما الشهاد المجتنى / وإذا غضبت فما السمام المنقع
شكراً لسالفة الصنايع منك لي / حيث المكارم والمكان الأَرفعُ
بلَّغتني نعماً خطبت بشكرها / فأنا البليغ إذا خطبت المصقعُ
ونشرتُ بعد الطيّ فيك قصائدي / طيب الثناء عليك فيها يسطعُ
لولا مدايحك الكريمة لم تكن / تصغي له أذنٌ ويطرب مسمعُ
أكبتّ حسَّادي بنعمتك التي / أمستْ تذلّ لها الخطوب وتخضع
أتنالني أيدي الزمان بحادثٍ / يوماً وجانبك الأغرّ الأمنع
قسماً بمن رفع السماء فأصبحت / زهر النجوم بنظم مدحك تطمع
إنَّ الأُبوَّة والرياسة والعُلى / من غير وجهك شمسها لا تطلعُ
في كلِّ يومٍ من علاك صنيعة / أنت المجيد لها وأنت المبدعُ
والناس إلاَّ أنت في كبّارها / صمٌّ عن الفعل الجميل إذا دُعوا
تالله إنَّك واحدٌ في أهلها / ولأنت أنت المشتكى والمفْزَعُ
ما ضلَّ عن نيل الغِنى ذو حاجة / وإلى مكارمك الطريق المهيعُ
ترجو نَداك وتتَّقي منك العِدى / فالبأس بأسُكَ والسَّماحة أجمعُ
تعطي وتمنع نائلاً وأبوَّة / لا كانَ من يعطي سواك ويمنعُ
الله يعلم والعوالم كلُّها / إنِّي لغيرِ نَداك لا أتوقعُ
لا زالَ لي من بحرِ جودك مورد / عذب ووبل سحابة لا تقلعُ
فلئن طمعتُ فلي بجودك مطمعٌ / ولئن قنعتُ فلي بجودك مقنعُ
بوادي الغضا للمالكية أرْبُعُ
بوادي الغضا للمالكية أرْبُعُ / سقتها الحيا منَّا جفونٌ وأدْمُعُ
ومرتبع قد كانَ للريم ملعباً / على أنَّه للضيغم الوَردِ مصرع
يقطّع فيها مهجة الصب شوقاً / وما الشَّوق إلاَّ مهجة تتقطَّع
حَبَسْتُ بها صَحْباً كأَنَّ قلوبهم / من الشَّوق في تلك المنازل تُخْلَعُ
على مثل معوج الحنيَّة ضُمَّر / نبوع بها البيد القفار ونذرع
تحنُّ إلى أعلام سلعٍ ولعلع / لقد فتكت بالحبّ سلع ولعلع
كأنْ فُصِدَتْ من أخدعيها وما جرى / لها بدمٍ قان هنالك أخدع
وما هي إلاَّ عبرة دمويَّة / يجودُ بها في ذلك الربع مدمع
فحيَّت رسوم الدَّار وهي دوارس / جفون بما تسقى بها الدَّار تترع
كأَنَّ مطيَّ الركب في الشعب أصبحتْ / لها عند ذاك الشعب قلب مضيَّع
نريك بها من شدَّة الوجد ما بنا / فكلٌّ له منَّا فؤاد مُروَّع
ولما نزلنا ليلة الخيف بالنقا / وفاضت على أطلال رامة أدمع
بحيث الهوى يستنزف العين ماءها / ويستهتر الصبر الذي لا يرقّع
ذكرنا بها أيَّان لهو كأَنَّها / عقيلة مال المرء بل هي أنفع
وبتنا وأسياف من الشهب في الدجى / تُسَلُّ وزنجيّ الظلام يجدع
تحرّك ذات الطوق وجدي وطالما / تبيت على فينانة البان تسجع
