أرأيتَ أم حبَستْ لحاظَك عَبرةٌ
أرأيتَ أم حبَستْ لحاظَك عَبرةٌ / طللاً لسُعدة بالمحصَّب أوقصا
تبعَ الرياحَ وكان يسأل مفصِحاً / عن ساكنيه فصار ينطقُ مُعوِصا
دمَنٌ إذا شخصتْ لعينك أشرفت / نزوات قلبك يقتضينك مَشخَصا
بعدتْ بآثار الأنيس عهودُها / فوحوشُها في نجوةٍ أن تُقنَصا
وكأن جاثمةَ الثَّغامِ بعُقرها / أشياخُ حيّ جالسين القُرفُصا
ولقد تَعُدُّ فلا تَعُدُّ بطالةً / لك في ثراها بُدِّدتْ بَدَدَ الحصى
أيامَ عيشُك باردٌ متلومٌ / وسواك ينهَزُ عيشَه مستفرصا
وعليك من ظُلَلِ الشباب وقاية / ظلٌّ لعمرُك حين أُسبغَ قُلِّصا
نَدمان سافرةِ الجمال إذا احتمتْ / عينا تنقبت البنانَ الرُّخَّصا
ريَّا إذا هزَّتْ لشُغلٍ غصنَها / أَمرَ الكثيبُ وراءَها أن تنكصا
سمجتْ فغودر كلُّ ذنبٍ عندها / ما كان شافعَه الشبابُ ممحَّصا
لم يبق عندك من حقيقةِ ودِّها / إلا الخيال تكذُّباً وتخرُّصا
وعجبتُ منها والموانعُ جمّةٌ / من أنها وجدتْ إليّ تخلُّصا
طرقتْ وشملتها الدجى فأسرّها / شيئاً ونمَّ بها الحُليُّ فأوبصا
مالي سمحتُ بحظّ نفسي ذاهباً / في الغافلين وبعتُ حزمي مرخِصا
والدهرُ يوسعني إذا عاصيتُهُ / لحظاً يسارقني التوعُّدَ أخوصا
ولقد كفاني شيبُ رأسي عَبرةً / وعلى الفَناء دلالة أن نُقِّصا
فلأركبنَّ إلى السلامة غاربَىْ / عَوْد إذا وخَدَ المهارى أوقصا
أَنِس بأشباح الفيافي طرفُهُ / لا يطَّبيه منفِّر أن يَقمُصا
يطِسُ الثرى وَرْداً وينصُل أورقاً / مما ارتدَى بغباره وتقمَّصا
متحرياً بهدايتي وأدائه / في حيث لا تجد القطاةُ المفحَصا
في فتيةٍ يتبادلون نفوسَهم / في الحقّ أين رأوه لاح محصحِصا
ومسوِّمين ضوامراً أعرافُها / تُفلَى بأطراف الرماح وتُنتصى
تبعوا هواي مكلّفاً أو مؤثراً / وتعلَّقوا بي مازحاً أو مخلِصا
وإذا بلغتَ بناصحٍ أو مدهِنٍ / ما تبتغيه فقد أطاعك من عصى
يشكو ملالي نافرٌ خُلُقي به / ولقد أكون على التواصل أحرصا
وتصبُّ نفسي غيرَ أني لم أجد / خِلّاً سقاني الودَّ إلا غصَّصا
قد كنتُ أطلبُ من عدوِّي غِرّةً / فالآن أطلبُ من صديقي مَخلَصا
كم صاحبٍ بالأمس صادفَ بِطنةً / فترتْ به لما رآني مخمَصا
لم يُلفِ لي عيباً وطالعَ عِرضَه / فرنا إليّ بعيبه وتخرّصا
عدِّ ابن أيوبٍ ورُضْ شيمي تَرُضْ / متراجعاتٍ عن سواه حُيَّصا
أنفقتُ كلَّ مودّةٍ أحرزتُها / سَرَفاً ورحتُ بودّه متربِّصا
من معشرٍ شرعوا إلى حاجاتهم / أَسلا كفته مُداهُمُ أن يَخْرُصا
من كل أرقش إن تأوّد ثقَّفتْ / منه البلاغةُ أو تسدَّد أقعصا
يتوارثون به العلاءَ فسابقٌ / يمضي وقافٍ إثرَهُ متقصِّصا
وُلدتْ حلومُهم وهم لم يولدوا / من قبل أن قُرِعتْ لذي الحلم العصا
كرماء حبَّبَهم إليَّ كريمُهم / إن الهوى ما عم حتى خصَّصا
بمحمد رُدّت على أعقابها / عن ساحتي غُشْمُ الحوادث نُكَّصا
أعطَى فأغنَى مسرفاً متعدّياً / ميسورَه كرماً وودّ فأخلصا
وخبَرتُ قوماً قبله وخبرتُهُ / فعرفتُ مولى السيفِ من عبد العصا
تفدِي ثرى قدميك قمّةُ ناقصٍ / حزتَ العلا مِلكاً وطرَّ تلصُّصا
حُرِمَ السيادةَ يافعاً فاستامها / شيخاً فكان كناكح بعدَ الخِصا
لما جلستَ وقامَ ينشرُ باعَه / جهدَ التطاولِ لم يجِدْ لك أَخْمَصا
لو ذُمَّ ما ألِمَ المذمّةَ عرضُه / ما ينقُصُ العوراءَ من أن تُبْخصا
وأنا الذي سر القلوب وساءها / ما حكتُه لك مسهِباً وملخِّصا
وتناذَر الشعراءُ مس لواذعي / والجمر يحمي نفسه أن يُقبَصا
واستَمْتَني رقِّي فبعتُك مُرِخصاً / عن رغبةٍ وكواهبٍ من أرخصا