المجموع : 3
رَضيتُ بأجفانِ هذا الرَّشا
رَضيتُ بأجفانِ هذا الرَّشا / سِهاماً فَلَمْ تُخْطِ منّي الحشا
تَلَثّمَ لمّا بَدا بالهلالِ / وَمن شَعْرِهِ بالدُّجى شرْبَشا
رَخيمُ الدَّلالِ بَعيدُ المنالِ / متى سمتُهُ قُبلةً أَجْهَشا
لهُ أَرَجٌ كلما رامَ أنْ / يزورَ المحبَّ عليهِ وَشى
تَجلّى عِشاءً على العاشقينَ / ومنْ عادةِ البدر يُجلي عِشا
وحاجِبُه مُمْسِكٌ قوسَهُ / وأجفانُه حَمَلَتْ تُركُشا
وريّانَ منْ كأسِ خمرِ الصِّبا / يُعَرْبِدُ بالدَّلِّ أنّى انتشى
وحاوٍ منَ الحُسنِ منْ صدْغهِ / عقارِبَ قد جاوزَتْ أَحنَشا
بَذَلتُ لهُ الرُّوحَ في وَصْله / وقاضي الهوى لا يحب الرشى
وبدرٌ لهُ أَدمُعي نثرةً / يفوق الهلالَ بَدا في الرَّشا
يَكَيْتُ وفي كَبِدي الواقدِي / فأمسى بهِ ناظري الأخفشا
فَسُبحانَ مَنْ صَدَّني عَنْ سواهُ / كأن بهِ ناظِري في غشا
وَغُصْنٌ فؤادي بهِ طائرٌ / على أنّهُ منه قد ريّشا
قُلتُ لِمَنْ أبصَرَني ماشياً
قُلتُ لِمَنْ أبصَرَني ماشياً / بعدَ رُكوب المُهر والجَحْشِ
ما طَبعي الذُّلُّ ولكنّني / أمشي مَعَ الدَّهر كما يمَشي
يشيرُ بِأُذْنيهِ إليَّ مُخاطِباً
يشيرُ بِأُذْنيهِ إليَّ مُخاطِباً / فأفَهمُ فَهْمَ الخُرس فَحواهُ والطُّرشِ
وأقسِمُ إنّي ما تَوَخّيْتُ لَزِّهُ / بِمِقْرَعةٍ تنكيهِ بالضّربِ والخَدْشِ
سَلوا عنهُ أَصحابَ المراغةِ إنّهُمْ / رأوه معي ما زالَ يُحْبَبُ كالكبشِ
إذا نامَ فوقَ الرَّمِاْلِ واختَبَط الثرى / لهُ الذَّنَبُ الذَّيالُ أَبدى سَطا قَرْشِ
وَكَمْ مَوْقفٍ نَقّيتُ فيهِ ذُبابَهُ / مُفَرِّقُه منْ ذلكَ الدَّنِّ والنّشِّ
وَكُنتُ كَجَنيْ الياسمينِ نَثَرتَهُ / على المخزنِ المعمورِ بالكنس والرَّشِّ
وما زالَ يُلهيني بترجيعِ صّوْتهِ / نَهيقاً عنِ الورقاءِ تهتفُ في العُشِّ
كما كانَ يُلهيني بِسَيْرِ عِذارهِ / الصَقيلِ إذا ما لاحَ عن لَعَطِ الحُبْشِ
عِذارٌ به قد قامَ عُذري بِحُبِّهِ / فيا حُسْنَهُ في عُصْبَةِ القُشُب الرُّقْشِ
فيا لَيْتَهُمْ إذْ حمّلوهُ متاعَهُمْ / حُمِلتُ ولا عاينتُ ذاك على النّعشِ
وما ساءَني لمّا نطقتُ بِبَيْعهِ / سِوَى وَحْشَتَي من ذلكَ المنظَرِ الهَشِّ
وقد سالَ من همي الغداةَِ وَعَينه / منَ الدِّمْعِ ما يُعمي المتّيمَ أو يَعسي
ولم أنسَهُ إذْ حَنَّ نَحوي وَكُلّما / تَجافاهُ مولاهُ تشاغَلَ بالقُشِّ
لَقَد كانَ ذُخري في الدَّواب وَعُمدَتي / وَمَوْثل آمالي وَعَوْني على بَطْشي
إخالُ بهِ الأَرضينَ يُطوى بَعيدُها / فَوا أَسفي إذْ صرْتُ منْ بَعْدِهِ أمشي
وما بالَ تحتي قَطُّ مذْ كُنْتُ أَغتَدى / عليهِ ولم يَبْحَثْ عن الأَكلِ بالنَبشِ
وما كانَ ذا جُبْنٍ على أنَّ بولَهُ / تراهُ إذا ما بالَ أبيضَ كالمشِّ
وما كانَ ممّنْ يَنْشُقُ البولَ كالذي / يتوقُ إذا لاحَتْ أتانٌ إلى الفُحش
وما كانَ يُدلي قَطُّ يوماً بحُجَة / إلى القَفْزِ إلاَّ خَلتُهُ نابلاً أَقْشِ
وما كانَ ممَنْ يُسرعُ الخطوَ نَهمةً / ولا يَتَمَطّى إلاَ كلَ للْحَبِّ إذْ عُشتي
ولا كانَ رفَاساً ولا كانَ شامساً / ولا كانَ كَدَّاماً يُكَلِّمُ بالنّهْشِ
ولا كنَ همّازاً ولا كانَ غامزاً / ولا بأحصَّ أزعَنَ واسعِ الكَرِشِ
وقد كانَ مَهما حُشَّ فَرْطاً أو دلُّو / أُشارِكُهُ في ذلكَ الأًَكلِ للْحش
وَهَلْ من ندِيمٍ مثلهِ وَهْوَ إن جَفَا / تغاضى ولا يومي بسرِّيْ ولا يُفْشي
وأصعَبُ ما لاقيتُ بعدَ فِراقه / مقالَ الذي إن قلتُ آه يَقُلْ مَشِّي
تَراني أكَلْتُ البنجَ يوم ابتياعه / وأصبحتُ يَكَاً إذْ غُلِبتُ بِشاسِشِّي
ضَرَبْتُ عليهِ بالشَعيرِ فقيلَ لي / يُردُّ ودُوِّي لو يَرُدُّوهُ بالأرش
سأشكو وقد صَرَّمْتُ أيّامَ هجرِهِ / بموقفِ أحزاني إلى ساكن العرش