تردد والأَشجان ملءُ حديثها / قديم الهوى من أهله وترجع
وما ساءها بالبين ركبٌ مقوَّضٌ / ولا راعها يوماً خليطٌ مودع
فهل أنت مثلي قد أضرَّ بك الهوى / وهل لك قلب لا أبالك موجع
لئن نشرت طيّ الغرام الذي لها / فقد طُوِيَتْ منِّي على الوجدِ أضلع
بنفسي من الجانبين بالطرف جانباً / له شافع من حسنه ومشفع
يجرِّعني ما لم أذقه من النوى / إلاَّ من حميّا الوجد ما أتجرَّع
بذلت له من أدمع كنت صنتها / ذخائرها وهو الحبيب الممتع
ويا ربَّما أدميت طرفي بوامضٍ / من البرق في الظلماء يخفى ويلمعُ
وقلتُ لسعد حين أنكر لوعتي / عداك الهوى إنِّي بظمياء مولعُ
تولَّت لنا أيام جمع وأقلعت / فلم يبقَ في اللَّذَّات يا سعد مطمع
وأصبح بالحيِّ العراقي ناعباً / غرابٌ بصرف البين للبين أبقع
وغابت بدور الظاعنين عشيَّةً / بأنضاء أسفارٍ تخبّ وتوضع
أراني مقيماً بالعراق على ظما / ولا منهل للظامئين ومرتع
وكيف بورد الماء والماء آجن / يُبَلُّ به هذا الغليل وينقع
لعلَّ وما تجدي لعلَّ ورُبَّما / غمائم غمّ أطبقت تتقشع
يعود زمان مرَّ حلوُ مذاقه / وشمل أحبَّائي كما كانَ يجمع
فقد كنتُ لا أعطي الحوادث مقودي / وإنِّي لريب الدهر لا أتوجَّع
كأنِّي صفاةٌ زادها الدهر قسوةً / من الصم لا تبلى ولا تتصدَّعُ
فسالمتُ حرب النائبات فلم تزلْ / تقودُ زمامي حيث شاءت فأتبع
وكنت إذا طاشت سهام قسيّها / وقتني الردى من صنع داوود أدرع
فمن جوده إنِّي رُبِيتُ بجوده / وزير له الإِحسان والجود أجمعُ
وَرَدَّ شموس الفضل بعد غروبها / كما ردَّها من قبل ذلك يوشع
وقام له في كلِّ منبر مدحة / خطيب من الأَقلام بالفضل مصقع
ومستودع علم النبيِّين صدره / ولله سرٌّ في معاليه مودعُ
كأَنَّ ضياء الشمس فوقَ جبينه / على وجهه النور الإِلهي يسطعُ
وزير ومر الحادثات يزيده / ثباتاً وحلماً فهو إذا ذاك أروع
إذا ضعضعَ الخطب الجبال فاًنَّه / هو الجبل الطود الذي لا يضعضعُ
عرانينه قد تشمخر إلى العُلى / أشمُّ إلى الأَعلام في المجد أفرعُ
أمدَّ على قطر العراقين ظلّه / إذا عصفت في الملك نكباء زعزعُ
ويُقْدِمُ حيث الأسد تحجم رهبةً / ويسطو وأطراف المنيَّة شرع
يمدُّ يداً طولى إلى ما يرومه / فتقصر أبواعٌ طوالٌ وأذرعُ
إذا ذَكَرَ الجبَّارُ شدَّةَ بأسِه / يلين لمن يلقاه منه ويخضعُ
لقد سارَ من لا زال ينهل قطره / سحاب عن الزوراء بالجود مقلع
فما سالَ يوماً بعد جدواه أبطحٌ / بسيب ولن تسقى من الغيث أجرعُ
ولا مرَّ فيها غير طيب ثنائه / أريج شذًى من طيِّب المسك أضوعُ
ولا عمرت في غير أنواع مدحه / بيوت على أيدي الفضائل ترفعُ
أبا حسن هل أوبةٌ بعد غيبةٍ / فللبدر في الدُّنيا مغيب ومطلعُ
لئن خَلِيَتْ منك البلاد التي خلت / فلم يخل من ذكرى جميلك موضعُ
ففي كلِّ أرض من أياديك ديمة / وروض إذا ما أجدى الناس ممرعُ
يفيض الندى من راحتيك وإنَّها / حياضٌ بنو الآمال منهنَّ تكرعُ
وإنِّي على خصب الزمان وجدبه / إليك وإن شطَّ المزار لأهرعُ
ولو أنَّني وُفِّقتُ للخير أصبحت / نياقي بأرض الروم تخدي وتسرع
إلى مالكٍ ما عن مكارمه غنًى / وغير ندى كفَّيه لا أتوقَّعُ
فألثم أقدام الوزير التي لها / إلى غاية الغايات ممشًى ومهيع
وأُثني عليه بالَّذي هو أهله / وأُنْشِدُهُ ما قلتُ فيه ويسمعُ
إلى إحسان مولانا الرفاعي
إلى إحسان مولانا الرفاعي / بكشكول الرَّجاء مددت باعي
هو القطب الذي لا قطب يدعى / سواه في الأنام بلا نزاع
عريض الجاه ذو قدر كريمٍ / طويل الباع بل رحب الذراع
تَولَّدَ من رسول الله شبلٌ / به دانت له كلُّ السباع
وقبّل كفَّ والده جهاراً / غدت بالنور بادية الشعاع
وشاهدنا الثقات وكل فرد / رآها بانفراد واجتماع
فتلك فريّة لم يخط فيها / سواه من مطيع أو مطاع
عشقت طريق حضرته عياناً / وأما الغير يعشق بالسماع
بذكر جلاله وعلاه نمشي / رويداً فوق أنياب الأفاعي
فماء زلاله يروي غليلي / وروضي إن تنكرت المراعي
ولم أعبأ بجعجعة وطحن / فذاك الصخر خرّ من اليفاع
مجيري إن تعاقبت الرزايا / وغوثي إن تكاثرت الدواعي
إذا ما الدهر جلَّلَنا بخطب / وأورث صدعه سوء الصداع
بهمته العليّة إن توالت / نكيل خطوبه صاعاً بصاع
أبا العلمين سيِّدنا المفدى / على وجل أتيتُ إليك ساعي
أتيتك زائراً أبغي قبولاً / ففيك توصلي ولك انقطاعي
أتيت إليك أشكو من ذنوب / تولدها بنا قبح الطباع
فما كذبت بما أرجو ظنوني / ولا خابت بنا تلك المساعي
لقد عصرتنيَ الأيام حتَّى / جرى من مقلتي لبن الرضاع
لك الهمم التي شهد المعادي / بها إذ لا سبيل إلى الدفاع
إذا خفقت رياح العزم منها / أمِنَّا في حماه من الضياع
وليس سواه في حزم وعزم / يبين لنا المضيع من المضاع
فهذا ملجأ من حلَّ فيه / يَعُدْ من غير خوف وارتياع
أُمَرِّغُ حُرَّ وجهي في ترابٍ / به التمريغ للجنَّات داعي
وقفنا والجفون لها مسيل / بهاتيك الأماكن والبقاع
فكم من مقلة للشوق أذرت / وأجرت دمعها دون امتناع
فيا بن الأكرمين جعلت مدحي / بكم خير ارتداء وادّراع
إذا ما رمت أنّ أحصي ثناكم / طلبت بذاك غير المستطاع
ألا إنَّ الذنوب لقد توالت / وجاءت وهي حاسرة القناع
فقد أصبتنيَ الدنيا إليها / وغرَّتني بأنواع الخداع
فخذ بيدي بأرض الحشر يوماً / يساوي بالجبان وبالشجاع
وأدركني ومن نفسي أجرني / وأنعم في قبولك باصطناعي
فقد ناجيتها لما أتينا / رويدك وابشري أن لا تراعي
وإنِّي عُدتّ في نفسي وجسمي / مليئاً بالهدى والانتقاع
بلى روحي لديك لقد أقامت / تشاهدُ نقطة السر المذاع
أُوَدِّعُ حضرة ملئت جلالاً / وليس لنا سواها اليوم راعي
كريم بالسلام لدى حضوري / ولكني بخيل بالوداع
أتنْكِرُ منكَ ما تطوي الضُّلوعُ
أتنْكِرُ منكَ ما تطوي الضُّلوعُ / وقد شَهِدَتْ عليكَ بهِ الدُّموعُ
ولولا أنَّ قَلْبكَ مستهامٌ / لما أودى بك البرق اللموع
ولا هاجَتْ شجونك هاتفات / تُكَتَّم ما تكابد أو تذيع
تُشَوِّقُكَ الرّبوع وكلُّ صَبِّ / تُشوِّقُه المنازلُ والرُّبوع
ليالٍ بالتواصل ماضيات / بحيث الشمل مُلْتَئِمٌ جميعُ
وأقمارٌ غَرُبْنَ فَلَيْتَ شعري / ألا بعد الغروب لها طلوع
أمرْتُ القلبَ أنْ يسلو هواها / على مضضٍ ولكن لا يطيع
وما أشكو الهوى لو أنَّ قلبي / تَحَمَّلَ بالهوى ما يستطيع
في الأَربِعاء لخمسٍ كُنَّ من صَفَرٍ
في الأَربِعاء لخمسٍ كُنَّ من صَفَرٍ / بَدْرُ المَسَرَّةِ شاهَدْنا مطالِعَهُ
أَرَّخْتُ طالِعَ داودٍ بمولِدِه / وكانتِ الشَّمسُ بالجوزاء طالِعَهُ
أتَذْكُرُ دون الجزع بالخَيْف أربُعا
أتَذْكُرُ دون الجزع بالخَيْف أربُعا / ولعْت بها والصّبّ لا زال مولعا
تُعاورها صرف الزَّمان فأصبَحتْ / معالمها بعد الأَوانس بلقعا
تخالُ قولب العاشقين بأَرضها / طيوراً على نهلٍ من الماءِ وقَّعا
معالم تستقي السَّحاب رسومها / فتسقى حيا وَبْلَين قطراً وأدمعا
منازلنا من دار سلع ولعلع / سقى الله صوب المُزن سلعاً ولعلعا
لئنْ كنت قد أصبحْت مبكًى ومجزعاً / فقد كنت باللّذّات مرأى ومسمعا
تذكَّرت أيَّامي بمنعرج اللّوى / وقولي هات الكأس يا سعد مترعا
تدور الغواني بيننا بمدامةٍ / تخيَّلتها في الكأس نوراً مشعشعا
لقد أقلعت أيَّامنا بعد رامة / كما أجفل الغيث المُلِثُّ وأقلعا
وما أخْلَفَتْ إلاَّ فؤاداً ولوعةً / هما أسقما هذا الفؤاد وأوجعا
وذا عبرةٍ موصولةٍ وحشاشةٍ / تكادُ من الأَشواق أن تتقطَّعا
رعى الله من لم يرعَ عهداً لمغرمٍ / رعيت له الودّ القديم كما رعى
تناءى فشيعت اصطباراً ومهجة / ولولا النَّوى تنأى به ما تشيَّعا
ولم ترَ من صبٍّ فؤاداً مودَّعاً / إلى أن ترى يوماً حبيباً مودَّعا
خليليَّ إنْ لم تُسعداني فهاتيا / ملامَكُما لي في الصَّبابة أو دعا
بعثتُم إلى جسمي الضَّنى يوم بنتم / وزدتُم إلى قلبي حنيناً مرجَّعا
وفَتَّشْتُ قلبي في هواكم فلم أجدْ / لغير هواكم في الحشاشة موضعا
وكنتُ أُداري بعدكم جائر الأَسى / ولكنَّني لم أُبقِ في القوس منزعا
متى تنظر العينان من بعد فقدها / بذات الغضا ذاك الغزال المقنَّعا
فيا ليتَ شعري في الأُبيرِقِ بارقٌ / فأغدو به والعيش صفواً ممتّعا
ويا ليت من أهواه في الحبِّ حافظٌ / من العهدِ ما قد بالأَمسِ ضيَّعا
إلى كم أُعاني دمع جفنٍ مقرحٍ / وقلباً بأعباء الهموم مروَّعا
وأصبرُ في اللأواء حتَّى كأَنَّني / وَجَدْتُ اصطِباري في الحوادث أنفعا
رُميت بأرزاء من الدَّهر تسوؤني / مخافة يا لمياءُ أن يتوجَّعا
ومن مضض الأَيَّام مدحي عصابة / بذلت يداً فيهم وما نلتُ إصبعا
كأَنّي إذا أدعوهمُ لملمَّةٍ / أُخاطب موتى راقدين وهجَّعا
وهل تسمع الصّمُّ الدُّعاء وتُرتجى / موارد لا تفنى من الآل لُمَّعا
وحسبي شهاب الدِّين وهو أبو الثَّنا / ملاذاً إذا ناب الزَّمان ومرجعا
متى ما دعا الدَّاعي معاليه للنَّدى / أجاب إلى الحسنى بداراً وأسرعا
وأبلجَ وضَّاح الدبين تخاله / تَبَلُّجَ صُبحٍ أو بصبحٍ تبرقعا
ولمَّا بدا نور النَّبيِّ بوجهه / رأيتُ به سرّ النُّبوَّة مودعا
له الكلمات الجامعات تخالها / نجوماً بآفاق البلاغة طُلَّعا
وإنْ كَتَبَتْ أقلامه فحمائم / ثبُتَ إلى السَّمع الكلام المسجَّعا
وكتبٌ لدين الله أضحتْ مطالعاً / كما كانت الأَفلاك للشَّمس مطلعا
وإذا ضَلَّتِ الأَفهام عن فهم مشكلٍ / هدى وعليه في الحقيقة أطلعا
وإنْ قال قولاً فهو لا شكَّ فاعل / قؤول من الأَمجاد إنْ قال أبدعا
كلام ترى الأَقلام في الطَّرس سجَّداً / له وترى أهل الفصاحة رُكَّعا
يحيّر ألباب الرِّجال كأَنَّما / أتانا بإعجازٍ من القول مصقعا
سعى طالباً بالعلم أبعد مطلبٍ / وفي الله مسعاه ولله ما سعى
دعا فأتى ولو أنَّ غيره / دعاهُ اليم مرَّةً لتمنَّعا
وأدرعَ لم ينفذ فيه سهم قادحٍ / كأَنَّ عليه سابغاتٍ وأدْرُعا
إذا باحث الخصم الألدَّ أَعادَه / بعرنين مخذول من الذُّلِّ أجدعا
وذي همم تفري الخطوب كأَنَّما / يُجرِّدها بيضاً على الخطب قطَّعا
حريص على أن يقتنيها محامداً / أحاديثُها تبقى حساناً لمن وعى
سبقتْ جميع الطَّالبين إلى الَّتي / غدتْ دونها الآمال حَسرى وظلّعا
لقد ملأُ الأَقطار فضلُك كلَّها / ونادى إليه المادحين فأَسمعا
ومهما ادَّعى ذو النقد أنَّك واحدٌ / فما أنتَ إلاَّ في الأَنام كما ادَّعى
وإنْ مُدَّت الأَبواع في طلب العُلى / مَدَدْتَ إلى العلياء بوعاً وأَذرُعا
فإنَّك في هذا الطَّريق الَّذي به / سَلكت طريقاً أعجز النَّاس مسبعا
أرى مدحك العالي عليَّ فريضةً / وغيرك لم أمدحه إلاَّ تطوّعا
عليَّ لك الفضل الَّذي هو شاملي / وإنَّك قد حُزْتَ الفضائل أَجمعا
وما ظَفرتْ كفُّ اللَّيالي من الورى / بأرغب منِّي في نداك وأطمعا
وإنِّي إذا ضاقَ الخناق لحادثٍ / تَرَفَّعْتَ إلاَّ عن نداك ترفُّعا
ولم أرَ أندى منك في النَّاس راحةً / وأمرى نوالاً من يديك وأمرعا
حائزَ الفضلِ والكمال جميعه
حائزَ الفضلِ والكمال جميعه / أَنْتَ رأسُ العُلى وصدرُ الشَّريعه
أنا أهوى غرائِب القول طبعاً / فأَعرْني يوماً كتاب الطبيعه
إذا كانَ خصمي حاكمي كيفَ أصْنَعُ
إذا كانَ خصمي حاكمي كيفَ أصْنَعُ / لمن أشتكي حالي لمن أتَوَجَّعُ
غرامي غريمي وهو لا شك قاتلي / وكم ذَلَّ من يهوى غراماً ويخضع
أباحَ دمي بين الورى من أحِبُّه / فَقُلْتُ وقلبي بالهوى يتقطع
دموعي شهودٌ أنَّ قلبي يحبّه / وحقّ الهوى عن حبّه لست أرجع
وراموا سُلُوّي في هواه عواذلي / وحقّ هواه لست أصغي وأسمع
أنا المغرم المُضنى المقيم على الهوى / وفي حُبِّه نمُّوا الوشاة وشنَّعوا
وقالوا الفتى في الحبِّ لا شك هالك / فَقُلتُ دعوه كيفما شاءَ يصنع
ولو عَلموا ما بي من الوجد والأسى / لرقُّوا لحالي في الهوى وتوجَّعوا
سقاني سُحَيراً من حميَّا شرابه / فَطِبْتُ وكأسي بالمدامة مترع
ومن نَشْوَتي باحت من الوجد عبرتي / بما في فؤادي والحشا متولع
وأصْبَحْتُ كالمجنون في حيّ عامرٍ / بلَيْلى ومن وجدي أهيم وأولع
فلو زارني بالنَّوْم طيف خياله / لكنتُ بطيفٍ منه أرضى وأقنع
وَقَفْنا برَبْع المالكيَّة وَقْفَةً
وَقَفْنا برَبْع المالكيَّة وَقْفَةً / تَهيجُ بنا في الرَّبعِ ما حَلَّ بالرَّبْعِ
تُثير أسى قلب وأدمعَ ناظرٍ / فمن لاعجٍ وترٍ ومن مدمعٍ شفع
ولك يكف هذا الوجد حتَّى استفزَّني / ونحنُ بسلع لهف نفسي على سلع
غرامٌ بجمع يا هذيم وصبوة / ومجتمع الأَهوال ى زال في جمع
وشوقٍ أَضرَّ القلب لا صبر عنده / ويَعْلَم أنَّ الصَّبرَ أجلبُ للنفع
يذكِّرني أيَّام ظمياءَ نَوَّلَتْ / قليلاً وبعد النيل مالت إلى المنع
ولم أَنْسَ إذ زارت بليلٍ تَبَوَّأَتْ / وشاةُ الهوى منه مقاعد للسمع
وحاكى دجاه فرعها فتطلَّعَتْ / بمثلِ محيَّا البدر في داجن الفرع
تعيدُ على سمعي أحاديث عتبها / كساجعة ورقاء تطرب بالسّجع
تدقُّ معانيها كدقَّةِ خصرها / برقَّةِ ألفاظٍ تَضَمَّنها دمعي
وإنَّ رضاباً قد سَقَتْنيه مرَّةً / على غفلة الواشين في أيمن الجزع
فإنَّ بقايا طَعْمِه بَعدُ في فمي / ولذَّة هاتيك الأَحاديث في سمعي
وما ذاك إلاَّ قبل أَن نشهد النوى / ومن قبل أنْ نُرمى من البين بالصّدع
لستُ أنسى الرَّكب بنا
لستُ أنسى الرَّكب بنا / بَعد وادي المُنحنى في لَعْلَعِ
وعلى أَرسُم ربعٍ دارسٍ / نفَّسَ الوجدُ وعاءَ الأَدمع
أَربُعٌ للَّهو كانت ملعباً / ثمَّ كانت بعد حينٍ مصرعي
كانَ للعين بقايا أَدْمُعٍ / فأَراقَتْها بتلك الأَربُع
أترى عيشاً لنا في رامةٍ / راجعاً يوماً وهل من مرجع
كانَ من ريق الحميَّا موردي / وبأَزهار الغواني مرتعي
وبأحباب مضى عهدي بهم / وبهم وَجْدي وفيهم ولعي
ولقد أَصْبَحْتُ من بعدهمُ / قانعاً منهم بما لم أَقنع
كلَّما أَذكرهم لي أَنَّةٌ / عن فؤادٍ مستهامٍ موجع
يستريب الواشي منه عبرة / أَظْهَرَتْ ما أَضْمَرَتْهُ أضلعي
وادَّعى أنِّي شجٍ مستغرمٍ / صَدَق الواشون فيما تدَّعي
هاجَتِ الوَرقاءُ وجداً كامناً / في فؤادي وأثارت جزعي
ليت في عينيك ما في أعيني / ورأت عيناك فيض الأَدمع
إنْ بكيتُ الإِلْف أثناه النوى / فابكي يا أيّتها الوُرق معي
ألا يا فؤاداً قد أضَرَّ به النوى
ألا يا فؤاداً قد أضَرَّ به النوى / وأشجاه بَرقٌ للحَبيب لَموعُ
إذا ما دعاك الصَّبرُ يوماً عَصَيْتَه / وأَنْتَ لما يقضي الغرام مطيع
كتَمتَ الهوى دهراً فباحث بِسِرّه / عُيونٌ وأفْشَتْ ما كتَمْتَ دموع
ويا منزلاً للّهو أبْعَده النَّوى / أللمدنفِ النائي إليكَ رجوع
تذكَّرتُ فيكَ العيشَ والغصنَ يافع / وَريقٌ وشملُ الظاعنين جميع
فأظْهَرْتَ ممَّا أضمَرَتْهُ أضالع / ولله وَجْدٌ أضْمَرَتْه ضلوع
ولولا الهوى ما أبكتِ العينَ أنَّةُ / ولا شاق قلبي أرسمٌ وربوع
ذا مسجدٌ سُرَّ أربابُ السُّجود بهِ
ذا مسجدٌ سُرَّ أربابُ السُّجود بهِ / وجامعٌ جامعٌ للساجدِ الراكعْ
بناه الله منشيه وواضعه / وللقواعد من أركانه رافع
يرجو من الله في العقبى مثوبَته / فيا له بثواب الله من طامع
دعا إلى صالح الأعمال حينئذٍ / من كانَ لله فيه خاضعاً خاشع
فالله يجزيه عما كانَ أنشأه / خيراً وأكرمه من فضله الواسع
إنَّ العِمارة قد زانت عمارتها / أرِّخْ بتعمير عبد القادر الجامع
على أيّ وَجدٍ طَوَيْتَ الضلوعا
على أيّ وَجدٍ طَوَيْتَ الضلوعا / وأجْرَيْتَ ممَّا وَجَدْتَ الدُّموعا
ومن أيّ حال الهوى تشتكي / فؤاداً مروعاً وشوقاً مُريعا
تذكّرْتُ أيامنا بالحمى / وقد زانت الغيد تلك الربوعا
ولم أدر حين ذكرت الألى / دموعاً أرقتَ لها أمْ نجيعا
وقال عذولُك لما رآك / وما كنتَ للوجد يوماً مذيعا
لأمرٍ تُصَبّبُ هذي الدموع / إذا شمتَ في الجزع برقاً لموعا
ولما فَقَدْتَ حبيبَ الفؤاد / غداة الغميم فقدت الهجوعا
وكنتَ غداة دعاك الهوى / لحمل الغرام سميعاً مطيعا
وإنِّي نصحتُك من قبلها / وزِدْتُك لَوماً فَزِدْتَ ولوعا
ولما رغبتَ بحمل الغرام / حَمَلْتَ الغرامَ فَلَن تستطيعا
وأصْبَحْتَ تبكي بدوراً غَرَبْنَ / زَماناً على الحيّ كانت طلوعا
وأيّامُنا في زمان الصّبا / وإنْ لم تكنْ قافلاتٍ رجوعا
فإن تبكِهمْ أسَفاً يا هذيمُ / فخُذني إليك لنبكي جميعا
عَلّموا يا سَعدُ جيرانَ الغضا
عَلّموا يا سَعدُ جيرانَ الغضا / أنَّ نيرانَ الغَضا تَحتَ ضُلوعي
يَوْمَ راحوا يشتكيهم حُرَقاً / خِضل الأجفان تَحتَ ضُلوعي
دَنِفٌ إنْ أهرقَ الدَّمع فمن / كَبِدٍ حرّى ومن قلبٍ مروع
شَرِبَ الحبَّ بم صرفاً فما / يمزج الأدمعَ إلاَّ بنجيع
لا رعاكِ الله نوقاً أرقَلَتْ / بشموسٍ غَرُبَتْ بعد طلوع
تركتني في نزاعٍ بَعدَما / أزْمَعَتْ يوم التنائي لنزوع
وقع الهجر وما كانَ لكم / ذلك الهجران مأمونَ الوقوع
أوَما يكفيكم من دَنِفٍ / ما رأيتم من غَرامي وولوعي
يشتكيكم في الهوى مستغرم / ما شكا إلاَّ إلى غير سميع
يتشافى بعدكم في زعمِهِ / بالصَّبا النجديّ والبرق اللموع
هذه غاية صبري عنكم / إنَّها يا سَعْدُ جهدُ المستطيع
سَقى الله جيراناً بأكنافِ حاجرٍ
سَقى الله جيراناً بأكنافِ حاجرٍ / وَرُوّى على بعد المزار رُبوعَها
فما هي إلاَّ للأُسودِ مصارعٌ / وإنِّي لأهوى أنْ أكونَ صريعها
وآنسةٍ كالشمس حسناً وبهجة / تَرَقَّبَتُ من بين السجوف طلوعها
تميط خماراً عن سنا قمر الدجى / وترخي على مثل الصباح فروعها
تَذَكْرتُها والدّمع يَنْحَلُّ عِقْدُه / وقد أهرقَتْ عيناي منها نجيعها
وقُلتُ لسَعْدٍ لا تلُمني على البكا / وخَلِّ صَبابات الهوى ونزوعَها
فهَلْ أجّجَتْ أحشاي إلاَّ زفيرها / وأجْرَتْ عيونُ الصَّبِّ إلاَّ دموعها
فما ذكرَتْ نفسي على سفح رامةٍ / من الجزع إلاَّ ما يزيد ولوعها
فاذْكر من عَهد الغُوَير ليالياً / تمنَّيْتُ لو يجدي التمنّي رجوعها
ليالي أعطيتُ الأزمة للهوى / وأعْطَيت لذاتي التصابي جميعها